الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
وَمِمَّا يُورَدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَسَّمُوا الْبِدَعَ بِأَقْسَامِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْخَمْسَةِ، وَلَمْ يَعُدُّوهَا قِسْمًا وَاحِدًا مَذْمُومًا، فَجَعَلُوا مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمَكْرُوهٌ وَمُحَرَّمٌ.
وَبَسَطَ ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ (2) بَسْطًا شَافِيًا (3)، وَأَصْلُ مَا أَتَى به من ذلك لشيخه (4) عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (5)، وَهَا أَنَا آتِي بِهِ عَلَى نَصِّهِ، فَقَالَ: "اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ـ فِيمَا رَأَيْتُ ـ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ (6) وَغَيْرُهُ (7)، وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ وَاجِبٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنَ الشرع، كتدوين القرآن
(1) ويذكر المؤلف في هذا الفصل القائلين بانقسام البدع إلى أقسام الشريعة الخمسة، ثم يشرع في الرد عليهم (ص356).
(2)
هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، أبو العباس، شهاب الدين الصنهاجي القرافي، من علماء المالكية، له مصنفات جليلة في الفقه والأصول منها أنوار البروق في أنواء الفروق، وكتاب الفروق، وكتاب الذخيرة، توفي سنة 684هـ.
انظر: الأعلام للزركلي (1/ 94 ـ 95)، حسن المحاضرة للسيوطي (1/ 316)، الديباج المذهب (1/ 236).
(3)
وذلك في كتابه الفروق (4/ 202 ـ 205).
(4)
في (م) و (خ) و (ط): "شيخه".
(5)
تقدمت ترجمته رحمه الله (ص24).
(6)
هو أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني، المالكي، ويقال له: مالك الصغير وكان أحد من برز في العلم والعمل، وهو الذي لخص المذهب، صنف النوادر والزيادات، والعتبية، والرسالة وغيرها. توفي رحمه الله سنة 389هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 10)، النجوم الزاهرة (4/ 200)، شذرات الذهب (3/ 131).
(7)
ومن المواضع التي ذكر فيها ابن أبي زيد ذم البدع وأهلها ما ذكره في كتابه الجامع في السنن والآداب (ص105 ـ 126).
وَالشَّرَائِعِ إِذَا (1) خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ، فَإِنَّ (2) التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنَ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا وَإِهْمَالُ ذَلِكَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا، فَمِثْلُ هَذَا النَّوْعِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي وُجُوبِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمُ، وَهُوَ كُلُّ بِدْعَةٍ تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ وَأَدِلَّتُهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ، كَالْمُكُوسِ، وَالْمُحْدَثَاتِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَالْمُحْدَثَاتِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، كَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لها (3) بِطَرِيقِ (4) التَّوْرِيثِ، وَجَعْلِ الْمُسْتَنَدِ فِي ذَلِكَ كَوْنَ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بأهل.
القسم الثالث من (5) البدع مَنْدُوبٌ (6) إِلَيْهِ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ النَّدْبِ وأدلته، كصلاة التراويح، وإقامة صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ (7) عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِعَظَمَةِ الْوُلَاةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَكَانَ الناس في زمان (8) الصحابة رضوان الله عليهم مُعْظَمُ تَعْظِيمِهِمْ إِنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ وَسَبْقِ الْهِجْرَةِ، ثم اختل النظام، وذهب ذلك القرن، وحدث قَرْنٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُونَ إِلَّا بِالصُّوَرِ، فَتَعَيَّنَ تَفْخِيمُ الصُّوَرِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَصَالِحُ.
وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْمِلْحِ، وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ في (9) كُلَّ يَوْمٍ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي هُوَ عليها لَوْ عَمِلَهَا (10) غَيْرُهُ لَهَانَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، ولم يحترموه، وتجاسروا عليه
(1) في (خ) و (ت) و (ط): "إذ".
(2)
في (خ) و (ت) و (ط): "وإن".
(3)
زيادة في (م).
(4)
في (غ): "بطريقة".
(5)
في (خ) و (ط): "أن من"، والمثبت هو الموافق لما في الفروق.
(6)
في (خ) و (ط) وهامش (ت): "ما هو مندوب إليه .. ".
(7)
المراد تحسين مظاهرهم من ملبس ومطعم ومسكن ونحوه، كما سيتبين ذلك فيما يأتي.
(8)
في (خ) و (ط): "زمن".
(9)
ساقطة من (خ) و (ط) و (ر).
(10)
في (خ): "علمها".
بِالْمُخَالَفَةِ، فَاحْتَاجَ إِلَى أَنْ يَضَعَ غَيْرَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى تَحْفَظُ النِّظَامَ.
وَلِذَلِكَ (1) لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَجَدَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَدِ اتَّخَذَ الْحُجَّابَ، وَاتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ النَّفِيسَةَ، وَالثِّيَابَ الْهَائِلَةَ الْعَلِيَّةَ (2)، وَسَلَكَ مَا سَلَكَهُ الْمُلُوكُ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذلك، فقال له (3): إِنَّا بِأَرْضٍ نَحْنُ فِيهَا مُحْتَاجُونَ لِهَذَا، فَقَالَ لَهُ: لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ، وَمَعْنَاهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِكَ هَلْ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَى هَذَا (4)(فيكون حسناً (5)، أَوْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ) (6)، فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الأمور تختلف باختلاف الأمصار والأعصار (7) والقرون والأحوال.
