الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
918 -
وعن ابن مسعود، كان يقول: من السنة إخفاء التشهد رواه أبو داود، والترمذي؛ وقال: هذا حديث حسن غريب.
(16) باب الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها
الفصل الأول
919 -
عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: لقيني كعب بن عجرة، فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: بلي، فأهدها لي. قال: سألنا رسول اله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن الله قد علمنا كيف نسلم عيك. قال: ((قولوا: اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد، كما صليت علي
ــ
الحديث الثالث عن ابن مسعود: قوله: ((من السنة)) ((مح)): إذ قال الصحابي: السنة كذا، ومن السنة كذا، فهو في الحكم كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا مذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء، وجعله بعضهم موقوفاً ليس بشيء. وأقول: معنى ((من كذا)) شامل لمعنى، قال وفعل وأمر وقرر. والله أعلم.
باب الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها
((نه)): معنى ((صل علي محمد)) عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته، وقيل: لما أمرنا الله بالصلاة عليه لم نبلغ قدر الواجب الواجب من ذلك فأحلنا علي الله تعالي وقلنا: اللهم صل أنت علي محمد لأنك أعلم بما يليق.
الفصل الأول
الحديث الأول عن عبد الرحمن: قوله: ((علمنا كيف نسلم)) ((مظ)): أي علمنا الله كيف الصلاة والسلام عليك في قوله سبحانه وتعالي: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسيلما} . فكيف نصلي علي أهل بيتك؟ وأما إذا كان السؤال عن كيفية الصلاة عليه خاصة فمعنى قوله: ((إن الله علمنا كيف السلام عليك)) أن الله قد علمنا بلسانك وبواسطة بيانك في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
وأقول: يؤيد الوجه الول قول السائل: ((أهل البيت))، فإنه نصب بيانا لقوله:((عليكم)) فإن الجمع محتمل لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم مجازاً، ولإجرائه علي حقيقته من إرادة الجماعة، فبين
إبراهيم وعلي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد، كما باركت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)). متفق عليه. إلا أن مسلماً لم يذكر:((علي إبراهيم)) في الموضعين.
ــ
بقوله: أهل البيت، أي أعني أو أريد أهل البيت، فحينئذ يطابق ما ذكره صلى الله عليه وسلم في جوابه من ذكر محمد مقرون بذكر الآل مرارا. وينصر المعنى الثاني الأحاديث الواردة في التحيات مقرونة بذكر السلام دون الصلاة. ((فا)): أصل آل أهل، فأبدلت الهاء همزة، ثم الهاء ألفا، يدل عليه تصغيره علي أهيل. وتختص بالأشهر الأشرف، كقولهم: الفراء آل محمد، ولا يقال: آل الخياط والإسكاف.
((مظ)): اختلفوا في الآل من هم؟ قيل: من حرمت عليه الزكاة، كبني هاشم، وبني المطلب، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعلي، وإخوته جعفر وعقيل، وأعمامه صلى الله عليه وسلم حمزة، والعباس والحارث بن عبد المطلب، وأولادهم. وقيل: كل تقي آله عليه الصلاة والسلام. وقراءة التحيات والصلوات علي النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأخيرة واجبة عند الشافعي، ومستحبة عند أبي حنيفة رضي الله عنهما. ((خط)): الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره، والتي بمعنى الدعاء والتبرك تقال لغيره، ومنه ((صل علي آل أبي أوفي)) أي ترحم عليهم وبارك.
أقول: لعل حمل الآل علي العموم من الأصفياء وأتقياء الأمة، فيدخل فيه أهل البيت دخولا أوليا، وكذا الصلاة علي التعظيم والترحم أولي؛ لأن التشبيه في قوله:((كما صليت علي إبراهيم)) ليس من باب إلحاق الناقص بالكامل، بل من باب بيان حال من لا يعرف بما يعرف، وما عرف من الصلاة علي إبراهيم وآله ليس إلا في قوله تعالي:{رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} .
