الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو الفضل العراقي وابن القيم بأن ثنية الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة ولا يمر بها إلا إذا توجه من الشام، وإنما وقع ذلك عند قدومه من تبوك، ويحتمل أن تكون في جهة الحجاز ثنية إخرى.
(وقال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (مرة) أخرى (مع الصبيان) بدل قوله الأوّل مع الغلمان وهما بمعنى.
4427 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن السائب) بن يزيد بن سعيد بن ثمامة رضي الله عنه أنه قال: (أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع مقدمه) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الدال أي وقت قدومه (من غزوة تبوك). قال في الفتح: وفي إيراد هذا الحديث هنا إشارة إلى أن إرسال الكتب إلى الملوك كان في سنة غزوة تبوك وهي سنة تسع.
وتقدم هذا الحديث في باب استقبال الغزاة من الجهاد.
83 - باب مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِه وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30 - 31]
(باب) ذكر (مرض النبي صلى الله عليه وسلم-و) وقت (وفاته وقول الله تعالى) يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ({إنك ميت}) أي ستموت ({وإنهم ميتون})[الزمر: 30] أي سيموتون وبالتخفيف من حلّ به الموت.
قال الخليل أنشد أبو عمرو:
أيا سائلي تفسير ميت وميت
…
فدونك قد فسرت إن كنت تعقل
فمن كان ذا روح فذلك ميت
…
وما الميت إلا من إلى القبر يحمل
وكانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته، فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الباقي بالفاني. وعن قتادة: نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك إياهم في عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان ({ثم إنكم}) أي إنك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغائب ({يوم القيامة عند ربكم تختصمون})[الزمر: 30 - 31] فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، واجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد ويعتذرون بما لا طائل تحته. قالت الصحابة رضي الله عنهم: ما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان قالوا: هذه خصومتنا. وعن أبي العالية نزلت في أهل القبلة وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم والوجه هو الأوّل وسقط قوله ثم إنكم الخ لأبي ذر.
4428 -
وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ» .
(وقال): ولأبي ذر فقال: (يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله البزار والحاكم (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (قال عروة) بن الزبير: (قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه):
(يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام) أي أحس الألم في جوفي بسبب الطعام المسموم (الذي أكلت بخيبر). وعند الواقدي مما رواه ابن سعد عنه أنه صلى الله عليه وسلم عاش بعد أكله ثلاث سنين (فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري) بفتح الهاء عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب ثم تتشعب منه سائر الشرايين إذا انقطع مات صاحبه (من ذلك السم) بفتح السين وضمها وأوان رفع على الخبرية وهو الذي في الفرع، وبالفتح لإضافته إلى مبني وهو الماضي لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الوحيد وهو في موضع رفع خبر المبتدأ.
4429 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ثُمَّ مَا صَلَّى لَنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة الحافظ المخزومي مولاهم المصري ونسب لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأوّل ابن عتبة بن مسعود (عن
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) وسقط عبد الله لأبي ذر (عن) أمه (أم الفضل) لبابة (بنت الحارث) الهلالية أنها (قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم) حال كونه (يقرأ في) صلاة (المغرب بالمرسلات عرفًا ثم ما صلّى لنا بعدها حتى قبضه الله). وفي رواية عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن ابن شهاب في الصلاة: إنها لآخر ما سمعت من رسول الله يقرأ بها في المغرب.
4430 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ. فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] قَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَاّ مَا تَعْلَمُ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بعينين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وبعد العين الثانية راء أخرى ابن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون السامي
بالسين المهملة البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة حفص بن أبي وحشية إياس الواسطي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) أنه (قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدني) أي يقرّب (ابن عباس) من نفسه وكان الأصل أن يقول: يدنيه لكنه أقام الظاهر مقام المضمر (فقال له عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناء مثله) في السن فلم تدنهم (فقال) عمر: (إنه من حيث تعلم) من جهة قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من جهة زيادة معرفته (فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية {إذا جاء نصر الله والفتح})[النصر: 1] بعد أن سألهم فمنهم من قال: فتح المدائن، ومنهم من سكت (فقال) ابن عباس مجيبًا هو (أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فقال) له عمر:(ما أعلم منها إلا ما تعلم). وعند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، وقوله وقال يونس المعلق السابق بعد قوله تختصمون مؤخر هنا في رواية أبي ذر.