فَكَذَلِكَ يُحْتَاجُ (8) إِلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمَةً، وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
القسم الرابع: بدع (9) مَكْرُوهَةٌ، وَهِيَ مَا تَنَاوَلَتْهُ أَدِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا، كَتَخْصِيصِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ أَوْ غَيْرِهَا بنوع من العبادة، ولذلك جاء (10) في الصحيح، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الجمعة بصيام، أو ليلته (11) بِقِيَامٍ (12).
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ المحدودات، كما ورد في
(1) في (م) و (ت): "وكذلك".
(2)
في (غ) و (ر): "العالية".
(3)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(4)
في (خ) و (ط): "محتاج إليه".
(5)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(6)
ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ت) و (ط).
(7)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(8)
في (م): "تحتاجون"، وفي (غ) و (ر):"يحتاجون".
، والتنبيه والإشراف للمسعودي (245 ـ 246).
(9)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(10)
في (خ) و (ت) و (ط): "ليله".
(11)
رواه الإمام مسلم في كتاب الصيام من صحيحه، باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته عن أبي هريرة (8/ 18 ـ 19 نووي) وروى البخاري في الصحيح النهي عن صيام يوم الجمعة (1984، 1985)، والإمام أحمد في المسند عن أبي الدرداء (6/ 444).
التسبيح عقب (1) الفريضة ثلاثاً وثلاثين، فتفعل مئة، وَوَرَدَ (2) صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَيَجْعَلُ عَشَرَةَ أَصْوُعٍ (3)، بِسَبَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا إِظْهَارُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ، وَقِلَّةُ أَدَبٍ مَعَهُ، بَلْ شَأْنُ الْعُظَمَاءِ إِذَا حَدَّدُوا شَيْئًا وُقِفَ عِنْدَهُ، وَعُدَّ الْخُرُوجُ عَنْهُ قِلَّةَ أَدَبٍ.
وَالزِّيَادَةُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ عَلَيْهِ أَشَدُّ فِي الْمَنْعِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ رضي الله عنه عن إيصال صيام (4) سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّهَا من رمضان (5).
وخرج أبو داود في (سننه)(6) أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى الْفَرْضَ، وَقَامَ (7) لِيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ (بْنُ الْخَطَّابِ) (8):(اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك، فبهذا (9) هلك مَنْ قَبْلَنَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَصَابَ اللَّهُ بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ"(10)، يُرِيدُ عُمَرَ إِنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوُا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ وَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا، وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرَائِعِ، وَهُوَ حَرَامٌ إِجْمَاعًا.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ: الْبِدَعُ المباحة، وهي ما تناولته أدلة الإباحة
(1) في (ت) و (غ) و (ر): "عقيب".
(2)
في (م) و (ت) و (غ) و (ر): "وورود".
(3)
في (خ) و (ت) و (ط): "أصواع". والمثبت ذكره الجوهري في الصحاح في جمع صاع (3/ 1247).
(4)
ساقطة من (خ) و (ط).
(5)
قال الإمام ابن رشد بعدما ذكر أن صيام الست من شوال مندوب: "إلا أن مالكاً كره ذلك، إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان، وإما لأنه لعله لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده وهو الأظهر". انظر بداية المجتهد (1/ 308 ـ 309).
(6)
في جميع النسخ: "مسنده"، والمثبت هو ما في الفروق، والحديث في سنن أبي داود كما سيأتي.
(7)
في (ت): "وكام".
(8)
كتبت في (ت) فوق السطر.
(9)
في (م): "فهذا"، وفي (خ) و (ت) و (ط):"فهكذا".
(10)
رواه الإمام أبو داود في كتاب الصلاة من سننه، باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة برقم (1007)، (1/ 263)، والحاكم في المستدرك (1/ 270)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 269)، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ص98 ـ 99).
وَقَوَاعِدُهَا مِنَ الشَّرِيعَةِ، كَاتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ، فَفِي الْآثَارِ:(أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتِّخَاذُ الْمَنَاخِلِ)، لِأَنَّ تَلْيِينَ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحَهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، فَوَسَائِلُهُ مُبَاحَةٌ.
فَالْبِدْعَةُ إِذَا عُرِضَتْ تُعْرَضُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأَدِلَّتِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ تَنَاوَلَهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ أُلْحِقَتْ بِهِ، مِنْ إِيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أو غيرهما، وَإِنْ نُظِرَ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ فِيمَا يَتَقَاضَاهَا كُرِهَتْ. فَإِنَّ الْخَيْرَ (1) كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي الِابْتِدَاعِ (2). (انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ)(3).
وَذَكَرَ شَيْخُهُ (4) فِي قَوَاعِدِهِ (5)، فِي فَصْلِ البدع منها ـ بعد ما قَسَّمَ أَحْكَامَهَا إِلَى الْخَمْسَةِ ـ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تُعْرَضَ الْبِدْعَةُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي قَوَاعِدِ الْإِيجَابِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلِلْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ أَمْثِلَةٌ:
أحدها: الاشتغال (بعلم النحو)(6) الَّذِي (7) يُفْهَمُ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامُ رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك واجب، لأن حفظ الشريعة واجب، [ولا يتأتى حفظها إلا بمعرفة ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو وَاجِبٌ](8).
