الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَبَقِيَ مِمَّا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شَرْحُ مَعْنًى عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ أَنْ الْبِدَعَ ضَلَالَةٌ، وَأَنَّ الْمُبْتَدِعَ ضَالٌّ وَمُضِلٌّ، وَالضَّلَالَةُ مَذْكُورَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ النقل المذكور، ويشير إليها في الآيات الِاخْتِلَافِ، وَالتَّفَرُّقِ شِيَعًا، وَتَفَرُّقِ الطُّرُقِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي، فَإِنَّهَا لَمْ تُوصَفُ فِي الْغَالِبِ بِوَصْفِ الضَّلَالَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِدْعَةً أَوْ شِبْهَ (1) الْبِدْعَةِ. وَكَذَلِكَ الْخَطَأُ الْوَاقِعُ فِي الْمَشْرُوعَاتِ ـ وَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ (2) ـ لَا يُسَمَّى ضَلَالًا، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُخْطِئِ اسْمُ ضَالٍّ، كَمَا لَا يُطْلَقُ على المتعمد لسائر المعاصي (اسم الضال)(3).
وَإِنَّمَا ذَلِكَ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ لِحِكْمَةِ قَصْدِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الضَّلَالَ وَالضَّلَالَةَ ضِدُّ الْهَدْيِ والهداية (4)، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْهُدَى حَقِيقَةً فِي الظَّاهِرِ (5) الْمَحْسُوسِ، فَتَقُولُ: هَدَيْتُهُ الطَّرِيقَ، وَهَدَيْتُهُ إِلَى الطَّرِيقِ. وَمِنْهُ نُقِلَ إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} (6)، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ *} (7)، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *} ، وَالصِّرَاطُ وَالطَّرِيقُ وَالسَّبِيلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ (8)، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الطَّرِيقِ الْمَحْسُوسِ، وَمَجَازٌ فِي الطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيِّ، وَضِدُّهُ الضَّلَالُ (9)، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ البعير
(1) في (م): "تشبه".
(2)
ساقطة من (ط).
(3)
ما بين المعكوفين ساقط من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
(4)
في جميع النسخ: "الهدى" عدا (غ) و (ر).
(5)
في (ت): "الظر".
(6)
سورة الإنسان: آية (3).
(7)
سورة البلد: آية (10).
(8)
ساقطة من (غ) و (ر).
(9)
ساقطة من (غ).
الضَّالُّ، وَالشَّاةُ الضَّالَّةُ. وَرَجُلٌ ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا خَرَجَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ الْتُبِسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ هَادٍ يَهْدِيهِ، وَهُوَ الدَّلِيلُ.
فصاحب البدعة لما غلب عليه الْهَوَى مَعَ الْجَهْلِ بِطَرِيقِ السُّنَّةِ، تَوَهَّمَ أَنَّ مَا ظَهَرَ لَهُ بِعَقْلِهِ هُوَ الطَّرِيقُ الْقَوِيمُ دُونَ غَيْرِهِ، فَمَضَى عَلَيْهِ، فَحَادَ بِسَبَبِهِ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَهُوَ ضَالٌّ مِنْ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ رَاكِبٌ لِلْجَادَّةِ (1)، كَالْمَارِّ بِاللَّيْلِ عَلَى الْجَادَّةِ وَلَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ يَهْدِيهِ، يُوشِكُ أَنْ يَضِلَّ عنها، فيقع في متلفة (2)، وَإِنْ كَانَ بِزَعْمِهِ يَتَحَرَّى قَصْدَهَا.
فَالْمُبْتَدِعُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِنَّمَا ضَلَّ فِي أَدِلَّتِهَا حَيْثُ أَخَذَهَا مَأْخَذَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ، لَا مَأْخَذَ الِانْقِيَادِ تَحْتَ أَحْكَامِ اللَّهِ. وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُبْتَدِعِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ جَعَلَ الْهَوَى أَوَّلَ مَطَالِبِهِ، وَأَخَذَ (3) الْأَدِلَّةَ بِالتَّبَعِ، وَمِنْ شَأْنِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْ شَأْنِ كلامها الاحتراز فيه بالظواهر، فقلما تجد (4) فيه نصاً لا يحتمل حسبما قرره من تقدم في غير هذا الْعِلْمِ، وَكُلُّ ظَاهِرٍ يُمْكِنُ (5) فِيهِ أَنْ يُصْرَفَ عَنْ مُقْتَضَاهُ فِي الظَّاهِرِ (6) الْمَقْصُودِ، وَيُتَأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ مَا قُصِدَ فِيهِ. فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ الْجَهْلُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَعَدَمُ الِاضْطِلَاعِ بِمَقَاصِدِهَا، كَانَ الْأَمْرُ أَشَدَّ وَأَقْرَبَ إِلَى التَّحْرِيفِ وَالْخُرُوجِ عن مقاصد الشرع. فكان المدرك أعرق (7) فِي الْخُرُوجِ عَنِ السُّنَّةِ، وَأَمْكَنُ فِي ضَلَالِ الْبِدْعَةِ، فَإِذَا غَلَبَ الْهَوَى أَمْكَنَ انْقِيَادُ أَلْفَاظِ الْأَدِلَّةِ إِلَى مَا أَرَادَ مِنْهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ لَا تَجِدُ مُبْتَدِعًا (8) مِمَّنْ يُنْسَبُ إلى الملة
(1) الجادة هي معظم الطريق، وجمعها جواد.
انظر: الصحاح للجوهري (2/ 452).
(2)
في (خ) وأصل (م) و (ط): "متابعة". وفي (ت): "متاعب"، وفي (ر):"متلفة".
(3)
في (ت): "فأخذ".
(4)
في (خ) و (ط) وأصل (م): "فكما تجب"، وفي (ت):"كما تجب".
(5)
في (ت): "ممكن".
(6)
في (ت): "الظر".
(7)
في (خ) و (ت): "أغرق".
(8)
في (غ): "متبوعاً".
