المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب الغسل - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٣

[الطيبي]

الفصل: ‌(6) باب الغسل

427 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ، فقال:((ما هذا السرف يا سعد؟)) قال: أفي الوضوء سرف؟! قال: ((نعم! وإن كنت علي نهر جار)) رواه أحمد، وابن ماجه [427].

428 -

وعن أبي هريرة، وابن مسعود، وابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من توضأ وذكر اسم الله، فإنه يطهر جسده كله، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله؛ لم يطهر إلا موضع الوضوء)) [428].

429 -

وعن أبي رافع، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ وضوء الصلاة حرك خاتمه في أصبعه، رواهما الدارقطني، وروى ابن ماجه الأخير [429]

(6) باب الغسل

الفصل الأول

430 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جلس أحدكم بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغسل وإن لم ينزل)). متفق عليه

ــ

و ((الغسيل)) - بالجر- صفة حنظلة، روي عن عروة:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة حنظلة ابن أبي عامر: ما كان شأنه؟ قالت: كان جنباً، وغسلت إحدى شقي رأسه، فلما سمع الهيعة خرج، فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت الملائكة تغسله)).

الحديث السادس عن عبد الله: قوله: ((وإن كنت علي نهر جار)) تتميم لإرادة المبالغة فيما ذكر، أي نعم ذلك تبذير وإسراف فيما لم يتصور فيه التبذير، فكيف بما تفعله؟ ويحتمل أن يراد بالإسراف الإثم. ((نه)): وقد تكرر ذلك الإسراف في الحديث، والغالب علي ذكره الإكثار من الذنوب والخطايا.

باب الغسل

الفصل الأول

الحديث الأول: عن أبي هريرة قوله: ((إذا جلس الرجل)) ((قض)): قيل: ((شعبها الأربع)) يداها، ورجلاها،

ص: 806

431 -

وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الماء من الماء)). رواه مسلم.

قال الشيخ الإمام محيي السنة، رحمه الله: هذا منسوخ.

ــ

وقيل: رجلاها وشفراها، ولذلك كنى عنها بالشعب. ((وجهدها)) جامعها، قال ابن الأعرابي: الجهد- بالفتح- من أسماء النكاح، ولعله كناية مأخوذة من الجهد بمعنى المبالغة. واختلف العلماء في وجوب الغسل بالإيلاج، فذهب جمهور الصحابة ومن بعدهم إلي أن الإيلاج الحشفة في الفرج يوجب الغسل وإن لم ينزل، لهذا الحديث وغيره من الأخبار المعاضدة له، وذهب سعد بن أبي وقاص في آخرين من الصحابة إلي أنه لا يجب الغسل ما لم ينزل. وقال به الأعمش وداود، وتمسكوا بقوله عليه السلام:((الماء من الماء)) أي الاغتسال بالماء من أجل خروج الماء، وذلك يفيد الحصر عرفاً. وأجيب بأنه منسوخ بقول أبي بن كعب:((كان الماء من الماء شيء في أول الإسلام، ثم ترك ذلك بعده، وأمر بالغسل إذا مس الختان الختان)). ورجح التوربشتي التأويل الثاني وقال: لأنه يتناول سائر الهيئات التي يتمكن بها المباشر من إربه، وإذا فسر باليدين والرجلين اختصت بهيئة واحدة.

وإنما عدل إلي الكناية بذكر ((شعبها الأربع)) للاجتناب عن التصريح بذكر الشفرين، ولو أريد به اليدان والرجلان لصرح بها، وقيل: جهدها حفزها ودفعها. وأرى أصل الكلمة من الجهد الذي هو الجد في الأمر، وبلوغ الغاية، وإنما عبر عنه بهذا اللفظ المبهم تنزهاً عن التفوه بما يفحش ذكره صريحاً ما وجد إلي الكناية سبيلاً، إلا في صورة تدعو الضرورة إلي التصريح علي ما ذكر في حديث ماعز بن مالك وغيره، لتعلق الحد بذلك، وقد اعتمد في هذا الحديث علي فهم المخاطبين، فعبر عنه بالجهد، والمراد منه التقاء الختإنين، عرفنا ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها حيث سألها أبو موسى رضي الله عنها عن ذلك، فروت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل)). وهو حديث صحيح حسن.

