الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وإذا (1) ثبت أن المبتدع آثم، فليس (2) الإثم الْوَاقِعُ عَلَيْهِ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ هُوَ عَلَى مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ، (وَاخْتِلَافُهَا يَقَعُ مِنْ جِهَاتٍ بِحَسَبِ النَّظَرِ الْفِقْهِيِّ، فَيَخْتَلِفُ)(3) مِنْ جِهَةِ كَوْنِ صاحبها (مدعياً للاجتهاد فيها أو مقلداً أو من جهة وقوعها في الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات، وكل مرتبة منها لها في نفسها مراتب، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِ صَاحِبِهَا)(4) مُسْتَتِرًا بِهَا أَوْ معلناً، (ومن جهة كونه داعياً لها أو غير داع لها، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَعَ الدُّعَاءِ إِلَيْهَا خَارِجًا عَلَى غَيْرِهِ أَوْ غَيْرَ خَارِجٍ)(5)، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْبِدْعَةِ حَقِيقِيَّةً (6) أَوْ إِضَافِيَّةً، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا بَيِّنَةً أَوْ مُشْكِلَةً، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا كُفْرًا أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَوْ عَدَمِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي (7) يُقْطَعُ مَعَهَا بِالتَّفَاوُتِ فِي عِظَمِ الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ.
وَهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْعَالِمِ بِالْأُصُولِ، فَلَا (يَنْبَغِي أَنْ)(8) يُتْرَكَ التَّنْبِيهُ عَلَى وَجْهِ التَّفَاوُتِ بِقَوْلٍ جَمْلِيٍّ، فَهُوَ الْأَوْلَى فِي هَذَا الْمَقَامِ.
فَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ صَاحِبِهَا مُدَّعِيًا لِلِاجْتِهَادِ أَوْ مُقَلِّدًا فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ الزَّيْغَ فِي قَلْبِ النَّاظِرِ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهَا أمكن منه (9) في قلب
(1) في (غ) و (ر): "إذا".
(2)
في (غ) و (ر): "فعليه".
(3)
ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ت) و (ط).
(4)
ما بين المعكوفين أثبته من (غ) و (ر)، وسقط من بقية النسخ.
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط).
(6)
في (خ): "حقيقة".
(7)
في (ت): "الذي".
(8)
ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط).
(9)
ساقطة من (م)، وكتبت في (ت) فوق السطر.
الْمُقَلِّدِ، وَإِنِ ادَّعَى النَّظَرَ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ النَّاظِرَ لَا بُدَّ مِنِ اسْتِنَادِهِ إِلَى مُقَلَّدِهِ في بعض الأصول التي يبني عليها، والمقلد (1) قد انفرد بها دونه، فهو آخذ بحظ لَمْ (2) يَأْخُذْ فِيهِ الْآخَرُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُقَلِّدُ نَاظِرًا لِنَفْسِهِ، فَحِينَئِذٍ (3) لَا يَدَّعِي رُتْبَةَ التَّقْلِيدِ، فَصَارَ فِي دَرَجَةِ الْأَوَّلِ، وَزَادَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ تِلْكَ السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عمل بها. وهذا الثاني قد (4) عَمِلَ بِهَا، فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ إِثْمِهِ مَا عَيَّنَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، فَوِزْرُهُ أَعْظَمُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
وَالثَّانِي دُونَهُ، لِأَنَّهُ إِنْ نَظَرَ وعاند (5) الحق، واحتج لرأيه، فليس له النظر (6) إلا فِي (7) أَدِلَّةٍ جُمْلِيَّةٍ لَا تَفْصِيلِيَّةٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ التَّفْصِيلِيَّةَ أَبْلَغُ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى عَيْنِ (8) الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْجُمْلِيَّةِ، فَتَكُونُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْوِزْرِ (9) بِمِقْدَارِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِدْلَالِ.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهَا فِي الضَّرُورِيَّاتِ (10) أَوْ غَيْرِهَا فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ سَتَأْتِي عِنْدَ التَّكَلُّمِ عَلَى أَحْكَامِ الْبِدَعِ (11).
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ الإسرار (12) والإعلان، فظاهر أن المسر (13) لها (14) ضَرَرُهُ (15) مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، لَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَعَلَى أَيِّ صُورَةٍ فُرِضَتِ الْبِدْعَةُ، مِنْ كَوْنِهَا كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَكْرُوهَةً (16)، هِيَ بَاقِيَةٌ على
(1) في (خ) و (ت) و (ط): "أو المقلد".
