الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخيه (موسى) حين خلفه في قومه بني إسرائيل لما خرج إلى الطور، وقد تمسكت الروافض وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت لعلي وأنه وصى له بها، وكفرت الروافض سائر الصحابة بتقديمهم غيره وزاد بعضهم فكفر عليًّا لأنه لم يقم في طلب حقه ولا حجة لهم في الحديث ولا متمسك لهم به لأنه صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، ويؤيده أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى لأنه توفي قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة وبين قوله (إلا أنه ليس نبي) وفي نسخة: لا نبي (بعدي) إذ اتصاله به ليس من جهة النبوّة الاتصال من جهة الخلافة لأنها تلي النبوّة في الرتبة، ثم إنها إما أن تكون في حياته أو بعد مماته فخرج بعد مماته لأن هارون مات قبل موسى، فتعين أن تكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك كمسير موسى إلى مناجاة ربه، ولما سار عليه الصلاة والسلام إلى تبوك تخلف ابن أبي ومن كان معه وقدم النبي صلى الله عليه وسلم ولحقه بها أبو ذر وأبو خيثمة ولحقه بها وفد أذرح ووفد أيلة فصالحهم صلى الله عليه وسلم على الجزية، ثم قفل صلى الله عليه وسلم من تبوك ولم يلق كيدًا وقدم المدينة في شهر رمضان.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في المناقب.
(وقال أبو داود): سليمان بن داود الطيالسي فيما وصله البيهقي في دلائله وأبو نعيم في مستخرجه (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة أنه قال: (سمعت مصعبًا) فصرح بالسماع بخلاف الأولى فبالعنعنة ولذا أوردها.
4417 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ قَالَ: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعُسْرَةَ قَالَ: كَانَ يَعْلَى يَقُولُ: تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقُ أَعْمَالِي عِنْدِي قَالَ عَطَاءٌ: فَقَالَ صَفْوَانُ: قَالَ يَعْلَى: فَكَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ قَالَ عَطَاءٌ: فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الآخَرَ، فَنَسِيتُهُ قَالَ: فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ قَالَ عَطَاءٌ: وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ يَقْضَمُهَا» .
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن سعيد) بكسر العين اليشكري قال: (حدّثنا محمد بن بكر) بسكون الكاف بعد فتح الموحدة البرساني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: سمعت عطاء) أي ابن أبي رباح (يخبر قال: أخبرني) بالإفراد (صفوان بن يعلى بن أمية عن أبية) يعلى بن أمية أنه (قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم العسرة) بسكون السين ولأبي ذر عن الحموي العسيرة بفتحها بعدها تحتية ساكنة (قال: كان يعلى يقول: تلك الغزوة) العسرة (أوثق أعمالي) بالعين المهملة (عندي. قال عطاء) المذكور: (فقال صفوان: قال) أبي (يعلى) بن أمية: (فكان لي أجير) يخدمني بالأجرة لم يسم (فقاتل) الأجير (إنسانًا فعض أحدهما يد الآخر. قال عطاء: فلقد أخبرني صفوان أيهما عضّ الآخر فنسيته) في مسلم أن العاض هو يعلى (قال: فانتزع المعضوض يده من فيّ العاضّ) من فمه (فانتزع إحدى ثنيته) بالتثنية (فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر) عليه الصلاة والسلام (ثنيته) بالإفراد لم يوجب له دية ولا قصاصًا (قال) ولأبي ذر فقال: (عطاء وحسبت أنه) أي صفوان (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):
(أفيدع) أفيترك (يده في فيك تقضمها) بفتح الضاد المعجمة على اللغة الفصيحة أي تأكلها بأطراف أسنانك والاستفهام للإنكار (كأنها في فيّ فحل) في فم ذكر إبل (يقضمها) بفتح الضاد كما سبق.
وهذا الحديث سبق في الإجارة ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدّيات بمباحثه بعون الله.
79 - باب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]
(باب حديث كعب بن مالك) سقط لفظ باب في بعض النسخ (وقول الله عز وجل:
{وعلى الثلاثة} ) كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ({الذين خلفوا})[التوبة: 118] عن غزوة تبوك.