الحديث الثاني، والثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((إنما الماء من الماء)) أحد المائين هو المني، والآخر هو الغسول الذي يغتسل به، أي وجوب الاغتسال بالماء من أجل خروج الماء الدافق، وقد صح أنه منسوخ. ((تو)): قول ابن عباس: إنما الماء من الماء)) في الاحتلام؛ فإنه قول قاله من طريق التأويل والاحتمال، ولو انتهي الحديث بطوله إليه لم يكن ليأوله هذا التأويل، وذلك أن أبا سعد الخدري رضي الله عنه قال:((خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلي قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي باب عتبان، فصرخ به، فخرج يجر إزاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعجلنا الرجل، فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن، ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الماء من الماء)). وهو حديث صحيح أخرجه مسلم في كتابه.

ص: 807

432 -

وقال ابن عباس: إنما الماء من الماء، وفي الاحتلام. رواه الترمذي، ولم أجده في ((الصحيحين)).

433 -

وعن أم سلمة، قالت أم سليم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يستحي من الحق؛ فهل علي المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: ((نعم، إذا رأت الماء)). فغطت أم سلمة وجهها، وقالت: يا رسول الله! أو تحتلم المرأة؟ قال: ((نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها؟!)). متفق عليه. [433]

ــ

الحديث الرابع عن أم سلمة: قوله: ((إن الله لا يستحيي)) ((تو)): أي لا يمتنع منه، ولا يتركه ترك الحيي منا، قالته اعتذاراً عن تصريحها بما ينقبض عنه النفوس البشرية لاسيما بحضرة الرسالة، أي أن الله تعالي بين لنا أن الحق ليس مما يستحي منه، وسؤالها هذا كان منا لحق الذي ألجأ الضرورة إليه، وقالت عائشة:((نعم النساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين)).

قوله: ((أو تحتلم المرأة)) في الصحيحين وكتاب الحميدي وجامع الأصول بغير الهمزة، وفي نسخ المصابيح بالهمزة.

قوله: ((تربت يمينك)) ترب الشيء- بالكسر- أصابه التراب، ومنه: ترب الرجل أي افتقر، كأنه لصق بالتراب. وقد ذكر أبو عبيد اختلاف أهل العلم في معنى أمثال هذه الكلمة، وذلك يتعلق باختلاف مواضع الاستعمال، مثل قولهم للرجل: قاتله الله ما أفطنه وما أعقله، والآخر: قاتله الله ما أخبثه، فقولهم هذا علي معنى الدعاء عليه والدم له، والأول علي معنى المدح والتعجب من فطنته وعقله، وذلك يقع موقع قولك: لله دره. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تربت يمينك)) كلمة لم يرد بها الدعاء عليها، وإنما خرجت مخرج التعجب من سلامة صدرها، وقوله:((فبم يشبهها ولدها)) ((قض)): هذا استدلال علي أن لها منياً كما للرجل مني، والولد مخلوق منها، إذ لو لم يكن لها ماء وكان الولد من مائه المجرد لم يكن يشبهها؛ لأن الشبه بسبب ما بينهما من المشاركة في المزاج الأصلي المعين المعد لقبول التشكلات والكيفيات المعينة من مبدعه تبارك وتعالي، فإن غلب ماء الرجل ماء المرأة وسبق نزع الولد إلي جانبه، ولعله يكون ذكراً، وإن كان بالعكس نزع الولد إلي جانبها، ولعله يكون أثنى، قوله:((فمن أيهما)) ((من)) فيه زائدة، فالمعنى أي المائين سبق يكون منه الشبه.

ص: 808

434 -

وزاد مسلم برواية أم سليم: ((إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه)).

435 -

وعن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في لماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب علي رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء علي جسده كله. متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: يبدأ فيغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم يفرغ بيمينه علي شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ.

