الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ الْحُكْمُ فِي الْقِيَامِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْخَاصَّةِ أَوِ الْعَامَّةِ.
وَهَذَا (1) بَابٌ كَبِيرٌ فِي الْفِقْهِ، تَعَلَّقَ بِهِمْ مِنْ جِهَةِ جِنَايَتِهِمْ عَلَى الدِّينِ، وَفَسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ، وَخُرُوجِهِمْ عَنْ جَادَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَى بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ (2) الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا قَوْلُ الله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (3). وَهُوَ فَصْلٌ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى التَّأْثِيمِ (4)، لَكِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى النَّظَرِ فِي شُعَبٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا مَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَمِنْهَا مَا (5) لَمْ يَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَهْلِ الْحِمَايَةِ لِلدِّينِ، فَهُوَ بَابٌ يَكْثُرُ التَّفْرِيعُ فِيهِ بِحَيْثُ يَسْتَدْعِي تَأْلِيفًا مُسْتَقِلًّا.
فَرَأَيْنَا أَنَّ بَسْطَ ذَلِكَ يَطُولُ (6)، مَعَ أَنَّ الْعَنَاءَ فِيهِ قَلِيلُ الْجَدْوَى فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ، لِتَكَاسُلِ الْخَاصَّةِ عَنِ النَّظَرِ فِيمَا يُصْلِحُ الْعَامَّةَ، وَغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى الْعَامَّةِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، بَلْ قَدِ انْقَلَبَ الْحَالُ إِلَى أَنْ عَادَتِ (7) السُّنَّةَ بِدْعَةً، (والبدعة سنة)(8)، فقاموا في غير
(1) في (غ): "وهو".
(2)
في (غ) و (ر): "الطرق".
(3)
سورة الأنعام: آية (153).
(4)
وقد سبق كلام المؤلف على تأثيم المبتدع، وأن الإثم الواقع عليه ليس على درجة واحدة. (ص 247، 249، 215) وتوسع في (ص 286)
(5)
ساقطة من (ت).
(6)
في (غ) و (ر): "طويل".
(7)
في (ر): "عدت".
(8)
ما بين المعكوفين ساقط من (ط).
مَوْضِعِ الْقِيَامِ، وَاسْتَقَامُوا إِلَى غَيْرِ مُسْتَقَامٍ (1)، فَعَمَّ الدَّاءُ، وَعُدِمَ الْأَطِبَّاءُ، حَسْبَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ.
فرأينا أن لانفرد هذا المعنى بباب يخصه، وأن لانبسط الْقَوْلَ فِيهِ، وَأَنْ نَقْتَصِرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى لَمْحَةٍ تَكُونُ خَاتِمَةً لِهَذَا الْبَابِ، فِي الْإِشَارَةِ إِلَى أَنْوَاعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُقَامُ عَلَيْهِمْ بِهَا (2) فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي التَّفْصِيلِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَنَقُولُ: إِنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِمْ بِالتَّثْرِيبِ أَوِ التَّنْكِيلِ أَوِ الطَّرْدِ أَوِ الْإِبْعَادِ أَوِ الْإِنْكَارِ هُوَ بِحَسَبِ حَالِ الْبِدْعَةِ فِي نَفْسِهَا، مِنْ كَوْنِهَا عَظِيمَةَ الْمَفْسَدَةِ فِي الدِّينِ أَوْ لَا (3)، وَكَوْنِ صَاحِبِهَا مُشْتَهِرًا بِهَا أَوْ لَا، وَدَاعِيًا إِلَيْهَا أو لا، ومستظهراً بالأتباع (أولا)(4)، وخارجاً على (5) النَّاسِ أَوْ لَا، وَكَوْنِهِ (6) عَامِلًا بِهَا عَلَى جهة الجهل بها (7) أو لا.
وكل من (8) هذه الأقسام له اجتهاد (9) يَخُصُّهُ، إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ فِي الْبِدْعَةِ (10) حَدٌّ (11) لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، كَمَا جَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَعَاصِي، كَالسَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ وَالْقَتْلِ وَالْقَذْفِ وَالْجِرَاحِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. لَا جَرَمَ أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْأُمَّةِ نَظَرُوا فِيهَا بِحَسَبِ النَّوَازِلِ، وَحَكَمُوا بِاجْتِهَادِ الرَّأْيِ، تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي بَعْضِهَا مِنَ النَّصِّ، كَمَا جَاءَ فِي الْخَوَارِجِ (12) مِنَ الأمر (13) بِقَتْلِهِمْ (14)، وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
(1) في (غ) و (ر): "واستناموا في غير مستنام".