(2)
في جميع النسخ: "ما لم" عدا (ر) و (غ).
(3)
في (ت) كتبت هكذا "فح"، وكذلك في (غ).
(4)
في (خ) و (ط): "من".
(5)
في (م): "وعناد".
(6)
ساقطة من (خ) و (ط).
(7)
ساقطة من (خ) و (ط).
(8)
في (غ) و (ر): "غير".
(9)
في (غ): "الوزن".
(10)
هي الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
(11)
وذلك في الباب السادس (2/ 38 ـ 49).
(12)
في (غ) و (ر): "الإصرار".
(13)
في (غ): "المصر".
(14)
في (ط): "بها".
(15)
في (غ) و (ر): "ضرورة".
(16)
تناول المؤلف هذه الأحكام للبدعة في الباب السادس (2/ 36، 57 ـ 72).
أَصْلِ حُكْمِهَا. فَإِذَا أَعْلَنَ بِهَا ـ وَإِنْ لَمْ يَدْعُ إِلَيْهَا ـ فَإِعْلَانُهُ بِهَا (1) ذَرِيعَةٌ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ.
وَسَيَأْتِي ـ بِحَوْلِ اللَّهِ ـ أَنَّ الذَّرِيعَةَ قَدْ تجري مجرى المتذرع إليه (2) أو تقاربه (3)، فَانْضَمَّ إِلَى وِزْرِ الْعَمَلِ بِهَا وِزْرُ نَصْبِهَا لمن يقتدى به فيها، فالوزر (4) فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ بِلَا إِشْكَالٍ.
وَمِثَالُهُ مَا حَكَى الطَّرْطُوشِيُّ (5) فِي أَصْلِ الْقِيَامِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ (6) قَالَ: "لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ صَلَاةُ الرَّغَائِبِ هَذِهِ الَّتِي تُصَلَّى فِي رَجَبَ وَشَعْبَانَ (7). وَأَوَّلُ مَا أُحْدِثَتْ (8) عِنْدَنَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وأربعمئة، قدم علينا في بيت المقدس رجل (9) يُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي الْحَمْرَاءِ، وَكَانَ حَسَنَ التِّلَاوَةِ، فَقَامَ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَأَحْرَمَ خَلْفَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ انْضَافَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ وَرَابِعٌ، فَمَا خَتَمَهَا إِلَّا وَهُوَ (10) فِي جَمَاعَةٍ كَبِيرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَصَلَّى مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَشَاعَتْ فِي الْمَسْجِدِ، وَانْتَشَرَتِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَبُيُوتِ النَّاسِ وَمَنَازِلِهِمْ، ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ (11) كَأَنَّهَا سُنَّةٌ إِلَى يومنا هذا (12) ".
(1) ساقطة من (غ) و (ر).
(2)
في (غ): "إليها".
(3)
في (خ) و (ط): "تفارقه"، والمسألة يأتي الكلام عليها في الباب الخامس (1/ 344).
(4)
في (خ) و (ط): "والوزر".
(5)
تقدمت ترجمته (ص285).
(6)
قال الإمام أبو شامة بعدما ذكر كلام الطرطوشي هنا: قلت: أبو محمد هذا أظنه عبد العزيز بن أحمد بن عمر بن إبراهيم المقدسي، روى عنه مكي بن عبد السلام الرميلي الشهيد، ووصفه بالشيخ الصالح الثقة، والله أعلم.
انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص51).
(7)
قال الإمام أبو شامة في التعريف بهذه الصلاة: "وأما الألفية: فصلاة ليلة النصف من شعبان، سميت بذلك لأنها يقرأ فيها ألف مرة سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}، لأنها مئة ركعة، في كل ركعة يقرأ الفاتحة مرة وبعدها سورة الإخلاص عشر مرات، وهي صلاة طويلة مستثقلة .. ". الباعث على إنكار البدع (ص50).
(8)
في (م) و (غ): "حدثت".
(9)
في (خ) و (ط): "قدم علينا رجل في بيت المقدس".
(10)
في (م) و (ت): "وهم".
(11)
في (غ) و (ر): "استقرت".
(12)
ساقطة من (م) و (غ).
فقلت له: فأنا (1) رأيتك (2) تُصَلِّيهَا فِي جَمَاعَةٍ، قَالَ:"نَعَمْ! وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ منها"(3).