4418 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ: كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَاّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَاّ وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَاّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَىْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؟ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَاّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ -أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ- وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ:«مَا فَعَلَ كَعْبٌ» . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَاّ خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا، وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَىْءٍ فِيهِ
كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ:«تَعَالَ» فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ» ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ» فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكَ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ، هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَاىَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَىَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَىَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَىَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَىَّ السَّلَامَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَاىَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَىَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ.
فَقُلْتُ: لَمَّا قَرَأْتُهَا؟ وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَىَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأَمْرِ، قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ» قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَىْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَىَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَىَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَىَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ إِلَىَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَىَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَىَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قَالَ: قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَاّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} [التوبة: 117] إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تبارك وتعالى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95، 96] قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي بفتح الهمزة بعدها تحتية ساكنة ثم لام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري الشاعر (وكان) أي عبد الله (قائد كعب) أبيه (من) بين (بنيه) بفتح الموحدة وكسر النون وسكون التحتية (حين عمي) وكان بنوه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله ولابن السكن من بيته بالموحدة والتحتية الساكنة والفوقية قال ابن حجر. والصواب الأوّل (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك يحدث) عن حديثه (حين تخلف) مفعول به لا مفعول فيه (عن قصة
تبوك) متعلق بقوله يحدث (قال كعب لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب) بكسر التاء مصححًا عليها في اليونينية مرقومًا عليها علامة أبي ذر في الفرع وأصله أي لم يعاتب الله (أحدًا) ولأبي الوقت وأبي ذر: ولم يعاتب بفتح التاء مبنيًّا للمفعول أحد بالرفع (تخلف عنها) عن غزوة بدر (إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى بدر (يريد عير قريش) بكسر العين الإبل التي تحمل الميرة (حتى جمع الله بينهم) أي بين المسلمين (وبين عدوّهم) كفار قريش (على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة) مع الأنصار (حين تواثقنا) بالمثناة ثم المثلثة تعاهدنا وتعاقدنا (على الإسلام) والإيواء والنصرة قبل الهجرة (وما أحب أن لي بها) أي بدلها (مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر) أي أعظم ذكرًا (في الناس منها. كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر) أي مني كما في مسلم (حين تخلفت عنه) صلى الله عليه وسلم (في تلك الغزاة) أي في غزوة تبوك (والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها) بفتح الواو والراء المشددة أي أوهم غيرها والتورية أن تذكر لفظًا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد (حتى كانت تلك الغزوة) أي غزوة تبوك (غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر
شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا) بفتح الميم والفاء آخره زاي فلاة لا ماء فيها (وعدوًّا كثيرًا) وذلك أن الروم قد جمعت جموعًا كثيرة وهرقل رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء (فجلّى) بالجيم واللام المشددة ويجوز تخفيفها أوضح (للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم) بضم الهمزة وسكون الهاء أي ما يحتاجون إليه في السفر والحرب ولأبي ذر عن الكشميهني أهبة عدوّهم بدل غزوهم (فأخبرهم) صلوات الله وسلامه عليه (بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب) بالتنوين (حافظ) كذلك بالتنوين وفي مسلم بالإضافة قال: الزهري (يريد الديوان). وزاد في رواية معقل يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمعهم ديوان حافظ. وفي الإكليل للحاكم من حديث معاذ: أنهم كانوا زيادة على ثلاثين ألفًا، وبهذه العدة جزم ابن إسحاق، وأورده الواقدي بإسناد آخر موصول وزاد: أنه كانت معهم عشرة آلاف فرس، فتحمل رواية معاذ على إرادة عدد الفرسان، ولابن مردويه لا يجمعهم ديوان حافظ وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين ألفًا ولا تخالف الرواية التي في الإكليل أكثر من ثلاثين ألفًا لاحتمال أن يكون من قال: أربعين ألفًا جبرًا لكسر قاله في الفتح، وتعقبه شيخنا فقال: بل المروي عن أبي زرعة أنهم كانوا سبعين ألفًا. نعم الحصر بالأربعين في حجة الوداع فكأنه سبق قلم أو انتقال نظر.
