المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(13) باب الركوع - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٣

[الطيبي]

الفصل: ‌(13) باب الركوع

(13) باب الركوع

الفصل الأول

868 -

عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقيموا الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم من بعدي)). متفق عليه.

869 -

وعن البرء، قال: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم، وسجوده، وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع، ما خلا القيام والقعود؛ قريباص من السواء. متفق عليه.

870 -

وعن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قال:((سمع الله لمن حمده)) قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم. رواه مسلم.

ــ

باب الركوع

الفصل الأول

الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((أقيموا الركوع)) ((قض)): أي عدلوا وأتموا من أقام العود إذا قومه. قوله: ((فوالله إني لأراكم من بعدي)) أي روائي، حث علي الإقامة، ومنع عن التقصير، فإن تقصيرهم إذ لم يخف علي الرسول، فكيف يخفي علي الله سبحانه وتعالي؟ وإنما علمه بإطلاع الله تعالي إياه، وكشفه عليه. ((شف)):((أقيموا)) فيه حث علي الإقامة، ومنع عن التقصير، وترك الطمإنينة فيها.

الحديث الثاني عن البراء: قوله: ((بين السجدتين)) وقوله: ((وإذا رفع)) معطوفان علي اسم ((كان)) علي تقدير المضاف، أي زمان ركوعه وسجوده، وبين السجدتين، ووقت رفع رأسه من الركوع سواء. ((وإذا)) هنا كما في قوله تعالي:{والنجم إذا هوى} قال [الحسري]: [((إذاً)) قد انسلخ عنه معنى الاستقبل، وصار كالوقت المجرد، ونحوه: آتيك إذا احمر البسر]((أي وقت احمراره. ((قض)) قوله: ((ما خلا القيام والقعود استشكل المعنى، فإن مفهوم ذلك، كان أفعال صلاته ما خلا القيام والقعود- أي قعود التشهد- قريباً من السواء)).

الحديث الثالث عن أنس: قوله: ((حتى نقول)) نصب ((نقول)) بحتى وهو الأكثر، ومنهم من لا يعمل حتى إذا حسن (فعل) في موضع (يفع)، كما يحسن في هذا الحديث: حتى قلنا: قد أوهم. وأكثر الرواة علي ما علمنا يرويه بالنصب، وكان تركه من طريق المعنى أتم وأبلغ. أقول: أراد أن المضارع إذا عبر به عن حكاية الحال الماضية لا يحسن فيه الإعمال، وإلا فيحسن،

ص: 1013

871 -

وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحنك اللهم ربنا وبحمد، اللهم اغفر لي))، يتأول القرآن. متفق عليه.

ــ

وهذا الحديث من القبيل الأول؛ بدليل قوله: ((قام))، وفيه بحث؛ لما ورد في التنزيل:{مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول} أي إلي الغاية التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: متى نصر الله. وفائدة وضع المضارع موضع الماضي في مثل هذا المقام استحضار تلك الحالة في ذهن السامع [ليتعجب لها].

قوله: ((قد أوهم)) ((فا)): أوهمت الشيء إذا تركته، وأوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئاً. أقول: في الحديث دليل علي وجوب الطمإنينة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).

الحديث الرابع: قوله: ((يتأول القرآن)) ((قض)): ((يتأول القرآن)) جملة وقعت حالا عن الضمير في ((يقول))، أي يقوله متأولا للقرآن، أي مبيناً ما هو المراد من قوله تعالي:{فسبح بحمد ربك واستغفره} آتيا بقتضاه، يقال: أول الكلام وتأول الكلام إذا فسر وبين المراد منه، مأخوذ من (آل) إذا رجع، كأن المفسر يصرف الكلام عن سائر الوجوه المحملة إلي المحمل الذي أوله عليه.

أقول: الأظهر أن هذا التأويل بمعنى العاقبة ومآل الأمر، كما في قوله تعالي:{هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله} أي عاقبة أمره، وما يؤول إليه من تبين صدقه، وظهور ما صدق به من الوعد والوعيد، فتنزيل الحديث علي الآية أن يقالأ: إنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقوله سبحانه وتعالي: {فسبح بحمد ربك واستغفره} صدقه بفعله. وأظهر ما يقتضي مآل أمر الله سبحانه وتعالي من الامتثال، وحصول المأمور به، كما قال:{والذي جاء بالصدق وصدق به} أي الذي جاء بالقرآن، ويجري العمل به.

وقد وافق هذا القول ما ذهب إليه الشيخ محيي الدين حيث قال: معنى ((يتأول القرآن)) يعمل ما أمر به في قوله سبحانه وتعاال: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)) وكان صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام البديع في الجزالة ليستوفي ما أمر به في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، فكان يختارها لأداء هذا الواجب الذي أمر به؛ ليكون أكمل [أي]. ((وبحمدك سبحتك ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك علي سبحتك، لا بحولي وقوتي. ففيه شكر لله تعالي علي هذه النعمة والاعتراف بها، والتفويض إلي الله تعالي،

ص: 1014

872 -

وعنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده:((سبوح قدوس، رب الملائكة والروح)) رواه مسلم.