436 -

وعن ابن عباس، قال: قالت ميمونة: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا فسترته بثوب، وصب علي يديه، فغسلهما، ثم صب بيمينه علي شماله، فغسل فرجه، فضرب بيده الأرض فمسحها، ثم غسلها، فمضمض واستنشق، وغسل وجه

ــ

الحديث الخامس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ثلاث غرفات)) وفي أصل المالكي: ((ثلاث غرف)). قال: حكم العدد من ثلاثة إلي عشرة أن يضاف إلي أحد جموع القلة الستة، وهي أفعل، وأفعال، وأفعلة، وفعلة، والجمع بالألف والتاء، وبالواو والنون، فإن لم يكن للمعدود جمع قلة جيء بدله بالجمع المستعمل، كقولك: ثالثة سباع، وثلاثة ليوث، فإن كان له جمع قلة وأضيف إلي جمع كثرة لم يقس عليه، كقوله تعالي:{ثلاثة قروء} مع ثبوت أقراء، ولكن لا عدول عن الإتباع عند صحة السماع. ومن هذا القبيل قول حمران:((ثم أدخل يمينه في الإناء ثلاث مرار)). مع ثبوت مرات. فعلي هذا قول عائشة رضي الله عنها يقتضي أن يقال: ((ثلاث غرفات))؛ لأن [فعلي] عند البصريين جمع كثرة، ويصح عند الكوفيين؛ لأن فعلي- بضم الفاء وكسرها جمع قلة. وهذا الحديث وقوله تعالي:{فأتوا بعشر سور} . يؤيد قولهم في فعل، وقوله تعالي:{ثمإني حجج} في فعل.

الحديث السادس عن ابن عباس: قوله: ((غسلا)) - بضم الغين- كالغسول، والمغتسل، وهو

ص: 809

وذراعيه، ثم صب علي رأسه، وأفاض علي جسده، ثم تنحى فغسل قدميه، فناولته ثوباً فلم يأخذ، فانطلق وهو ينفض يديه متفق عليه، ولفظه البخاري.

437 -

وعن عائشة، قالت: إن امرأة من الأنصار سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غسلها في المحيض، فأمرها كيف تغتسل، ثم قال:((خدي فرصة من مسك فتطهري بها)). قالت: كيف أتطهر بها؟ فقال: ((تطهري بها))، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال ((سبحان الله! تطهري بها)). فاجتذبتها إلي، فقلت لها تتبعي بها أثر الدم. متفق عليه.

ــ

الماء الذي يغتسل به، كالأكل لما يؤكل، والغسل أيضاً الاسم من غسلت الشيء غسلا- بالفتح- والغسل الذي هو الاسم من غسلت بتسكين السين وبضمه والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من الخطمي وغيره.

((قض)) ومن فوائد هذه الحديث الدلالة علي أن الأولي تقديم الاستنجاء وإن جاز تأخيره، لأنهما طهارتان مختلفتان، فلا يجب الترتيب بينهما، واستعمال اليسرى فيه ودلكها علي الأرض مبالغة في إنقائها، وإزالة ما عبق بها، والوضوء قبل الغسل واختلف في وجوبه، فأوجبه داود مطلقاً، وقوم إذا كان محدثاً، أو كان الفعل مما يوجب الجنابة والحدث، ومنصوص الشافعي أن الوضوء يدخل في الغسل، فيجزئه لهما، وهو قول مالك، وتأخير غسل الرجلين إلي آخر الغسل هو مذهب أبي حنيفة، وقول للشافعي، والمذهب أن لا يؤخر لرواية عائشة رضي الله عنها، ((والتنحي)) أي التباعد عن مكانه لغسل الرجلين، وترك النشف لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الثوب، وجوار النفض، والأولي تركه، لقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم))، ومنهم من حمل النفض ها هنا علي تحريك اليدين في المشي، وهو تأويل بعيد.

الحديث السابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فرصة)) هي- بالكسر- قطعة قطن، أو خرقة، أو صوف، تمسح بها المرأة من الحيض، و ((من مسك)) صفة لفرصة، ومتعلق الجار محذوف، إما أن يقدر خاصاً، أو عاماً فعلي الأول التقدير: فرصة مطيبة من مسك، وهذا التفسير موافق لما ورد في الصحاح:((فرصة ممسكة)) ((حسن)): أي خذي قطعة من صوف مطيبة بمسك، وأنكر القتيبي هذا لأنهم لم يكونوا أهل وسع يجدون المسك، فعلي هذا قالوا: تكون الرواية، ((فرصة من مسك)) .. بفتح الميم أي من جلد عليه صوف، وعلي أن يكون المتعلق عاماً أي فرصة كائنة من مسك، لا يجوز أن يراد بالمسك الطيب؛ لأن الفرصة لا تكون مسكاً، فيجب أن يقال كما في الفائق: إن الممسكة الخلق التي أمسكت، كثيراً أو لا يستعمل الجديد للانتفاع به، ولأن الخلق أصلح لذلك وأوفقه.

