المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل الْوَجْهُ (1) الْخَامِسُ مِنَ النَّقْلِ مَا جَاءَ مِنْهُ فِي ذَمِّ - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - جـ ١

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌فصل الْوَجْهُ (1) الْخَامِسُ مِنَ النَّقْلِ مَا جَاءَ مِنْهُ فِي ذَمِّ

‌فصل

الْوَجْهُ (1) الْخَامِسُ مِنَ النَّقْلِ مَا جَاءَ مِنْهُ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ الْمَذْمُومِ (2)، وَهُوَ الْمَبْنِيُّ عَلَى غَيْرِ أُسِّ، وَالْمُسْتَنِدُ إِلَى غَيْرِ أَصْلٍ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُّنَّةٍ، لَكِنَّهُ وَجْهٌ تَشْرِيعِيٌّ فَصَارَ نَوْعًا مِنَ الِابْتِدَاعِ، بَلْ هُوَ الْجِنْسُ فِيهَا، فَإِنَّ جَمِيعَ الْبِدَعِ إِنَّمَا هِيَ رَأْيٌ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ، وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِوَصْفِ الضَّلَالِ.

فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ إِذْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ (3) جُهَّالٌ (يَسْتَفْتُونَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ) (4) فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ"(5).

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَذَمُّ الرَّأْيِ عَائِدٌ عَلَى الْبِدَعِ بِالذَّمِّ لَا مَحَالَةَ.

وَخَرَّجَ (6) ابْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ (7) قال:

(1) ساقطة من (غ) و (ر).

(2)

وهناك آراء محمودة ذكرها الإمام ابن القيم في أعلام الموقعين: أحدها: آراء الصحابة رضي الله عنهم، ثانياً: الآراء التي تفسر النصوص، وتبين وجه الدلالة منها، ثالثاً: الآراء التي تواطأت عليها الأمة، وتلقاها الخلف عن السلف، رابعاً: الآراء التي تكون بعد بذل الجهد في البحث عن المسألة في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة. انظر إعلام الموقعين (1/ 79 ـ 85).

(3)

في (ت): "الناس".

(4)

ما بين المعكوفين ساقط من (ت).

(5)

تقدم تخريجه (ص125).

(6)

في (م) و (ر) و (غ): "خرج" بدون الواو.

(7)

هو عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني، صحابي من نبلاء الصحابة، شهد فتح مكة، وكانت راية قومه معه، وشهد غزوة مؤتة، مات رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين.

انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 487)، الإصابة لابن حجر (5/ 43)، التاريخ الكبير (7/ 56).

ص: 173

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، أَعْظَمُهَا فِتْنَةً قَوْمٌ يَقِيسُونَ الدِّينَ بِرَأْيِهِمْ، يُحَرِّمُونَ بِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَيُحِلُّونَ بِهِ مَا حَرَّمَ الله"(1).

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (2): (هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ، وَالْكَلَامُ فِي الدِّينِ بِالتَّخَرُّصِ وَالظَّنِّ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: "يُحِلُّونَ الْحَرَامَ، وَيُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ"، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَلَالَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُّنَّةِ رَسُولِهِ تَحْلِيلُهُ، وَالْحَرَامَ مَا كَانَ (3) فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُّنَّةِ رسوله تحريمه، فمن جهل

(1) رواه الإمام الحاكم في المستدرك، كتاب الفتن والملاحم، وصححه (4/ 430)، والإمام البزار في كشف الأستار، كتاب العلم، باب التحذير من علماء السوء (1/ 98)، والإمام ابن عدي في الكامل، عند ترجمة نعيم بن حماد الخزاعي (7/ 2483)، والإمام البيهقي في المدخل، باب ما يذكر في ذم الرأي تحت رقم (204)، (ص188)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عند ترجمة نعيم بن حماد تحت رقم (7285)، (13/ 307، 308)، وفي الفقيه والمتفقه له (1/ 180)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى، باب ذكر افتراق الأمم في دينها برقم (251)، (1/ 227)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم، باب ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والقياس (2/ 133 ـ 134)، والحديث من طريق نعيم بن حماد عن عيسى بن يونس. ونعيم بن حماد قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً (2/ 305)، وقال عنه الذهبي في الكاشف: مختلف فيه (3/ 182). وقال عبد الغني بن سعيد: وبهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل العلم بالحديث، إلا أن يحيى بن معين لم يكن ينسبه إلى الكذب، بل كان ينسبه إلى الوهم، انظر تهذيب التهذيب لابن حجر (10/ 461).

وقد تابع نعيماً في روايته عبد الوهاب بن الضحاك وسويد الأنباري وأبو صالح الخرساني والحكم بن المبارك والنظر بن طاهر. انظر هذه المتابعات في تاريخ بغداد (13/ 310، 311)، الكامل لابن عدي (3/ 1264)، (7/ 2483)، سير أعلام النبلاء للذهبي (10/ 600 ـ 601)، ميزان الاعتدال للذهبي (4/ 267 ـ 268)، التنكيل للمعلمي (1/ 496 ـ 497)، وقال عبد الغني بن سعيد: وكل من حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد، فإنما أخذه من نعيم. انظر تهذيب التهذيب (10/ 461).