4431 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ، فَقَالَ:«ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا» فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ» وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ» وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ فَنَسِيتُهَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) ولأبي ذر ابن عيينة بدل سفيان (عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قال ابن عباس) رضي الله عنهما: (يوم الخميس وما يوم الخميس)؟ برفع يوم خبر مبتدأ محذوف ومراده التعجب من شدة الأمر وتفخيمه، ولمسلم
ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيتها على خذيه كأنها نظام اللؤلؤ (اشتدّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال):
(ائتوني) زاد في العلم بكتاب أي بأدوات الكتاب كالدواة والقلم، أو ما يكتب فيه كالكاغد (أكتب لكم) بالجزم جواب الأمر والرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب لكم (كتابًا لن تضلوا) منصوب بحذف النون، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون (بعده أبدًا فتنازعوا) فقال بعضهم: نكتب لما فيه من امتثال الأمر وزيادة الإيضاح. وقال عمر رضي الله عنه: حسبنا كتاب الله فالأمر ليس للوجوب بل للإرشاد إلى الأصلح (ولا ينبغي عند نبي تنازع) قيل: هذا مدرج من قول ابن عباس ويردّه قوله عليه الصلاة والسلام في كتاب العلم في باب كتابة العلم (ولا ينبغي عندي التنازع فقالوا: ما شأنه أهجر)؟ بإثبات همزة الاستفهام وفتح الهاء والجيم والراء، ولبعضهم أهجرًا بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين مفعولاً بضم مضمر أي قال: هجرًا بضم الهاء وسكون الجيم وهو الهذيان الذي يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم، وهذا مستحيل وقوعه من المعصوم صحة ومرضًا، وإنما قال ذلك من قاله منكرًا على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة فكأنه قال: تتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه، امتثل أمره وأحضر ما طلب، فإنه لا يقول إلا الحق، أو المراد أهجر بلفظ الماضي من الهجر بفتح الهاء وسكون الجيم والمفعول محذوف أي أهجر الحياة وعبّر بالماضي مبالغة لما رأى من علامات الموت (استفهموه) بكسر الهاء بصيغة الأمر أي عن هذا الأمر الذي أراده هل هو الأولى أم لا (فذهبوا يردّون عليه) أي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها، وقد كانوا يراجعونه في بعض الأمور قبل تحتم الإيجاب كما راجعوه يوم الحديببة في الحلاق وكتابة الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه أحد منهم، ولأبي ذر: يردّون عنه القول المذكور على من قاله.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعوني) اتركوني (فالذي أنا فيه) من المشاهدة والتأهب للقاء الله عز وجل (خير مما تدعوني) ولأبي ذر مما تدعونني (إليه) من شأن كتابة الكتاب (وأوصاهم) صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة (بثلاث) من الخصال (قال) لهم: (أخرجوا المشركين) بفتح الهمزة وكسر الراء (من جزيرة العرب) هي من عدن إلى العراق طولاً، ومن جدّة إلى الشام عرضًا (وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) أي أعطوهم، وكانت جائزة الواحد على عهده صلى الله عليه وسلم من فضة وهي أربعون درهمًا فأمر بإكرامهم
تطييبًا لقلوبهم وترغيبًا لغيرهم من المؤلّفة (وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها) قيل: الساكت هو ابن عباس، والناسي سعيد بن جبير، لكن في مستخرج أبي نعيم قال سفيان قال سليمان أي ابن أبي مسلم: لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها فهو الراجح، وقد قيل: إن الثالثة هي الوصية بالقرآن أو هي تجهيز جيش أسامة لقول أبي بكر لما اختلفوا عليه في تنفيذ جيش أسامة: إن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إليّ بذلك عند موته أو قوله "لا تتخذوا قبري وثنًا" فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود، أو هي ما وقع في حديث أنس من قوله "الصلاة وما ملكت أيمانكم".
وهذا الحديث قد سبق في العلم والجهاد.
4432 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قُومُوا» . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لاِخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: لما حضر) بضم المهملة وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول (رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي دنا موته (وفي البيت رجال) من الصحابة (فقال النبي) وفي نسخة: فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
(هلموا أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده) بحذف النون على أن لا ناهية ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون بإثبات النون على أنها نافية (فقال بعضهم): هو عمر بن الخطاب (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا) أي يكفينا (كتاب الله). قال أبو سليمان: خشي عمر رضي الله عنه أن يجد المنافقون سبيلاً إلى الطعن فيما يكتبه إلى حمله إلى تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الإتقان، فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ولا جوّز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا.
(فاختلف أهل البيت) الذي كانوا فيه من الصحابة لا أهل بيته صلى الله عليه وسلم (واختصموا فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون (بعده، ومنهم من يقول: غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا) عني واستنبط منه أن الكتابة ليست بواجبة وإلاّ لم يتركها صلى الله عليه وسلم لأجل اختلافهم لقوله تعالى: {بلّغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67] كما لم يترك التبليغ لمخالفة من خالفه ومعاداة، من عاداه، وكما أمر في تلك الحالة بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك ولا يعارض هذا قوله.
(قال عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله: (فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية) بالراء ثم الزاي فالتحتية المشددة أي المصيبة كل المصيبة (ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم) لأن عمر كان أفقه من ابن عباس قطعًا، وذلك أنه إن كان من الكتاب بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها فقد علم عمر حصول ذلك من قوله تعالى:
{اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وعلم أنه لا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي الكتاب والسنة بيانها نصًّا أو دلالة، وفي تكلف النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه مع شدة وجعه كتابة ذلك مشقة، فرأى الاقتصار على ما سبق بيانه تخفيفًا عليه، ولئلا ينسدّ باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط وإلحاق الأصول بالفروع، فرأى عمر رضي الله عنه أن الصواب ترك الكتابة تخفيفًا عليه صلى الله عليه وسلم وفضيلة للمجتهدين، وفي تركه الإنكار عليه دليل على استصواب رأيه.
4433 و 4434 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ عليها السلام فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَبَكَتْ ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَضَحِكَتْ، فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ يَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ.
وبه قال: (حدّثنا يسرة) بفتح التحتية والمهملة والراء (ابن صفوان بن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم (اللخمي) بالخاء المعجمة الساكنة قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قاضي المدينة (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها قالت: دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة) بنته عليها السلام في شكواه) في مرضه (الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني التي قبض فيها بالتأنيث على لفظ شكواه
(فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارّها بشيء فضحكت) سقط لأبي ذر بشيء الثانية (فسألنا عن) ولأبي ذر عن الكشميهني فسألناها عن سبب (ذلك) البكاء والضحك (فقالت): بعد وفاته (سارّني النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارّني فأخبرني أني أوّل أهله) ولأبي ذر عن الكشميهني أول أهل بيته (يتبعه) بسكون الفوقية (فضحكت).