ص: 810

348 -

وعن أم سلمة، قالت: قلت يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفانقضه لغسل الجنابة؟ فقال:((لا، أنما يكفيك أن تحثي علي رأسك ثلاث حثيات، ثم تفضين عليه الماء؛ فتطهرين)) رواه مسلم.

ــ

((تو)): هذا القول أمتن وأحسن وأشبه بصورة الحال، ومن الدليل علي صحة ذلك قوله:((فتطهري بها))، ولو كان المعنى علي أنها متطيبة بالمسك لقال: فتطيبي بها، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك لإزالة أثر الدم عند التطهر، ولو كان لإزالة الرائحة الحاصلة من المحيض لأمر به بعد إزالة أثر الدم. ((وسبحان الله)) فيه معنى التعجب. ((الكشاف)): الأصل في ذلك أن يسبح الله في رؤية التعجب من صانعه، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منها، ومعنى التعجب في الحديث أن يقال: كيف يخفي مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلي فكر.

الحديث الثامن عن أم سلمة: قوله: ((أشد ضفر رأسي)) أبو عبيد الضفر- بالضاد- نسج الشعر، وإدخال بعضه في بعض، و ((الضفيرة)) الذؤابة. ((تو)) الحثو والحثي: الثارة، يقال: حثى يحثو حثواً، وحثى يحثى حثياً، ومعنى ((الحثيات)) الثارات التي يثير فيها الماء بيديه ويفيضها علي رأسه، ويمكن أن يراد بالحثية القبضة الواحدة التي تعم سائر البدن، وهذا أقرب، وعلي هذا فالحثيات بمعنى الغسلات الثلاث، وعلي الأول إنما نص علي الثلاث، لأن الكفاية في إفاضة الماء علي سائر الجسد يحصل به في غالب الأحوال، وعلي الثاني يكون التنصيص فيها علي الثلاث علي وجه الاستحباب دون الوجوب.

قوله: ((أن تحثي)) ((شف)): هو بإسكان الياء؛ لأنه خطاب للمؤنث، فنصبه بحذف النون، إذ أصله: تحثين، حذفت نونه بأن الناصبة للمضارع، ولا يجوز فيه فتح الياء.

((حس)): العمل علي هذا عند عامة أهل العلم، أن نقض الضفائر لا يجب في الغسل إذا كن الماء يتخللها، وإلا فيجب النقض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشرة)) وهو غريب الإسناد وقال إبراهيم النخعي نقض الضفائر واجب علي كل حال.

((شف)): في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما يكفيك أن تحثي علي رأسك)) إلي آخره دليل علي أن الدلك في الغسل غير واجب، وعلي أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين.

ص: 811

439 -

وعن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلي خمسة أمداد. متفق عليه.

440 -

وعن معاذة، قالت: قالت عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد بيني وبينه، فيبادرني، حتى أقول: دع لي دع لي. قالت: وهما جنبان. متفق عليه.

الفصل الثاني

441 -

عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا

ــ

الحديث التاسع: عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((بالمد)) وهو رطل وثلث رطل بالبغدادي، والصاع أربعة أمداد.

الحديث العاشر عن معاذة: قوله: ((أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) أبرز الضمير ليعطف عليه المظهر، فإن قلت: كيف يستقيم العطف، إذ لا يقال: اغتسل رسول الله؟ قلت: هو علي تغليب المتكلم علي الغائب، كما غلب المخاطب علي الغائب في قوله تعالي:{اسكن أنت وزوجك الجنة} . عطف ((وزوجك)) علي ((أنت)). فإن قلت: الفائدة في تغليب {اسكن} هي أن آدم كان أصلاً في سكنى الجنة، وحواء تابعة له، فما الفائدة فيما نحن فيه؟ قلت: الإيذان بأن النساء محل الشهوات، حاملات للاغتسال، فكن أصلاً فيه.