إِلَّا وَهُوَ يَسْتَشْهِدُ عَلَى بِدْعَتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، فَيُنْزِلُهُ عَلَى مَا وَافَقَ عَقْلَهُ وَشَهْوَتَهُ، وَهُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي الْحِكْمَةِ الْأَزَلِيَّةِ الَّتِي لَا مَرَدَّ لَهَا، قَالَ تَعَالَى:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} (1)، وَقَالَ:{كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (2)، لَكِنْ إِنَّمَا يَنْسَاقُ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَشَابِهُ مِنْهَا لَا الْوَاضِحُ، وَالْقَلِيلُ مِنْهَا لَا الْكَثِيرُ (3)، وَهُوَ أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْمُعْظَمَ وَالْجُمْهُورَ مِنَ الْأَدِلَّةِ إِذَا دَلَّ عَلَى أمر بظاهره فهو الحق، فإن جاء مَا (4) ظَاهِرُهُ الْخِلَافُ فَهُوَ النَّادِرُ وَالْقَلِيلُ، فَكَانَ من حق الناظر (5) رَدُّ الْقَلِيلِ إِلَى الْكَثِيرِ، وَالْمُتَشَابِهِ إِلَى الْوَاضِحِ، غَيْرَ أَنَّ الْهَوَى زَاغَ بِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ زَيْغَهُ، فَهُوَ فِي تِيهٍ، مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُبْتَدِعِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ الْهِدَايَةَ إِلَى الْحَقِّ أَوَّلَ مَطَالِبِهِ، وَأَخَّرَ هَوَاهُ ـ إِنْ كَانَ فَجَعَلَهُ بِالتَّبَعِ، فَوَجَدَ جمهور الأدلة ومعظم الكتاب واضحاً في المطلب (6) الذي بحث عنه، فركب (7) الجادة إليه (8)، وَمَا شَذَّ لَهُ عَنْ (9) ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكِلَهُ إِلَى عَالِمِهِ (10)، وَلَا يَتَكَلَّفُ الْبَحْثَ عَنْ تَأْوِيلِهِ.
وَفَيْصَلُ الْقَضِيَّةِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (11)، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ مُبْتَدِعًا وَلَا ضَالًّا، وَإِنْ حَصَلَ فِي الْخِلَافِ أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ.
أَمَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُبْتَدِعٍ فَلِأَنَّهُ اتَّبَعَ الْأَدِلَّةَ مُلْقِيًا إِلَيْهَا حِكْمَةَ (12) الِانْقِيَادِ، بَاسِطًا يَدَ الِافْتِقَارِ، مُؤَخِّرًا هَوَاهُ، وَمُقَدِّمًا لِأَمْرِ الله.
(1) سورة البقرة: آية (26).
(2)
سورة المدثر: آية (31).
(3)
في (ط): "كالكثير". وهو خطأ.
(4)
في (ت): "ما على ظاهره
…
"، وفي (ط): "على ما ظاهره
…
".
(5)
في (ط): "الظاهر"، وهو خطأ.
(6)
في (م) و (ط): "الطلب".
(7)
في (ط): "فوجد".
(8)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(9)
في (ت): "من".
(10)
في (غ): "عامله".
(11)
سورة آل عمران: آية (7).
(12)
لعل مراد المؤلف أحد معاني الكلمة لغة. قال في الصحاح: وحكمة اللجام: ما أحاط بالحنك. تقول منه حكمت الدابة حكماً، وأحكمتها أيضاً. الصحاح (5/ 1902). فلعل المؤلف استعار هذا المعنى.
وَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ ضَالِّ فَلِأَنَّهُ عَلَى الْجَادَّةِ سَلَكَ، وَإِلَيْهَا (1) لَجَأَ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا يَوْمًا فَأَخْطَأَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ (2)، بَلْ يَكُونُ مَأْجُورًا حَسْبَمَا بَيَّنَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ:"إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ"(3)، وَإِنْ خَرَجَ مُتَعَمِّدًا فَلَيْسَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ طَرِيقًا مَسْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَشَرْعًا يُدَانُ بِهِ.
عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الذَّنْبُ مَوْقِعَ الِاقْتِدَاءِ قَدْ يُسَمَّى اسْتِنَانًا، فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةُ مَنْ سَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:"مَنْ سن سنة سيئة كان عليها وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"(4) الْحَدِيثَ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:"مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ (5) كِفْلٌ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ"(6)، فَسُمِّيَ الْقَتْلُ سُنَّةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ عَمِلَ بِهِ عَمَلًا يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ، لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى بِدْعَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى أَنْ يَكُونَ تَشْرِيعًا، وَلَا يُسَمَّى ضَلَالًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَرِيقِ (7) الْمَشْرُوعِ أَوْ فِي مُضَاهَاتِهِ لَهُ. وَهَذَا تَقْرِيرٌ وَاضِحٌ يَشْهَدُ لَهُ الْوَاقِعُ فِي تَسْمِيَةِ (8) الْبِدَعِ ضَلَالَاتٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا أَحْوَالُ مَنْ تَقَدَّمَ قَبْلَ
(1) في (م) و (ت): "وإليه".
(2)
ساقطة من (غ) و (ر).
(3)
رواه الإمام البخاري في كتاب الاعتصام من صحيحه، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"(13/ 318 مع الفتح)، والإمام مسلم في كتاب الأقضية من صحيحه، باب بيان أجر الحاكم، عن عمرو بن العاص، بلفظ البخاري (12/ 13)، والإمام أبو داود في كتاب الأقضية من سننه، باب في القاضي يخطئ، وذكره تحت رقم (3574)، (3/ 297 ـ 298)، والإمام ابن ماجه في كتاب الأحكام من سننه، باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق، تحت رقم (2314)، (2/ 776)، والإمام أحمد في المسند (4/ 198 ـ 402)، كلهم يرويه عن عمرو بن العاص بنحو لفظ البخاري ورواه أحمد عنه بلفظ آخر (2/ 187، 205)، وقد رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة في كتاب الأحكام من سننه، باب ما جاء في القاضي يصيب ويخطىء، ولفظه قريب من لفظ البخاري المتقدم (1326)، (3/ 615)، ورواه عنه الإمام النسائي أيضاً في كتاب آداب القضاة من سننه، باب الإصابة في الحكم (8/ 223 ـ 224).