وفي رواية مسروق في علامات النبوّة أن الذي سارّها به فضحكت هو إخباره إياها بأنها سيدة نساء أهل الجنة. وروى النسائي من طريق أي سلمة عن عائشة في سبب البكاء أنه ميت، وفي سبب الضحك الأمرين الآخرين، وقد اتفق على أن فاطمة رضي الله عنها كانت أول من مات من أهل بيته صلى الله عليه وسلم بعده حتى من أزواجه.
وهذا الحديث مرّ في علامات النبوّة.
4435 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69] الآيَةَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. [الحديث 4435 - أطرافه في: 4436، 4437، 4463، 4586، 6348، 6509].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة العبدي المشهور ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: كنت أسمع) أي من النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى (أنه لا يموت نبي) من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (حتى يخير) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (بين) المقام في (الدنيا و) الارتحال منها إلى (الآخرة، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحّة) بضم الموحدة وتشديد الحاء المهملة غلظ وخشونة يعرض في مجاري النفس فيغلظ الصوت (يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم})[النساء: 69](الآية فظننت أنه) عليه الصلاة والسلام (خير).
وهذا الحديث أخرجه في التفسير.
4436 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَرَضَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» .
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: لما مرض النبي) ولأبي ذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم المرض) ولأبي ذر مرضه (الذي مات فيه جعل يقول):
(في الرفيق الأعلى) أي الجماعة من الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين، وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليل، وقيل: المعنى ألحقني بالرفيق الأعلى أي بالله تعالى، يقال الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة فهو فعيل بمعنى فاعل، وفي حديث عائشة رفعته "إن الله رفيق يحب الرفق" رواه مسلم، وأبو داود من حديث عبد الله بن مغفل ويحتمل أن يراد به حظيرة القدس.
4437 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ» فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» فَقُلْتُ: إِذًا لَا يُجَاوِرُنَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (قال) ولأبي ذر أخبرني (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول):
(أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا) بضم التحتية الأولى وتشديد الثانية مفتوحة بينهما حاء مهملة مفتوحة أي يسلم إليه الأمر أو يملك في أمره أو يسلم عليه تسليم الوداع (أو يخير) بين الدنيا والآخرة والشك من الراوي (فلما اشتكى) أي مرض (وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه فلما أفاق شخص) بفتح الشين والخاء المعجمتين أي ارتفع (بصره نحو سقف البيت ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى). وفي رواية أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عند النسائي وصححه ابن حبان فقال: "أسأل الله الرفيق الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل" وظاهره أن الرفيق المكان الذي يحصل فيه المرافقة مع المذكورين. قالت عائشة:
(فقلت: إذا لا يجاورنا) في الدنيا، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا يختارنا (فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدّثنا) به (وهو صحيح). وفي مغازي أبي الأسود عن عروة أن جبريل نزل إليه في تلك الحالة فخيّره.
4438 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَفَّانُ عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ:«فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ وَرَأْسُهُ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (محمد) هو ابن يحيى الذهلي قال: (حدّثنا عفان) بالفاء المشدّدة
ابن مسلم الصفار (عن صخر بن جويرية) بالصاد المهملة المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة وجويرية بضم الجيم مصغرًا النميري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (عن عائشة رضي الله عنها) أنها قالت (دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته) عليه الصلاة والسلام (إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك) من جريد (رطب يستن) بتشديد النون يستاك (به فأبده) بالموحدة المخففة والدال المهملة المشددة، ولأبي ذر عن الكشميهني فأمده بالميم بدل الموحدة وهما بمعنى أي مد (رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره) الشريف إليه (فأخذت السواك) من عبد الرحمن (فقصمته) بالصاد المهملة المفتوحة أي كسرته أو قطعته، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فقضمته بكسر الضاد المعجمة أي مضعته. وحكى السفاقسي: ففصمته بالفاء والصاد المهملة بدل القاف والمعجمة (ونفضته) بالفاء والضاد المعجمة الساكنة (وطيبته) بالواو في اليونينية وغيرها وفي الفرع بالفاء أي طيبته بالماء أو باليد أي لينته. وقال المحب الطبري فيما قاله في الفتح: إن كان فقضمته بالضاد المعجمة فيكون قولها فطيبته تكرارًا، وإن كان بالمهملة فلا لأنه يصير المعنى كسرته لطوله أو لإزالة المكان الذي تسوّك به عبد الرحمن.
(ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن) أي استاك (به فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانًا قط أحسن منه فما عدا) بالعين والدال المهملتين (أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) من السواك (رفع يده وإصبعه) بالشك من الراوي (ثم قال: في الرفيق الأعلى) قالها (ثلاثًا. ثم قضى) عليه الصلاة والسلام نحبه.
(وكانت) عائشة (تقول: مات) صلى الله عليه وسلم (ورأسه بين حاقنتي) بالحاء المهملة والقاف المكسورة والنون المفتوحة النقرة بين الترقوة وحل العاتق (وذاقنتي) بالذال المعجمة والقاف المكسورة طرف الحلقوم، وهذا لا يعارضه حديثها السابق إن رأسه كان على فخذها لاحتمال أنها رفعته من فخذها إلى صدرها. وأما ما رواه الحاكم وابن سعد من طرق أنه صلى الله عليه وسلم مات ورأسه في حجر عليّ ففي كل طريق من طرقه شيعي فلا يحتج به.