وقال البيهقي في المدخل (ص188): تفرد به أبو نعيم بن حماد، وسرقه عنه جماعة من الضعفاء، وهو منكر، وفي غيره من أحاديث الصحاح الواردة في معناه كفاية.

(2)

تقدمت ترجمته رحمه الله (ص91).

(3)

هذه الكلمة ليست عند ابن عبد البر.

ص: 174

ذَلِكَ وَقَالَ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَقَاسَ بِرَأْيِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ عَنِ السُّنَّةِ، فهذا هو (1) الذي قاس الأمور (2) بِرَأْيِهِ فَضَلَّ وَأَضَلَّ، وَمَنْ رَدَّ الْفُرُوعَ فِي عِلْمِهِ إِلَى أُصُولِهَا فَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيِهِ) (3).

وَخَرَّجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ حَدِيثًا (4): (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ثَلَاثًا)، وَإِحْدَاهُنَّ:(أَنْ يُلْتَمَسَ الْعِلْمُ عِنْدَ الْأَصَاغِرِ)(5)، قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: مَنِ الْأَصَاغِرُ؟ قَالَ: (الَّذِينَ يَقُولُونَ بِرَأْيِهِمْ. فَأَمَّا صَغِيرٌ يَرْوِي عَنْ كَبِيرٍ فَلَيْسَ بِصَغِيرٍ)(6).

وَخَرَّجَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَصْبَحَ أَهْلُ الرَّأْيِ أَعْدَاءَ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ (7) الْأَحَادِيثُ أن يعوها، وتفلتت منهم (أن يرووها، فاشتقوها بالرأي، وعنه أيضاً: "اتقوا الرأي في دينكم")(8).

(1) ساقطة من (ط).

(2)

ساقطة من (ط).

(3)

انظر جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 77)، ونقله عنه الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 53).

(4)

ساقطة من (خ).

(5)

رواه الإمام ابن المبارك في الزهد والرقائق عن أبي أمية الجمحي (1/ 20 ـ 21)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة عنه أيضاً بلفظ (إن من أشاط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)(1/ 85)، والخطيب في الجامع لآداب الراوي والسامع (1/ 72)، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد إلى معجم الطبراني الأوسط والكبير، وقال:"وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف"(1/ 140)، ولكن رواية ابن المبارك عنه مقبولة لأنه حدث عنه قبل احتراق كتبه. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر (5/ 373 ـ 379). وصححه الألباني كما في الصحيحة تحت رقم (695).

(6)

انظر قوله في الزهد لابن المبارك (1/ 21)، وفي أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي قال ابن المبارك: الأصاغر من أهل البدع (1/ 85)، وانظر قول ابن المبارك في الجامع لآداب الراوي والسامع للخطيب البغدادي (1/ 72).

(7)

قال في اللسان: "عي بالأمر عياً، وعيي وتعايا واستعيا، وهو عي وعيي وعيان عجز عنه ولم يطق إحكامه". انظر لسان العرب (15/ 111).

(8)

ما بين المعكوفين ساقط من جميع النسخ عدا (غ)، وذكره الإمام ابن بطة في الإبانة الصغرى بلفظ "وتفلتت منهم فلم يعوها فقالوا بالرأي". (ص121).

ص: 175

قَالَ سَحْنُونُ (1): (يَعْنِي الْبِدَعَ)(2).

وَفِي رِوَايَةٍ: (إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ (أَعْدَاءُ السُّنَنِ)(3)، أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ (4) أَنْ يَحْفَظُوهَا (فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا)(5)) (6).

(وَفِي رواية لابن وهب: (إِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ (7)، أَعْيَتْهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهَا) (8)، وَتَفَلَّتَتْ مِنْهُمْ أَنْ يَعُوهَا، وَاسْتَحْيَوْا حِينَ سُئِلُوا (9) أَنْ يَقُولُوا: لَا نَعْلَمُ، فَعَارَضُوا السُّنَنَ بِرَأْيِهِمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (10).

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ (11): (أَهْلُ الرَّأْيِ هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ)(12).

(1) هو أبو سعيد عبد السلام بن حبيب بن حسان التنوخي، المغربي القيرواني المالكي فقيه المغرب، وقاضي القيروان، وصاحب المدونة، ويلقب بسحنون، ارتحل وحج وسمع الحديث، ولم يتوسع فيه كما توسع في الفروع، أخذ عنه عدد كبير من الفقهاء، توفي سنة أربعين ومائتين.

انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 63)، ترتيب المدارك للقاضي عياض (2/ 585)، وفيات الأعيان للصفدي (3/ 180).

(2)

ذكره عنه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 134 ـ 135).

(3)

ما بين المعكوفين ساقط من (ت).

(4)

ساقط من (خ).

(5)

ما بين المعكوفين ساقط من (خ).

(6)

رواه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 135)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 123).

(7)

في (م) و (خ) و (ط): "السنة"، وما أثبته هو ما في (ت) و (غ) وكذلك هو في جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 135).

(8)

ما بين المعكوفين ساقط من (خ).

(9)

في (ط) و (ت): "يسألوا".

(10)

أخرجه الآجري في الشريعة (48)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/ 123)، والأصبهاني في الحجة (1/ 205)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 135) والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (1/ 180 ـ 181)، وقد ذكر الإمام ابن القيم ما نقل عن عمر في ذم الرأي ثم قال: وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة. إعلام الموقعين (1/ 55).