(4)
تقدم تخريجه (ص118).
(5)
ساقطة من (غ) و (ر).
(6)
تقدم تخريجه (ص230).
(7)
في (غ) و (ر): "ليس بحيرة في طريق".
(8)
في (م) و (ت): "نسبة".
الْإِسْلَامِ، وَفِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} (1)، (فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا أُمِرُوا بِالْإِنْفَاقِ شَحُّوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَأَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا لِذَلِكَ الشُّحِّ مَخْرَجًا، فقالوا أنطعم من لو شاء الله أطعمه؟)(2) وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَمْ يُحْوِجْ أَحَدًا إِلَى أَحَدٍ، لَكِنَّهُ ابْتَلَى عِبَادَهُ لِيَنْظُرَ كيف يعملون، فغطى (3) هَوَاهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ، وَاتَّبَعُوا مَا تَشَابَهَ مِنَ الْكِتَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُمْ:{إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (4).
وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} (5)، فَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ أَقَرُّوا بِالتَّحْكِيمِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ التَّحْكِيمُ عَلَى وَفْقِ أَغْرَاضِهِمْ زَيْغًا عَنِ الْحَقِّ، وَظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْجَمِيعَ حَكَمٌ، وَأَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ (6) أَوْ غَيْرُهُ مِثْلَ مَا يَحْكُمُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَجَهِلُوا أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي لَا يُرَدُّ، وَأَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ مَعَهُ مَرْدُودٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:{وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا} (7)، لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فيمن دخل في الإسلام (8)،
(1) سورة يس: آية (47).
(2)
ما بين المعكوفين ساقط من (ت).
(3)
في (ط): "فقص".
(4)
سورة يس: آية (47).
(5)
سورة النساء: آية (60).
(6)
في (م): "لقب من الأشراف"، وفي (خ):"لعب من الأشراف"، وكتب فوق كعب رقم 2 وكتبت في الهامش "أحد"، وفي (ت):"من الأشراف" وكلمة كعب مطموسة، وكتب في هامشها: عله أحد من الأشراف. وهو أحد زعماء اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر المفسرون أنه المراد بالطاغوت، وقيل غير ذلك.
انظر: تفسر ابن كثير عند الآية (1/ 786)، زاد المسير (2/ 118 ـ 120)، فتح القدير (1/ 484).
(7)
سورة النساء: آية (60).
(8)
قال الإمام ابن عطية في المحرر الوجيز بعدما ذكر أن الآية نزلت في المنافقين واليهود: "وقال مجاهد: نزلت في مؤمن ويهودي، وقالت فرقة: نزلت في يهوديين"،=
لقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} كَذَا إِلَى آخِرِهِ. وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: إنها (1) نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، أَوْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (2).
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} (3) فَهُمْ (4)(شَرَّعُوا)(5) شِرْعَةً، وَابْتَدَعُوا فِي مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام هَذِهِ الْبِدْعَةَ، تَوَهُّمًا أَنَّ ذَلِكَ يُقَرِّبُهُمْ مِنَ اللَّهِ كَمَا يُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مِنَ الْحَقِّ، فَزَلُّوا وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِذْ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا مِنْ ذَلِكَ وَتَاهُوا فِي المشروع، فلذلك قال تَعَالَى عَلَى إِثْرِ الْآيَةِ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (6)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} (7)، فهذه فذلكة مجملة (8) بعد تفصيل تقدم، وهو قوله تعالى:
=ثم نقل عن القاضي أبي محمد قوله عن هذين القولين: "هذان القولان بعيدان من الاستقامة على ألفاظ الآية".
انظر: المحرر الوجيز (4/ 115). وقال عن لفظ زعم: "تقول العرب: زعم فلان كذا في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق، وتتقوى فيه شبه الإبطال، فغاية درجة الزعم إذا قوى أن يكون مظنوناً
…
وكذلك زعم المنافقين أنهم يؤمنون هو مما قويت فيه شبهة الإبطال لسوء أفعالهم، حتى صححها الخبر من الله تعالى عنهم. ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"بئس مطية الرجل زعموا".
انظر: المحرر الوجيز لابن عطية (4/ 113 ـ 114).
(1)
في (خ) و (ط): "إنما".
(2)
قال الإمام ابن كثير في سبب نزول الآية: "أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد، وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف، وقيل في جماعة من المنافقين ممن أظهر الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية، وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هنا". (1/ 786)، وقد ذكر الإمام ابن الجوزي أربعة أقوال في سبب نزول الآية، فانظر زاد المسير (2/ 118 ـ 120)، وأسباب النزول للواحدي (ص191 ـ 194).
(3)
سورة المائدة: آية (103).
(4)
في (غ): "فهؤلاء".
(5)
في (م) و (خ) و (ت): "أشرعوا".
(6)
سورة المائدة: آية (105).
(7)
سورة الأنعام: آية (140).
(8)
في (م) و (خ): "بجملة"، وفي (ط):"لجملة".
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا} (1) الْآيَةَ. فَهَذَا تَشْرِيعٌ كَالْمَذْكُورِ قَبْلَ (2) هَذَا، ثُمَّ قَالَ:{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} (3) الآية، وَهُوَ تَشْرِيعٌ أَيْضًا بِالرَّأْيِ مِثْلُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ:{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَاّ مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ} (4) إِلَى آخِرِهَا.
فَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَحَرَّمُوا مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الرِّزْقِ بِالرَّأْيِ عَلَى جِهَةِ التَّشْرِيعِ، فَلِذَلِكَ قَالَ تعالى:{قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (5).
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ـ بَعْدَ تَعْزِيرِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي حَرَّمُوهَا (6)، وَهِيَ مَا فِي قَوْلِهِ:{قُلْ آلذَكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي} (7) ـ: (8){فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (9).
