الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) باب السترة
الفصل الأول
772 -
عن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إلي المصلي والعنزة بين يديه تحمل، وتنصب بالمصلي بين يديه، فيصلي إليها. رواه البخاري.
773 -
وعن أبي جحيفة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة حمراء من أدام، ورأيت بلالاً أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء، فمن أصاب منه شيئاً تمسح به، ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه. ثم رأيت بلالاً أخذ عنزة فركزها. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء مشمراً صلي إلي العنزة بالناس ركعتين. ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة. متفق عليه.
ــ
باب السترة
السترة ما يستر به الشيء، والمراد هاهنا سجادة، أو عصا، أو غير ذلك مما يتميز به موضع السجود. ((مح)): وقال العلماء: الحكمة في السترة كف البصر عما وراءها، ومنع من يجتاز بقربه، واختلف فيه. قال أصحابنا: ينبغي له أن يدنو من السترة، ولا يزيد علي ثلاثة أزرع، فإن لم يجد عصا ونحوها جمع حجارة أو تراباً، وإلا فليبسط مصلي، وإلا فليخط خطا، وسترة الإمام سترة المأموم إلا أن يجد الداخل فرجة في الصف الأول، فله أن يمر بين الصف الثاني؛ لتقصير أهل الصف الثاني.
الفصل الأول
الحديث الأول عن ابن عمر: قوله: ((العنزة)) ((نه)): هي مثل نصف الرمح، فيها سنان مثل سنان الرمح.
الحديث الثاني عن أبي جحيفة: قوله: ((بالإبطح)) ((تو)): الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والبطحاء اسم علم للمسيل الذي ينتهي إليه من وادي منى، وهو علي باب المعلي. قوله:((تمسح به)) ((حس)): فيه دليل علي طهارة الماء المستعمل. ((الجوهري)): الحلة إزار ورداء، لا يسمى حلة حتى يكون ثوبين. ((نه)): وفي الحديث ((أنه رأي رجلاً عليه حلة قد اتزر بأحدهما وارتدى بالآخر)) ((خط)): قد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس المعصفر، وكره لهم الحمرة في اللباس، وكان ذلك منصرفاً إلي ما صبغ من الثياب بعد النسج، وأما ما صبغ غزله ثم نسج
774 -
وعن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض راحلته فيصلي إليها. متفق عليه. وزاد البخاري، قلت: أفرأيت إذا هبت الركاب قال: كان يأخذ الرحل فيعدله، فيصلي إلي آخرته.
775 -
وعن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل، ولا يبال من مر وراء ذلك)). رواه مسلم.
776 -
وعن أبي جهيم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)). قال أبو النضر: لا أدري قال: ((أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة)). متفق عليه.
ــ
فغير داخل في النهي؛ لأن مثل هذا يكون بعض ألوانه أحمر، وبعضه لوناً آخر، إلا أن يكون كله أحمر، وإنما نهي لأنه من لباس النساء. ((الجوهري)): فلان شمر إزاره تشميراً، رفعه، ويقال: شمر فلان عن ساقيه، وتشمر في أمره أي خف.
الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((يعرض)) ((تو)): يعني يعرض راحلته ينيخها بالعرض من القبلة، حتى تكون معترضة بينه وبين من مر بين يديه، من قولهم: عرض العود علي الإناء، والسيف علي فخذه، إذا وضعه بالعرض.
قوله: ((أفرأيت إذا هبت)) أي قال نافع: علمت هذه الحالة عند وجود الراحلة، فأخبرني ما كان يفعل عند ذهابها إلي المرعى؟ فقال ابن عمر: كان يأخذ الرحل، وكان من عادتهم أنهم يحطون رحلها عند سرحها. قال الزمخشري في أساس البلاغة: ومن المجاظ: هب فلان ثم قدم؛ أي سافر، وهبت الناقة في سيرها هبوباً وهبوباً، والركاب الإبل التي يسار عليها، الواحد راحة، ولا واحد لها من لفظها، والجمع ركب. ((تو)) تعديل الشيء تقويمه، يقال: عدلته فاعتدل، أي قومته فاستقام. قوله:((إلي آخرته)) ((تو)): هي التي يستند إليه الراكب.
الحديث الرابع عن طلحة: قوله: ((مؤخرة الرحل)) ((مح)): المؤخرة- بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة-، ويقال: بفتح الخاء مع فتح الهمزة وتشديد الخاء، ومع إسكان الهمزة وتخفيف الخاء-، ويقال: آخره الرحل بهمزة ممدودة وكسر الخاء، فهذه أربع لغات. وهي العود الذي في آخر الرحل.