(11)

هو عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني، ابن الإمام أبي داود صاحب السنن، وكان علامة حافظاً، روى عن أبيه وعمه وخلق كثير، صنف السنن والمصاحف والناسخ والمنسوخ وغيرها. مات سنة ست عشرة وثلاثمائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 221)، شذرات الذهب لابن العماد (2/ 273)، ميزان الاعتدال للذهبي (2/ 433).

(12)

انظر قوله في جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 135).

ص: 176

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (مَنْ أَحْدَثَ رَأْيًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ عز وجل (1).

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: (قُرَّاؤُكُمْ وعلماؤكم (2) يذهبون، ويتخذ الناس رؤوساً (3) جُهَّالًا يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ) (4).

وَخَرَّجَ ابْنُ وَهْبٍ وغيره عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: (السُّنَّةُ مَا سَنَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، لَا تَجْعَلُوا خَطَأَ (5) الرَّأْيِ سُنَّةً لِلْأُمَّةِ) (6).

وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ (7) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى أَدْرَكَ فِيهِمُ الْمُوَلَّدُونَ، أَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ، فأخذوا فيهم بالرأي فأضلوا بني إسرائيل (8)).

(1) تقدم تخريجه (ص144).

(2)

ساقطة من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).

(3)

في (ط): "رؤساء".

(4)

رواه عنه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 136).

(5)

في جميع النسخ "حظ" عدا (غ) و (ر)، وهو الموافق لما عند ابن عبد البر.

(6)

رواه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 136).

(7)

هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، إمام، ثقة، فقيه، سمع من أبيه وعمه ابن الزبير وغيرهم، وحدث عنه شعبة ومالك والثوري وغيرهم. توفي سنة ست وأربعين ومائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 34)، تقريب التهذيب (2/ 319)، الكاشف للذهبي (3/ 197).

(8)

روي هذا الأثر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما روي مرسلاً عن عروة بن الزبير، والمرفوع رواه الإمام ابن ماجه في مقدمة سننه، باب اجتناب الرأي والقياس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون، أبناء سبايا الأمم. فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا"(1/ 31)، ورواه البزار من حديث ابن عمرو مرفوعاً. انظر كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 96)، ورواه الإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى عن واثلة بن الأسقع مرفوعاً (2/ 622). قال الإمام ابن حجر في الفتح بعد ذكر حديث عبد الله بن عمرو في قبض العلم: "وهي رواية الأكثر، وخالف الجميع قيس بن الربيع، وهو صدوق، ضعف من قبل حفظه، فرواه عن هشام بلفظ: (لم يزل أمر بني إسرائيل

) أخرجه البزار وقال تفرد به قيس، ثم قال الحافظ: والمحفوظ بهذا اللفظ ما رواه هشام فأرسله ثم ذكر=

ص: 177

وَعَنِ الشَّعْبِيِّ (1): (إِنَّمَا هَلَكْتُمْ حِينَ تَرَكْتُمُ الْآثَارَ وَأَخَذْتُمْ بِالْمَقَايِيسِ)(2).

وَعَنِ الْحَسَنِ: (إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ (3) تَشَعَّبَتْ (4) بِهِمُ (5) السُّبُلُ، وَحَادُوا عَنِ الطَّرِيقِ فَتَرَكُوا الْآثَارَ، وَقَالُوا فِي الدِّينِ برأيهم، فضلوا وأضلوا" (6).

وعن دراج أبي السَّمْحِ (7)، قَالَ: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسَمِّنُ الرجل

=من رواه مرسلاً، انظر الفتح (13/ 285)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه للبزار، وقال: فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري، وضعفه جماعة، وقال ابن القطان: هذا إسناد حسن (1/ 185)، وضعفه الشيخ الألباني كما في ضعيف الجامع تحت رقم (4760)، وأحال على السلسلة الضعيفة برقم (4336). ورواه مرسلاً عن عروة بن الزبير الإمام الدارمي في مقدمة سننه، باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة (1/ 62)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 136، 138)، والإمام البيهقي في المدخل برقم (222)، وعزاه ابن حجر في الفتح للحميدي في النوادر. انظر الفتح (13/ 285).

(1)

هو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار الهمداني الشعبي، الإمام، علامة العصر، ولد في إمرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورأى علياً رضي الله عنه وصلى خلفه، وسمع من عدة من كبراء الصحابة، قال ابن عيينة رحمه الله: علماء الناس ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه. مات سنة خمس ومائة.

انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 294)، طبقات ابن سعد (6/ 246)، حلية الأولياء لأبي نعيم (4/ 310)، البداية والنهاية لابن كثير (9/ 230).

(2)

رواه عنه الإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى بلفظ أطول (2/ 516)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 137).

(3)

في (ت): "حتى".

(4)

في (ط) و (خ): "شعبت".

(5)

في (ت): "فيهم".

(6)

رواه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 137).

(7)

في (خ) و (ط): "دراج بن السهم بن أسمح"، وفي (م):"دراج بن أسمح"، والصواب ما أثبته.

وهو دراج بن سمعان أبو السمح السهمي، مولاهم، المصري، القاص، مولى عبد الله بن عمرو، قال ابن حجر: صدوق في حديثه عن أبي الهيثم، ضعيف من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومائة.