(2)
في (غ): "بها عليهم".
(3)
في (خ) و (ط): "أم لا".
(4)
ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط).
(5)
في (خ) و (ط): "عن".
(6)
في (غ): "وكون".
(7)
ساقطة من (ط).
(8)
ساقطة من (م) و (غ) وكتبت في (ت) فوق السطر.
(9)
في (خ) و (ط): "له حكم اجتهادي".
(10)
في (ر): "للبدع".
(11)
عبارة (غ): "إذا لم يأت في الشرع للبدعة حد".
(12)
تقدم التعريف بهم (ص11).
(13)
في (خ) و (ط): "الأثر".
(14)
والأحاديث في هذا كثيرة، ومنها حديث علي رضي الله عنه: " .. فإذا لقيتموهم=
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَبِيغٍ الْعِرَاقِيِّ (1).
فَخَرَجَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: الْإِرْشَادُ وَالتَّعْلِيمُ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ، كَمَسْأَلَةِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما حِينَ ذَهَبَ إِلَى الْخَوَارِجِ فَكَلَّمَهُمْ حَتَّى رَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ (2)، (وَمَسْأَلَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ غَيْلَانَ (3)، وَشِبْهُ ذَلِكَ) (4).
وَالثَّانِي: الْهُجْرَانُ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي هُجْرَانِهِمْ لِمَنْ تَلَبَّسَ بِبِدْعَةٍ، وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه في (5) قصة صبيغ العراقي (6).
والثالث: التغريب (7) كما غرب عمر (بن الخطاب)(8) صَبِيغًا، وَيَجْرِي مَجْرَاهُ السَّجْنُ وَهُوَ:
الرَّابِعُ: كَمَا سجنوا الحلاج (9) قبل قتله سنين عدة (10).
=فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة". رواه مسلم (7/ 169 مع النووي).
(1)
في (غ): "الغراقي"، وتقدمت ترجمته (ص143). وانظر قصته وتخريجها في نفس الموضع.
(2)
تقدمت الإشارة إلى هذه المناظرة (ص236)، وقد بينت مواضع ذكرها هناك.
(3)
تقدمت هذه المناظرة (ص102)، وقد روى ابن سعد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كان يأمر عامله بدعوة الخوارج إلى الكتاب والسنة قبل قتالهم. انظر: طبقات ابن سعد (5/ 357 ـ 358).
(4)
ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط).
(5)
في (خ) و (ط): "من".
(6)
ساقطة من (م) و (غ).
(7)
أثبتها من (غ) و (ر)، وهي ساقطة من بقية النسخ.
(8)
ساقط من (خ) و (ط).
(9)
هو الحسين بن منصور بن محمى الفارسي البيضاوي الصوفي، الزنديق، تبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء من سوء سيرته ومروقه، ومنهم من نسبه إلى الحلول، ومنهم من نسبه إلى الزندقة وإلى الشعبذة، وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال، وانتحلوه، وروجوا به على الجهال، وقد أفتى العلماء بقتله فقتل سنة 311هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 313)، البداية والنهاية (11/ 141)، مجموع الفتاوى (35/ 110، 119).
(10)
في (خ) و (ط): "عديدة"، وقد روى ابن سعد في الطبقات عن عمر بن عبد العزيز أنه=
والخامس (1): ذِكْرُهُمْ بِمَا (2) هُمْ عَلَيْهِ، وَإِشَاعَةُ بِدْعَتِهِمْ كَيْ يحذروا لئلا (3) يُغْتَرَّ بِكَلَامِهِمْ، كَمَا جَاءَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السلف في ذلك (4).
والسادس: القتال إِذَا نَاصَبُوا الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ، كَمَا قَاتَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه الْخَوَارِجَ وَغَيْرُهُ مِنْ خلفاء السنة.
والسابع: القتل إن لم يرجعوا مع الاستتابة، في من (5) أَظْهَرَ بِدْعَتَهُ، وَأَمَّا مَنْ أَسَرَّهَا، وَكَانَتْ (6) كُفْرًا أَوْ مَا يَرْجِعُ (7) إِلَيْهِ، فَالْقَتْلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ (8) وهو:
الثامن: لأنه من باب النفاق كالزندقة (9).