((الكشاف)): قوله تعالي: ((رحمة الله وبركاته عليكم)) كلام مستأنف، علل به إنكار التعجب، كأنه قيل: إياك والتعجب؛ فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم. وقيل الرحمة النبوة، والبركات والأسباط من بني إسرائيل، لأن الأنبياء منهم كلهم من ولد إبراهيم. انتهي كلامه. فحينئذ يكون الأتقياء والأصفياء من الأمة موازنة الأنبياء من بني إسرائيل، وقوله:((إنك حميد مجيد)) تذييل للكلام السابق، وتفسير له علي سبيل العموم، أي إنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة، والآلاء المتعاقبة المتوالية، مجيد كريم كثير الإحسان إلي جميع عبادك الصالحين، ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلاتك وبركاتك وترحمك علي رسولك نبي الرحمة وآله.
((مح)): ذكر في الأذكار: أجمعوا علي الصلاة علي نبينا صلى الله عليه وسلم وكذا سائر الأنبياء، والملائكة،
920 -
وعن أبي حميد الساعدي، قال: قالوا: يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قولوا: اللهم صل علي محمد وأزواجه وذريته كما صليت علي آل إبراهيم، وبارك علي محمد وأزواجه وذريته، كما باركت علي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)). متفق عليه.
ــ
استقلالا، وأما غيرهم فالجمهور علي عدم الجواز ابتداء، وقيل: إنه حرام، وقيل: إنه مكروه، وقيل: هو ترك الأولي. والصحيح أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن ذلك. وقال أصحابنا: المعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما أن قولنا: عز وجل مخصوص بالله سبحانه وتعالي، فكما لا يقال محمد عز وجل وإن كان عزيزاً جليلاً، لا يقال: أبو بكر وعمر صلي الله عليهما وإن صح معناه. واتفقوا علي جواز جعل غير الأنبياء تبعا لهم في الصلاة، وأما السلام فقال أبو محمد الجويني: هو مثل الصلاة لا يستعمل في الغائب غير الأنبياء، سواء كان حيا أو ميتا، لا يقال: علي عليه السلام والله أعلم.
الحديث الثاني عن أبي حميد: قوله: ((اللهم صل علي محمد)) فإن قلت: كيف يطابق قوله: صل علي محمد وأزواجه وذريته، قوله: كما صليت علي آل إبراهيم حيث لم يذكر فيه إبراهيم كما ذكر محمداً صلى الله عليه وسلم؟ أجاب القاضي: الآل مقحم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى:((إنه أعطي مزماراً من مزامير آل داود))، ولم يكن له آل مشهور بحسن الصوت.
أقول: يمكن أن يقال: إن هذا الحديث يساعد القول الأول في الحديث السابق أن السؤال كان عن الصلاة علي الأهل، فيكون تقدير قوله: كيف نصلي عليك؟ أي علي أهلك، علي هذا يكون ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في الجواب في الحديثين تمهيداً لذكر الأهل تشريفاً لهم، وتكريما. كما قال الله سبحانه وتعالي:{لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} أي بين يدي رسوله. ((الكشاف)): هو يجري مجرى قولك: سرني زيد وحسن حاله. وأعجبت بعمر وكرمه، وفائدته الدلالة علي قوة الاختصاص، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله بالمكان الذي لا يخفي سلك به ذلك المسلك، وإنما ترك ذكر إبراهيم في هذه القرينة وأجرى الكلام علي مقتضى الظاهر لينبه علي هذه الدقيقة، ولو ذكر لم يفهم أنه ذكر محمداً صلى الله عليه وسلم تمهيداً.
قوله: ((وبارك علي محمد)) ((نه)): أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة، وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه، ونطلق البركة أيضاً علي الزيادة، والأصل الأول.
921 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: ((من صلي علي واحدة، صلي الله عليه عشراً)). رواه مسلم.