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهَا وَعَدَمِهَا (4)، فَظَاهَرٌ أَيْضًا، لِأَنَّ غَيْرَ الدَّاعِي، وَإِنْ كَانَ عرضه للاقتداء (5)، فَقَدْ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي تَوَفُّرِ دَوَاعِيهِمْ (6) عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ، إِذْ قَدْ يَكُونُ خَامِلَ الذِّكْرِ، وَقَدْ يَكُونُ مُشْتَهِرًا وَلَا يُقْتَدَى بِهِ لِشُهْرَةِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ الناس منزلة منه.
وأما (7) الداعي (8) إذا دعى إليها فمظنة الاقتداء أحرى (9) وَأَظْهَرُ، وَلَا سِيَّمَا (10) الْمُبْتَدَعِ اللَّسِنِ (11) الْفَصِيحِ الْآخِذِ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ، إِذَا أَخَذَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَأَدْلَى بِشُبْهَتِهِ (12) الَّتِي تُدَاخِلُ الْقَلْبَ بِزُخْرُفِهَا (13)، كَمَا كَانَ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ (14) يَدْعُو النَّاسَ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ، وَيَلْوِي بِلِسَانِهِ نسبته إلى الحسن البصري (15).
(1) مثبتة في (غ) وساقطة من بقية النسخ.
(2)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "فرأيتك".
(3)
ذكره الطرطوشي في الحوادث والبدع (ص266).
(4)
في (م) و (ت): "وعدمه".
(5)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "بالاقتداء".
(6)
في (م): "تداعيهم".
(7)
في (م) و (غ): "فأما".
(8)
ساقطة من (م) و (ت)، و (غ).
(9)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "أقوى".
(10)
في (م) و (ت): "يسمى"، وهي ساقطة من (غ).
(11)
ساقطة من (غ).
(12)
في (غ): "بشبهه".
(13)
في (م): "يزخرفها".
(14)
هو المبتدع القدري معبد بن خالد الجهني، ويقال إنه ابن عبد الله بن عكيم. وهو أول من أظهر القدر بالبصرة في زمن الصحابة، وقد أخذ بدعته عن رجل نصراني يقال له سوسن، وقد أخذ عنه غيلان الدمشقي، وقتل معبد صلبا في زمن عبد الملك بن مروان سنة 80هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 185)، الكاشف للذهبي (3/ 142)، تقريب التهذيب (2/ 262).
(15)
الذي يظهر أن المراد "عمرو بن عبيد"، وليس "معبد الجهني"، لأن عمرو بن عبيد هو الذي أخذ عن الحسن، وهو الذي كان يكذب عليه، ويدل على أنه المراد القصة التي سيوردها المؤلف عنه.
فَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (1): أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ (2) سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا، وَقَالَ:(هُوَ مِنْ رَأْيِ الْحَسَنِ) فَقَالَ لَهُ الرجل: إِنَّهُمْ (3) يَرْوُونَ عَنِ الْحَسَنِ خِلَافَ هَذَا، فَقَالَ:((إِنَّمَا قُلْتُ)(4) لَكَ: هَذَا مِنْ رَأْيِي (5) الْحَسَنِ) يُرِيدُ نَفْسَهُ (6).
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ (7): كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ: (هَذَا مِنْ قَوْلِ (8) الْحَسَنِ)، فَيُوهِمُ أَنَّهُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، وَإِنَّمَا هو قوله (9).
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ خَارِجًا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَوْ غَيْرَ خَارِجٍ، فَلِأَنَّ غَيْرَ الْخَارِجِ لَمْ يَزِدْ عَلَى الدَّعْوَةِ مَفْسَدَةً أُخْرَى يترتب عليها إِثْمٌ، وَالْخَارِجُ زَادَ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ ـ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ ـ وَالسَّعْيَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ (10)، وَإِثَارَةَ الفتن والحروب (11)، زيادة (12) إلى حصول
(1) تقدمت ترجمته رحمه الله (ص110).
(2)
تقدمت ترجمته وحكاية بعض أقواله الرديئة (226).
(3)
ساقطة من (م).
(4)
ساقطة من (ت).