انظر: تقريب التهذيب (1/ 235)، الكاشف للذهبي (1/ 226).

ص: 178

رَاحِلَتَهُ حَتَّى تَعْقِدَ شَحْمًا، ثُمَّ يَسِيرُ عَلَيْهَا فِي الْأَمْصَارِ حَتَّى تَعُودَ نِقْضاً (1)، يَلْتَمِسُ مَنْ يُفْتِيهِ بِسُّنَّةٍ قَدْ عَمِلَ بِهَا، فَلَا يَجِدُ إِلَّا مَنْ يُفْتِيهِ بِالظَّنِّ) (2).

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّأْيِ الْمَقْصُودِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ.

فَقَدْ (3) قَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُرَادُ بِهِ رَأْيُ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَنِ، لَكِنْ فِي الِاعْتِقَادِ كَمَذْهَبِ جَهْمٍ (4) وَسَائِرِ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْكَلَامِ، لِأَنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا آرَاءَهُمْ فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنِ (5) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بَلْ وَفِي رَدِّ ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ لِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ الرَّدَّ وَيَقْتَضِي التَّأْوِيلَ، كما قالوا بنفي الرؤية رداً (6) للظاهر (7) بالمحتملات (8)، ونفي

(1) النِقْض، بالكسر: البعير الذي أنضاه السفر، وكذلك الناقة، قال السيرافي: كأن السفر نقض بنيته، انظر لسان العرب (7/ 243).

(2)

رواه عنه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص90)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 155).

(3)

ساقطة من (غ) و (ر).

(4)

هو جهم بن صفوان أبو محرز الراسبي السمرقندي، أسّ الضلالة، ورأس الجهمية تتلمذ على الجعد بن درهم المبتدع، وكان كاتباً للحارث بن سريج، وخرج معه على الأمويين فقتلا بمرو سنة 128هـ، ومن ضلالاته، نفي صفات الله، والقول بالجبر، والقول بفناء الجنة والنار.

انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (6/ 26)، الفرق بين الفرق للبغدادي (ص158) الملل والنحل للشهرستاني (ص86).

(5)

في (خ): "على".

(6)

المثبت من (غ)، وفي بقية النسخ "نفياً".

(7)

غير واضحة في (ت).

(8)

وذلك مثل تأويلهم للنظر بالانتظار في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة: 22 ـ 23)، مع أن دلالة الآية ظاهرة في أن المراد هو النظر بالعين حقيقة، قال الإمام ابن أبي العز في شرح الطحاوية:"وإضافة النظر إلى الوجه، الذي هو محله، في هذه الآية، وتعديته بأداة "إلى" الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلافه حقيقة موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله". انظر شرح الطحاوية (ص189).

والذين قالوا بنفي رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة هم الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية والمرجئة. وقولهم مخالف للكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة الدين. وانظر في أدلة أهل السنة وردهم على المبتدعة أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (3/ 454)، والشريعة للآجري (ص251)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (ص188)، ومختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (2/ 353)، وفتح الباري لابن حجر (13/ 426)، ورؤية الله تعالى (للدكتور أحمد الناصر).

ص: 179

عَذَابِ الْقَبْرِ (1)، وَنَفْيِ الْمِيزَانِ (2)، وَالصِّرَاطِ (3)، وَكَذَلِكَ رَدُّوا أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ (4) وَالْحَوْضِ (5) إِلَى أَشْيَاءَ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وهي مذكورة في كتب الكلام (6).

(1) قال الإمام ابن أبي العز في شرح الطحاوية: "وقد تواترت الأخبار عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذه الدار

". انظر شرح الطحاوية (ص399). وقد قال بنفيه الخوارج والمعتزلة اعتماداً على العقل في أمر غيبي ليس للعقل فيه مجال، وانظر في أدلة أهل السنة وردهم على المبتدعة أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (6/ 1127)، والشريعة للآجري (ص358)، ومقالات الإسلاميين للأشعري (2/ 116)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (ص396).

(2)

والميزان الذي توزن به الأعمال في الآخرة ثابت بالكتاب والسنة. قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ *} سورة الأنبياء: آية (47)، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة:(كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) رواه البخاري (11/ 566)، ومسلم (17/ 19)، وقد أنكر الميزان المعتزلة وبعض الطوائف، انظر في أدلة أهل السنة والرد على المبتدعة: أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (16/ 1170)، الشريعة للآجري (ص382)، السنة لابن أبي عاصم، باب رقم (162)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (ص417)، مقالات الإسلاميين للأشعري (2/ 164)، الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/ 65).

(3)

قال الإمام السفاريني في لوامع الأنوار البهية: "اتفقت الكلمة على إثبات الصراط في الجملة، لكن أهل الحق يثبتونه على ظاهره من كونه جسراً مدوداً على متن جهنم، أحد من السيف، وأدق من الشعر، وأنكر هذا الظاهر القاضي عبد الجبار المعتزلي وكثير من أتباعه زعما منهم أنه لا يمكن عبوره، وإن أمكن ففيه تعذيب، ولا عذاب على المؤمنين والصلحاء يوم القيامة .. ". ثم قال: "وكل هذا باطل وخرافات لوجوب حمل النصوص على حقائقها، وليس العبور على الصراط بأعجب من المشي على الماء أو الطيران في الهواء والوقوف فيه". انظر لوامع الأنوار (2/ 193)، وانظر في الموضوع: شرح أصول الاعتقاد للالكائي (6/ 1177)، شرح العقيدة الطحاوية (ص415).