(قال كعب) بن مالك بالإسناد السابق (فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنه (سيخفى له) لكثرة الجيش (ما لم ينزل) بفتح أوله وكسر ثالثه (فيه وحي الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال) وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب في قيظ شديد في ليالي الخريف والناس خارفون في نخيلهم (وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فطفقت) فأخذت (أغدو) بالغين المعجمة (لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئًا) من جهازي (فأقول في نفسي أنا قادر عليه) متى شئت (فلم يزل يتمادى بي) الحال (حتى اشتد بالناس الجد) بكسر الجيم والرفع فاعلاً وهو الجهد في الشيء والمبالغة فيه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حتى اشتد الناس بالرفع على الفاعلية الجد بالنصب على نزع الخافض أو نعت لمصدر محذوف أي اشتد الناس الاشتداد الجدّ (فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي
شيئًا) بفتح الجيم (فقلت: أتجهز بعده) صلى الله عليه وسلم (بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت) بالغين المعجمة (بعد أن فصلوا) بالصاد المهملة (لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئًا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئًا فلم يزل بي حتى أسرعوا) ولأبي ذر عن الكشميهني شرعوا بالشين المعجمة. قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف (وتفارط الغزو) بالفاء والراء والطاء المهملتين أي فات وسبق (وهممت أن أرتحل فأدركهم) بالنصب عطفًا على أتحل (وليتني فعلت) ذلك (فلم يقدر لي ذلك) فيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها ولا يسوّف بها لئلا يحرمها.
قال كعب: (فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني
أني لا أرى إلا رجلاً مغموصًا) بفتح الميم وسكون العين المعجمة بعدها ميم أخرى مضمومة فواو
فصاد مهملة (عليه النفاق) أي يظن به النفاق ويتهم به وإني بفتح الهمزة. قال الزركشي: على التعليل. قال في المصابيح: ليس بصحيح إنما هي وصلتها فاعل أحزنني (أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك):
(ما فعل كعب فقال رجل من بني سلمة): بكسر اللام وهو عبد الله بن أنيس السلمي بفتح السين واللام كما قال الواقدي قال في الفتح: وهو غير الجهني الصحابيّ المشهور (يا رسول الله حبسه برداه) تثنية برد (ونظره في عطفيه) بكسر العين المهملة والتثنية أي جانبيه كناية عن كونه معجبًا بنفسه ذا زهو وتكبر أو لباسه، أو كنى به عن حسنه وبهجته والعرب تصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عطفًا لوقوعه في عطفي الرجل وفي نسخة باليونينية في عطفه بالإفراد.
(فقال معاذ بن جبل) رضي الله عنه له (بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلاّ خيرًا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) فبينما هو كذلك رأى رجلاً منتصبًا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كن أبا خيثمة" فإذا هو أبو خيثمة سعد بن أبي خيثمة الأنصاري، وعند الطبراني أنه قال: تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت حائطًا فرأيت عريشًا قد رش بالماء، ورأيت زوجتي فقلت: ما هذا بإنصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرّ وأنا في الظل والنعيم فقمت إلى ناضح لي وتمرات وخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم "كن أبا خيثمة" فجئت فدعا لي.
(قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه) صلى الله عليه وسلم (توجه قافلاً) أي راجعًا إلى المدينة (حضرني همي فطفقت) أي أخذت (أتذكر الكذب) وعند ابن أبي شيبة وطفقت أعدّ العذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء وأهيئ الكلام (وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدًا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادمًا) أي دنا قدومه (زاح) بالزاي المعجمة وبالحاء المهملة أي زال (عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه) أي جزمت به وعقدت عليه قصدي ولابن أبي شيبة عرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق (وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا) في رمضان كما قاله ابن سعد (وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين) فركعهما (ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون) الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم عن غزوة تبوك (فطفقوا يعتذرون) أي يظهرون العذر (إليه) صلوات الله وسلامه عليه (ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلاً) من منافقي الأنصار قاله الواقدي، وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضًا اثنين وثمانين رجلاً من غفار وغيرهم، وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه من غير هؤلاء وكانوا عددًا كثيرًا، والبضع بكسر الموحدة وسكون الضاد المعجمة ما بين ثلاث إلى تسع على المشهور، وقيل إلى الخمس، وقيل ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع أو سبع وإذا
جاوزت لفظ العشر ذهب البضع لا يقال بضع وعشرون أو يقال ذلك وهو مع المذكر بهاء ومع المؤنث بغير هاء بضعة وعشرون رجلاً وبضع وعشرون امرأة ولا يعكس قاله في القاموس.
(فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم) أي ظواهرهم (وبايعهم واستغفر لهم ووكل) بفتحات مع التخفيف (سرائرهم إلى الله).
قال كعب: (فجئته) صلى الله عليه وسلم (فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب) بفتح الضاد المعجمة (ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه) وعند ابن عائذ في مغازيه فأعرض عنه فقال: يا نبي الله لم تعرض عني فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت (فقال لي: ما خلفك) عن الغزو (ألم تكن قد ابتعت) أي اشتريت (ظهرك) قال: (فقلت: بلى إني والله لو) ولأبي ذر عن الكشميهني والله يا رسول الله لو (جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً) بفتح الجيم والدال المهملة فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما ينسب إليّ مما يقبل ولا يرد (ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك) اليوم (حديث صدق تجد) بكسر الجيم أي تغضب (عليّ فيه إنه لأرجو فيه عفو الله) عني (لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما) بتشديد الميم (هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك) ما يشاء (فقمت) فمضيت (وثار رجال) بالمثلثة أي وثبوا (من بني سلمة) بكسر اللام (فاتبعوني) بوصل الهمزة وتشديد الفوقية (فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون) بالفوقية وكسر اللام المشددة ولأبي ذر المخلفون بإسقاط الفوقية وفتح اللام (قد كان كافيك) بفتح التحتية (ذنبك) أي من ذنبك (استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك) برفع استغفار بقوله كافيك لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله (فوالله ما زالوا يؤنبونني) بالهمزة المفتوحة فنون مشددة فموحدة مضمومة ونونين أي يلومونني لومًا عنيفًا ولغير أبي ذر يؤنبوني (حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع) بضم الميم وتخفيف الراءين (العمري) بفتح العين المهملة وسكون الميم نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (وهلال بن أمية الواقفي) بتقديم القاف على الفاء نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس. وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن أن سبب تخلف الأول أنه كان له حائط حين زها فقال في نفسه: قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا فلما تذكر ذنبه قال: اللهم إني أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك. وأن الثاني كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم فلما تذكر ذنبه قال: اللهم لك عليّ أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي (فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما إسوة) بضم الهمزة وكسرها.
وقد استشكل بأن أهل السير لم يذكروا واحدًا منهما فيمن شهد بدرًا ولا يعرف ذلك في غير هذا الحديث، وممن جزم بأنهما شهدا بدرًا الأثرم وهو ظاهر صنيع البخاري، وتعقب الأثرم
ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يصب. قال: واستدلّ بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدرًا بما وقع في قصة حاطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جسّ عليه بل قال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر" فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. قال: وأين ذنب التخلف من ذنب الجس؟ قال في الفتح: وليس ما استدلّ به بواضح لأنه يقتضي أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب قد جلد قدامة بن مظعون
الحد لما شرب الخمر وهو بدري وإنما لم يعاقب صلى الله عليه وسلم حاطبًا ولا هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشًا خشية على أهله وولده بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلاً.
قال كعب: (فمضيت حين ذكروهما لي) أي الرجلين (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه) بالرفع أي خصوصًا الثلاثة كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة قال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل محذوف أي أريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: أي منادى والثلاثة صفة له وإنما أوجبوا ذلك لأنه في الأصل كان كذلك فنقل إلى الاختصاص وكل ما نقل من باب إلى باب فإعرابه بحسب أصله كأفعال التعجب (فاجتتبنا الناس) بفتح الموحدة (وتغيروا لنا حتى تنكرت) أي تغيرت (في نفسي الأرض فما هي) الأرض (التي أعرف) لتوحشها عليّ، وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى يجده في نفسه. قال السهيلي: وإنما اشتدّ الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا
فكان تخلفهم في هذه الغزوة كبيرة لأنه كالنكث لبيعتهم انتهى. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمنه صلى الله عليه وسلم (فلبثنا على ذلك خمسين ليلة) استنبط منه جواز الهجران أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًا (فأما صاحباي) مرارة وهلال (فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم) أي أقواهم (وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف) أي أدور (في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا) إنما لم يجزم بتحريك شفتيه عليه الصلاة والسلام بالسلام لأنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل (ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر) بالسين المهملة والقاف أي أنظر إليه في خفية (فإذا أقبلت على صلاتي أقبل) عليه الصلاة والسلام (إليّ وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس) بفتح الجيم وسكون الفاء أي من إعراضهم (مشيت حتى تسوّرت) أي علوت (جدار حائط أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه أي بستانه (وهو ابن عمي) لأنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب (وأحب الناس إليّ
فسلمت عليه فوالله ما ردّ عليّ السلام) لعموم النهي عن كلامهم (فقلت: يا أبا قتادة أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أسألك (بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته) بفتح المعجمة فسألته بالله كذلك (فسكت فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم) وليس ذلك تكليمًا لكعب لأنه لم ينو به ذلك لأنه منهي عنه بل أظهر اعتقاده فلو حلف لا يكلم زيدًا فسأله عن شيء فقال: الله أعلم ولم يرد جوابه ولا إسماعه لا يحنث (ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار) للخروج من الحائط.