والتاسع: تَكْفِيرُ (10) مَنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كُفْرِهِ، كَمَا إِذَا كَانَتِ الْبِدْعَةُ صَرِيحَةً فِي الْكُفْرِ، كَالْإِبَاحِيَّةِ (11)، والقائلين بالحلول
=كتب إلى أحد ولاته: "ومن أخذت من أسراء الخوارج فاحبسه حتى يحدث خيراً". قال الراوي: "فلقد مات عمر بن عبد العزيز وفي حبسه منهم عدة".
انظر الطبقات (5/ 358).
(1)
في (م) و (ت): "الخامس" بدون الواو.
(2)
في (غ) و (ر): "ما".
(3)
في (خ) و (ط): "ولئلا".
(4)
ومن ذلك ما روى اللالكائي عن الحسن أنه قال: "ليس لصاحب بدعة ولا لفاسق يعلن بفسقه غيبة". شرح أصول الاعتقاد (1/ 140)، وروى اللالكائي أيضاً عن عاصم الأحول أنه قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى قَتَادَةَ فَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عبيد، فوقع فيه، فقلت: لا أَرَى الْعُلَمَاءَ يَقَعُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَقَالَ:"يا أحول، أو لا تدري أن الرجل إذا ابتدع فينبغي أن يذكر حتى يحذر .. ".
انظر: ميزان الاعتدال للذهبي (3/ 273)، شرح أصول الاعتقاد لللالكائي مع بعض الاختلاف اللفظي (4/ 748).
(5)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "وهو قد".
(6)
في (ت): "أو كانت".
(7)
في (ت): "ترجع".
(8)
في (خ): "فالقتل بالاستتابة".
(9)
في (خ) و (ط) و (غ): "كالزنادقة".
(10)
في (خ) و (غ): "الحكم بكفر".
(11)
في (غ): "لا كالإباحية"، قال البغدادي في الفرق بين الفرق عن أصحاب الإباحة من الخرمية: "فهؤلاء صنفان، صنف منهم كانوا قبل دولة الإسلام كالمزدكية الذين استباحوا المحرمات وزعموا أن الناس شركاء في الأموال والنساء، والصنف الثاني الخرمدينية، ظهروا في دولة الإسلام، وهم فريقان بابكية ومازيارية، وكلتاهما معروفة=
كالباطنية (1)، أو كانت المسألة من (2) بَابِ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ (3)، فَذَهَبَ الْمُجْتَهِدُ إِلَى التَّكْفِيرِ، كَابْنِ الطَّيِّبِ (4) فِي تَكْفِيرِهِ جُمْلَةً مِنَ الْفِرَقِ. وينبني (5) عَلَى ذَلِكَ:
(الْوَجْهُ الْعَاشِرُ)(6): وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُونَ أَحَدًا منهم، ولا يغسلون إذا ماتوا، ولا يصلى عَلَيْهِمْ، وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَتِرًا (7)، فَإِنَّ الْمُسْتَتِرَ يُحْكَمُ لَهُ بحكم الظاهر (8)، وورثته أعرف به (9) بالنسبة إلى الميراث.
والحادي عَشَرَ: الْأَمْرُ بِأَنْ لَا يُنَاكَحُوا، وَهُوَ مِنْ ناحية الهجران، وعدم المواصلة.
والثاني عَشَرَ: تَجْرِيحُهُمْ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (10)، ولا
=بالمحمرة، فالبابكية منهم أتباع بابك الخرمي الذي ظهر بأذربيجان .. واستباح المحرمات، وقتل الكثير من المسلمين .. حتى صلبه المعتصم، وأما مازيار فظهر بجرجان .. ، وعظمت فتنته، وصلبه أيضاً المعتصم.
انظر: الفرق بين الفرق (ص201 ـ 202).
(1)
تقدم التعريف بهم (ص28).
(2)
في (ط): "في".
(3)
يريد المؤلف والله أعلم التكفير بلازم القول، وقد ذكر رحمه الله في الباب التاسع أَنَّ مَذْهَبَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ: أَنَّ الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال.
انظر: الباب التاسع (2/ 197).
(4)
هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد البغدادي ابن الباقلاني، أوحد المتكلمين، ومقدم الأصوليين، صاحب التصانيف، كان يضرب به المثل في ذكائه صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج وغيرهم، وقد انتصر لطريقه أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه. توفي سنة 403هـ.
انظر: السير (17/ 190)، تاريخ بغداد (5/ 379)، ترتيب المدارك (4/ 585).
(5)
في (غ): "فينبني".
(6)
ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(7)
في (خ) و (ت) و (ط): "المستتر"، وفي (غ) و (ر):"ما خلا المستسر".