الفصل الثاني
922 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلي علي صلاة؛ صلي الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات)). رواه النسائي. [922]
923 -
وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أولي الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)). رواه الترمذي. [923]
924 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام)). رواه النسائي، والدارمي. [924]
ــ
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((صلي الله عليه عشراً)) ((مح)): قال القاضي عياض: معنى: صلي عليه، رحمة وضعف أجره، كقوله تعالي:{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وقال: وقد تكون الصلاة علي وجهها وظاهرها كلاما تسمعه الملائكة تشريفاً للمصلي وتكريماً له كما جاء: ((وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)).
الفصل الثاني
الحديث الأول والثاني عن ابن مسعود: قوله: [((من صلي علي صلاة واحدة))] الصلاة من العبد طلب التعظيم والتبجيل لجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصلاة من الله تعالي علي العبد إن كان بمعنى الغفران فيكون من باب المشاكلة- من حيث اللفظ لا المعنى- وإن كان بمعنى التعظيم فيكون من الموافقة لفظاً ومعنى، الأعداد المخصوصة محمول علي المزيد والفضل في معنى المطلوب.
قوله: ((أولي الناس بي)) كقوله تعالي: {إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي} يعني أن أخص أمتي بي، وأقربهم مني، وأحقهم بشفاعتي- أكثرهم علي صلاة، من الولي القرب، وضمن معنى الاختصاص فعدي بالباء.
الحديث الثالث عن ابن مسعود: قوله: ((سياحين)) صفة ((ملائكة)) ((نه)): يقال: ساح في
925 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام). رواه أبو داود، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)).
926 -
وعنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)). رواه النسائي. [926]
ــ
الأرض يسيح سياحة، إذا ذهب فيها، وأصله من السيح، وهو الماء الجاري المنبسط علي الأرض، وفيه تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال لمنزلته، حيث سخر الملائكة الكرام لهذا الشأن المفخم.
الحديث الرابع عن أبي هريرة: قوله: ((رد الله علي روحي)) ينهون إليه صلوات أمته، كما ينهي أمور الرعية إلي الملوك، لعل معناه يكون روحه المقدسة في شأن ما في الحضرة الإلهية، فإذا بلغه سلام أحد من الأمة رد الله سبحانه وتعالي روحه المطهرة من تلك الحالة إلي رد من سلم عليه، وكذلك شأنه وعادته في الدنيا يفيض علي أمته من سحاب الوحي الإلهي ما أفاض الله عليه، ولا يشغله هذا الشأن- وهو شأن إفاضة الأنوار القدسية علي أمته- عن شأنه بالحضرة الإلهية، كما كان في عالم الشهادة لا يشغله شأن عن شأن، والمقام المحمود في العقبى عبارة عن هذا المعنى، فهو عليه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والبرزخ والعقبى في شأن أمته.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عيداً)) ((تو)): يحتمل أن يراد به واحد الأعياد، أي لا تجعلوا زيارة قبري عيداً، أو قبري مطهر عيد، والمعنى لا تجتمعوا للزيارة اجتماعكم للعيد، فإنه يوم لهو وسرور وزينة، وحال الزيارة مخالفة لتلك الحالة، وكان ذلك من دأب اليهود والنصارى، فأورثهم ذلك الغفلة، وقسوة القلب، ومن عادة عبدة الأصنام أنهم لم يزالوا يعظمون أمواتهم حتى اتخذوها أصناما، وإلي هذا أشار صلى الله عليه وسلم:((اللهم! لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله علي قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). ويحتمل أن يكون العيد اسما من الاعتياد، يقال: عادة، واعتاده، وتعوده، أي صار عادة له، يعني لا تجعلوا قبري محل اعتياد تعتادونه؛ لما يؤدي ذلك إلي سوء الأدب، وارتفاع الحشمة. ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((وصلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) أي لا تتكلفوا المعاودة إلي فقد استغنيتم عنه بالصلاة علي.
وأقول: بيان نظم الحديث أن يقال: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، معناه لا تجعلوا بيوتكم كالقبور الخالية عن ذكر الله تعالي وعبادته، لأنها غير صالحة لها، وكذلك لا تجعلوا القبور كالبيوت محلا للاعتياد لحوائجكم، ومكاناً للعبادة والصلاة، أو مرجعاً للسرور والزينة كالعيد.