(4)

الذين نفوا الشفاعة لأهل الكبائر هم الخوارج والمعتزلة، بناء على أصلهم الباطل وهو تخليد مرتكب الكبيرة في النار، وأدلة الشفاعة صحيحة متواترة، انظرها على وجه التفصيل في: السنة لابن أبي عاصم (ص350 ـ 400)، أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (ص1089 ـ 1115)، الشريعة للآجري (ص331 ـ 351)، وانظر في الرد عليهم: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/ 63)، مقالات الإسلاميين (2/ 166)، شرح الطحاوية لابن أبي العز (ص229).

(5)

تقدم التعليق على هذه المسألة (ص123).

(6)

تقدم نحو هذا الإطلاق للمؤلف في الباب الأول (ص48)، حيث سمى المؤلف أصول=

ص: 180

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا الرَّأْيُ الْمَذْمُومُ الْمَعِيبُ الرَّأْيُ الْمُبْتَدَعُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِنْ ضُرُوبِ الْبِدَعِ، فَإِنَّ حَقَائِقَ جَمِيعِ الْبِدَعِ رُجُوعٌ إِلَى الرَّأْيِ، وَخُرُوجٌ عَنِ الشَّرْعِ (1). وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ، إِذِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا تَقْتَضِي بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبِدَعِ نَوْعًا دُونَ (2) نَوْعٍ، بَلْ ظَاهِرُهَا يقتضي (3) الْعُمُومَ فِي كُلِّ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ أَوْ تَحْدُثُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَانَتْ مِنَ (4) الْأُصُولِ أَوِ الْفُرُوعِ (5)، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ (6) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (7) بعد ما حَكَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخَوَارِجِ (8).

وَكَأَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّخْصِيصِ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ لَمْ يَقُلْ بِهِ (9) بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، بَلْ أَتَى بِمِثَالٍ مِمَّا تَتَضَمَّنُهُ (10) الْآيَةُ، كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ (11) مُشْتَهِرًا في ذلك الزمان، فهو أولى مَا يُمَثَّلُ بِهِ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ مَسْكُوتًا عَنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَلَوْ سُئِلَ عَنِ الْعُمُومِ لَقَالَ بِهِ.

وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ إِنَّمَا تَحْصُلُ عَلَى التَّفْسِيرِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مِنْ سُورَةِ آلِ عمران إنما نزلت فِي قِصَّةِ نَصَارَى نَجْرَانَ؟ ثُمَّ نُزِّلت عَلَى الْخَوَارِجِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ (12)، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي التَّفْسِيرِ، إِنَّمَا يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا يشمله

=الدين علم الكلام، والصحيح أن كتب العقيدة التي قرر فيها أهل السنة عقيدتهم، وردوا فيها على المبتدعة لا تسمى كتب الكلام، لأن الكلام مذموم، وكتبه مذمومة، بل تسمى كتب العقيدة، أو كتب السنة أو نحوها، وتقدم التعليق على نحو هذا في الموضع المذكور.

(1)

انظر هذا القول في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/ 138).

(2)

في (ت): "وبعد".

(3)

في (م) و (خ) و (ط): "تقتضي".

(4)

مطموسة في (ت).

(5)

فالأول خَاصٌّ بِالِاعْتِقَادِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَغَيْرِهَا كما ذكر ذلك المؤلف في الباب العاشر (2/ 335) من طبعة رشيد رضا.

(6)

تقدمت ترجمته رحمه الله (ص76).

(7)

سورة الأنعام: آية (159).

(8)

تقدم قوله (ص93).

(9)

ساقطة من (ت).

(10)

في (ت): "تضمنته".

(11)

المثبت من (غ) و (ر)، وفي بقية النسخ "قال"، وهي غير واضحة في (خ).

(12)

انظر الآية وحمل بعض الصحابة لها على الخوارج (ص75 ـ 81).

ص: 181

الْمَوْضِعُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ الْحَاضِرَةِ لَا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ لُغَةً.

وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْهَمَ أقوال المفسرين المتقدمين، وهو الأولى بمناصبهم (1) فِي الْعِلْمِ، وَمَرَاتِبِهِمْ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَقْرِيرٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (2).

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ـ وَهُمْ فِيمَا زَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ (3) ـ: الرَّأْيُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ هُوَ الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالظُّنُونِ، وَالِاشْتِغَالُ بِحِفْظِ الْمُعْضِلَاتِ والأُغْلُوطَات (4)، وَرْدُّ الْفُرُوعِ وَالنَّوَازِلِ (5) بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ قِيَاسًا، دُونَ رَدِّهَا إِلَى أُصُولِهَا وَالنَّظَرِ فِي عِلَلِهَا وَاعْتِبَارِهَا، فَاسْتُعْمِلَ فِيهَا الرَّأْيُ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ، وَفُرِّعَتْ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ، وَتُكُلِّمَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ بِالرَّأْيِ الْمُضَارِعِ (6) لِلظَّنِّ.