(5)
في (م) و (خ) و (ت): رأي بياء واحدة، والصواب المثبت كما في الكامل لابن عدي. وقال الشيخ رشيد رضا:"رأيي هنا بيائين، الثانية ياء المتكلم، وهذا هو معنى "لي اللسان بالكلام"، لأجل التدليس والإيهام، ولكن الناسخ كتبها بياء واحدة كالتي قبلها، لأنه لم يفهم، ولم يعرف الرواية، ولأجل هذا لم يكن يقول: هذا رأي الحسن، وهذا قول الحسن، إذ لا يحتمل هذا إلا معنى واحداً، فإذا قال: من رأيي الحسن، ومن قولي الحسن، تحذف ياء المتكلم لالتقاء الساكنين، فيكون المسموع: هذا من رأي الحسن، وهذا من قول الحسن، فيقع الإيهام المراد".
(6)
رواه عنه من طريق سفيان بن عيينة الإمام ابن عدي في كتاب الكامل في ضعفاء الرجال (5/ 97).
(7)
هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، قضى بالبصرة في أيام الرشيد، وكان ثقة. توفي سنة 215هـ.
انظر: تهذيب الكمال (25/ 539)، طبقات ابن سعد (7/ 294)، تقريب التهذيب (2/ 180).
(8)
في (ر): "قولي" بياء.
(9)
رواه الإمام ابن عدي في الكامل (5/ 103).
(10)
في (م): "الفساد".
(11)
في (غ): "الحرب".
(12)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ أُولَئِكَ الْفِرَقِ، فَلَهُ مِنَ الْإِثْمِ الْعَظِيمِ أَوْفَرُ حَظٍّ.
وَمِثَالُهُ قِصَّةُ الْخَوَارِجِ (1) الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، ويَدَعُون أَهْلَ الْأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) (2) وَأَخْبَارُهُمْ شَهِيرَةٌ.
وَقَدْ لَا يَخْرُجُونَ هَذَا الْخُرُوجَ، بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى الدَّعْوَةِ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ أَدْعَى إِلَى الْإِجَابَةِ، لِأَنَّ فِيهِ (3) نَوْعًا مِنَ الْإِكْرَاهِ وَالْإِخَافَةِ، فَلَا هُوَ مُجَرَّدُ دعوة، ولا هو شق للعصا (4) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَذَلِكَ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى دعوته (5) بِأُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْوُلَاةِ وَالسَّلَاطِينِ، فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ هُنَا أَقْوَى بِسَبَبِ (6) خَوْفِ الْوُلَاةِ فِي الْإِيقَاعِ بِالْآبِي سِجْنًا أَوْ ضَرْبًا أَوْ قَتْلًا، كَمَا اتفق لبشر المريسي (7) في زمان (8) الْمَأْمُونِ (9)، وَلِأَحْمَدَ بْنِ أَبِي (دُؤَادَ)(10) فِي خِلَافَةِ
(1) تقدم التعريف بهم (ص11).
(2)
تقدم تخريج الحديث (ص12).
(3)
ساقطة من (غ).
(4)
في (ت) و (ط): "العصا".
(5)
في (خ) و (ط): "دعوة".
(6)
في (غ) و (ر): "لسبب".
(7)
هو بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم البغدادي المريسي، كان من الفقهاء، فلما نظر في الكلام غلب عليه، فانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره، وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفره عدة. توفي سنة 118هـ.
انظر: تاريخ بغداد (7/ 56) العبر (1/ 373)، سير أعلام النبلاء (10/ 199).
(8)
في (خ) و (ط) و (غ): "زمن".
(9)
هو أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد، الخليفة العباسي المشهور، ولد سنة 170هـ، وقرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم وبالغ، ومحاسنه كثيرة في الجملة، وكان يحب العلم، ولم يكن له بصيرة نافذة فيه، فتأثر بمذهب الاعتزال، واعتقده، وامتحن أهل السنة بسببه، فأخذه الله، وكان كثير الغزو. توفي سنة 218هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 272)، البداية والنهاية (10/ 287)، شذرات الذهب (2/ 39).
(10)
في (م) و (خ) و (ت) و (غ): "داود" والصواب المثبت.