927 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي. [927]
ــ
قوله: ((فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) ((قض)): وذلك أن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية عرجت واتصلت بالملأ الأعلي، ولم يبق لها حجاب، فيرى الكل كالمشاهد بنفسها، أو بإخبار الملك لها، وفيه سر يطلع عليه من يتيسر له.
الحديث السادس عن أبي هريرة: قوله: ((ثم انسلخ)) ((ثم)) هذه استبعادية، كما في قولك لصاحبك تإنيباً له: بئس ما فعلت، وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها. وكذا الفاء في قوله:((فلم يصل علي)) و ((فلم يدخلاه الجنة))، ويؤيده ورود هذا الحديث في بعض روايات صحيح مسلم بفظ ((ثم)) بدل الفاء في قوله:((فلم يدخلاه الجنة)). ونظير وقوع الفاء موقع ((ثم)) الاستبعادية قوله تعالي في سورة الكهف: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها} . وفي سورة السجدة: ((ثم أعرض عنها)). وقد تقرر أن قولهم: ((رغم أنف فلان)) كناية عن غاية الذل والهوان، وأن الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن تعظيمه وتبجيله، فمن عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبه عظمه الله، ورفع قدره في الدارين، ومن لم يعظمه أذله الله فالمعنى: بعيد من العاقل بل من المؤمن المعتقد أن يتمكن من إجراء كلمات معدودة علي لسانه فيفوز بعشر صلوات من الله عز وجل، وبرفع عشر درجات له، وبحط عشر خطيئات عنه، ثم لم يغتنمه حتى يفوت عنه، فحقيق بأن يحقره الله تعالي، ويضرب عليه الذلة والمسكنة، وباء وبغضب من الله تعالي. ومن هذا القبيل عادة أكثر الكتاب أن يقتصروا في كتابة الصلاة والسلام علي النبي صلى الله عليه وسلم علي الرمز.
وكذا شهر رمضان شهر الله المعظم، {الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان} ، فمن وجد فرصة تعظيمه بأن قام فيه إيماناً واحتساباً عظمه الله، ومن لم يعظمه حقره الله تعالي. وتعظيم الوالدين مستلزم لتعظيم الله، ولذلك قرن الله سبحانه وتعالي الإحسان إليهما وبرهما بتوحيده وعبادته، في قوله تعالي:{وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} فمستبعد ممن منح ووفق الإحسان إليهما، لاسيما في حال كبرهما، وأنهما عنده في بيته كلحم علي وضم، ولا كافل لهما سواه، إن لم يغتنم هذه الفرصة فجدير بأن يهان ويحقر شأنه.
928 -
وعن أبي طلحة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر في وجهه، فقال:((إنه جاءني جبريل، فقال: إن ربك يقول: أما يرضيك يا محمد! أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً؟)). رواه النسائي، والدارمي. [928]
929 -
وعن أبي بن كعب، قال: قلت: يا رسول الله! إني أكثر الصالة عليك، فكم أجع لك من صلاتي؟ فقال:((ما شئت)). قلت: الربع؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك)). قلت: ((فالثلثين؟ قال: ((ما شئت، فإن زدت فهو خير لك)). قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: ((إذا يكفي همك، ويكفر لك ذنبك)). رواه الترمذي. [929]
ــ
فإن قلت: كان من حق ((ثم)) في قوله: ((ثم انسلخ)) علي ما قررت معنى الفاء من أن يقرن بعدم الغفران، وأن يقال: رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم لم يغفر له، أي بعيد منه ذلك، فما فائدة ((انسلخ)) ومجيء ((قبل)) وتأخير ذلك أن يغفر؟ قلت: الإيذان بأنه قد تراخى الغفران عنه لتقصيره، وكان من حقه أن يغفر قبل انسلاخ الشهر غرته، أو عقبها يوما فيوما.