وَقَوْلِهِ لَا يَهْدِي يَعْنِي أَنَّهُ يُضِلُّهُ.
وَالْآيَاتُ الَّتِي قَرَّرَ فِيهَا حَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي إِشْرَاكِهِمْ أَتَى فِيهَا بِذِكْرِ الضَّلَالِ، لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنَّهُ (10) خُرُوجٌ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، لِأَنَّهُمْ وَضَعُوا آلِهَتَهُمْ لِتُقَرِّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (فِي زَعْمِهِمْ، فَقَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (11)) (12)، فَوَضَعُوهُمْ مَوْضِعَ مَنْ يُتَوَسَّلُ بِهِ حَتَّى عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِذْ كَانَ أَوَّلُ وَضْعِهَا فيما ذكر العلماء صوراً لقوم يودونهم
(1) سورة الأنعام: آية (136).
(2)
في (غ): "فوق".
(3)
سورة الأنعام: آية (137).
(4)
سورة الأنعام: آية (138).
(5)
سورة الأنعام: آية (140).
(6)
ساقطة من (ت).
(7)
سورة الأنعام: آية (143).
(8)
من هنا تبدأ جملة مقول القول، وقد قرن الشيخ الهلالي في تحقيقه للكتاب بين المقطعين، وليسا كذلك في القرآن، ثم إن ذلك لا يؤدي مراد المؤلف.
(9)
سورة الأنعام: آية (144).
(10)
كتبت في (ت) فوق السطر.
(11)
سورة الزمر: آية (3).
(12)
ما بين المعكوفين ساقط من (ت).
وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِمْ، ثُمَّ عُبِدَتْ فَأَخَذَتْهَا الْعَرَبُ مِنْ (1) غَيْرِهَا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ، وَهُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (2)، فَزَعَمُوا فِي الْإِلَهِ الْحَقِّ مَا زَعَمُوا مِنَ الباطل، بناء منهم (3) عَلَى دَلِيلٍ عِنْدَهُمْ مُتَشَابِهٍ فِي نَفْسِ (4) الْأَمْرِ، حَسْبَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ (5)، فَتَاهُوا بِالشُّبْهَةِ عَنِ الْحَقِّ، لِتَرْكِهِمُ الْوَاضِحَاتِ، وَمَيْلِهِمْ إِلَى الْمُتَشَابِهَاتِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ (6)، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ *} (7).
وَهُمُ النَّصَارَى، ضَلُّوا فِي عِيسَى عليه السلام، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ شَوَاهِدِ الْعُبُودِيَّةِ فِي عِيسَى:{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ *} (8).
وَبَعْدَ ذِكْرِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَتَقْدِيسِ الْوَاحِدِ تبارك وتعالى عَنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ، وَذِكْرِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَقَالَاتِهِمُ الشَّنِيعَةِ (قَالَ) (9):{لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (10).
وَذَكَرَ اللَّهُ (11) الْمُنَافِقِينَ وَأَنَّهُمْ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمنوا، وذلك بكونهم (12) يَدْخُلُونَ مَعَهُمْ فِي أَحْوَالِ التَّكَالِيفِ عَلَى كَسَلٍ وتقية، أن ذلك
(1) مطموسة في (ت).
(2)
سورة المائدة: آية (73).
(3)
زيادة في (ت).
(4)
طمس جزء من الكلمة في (ت).
(5)
تقدم ذكر شبهتهم وموضع خبرهم عند أهل السير (ص80) هامش (6).
(6)
وهي قوله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
…
} الآية. سورة آل عمران: آية (7).
(7)
سورة المائدة: آية (77).
(8)
سورة مريم: آية (34).
(9)
زيادة في (ط). والسياق يقتضيها.
(10)
سورة مريم: آية (38).
(11)
لفظ الجلالة ليس في (ت).
(12)
في (ط): "لكونهم".
يُخَلِّصُهُمْ (1)، أَوْ أَنَّهُ (2) يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يُخَادِعُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَهَذَا هُوَ الضَّلَالُ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ، فَإِذَا هُوَ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ عَلَى هُدًى مِنْ عَمَلِهِ، وَلَا هُوَ سَالِكٌ عَلَى سَبِيلِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (3).
وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ *} (4).
مَعْنَاهُ كَيْفَ أَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يُغْنِي شَيْئًا، وَأَتْرُكُ إِفْرَادَ الرَّبِّ الَّذِي بِيَدِهِ الضُّرُّ وَالنَّفْعُ؟ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ طَرِيقٍ الحق (5) إِلَى غَيْرِ طَرِيقٍ {إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *} (6).
وَالْأَمْثِلَةُ فِي تَقْرِيرِ (7) هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرَةٌ، جَمِيعُهَا يَشْهَدُ بِأَنَّ الضَّلَالَ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ إِنَّمَا يستعمل في موضع (8) يَزِلُّ صَاحِبُهُ لِشُبْهَةٍ تَعْرِضُ لَهُ، أَوْ تَقْلِيدِ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ الشُّبْهَةُ، فَيَتَّخِذُ ذَلِكَ الزَّلَلَ شَرْعًا وَدِينًا يَدِينُ بِهِ، مَعَ وُجُودِ وَاضِحَةِ الطَّرِيقِ الْحَقِّ وَمَحْضِ الصَّوَابِ.
وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْكُفْرُ فِي الْوَاقِعِ مُقْتَصِرًا (9) عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ، بَلْ ثَمَّ طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْعِرْفَانِ عِنَادًا أَوْ ظُلْمًا، ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الصِّنْفَيْنِ فِي السُّورَةِ الْجَامِعَةِ، وَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، فَقَالَ:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .
(1) لعل الأصل: "ظنا منهم أن ذلك يخلصهم"، وقد كتب في هامش (ت):"ويزعمون أن ذلك يخلصكم أو أنه يغني عنكم شيئاً"، وكأنها نسخة أخرى، ولا أرى الكلام يستقيم بهذا.
(2)
في (ت) و (خ): "أنهم".