الحديث الخامس عن أبي جهيم: قوله: ((بين يدي المصلي)) ظرف للمار، وقوله:((ماذا عليه)) سد مسد المفعولين ليعلم. وقد علق عمله بالاستفهام.
777 -
وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلي أحدكم إلي شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفعه، فإن أبي فليقاتله، فإنما هو شيطان)). هذا لفظ البخاري، ولمسلم معناه.
778 -
وعن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب. ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل)). رواه مسلم.
779 -
وعن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا معترضة بيه وبين القبلة كاعتراض الجنازة. متفق عليه.
ــ
قوله: ((لا أدري)) ((تو)): عن الطحاوي في مشكل الآثار: إن المراد أربعون عاماً لا شهوراً وأياماً، واستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم الذي يمر بين يدي أخيه معترضاً وهو يناجي ربه- عز وجل لكان أن يقف مكانه مائة عام خيراً له من الخطوات التي خطاها)).
الحديث السادس عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((فليقاتله)) ((مح)): أي فليدفعه بالقهر، وليس معناه جواز قتله، بل المعنى المبالغة في كراهية المرور بين المصلي وبين السترة، وقال القاضي عياض: فإن دفعه بما يجوز فهلك فلا قود عليه باتفاق العلماء. وهل تجب الدية أم يكون هدرا؟ فيه مذهبان للعلماء. وهما قولان في مذهب مالك.
قوله: ((فإنما هو شيطان)) ((خط)): معناه الشيطان يحمله عليه، أو هو شيطان لأن الشيطان هو المارد من الجن والإنس، وفي الحديث دليل علي أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة.
الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يقطع الصلاة)) ((تو)): يحمل معنى قطع الصلاة بهذه الأشخاص علي قطعها المصلي عن مواطأة القلب واللسان في التلاوة، والذكر، والمحافظة علي ما يجب عليه محافظته ومراعاته. ((قض)): جمهور العلماء من الصحابة ومن بعدهم علي أن صلاة المصلي لا يقطعها ما يمر بين يديه لأحاديث واردة فيه، وحملوا الحديث علي المبالغة في الحث علي نصب السترة، وأن مرور المار مما يشغل قلب المصلي، وذلك قد يؤدي إلي قطع الصلاة.
الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((كاعتراض الجنازة)) جعلت رضي الله عنها نفسها بمنزلة الميت في الجنازة، دلالة علي أنه لم يوجد ما يمنع المصلي من حضور القلب، ومناجاة الرب، بسبب اعتراضي بين يديه، بل كنت كالسترة الموضوعة لدفع المار. هذا التأويل موافقة لما في الحديث السابق من تخصيص ذكر المرأة وقطعها صلاة الرجل، لما فيها ما يقتضي ميل الرجال إلي النساء. والله أعلم.
780 -
وعن ابن عباس، قال: أقبلت راكباً علي أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الأحلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلي غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد. متفق عليه.
الفصل الثاني
781 -
عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صلي أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً. فإن لم يجد؛ فلينصب عصاه. فإن لم يكن معه عصى؛ فليخطط خطا، ثم لا يضره ما مر أمامه)). رواه أبو داود، وابن ماجه. [781]
ــ
الحديث التاسع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ناهزت)) ((تو)): ناهز الصبي البلوغ إذا داناه. قوله: ((بمنى)) ((مح)): فيها لغتان: الصرف، والمنع، ولهذا يكتب بالألف والياء، والأجود صرفها. وكتابها بالألف، سميت بها لما يمنى بها من الدماء، أي يراق.
قوله: ((إلي غير جدار)) [خط]: يعني إلي غير سترة، والغرض من الحديث أن مرور الحمار بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة، انتهي كلامه. فإن قلت: قوله: ((إلي غير جدار)) لا ينفي شيئاً غيره، فكيف فسره بالسترة؟ قلت: إخبار ابن عباس عن مروره بالقوم وعن عدم جدار، مع أنهم لم ينكروا عليه، وأنه مظنة إنكار- يدل علي حدوث أمر لم يعهد قبل ذلك، من كون المرور مع السترة غير منكر، فلو فرض سترة أخرى غير الجدار لم يكن لهذه الأخبار فائدة.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((تلقاء)) ((الجوهري)): جلس تلقاء أي حذاءه، والتلقاء أيضاً مصدر مثل اللقاء. ((قض)): إذا وجد المصلي بناء أو شجراً أو نحو ذلك جعله تلقاء وجهه، وإن لم يجد فلينصب عصاه، وإلا فليخط بين يديه خطاً، حتى يتعين به فصلا فلا يتخطاه المار، وهو دليل علي جواز الاقتصار عليه، وهو قول قديم للشافعي. قال الشيخ محيي الدين في شرح صحيح مسلم: ما رواه أبو داود من حديث الخط فيه ضعف واضطراب، لأن نصب لسترة علامة ظاهرة لينظر إليه المار فينحرف، والخط ليس بظاهر.