(قال: فبينا) بغير ميم (أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي) بفتح النون والموحدة وكسر الطاء المهملة (من أنباط أهل الشام) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة فلاح وكان نصرانيًا ولم يسم (ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له) إليّ يعني ولا يتكلمون بقولهم مثلاً هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه (حتى إذا جاءني دفع إليّ كتابًا من ملك غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة جبلة بن الأيهم أو هو الحارث بن أبي شمر وعند ابن مردويه فكتب إليّ كتابًا في سرقة من حرير (فإذا فيه: أمّا بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة) بسكون الضاد المعجمة أي حيث يضيع حقك (فالحق بنا) بفتح الحاء المهملة (نواسك) بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة (فقلت لما قرأتها) أي الصحيفة المكتوب فيها (وهذا أيضًا من البلاء) وعند ابن أبي شيبة قد طمع فيّ أهل الكفر (فتيممت) أي قصدت (بها التنور) بفتح الفوقية الذي يخبز فيه (فسجرته) بالسين المهملة المفتوحة والجيم أي أوقدته (بها). وهذا يدل على قوّة إيمانه وشدّة محبته لله ورسوله على ما لا يخفى. وعند ابن عائذ: أنه شكا حاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما زال إعراضك عني حتى رغب فيّ أهل الشرك (حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الواقدي: هو خزيمة بن ثابت. قال: وهو الرسول إلى مرارة وهلال بذلك، ولأبي ذر: إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك) عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة أو هي زوجته الأخرى خيرة بفتح الخاء المعجمة بعدها تحتية ساكنة (فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها) بكسر الزاي مجزوم بالأمر (ولا تقربها) معطوف عليه (وأرسل إلى صاحبيّ) بتشديد الياء (مئل ذلك فقلت لامرأتي: الحقي) بفتح الحاء (بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله فيّ هذا الأمر) فلحقت بهم.
(قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية) خولة بنت عاصم (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا ولكن لا يقربك) بالجزم على النهي (قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا) قال كعب: (فقال لي بعض أهلي):
قال في الفتح: لم أقف على اسمه. واستشكل هذا مع نهيه صلى الله عليه وسلم الناس عن كلام الثلاثة.
وأجيب: بأنه عبّر عن الإشارة بالقول يعني فلم يقع الكلام اللساني وهو المنهي عنه قاله ابن الملقن.