وهو أحمد بن أبي دؤاد الإيادي المعتزلي الجهمي، ولي قضاء القضاة للمعتصم ثم للواثق، وكان موصوفاً بالجود والسخاء والأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة، وقد أصيب قبل موته بالفالج أربع سنين، ثم هلك سنة 240هـ.=
الْوَاثِقِ (1)، وَكَمَا اتَّفَقَ لِعُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْأَنْدَلُسِ إِذْ صارت ولايتها للمهدويين (2)، فَمَزَّقُوا (3) كُتُبَ الْمَالِكِيَّةِ، وَسَمَّوْهَا كُتُبَ الرَّأْيِ، وَنَكَّلُوا بِجُمْلَةٍ مِنَ الْفُضَلَاءِ بِسَبَبِ أَخْذِهِمْ فِي الشَّرِيعَةِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَانُوا هُمْ مُرْتَكِبِينَ لِلظَّاهِرِيَّةِ (4) الْمَحْضَةِ، الَّتِي هِيَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْدَ المئتين من الهجرة (5)، ويا ليتهم وقفوا (6) على (7) مَذْهَبَ دَاوُدَ (8) وَأَصْحَابِهِ، لَكِنَّهُمْ (9) تَعَدَّوْا ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالُوا بِرَأْيِهِمْ، وَوَضَعُوا لِلنَّاسِ مَذَاهِبَ لَا عَهْدَ لَهُمْ (10) بِهَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَحَمَلُوهُمْ عَلَيْهَا طَوْعًا أَوْ كُرْهًا، حَتَّى عَمَّ دَاؤُهَا فِي النَّاسِ، وَثَبَتَتْ (11) زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهَا جملة، وبقيت أخرى إلى اليوم.
=انظر: البداية والنهاية لابن كثير (10/ 333)، سير أعلام النبلاء (11/ 169)، العبر (1/ 431).
(1)
هو الخليفة العباسي أبو جعفر هارون بن المعتصم بالله، ولى الأمر بعهد من أبيه سنة 227هـ، وقد استولى أحمد بن أبي دؤاد على الواثق، وحمله على التشدد في المحنة، والدعاء إلى خلق القرآن، وقيل إنه رجع عن ذلك قبيل موته. وكانت خلافته خمس سنين ونصفاً، وقد مات سنة 232هـ.
انظر: البداية والنهاية (10/ 321)، سير أعلام النبلاء (10/ 306)، تاريخ بغداد (14/ 15).
(2)
في (خ) و (ط): "للمهديين"، وهم أتباع المهدي المغربي. وقد تقدم التعريف به (ص312).
(3)
في (غ) و (ر): "فخرقوا".
(4)
تقدم التعريف بالظاهرية في المقدمة (ص28).
(5)
وممن حكم على هذا المذهب بالبدعة الإمام ابن العربي، بل عدهم فرقة من الخوارج، مكفرة على أحد الوجهين.
انظر: عارضة الأحوذي (10/ 10)، وكذلك الإمام ابن رشد كما في المعيار المعرب للونشريسي (2/ 341)، ولكن قول المالكية شديد في الظاهرية بسبب العداء المذهبي. وقد قال الذهبي في السير عنهم: "
…
وبكل حال فلهم أشياء أحسنوا فيها، ولهم مسائل مستهجنة يشغب عليهم بها". السير (13/ 106).
(6)
في (خ) و (ت) و (ط): "وافقوا".
(7)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(8)
هو داود بن علي بن خلف الأصبهاني، رئيس أهل الظاهر، سمع الحديث وارتحل وناظر وصنف، وكان ورعاً زاهداً. توفي سنة 270هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 97)، البداية والنهاية (11/ 51)، وفيات الأعيان (2/ 255).
في (غ): "لكن".
(9)
ساقطة من (م) و (ت) و (غ).
(10)
في (م) و (خ) و (ت): "وثبت".
وَلَعَلَّ الزَّمَانَ يَتَّسِعُ إِلَى ذِكْرِ جُمْلَةٍ مِنْهَا فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ بِحَوْلِ اللَّهِ (1).
فَهَذَا (2) الْوَجْهُ الْوِزْرُ فِيهِ أَعْظَمُ (3) مِنْ مُجَرَّدِ الدَّعْوَةِ (4) مِنْ وجهين:
الأول: الإخافة والإكراه بالإيلام (5) وَالْقَتْلِ.