(3)
سورة النساء: آية (142 ـ 143).
(4)
سورة يس: آية (23).
(5)
ساقطة من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
(6)
سورة يس: آية (24).
(7)
في جميع النسخ: "تقرر"، والمثبت ما في (غ) و (ر).
(8)
في (ط): "موضوع".
(9)
في (م) و (ت): "مقتصراً به".
فهذه هي المحجة (1) العظمى التي دعا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إِلَيْهَا.
ثُمَّ قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْيَهُودُ، لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ فِيهِمْ:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (2) يَعْنِي الْيَهُودَ.
وَالضَّالُّونَ هُمُ النَّصَارَى، لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا فِي الْحُجَّةِ فِي عِيسَى عليه السلام وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (3).
وَيَلْحَقُ بِهِمْ فِي الضَّلَالِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي أَثْنَاءِ القرآن ما يدل على ذلك، ولأن لفظ القرآن في قوله:{وَلَا الضَّالِّينَ} يَعُمُّهُمْ وَغَيْرَهُمْ، فَكُلُّ مَنْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ دَاخِلٌ فِيهِ.
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الضَّالِّينَ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ ضَلَّ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلًا، إِذْ قَدْ (4) تَقَدَّمَ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ قبل هذا مثله.
(1) في (ط): "الحجة".
(2)
سورة البقرة: آية (146).
(3)
رواه الإمام الترمذي في كتاب التفسير من سننه في تفسير سورة الفاتحة، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، ضمن حديث طويل، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضلال"، وقال حسن غريب.
انظر: الحديث برقم (2953، 2954)، (5/ 186 ـ 187)، ورواه الإمام أحمد في المسند عنه بلفظ: "إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى، (4/ 378 ـ 379)، والإمام ابن جرير الطبري (1/ 61 ـ 64)، وابن حبان كما في موارد الظمآن للهيثمي برقم (1715)، (ص424)، وصححه الشيخ الألباني كما في تعليقه على الطحاوية وقال صحيح، رواه الترمذي وغيره، وصححه ابن حبان.
انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص526)، صحيح الجامع برقم (8202)، (2/ 1363).
(4)
في (ت): "وقد" بدل "إذ قد".
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (1) عَامٌّ فِي كُلِّ ضَالٍّ، كَانَ ضَلَالُهُ كَضَلَالِ أهل (2) الشرك (3) والنفاق (4)، أَوْ كَضَلَالِ الْفِرَقِ الْمَعْدُودَةِ فِي الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَهُوَ أَبْلَغُ وَأَعْلَى فِي قَصْدِ حَصْرِ أَهْلِ الضَّلَالِ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِكُلِّيَّةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالسَّبْعِ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي أُوتِيهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدْ خَرَجْنَا عَنِ الْمَقْصُودِ بعض الخروج، وَلَكِنَّهُ عَاضِدٌ لِمَا نَحْنُ فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(1) سورة الأنعام: آية (153).
(2)
ساقطة من (خ) و (ط).
(3)
في (ت): "الشراك".
(4)
في جميع النسخ: "أو النفاق"، والمثبت ما في (غ).
الباب الثالث
فِي أَنَّ ذَمَّ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ عَامٌّ لَا يَخُصُّ مُحْدَثَةً (1) دُونَ غَيْرِهَا وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الترجمة (النظر في)(2) جُمْلَةٌ مِنْ شُبَهِ الْمُبْتَدِعَةِ (3) الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا.
فَاعْلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللَّهُ ـ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ حُجَّةٌ فِي عُمُومِ الذَّمِّ مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً عَامَّةً عَلَى كَثْرَتِهَا. لَمْ يَقَعْ فِيهَا اسْتِثْنَاءٌ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَأْتِ فيها شيء (4) مما يَقْتَضِي أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ هُدًى، وَلَا جَاءَ فِيهَا: كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إِلَّا كَذَا وَكَذَا، وَلَا شَيْءَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي. فَلَوْ كَانَ هُنَالِكَ (5) مُحْدَثَةٌ يَقْتَضِي النَّظَرُ الشَّرْعِيُّ فِيهَا الِاسْتِحْسَانَ، أَوْ أَنَّهَا لَاحِقَةٌ بِالْمَشْرُوعَاتِ، لَذُكِرَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ، لَكِنَّهُ لَا يُوجَدُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ بِأَسْرِهَا عَلَى حَقِيقَةِ ظَاهِرِهَا (6) مِنَ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي لَا يَتَخَلَّفُ عن مقتضاها فرد من الأفراد.
والثاني: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ الْعِلْمِيَّةِ أَنَّ كُلَّ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ، أَوْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ كُلِّيٍّ إذا تكررت في مواضع كَثِيرَةٍ، وَأُتِيَ بِهَا شَوَاهِدُ عَلَى مَعَانٍ أُصُولِيَّةٍ أَوْ فُرُوعِيَّةٍ، وَلَمْ (7) يَقْتَرِنْ بِهَا تَقْيِيدٌ وَلَا تخصيص، مع تكررها، وإعادة تقريرها (8)، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهَا مِنَ الْعُمُومِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (9)، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى *} (10) وما أشبه ذلك،
(1) في (خ): "محدث".
(2)
ساقط من جميع النسخ عدا (غ).
(3)
في (ت): "المعتزلة".
(4)
ساقطة من (خ) و (ط).
(5)
في (ت): "هناك".
(6)
في (ت): "ظواهرها".
(7)
في (ر): "لم".
(8)
هكذا في (ر) وفي بقية النسخ: "تقررها".
(9)
سورة فاطر: آية (18).
(10)
سورة النجم: آية (39).
وَبُسِطَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى ذَلِكَ هُنَالِكَ (1).
فَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، إِذْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَالْمُتَكَرِّرَةِ فِي أَوْقَاتٍ شَتَّى، وَبِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَأَنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَمَا كَانَ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْبِدَعَ مَذْمُومَةٌ.