4439 -
حَدَّثَنِي حِبَّانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. [الحديث 4439 - أطرافه في: 5016، 5735، 5751].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (حبان) بكسر الحاء المهملة ابن موسى المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالتوحيد (عروة) بن الزبير (أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى) أي مرض (نفث) بالمثلثة أي أخرج الريح من فمه مع شيء من ريقه (على نفسه بالمعوّذات) بكسر الواو والمشددة الإخلاص واللتين بعدها فهو من باب التغليب، أو المراد الفلق والناس وجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو المراد الكلمات المعوّذات بالله من الشياطين والأمراض (ومسح عنه بيده) لتصل بركة القرآن واسم الله تعالى إلى بشرته المقدسة (فلما اشتكى) صلى الله عليه وسلم (وجعه الذي توفي فيه طفقت) ولأبي ذر عن الكشميهني: فطفقت أي أخذت حال كوني (أنفث على نفسه) ولأبي ذر: أنفث عنه (بالمعوّذات التي كان ينفث) بكسر الفاء فيهما (وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه) لبركتها.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب وكذا مسلم.
4440 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهْوَ مُسْنِدٌ إِلَىَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ» . [الحديث 4440 - أطرافه في: 5647].
وبه قال: (حدّثنا يعلى بن أسد) العمي أبو الهيثم أخو بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا
عبد العزيز بن مختار) البصري الدباغ قال: (حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن عباد بن عبد الله) بتشديد الباء (ابن الزبير) بن العوّام (أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته أنها سمعت النبي) ولأبي ذر ورسول الله (صلى الله عليه وسلم وأصغت) بالصاد المهملة الساكنة والغين المعجمة المفتوحة أي أمالت سمعها (إليه قبل أن يموت وهو مسند إلي ظهره) فسمعته (يقول):
(اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق) أي الأعلى وهي ملحقة في هامش
الفرع وأصله بالحمرة من غير تصحيح ولا رقم وهمزة وألحقني قطع.
4441 -
حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْلَا ذَلِكَ لأُبْرِزَ قَبْرُهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.
وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بالصاد المهملة المفتوحة ابن همام الخاركي البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن هلال الوزان) هو ابن أبي حميد على المشهور (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه):
(لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) بالجمع (قالت عائشة: لولا ذلك) باللام، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ذاك (لأبرز) بضم الهمزة وسكون الموحدة وكسر الراء بعدها زاي أي لكشف (قبره) صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل غير أنه (خشي) بفتح الخاء المعجمة (أن يتخذ) بضم الياء مبنيًا للمفعول (مسجدًا).
وهذا الحديث سبق في الجنائز.
4442 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهْوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ لَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ:«هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ» فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء هو سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري مولاهم البصري (قال: حدثني) بالتوحيد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه) وكان في بيت ميمونة (استأذن أزواجه أن يمرّض) أي يتعهد ويخدم (في بيتي) وكانت فاطمة رضي الله عنها هي التي خاطبت أمهات المؤمنين في ذلك فقالت لهن: إنه يشق عليه الاختلاف. ذكره ابن سعد بإسناد صحيح عن الزهري (فأذن له) بتشديد النون (فخرج) عليه الصلاة والسلام (وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر قال عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (فأخبرت عبد الله) بن عباس (بالذي قالت عائشة. فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال) عبيد الله (قلت) له: (لا) أدري (قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب) وثبت قوله ابن أبي طالب لأبي ذر (وكانت) ولأبي ذر فكانت بالفاء بدل الواو (عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل بيتي) وكان يوم الاثنين السابق ليوم الاثنين الذي توفي فيه (واشتد به وجعه قال):
(هريقوا) أي صبوا (عليّ) الماء (من سبع قرب لم تحلل) بضم الفوقية وسكون الحاء وفتح اللام الأولى مخففة (أوكيتهن) جمع وكاء وهو رباط القربة (لعلي أعهد إلى الناس) أي أوصي (فأجلسناه في مخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين في إجانة (لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا) بكسر الفاء جعلنا (نصبّ عليه من تلك القرب) السبع (حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن) والحكمة في عدد السبع كما قيل إن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر (قالت) عائشة: (ثم خرج إلى الناس فصلّى لهم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بهم بالموحدة بدل اللام (وخطبهم).
روى الدارمي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه ونحن في المسجد عاصبًا رأسه بخرقة حتى أهوى نحو المنبر فاستوى عليه فاتبعناه. قال: "والذي نفسي بيده لأنظر إلى الحوض من مقامي هذا" ثم قال: "إن عبدًا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة" قال: فلم يفطن بها غير أبي بكر فذرفت عيناه فبكى ثم قال: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأموالنا وأنفسنا يا رسول الله. ثم هبط فما قام عليه حتى الساعة، والمراد بالساعة القيامة أي فما قام عليه بعد في حياته ولمسلم من حديث جندب أن ذلك كان قبل موته بخمس، ولعله كان بعد حصول اختلافهم ولغطهم. وقوله لهم "قوموا عني" فوجد بعد ذلك خفة فخرج.
