الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
لَا يَخْلُو الْمَنْسُوبُ إِلَى الْبِدْعَةِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِيهَا أَوْ مُقَلِّدًا. وَالْمُقَلِّدُ إِمَّا مُقَلِّدٌ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي زَعَمَهُ الْمُجْتَهِدُ دَلِيلًا، وَالْأَخْذُ فِيهِ بِالنَّظَرِ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ لَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ كَالْعَامِّيِّ الصِّرْفِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَصِحَّ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا، فَالِابْتِدَاعُ مِنْهُ لَا يَقَعُ إِلَّا فَلْتَةً، وَبِالْعَرَضِ لَا بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى غَلْطَةً أَوْ زَلَّةً، لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَقْصِدْ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ، وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ، أَيْ لَمْ يَتَّبِعْ هَوَاهُ، وَلَا جَعَلَهُ عُمْدَةً (1). وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ أَذْعَنَ لَهُ، وَأَقَرَّ بِهِ.
وَمِثَالُهُ: مَا يُذْكَرُ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ (2) بْنِ مَسْعُودٍ (3) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالْإِرْجَاءِ (4) ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ:
وَأَوَّلُ مَا أُفَارِقُ غَيْرَ شك (5)
أفارق ما يقول المرجئونا (6)
(1) في (غ) و (ر): "عمدته".
(2)
ساقطة من (ت).
(3)
هو عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مسعود الإمام، القدوة، العابد أبو عبد الله الهذلي الكوفي، أخو فقيه المدينة عبيد الله. حدث عن أبيه، وأخيه، وابن المسيب، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو وطائفة، وحدث عنه أبو حنيفة، ومسعر، والمسعودي، وآخرون، وثقه أحمد وغيره، توفي سنة بضع عشرة ومائة.
انظر: طبقات ابن سعد (6/ 313)، تاريخ البخاري (7/ 13)، تهذيب التهذيب (8/ 171)، السير (5/ 103).
(4)
تقدمت ترجمة المرجئة (ص27).
(5)
في (ط): "شاك". والمثبت هو الذي في جميع النسخ، وهو المروي عنه.
(6)
في (م) و (ت) و (ط): "المرجئون"، وكتب في هامش (خ):"المرجئيون".
وقد ذكر هذا البيت عنه الإمام المزي في تهذيب الكمال (22/ 457)، والإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب (8/ 172)، وكلهم يذكر رجوعه عن الإرجاء.
وَذَكَر مُسْلِمٌ (1) عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُهَيْبٍ الْفَقِيرِ (2) قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ، فَخَرَجْنَا (3) فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ، ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ. قَالَ: فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله يحدث القوم ـ جَالِسٌ (4) إِلَى سَارِيَةٍ ـ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ (5)، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ (6): يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ:{إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (7)، وَ {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} (8)، فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ (9)؟ قَالَ:(فَقَالَ: أَفَتَقْرَأُ)(10) الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ (11): فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ محمد ((ص)؟ ـ يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ) (12) فِيهِ ـ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ (عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يخرج)(13).
قال: ثم نعت وضع الصراط، ومر النَّاسِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَأَخَافُ أَلَّا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَلِكَ (14). قَالَ (15): غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ (16) أَنَّ قوماً يخرجون من النار بعد
(1) وذلك في كتاب الإيمان من صحيحه (3/ 50 ـ 52 بشرح النووي).
(2)
هو يزيد بن صهيب الفقير أبو عثمان الكوفي، ثقة مقل، حدث عن ابن عمر وجابر وأبي سعيد الخدري، وحدث عنه الحكم وعبد الكريم الجزري ومسعر وعده، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ أَبُو حاتم صدوق، لقب بالفقير، لأنه اشتكى فقار ظهره، وهو من كبار شيوخ أبي حنيفة.
انظر: التارخ الكبير (8/ 342)، السير (5/ 227)، الكاشف للذهبي (3/ 245)، تقريب التهذيب (2/ 366).
(3)
في (ت): "خرجنا".
(4)
في صحيح مسلم "جالساً"، ونصبها على الحال، وبالرفع على الخبرية.
(5)
في (ط): "لجهنميين"، وهم الذين يخرجهم الله من النار بعد أن كانوا فيها.
(6)
ساقطة من (ت).
(7)
سورة آل عمران: آية (192).
(8)
سورة السجدة: آية (20).
(9)
في (غ) و (ر): "تقول".
(10)
ما بين المعكوفين مطموس في (ت).
(11)
في (غ): "فقال".
(12)
ما بين المعكوفين مطموس في (ت).
(13)
ما بين المعكوفين مطموس في (ت)، وفي (ط):"من يخرج من النار"، والزيادة في هامش (خ) أيضاً، والمثبت هو الموافق لما في صحيح مسلم أيضاً.
(14)
في (ر): "ذاك".
(15)
ساقطة من (ر).
(16)
زعم هنا بمعنى قال كما قال النووي في شرح مسلم (3/ 51).