وَالْآخَرُ: كَثْرَةُ الدَّاخِلِينَ فِي الدَّعْوَةِ، لِأَنَّ الْإِعْذَارَ وَالْإِنْذَارَ الْأُخْرَوِيَّ قَدْ لَا يَقُومُ لَهُ كَثِيرٌ (مِنَ النُّفُوسِ)(6)، بِخِلَافِ الدُّنْيَوِيِّ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ شُرِعَتِ الْحُدُودُ وَالزَّوَاجِرُ فِي الشَّرْعِ، وَ (إِنَّ اللَّهَ (7) يَزَعُ (8) بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُهُ (9) بِالْقُرْآنِ) (10)، فالمبتدع إذا (11) لم ينتهض (12) لإجابة (13) دَعْوَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ الَّذِي يَعِظُ (14) بِهِ (15)، حَاوَلَ الِانْتِهَاضَ بِأُولِي الْأَمْرِ، لِيَكُونَ (16) ذَلِكَ أَحْرَى بالإجابة.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ الْبِدْعَةِ حَقِيقِيَّةً أَوْ إِضَافِيَّةً، فَإِنَّ الْحَقِيقِيَّةَ أَعْظَمُ وِزْرًا، لِأَنَّهَا التي باشرها النهي (17) بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَلِأَنَّهَا (18) مُخَالَفَةٌ مَحْضَةٌ، وَخُرُوجٌ عَنِ السنة ظاهر، كالقول بالقدر (19)، والقول (20) بالتحسين
(1) سوف يتكلم المؤلف عنهم في المجلد الثاني من المطبوع (2/ 90 ـ 92، 226، 348).
(2)
في (م): "فهو ذا".
(3)
في (م) و (غ): "أعظم فيه الوزر".
(4)
في (خ): "الدعوى".
(5)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "بالإسلام".
(6)
ساقط من (غ).
(7)
سقط لفظ الجلالة من (م) وأصل (ت)، وكتب في هامش (ت).
(8)
في (خ) و (ط): "ليزع".
(9)
في (م): "ينزع"، وفي (ت) و (غ):"يزع".
(10)
انظر: تاريخ ابن شبّة (3/ 988).
(11)
في (ت): "إذ".
(12)
في (غ): "ينتضر"، وفي بقية النسخ:"ينتصر" عدا (ر).
(13)
في (ط): "بإجابة".
(14)
في (م): "بعضه"، وفي (ت):"يعضه"، وفي (غ) و (ر):"يقص".
(15)
ساقطة من (غ).
(16)
في (غ): "فيكون".
(17)
في (خ) و (ط): "المنتهي"، وفي (م) و (ت):"المنهي".
(18)
في (خ) و (غ): "لأنها" بدون الواو، وفي (ت): كتبت الواو بين السطرين.
(19)
تقدم التعريف بالقدرية (ص11).
(20)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
وَالتَّقْبِيحِ (1)، وَالْقَوْلِ بِإِنْكَارِ خَبَرِ الِوَاحِدِ (2)، وَإِنْكَارِ الْإِجْمَاعِ (3)، وَإِنْكَارِ (4) تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (5)، وَالْقَوْلِ بِالْإِمَامِ الْمَعْصُومِ (6)، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَإِذَا فُرِضَتْ إِضَافِيَّةً، فَمَعْنَى الْإِضَافِيَّةِ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَرَأْيٍ مُجَرَّدٍ مِنْ وَجْهٍ، إِذْ يَدْخُلُهَا مِنْ جِهَةِ الْمُخْتَرِعِ رَأْيٌ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا (7)، فَلَمْ تُنَافِ الْأَدِلَّةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. هَذَا وَإِنْ كَانَتْ تَجْرِي مَجْرَى الحقيقية (8)، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ (9).
وَبِحَسَبِ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ يَخْتَلِفُ الْوِزْرُ. ومثاله جعل المصاحف في المساجد (10) للقراءة (11)(إثر (12) صلاة (13) الصبح) (14).
قَالَ مَالِكٌ: (أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ مُصْحَفًا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ)(15). يُرِيدُ (أَنَّهُ)(16) أَوَّلُ مَنْ رَتَّبَ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ إِثْرَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي المسجد.
(1) تقدم الكلام على هذه المسألة (ص213).
(2)
تقدم الكلام على هذه المسألة (ص208).
(3)
الذين أنكروا حجية الإجماع هم الخوارج والشيعة والنظام.
انظر: نزهة الخاطر شرح روضة الناظر (1/ 276)، أصول الفقه الإسلامي للزحيلي (1/ 539).
(4)
في (م) و (غ): "أو إنكار".
(5)
وهم الذين يستحلون الخمر ويسمونها بغير اسمها، وسيتكلم المؤلف عن هذه البدعة في الباب السابع (2/ 87 ـ 89).
(6)
وهو قول الشيعة الإمامية كما تقدم.