وَلَمْ يَأْتِ فِي آيَةٍ وَلَا حَدِيثٍ تَقْيِيدٌ وَلَا تَخْصِيصٌ، وَلَا مَا يُفْهَمُ مِنْهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْكُلِّيَّةِ فِيهَا. فَدَلَّ ذَلِكَ دَلَالَةً وَاضِحَةً على أنها على عمومها وإطلاقها.
والثالث: إِجْمَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ يَلِيهِمْ عَلَى ذَمِّهَا كَذَلِكَ (2)، وَتَقْبِيحِهَا وَالْهُرُوبِ عَنْهَا، وَعَمَّنِ اتَّسَمَ (3) بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ تَوَقُّفٌ وَلَا مَثْنَوِيَّةٌ (4). فَهُوَ ـ بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ ـ إِجْمَاعٌ ثَابِتٌ، فَدَلَّ (5) عَلَى أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لَيْسَتْ بِحَقٍّ، بَلْ هِيَ مِنَ الْبَاطِلِ.
والرابع: أَنَّ (6) مُتَعَقِّلَ الْبِدْعَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مُضَادَّةِ الشَّارِعِ، وَاطِّرَاحِ الشَّرْعِ. وَكُلُّ مَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَمُحَالٌ أَنْ يَنْقَسِمَ إِلَى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يُمْدَحُ وَمِنْهُ مَا يُذَمُّ، إِذْ لَا يَصِحُّ فِي مَعْقُولٍ وَلَا مَنْقُولٍ اسْتِحْسَانُ مُشَاقَّةِ الشَّارِعِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي (7).
وَأَيْضًا فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ جَاءَ فِي النَّقْلِ اسْتِحْسَانُ بَعْضِ الْبِدَعِ، أَوِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِهَا عَنِ الذَّمِّ لَمْ يُتَصَوَّرْ، لِأَنَّ الْبِدْعَةَ طَرِيقَةٌ تضاهي المشروعة (8) من غير
(1) تناول المؤلف هذه المسألة في كتاب الموافقات، ضمن مسائل العموم والخصوص وقد ذكر من أمثلتها الآية التي ذكرها هنا وهي قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار" إلى غير ذلك (3/ 306).
(2)
ساقطة من (ت).
(3)
في (م) و (خ) و (ت): "ارتسم".
(4)
في (غ): "ثنوية".
(5)
في (ر): "يدل".
(6)
كتبت في (ت) فوق السطر.
(7)
وذلك عند ذكر ما يدل على ذم البدع من النظر. (ص67 ـ 69).
(8)
أي تضاهي الطريقة المشروعة.
أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ. وَكَوْنُ الشَّارِعِ يَسْتَحْسِنُهَا دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، إِذْ لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: الْمُحْدَثَةُ الْفُلَانِيَّةُ حَسَنَةٌ لَصَارَتْ مَشْرُوعَةً، كَمَا أَشَارُوا إِلَيْهِ فِي الِاسْتِحْسَانِ حَسْبَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ (1).
وَلَمَّا ثَبَتَ ذَمُّهَا ثَبَتَ ذَمُّ صَاحِبِهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرِهَا فَقَطْ، بَلْ مِنْ حَيْثُ اتَّصَفَ بِهَا الْمُتَّصِفُ، فَهُوَ إذًا المذموم على الحقيقة، والذم خاصة التَّأْثِيمِ، فَالْمُبْتَدِعُ مَذْمُومٌ آثِمٌ، وَذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ والعموم. ويدل على ذلك أوجه (2):
أحدها: أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ إِنْ جَاءَتْ فِيهِمْ نَصًّا فَظَاهِرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (3)، وَقَوْلِهِ:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (4) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَقَوْلِهِ عليه السلام:"فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي"(5) الْحَدِيثَ ـ إِلَى سَائِرِ مَا نُصَّ فِيهِ عَلَيْهِمْ (6)، وَإِنْ كَانَتْ نَصًّا فِي الْبِدْعَةِ فَرَاجِعَةُ الْمَعْنَى إِلَى الْمُبْتَدِعِ (مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ)(7)، وَإِذَا رَجَعَ الْجَمِيعُ إِلَى ذَمِّهِمْ رَجَعَ الْجَمِيعُ إِلَى تَأْثِيمِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْهَوَى هُوَ الْمُتَّبَعُ الْأَوَّلُ فِي الْبِدَعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ السَّابِقُ فِي حَقِّهِمْ، وَدَلِيلُ الشَّرْعِ كَالتَّبَعِ فِي حَقِّهِمْ.
وَلِذَلِكَ تَجِدُهُمْ يَتَأَوَّلُونَ كُلَّ دَلِيلٍ خَالَفَ هَوَاهُمْ، وَيَتَّبِعُونَ كُلَّ شُبْهَةٍ وَافَقَتْ أَغْرَاضَهُمْ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (8)؟ فَأَثْبَتَ لهم الزيغ أولاً، وهو الميل
(1) تناول المؤلف موضوع الاستحسان، وتعلق أهل البدع به، والرد عليهم في الباب الثامن (2/ 136).
(2)
في (ط): "أربعة أوجه".
(3)
سورة الأنعام: آية (159).
(4)
سورة آل عمران: آية (105).
(5)
تقدم تخريج الحديث (ص121).
(6)
تقدم ذكر المؤلف للأدلة من القرآن والسنة في ذم البدع وأهلها في الباب الثاني.
(7)
ما بين المعكوفين ساقط من (ت).
(8)
سورة آل عمران: آية (7).
عَنِ الصَّوَابِ، ثُمَّ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ، وَهُوَ خِلَافُ المحكم، والمحكم (1) الواضح المعنى هُوَ (2) أُمُّ الْكِتَابِ وَمُعْظَمُهُ. وَمُتَشَابِهُهُ عَلَى هَذَا قَلِيلٌ، فَتَرَكُوا اتِّبَاعَ الْمُعْظَمِ إِلَى اتِّبَاعِ الْأَقَلِّ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يُعْطِي مَفْهُومًا وَاضِحًا، ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَطَلَبًا لِمَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا الله، أو يعلمه الله ويعلمه (3) الراسخون في العلم (4)، وليس ذلك (5) إِلَّا بِرَدِّهِ إِلَى الْمُحْكَمِ، وَلَمْ يَفْعَلِ الْمُبْتَدِعَةُ ذَلِكَ.