873 -

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً؛ فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم)). رواه مسلم.

ــ

وأن الأفضل له. أقول: وإن كان من توارد الخواطر، قوله:((وبحمدك)) إما حال من فاعل الفعل الذي إنيب المصدر منابه، و ((اللهم ربنا)) معترض؛ وإما عطف جملة علي جملة، وعلي هذا قوله: سبحان الله وبحمده، والله أعلم.

الحديث الخامس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((سبوح قدوس)) ((نه)): يرويان بالضم، والفتح قياس، والضم أكثر استعمالا، وهو من أبنية المبالغة، والمراد بهما التنزيه. ((مظ)): معناهما أنه سبحانه وتعالي طاهر منزه عن أوصاف المخلوقات، وهما خبران لمبتدأ محذوف تقديره: ركوعي وسجودي لمن هو سبوح قدوس.

قوله: ((والروح)) ((تو)): هو الروح الذي به قوام كل حي، غير أنا إذا اعتبرنا النظائر من التنزيل كقوله تعالي:{يوم يقوم الروح والملائكة} وقوله: {تنزل الملائكة والروح} فالمراد به جبريل عليه السلام، خص بالذكر تفضيلاً له علي سائر الملائكة. وقيل: الروح صنف من الملائكة.

الحديث السادس عن ابن عباس: قوله: ((ألا إني نهيت)) ((خط)): لما كان الركوع والسجود- وهما غاية الذل والخضوع- مخصوصين بالذكر والتسبيح نهي صلى الله عليه وسلم عن القراءة فيهما، كأنه كره أن يجمع بين كلام الله سبحانه وتعالي وكلام الخلق في موضع واحد فيكون علي السواء. ((قض)): نهي الله تعالي رسوله صلى الله عليه وسلم يدل علي عدم جواز القراءة في الركوع والسجود، لكن لو قرأ لم تبطل صلاته إلا إذا كان المقروء الفاتحة، فإن فيه خلافاً من حيث أنه زاد ركناً، لكن لم يتغير به نظم صلاته. أقول: وفي نسبة نهي القراءة في الركوع والسجود إلي نفسه صلى الله عليه وسلم إيهام أنه صلى الله عليه وسلم مخصوص به، وأن الأمة ليسوا داخلين في النهي، فأزيل الإيهام بأمره صلى الله عليه وسلم إياهم أن يعظموا الله في الركوع، وأن يدعوا في السجود، ودل ذلك علي أن المنهي والمنهي عنه عظيمان، ولذلك

ص: 1015

874 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه)). متفق عليه.

875 -

وعن عبد الله بن أبي أوفي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع قال: ((سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)). رواه مسلم.

876 -

وعن أبي سعدي الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)). رواه مسلم.

ــ

صدرت الجملة بالكلمة التي هي من طلائع القسم، وهي ((ألا)) فإذا نهي مثل الرسول صلى الله عليه وسلم فغيره أولي به، ودل علي أن الأمر بالذكر والتسبيح دون النهي عن القراءة في المرتبة، فنسبها إلي الأمة:

قوله: ((فقمن)) ((نه)): قمن وقمن وقمين، أي خليق وجدير، فمن فتح الميم لم يثن ولم يجمع، ولم يؤنث؛ لأنه مصدر. ومن كسر ثنى، وجمع، وأنث، لأنه وصل، وذلك القيمن.

الحديث السابع والثامن عن عبد الله: قوله: ((اللهم ربنا لك الحمد)) قد مر بحثه في الفصل الأول في باب القراءة في حديث أبي موسى قوله: ((ملء السموات)) ((خط)): هذا تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل، ولا يسعه الأوعية، والمراد تكثير العدد، حتى لو يقدر أن تكون تلك الكلمات أجساماً تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما يملأ السموات والأرض.

((تو)): هذا يشير إلي الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استغراق المجهود، فإنه حمده ملء السموات والأرض، وهذه نهاية أقدام السابقين، ثم ارتفع فأحال الأمر فيه علي المشيئة، وليس وراء ذلك الحمد منتهي؛ فإن حمد الله أعز من [أن] يعتوره الحسبان، أو يكتنفه الزمان والمكان، ولم ينته أحد من خلق الله في الحمد مبلغه ومنتهاه، وبهذه الرتبة استحق صلى الله عليه وسلم أن يسمى بأحمد.