4443 و 4444 - وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ:«لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
قال الزهري: بالإسناد السابق (وأخبرني) بالإفراد ولأبي ذر وأخبرنا (عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة أن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم) سقط لأبي ذر لفظ عبد الله الأخير (قالا: لما نزل) بفتح النون والزاي (برسول الله صلى الله عليه وسلم) المرض (طفق يطرح خميصة) بفتح الخاء المعجمة ثوب خزأ وصوف (له على وجهه فإذا اغتم) بالغين المعجمة الساكنة أخذه نفسه من شدة الحر (كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك):
(لعنة الله) ولغير أبي ذر عن وجهه وهو يقول: لعنة الله (على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) حال كونه عليه الصلاة والسلام (يحذر ما صنعوا) من اتخاذ المساجد على القبور.
قال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانًا لعنهم ومنعهم عن مثل ذلك، وأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل ذلك الوعيد.
4445 -
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَاّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً، قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا وَلَا كُنْتُ أُرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ أَحَدٌ مَقَامَهُ إِلَاّ تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال الزهري بالسند السابق: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أن عائشة) رضي الله عنها (قالت: لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك) أي في أمره صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإمامة الصلاة (وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده) صلى الله عليه وسلم (رجلاً قام مقامه) عليه السلام في الصلاة بهم (أبدًا ولا) ولأبي ذر عن الكشميهني وأن لا (كنت أرى) أظن (أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به) بالشين المعجمة أي وما حملني عليه إلا ظني بعدم محبة الناس للقائم مقامه وظني لتشاؤمهم به (فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر).
قال في المصابيح: وهذا ظاهر في كونه باعثًا لها على إرادة العدول بذلك عن أبي بكر رضي الله عنه لمكان أبوّته منها وشرف منزلته عندها وفي بعض الطرق السابقة أنها أرادت أن يكون عمر هو الذي يصلّي فانظر هذا مع علمها بما يلحقه من تشاؤم الناس والله أعلم بحقيقة الحال.
(رواه) أي الأمر بصلاة أبي بكر بالناس (ابن عمر) فيما وصله المؤلّف في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة (وأبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري فيما وصله في هذا الباب (وابن عباس) فيما وصله في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به (رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم).
4446 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد (ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن الهاد (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت: مات النبي صلى الله عليه وسلم وأنه) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام (لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم) والحاقنة: الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق.
4447 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، عَبْدُ الْعَصَا وَإِنِّي وَاللَّهِ لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة وحمزة بالحاء المهملة والزاي الحمصي قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) شعيب (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري) قال الحافظ الشرف الدمياطي: انفرد البخاري عن الأئمة بهذا الإسناد، وعندي في سماع الزهري من عبد الله بن كعب بن مالك انظر اهـ.
وقد سبق في غزوة تبوك أن الزهري سمع من عبد الله وأخويه عبد الرحمن وعبيد الله ومن عبد الرحمن بن عبد الله. قال في الفتح: فلا معنى لتوقف الدمياطي فيه فإن الإسناد صحيح، وسماع الزهري من عبد الله بن كعب ثابت ولم ينفرد به شعيب.
(وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم) لما تخلفوا عن غزوة تبوك (أن عبد الله بن عباس) سقط لفظ عبد الله لأبي ذر (أخبره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه) ولأبي ذر: منه (فقال الناس) له: (يا أبا الحسن
كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله باريًا) بغير همز في الفرع. وقال في المصابيح كالتنقيح: بالهمز اسم فاعل من برأ المريض إذا أفاق من المرض (فأخذ بيده) بيد علي (عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث) أي بعد ثلاثة أيام (عبد العصا) أي تصير مأمورًا بموته صلى الله عليه وسلم وولاية غيره (وإني والله لأرى) بضم الهمزة أي لأظن (رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت) وذكر ابن إسحاق عن الزهري أن هذا كان يوم قبض النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال العباس لعلي:(اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله) بسكون اللامين (فيمن هذا الأمر) أي الخلافة (إن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا) الخليفة بعده، وعند ابن سعد من مرسل الشعبي فقال علي: وهل يطمع في هذا الأمر غيرنا (فقال علي: إنّا والله لئن سألناها) أي الخلافة (رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها) بفتح العين (لا يعطيناها الناس بعده) أي وإن لم يمنعناها بأن يسكت فيحتمل أن تصل إلينا في الجملة (وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لا أطلبها منه، وفي مرسل الشعبي فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال العباس لعلي: ابسط يدك أبايعك يبايعك الناس فلم يفعل. وفي فوائد أبي الطاهر الذهلي بإسناد جيد قال عليّ: يا ليتني أطعت عباسًا يا ليتني أطعت عباسًا.
وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي الزهري وعبد الله بن كعب وصحابي عن صحابي كعب وابن عباس، وأخرجه البخاري أيضًا في الاستئذان.
4448 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَاّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين ونسبه لجدّه واسم أبيه كثير (قال: حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الفهمي الإمام (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك رضي الله عنه أن المسلمين بينا) بغير ميم، ولأبي ذر: بينما (هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي لهم) وجواب بينا قوله: (لم يفجأهم إلا رسول الله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا ورسول الله (صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة) ولأبي ذر وهم
صفوف في الصلاة (ثم تبسم يضحك) حال مؤكدة لأن تبسم بمعنى يضحك وأكثر ضحك الأنبياء التبسم، وكان ضحكه عليه الصلاة والسلام فرحًا باجتماعهم على الصلاة وإقامة الشريعة (فنكص) بالصاد المهملة أي تأخر (أبو بكر على عقبيه) بفتح الموحدة بالتثنية وراءه (ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة فقال أنس: وهم المسلمون) بفتح الهاء والميم المشدّدة أي قصدوا (أن يفتتنوا في صلاتهم) بأن يخرجوا منها (فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بإظهار السرور قولا وفعلاً (فأشار إليهم بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر) زاد في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة فتوفي من يومه.