(7)
وذلك كالعبادات المشروعة التي يدخل المبتدع فيها رأيه، فيغير من كيفياتها أو أحوالها أو تفصيلاتها لما لم يقم عليه دليل.
(8)
أي في أنها بدعة محرمة.
(9)
وذلك في الباب الخامس، حيث جعله المؤلف في هذا الموضوع (1/ 286).
(10)
في (م) و (غ): "المسجد".
(11)
في (غ): "للقراءة فيها".
(12)
في (ط): "آخر". وساقطة من (غ).
(13)
في (م): "صلاة فيها".
(14)
ما بين المعكوفين ساقط من (ت)، ومثبت في هامشها على أنه نسخة أخرى، ونص نسخة (خ)"للقراءة إثر صلاة الصبح بدعة".
(15)
عزاه إلى مالك الإمام الطرطوشي في الحوادث والبدع (ص300).
(16)
في جميع النسخ "أن"، وفي (ط):"أنه"، وبها تستقيم العبارة. وهي ساقطة من (غ) و (ر).
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ (1): مِثْلَ مَا يُصْنَعُ عِنْدَنَا إِلَى الْيَوْمِ (2).
فَهَذِهِ (3) مُحْدَثَةٌ (4) ـ أَعْنِي وَضْعَهُ فِي الْمَسْجِدِ ـ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَسْجِدِ مَشْرُوعَةٌ (5) فِي الجملة، معمول به، إِلَّا أَنَّ تَخْصِيصَ الْمَسْجِدِ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ هُوَ (6) الْمُحْدَثُ.
وَمِثْلُهُ وَضْعُ الْمَصَاحِفِ فِي زماننا للقراءة فيها (7) يوم الجمعة وتحبيسها على ذلك القصد.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا ظَاهِرَةَ الْمَأْخَذِ أو مشكلة، فلأن الظاهرة عِنْدَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا مَحْضُ مُخَالَفَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مشكلة فليست بمحض مخالفة، لإمكان ألا تَكُونَ بِدْعَةً، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُحْتَمَلِ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الظَّاهِرِ (8)، وَلِذَلِكَ عَدَّ الْعُلَمَاءُ تَرْكَ الْمُتَشَابِهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَنَبَّهَ الْحَدِيثُ (9) عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمُتَشَابِهِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ، فَهُوَ حِمًى لَهُ، وأن من (10) وَاقَعَ (11) المتشابه وَقَعَ (12) فِي الْحَرَامِ، وَلَيْسَ (13) تَرْكُ الْحَرَامِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْدُوبِ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِبِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْفِعْلِ الْمُشْتَبَهِ فِي الْبِدْعَةِ، فَالتَّفَاوُتُ بينهما بين.
(1) هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، شيخ المالكية، وقاضي الجماعة بقرطبة، كان فقيهاً عالماً عارفاً بالفتوى، بصيراً بأقوال أئمة المالكية، نافذاً في علم الفرائض والأصول، صنف شرح العتبية فبلغ فيه الغاية. توفي سنة 520هـ.
انظر: السير (19/ 501)، العبر (4/ 47)، شجرة النور الزكية (1/ 129).
(2)
البيان والتحصيل (18/ 130).
(3)
في (غ) و (ر): "فهذا".
(4)
في (م) و (غ) و (ر): "محدث".
(5)
في (م) و (خ) و (ت): "مشروع".
(6)
ساقطة من (خ) و (ط).
(7)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(8)
في (ت): "الظر".
(9)
هو حديث النعمان بن بشير: "الحلال بين والحرام بين .. "، وتقدم تخريجه (ص199).
(10)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(11)
في (خ) و (ط): "راتع"، كتب في هامش (خ):"وإن واقع المتشابه واقع" على أنها نسخة أخرى، وفي (ت):"وأن قدم واقع .. ".
(12)
في (خ) و (ط): "راتع".
(13)
في (خ): "وليس في ترك .. ".
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ تَرْكَ الْمُتَشَابِهِ مِنْ بَابِ الْمَنْدُوبِ، وَإِنَّ مُوَاقَعَتَهُ مِنْ بَابِ الْمَكْرُوهِ، فَالِاخْتِلَافُ أَيْضًا وَاقِعٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَإِنَّ الْإِثْمَ فِي الْمُحَرَّمَةِ هُوَ الظَّاهِرُ (1)، وَأَمَّا الْمَكْرُوهَةِ فَلَا إِثْمَ فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ، مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بها (2) ما يوجبه (3)، كَالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا، إِذِ الْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ يُصَيِّرُهَا كَبِيرَةً، فَكَذَلِكَ الْإِصْرَارُ عَلَى الْمَكْرُوهِ فَقَدْ يُصَيِّرُهُ صَغِيرَةً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فِي مُطْلَقِ التَّأْثِيمِ، وَإِنْ حَصَلَ الْفَرْقُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ مَعَ الصَّغِيرَةِ (4).