قوله: ((فلم يدخلاه الجنة)) لما كان دخول الجنة من الله سبحانه وتعالي بواسطة برهما والإحسان إليهما- أسند إليهما مجازاً، كما في قولك: أنبت الربيع البقل، مبالغة.
الحديث السابع عن أبي طلحة: قوله: ((أما يرضيك)) هذا بعض ما أعطى من الرضا في قوله تعالي: {ولسوف يعطيك ربك فترضي} . وهذه البشارة في الحقيقة راجعة إلي الأمة، ومن ثم ظهر تمكن البشر في أسارير وجهه عليه السلام ظرفاً ومكاناً للبشر والطلاقة، وهذا رمز إلي نوع من الشفاعة، فإذا كان الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم توجب هذه الكرامة من الله سبحانه وتعالي، فما ظنك بقيامه وتشمره للشفاعة الكبرى؟ رزقنا الله إياها ولجميع المسلمين، آمين، رب العالمين.
الحديث الثامن عن أبي بن كعب: قوله: ((فكم أجعل لك من صلاتي)) ((تو)): المعنى كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي، ولم يزل يعارضه ليوقفه علي حد من ذلك. ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم أن يحد له في ذلك حداً؛ ئلا تلتبس الفضيلة بالفريضة أولا، ثم لا يغلق عليه باب المزيد ثإنياً، فلم يزل يجعل الأمر فيه مراعياً لقرينة الترغيب والحث علي المزيد حتى قال:((إذا أجعل لك صلاتي كلها))، أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي، فقال: ((إذاً يكفي
930 -
وعن فاضلة بن عبيد، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلي، فقال، اللهم اغفر لي وارحمني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((عجلت أيها المصلي! إذا صليت فقعدت، فاحمد الله بما هو أهله، وصل علي ثم ادعه)). قال: ثم صلي رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((أيها المصلي! ادع تجب)). رواه الترمذي، وروى أبو داود، والنسائي نحوه. [930]
931 -
وعن عبد الله بن مسعود، قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء علي الله تعالي، ثم الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((سل تعطه، سل تعطه)). رواه الترمذي. [931]
ــ
همك)) أي ما يهمك من أمر دينك ودنياك؛ وذلك لأن الصلاة عليه مشتملة علي ذكر الله تعالي وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، والاشتغال بأداء حقه عن مقاصد نفسه، وإيثاره بالدعاء علي نفسه، وما أعظمها من خلال جليلة الإخطار، وأعمال كريمة الآثار! وأرى هذا الحديث تابعاً في المعنى لقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل:((من شعله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)).
وأقول: قد تقرر أن العبد إذا صلي مرة علي النبي صلى الله عليه وسلم صلي الله عز وجل عليه عشرة، وأنه إذا صلي وفق الموافقة لله، ودخل في زمرة الملائكة المقربين في قوله تعالي:{إن الله وملائكته يصلون علي النبي} . فأنى يوازي هذا دعاءه لنفسه!
الحديث التاسع عن فضالة: قوله: ((عجلت أيها المصلي)) ((قض)): أشار صلى الله عليه وسلم أن من شرط السائل أن يتقرب إلي المسئول عنه قبل طلب الحاجة بما يوجب له الزلفي لديه، ويتوسل بشفيع له بين يديه؛ ليكون أطمع في الإسعاف، وأحق بالإجابة، فمن عرض السؤال قبل تقديم الوسيلة فقد استعجل.
قوله: ((فقعدت)) يحتمل أن يكون عطفاً علي مقدر، أي إذا صليت وفرغت فقعدت للدعاء فاحمد الله سبحانه وتعالي، أي اثن عليه بقولك: التحيات المباركات.
الحديث العاشر عن عبد الله بن مسعود: قوله: ((والنبي)) مبتدأ محذوف الخبر، وتقديره: حاضر، أو جالس، ونحوه، ((وأبو بكر وعمر)) جملة أخرى عطف علي الجملة الأولي، وهي حال من فاعل ((أصلي))، وقد استغنى بالواو عن الضمير.