4449 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ. فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَلَيَّنْتُهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ:«لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ» ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة لشيء واسم جده ميمون القرشي التيمي مولاهم المدني وقيل الكوفي قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي (عن عمر بن سعيد) بضم العين ابن أبي حسين النوفلي القرشي المكي أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (أن أبا عمرو) بفتح العين (ذكوان) بالذال المعجمة المفتوحة (مولى عائشة) رضي الله عنهما (أخبره أن عائشة كانت تقول: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي و) رأسه (بين سحري) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين وتضم السين كما في القاموس وغيره الرئة (ونحري) بالحاء المهملة موضع القلادة من الصدر (وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته).
(دخل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ودخل (علي) بتشديد الياء (عبد الرحمن) ابن أبي بكر
(وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه "أن نعم" فتناولته) أي السواك (فاشتد عليه) الوجع (وقلت ألينه لك؟ فأشار برأسه "أن نعم" فلينته) ولأبي ذر عن الكشميهني زيادة بأمره بالموحدة والميم الساكنة ولأبي ذر أيضًا عن الحموي والمستملي: فأمرّه بالفاء بعدها همزة فميم وتشديد الراء أي على أسنانه فاستاك به. قال عياض: والأوّل أولى (وبين يديه ركوة) بفتح الراء من أدم (أو علبة) بضم العين وسكون
اللام بعدها موحدة مفتوحة قدح ضخم من خشب (يشك عمر) بن سعيد الراوي (فيها ماء فجعل) صلى الله عليه وسلم (يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه) حال كونه (يقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرات) جمع سكرة وهي الشدة (ثم نصب) بفتح النون والصاد المهملة والموحدة (يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض) بضم القاف وكسر الموحدة (ومالت يده).
4450 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولَ:«أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا» ؟ يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي، ثُمَّ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْطَانِيهِ، فَقَضِمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني قال: (حدّثنا هشام بن عروة) قال (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول):
(أين أنا غدًا أين أنا غدًا) مرّتين (يريد يوم عائشة فأذن) بتخفيف النون في الفرع كأصله وفي نسخة فأذن (له أزواجه) بتشديد النون على لغة أكلوني البراغيث (يكون حيث شاء). وفي مرسل أبي جعفر عند ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أين أكون غدًا" كررها فعرفن أزواجه وإنما يريد عائشة فقلن: يا رسول الله قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة (فكان في بيت عائشة حتى مات عندها) ولأبي ذر عن المستملي: فيها أي في حجرتها أو في نوبتها.
(قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله وأن رأسه لبين نحري وسحري) وزاد أحمد في رواية همام عن هشام: فلما خرجت نفسه لم يجد ريحًا قط أطيب منها (وخالط ريقه ريقي) بسبب السواك (ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به) يدلك به أسنانه يستاك وسقط لفظ ثم في اليونينية (فنظر إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: إليّ (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أعطني) بهمزة قطع (هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته) بكسر الضاد المعجمة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقصمته بالصاد المهملة المفتوحة (ثم مضعته) بفتح الضاد المعجمة (فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستند) ولأبي ذر مستند (إلى صدري) وأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم: توفي وهو إلى صدر علي بن أبي طالب فضعيف لا يحتج به.
4451 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي،
وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ:«فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفِي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً، فَأَخَذْتُهَا فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا وَنَفَضْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ فَاسْتَنَّ بِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ نَاوَلَنِيهَا فَسَقَطَتْ يَدُهُ أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ، فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة ثم مهملة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: توفي النبي) ولأبي ذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي) أي يوم نوبتي بحسب الدور المعهود (وبين سحري ونحري وكانت) بتاء التأنيث ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وكان (إحدانا تعوذّه) بضم الفوقية وفتح العين المهملة وتشديد الواو المكسورة بعدها ذال معجمة (بدعاء إذا مرض فذهبت) بسكون الموحدة (أعوّذه فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى) مرتين.
(ومرّ عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني إليّ (النبي صلى الله عليه وسلم فظننت أن له بها) أي بالجريدة (حاجة فأخذتها فمضعت رأسها ونفضتها فدفعتها) ولأبي ذر عن الكشميهني فدفعت (إليه) صلى الله عليه وسلم (فاستن بها كأحسن ما كان مستنًا ثم ناولنيها) أي الجريدة (فسقطت) بالفاء ولأبي ذر عن الكشميهني وسقطت (يده أو سقطت) أي الجريدة (من يده فجمع الله بين ريقي وريقه) بسبب السواك (في آخر يوم) من أيامه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من الدنيا وأول يوم) من أيامه (من الآخرة). وفي حديث خرّجه العقيلي أنه صلى الله عليه وسلم قال لها في مرض موته "ائتيني بسواك رطب فامضغيه ثم ائتيني به أمضعه لكي يختلط ريقي بريقك لكي يهوّن علي عند الموت".