فَانْظُرُوا كَيْفَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ أَوَّلًا فِي مطالب (6) الشَّرْعِ، بِشَهَادَةِ اللَّهِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} (7) الْآيَةَ. فَنَسَبَ إِلَيْهِمُ التَّفْرِيقَ، وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ مِنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَيْهِمْ، وَلَا أتى به في معرض الذَّمِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِاتِّبَاعِ الْهَوَى.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (8)، فَجَعَلَ طَرِيقَ الْحَقِّ وَاضِحًا مُسْتَقِيمًا، وَنَهَى عَنِ الْبُنَيَّاتِ (9). وَالْوَاضِحُ مِنَ الطُّرُقِ وَالْبُنَيَّاتُ (10)، كُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْعَوَائِدِ الْجَارِيَةِ، فَإِذَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهَا بطريق
(1) ساقطة من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
(2)
في (خ) و (ط): "الذي هو".
(3)
ساقطة من (خ) و (ط).
(4)
يشير المؤلف إلى الاختلاف في الوقف في آية آل عمران المذكورة، والجمهور على أن الوقف على لفظ الجلالة، وروى عن مجاهد وطائفة أن الوقف على قوله تعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} . وقد وفق شيخ الإسلام ابن تيمية بين القولين ببيان معنى التأويل، فذكر من معانيه التفسير والبيان، فعلى هذا لا إشكال في الوصل. ومن معانيه الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كقوله تعالى:{وَقَال ياأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} ، فعلى هذا يكون الوقف على لفظ الجلالة، لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمها على الجلية إلا الله عز وجل.
انظر: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية (ص89 وما بعدها). وذكر هذه الأقوال ابن كثير في تفسيره عند الآية (1/ 520 ـ 521).
(5)
ساقطة من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
(6)
في (خ) و (ط): "مطالبة".
(7)
سورة الأنعام: آية (159).
(8)
سورة الأنعام: آية (153).
(9)
بنيات الطريق هي الطرق الصغار تتشعب من الجادة، وهي الترهات.
انظر: الصحاح (6/ 2287).
(10)
في جميع النسخ "البينات" عدا (غ) و (ر).
الْحَقِّ مَعَ الْبُنَيَّاتِ فِي الشَّرْعِ فَوَاضِحٌ (1) أَيْضًا. فَمَنْ تَرَكَ الْوَاضِحَ وَاتَّبَعَ غَيْرَهُ (2) فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ لَا لِلشَّرْعِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (3)، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَجِيءِ الْبَيَانِ (4) الشَّافِي، وَأَنَّ التَّفَرُّقَ إِنَّمَا حَصَلَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ لَا مِنْ (5) جِهَةِ الدَّلِيلِ. (فَهُوَ إذًا)(6) مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى بِعَيْنِهِ.
وَالْأَدِلَّةُ عَلَى هَذَا (كَثِيرَةٌ، تُشِيرُ)(7) أَوْ تُصَرِّحُ بِأَنَّ كُلَّ (8) مُبْتَدِعٍ إِنَّمَا يَتَّبِعُ هَوَاهُ، وَإِذَا اتَّبَعَ هَوَاهُ كَانَ مَذْمُومًا وَآثِمًا. وَالْأَدِلَّةُ عَلَيْهِ أَيْضًا (9) كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} (10)، وَقَوْلِهِ:{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} (11)، وَقَوْلِهِ:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} (12) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِذًا كُلُّ مُبْتَدِعٍ مَذْمُومٌ آثم (13).
والثالث: أن عامة المبتدعة قائلة (14) بالتحسين والتقبيح (15)، فَهُوَ عُمْدَتُهُمُ الْأُولَى، وَقَاعِدَتُهُمُ الَّتِي يَبْنُونَ عَلَيْهَا الشَّرْعَ، فَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي نِحَلِهِمْ، بِحَيْثُ لَا يَتَّهِمُونَ الْعَقْلَ، وَقَدْ يَتَّهِمُونَ الْأَدِلَّةَ إِذَا (16) لَمْ تُوَافِقْهُمْ فِي الظَّاهِرِ (17)، حَتَّى يَرُدُّوا كَثِيرًا مِنَ الأدلة الشرعية (بسببه، ولا يرد قضية من قضايا العقل بحسب معارضة الدليل الشرعي)(18).
(1) في (ت) و (غ) و (ر): "واضح".
(2)
بياض في (ت).
(3)
سورة آل عمران: آية (105).
(4)
في (خ): "البينات".
(5)
بياض في (ت).
(6)
ما بين المعكوفين مطموس في (ت).
(7)
ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(8)
بياض في (ت).
(9)
في (ت): "أيضاً عليه".
(10)
سورة القصص: آية (50).
(11)
سورة ص: آية (26).
(12)
سورة الكهف: آية (28).
(13)
في (خ): "مذموم وآثم".
(14)
في (ر): "مائلة".
(15)
تقدم التعليق على هذه المسألة (ص213).
(16)
في (ط): "إذ".
(17)
في (ت): "الظر".