قَالُوا: لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَذَا وَالِاسْتِغْرَاقِ فِيهِ تَعْطِيلُ السُّنَنِ وَالْبَعْثُ عَلَى جَهْلِهَا، وَتَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَمِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَانِيهِ.

وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا (7): أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَعَنَ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ (8)، وَمَا جَاءَ مِنَ النهي عن الأغلوطات (9) ـ وهي صعاب

(1) في (م) و (خ) و (ط): "لمناصبهم".

(2)

وقريب من هذا المعنى ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في أنواع اختلاف السلف في التفسير، وأن غالبه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. انظر مقدمة التفسير ضمن الفتاوى (13/ 333 ـ 344).

(3)

انظر قولهم في جامع بيان العلم وفضله (2/ 139).

(4)

الأغلوطات جمع أغلوطة. والأغلوطة بالضم ما يغلّط به من المسائل. انظر الصحاح (3/ 1147). وقال الإمام الأوزاعي: هي شواذ المسائل وصعابها. انظر: مسند الإمام أحمد (5/ 435)، الإبانة الكبرى (1/ 402)، شرح السنة للبغوي (1/ 308)، الفقيه والمتفقه للخطيب (2/ 11)، المدخل للبيهقي (ص229).

(5)

في (ط): "النوازع" وهو خطأ.

(6)

في (خ): "المعارض".

(7)

في (ت): "ومنها".

(8)

رواه الإمام الدارمي في سننه، باب كراهية الفتيا عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما (1/ 62)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 139، 143).

(9)

في (غ) و (ر)"الغلوطات"، وقد رواه الإمام أبو داود في سننه، باب التوقي في الفتيا عن=

ص: 182

الْمَسَائِلِ ـ، وَعَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَأَنَّهُ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا (1)، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ السَّلَفِ لَمْ يَكُنْ يُجِيبُ إِلَّا عَمَّا نَزَلَ مِنَ النَّوَازِلِ دُونَ مَا لَمْ يَنْزِلْ (2).

وَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِهِ قَدْ مَنَعَ مِنَ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَذْمُومٍ، لِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرَّأْيِ الْمَذْمُومِ، وَهُوَ تَرْكُ النَّظَرِ فِي السُّنَنِ اقْتِصَارًا عَلَى الرَّأْيِ.

وَإِذَا (3) كَانَ كَذَلِكَ اجْتَمَعَ مَعَ مَا قَبْلُهُ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الشَّرْعِ أَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ وَشَدَّدَ فِيهِ مَنَعَ مَا حَوَالَيْهِ وَمَا دَارَ بِهِ وَرَتَعَ حَوْلَ حِمَاهُ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عليه السلام:"الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ"(4)؟ وَكَذَلِكَ

=معاوية رضي الله عنه، برقم (3656)، (3/ 320)، والإمام أحمد في المسند (5/ 435)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 11)، والبيهقي في المدخل (ص229)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 400)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 139)، والطبراني في معجمه الكبير (19/ 326، 892)، والمزي في تهذيب الكمال (15/ 21)، وفي إسناده عبد الله بن سعد قال عنه الذهبي في الميزان: مجهول (2/ 428)، وانظر ضعيف الجامع للشيخ الألباني برقم (6035)، (ص869).

(1)

من ذلك ما أورده الإمام البخاري من الأحاديث في باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه. ومنها حديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)(13/ 264 فتح). ورواه كذلك الإمام مسلم في كتاب الأقضية من صحيحه، باب النهي عن كثرة المسائل (12/ 10)، والإمام أحمد في المسند (4/ 246). وانظر ما جمعه ابن عبد البر في جامع بيان العلم عن الموضوع (2/ 140).

(2)

وقد روي ذلك عن عمر وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وغيرهم رضي الله عنهم. انظر ما روي في ذلك في سنن الدارمي، باب كراهية الفتيا (1/ 62 ـ 64)، جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 141 ـ 142 ـ 143)، الفقيه والمتفقه للخطيب (2/ 7 ـ 8) المدخل للبيهقي (ص225 ـ 231).

(3)

في (ت): "إذا" بدون واو.

(4)

رواه الإمام البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه، باب فضل من استبرأ لدينه عن النعمان بن بشير (1/ 126)، والإمام مسلم في كتاب المساقاة، من صحيحه، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (11/ 27)، والإمام أبو داود في كتاب البيوع من سننه، باب في اجتناب الشبهات برقم (3329)، (3/ 240)، والإمام الترمذي في كتاب البيوع من سننه، باب ما جاء في ترك الشبهات برقم (1205)، والإمام النسائي في=

ص: 183

جَاءَ فِي الشَّرْعِ أَصْلُ سَدِّ الذَّرَائِعِ، وَهُوَ مَنْعُ الْجَائِزِ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إِلَى غَيْرِ الْجَائِزِ.

وَبِحَسَبِ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فِي الْمَمْنُوعِ يَكُونُ اتِّسَاعُ الْمَنْعِ فِي الذَّرِيعَةِ وَشِدَّتُهُ.

وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ يُبَيِّنُ لَكَ عِظَمَ الْمَفْسَدَةِ فِي الِابْتِدَاعِ، فَالْحَوْمُ حَوْلَ حِمَاهُ يَتَّسِعُ جِدًّا، وَلِذَلِكَ تَنَصَّلَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا عَلَى الطَّرِيقَةِ، فَامْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُتْيَا بِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَسْأَلَةِ، وَحَكَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"لَا تَعْجَلُوا بالبَلِيَّة قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِنَّكُمْ إن لا تفعلوا (1) تشتتت (2) بِكُمُ الطُّرُقُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا"(3).

وَصَحَّ نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ (4) وَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا وَعَفَا عَنْ (5) أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ لَا عَنْ نِسْيَانٍ فلا تبحثوا عنها"(6).

=كتاب البيوع، باب اجتناب الشبهات (7/ 241)، والإمام أحمد في المسند (4/ 267، 269، 270)، والإمام الدارمي في كتاب البيوع في سننه، باب في الحلال بين

برقم (2538)، (2/ 319).

(1)

هكذا في (ر) ومراجع الأثر، وفي بقية النسخ:"إن تفعلوا".

(2)

في (ط) و (ت): "تشتت".

(3)

أخرجه الإمام الدارمي في المقدمة من سننه، باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة عن وهب بن عمرو الجمحي مرفوعاً (1/ 61)، وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم عن معاذ مرفوعاً (2/ 142)، ورواه الإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى عن معاذ مرفوعاً (1/ 395)، ورواه أبو داود في المراسيل مرفوعاً عن معاذ (ص224)، وذكره البيهقي في المدخل (ص226 ـ 227)، ورواه الخطيب في الفقيه والمتفقه موقوفاً على معاذ (2/ 12)، وروى الموقوف أيضاً الإمام الدارمي في سننه، باب من هاب الفتيا (1/ 68)، وقال الإمام ابن حجر في الفتح بعد ذكره عن أبي سلمة مرفوعاً وعن معاذ: وهما مرسلان يقوي بعض بعضا (13/ 267 فتح)، وذكره ابن حجر في المطالب العالية (3/ 106) وقال أبو حبيب الرحمن الأعظمي معلقاً عليه: قال البوصيري رواه إسحاق بإسناد حسن وأبو بكر بن أبي شيبة. انظر المطالب العالية (3/ 106).

(4)

تقدم ذكر الحديث وتخريجه (ص198) هامش (3).

(5)

ساقطة من (ت).

(6)

رواه الإمام الدارقطني في كتاب الرضاع من سننه عن أبي ثعلبة الخشني (4/ 184) والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 136)، والإمام ابن بطة في الإبانة=

ص: 184

وَأَحَالَ بِهَا جَمَاعَةٌ عَلَى الْأُمَرَاءِ فَلَمْ يَكُونُوا يُفْتُونَ حَتَّى يَكُونَ الْأَمِيرُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ، وَيُسَمُّونَهَا صَوَافِيَ الْأُمَرَاءِ (1).

وَكَانَ جَمَاعَةٌ يُفْتُونَ على الخروج عن العهدة، وأنه رأي وليس (2) بِعِلْمٍ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه إِذْ سُئِلَ فِي الْكَلَالَةِ (3):(أَقُولُ (4) فِيهَا بِرَأْيِي (5)، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ) (6). ثُمَّ أَجَابَ.

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (7) فسأله عن شيء فأملاه (8) عليه،

=الكبرى (1/ 407)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 9)، والطبراني في الكبير (22/ 589)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 17)، وحسنه الإمام النووي كما في الأذكار (ص584)، وقال عنه الهيثمي في المجمع: ورجاله رجال الصحيح (1/ 176)، وله شاهد من حديث أبي الدرداء رواه البيهقي في سننه (10/ 12)، والإمام الحاكم في المستدرك وصححه (2/ 407)، وانظر شواهد الحديث في الفتح (13/ 267).

(1)

ومن ذلك ما رواه ابن عبد البر عن هشام بن عروة قال: ما سمعت أبي يقول في شيء قط برأيه، قال وربما سئل عن الشيء فيقول هذا من خالص السلطان. انظر جامع بيان العلم (2/ 143)، وروي كذلك عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي مسعود عقبة بن عمرو:"ألم أنبأ أنك تفتي الناس ولست بأمير؟! ولى حارها من تولى قارها". رواه عنه ابن عبد البر في نفس الموضع، وروى نحوه الإمام الدارمي في سننه (1/ 73).

(2)

في (ط): "ليس" بدون الواو.

(3)

الكَلالة هو الميت الذي لا ولد له ولا والد، وهو قول أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وجمهور أهل العلم. وتطلق الكلالة على الذين يرثون الميت من عدا والده وولده. انظر: فتح القدير للشوكاني (1/ 434)، تفسير ابن كثير (1/ 904).

(4)

في (خ): "أقوال".

(5)

في (ت): "برأي".

(6)

رواه الإمام الدارمي في كتاب الفرائض من صحيحه، باب الكلالة (2/ 462)، والإمام ابن جرير في تفسيره (4/ 284)، وجامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 833)، وسعيد بن منصور في سننه (1/ 168).

(7)

هو سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه، وسمع عثمان وعلي وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، وكان ممن برز في العلم والعمل، وكان يفتي والصحابة أحياء. توفي رحمه الله سنة أربع وتسعين. انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 217)، طبقات ابن سعد (5/ 119)، تاريخ البخاري الكبير (3/ 510)، البداية والنهاية (9/ 99).