4452 و 4453 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه: أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته أن أبا بكر رضي الله عنه) لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقبل) حال كونه راكبًا (على فرس من مسكنه) أي مسكن زوجته بنت خارجة وكان عليه الصلاة والسلام أذن له في الذهاب إليها (بالسنح) بضم السين المهملة
بعدها نون ساكنة وبضمها فحاء مهملة من عوالي المدينة من منازل بني الحارث بن الخزرج (حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم) أي قصد (رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشّى) بضم الميم وفتح الغين والشين المشددة المعجمتين أي مغطى (بثوب حبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة وإضافة ثوب إليه وبتنوين ثوب فحبرة صفة وهو من ثياب اليمن (فكشف) الثوب (عن وجهه) الشريف (ثم أكب عليه فقبّله وبكى ثم قال): أفديك (بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين) قيل: هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره {كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} [البقرة: 243]، و {كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها} [البقرة: 259] وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها. وقيل: أراد أن لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسأل ثم يموت وهذا جواب الداودي. وقيل: كنى بالموت الثاني عن الكرب إذ لا يلقى بعد كرب هذا الموت كربًا آخر وأغرب من قال: المراد بالموتة الأخرى موت الشريعة أي لا يجمع الله عليك موتك وموت شريعتك، ويؤيد هذا القول قول أبي بكر بعد ذلك في خطبته: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت (أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها).
4454 -
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ بُنُ الْخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] وَقَالَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَتَلَقَّاهَا النَّاسُ مِنْهُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَاّ يَتْلُوهَا، فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ.
(قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بالسند المذكور (وحدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (عن عبد الله بن عباس) سقط قوله قال: الزهري وقوله عبد الله لأبي ذر (أن أبا بكر) الصديق (خرج) أي من عند النبي صلى الله عليه وسلم (وعمر بن الخطاب يكلم الناس) يقول لهم: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند ابن أبي شيبة أن أبا بكر مرّ بعمر وهو يقول: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين. قال: وكانوا أظهروا الاستبشار ورفعوا رؤوسهم (فقال) أبو بكر له: (أجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليه (وتركوا عمر فقال أبو بكر: أما بعد من) ولأبي ذر والأصيلي فمن (كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم)
سقطت التصلية لأبي ذر (فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت} مضت {من قبله الرسل} إلى قوله: ({الشاكرين})[آل عمران: 144](وقال) ابن عباس: (والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس منه كلهم فما أسمع بشرًّا من الناس إلا يتلوها).
وعند أحمد من رواية يزيد بن بابنوس بالموحدتين بينهما ألف ثم نون مضمومة فواو ساكنة فمهملة عن عائشة: أن أبا بكر حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله يقول {إنك ميت وإنهم ميتون} [الزمر: 3] حتى فرغ من الآية ثم تلا: {وما محمد إلا رسول} [آل عمران: 144] الآية. وقال فيه قال عمر: أو إنها في كتاب الله ما شعرت أنها في كتاب الله. وزاد ابن عمر عند ابن أبي شيبة: فاستبشر المسلمون وأخذت المنافقين الكآبة قال ابن عمر: فكأنما كانت على وجوهنا أغطية فكشفت.
قال الزهري:
بالسند السابق (فأخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن عمر) رضي الله عنه (قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها) أي آية آل عمران (فعقرت) بفتح العين المهملة وكسر القاف وسكون الراء أي دهشت وتحيرت، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فعقرت بضم العين أي هلكت، ولأبي ذر عن الكشميهني: فقعرت بتقديم القاف المضمومة على العين. قال ابن حجر: وهي خطأ (حتى ما تقلني) بضم الفوقية وكسر القاف وتشديد اللام المضمومة أي ما تحملني (رجلاي وحتى أهويت) سقطت (إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي) ولأبي ذر: علمت أن النبي (صلى الله عليه وسلم قد مات) وفيه دلالة على شجاعة الصديق فإن الشجاعة حذها ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت عنده شجاعته وعلمه.
4455 و 4456 و 4457 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَبَّلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ. [الحديث 4456 - أطرافه في: 5709].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري (عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوفي (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن عائشة وابن عباس) رضي الله عنهم (أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته) ولأبوي الوقت وذر بعدما مات، وعند أحمد في رواية يزيد بن بابنوس عنها أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبّل جبهته ثم قال: واصفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبّل جبهته وقال: واخليلاه.
4458 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا يَحْيَى، وَزَادَ قَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا
أَنْ "لَا تَلُدُّونِي" فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ:«أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي» قُلْنَا كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: «لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلَاّ لُدَّ» وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَاّ الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [الحديث 4458 - أطرافه في: 5712، 6866، 6897].
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان بحديث عبد الله بن أبي شيبة الخ (وزاد قالت عائشة: لددناه) بدالين مهملتين أي جعلنا الدواء في أحد جانبي فمه بغير اختياره وكان الذي لدوه به العود الهندي والزيت (في مرضه فجعل) عليه الصلاة والسلام (يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا) هذا الامتناع (كراهية المريض للدواء) برفع كراهية خبر مبتدأ محذوف، وبالنصب لأبي ذر مفعولاً له أي نهانا لكراهية الدواء (فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني) ولأبي ذر: أن تلدّني (قلنا كراهية المريض للدواء. فقال) عليه الصلاة والسلام:
(لا يبقى أحد في البيت. إلا لدّ وأنا أنظر) جملة حالية أي لا يبقى أحد إلا لدّ في حضوري وحال نظري إليهم قصاصًا لفعلهم وعقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك أما من باشر فظاهر وأما من لم يباشر فلكونهم تركوا نهيه عما نهاهم عنه (إلا العباس فإنه لم يشهدكم) أي لم يحضركم حال اللد.