(18)
ما بين المعكوفين ساقط من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
وَقَدْ عَلِمْتَ أَيُّهَا النَّاظِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يَقْضِي بِهِ الْعَقْلُ يَكُونُ حَقًّا (1)، وَلِذَلِكَ تَرَاهُمْ يَرْتَضُونَ الْيَوْمَ مَذْهَبًا، وَيَرْجِعُونَ عَنْهُ (2) غَدًا، (ثُمَّ يَصِيرُونَ بَعْدَ غَدٍ)(3) إِلَى رَأْيٍ ثَالِثٍ. وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا يَقْضِي بِهِ حَقًّا (4) لَكَفَى فِي إِصْلَاحِ مَعَاشِ الْخَلْقِ وَمَعَادِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِبَعْثَةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ (السَّلَامُ فَائِدَةٌ، وَلَكَانَ (5) عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تُعَدُّ (6)) (7) الرِّسَالَةُ (8) عَبَثًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ، فَمَا (9) أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُمْ قَدَّمُوا أَهْوَاءَهُمْ عَلَى الشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ سُمُّوا ـ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَفِي إِشَارَةِ الْقُرْآنِ ـ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ (10)، وَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْهَوَى عَلَى عُقُولِهِمْ وَاشْتِهَارِهِ فِيهِمْ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بالمشتق إنما تطلق (11) إِطْلَاقَ اللَّقَبِ إِذَا غَلَبَ مَا اشْتُقَّتْ مِنْهُ عَلَى الْمُسَمَّى بِهَا، فَإِذًا تَأْثِيمُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَى اتِّبَاعِ الرَّأْيِ، وهو اتباع الهوى المذكور آنفاً.
والرابع: أَنَّ كُلَّ رَاسِخٍ لَا يَبْتَدِعُ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يقع الابتداع ممن لم يتمكن في (12) الْعِلْمِ الَّذِي ابْتَدَعَ فِيهِ، حَسْبَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الحديث (13)، ويأتي تقريره بحول الله (14).
(1) تقدم الكلام على العقل وقصوره في بداية الباب الثاني (ص62 ـ 64).
وسيفرد المؤلف لهذا الموضوع فصلاً مستقلاً في الباب العاشر، حيث سيذكره كسبب من أسباب الابتداع (2/ 318 ـ 337).
(2)
ساقطة من (غ) و (ر).
(3)
ما بين المعكوفين ساقط من (ت).
(4)
مطموسة في (ت).
(5)
في (غ): ولو كان.
(6)
في (م): "يعد"، وفي (خ):"بعده"، وفي (غ):"بعد"، وفي (ر):"بعث".
(7)
ما بين المعكوفين مطموس في (ت).
(8)
في (غ) و (ر): الرسل.
(9)
في (م): "مما".
(10)
أما الحديث الذي سموا فيه بأهل الأهواء، فهو حديث عائشة وقد مر ذكره والحكم عليه (ص90)، وأما الآيات فقد تقدم ذكر المؤلف لها في الوجه الخامس من أوجه ذم البدع من جهة النظر (ص70 ـ 72).
(11)
في (م) و (خ) و (ط): "يطلق".
(12)
في (ط): "من".
(13)
لعله يريد حديث عبد الله بن عمرو المتقدم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الناس) إلى قوله: حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوساً جهالاً فسألوهم فأفتوهم فضلوا وأضلوا)، وقد تقدم في الباب الثاني (ص125).
(14)
وذلك في الفصل الآتي (ص275)، وانظر بداية الباب الرابع أيضاً.
فَإِنَّمَا يُؤْتَى النَّاسُ مِنْ قِبَلِ جُهَّالِهِمُ الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاجْتِهَادُ من اجتهد منهم (1) مَنْهِيٌّ عَنْهُ إِذْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ (2) شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْعُمُومِيَّةِ. وَلَمَّا كَانَ الْعَامِّيُّ حَرَامًا عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، (كَانَ الْمُخَضْرَمُ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَالَاتِ (3) مِثْلَهُ فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِنْبَاطِ) (4) وَالنَّظَرِ الْمَعْمُولِ بِهِ، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ كَانَ آثِمًا بِإِطْلَاقٍ.
وَبِهَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَخِيرَةِ ظَهَرَ وَجْهُ تَأْثِيمِهِ، وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُجْتَهِدِ الْمُخْطِئِ فِي اجْتِهَادِهِ، وَسَيَأْتِي لَهُ تَقْرِيرٌ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ (5).
وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ هُنَا أَنَّ كُلَّ مُبْتَدِعٍ آثِمٌ، وَلَوْ فُرِضَ عَامِلًا بِالْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ ـ إِنْ ثَبَتَ فِيهَا كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ (6) ـ، لِأَنَّهُ: إِمَّا مُسْتَنْبِطٌ لَهَا فَاسْتِنْبَاطُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِمَّا: نَائِبٌ عَنْ صَاحِبِهَا مُنَاضِلٌ عَنْهُ فِيهَا بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْتَنْبِطِ الْأَوَّلِ لَهَا، فَهُوَ آثِمٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
لَكِنْ يَبْقَى هُنَا نَظَرٌ فِي الْمُبْتَدِعِ وَصَاحِبِ الْهَوَى، بِحَيْثُ يَتَنَزَّلُ دَلِيلُ الشَّرْعِ عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ فِي الْعُرْفِ الَّذِي وقع التخاطب به، إذ قد (7) يَقَعُ الْغَلَطُ أَوِ التَّسَاهُلُ (8)، فَيُسَمَّى مَنْ لَيْسَ بِمُبْتَدِعٍ مُبْتَدِعًا، وَبِالْعَكْسِ إِنْ تُصُوِّرَ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَضْلِ (9) اعْتِنَاءٍ بِهَذَا الْمَطْلَبِ حَتَّى يَتَّضِحَ بِحَوْلِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَلْنُفْرِدُهُ فِي فَصْلٍ منعزل (10):
(1) ساقطة من (م) و (ط).
(2)
في (غ): "يكمل".
(3)
في (ط): "الجهلات".
(4)
ما بين المعكوفين ساقط من (ت)، ولعله وقع سبق نظر للناسخ، فانتقل من كلمة "الاستنباط" الأولى إلى ما بعد الثانية.
(5)
وذلك في الفصل الآتي.
(6)
وقد قال المؤلف: "فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي الْبِدَعِ ـ بِحَسَبِ الْوُقُوعِ ـ مكروه لا زائد فيه على الكراهة. والله أعلم".
انظر: (ص324). وانظر تقسيم المؤلف للبدع في الباب السادس (2/ 36).
(7)
ساقط من (م) و (ط).
(8)
في (ت): "والتساهل".
(9)
في (خ) و (م) و (ت): "فصل".
(10)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "فتقول".