الحديث التاسع عن أبي سعيد: ((أهل الثناء)) أهل يجوز فيه النصب علي المدح،

ص: 1016

877 -

وعن رفاعة بن رافع، قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه

ــ

والرفع علي أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أنت أهل الثناء، وكذا:((أحق ما قال)) أي بما قال، أو يكون التقدير: المذكور من الحمد الكثير أحق ما قال العبد. ويجوز أن يكون ((أحق ما قال)) مبتدأ، وقوله:((اللهم)) خبره، ((وكلنا لك عبد)) جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، والتعريف في ((العبد)) للجنس. وقيل: للعهد، والمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. و ((ما)) في قوله:((ما قال العبد)) موصوفة، أي أحق الأشياء التي يتكلمها العبد إن فصلتها واحداً بعد واحد ثناء الله تعالي من العبد المطيع الخاشع الخاضع، وذلك كقوله تعالي:{وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} وجاء في بعض النسخ: ((حق ما قال العبد)) فعلي هذا هو كلام تام واقع علي سبيل الاستئناف، وقوله:((وكلنا لك عبد)) علي هذا تذييل.

قوله: ((ذا الجد)) ((غب))؛ سمي ما جعل الله تعالي للإنسان من الحظوظ الدنيوية جداً، وهو البخت. وقيل: جددت وحظظت، وقال الله سبحانه وتعالي:{جد ربنا} أي فيضه وعظمته.

قوله: ((منك الجد)) فيه أقوال، ((فا)):((من)) فيه مثله في قولهم: هو من ذاك، أي بدل ذاك، ومنه قوله: فليت لنا من ماء زمزم شربة. ومنه قوله تعالي: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} والمعنى أن المحظوظ لا ينفعه حظه بذلك، أي بدل طاعتك وعبادتك.

((غب)): المعنى لا يتوصل إلي ثواب الله تعالي في الآخرة بالجد، وإنما ذلك بالجد في الطاعة، وهو الذي أنبأ عنه قوله سبحانه وتعالي:{يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} وقيل: أراد بالجد أبا الأب، وأبا الأم، أي لا ينفع أحداً نسبه، كقوله سبحانه وتعالي:{فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم} . ((تو)): أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك، وعلي هذا فمعنى ((منك)) عندك. ويحتمل وجهاُ آخر، أي لا يسلمه من عذابك غناه. ((مظ)): أي لا يمنع عظمة الرجل وغناه عنه إن شئت به عذاباً.

وأقول: يمكن أن يقدر في الوجه الأول: لا ينفع ذا الحظ العظيم بدل توفيقك وعنايتك حظه، فإن الحظ أمر، ونفعه أمر، فلما قال صلى الله عليه وسلم:((لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) فهم أن معطي الحظ ومانعه هو الله تعالي ليس غيره، أتبعه بقوله:((ولا ينفع ذا الجد)) إشعاراً بأن ذلك الحظ المعطى لا ينفع المعطي له إذا لم يمكنه تعالي من استيفاء النفع، فكم يرى من غني وعالم ذي حظ عظيم في علمه وماله لا ينتفع به إذا لم يوفقه الله للعمل والإنفاق، والله أعلم.

الحديث العاشر عن رفاعة: قوله: ((أيهم يكتبها أول)) ((مظ)): ((أول)) مبني علي الضم، بأن حذف منه المضاف إليه، وتقديره،: أولهم، يعني كل واحد منهم يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل

ص: 1017

من الركعة، قال:((سمع الله لمن حمده)). فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال:((من المتكلم آنفاً؟)). قال: أنا. قال: ((رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها، أيهم يكتبها أول)). رواه البخاري.

الفصل الثاني

878 -

عن أبي مسعود الأنصاري، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود)). رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

879 -

وعن عقبة بن عامر، قال: لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اجعلوها في ركوعكم)) فلما نزلت ((سبح اسم ربك الأعلي) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوها في سجودكم)). رواه أبو داود، وابن ماجه، والدارمي. [879].

880 -

وعن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ركع أحدكم، فقال في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاث مرات، فقد تم ركوعه، وذلك أدناه. وإذا سجد، فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلي، ثلاث مرات، فقد تم سجوده، وذلك أدناه)) رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. وقال الترمذي.

ــ

الآخر، ويصعد بها إلي حضرة الله تعالي لعظم قدرها، ومضى بقية شرحه وإعرابه في الحديث الثالث من باب ما يقرأ بعد التكبير.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي مسعود رضي الله عنه: قوله: ((حتى يقيم ظهره)) ((مظ)): يعني لا يجوز صلاته من لا يسوي ظهره في الركوع والسجود، والمراد منهما الطمإنينة، وهي واجبة عند الشافعي وأحمد في الركوع والسجود ونحوهما، وعند أبي حنيفة ليست بواجبة. وفيه بحث؛ لأن الطمإنينة أمر، والاعتدال أمر.