(رواه) أي الحديث المذكور (ابن أبي الزناد) عبد الرحمن مما وصله محمد بن سعد (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم) ولفظ ابن سعد كانت تأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه فلما أفاق قال: "كنتم ترون أن الله يسلط عليّ ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها عليّ سلطانًا والله لا يبقى أحد في البيت إلا لدّ فما بقي أحد في البيت إلا لدّ" ولددنا ميمونة وهي صائمة وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لذاته لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمها ولم يكن به ذلك.
4459 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَتْ: مَنْ قَالَهُ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي فَدَعَا بِالطَّسْتِ فَانْخَنَثَ فَمَاتَ فَمَا شَعَرْتُ فَكَيْفَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي (قال: أخبرنا أزهر) بن سعد السمان أبو بكر البصري (قال: أخبرنا ابن عون) عبد الله الهلالي الخراز بمعجمة ثم مهملة وآخره زاي البغدادي (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) هو ابن يزيد النخعي أنه (قال: ذكر) بضم المعجمة (عند عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى عليّ) أي بالخلافة كما زعمت الشيعة (فقالت: من قاله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست) ليبزق فيه
(فانخنث) بالخاء المعجمة والمثلثة آخره أي استرخى ومال إلى أحد شقيه (فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى علي) رضي الله عنه.
وهذا الحديث سبق في أوّل الوصايا.
4460 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما أَوْصَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِهَا قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو آخره لام (عن طلحة)
بن مصرف أنه (قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا). لم يوص بثلث ماله ولا غيره ولا أوصى إلى علي ولا إلى غيره خلاف ما تزعمه الشيعة (فقلت: كيف كتب) بضم الكاف وكسر التاء (على الناس الوصية أو أمروا بها) بضم الهمزة (قال: أوصى بكتاب الله) أي بما أمر فيه ومنه الأمر بالوصية. والحديث مر في الوصايا.
4461 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً إِلَاّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عمرو بن الحارث) بفتح العين أخي جويرية أم المؤمنين أنه (قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة) في الرق وفيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأخبار كان إما مات وإما أعتقه (إلا بغلته البيضاء النبي كان يركبها وسلاحه) وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يورث وأن ما يخلفه صدقة (وأرضًا) بخيبر وفدك (جعلها) في حياته (لابن السبيل صدقة).
4462 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام: وَاكَرْبَ أَبَاهُ فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» . فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التُّرَابَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم) أي اشتدّ به المرض (جعل يتغشاه)
الكرب (فقالت فاطمة) ابنته عليها السلام: واكرب أباه) بألف الندبة والهاء الساكنة للوقف والمراد بالكرب ما كان عليه الصلاة والسلام يجده من شدة الموت، فقد كان صلى الله عليه وسلم فيما يصيب جسده الشريف من الآلام كالبشر ليتضاعف أجره، وقول الزركشي: إن في قولها هذا نظرًا، وقد رواه مبارك بن فضالة واكرباه تعقب بأنه لا يدفع رواية البخاري مع صحتها بمثل هذا لا سيما مع قوله (فقال) عليه الصلاة والسلام (لها):
(ليس على أبيك كرب بعد) هذا (اليوم) إذ هو ذاهب إلى حضرة الكرامة وهو يدل على أنها قالت: واكرب أباه كما لا يخفى (فلما مات) صلوات الله وسلامه عليه (قالت: يا أبتاه) أصله يا أبي والفوقية بدل من التحتية والألف للندبة والهاء للسكت (أجاب ربا دعاه) إلى حضرته القدسية (يا أبتاه من جنة الفردوس) بفتح ميم من مبتدأ والخبر قوله (مأواه) منزله (يا أبتاه إلى جبريل ننعاه) بإلى الجارة وننعاه بنونين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وزاد الطبراني في معجمه الكبير والدارمي في مسنده يا أبتاه من ربه ما أدناه (فلما دفن) صلى الله عليه وسلم (قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا) بالمثناة الفوقية المفتوحة والحاء المهملة الساكنة والمثلثة المضمومة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب) سكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حال يقول: لم تطب أنفسنا بذلك إلا أنا قهرنا على فعل ذلك امتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم وليس قولها: واكرب أباه من النياحة لأنه عليه الصلاة والسلام أقرها عليه.
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في الجنائز وقد عاشت فاطمة بعده عليه الصلاة والسلام ستة أشهر فما ضحكت تلك المدة وحق لها ذلك، وروي أنها قالت:
اغبر آفاق السماء وكوّرت
…
شمس النهار وأظلم العصران
والأرض من بعد النبي كئيبة
…
أسفا عليه كثيرة الرجفان
فليبكه شرق البلاد وغربها
…
ولتبكه مضر وكل يماني
قال السهيلي: وقد كان موته صلى الله عليه وسلم خطبًا كالحًا ورزءًا لأهل الإسلام فادحًا كادت تهدّ له الجبال وترجف الأرض وتكسف النيرات لانقطاع خبر السماء مع ما آذن به موته عليه الصلاة من إقبال الفتن السحم والحوادث الدهم والكرب المدلهمة، فلولا ما أنزل الله من السكينة على المؤمنين، وأسرج في قلوبهم من نور اليقين وشرح صدورهم من فهم كتابه المبين لانقصمت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم الجزع عن تدبير الأمور، ولقد كان