(8)
في (ت): "الظر".
(9)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(10)
والمسألة ليست محل اتفاق، وقد يختلف الحكم بالنسبة للداعي للبدعة وغيره.
انظر: المغني لابن قدامة (ص165 ـ 166)، الطرق الحكمية لابن القيم (ص173 ـ 175).
روايتهم (1)، ولا يكونون ولاة (2) وَلَا قُضَاةً، وَلَا يُنَصَّبُونَ فِي مَنَاصِبِ الْعَدَالَةِ مِنْ إِمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ السَّلَفِ رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ منهم، واختلفوا في الصلاة (خلف أهل البدع بالجواز والكراهة والمنع، ومنهم من جعل ترك الصَّلَاةِ)(3) خَلْفَهُمْ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ لِيَرْجِعُوا عَمَّا هم عليه.
(1) وفي المسألة خلاف، فمن العلماء من يرى رد رواية المبتدع مطلقاً كالإمام مالك رحمه الله، ومنهم من يرى رد رواية المبتدع الداعي إلى بدعته، أو من كانت بدعته مكفرة، أو روايته مؤيدة لبدعته .. إلخ، وهو قول الإمام أحمد وأكثر أهل العلم، ويرى الإمام الشافعي وغيره قبول رواية أهل الأهواء الذين لا يعرف منهم استحلال الكذب، ولا يشهدون لمن وافقهم، إلا الخطابية فلا يروي عنهم.
انظر: المسألة في الكفاية في علم الرواية للخطيب (ص121)، فتح المغيث (1/ 327)، قواعد التحديث للقاسمي (ص192 ـ 193). رسالة "البدعة وأثرها في الدراية والرواية" للشيخ عائض القرني.
(2)
في (م) و (ت) و (غ) و (ر): "والين".
(3)
ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، وخلف أهل الفجور، ففيه نزاع مشهور، وتفصيل ليس هذا موضع بسطه، لكن أوسط الأقوال في هؤلاء أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة لا يجوز مع القدرة على غيره، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع يجب الإنكار عليه ونهيه عن ذلك، وأقل مراتب الإنكار هجره لينتهي عن فجوره وبدعته، ولهذا فرق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية، فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسر بالذنب، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر
…
، فإذا كان داعية منع من ولايته وإمامته وشهادته وروايته، لما في ذلك من النهى عن المنكر لا لأجل فساد الصلاة أو اتهامه في شهادته وروايته، فإذا أمكن لإنسان ألا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة وجب ذلك. لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان هو لا يتمكن من صرفه إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهره من المنكر، فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين .. ، فإذا لم يمكن منع المظهر للبدعة والفجور إلا بضرر زائد على ضرر إمامته، لم يجز ذلك، بل يصلي خلفه ما يمكنه فعلها إلا خلفه، كالجمع والأعياد والجماعة إذا لم يكن هناك إمام غيره، ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج والمختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهما الجمعة والجماعة .. ".
انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (23/ 342 ـ 343)، شرح العقيدة الطحاوية (ص373 ـ 377).
والثالث عَشَرَ: تَرْكُ عِيَادَةِ مَرْضَاهُمْ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الزجر والعقوبة.
والرابع عشر: ترك شهود جنائزهم كذلك.
والخامس عَشَرَ: الضَّرْبُ، كَمَا ضَرَبَ عُمَرُ رضي الله عنه صَبِيغًا.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي الْقَائِلِ بِالْمَخْلُوقِ (1): (أَنَّهُ يُوجَعُ ضَرْبًا، ويسجن حتى يتوب (2)) (3).
وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَوَارِيخِ بَغْدَادَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أنه قال: (حكمي (4) فِي أَصْحَابِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرَائِدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الْإِبِلِ، وَيُطَافَ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ، وَيُقَالَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وأخذ في الكلام) (5)، يعني أهل البدع.
(1) أي بخلق القرآن.
(2)
في (خ) و (ط): "يموت".
(3)
روى نحوه عن مالك الإمام اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (2/ 314 ـ 315)، قال مالك في القائل بخلق القرآن:"زنديق فاقتلوه". ترتيب المدارك (1/ 174).
(4)
في (ت) و (ط): "حكم".
(5)
رواه عن الإمام الشافعي الإمام أبو نعيم في الحلية (9/ 116)، وابن عبد البر في الانتقاء (ص80)، والبيهقي في مناقب الشافعي (1/ 462)، وذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص102)، والبغوي في شرح السنة (1/ 218).