وَالشَّأْنُ فِي البدع ـ وإن كانت مكروهة ـ الدَّوَامِ (5) عَلَيْهَا، وَإِظْهَارِهَا مِنَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ وَفِي الْمَسَاجِدِ، فَقَلَّمَا تَقَعُ (6) مِنْهُمْ عَلَى أَصْلِهَا مِنَ الْكَرَاهِيَةِ إِلَّا وَيَقْتَرِنُ بِهَا مَا يُدْخِلُهَا فِي مُطْلَقِ التَّأْثِيمِ، مِنْ إِصْرَارٍ أَوْ تَعْلِيمٍ (7) أَوْ إِشَاعَةٍ أَوْ تَعَصُّبٍ لَهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي الْبِدَعِ ـ بِحَسَبِ الْوُقُوعِ ـ مَكْرُوهٌ لَا زَائِدَ فيه على الكراهية. والله أعلم.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ بِحَسَبِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَوْ عَدَمِهِ، فَلِأَنَّ الذَّنْبَ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا فَيَعْظُمُ بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ. كَذَلِكَ الْبِدْعَةُ تَكُونُ صَغِيرَةً فَتَعْظُمُ بِالْإِصْرَارِ (8) عليها (9). فإذا كانت (10) فلتة فَهِيَ أَهْوَنُ مِنْهَا إِذَا دَاوَمَ عَلَيْهَا. وَيَلْحَقُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِذَا (11) تَهَاوَنَ بِهَا الْمُبْتَدِعُ وَسَهَّلَ أَمْرَهَا، نَظِيرَ الذَّنْبِ إِذَا تَهَاوَنَ بِهِ، فَالْمُتَهَاوِنُ أعظم وزراً من غيره.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا كُفْرًا وَعَدَمَهُ فظاهر أيضاً؛ لأن ما هو
(1) في (ت): "الظر".
(2)
في (ر): "لها".
(3)
في (خ) و (ت) و (ط): "يوجبها".
(4)
سوف يتكلم المؤلف عن هذه الأحكام على وجه التفصيل في الباب السادس (2/ 36).
(5)
في (خ) و (ت) و (ط): "في الدوام عليها".
(6)
في (خ) و (ط): "فقلما تقدم بل تقع .. ".
(7)
في (خ) و (ط): "وتعليم".
(8)
في (خ): "بالإسرار".
(9)
ساقطة من (غ) و (ر).
(10)
في (غ): "كان".
(11)
في (م): "لا إذا". وفي (غ): "ما إذا".
كُفْرٌ جَزَاؤُهُ التَّخْلِيدُ فِي الْعَذَابِ ـ عَافَانَا اللَّهُ ـ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَهُ (1)، حُكْمُ سَائِرِ الْكَبَائِرِ مَعَ الْكُفْرِ فِي الْمَعَاصِي.
فَلَا بِدْعَةَ أَعْظَمُ وِزْرًا مِنْ بِدْعَةٍ تُخْرِجُ عَنِ الْإِسْلَامِ، كَمَا أَنَّهُ لَا ذَنْبَ أَعْظَمُ مِنْ (2) ذَنْبٍ يُخْرِجُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَبِدْعَةُ الْبَاطِنِيَّةِ (3) وَالزَّنَادِقَةِ ليست كَبِدْعَةِ الْمُعْتَزِلَةِ (4) وَالْمُرْجِئَةِ (5) وَأَشْبَاهِهِمْ.
وَوُجُوهُ التَّفَاوُتِ كَثِيرَةٌ، وَلِظُهُورِهَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لَمْ نَبْسُطِ الْكَلَامَ عَلَيْهَا والله المستعان بفضله (6).
(1) ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(2)
في (خ): "منه من ذنب
…
".
(3)
تقدم التعريف بهم (ص28).
(4)
تقدم التعريف بهم (ص29).
(5)
تقدم التعريف بهم (ص27).
(6)
ساقطة من (غ) و (ر).