قوله: ((بيني وبينه)) ((مظ)): أي موضع الإناء بيني وبينه، وهو واسع الرأس نجعل أيدينا فيه، ونأخذ الماء، فيبادرني ويسبقني ويأخذ قبلي، وفيه دليل علي أن الماء الذي غمس فيه الجنب يده طاهر مطهر. ((شف)): فيه دليل علي أن فضل ماء الجنب طهور، فإن كل واحد من النبي صلى الله عليه وسلم ومن عائشة رضي الله عنها اغتسل بما فضل عن صاحبه.

فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون التقدير: أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء مشترك بيني وبينه، فيبادرني، ويغتسل ببعضه، ويترك لي ما بقى، فأغتسل أنا منه؟ قلت: يخالفه الحديث الآتي في آخر باب مخالطة الجنب، وهو:((أنه نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل- إلي قوله- وليغترفا جميعاً)) والله أعلم.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((شقائق الرجال)) ((تو)): أي نظائرهم في

ص: 812

يذكر احتلاماً. قال: ((يغتسل)). وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد بللاً. قال: ((لا غسل عليه)). قالت أم سليم: هل علي المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: ((نعم، إن النساء شقائق الرجال)). رواه الترمذي، وأبو داود. [440]

وروى الدارمي، وابن ماجه، إلي قوله:((لا غسل عليه)). [441]

442 -

وعنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاغتسلنا. رواه الترمذي، وابن ماجه. [442]

443 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشرة)). رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وقال

ــ

الخلق والطباع، كأنهن شققن منهم، ولأن حواء خلقت من آدم عليه السالم وشقت منه، وشقيق الرجل أخوه، لأن نسبه شق من نسبه، وذلك باعتبار أنهما شقا من ماء واحد. قال الشاعر:

يا بن أمي ويا شقيق نفسي أنت خليتني لأمر شديد

((خط)): فيه من الفقه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير، فإن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنساء إلا في مواضع مخصوصة. وقال: ظاهر الحديث يوجب الاغتسال [إذا رأي البلة، وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق، وهو قول جماعة من التابعين، وأكثر العلماء أنه لا يجب الاغتسال] حتى يعلم أنه بلل الدافق، واستحبوا الغسل احتياطاً، ولم يختلفوا في عدم وجوب الغسل إذا لم ير البلل، وإن رأي في النوم أنه احتلم.

الحديث الثاني عن عائشة: قوله: ((إذا جاوز الختان)) وقيل: جاء في بعض الروايات: ((إذا التقى الختانان)) ((نه)): أي إذا حاذى أحدهما الآخر، سواء تلامساً أم لا، يقال: التقى الفارسان إذا تحاذيا وتقابلا، وتظهر فائدته فيما إذا لف علي عضوه خرقة ثم جامع، فإن الغسل يجب. ((شف)): هذا المعنى في رواية ((جاوز)) أظهر؛ فإن لفظ المجاوزة يدل عليه.

الحديث الثالث عن أبي هريرة: قوله: ((فاغتسلوا الشعر وأنقوا البشرة)) علل الوصف بالظف وهو لفظة ((تحت))، ثم رتب عليه الحكم بالفاء، وعطف عليه ((فأنفقوا)) للدلالة علي أن الشعر قد يمنع وصول الماء، كما أن الوسخ يمنع ذلك، فإذا يجب استقصاء الشعر بالغسل، وتنقية البدن عن الوسخ، ليخرج المكلف عن العهدة باليقين.

ص: 813

الترمذي: هذا حديث غريب، والحارث بن وجيه الراوي وهو شيخ، ليس بذلك. [443]

444 -

وعن علي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل بها كذا وكذا من النار)). قوال علي: فمن ثم عاديت رأسي، فمن ثم عاديت رأسي، فمن ثم عاديت رأسي، ثلاثاً، رواه أبو داود، وأحمد، والدارمي، إلا أنهما لم يكررا: فمن ثم عاديت رأسي. [444]

445 -

وعن عائشة: رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل. رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [445]

ــ

قوله: ((وهو شيخ ليس بذاك)) أي كبر وغلب عليه النسيان والغفلة، وليس بذاك الذي يوثق به، أي روايته ليست بقوية.