(8)

في (م) و (غ): "فأمله".

ص: 185

ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ رَأْيِهِ فَأَجَابَهُ، فَكَتَبَ الرَّجُلُ، فقال رجل من جلساء (1) سعيد أنكتب (2) يَا أَبَا (3) مُحَمَّدٍ رَأْيَكَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ لِلرَّجُلِ: نَاوِلْنِيهَا، فَنَاوَلَهُ (4) الصَّحِيفَةَ فَخَرَقَهَا (5).

وَسُئِلَ (6) الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (7) عَنْ شَيْءٍ فَأَجَابَ، فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: لَا تَقُلْ إِنَّ الْقَاسِمَ زَعَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَلَكِنْ إِنِ اضْطُرِرْتَ (8) إِلَيْهِ عَمِلْتَ بِهِ (9).

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: (قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَمَّ هَذَا الْأَمْرُ وَاسْتُكْمِلَ، فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ نَتَّبِعَ (10) آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نَتَّبِعَ (11) الرَّأْيَ، فَإِنَّهُ مَتَى اتُّبِعَ الرَّأْيُ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ أَقْوَى فِي الرَّأْيِ مِنْكَ فَاتَّبَعْتَهُ، فَأَنْتَ كُلَّمَا جَاءَ رَجُلٌ غَلَبَكَ اتَّبَعْتَهُ، أَرَى هَذَا لَا يَتِمُّ) (12). ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِرَأْيِهِ، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُ بَعْدَ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فِي النَّازِلَةِ:{إِنْ نَظُنُّ إِلَاّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (13)(14)، وَلِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى مَنْ كَانَ يَتَعَمَّقُ فِيهِ لم يزل

(1) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "حلفاء".

(2)

في (خ) و (ت) و (ط): "أتكتب".

(3)

ساقطة من (ت).

(4)

في (ت): "فناولها له"، وكلمة الصحيفة ساقطة، وكتب في الهامش "فناوله الصحيفة".

(5)

رواه عنه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 144).

(6)

بياض في (غ).

(7)

هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولد في خلافة علي رضي الله عنه، وكان إماماً قدوة حافظاً، وهو عالم المدينة في وقته مع سالم وعكرمة، مات سنة سبع ومائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 53)، طبقات ابن سعد (5/ 187)، حلية الأولياء (2/ 183)، شذرات الذهب (1/ 135).

(8)

في (م) و (خ): "اضرر".

(9)

رواه عنه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 144).

(10)

في (ر): "تتبع".

(11)

في (ر): "يتبع".

(12)

رواه عنه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 144).

(13)

سورة الجاثية: آية (32).

(14)

روى ذلك عنه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 33، 146)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 323).

ص: 186

يَذُمُّهُ، وَيَذُمُّ مَنْ تَعَمَّقَ فِيهِ، فَقَدْ كَانَ يُنْحَى (1) عَلَى (2) أَهْلِ الْعِرَاقِ لِكَثْرَةِ تَصَرُّفِهِمْ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ، فَحُكِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءَ مِنْ أَخَفِّهَا قَوْلُهُ:"الِاسْتِحْسَانُ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَلَا يَكَادُ الْمُغْرِقُ (3) فِي الْقِيَاسِ إِلَّا يُفَارِقُ السُّنَّةَ"(4).

وَالْآثَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَيْسَتْ عِنْدَ مَالِكٍ مَخْصُوصَةٌ بِالرَّأْيِ فِي الِاعْتِقَادِ. فَهَذِهِ كُلُّهُا تَشْدِيدَاتٌ فِي الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا عَلَى الْأُصُولِ حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الرَّأْيِ غَيْرِ الْجَارِي عَلَى أَصْلٍ.

وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا كَلَامٌ كَثِيرٌ كَرِهْنَا الْإِتْيَانَ بِهِ (5).

وَالْحَاصِلُ مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّأْيَ الْمَذْمُومَ مَا بُنِيَ عَلَى الجهل واتباع الهوى من غير أصل (6) يُرْجَعَ إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ ذَرِيعَةً إِلَيْهِ وإن كان في أصله محموداً، وذلك (عند الإكثار منه والاشتغال به عن النظر في الأصول، وما سواه فهو محمود لأنه)(7) رَاجِعٌ إِلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ، فَالْأَوَّلُ دَاخِلٌ تَحْتَ حَدِّ الْبِدْعَةِ، وَتَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الذَّمِّ، وَالثَّانِي خارج عنه ولا يكون بدعة أبداً.

(1) في (ت): "يلحى".

(2)

ساقطة من (غ).

(3)

في (ت): "المستغرق".

(4)

روى الشطر الأول من قوله الإمام ابن حزم في الإحكام (6/ 16)، وأما الجزء الثاني فلم أجده، وقد ذكره المؤلف في الباب الثامن (2/ 138) من المطبوع.

(5)

ولعل المؤلف يريد ما نقله ابن عبد البر عن مالك في ذم أبي حنيفة. انظر جامع بيان العلم (2/ 147)، ولكن الإمام ابن عبد البر عاد فتكلم عن أبي حنيفة بكلام منصف. (2/ 148 ـ 150).

(6)

في جميع النسخ "أن" عدا (غ).

(7)

ما بين المعكوفين ساقط من جميع النسخ عدا (غ).

ص: 187