الفصل الثالث
932 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يكتال بالمكيال الأوفي إذا صلي علينا أهل البيت؛ فليقل: اللهم صل علي محمد النبي الأمي، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته، وأهل بيته، كما صليت علي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)) رواه أبو داود. [932]
933 -
وعن علي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البخيل الذي من ذكرت عنده لم يصل علي)). رواه الترمذي، ورواه أحمد عن الحسين بن علي، رضي الله عنهما. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
ــ
قوله: ((سل تعطه)) ((مظ)): الهاء يجوز أن تكون للسكت، كما في قوله تعالي:((حسابيه)) و ((كتابيه))، وأن تكون ضميراً للمسئول وإن لم يجر له الذكر، أي سل تعط ما تطلبه. وأقول: الأول أوجه من حيث الإطلاق، نحو قولك: فلان يعطي ويمنع، يعني سل لتصير مقضي الحاجة.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بالمكيال الأوفي)) عبارة عن نيل الثواب الوافي، علي نحو قوله تعالي:{ثم يجزاه الجزاء الأوفي} . وقوله: ((إذا صلي علينا)) شرط، جزاؤه ((فليقل))، والشرط مع الجزاء جواب للشرط الأول. ويجوز أن تكون ((إذا)) ظرفا، والعامل ((فليقل))، علي قول من ذهب إلي أن ما بعد الفاء الجزائية يعمل فيما قبله، كما في قوله تعالي:{لإيلاف قريش} فإنه معمول لقوله: {فليعبدوا} . ((وأهل البيت)) مجرور بدل من الضمير المجرور في ((علينا))، كما في قول الشاعر:
علي حالة لو أن في القوم حاتما علي جوده لضن بالماء حاتم
وأن يكون منصوباً بتقدير أعني
وقوله: و ((أهل بيته)) عطف العام علي الخاص، علي طريقة:{ولقد آتيناك سبعا من المثإني والقرآن العظيم} .
الحديث الثاني عن علي رضي الله عنه: قوله: ((البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل))
934 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلي علي عند قبري سمعته، ومن صلي علي نائياً أبلغته)) رواه البيهقي في: ((شعب الإيمان)). [934]
935 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: من صلي علي النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، صلي الله عليه وملائكته سبعين صلاة. رواه أحمد. [935]
936 -
وعن رويفع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((من صلي علي محمد وقال: اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة؛ وجبت له شفاعيت)) رواه أحمد. [936]
ــ
الموصول الثاني مزيد مقحم بين الموصول وصلته، كما في قراءة زيد بن علي:{الذي خلقكم والذين من قبلكم} . ((الكشاف)): أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيداً. والتعريف في البخيل للجنس، محمول علي الكمال وأقصى غايته، وقد جاء:((ليس البخيل من بخل بماله، ولكن البخيل من بخل بمال غيره))، وأبلغ الجود منه من أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه، فمن لم يصل علي النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر عنده منع نفسه من أن يكتال الثواب بالمكيال الأوفي، فهل نجد أحد أبخل من هذا؟
الحديث الثالث عن عبد الله: قوله: ((من صلي علي عند قبري سمعته)) فإن قلت: كيف الجمع بين معنى هذا الحديث، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الفصل الثاني:((لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) أي لا تتكلفوا المعاودة إلي قبري، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم. قلت: لا ارتياب أن الصلاة في الحضور مشافهة أفضل من الغيبة، لكن المنهي عنه هو الاعتياد الذي يرفع الحشمة، ويخالف التعظيم.
الحديث الرابع عن رويفع: قوله: ((أنزله المقعد المقرب)) قيل: هو المقام المحمود. وأقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقامان مختصان به: أحدهما مقام حلول الشفاعة، والوقوف عن يمين الرحمن، يغبطه الأولون والآخرون. وثإنيهما مقعده من الجنة، ومنزله الذي لا منزل بعده.