الحديث الرابع عن علي رضي الله عنه: قوله: ((من جنابة)) متعلق بـ ((ترك))، و ((لم يغسلها)) صفة ((موضع شعرة))، أنت الضمير باعتبار المضاف إليه، وهذا يقوى ما ذهبنا إليه في تفسير قوله:((تحت كل شعرة جنابة، وقوله: ((كذا وكذا)) كناية عن العدد مثل كم، كما أن كيت وكيت كناية عن الحالة والقصة، أي يضاعف العذاب أضعافاً كثيرة، وأخرج الفعل علي ما لم يسم فاعله، وكنى بكذا عن العدد- ليدل علي فظاعته وشدته، ومن ثم بالغ علي رضي اله عنه في قوله:((عاديت)) حيث عدل من الشعر إلي الرأس، واستعار المعاداة للحلق تمثلاً لرأسه بالعدو والمناوئ، يعني فعلت برأسي ما يفعل العدو بالعدو، من استئصال الشعر وقطع دابره، مخافة عدم وصول الماء إلي موضع شعره. ذكر في الغريبين أنه حكى أبو عدنان عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ((عاديت شعري))، أي رفعته عند الغسل، وعاديت الشيء باعدته. ويعضد ما ذكرنا من استئصال الشعر ما رواه الدارمي في آخر هذا الحديث:((وكان علي رضي الله عنه يجز شعره))، وفيه أن المداومة علي حلق الرأس سنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قرره علي ذلك، ولأنه رضوان الله عليه من الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا بإتباع سنتهم، والعض عليها بالنواجذ.

الحديث الخامس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((لا يتوضأ)) ((مظ)): هذا يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم

ص: 814

446 -

وعنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه بالخطمى وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء. رواه أبو داود [446].

447 -

وعن يعلي، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي رجلاً يغتسل بالبراز، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:((إن الله حيي ستير يحب الحياء والتستر، فإذا اغتسل أحدكم؛ فليستتر)). رواه أبو داود، والنسائي وفي راويته، قال:((إن الله ستير، فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار بشيء)) [447].

الفصل الثالث

448 -

عن أبي بن كعب، قال: إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام،

ــ

اكتفي بوضوء قبل الغسل، وأنه صلى الله عليه وسلم ويكتفي بالنية عن الوضوء، فإنه إذا ارتفع الحدث الأكبر يندرج تحته الأصغر، والحكم كذلك في الفقه.

الحديث السادس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((الخطمي)) - بالكسر- نبت يغسل به الرأس، و ((يجتزئ)) به أي يقتصر عليه، ((قض)): فيه تسامح فإن ظاهره يدل علي أنه كان يقتصر علي استعمال الماء المخلوط بالخطمى، ومن المعلم أن الذي يغسل رأسه به يفيض الماء علي رأسه بعده مراراً ليزيل أثره، فلعله أراد أنه عليه السلام يقتصر علي ما يزيله ولا يفيض بعد إزالته ماء مجدداً للغسل، والله أعلم. وكذا في النهاية. أقول: إن من عادة الناس في الاستحمام أن يبدأوا بتنقية البدن بالماء والخطمى، ثم بعد ذلك ينوون رفع الجنابة، ويصبون علي رؤوسهم بما يختصونه بالغسل، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكتفي بالأول.

الحديث السابع عن يعلي: قوله: ((حيي ستير)) ((تو)): المعنى إن الله تبارك وتعالي تارك للمقابح، ساتر للعيوب والفضائح، يحب الحياء والتستر من العبد، لأنهما خصلتان تقضيان به إلي التخلق بأخلاق الله. أقول: هذا من باب التعريض، وصف الله تعالي بالحيي والستير تهجياً لفعل الرجل، وحثاً له علي تحري الحياء والتستر، كقوله تعالي:{الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به} . وصفهم بالإيمان به- وليسوا ممن لا يؤمن- حثاً للمؤمنين علي الاتصاف بصفات الملائكة المقربين من الإيمان بالله.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أبي بن كعب: قوله: ((إنما كان الماء)) سبق شرحه في الحديث الثاني من الباب الثاني.

ص: 815