وَالثَّانِي: حِفْظُ غَرِيبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ اللغة.
والثالث: تدوين أصول الفقه.
(1) في (ط): "الخبر".
(2)
ذكر هذا التقسيم الإمام القرافي في كتابه الفروق (4/ 202 ـ 205).
(3)
ما بين المعكوفين ساقط من (ط).
(4)
هو العز بن عبد السلام رحمه الله، وتقدمت ترجمته (ص24).
(5)
هو كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 195 ـ 196).
(6)
ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(7)
في (خ) و (ط): "بالذي". وكتبت كذلك لتستقيم العبارة، لأن ما بين المعكوفين كان ساقطاً.
(8)
ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
وَالرَّابِعُ: الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، لِتَمْيِيزِ (1) الصَّحِيحِ من السقيم.
ثم قال: وللبدع المحرمة أمثلة:
مِنْهَا (2) مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ (3)، وَمَذْهَبُ الْجَبْرِيَّةِ (4)، وَالْمُرْجِئَةِ (5)، وَالْمُجَسِّمَةِ (6)، وَالرَّدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ.
قَالَ: وَلِلْمَنْدُوبِ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا إِحْدَاثُ (7) الرُّبَطِ، وَالْمَدَارِسِ، وَبِنَاءُ الْقَنَاطِرِ (8)، وَمِنْهَا كُلُّ إِحْسَانٍ لَمْ يُعْهَدْ (9) فِي العصر (10) الأول، (ومنها صلاة التراويح)(11)، (وَمِنْهَا الْكَلَامُ فِي دَقَائِقِ التَّصَوُّفِ، وَالْكَلَامُ فِي الْجَدَلِ)(12)، وَمِنْهَا جَمْعُ الْمَحَافِلِ (13) لِلِاسْتِدْلَالِ فِي الْمَسَائِلِ، إِنْ قُصِدَ بِذَلِكَ وَجْهُهُ تَعَالَى.
قَالَ (14): وَلِلْمَكْرُوهَةِ (15) أمثلة: منها زخرفة المساجد، وتزويق (16) المصاحف.
(1) في (خ): "أو تمييز".
(2)
في (غ): "منه".
(3)
تقدم التعريف بهم (ص11).
(4)
هم القائلون بأن العبد مجبور على فعله من إيمان أو كفر ومن خير أو شر، وأن العبد لا اختيار له ولا قدرة، وأن الله تعالى هو الذي جبر العباد على الكفر أو الإيمان، وممن قال به الجهمية والنجارية والضرارية.
انظر: الملل والنحل (ص87)، البرهان للسكسكي (ص42).
(5)
تقدم التعريف بهم (ص27).
(6)
المجسمة هم القائلون بأن الله جسم من الأجسام، وشبهوه سبحانه بالمخلوقات، وهو مذهب فرق من الشيعة الغلاة، ومن المبتدعة من يلمز أهل السنة بهذا الوصف.
انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 102 ـ 105)، دائرة المعارف الإسلامية (6/ 460).
(7)
في (خ): "أحد".
(8)
في (غ): "القناطير".
(9)
في (غ) و (ر): "يعين".
(10)
في (خ) و (ط): "الصدر".
(11)
ما بين المعكوفين ساقط من (ط).
(12)
ما بين المعكوفين ساقط من (غ).
(13)
عبارة قواعد الأحكام: "ومنها الكلام في الجدل في جمع المحافل .. ".
(14)
بياض في (غ).
(15)
في (خ) و (ت) و (ط): "وللكراهة".
(16)
زوّق الكلام والكتاب حسنه وقومه. انظر الصحاح (4/ 1492)، ولعل مراده ما حدث من التفنن في كتابة المصاحف.
وَأَمَّا تَلْحِينُ الْقُرْآنِ بِحَيْثُ تَتَغَيَّرُ (1) أَلْفَاظُهُ عَنِ الْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنَ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ.
قال: وللبدع المباحة (2) أمثلة: منها المصافحة عقيب (3) صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، وَمِنْهَا التَّوَسُّعُ فِي اللَّذِيذِ مِنَ الْمَأْكَلِ (4) وَالْمَشْرَبِ (5) وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ، وَلِبْسِ الطَّيَالِسَةِ (6)، وَتَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ (7) فِي بَعْضِ ذَلِكَ، فَجَعَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنِ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ، وَجَعَلَهُ (8) آخَرُونَ مِنَ السُّنَنِ الْمَفْعُولَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا بَعْدَهُ، كَالِاسْتِعَاذَةِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ (9). انْتَهَى مَحْصُولُ مَا قَالَ.
وَهُوَ يُصَرِّحُ مَعَ مَا قَبْلَهُ (10) بِأَنَّ الْبِدَعَ تَنْقَسِمُ بِأَقْسَامِ الشَّرِيعَةِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُحْمَلَ أَدِلَّةُ ذَمِّ الْبِدَعِ عَلَى الْعُمُومِ، بَلْ لَهَا مُخَصَّصَاتٌ.
وَالْجَوَابُ (11): أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ أَمْرٌ مُخْتَرَعٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، بَلْ هو في نَفْسُهُ مُتَدَافِعٌ، لِأَنَّ مِنْ حَقِيقَةِ الْبِدْعَةِ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَا مِنْ نُصُوصِ الشَّرْعِ، وَلَا مِنْ قَوَاعِدِهِ، إِذْ لَوْ كَانَ هُنَالِكَ مَا يَدُلُّ مِنَ الشَّرْعِ عَلَى وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إِبَاحَةٍ لَمَا كَانَ ثَمَّ بِدْعَةٌ، وَلَكَانَ الْعَمَلُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها.
(1) في (م) و (ت): "يتغير".
(2)
ساقطة من (خ).
(3)
في (خ) و (ط): "عقب".
(4)
في (غ): "المآكل".
(5)
في (غ) و (ر): "المشارب".
(6)
قال في اللسان: "والطيلس والطيلسان ضرب من الأكسية .. ، والجمع طيالس وطيالسة". وقال في حاشية الكتاب: قوله: "ضرب من الأكسية" أي الأسود.
انظر: اللسان (6/ 125).
(7)
في (م) و (ت) و (غ) و (ر): "يختلف".
(8)
في (غ): "ويجعله".
(9)
ذكر هذه الأقسام العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام (2/ 195 ـ 196).
(10)
وهو كلام الإمام القرافي السابق.
(11)
من هنا يبدأ المؤلف في الرد على ما قاله الإمام القرافي وشيخه العز بن عبد السلام من انقسام البدعة إلى واجبة ومحرمة .. ، وسوف يستغرق هذا الرد أكثر ما تبقى من هذا الباب، مع بعض الاستطرادات في مسائل التصوف.
فَالْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِ (1) تِلْكَ الْأَشْيَاءِ بِدَعًا، وَبَيْنَ (2) كَوْنِ الْأَدِلَّةِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا أَوْ نَدْبِهَا أَوْ إِبَاحَتِهَا، جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ.
أَمَّا الْمَكْرُوهُ مِنْهَا وَالْمُحَرَّمُ (3) فَمُسَلَّمٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا بِدَعًا، لَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، إِذْ لَوْ دَلَّ الدليل على منع أمر ما (4)، أَوْ كَرَاهَتِهِ (5)، لَمْ يُثْبِتْ بِذَلِكَ (6) كَوْنَهُ بِدْعَةً، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ (7) مَعْصِيَةً، كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا. فَلَا بِدْعَةَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ التَّقْسِيمُ أَلْبَتَّةَ، إِلَّا الْكَرَاهِيَةَ وَالتَّحْرِيمَ، حَسْبَمَا يُذْكَرُ في بابه (8)(إن شاء الله)(9).
فما ذكره الْقَرَافِيُّ (10) عَنِ الْأَصْحَابِ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ صَحِيحٌ، وَمَا قَسَّمَهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ.
ومن العجب حكايته (11) الِاتِّفَاقِ مَعَ (12) الْمُصَادَمَةِ بِالْخِلَافِ، وَمَعَ (13) مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّبَعَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ شَيْخَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، فإن ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ بِدَعًا، بِنَاءً ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ أَعْيَانُهَا تَحْتَ النُّصُوصِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تُلَائِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ، فَمِنْ هُنَالِكَ جعل القواعد هي الدالة على استحسانها، فتسميته (14) لها بلفظ البدع هو (15) مِنْ حَيْثُ فُقْدَانِ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ المعيّنة (16) واستحسانها من حيث دخولها تحت
(1) ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(2)
ساقطة من (غ) و (ر).
(3)
في (غ) و (ر): "أو المحرم".
(4)
زيادة في (م) و (غ).
(5)
في (م): "كراهية"، وفي (ت):"كراهيته".
(6)
في (خ) و (ط): "ذلك".
(7)
في (غ) و (ر): "تكون".
(8)
وهو الباب السادس من هذا الكتاب (2/ 36).
(9)
ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (ط) و (ت) و (خ).
(10)
تقدم قوله وترجمته (ص350).
(11)
في (ط): "حكاية".
(12)
في (غ) و (ر): "ثم".
(13)
في (م) و (ت) و (غ): "مع" بدون الواو.
(14)
في (خ) و (ط): "بتسميته"، والباء غير واضحة في (ت).
(15)
في (خ) و (ط): "وهو".
(16)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
الْقَوَاعِدِ، وَلَمَّا بَنَى عَلَى اعْتِمَادِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ اسْتَوَتْ عِنْدَهُ مَعَ الْأَعْمَالِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ النُّصُوصِ الْمُعَيَّنَةِ، وَصَارَ مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وَسَمَّاهَا بِدَعًا فِي اللَّفْظِ، كَمَا سَمَّى عُمَرُ رضي الله عنه الْجَمْعَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ فِي الْمَسْجِدِ بِدْعَةً (1)، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَمَّا الْقَرَافِيُّ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي نَقْلِ تِلْكَ الْأَقْسَامِ عَلَى غَيْرِ مُرَادِ شَيْخِهِ وَلَا عَلَى مُرَادِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ خَالَفَ الْكُلَّ فِي ذَلِكَ التَّقْسِيمِ فَصَارَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ (2).
ثُمَّ نَقُولُ: أَمَّا قِسْمُ الْوَاجِبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ آنِفًا فَلَا نُعِيدُهُ (3)، وَأَمَّا قِسْمُ التَّحْرِيمِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا هُوَ بِدْعَةٌ هَكَذَا بِإِطْلَاقٍ، بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ مُخَالَفَةٌ لِلْأَمْرِ الْمَشْرُوعِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ إِلَّا من جهة كونه موضوعاً على وزان الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ اللَّازِمَةِ، كَالزَّكَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالنَّفَقَاتِ الْمُقَدَّرَةِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (4)، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ منه طرف (5).
فإذن لَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ الْقَوْلُ فِي هَذَا القسم بأنه بدعة دون أن يقسم الأمر في ذلك.
وَأَمَّا قِسْمُ الْمَنْدُوبِ فَلَيْسَ مِنِ الْبِدَعِ بِحَالٍ، ويتبين (6) ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي مَثَّلَ لَهَا (7) فصلاة (8) التراويح في رمضان جماعة في المسجد، قد (9) قام بها رسول الله (10) صلى الله عليه وسلم في المسجد، واجتمع الناس خلفه.
(1) تقدم تخريج قوله رضي الله عنه في الباب الأول (ص50)، وسيذكره المؤلف قريباً.
(2)
في هذا تحامل على الإمام القرافي رحمه الله، فإن قوله هو قول شيخه العز بن عبد السلام، والتماس العذر لأحدهما دون الآخر غير مقبول.
(3)
وهو جمع القرآن كما تقدم (ص345).
(4)
وذلك في الباب السابع (2/ 80 ـ 82).
(5)
وذلك (ص54).
(6)
في (م) و (ح) و (ت) و (ط): "وتبيين".
(7)
في (م) و (غ): "بها".
(8)
في (خ) و (ط): "بصلاة".
(9)
في (خ) و (ط): "فقد".
(10)
في (ط): "النبي".
فَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا (2): يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، قَالَ: فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ"، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، وَالنَّاسَ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ (3)، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بنا بقية الشهر. ونحوه في الترمذي قال (4) فيه: حسن صحيح (5).
لكنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَافَ افْتِرَاضَهُ (6) عَلَى الْأُمَّةِ أَمْسَكَ عَنْ (7) ذَلِكَ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (8) صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى الْقَابِلَةَ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثم اجتمعوا من (9) اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ أَوِ الرَّابِعَةَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمُ رسول الله (10) صلى الله عليه وسلم، فلما أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يمنعني من الخروج إلا أني
(1) زاد ناسخ (غ) بعض الكلمات هنا ثم عاد إلى رواية الحديث كما هو هنا.
(2)
في (غ): "فقلت".
(3)
في (ط): "السجود".
(4)
في (ط): "وقال".
(5)
رواه الإمام الترمذي في كتاب الصوم من سننه، باب ما جاء في قيام شهر رمضان عن أبي ذر رضي الله عنه، وقال: حسن صحيح، وهو برقم (806)(3/ 169) والإمام أبو داود في كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان برقم (1375)(2/ 51)، والإمام النسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار من سننه، باب قيام شهر رمضان (3/ 202)، والإمام ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام شهر رمضان برقم (1327)(1/ 420)، والإمام أحمد في المسند (5/ 159 ـ 160)، والإمام الدارمي في كتاب الصوم من سننه، باب في فضل قيام شهر رمضان (1777)(2/ 42)، والإمام البيهقي في سننه (2/ 494)، وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع برقم (1615).
(6)
في (ت): "على افتراضه".
(7)
ساقطة من (غ).
(8)
في (ط): "أن النبي".
(9)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(10)
في (ط): "فلم يخرج إليهم النبي".
خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ (1) عَلَيْكُمْ" (2)، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، وَخَرَّجَهُ (3) مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. فَتَأَمَّلُوا، فَفِي هَذَا (4) الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا سُنَّةً، فَإِنَّ قِيَامَهُ أَوَّلًا (5) بِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَامِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً فِي رَمَضَانَ، وَامْتِنَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْخُرُوجِ خَشْيَةَ الِافْتِرَاضِ لَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ مُطْلَقًا، لِأَنَّ زَمَانَهُ كَانَ زَمَانَ وَحْيٍ وَتَشْرِيعٍ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ إِذَا عَمِلَ بِهِ النَّاسُ بِالْإِلْزَامِ، فَلَمَّا زَالَتْ عِلَّةُ التَّشْرِيعِ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى أَصْلِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْجَوَازُ، فَلَا نَاسِخَ لَهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يُقِمْ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِأَحَدِ أمرين:
إما لأنه رأى من (6) قيام الناس في (7) آخر الليل، وقوتهم (8) عليه ما (9) كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَهُ مِنْ جَمْعِهِمْ عَلَى إِمَامٍ أَوَّلَ اللَّيْلِ. ذَكَرَهُ الطَّرْطُوشِيُّ (10).
وَإِمَّا لِضِيقِ زَمَانِهِ رضي الله عنه عَنِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ، مَعَ شُغْلِهِ بِأَهْلِ الرِّدَّةِ (11)، وَغَيْرِ ذَلِكَ مما هو أوكد (12) من صلاة التراويح.
(1) في (خ): "يعرض".
(2)
رواه الإمام البخاري في كتاب صلاة التراويح من صحيحه، باب فضل من قام رمضان عن عائشة رضي الله عنها (4/ 250 ـ 251 فتح)، والإمام مسلم في كتاب المسافرين من صحيحه، باب الترغيب في صلاة التراويح (6/ 41 نووي)، والإمام أبو داود في كتاب الصلاة من سننه، باب في قيام شهر رمضان برقم (1373)(2/ 50)، والإمام النسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار من سننه، باب قيام شهر رمضان (3/ 202)، والإمام أحمد في المسند (6/ 182 ـ 183)، والإمام مالك في الموطأ (1/ 113).
(3)
في (غ): "خرجه".
(4)
ساقط من (ر).
(5)
في (خ): "أولى".
(6)
في (خ) و (ت) و (ط): "أن".
(7)
ساقطة من (خ) و (ط) و (ر).
(8)
في (خ) و (ط): "وما هم به عليه"، وفي (ت):"ومن بهم عليه".
(9)
ساقطة من (خ) و (ط).
(10)
تقدمت ترجمة الإمام الطرطوشي (ص285)، وقوله هذا في كتاب الحوادث والبدع (ص134 ـ 135). وقد راعيت في اختيار الألفاظ ما هو أقرب إلى نص الإمام الطرطوشي.
(11)
وكذلك هذا السبب ذكره الإمام الطرطوشي في نفس الموضع السابق.
(12)
في (ت) و (غ) و (ر): "آكد".
فلما تمهد الإسلام في زمان (1) عُمَرَ رضي الله عنه، وَرَأَى النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْزَاعًا (2) كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، قَالَ: لَوْ جُمِعَتِ النَّاسُ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، فَلَمَّا تَمَّ لَهُ ذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُمْ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، ثُمَّ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَإِقْرَارِهِ (3)، وَالْأُمَّةُ لَا تجتمع على ضلالة.
وقد نص الأصوليون على (4) أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ (5)(6).
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ سَمَّاهَا عُمَرُ رضي الله عنه بِدْعَةً، وَحَسَّنَهَا بِقَوْلِهِ:(نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هذه)(7)، وإذا ثبتت (8) بدعة ما (9) مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الشَّرْعِ ثَبَتَ مُطْلَقُ الِاسْتِحْسَانِ فِي البدع (10).
فالجواب (11): أنه (12) إِنَّمَا سَمَّاهَا بِدْعَةً بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحَالِ، مِنْ حَيْثُ تَرَكَهَا رَسُولُ (اللَّهِ صَلَّى)(13) اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّفَقَ أَنْ لَمْ تَقَعْ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، لَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَمَنْ سَمَّاهَا بِدْعَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَلَا مُشَاحَةَ فِي الْأَسَامِي، وَعِنْدَ ذَلِكَ لا (14) يَجُوزُ (15) أَنْ (16) يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى جَوَازِ الِابْتِدَاعِ بِالْمَعْنَى الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ، لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ تَحْرِيفِ
(1) في (خ) و (ط): "زمن".
(2)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "أوزاع: بسكون الواو بعدها زاي أي جماعة متفرقون". (4/ 250). وانظر الصحاح (3/ 1297).
(3)
جزء من هذه الكلمة واقع في البياض في نسخة (ت).
(4)
ساقطة من (خ) و (ط).
(5)
بياض في (ت).
(6)
انظر في هذه المسألة: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/ 322 ـ 325)، والرسالة للشافعي (472)، أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي (1/ 586)، أصول الفقه للشيخ أبي زهرة (ص208).
(7)
تقدم تخريجه (ص50).
(8)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "ثبت".
(9)
زيادة في (غ) و (ر).
(10)
في (غ) و (ر): "الفدع".
(11)
جزء من الكلمة في البياض في نسخة (ت).
(12)
ساقطة من (خ) و (ط).
(13)
بياض في (ت).
(14)
في (خ) و (ط): "فلا".
(15)
بياض في (ت).
(16)
بياض في (ت).
الْكَلِمِ (1) عَنْ مَوَاضِعِهِ. فَقَدْ (2) قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: (إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (3) ليدع العمل وهو يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ به الناس فيفرض عليهم) (4)(5).
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوِصَالِ (6) رَحْمَةً بِالْأُمَّةِ، وَقَالَ:"إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي (7) أَبِيتُ (8) عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي"(9).
وَوَاصَلَ النَّاسُ بَعْدَهُ لعلمهم بوجه العلة (10) في (11) النَّهْيِ (12) حَسْبَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(1) جزء من الكلمة في البياض في نسخة (ت).
(2)
في (غ) و (ر): "وقد".
(3)
بياض في (ت).
(4)
جزء من الكلمة في البياض في نسخة (ت).
(5)
رواه الإمام البخاري في كتاب التهجد من صحيحه، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل (3/ 10)، والإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين من صحيحه، باب استحباب صلاة الضحى (5/ 228 ـ 229)، والإمام أبو داود في كتاب الصلاة من سننه، باب صلاة الضحى برقم (1293)(2/ 28)، والإمام أحمد في المسند (6/ 34 ـ 35، 168، 170).
(6)
الوصال هو صوم يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما. انظر شرح مسلم للنووي (7/ 211).
(7)
بياض في (ت).
(8)
جزء من الكلمة في البياض في نسخة (ت).
(9)
رواه الإمام البخاري في كتاب الصوم من صحيحه، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام عن عائشة رضي الله عنها (4/ 202)، والإمام مسلم في كتاب الصيام من صحيحه، باب النهي عن الوصال (7/ 211)، والإمام أحمد في مسنده (3/ 8)، والإمام مالك في الموطأ في كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال (1/ 301).
(10)
في (ط): "علة".
(11)
ساقطة من (ط).
(12)
لا يفهم من هذا أن جميع الناس قد واصلوا، بل الوصال مختلف في حكمه، فمن الناس من يرى جوازه، وهو مروي عن ابن الزبير وغيره من السلف، ومنهم من يراه غير جائز، وهو مروي عن مالك وأبي حنيفة والشافعي والثوري رحمهم الله، ومنهم من يرى أنه يجوز من السحر إلى السحر، وهو مروي عن أحمد وإسحاق. انظر هذه الأقوال وأدلتها في زاد المعاد لابن القيم (2/ 35 ـ 38)، شرح مسلم للنووي (7/ 211 ـ 212)، فتح الباري لابن حجر (4/ 204 ـ 205).
وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ مِنْ (1) جُمْلَةِ الْأَمْثِلَةِ: إِقَامَةُ صُوَرِ الأئمة والقضاة، إلى آخر مَا قَالَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ (2) مِنْ قَبِيلِ الْبِدَعِ بِسَبِيلٍ:
أَمَّا أَوَّلًا: فَإِنَّ التَّجَمُّلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَالْمَنَاصِبِ الرَّفِيعَةِ مَطْلُوبٌ، وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةٌ يَتَجَمَّلُ بِهَا لِلْوُفُودِ، وَمِنَ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ أَهْيَبُ وَأَوْقَعُ في النفوس، (وأحرى بحصول)(3)(التَّعْظِيمَ فِي الصُّدُورِ)(4)، وَمِثْلُهُ التَّجَمُّلُ لِلِقَاءِ (5) الْعُظَمَاءِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَشَجِّ (6) عَبْدِ الْقَيْسِ (7).
وَأَمَّا ثَانِيًا: فَإِنْ سَلَّمْنَا أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، فَهُوَ مِنْ (8) قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الشَّرْعِ (9).
وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ، وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ، فَلَيْسَ فِيهِ تَفْخِيمُ صُورَةِ الْإِمَامِ وَلَا عَدَمُهُ، بَلْ فَرَضَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ خَاصَّةً، وَإِلَّا فَنِصْفُ شَاةٍ لِبَعْضِ الْعُمَّالِ قَدْ لَا يَكْفِيهِ لِكَثْرَةِ عيال، وطروق
(1) في (ط): "مي".
(2)
ساقطة من (غ).
(3)
ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(4)
ما بين المعكوفين كتب في (خ) و (ط): "من تعظيم العظماء".
(5)
في (خ) و (ت): "لالقاء".
(6)
في (م): "الشيخ"، وفي (ت):"اشيخ".
(7)
يشير المؤلف إلى حديث زارع، وكان في وفد عبد القيس، قال: لما قدمنا المدينة فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله، قال: وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته، فلبس ثوبيه، ثم أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ له:"إن فيك خلتين يحبهما الله: الحلم والأناة"، قال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: "بل الله جبلك عليهما" قل الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله. رواه الإمام أبو داود، واللفظ له، في كتاب الأدب، باب في قبلة الجسد برقم (5224)(4/ 358)، والإمام ابن ماجه في كتاب الزهد من سننه، باب الحلم برقم (4187)(2/ 1401) والإمام أحمد في المسند (4/ 206)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3/ 181) دون قوله:"إن فيك .. " فإنها في صحيح مسلم عن ابن عباس في كتاب الإيمان من صحيحه، باب ذكر وفد عبد القيس (1/ 189)، والإمام الترمذي في كتاب البر والصلة من سننه، باب ما جاء في التأني والعجلة برقم (2011)(4/ 322).
(8)
ساقطة من (م).
(9)
تقدم القول بإثباتها (ص50).
ضَيْفٍ، وَسَائِرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ لِبَاسٍ وَرُكُوبٍ وَغَيْرِهِمَا، فَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ أَكْلِ الشَّعِيرِ فِي الْمَعْنَى، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لَا تَجَمُّلَ فِيهِ (1) بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظُّهُورِ لِلنَّاسِ.
وَقَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمَةً، وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ (2)) مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّأَمُّلِ، فَفِيهِ ـ عَلَى الْجُمْلَةِ ـ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ فِي (3) آخِرِ الْفَصْلِ (الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ في الابتداع) مع ما ذكر قبله.
فإن هذا (4) كَلَامٌ يَقْتَضِي أَنَّ الِابْتِدَاعَ شَرٌّ كُلُّهُ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ فَرْضِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَجِبُ، وَإِذَا وجبت لزم العمل بها، وهي كما قال تتضمن (5) الشَّرِّ كُلِّهِ، فَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا الْأَمْرُ بِهَا، والأمر بتركها، ولا يمكن فيها (6) الِانْفِكَاكُ ـ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ ـ لِأَنَّ الْوُقُوعَ يَسْتَلْزِمُ الِاجْتِمَاعَ (7)، وَلَيْسَا كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ (8)، لِأَنَّ الِانْفِكَاكَ فِي الْوُقُوعِ مُمْكِنٌ، وَهَاهُنَا إِذَا وَجَبَتْ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى (9) الْخُصُوصِ، وَقَدْ فَرَضَ أَنَّ الشَّرَّ فِيهَا عَلَى الْخُصُوصِ فَلَزِمَ التَّنَاقُضَ.
وَأَمَّا عَلَى التَّفْصِيلِ، فَإِنَّ تَجْدِيدَ الزَّخَارِفِ فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ مَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا السِّيَاسَاتُ، فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ فَلَيْسَتْ بِبِدَعٍ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُنْدَبُ إِلَيْهَا (10)؟ وَهِيَ مَسْأَلَةُ النِّزَاعِ.
وَذَكَرَ فِي قِسْمِ (11) الْمَكْرُوهِ أَشْيَاءَ هِيَ مِنْ قَبِيلِ (الْبِدَعِ في)(12) الجملة
(1) ساقطة من (غ).
(2)
في (خ) و (ت): "الأموال".
(3)
ساقطة من (م) و (ت) و (غ).
(4)
في (خ) و (ط): "فهذا".
(5)
عبارة (م) و (خ) و (ت) و (ط): "لما باتت ضمن".
(6)
في (ط) و (غ): "فيهما".
(7)
في (غ): "الإجماع".
(8)
العبارة في (ت): "وليسا كالدار المغصوبة".
(9)
جزء منها في البياض في نسخة (ت).
(10)
جزء منها في البياض في نسخة (ت).
(11)
في (غ): "القسم".
(12)
بعض أجزاء الكلمتين واقع في البياض في نسخة (ت).
وَلَا كَلَامَ فِيهَا، أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ عَلَى الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ (أَنْ لَا)(1) يُزَادَ فِيهَا، وَلَا يُنْقَصَ مِنْهَا (2)، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فيها (3)، والنقصان منها (4) بدع منكرة، ممآلاتها (5) وَذَرَائِعُهَا يُحْتَاطُ بِهَا فِي جَانِبِ النَّهْيِ.
وَذَكَرَ فِي قِسْمِ الْمُبَاحِ مَسْأَلَةَ الْمَنَاخِلِ، وَلَيْسَتْ ـ فِي الْحَقِيقَةِ ـ مِنَ الْبِدَعِ بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ التَّنَعُّمِ، وَلَا يُقَالُ فِيمَنْ تَنَعَّمَ بِمُبَاحٍ: إِنَّهُ قَدِ ابْتَدَعَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ ـ إِذَا اعْتُبِرَ ـ إِلَى جِهَةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَأْكُولِ، لِأَنَّ الْإِسْرَافَ كَمَا يَكُونُ فِي جِهَةِ الْكَمِّيَّةِ، كَذَلِكَ (6) يَكُونُ فِي جِهَةِ الْكَيْفِيَّةِ، فَالْمَنَاخِلُ لَا تَعْدُو (7) الْقِسْمَيْنِ، فإن كان الإسراف مما له (8) بال (9) كُرِهَ (10)، وَإِلَّا اغْتُفِرَ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الْجَوَازُ.
وَمِمَّا يَحْكِيهِ أَهْلُ التَّذْكِيرِ مِنَ الْآثَارِ أَنَّ (11) أَوَّلَ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: الْمَنَاخِلُ، والشبع، وغسل اليد (12) بالأُشْنَان (13) بَعْدَ الطَّعَامِ، وَالْأَكْلُ عَلَى الْمَوَائِدِ.
وَهَذَا كُلُّهُ ـ إِنْ ثَبَتَ نَقْلًا ـ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فَلَا نُسَلِّمُ (14) أَنَّهَا مُبَاحَةٌ، بَلْ هِيَ ضلالة ومنهي عنها، ولكنا لا نقول (15) بذلك.
(1) بياض في (ت).
(2)
في (م) و (ت): "فيها".
(3)
ساقطة من (م) و (ت) و (غ) و (ر).
(4)
في (م) و (ت) و (غ) و (ر): "فيها".
(5)
جزء من الكلمة في البياض في نسخة (ت) و (غ)، وفي (م) و (ط):"فحالاتها".
(6)
زيادة في (م).
(7)
في (غ) و (ر): "لا تعدى".
(8)
في (ط): "من ماله".
(9)
ساقطة من (خ) و (ط).
(10)
في (خ) و (ط): "فإن كره"، وفي (ت):"اكره".
(11)
ساقطة من (م) و (ت) و (غ) و (ر).
(12)
في (خ) و (ط): "اليدين".
(13)
الأشنان والإشنان من الحمض، الذي يغسل به الأيدي. لسان العرب (13/ 18).
(14)
في (ط): "لسلم".
(15)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "نقول" بدون "لا".