الحديث الثاني عن عقبة: قوله: ((سبح اسم ربك الأعلي)) ((نه)): الاسم ههنا صلة وزيادة، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده:((سبحان ربي الأعلي)) فحذف الاسم، وهذا علي قول من زعم أن الاسم غير المسمى، وقيل: يجوز أن يكون الاسم غير صلة، والمعنى تنزه اسمه من أن يبذل، وأن يذكر علي وجه التعظيم. وقال الإمام فخر الدين الرازي: إنه كما يجب تنزيه ذاته عن النقائض، يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب.

ص: 1018

ليس إسناده بمتصل، لأن عونا لم يلق ابن مسعود [880]

881 -

وعن حذيفة: أنه صلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في ركوعه:((سبحان ربي العظيم))، وفي سجوده:((سبحان ربي الأعلي)). وما أتى علي آية رحمة إلا وقف وسأل، وما أتى علي آية عذاب إلا وقف وتعوذ. رواه الترمذي، وأبو داود، والدارمي. وروى النسائي وابن ماجه إلي قوله:((الأعلي)) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. [881]

الفصل الثالث

882 -

وعن عوف بن مالك، قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ركع مكث قدر سورة (البقرة)، ويقول في ركوعه:((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)). رواه النسائي. [882]

883 -

وعن ابن جبير، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء أحمد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى- يعني عمر ابن عبد العزيز- قال: قال: فحزرنا ركوعه عشر تسبيحات، وسجوده عشر تسبيحات. رواه أبو داود، والنسائي. [883]

ــ

الحديث الثالث عن عون: قوله: ((وذلك أدناه)) ((مظ)): أي أدنى الكمال، وأكمله سبع مرات.

الحديث الرابع ظاهر.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن عوف: قوله: ((الجبروت)) ((نه)): وهو فعلوت من الجبر والقهر، وفي الحديث:((ثم يكون ملك وجبروت)) أي عتو وقهر، و ((الملكوت)) فعلوت من الملك.

الحديث الثاني والثالث عن شقيق: قوله: ((لا يتم ركوعه ولا سجوده)) هذا يدل علي أن الطمإنينة فيهما واجبة؛ لأن قوله: ((ولو مت مت علي غير الفطرة)) تهديد عظيم، وتغليظ شديد، يعني أنك غيرت ما ولدت عليه من الملة الحنفية التي هي الإسلام، ودخلت في زمرة المبدلين لدين الله، ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم:((من مات ولم يحج فإن شاء فليمت يهودياً، أو نصرإنياً)).

ص: 1019

884 -

وعن شقيق، قال: إن حذيفة رأي رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه، فقال له حذيفة: ما صليت. قال: وأحسبه قال: ولو مت مت علي غير الفطرة التي فطر الله محمد صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.

885 -

وعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته)). قالوا: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها). رواه أحمد. [885]

ــ

فإن قلت: كيف دل قوله: ((لا يتم)) علي ذلك؛ فإن تمامها غير متوقف علي الطمإنينة؟. قلت: مر في الحديث الثالث من الفصل الثاني من الباب بيانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((فقال في ركوعه: سبحن ربي العظيم ثلاث مرات قد تم ركوعه وذلك أدناه)).

قال المالكي في قوله: ((ولو مت مت)) شاهد علي وقوع اجلواب موافقاً للشرط لفظاً ومعنى لتعلق ما بعده به، وهو أحد المواضع التي تتعرض فيها لفضيلة لتوقف الفائدة عليها، فيكون لها من لزوم الذكر ما للعمدة، ومنه قوله تعالي:{إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} فلولا قوله ((علي غير الفطرة)) وقوله: ((لأنفسكم)) لم يكن للكلام فائدة.

أقول: فائدة المثل الأول تفخيم الأمر، وتهويل ما ارتكبه المصلي من ترك الطمإنينة، علي منوال قوله:((من أدرك الضمان فقد أدرك)) أي مرعى لا يكتنه كنه. وفائدة المثال الثاني أن فائدة إحسانكم عائدة إليكم، لا يتجاوز إلي الغير، وليس فيه معنى التعظيم.

الحديث الرابع عن أبي قتادة: قوله: ((سرقة)) تمييز، ((غب)): السرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء، وصار ذلك في الشرع لتناول الشيء من موضع مخصوص، وقدر مخصوص، أقول: جعل جنس السرقة نوعين: متعارفاً، وغير متعارف، وهو ما ينقص من هذا الركن من الطمإنينة، ثم جعل غير المتعارف أسوأ من المتعارف، وإنما كان أسوأ؛ لأن السارق إذاأخذ مال الغير بما ينتفع به في الدناي، ويستحل من صاحبه، أو تقطع يده، فيتخلص من عقاب الآخرة، بخلاف هذا السارق، فإنه سرق حق نفسه من الثواب، وأبدل منه العقاب في العقبى، وليس في يده سوى الضرر والتعب.

ص: 1020