[الثاني ((سهل)):] قوله ((لا يقطع)) جواب للأمر. ((حس)): قالوا: يستحب أن يكون مقدار الدنو قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفين. قال عطاء: أدناه ثلاثة أذرع، وبه قال الشافعي وأحمد رضي الله عنهما.
782 -
وعن سهر بن أبي حثمة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلي أحدكم إلي سترة، فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته)). رواه أبو داود. [782]
783 -
وعن المقداد بن الأسود، قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلي عود، ولا عمود، ولا شجرة إلا جعله علي حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد له صمداً. رواه أبو داود [783]
784 -
وعن الفضل بن عباس، قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا، ومعه عباس، فصلي في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه، فما بالي بذلك. رواه أبو داود. وللنسائي نحوه. [784]
785 -
وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان)). رواه أبو داود. [785]
ــ
الحديث الثالث عن المقداد: قوله: ((لا يصمد)) ((خط)): الصمد القصد، يقال: صمدت صمده، أي قصدت قصده. ((قض)): معناه أنه إذا كان يصلي إلي شيء منصوب بين يديه مما قصده قصداً مستوياً بحيث يستقبله بما بين عينيه، حذراً من أن يضاهي فعله عبادة الأصنام، بل يميل عنه.
الحديث الرابع عن الفضل: قوله: ((تبعثان)) أي: تلعبان. ((مظ)): التاء في حمارة وكلبة يحتمل أن تكون للوحدة، وللتإنيث.
الحديث الخامس عن أبي سعيد: قوله: ((لا يقطع الصلاة شيء)) يحتمل أن يراد به الدفع، المعنى لا يبطل الصلاة شيء من الدفع، فادفعوا المار بقدر استطاعتكم، حذف المار لدلالة السياق عليه، وأن يراد به المار والضمير المنصوب العائد محذوف. قيل: فيه دليل علي أن المرأة والكلب والحمار لا يقطع. وقيل يقطع للحديث السابق. وقيل تقطعها المرأة الحائض، والكلب الأسود، وبه قال ابن عباس. وقيل: لا يقطعها إلا الكلب الأسود، وبه قالت عائشة رضي الله عنها.
الفصل الثالث
786 -
عن عائشة، قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته. فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيه مصابيح. متفق عليه.
787 -
وعن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لو يعلم أحدكم ماله في أن يمر بين يديه أخيه معترضاً في الصلاة، كان لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة التي خطا)). رواه ابن ماجه. [787]
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((غمزني)) ((نه)): هو العصر والكبس باليد، و ((غمزني)) جواب ((إذا))، ((فقبضت)) عطف عيله، وإذا نقل الفاء إلي ((غمزني)) كان الثاني هو الجواب. وفائدة نفي المصابيح اعتذاراً منها رضي الله عنها حيث جعلت رجليها في موضع سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما قولها:((فإذا قام بسطتهما)) فلتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها علي تلك الحالة.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما له)) أي ما له من الإثم، فحذف البيان وأطلق، ليدل الإبهام علي ما لا يقادر قدره من الإثم، وفي الحديث تقديم وتأخير، حيث نقل اللام من ((كان)) جواب لو إلي اسمه وهو ((أن يقيم)) وكذلك ((خير له)) خبر ((كان))، و ((أن يقيم)) الاسم؛ لأنه أوغل في التعريف فقلبه، حيث جعل الخبر اسماً، والاسم خبراً. ويعضد هذا التقدير الحديث الآتي، وذلك أنه أدخل اللام علي الجواب، أي ((كان))، ونصب ((خيراً له)) علي الخبر، فيكون ((أن يخسف)) اسمه. هذا وإن جواب لو في الحديثين ليس المذكور، بل ما دل عليه المذكور، إذ التقدير: لو يعلم المار ما عليه من الإثم لأقام مائة عام، وكانت الإقامة خيراً له، وكذا في الثاني: لو يعلم ما عليه من الإثم لتمنى الخسف به، وكان الخسف خيراً له. ويجوز أن يكون ((كان)) في الحديث الأول زائدة، مثل ما جاء في كلام العرب: ولدت فاطمة بنت الحرشب الكملة من بني قيس لم يوجد كان مثلهم. والتقدير لو يعلم أحدكم ما له ليعلم أن يقيم مائة عام خيراً له من الخطوة فأقام.
والأوجه أن يقال: اسم ((كان)) ضمير عائد إلي ((أحدكم))، أو يقدر ضمير الشأن، والجملة