قال في المصابيح: وهذا بناء منه على الوقوف عند اللفظ واطراح جانب المعنى، وإلاّ فليس المقصود بعدم المكالمة عدم النطق باللسان فقط، بل المراد هو وما كان بمثابته من الإشارة المفهمة لما يفهمه القول باللسان، وقد يجاب بأن النهي كان خاصًّا بمن عدا زوجة هلال وغشيانه إياها، وقد أذن لها في خدمته، ومعلوم أنه لا بدّ في ذلك من مخالطة وكلام، فلم يكن النهي شاملاً لكل أحد، وإنما هو شامل لمن لا تدعو حاجة هؤلاء إلى مخالطته وكلامه من زوجة وخادم ونحو ذلك، فلعل الذي قال لكعب من أهله:
(لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك) لتخدمك (كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه) كان ممن لم يشمله النهي. قال كعب (فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب) قوي على خدمة نفسي (فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت) بفتح الميم (لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا) أيها الثلاثة (فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا) بغير ميم (أنا جالس على الحال التي) قد (ذكر الله قد ضاقت عليّ نفسي) أي قلبي لا يسعه أنس ولا سرور من فرط الوحشة والغم (وضاقت عليّ الأرض بما رحبت) برحبها أي مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمره كأنه لا يجد فيها مكانًا يقرّ فيه قلقًا وجزعًا، وإذا كان هؤلاء لم يأكلوا مالاّ حرامًا ولا سفكوا دمًا حرامًا ولا أفسدوا في الأرض وأصابهم ما أصابهم فكيف بمن واقع الفواحش والكبائر وجواب بينا قوله:(سمعت صوت صارخ أوفى) بالفاء مقصورًا أي أشرف (على جبل سلع) بفتح السين المهملة وسكون اللام (بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر) بهمزة قطع. وعند الواقدي وكان الذي أوفى على سلع أبا بكر الصديق فصاح: قد
تاب الله على كعب (قال) كعب: (فخررت ساجدًا) شكرًا لله (وعرفت أن قد جاء فرج وآذن) بالمد أي أعلم (رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا)، أيها الثلاثة بتوبة الله علينا (وذهب قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (صاحبيّ) مرارة وهلال (مبشرون) يبشرونهما (وركض إليّ) بتشديد الياء أي استحث (رجل فرسًا) للعدو وعند الواقدي أنه الزبير بن العوّام (وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل)، هو حمزة بن عمرو الأسلمي رواه الوقدي. وعند ابن عائذ أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لكنه صدره بقوله زعموا (وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته) هو حمزة الأسلمي (يبشرني نزعت له ثوبي) بتشديد الياء بالتثنية (فكسوته إياهما ببشراه) لي بتوبة الله عليّ (والله ما أملك) من الثياب (غيرهما يومئذ) وقد كان له مال غيرهما كما صرح به فيما يأتي (واستعرت ثوبين) أي من أبي قتادة كما عند الواقدي (فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجًا فوجًا) جماعة جماعة (يهنوني) ولأبي ذر: يهنونني (بالتوبة يقولون: لتهنك) بكسر النون (توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إليّ) بتشديد الياء (طلحة بن عبيد الله) بضم العين أحد العشرة المبشرة بالجنة (يهرول) أي يسير بين المشي والعدو (حتى صافحني وهناني والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره) وكانا أخوين آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهما كذا قاله البرماوي كغيره، وتعقب بأن الذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير أخًا في أخوة المهاجري فهو أخو أخيه (ولا أنساها لطلحة) أي هذه الخصلة وهي بشارته إياي بالتوبة أي لا أزال أذكر إحسانه إليّ بذلك وكنت رهين مسرته (قال كعب: فلما سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور):
(أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك) أي سوى يوم إسلامه وهو مستثنى تقديرًا، وإن لم ينطق به أوان يوم توبته مكمل ليوم إسلامه، فيوم إسلامه بداية سعادته، ويوم توبته مكمل لها فهو خير من جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها (قال) كعب:(قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله) زاد ابن أبي شيبة أنتم صدقتم الله فصدقكم.
(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرّ) بضم السين وتشديد الراء مبنيًّا للمفعول (استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر) قيل: قال قطعة قمر احترازًا من السواد الذي في القمر أو إشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين الذي فيه يظهر السرور. قالت عائشة: مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكان التشبيه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر (وكنا نعرف ذلك منه) أي الذي يحصل له من استنارة وجهه عند السرور (فلما جلست بين يديه) صلى الله عليه وسلم (قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع) أخرج (من) جميع (مالي صدقة) قال الزركشي وتبعه البرماوي وابن حجر وغيرهما: هي مصدر فيجوز انتصابه بانخلع لأن معنى انخلع أتصدق، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي متصدقًا، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم أن الصدقة مصدر، وإنما هي اسم لما يتصدق به ومنه قوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] وفي الصحاح: الصدقة ما تصدق به على الفقراء فعلى هذا يكون نصبها على الحال من مالي (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي صدقة خالصة لله ولرسول الله، فإلى بمعنى اللام، ولأبي ذر إلى رسوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): له خوفًا عليه من تضرره بالفقر وعدم صبره على الإضافة:
(أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت: أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي