الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون عاماً؛ ثم الأرض لك مسجد، فحيثما أدركتك الصلاة فصل)). متفق عليه.
(8) باب الستر
الفصل الأول
754 -
عن عمر بن أبي سلمة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملاً به، في بيت أم سلمة، واضعاً طرفيه علي عاتقيه. متفق عليه.
ــ
هو الله عز وجل ويدل عليه قراءة من قرأ: ((وضع للناس)) تسمية الفاعل، وهو الله تعالي، ومعنى وضع الله جعله متعبداً.
قال الإمام في التفسير الكبير: دلالة الآية علي الأولوية في الفضل والشرف أمر لابد منه؛ لأن المقصود الأول من ذكر الأولية بيان الفضيلة ترجيحاً له علي بيت المقدس، ولا تأثير للأولية في البناء في هذا الفصل. وروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل أهو أول بيت؟ قال: لا، قد كان قبله بيوت، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركاً فيه الهدى، والرحمة، والبركة. علي أنهم ذكروا أن الكعبة إنما وضعت عند خلق السموات والأرض.
روي في التفسير عن عبد الله بن عمرو ومجاهد والسدي أنه أول بيت ظهر علي وجه الأرض عند خلق الأرض والسماء، وكانت زبدة بيضاء علي الماء، ثم دحيت الأرض تحته. ومن ثم سميت مكة أمة القرى. وقال صلى الله عليه وسلم:((ألا إن الله تعالي قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض)) فيكون وضع بيت المقدس بهذا المعنى في علم الله تعالي أربعين سنة بعد المسجد الحرام، وإن كان بين البنائين مدة متطاولة، فعلي هذا يحمل بناء إبراهيم عليه السلام علي رفع ما انهدم من البيت، كما قال الله تعالي:{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} وكذلك داود وسليمان (عليهما الصلاة والسلام) رفعا قاعدة بيت المقدم بعد ما انهدم أو زادا فيه. والله أعلم.
باب الستر
الفصل الأول
الحديث الأول عن عمر بن أبي سلمة: قوله: ((مشتملاً به)) ((مح)): المشتمل، والمتوشح، والمخالف بين طرفيه معناها واحد هنا. قال ابن السكيت: المتوشح أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه علي منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ طرف الثوب الذي ألقاه علي الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقدها علي صدره.
755 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس علي عاتقيه منه شيء)) متفق عليه.
756 -
وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلي في ثوب واحد، فليخالف بين طرفيه)) رواه البخاري.
757 -
وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام، فنظر إلي أعلامها نظرة، فلما انصرف، قال:((اذهبوا بخميصتي هذه إلي أبي جهم، وأتوني بأنبجإنية أبي جهم؛ فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي)) متفق عليه.
وفي رواية للبخاري، قال:((كنت أنظر إلي علمها وأنا في الصلاة، فأخاف أن يفتنني)).
ــ
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((ليس علي عاتقيه منه شيء)) ((مح)): قالت العلماء: حكمته أنه إذا تزين به ولم يكن علي عاتقه منه شيء لم يأمن أن تنكشف عورته، بخلاف ما إذا جعل بعضه علي عاتقه، ولأنه قد يحتاج إلي إمساكه بيده أو يديه، فيشغل بذلك، ولا يتمكن من وضع اليد اليمنى علي اليسىرى، فتفوت السنة، والزينة المطلوبة في الصلاة، قال الله تعالي:{خذوا زينتكم عند كل مسجد} ثم قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي رضي الله عنه والجمهور: هذا النهي للتنزيه، لا للتحريم، فلو صلي في ثوب واحد ساتر لعورته ليس علي عاتقه منه شيء صحت صلاته مع الكراهة. وأما أحمد وبعض السلف فذهبوا إلي أنه لا تصح صلاته، عملاً بظاهر الحديث.
الحديث الثالث والرابع، عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((في خميصة)) ((نه)): الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة سوداء، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديماً. ((تو)): فعلي هذا قول عائشة رضي الله عنها: ((لها أعلم)) علي وجه البيان والتأكيد.
قوله: ((بأنبجإنية)) ((نه)): المحفوظ بكسر الباء، ويروي بفتحها، وهو منسوب إلي منبج المدينة المعروفة، وهي مكسورة الباء، ففتحت في النسب، وأبدلت الميم همزة. وقيل: إنه منسوب إلي
758 -
وعن أنس، قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:((أميطي عنها قرامك هذا، فإنه لا يزال تصاويره تعرض لي في صلاتي)). رواه البخاري.
759 -
وعن عقبة بن عامر، قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير، فلبسه ثم صلي فيه، ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له، ثم قال:((لا ينبغي هذا للمتقين)). متفق عليه.
ــ
موضع اسمه انبجان، وهو أشبه؛ لأن الأول فيه تعسف. وهو كساء يتخذ من الصوف، وهو خمل ولا علم له، وهو من أدون الثياب الغليظة، والهمزة فيها زائدة. ((خط)): إنها منسوبة إلي آذر بيجان، وقد حذفت بعض حروفها وعرب.
قوله: ((آنفاً)) ((نه)): يقال: فعلت الشيء آنفاً، أي في أقل ما يقرب مني، وزاد في الفائق: من ائتناف الشيء، وهو ابتداؤه. ((قض)): قيل: أرسل إليه لأنه كان أهداها إياه فلما ألهاه علمها، أي شغله عن الصلاة بوقوع نظره إلي نقوش العلم وألوانه، وتفكره في أن مثل ذلك للرعونة التي تليق به- ردها إليه، واستبدل منه أنبجإنية كيلا يتأذى قلبه بردها إليه. ((شف)): وفيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيراً ما في النفوس الطاهرة والقلوب الزكية. أقول: وفيه إشارة إلي كراهية الأعلام التي يتعاطاها الناس علي أردائهم، وقد نص عليها.
الحديث الخامس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((قرام)) ((نه)): وهو الستر الرقيق، وقيل: الصفيق من الصوف ذي ألوان، وقيل: القرام الستر الرقيق وراء الستر الغليظ، ولذلك أضافه في حديث آخر، وقيل: قرام ستر. ((وأميطي)) من الإماطة، وهي التنحية، (تعرض لي)) أي يظهر لي نقوشه.
الحديث السادس عن عقبة: قوله: ((فروج حرير)) ((نه)): هو القباء الذي شق من خلفه، قيل: الظاهر أن هذا كان قبل التحريم، فنزعه نزع الكاره؛ لما فيه من الرعونة، وذلك مثل ما بدا له في الخميصة. وقيل: كان بعده، وإنما لبسه استمالة لقلب من أهداه إليه، وهو المقوقس صاحب الإسكندرية، أو أكيدر صاحب دومة، أو غيرهما علي اختلاف فيه. أقول: يعلم من مفهوم قوله: ((لا ينبغي هذا للمتقين)) أن ذلك كان قبل التحريم؛ لأن المتقي وغيره في التحريم سواء.
الفصل الثاني
760 -
عن سلمة بن الأكوع، قال: قلت: يا رسول الله! إني رجل أصيد؛ أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: ((نعم، وازرره ولو بشوكة)) رواه أبو داود، وروى النسائي نحوه. [760]
761 -
وعن أبي هريرة، قال: بينما رجل يصلي مسبل إزاره، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اذهب فتوضأ))، فذهب وتوضأ، ثم جاء. فقال رجل: يا رسول الله! مالك أمرته أن يتوضأ؟ قال: ((إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره)) ((رواه أبو داود. [761]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول عن سلمة رضي الله عنه: قوله: ((أصيد)) ((نه)): هكذا جاء في رواية، وهو الذي في علة لا يمكنه الالتفات معها، والمشهور أصيد من الاصطياد، والثاني أنسب لأن الاصطياد يطلب الخفة، وربما يمنعه الإزار من العدو خلف الصيد، ويدل عليه قول محيي السنة بعد هذا. قوله:((نعم، وازرره)) أي صل فيه وازرره. ((حس)): هذا إذا كان جيب القميص واسعاً يظهر منه عورته فعليه أن يزر.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مسبل إزاره)) صفة بعد صفة لـ ((رجل)). قال ابن الأعرابي: المسبل الذي يطول ثوبه، ويرسله إلي الأرض، يفعل ذلك تبختراً واختيالاً. ((مظ)): يعني أن الله تعالي لا يقبل كمال صلاة رجل يطول ذيله. وإطالة الذيل عند الشافعي مكروهة، سواء كانت في الصلاة أو غيرها، ومالك يجوزها في الصلاة، ولا يجوزها في المشي؛ لظهور الخيلاء فيه، وليس كذلك في الصلاة. أقول: لعل السر في أمره بالتوضؤ- وهو طاهر- أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر، فيقف علي ما ارتكبه من شنعاء، وأن الله تعالي ببركة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطهارة الظاهر يطهر باطنه من التكبر والخيلاء؛ لأن طهارة الظاهر مؤثرة في طهارة الباطن؛ فعلي هذا ينبغي أن يعبر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن الله لا يقبل صلاة المتكبر المختال، فتأمل في طريق هذا التشبيه، ولطف هذا الإرشاد.
ومنها ما روي عن عطية قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الغضب [خلق] من الشيطان وإن
762 -
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار)) رواه أبو داود، والترمذي. [762]
763 -
وعن أم سلمة، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: ((إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)) رواه أبو داود، وذكر جماعة وقفوه علي أم سلمة. [763]
764 -
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه. رواه أبو داود، والترمذي. [764]
ــ
الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)) أخرجه أبو داود. ولعل الرجل كان بليغاً متنبهاً للرمزة فطهر ظاهره وباطنه، وإلا فلم يكن يقرره علي ما كان عليه.
الحديث الثالث عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((حائض)) ((نه)): أي التي بلغت سن المحيض وجرى عليها القلم، حاضت أو لم تحض، ولم يرد في أيام حيضها، لأن الحائض لا صلاة عليها. ((حس)): فيه دليل علي أن رأسها عورة، فلو كشفتها في الصلاة فلا تصح صلاتها، هذا في الحرة، وأما في الأمة فتصح صلاتها مكشوفة الرأس، وعورتها ما بين سرتها وركبتها كالرجل.
أقول- والله أعلم-: كان من حق الظاهر أن يقال: لا تقبل صلاة الحرة إلا بخمار، فكنى عنها بما يختص بها من الوصف، توهيناً لها بما يصدر عنها من كشف رأسها، كأنه قيل: غطى رأسك باذات المحيض، ومن ثم سمى الله تعالي المحيض بالأذى.
الحديث الرابع عن أم سلمة: قوله: ((في درع)) ((نه)): درع المرأة: فميصها، والسبوغ الشمول والسعة. ((شف)): في الحديث دلالة علي أن ظهر قدميها عورة يجب سترها. ((حس)): قال الشافعي رضي الله عنه: إذا انكشف شيء مما سوى الوجه واليدين فعليها الإعادة.
قوله: ((وذكر)) أي ذكر أبو داود أو أحد من الرواة جماعة من المحدثين وقفوا هذا الحديث، وقصروا به علي أم سلمة. والموقوف عند الإطلاق ما روي عن الصحابي من قوله أو فعله.
765 -
وعن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) رواه أبو داود. [765]
766 -
وعن أبي سعيد الخدري، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأي ذلك القوم، ألقوا نعالهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال:((ما حملكم علي إلقائكم نعالكم؟)) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن جبريل أتإني فأخبرني أن فيهما قذراً. إذا جاء أحدكم المسجد، فلينظر، فإن رأي في نعليه قذراً، فليمسحه، وليصل فيهما)) رواه أبو داود، والدارمي. [766]
ــ
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عن السدل)) ((فا)): هو إرسال الثوب من غير أن يضم جانبيه. ((نه)): هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل، فيركع ويسجد وهو كذلك. ((قض)): السدل منهي عنه مطلقاً؛ لأنه من الخيلاء، وهو في الصلاة أشنع وأقبح. ((تو)): خص النهي بالمصلي لأن عادة العرب شد الإزار علي أوساطهم حال التردد، فإن انتهوا إلي المجالس والمساجد أرخوا العقد وأسبلوا الإزار حتى يصيب الأرض، فإن ذلك أروح لهم، وأسمح بقيامهم وقعودهم، فنهوا عنه في الصلاة؛ لأن المصلي يشغل بضبطه، ولا يأمن أن ينفصل عنه في انتقالاته، لاسيما عند القيام من القعود، فإنه ربما تتشبث فيه عند النهوض رجله فينفصل عنه، فيكون مصلياً في الثوب الواحد، وهو منهي عنه، وربما يضم إليه جوانب ثوبه، فتصدر عنه الحركات المتداركة، وقد شاهدت هذه الهيئة من أناس من أهل مكة يعتادونها.
قوله: ((أن يغطي الرجل)) ((قض)): كانت العرب يتلثمون بالعمائم، فيغطون أفواههم، فنهوا عنه، لأنه يمنع حسن اهتمام القراءة، وتكميل السجود. ((حس)): إن عرض له التثاؤب جاز له أن يغطي فمه بثوبه ويده، لحديث ورد فيه.
الحديث السادس، والسابع عن أبي سعيد: قوله: ((فوضعهما عن يساره)) صحت روايته بلفظ ((عن)) وفيه معنى التجاوز أي وضعهما بعيداً متجاوزاً عن يساره، ولذلك ألقى الأصحاب نعالهم تأسياً به صلى الله عليه وسلم. ((قض)): فيه دليل علي وجوب متابعته صلى الله عليه وسلم لأنه لما سألهم عن الحامل لهم علي الخلع أجابوا بالمتابعة، وقررهم علي ذلك. وذكر المخصص، علي أن المستصحب للنجاسة إذا جهل صحت صلاته، وهو قول قديم للشافعي رضي الله عنه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما أعلمه جبريل
767 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلي أحدكم، فلا يضع نعليه عن يمينه، ولا عن يساره، فتكون عن يمين غيره، إلا أن لا يكون عن يساره أحد، وليضعهما بين رجليه)). وفي رواية: ((أو ليصل فيهما)) رواه أبو داود، وروى ابن ماجه معناه. [767]
الفصل الثالث
768 -
وعن أبي سعيد الخدري، قال: دخلت علي النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يصلي علي حصير يسجد عليه. قال: ورأيته يصلي في ثوب واحد متوشحاً به. رواه مسلم.
769 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً. رواه أبو داود. [769]
ــ
خلع النعال ولم يستأنف، ومن يرى فساد الصلاة حمل القذر علي ما يستقذر عرفا كالمخاط، وعلي أن من تنجس نعله إذا دلك علي الأرض طهر، وجاز الصلاة فيه، وهو أيضاً قول قديم للشافعي؛ لقوله:((فليمسحه وليصل فيهما)). ومن يرى خلافه أو بما ذكرناه. ((شف)): في إتيان جبريل عنده صلى الله عليه وسلم وإخباره إياه بما أخبره شدة الاعتناء به وبشأنه صلى الله عليه وسلم وأن عبادته صلى الله عليه وسلم لا تلهيه عن نزول جبريل صلى الله عليه وسلم.
الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فتكون)) نصب جواباً للنهي أي وضعه عن يساره مع وجود غيره سبب لأن يكون عن يمينه صاحبه، فعلي المؤمن أن يحب لصاحبه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((يصلي علي حصير)) ((مح)): فيه دليل علي جواز الصلاة علي شيء يحول بينه وبين الأرض من ثوب وحصير، وصوف، وشعر، وغير ذلك، سواء نبت من الأرض أم لا قال القاضي عياض: الصالة علي الأرض أفضل من المذكور؛ لأن شرط الصلاة التواضع والخضوع إلا الحاجة، كحر، أو برد، أو نجاسة الأرض.
770 -
وعن محمد بن المنكدر، قال صلي جابر في إزار قد عقده من قبل قفاه، وثيابه موضوعة علي المشجب. فقال له قائل: تصلي في إزار واحد؟ فقال: إنما صنعت ذلك ليرإني أحمق مثلك، وأينا كان له ثوبان علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! رواه البخاري.
771 -
وعن أبي بن كعب، قال: الصلاة في الثوب الواحد سنة. كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعاب علينا، فقال ابن مسعود: إنما كان ذاك إذ كان في الثياب قلة؛ فأما إذا وسع الله، فالصلاة في الثوبين أزكى. رواه أحمد [771]
ــ
الحديث الثاني، والثالث عن محمد: قوله: ((المشجب)) ((نه)): المشجب- بكسر الميم- عيدان تضم رءوسها وتفرج قوائمها، وتوضع عليها الثياب. قوله:((تصلي)) همزة الإنكار محذوفة، أنكره إنكاراً بليغا، يعني مثل وقد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم تصلي في إزار واحد، وثيابك موضوعة علي المشجب؟ فكأنك ما شعرت بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك زجره، وسماه أجمق، يعين كيف تنكر وتزعم إني خالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأينا كان له ثوبان علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ((مح)): اجمعوا علي أن الصلاة في ثوبين أفضلـ فلو أوجبناه لعجز من لا يقدر عليهما، وفي ذلك حرج، قال الله تعالي:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} . وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في ثوب واحد، ففي وقت كان لعدم ثوب آخر، وفي وقت كان مع وجوده لبيان الجواز.
الحديث الرابع عن أبي بن كعب: قوله: ((أزكى)) أي أطهر وأفضل؛ لأن الزكاة النمو الحاصل عن بركة الله تعالي، أو طهارة النفس عن الخصال الذميمة، وكلا المعنيين محتمل في الحديث، أما الفضل فظاهر، وأما التزكية فلأن المصلي لا يأمن إذا صلي في ثوب واحد م كشف عورته بهبوب ريح، أو حل العقدة، أو غيرهما، بخلاف الثوبين.