أَنْ يَكُونُوا (1) فِيهَا. قَالَ: يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ (2)، فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ (3).
فَرَجَعْنَا وَقُلْنَا (4): وَيْحَكُمْ! أَتَرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟! فَرَجَعْنَا فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ (5) مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، أَوْ كَمَا قَالَ (6).
وَيَزِيدُ الْفَقِيرُ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ (7)، وَأَبُو زُرْعَةَ (8)، وَقَالَ أبو حاتم (9): صدوق (10)، وخرج عنه البخاري.
(1) في (ط): "يونوا".
(2)
قال الإمام النووي في شرح مسلم عن السماسم: "وهو هذا السمسم المعروف الذي يستخرج منه الشيرج. قال ابن الأثير: معناه والله أعلم أن السماسم جمع سمسم، وعيدانه تراها إذا قلعت وتركت في الشمس ليؤخذ حبها دقاقاً سوداً كأنها محترقة، فشبه بها هؤلاء
…
" صحيح مسلم بشرح النووي (3/ 51).
(3)
قال الإمام النووي: القراطيس جمع قرطاس بكسر القاف وضمها لغتان، وهو الصحيفة التي يكتب فيها. شبههم بالقراطيس لشدة بياضهم بعد اغتسالهم، وزوال ما كان عليهم من السواد. صحيح مسلم بشرح النووي (3/ 52).
(4)
في (غ) و (ر): "قلنا".
(5)
في (غ) و (ر): "لا يخرج".
(6)
في صحيح مسلم: أو كما قال أبو نعيم. قال الإمام النووي: المراد بأبي نعيم الفضل بن دكين بضم الدال المهملة المذكور في أول الإسناد، وهو شيخ شيخ مسلم، وهذا الذي فعله أدب معروف من آداب الرواه، وهو أنه ينبغي للراوي إذا روى بالمعنى أن يقول عقب روايته أو كما قال احتياطاً وخوفاً من تغيير حصل. صحيح مسلم بشرح النووي (3/ 52).
(7)
هو يحيى بن معين بن عون الغطفاني، مولاهم، أبو زكريا البغدادي، إمام المحدثين، وإمام الجرح والتعديل، فضائله كثيرة، توفي سنة 223هـ.
انظر: التاريخ الكبير (8/ 307)، تقريب التهذيب لابن حجر (2/ 358). الكاشف للذهبي (3/ 235).
(8)
هو عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري، أبو زرعة الدمشقي محدث الشام، ثقة، حافظ، مصنف، مات سنة 281هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 311)، تقريب التهذيب (1/ 493)، الكاشف (2/ 158).
(9)
هو محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي الغطفاني، كان شيخ المحدثين، وكان من بحور العلم، جمع وصنف، وجرح وعدل، وكان إماماً حافظاً. توفي سنة 277هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 247)، تقريب التهذيب (2/ 143، الكاشف (3/ 16).
(10)
انظر: كلام الأئمة فيه ضمن ترجمته (ص276).
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ (1) كَانَ مِنْ ثقات (2) أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ بِالسُّنَّةِ، إِلَّا أَنَّ النَّاسَ رَمَوْهُ بِالْبِدْعَةِ بِسَبَبِ قَوْلٍ حُكِيَ عَنْهُ، مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ مُصِيبٌ، حَتَّى كَفَّرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (3) وَغَيْرُهُ. وَحَكَى الْقُتَيْبِيُّ (4) عَنْهُ (5) كَانَ يَقُولُ:"إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ، فَالْقَوْلُ بِالْقَدَرِ صَحِيحٌ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَالْقَوْلُ بِالْإِجْبَارِ صَحِيحٌ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا فَهُوَ مُصِيبٌ (6)، لِأَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ رُبَّمَا دَلَّتْ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (7) "(8).
وَسُئِلَ يَوْمًا عَنْ أَهْلِ الْقَدَرِ وَأَهْلِ الْإِجْبَارِ، فقال (9):"كُلٌّ مُصِيبٌ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ عَظَّمُوا اللَّهَ، وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ نَزَّهُوا اللَّهَ". قَالَ: "وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْأَسْمَاءِ، فَكَلُّ مَنْ سَمَّى الزَّانِيَ مُؤْمِنًا فَقَدْ أصاب، ومن سماه كافراً فقد
(1) هو عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر العنبري البصري، قاضي البصرة ثقة فقيه، روى عن الجريري وطبقته، وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي وطائفة ولكن عابوا عليه مسألة تكافؤ الأدلة. مات سنة 168هـ.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري (5/ 376 ـ 377)، طبقات ابن سعد (7/ 285)، تقريب التهذيب لابن حجر (1/ 531)، الكاشف للذهبي (2/ 197)، تهذيب التهذيب (7/ 7).
(2)
في (خ) و (ت) و (ط): "ثقة".
(3)
لم يتبين لي المراد به، هل هو ابن العربي أو الباقلاني أو غيرهما؟
(4)
هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل المروزي، ويقال القتيبي والقتبي، الكاتب الكبير، صاحب التصانيف، نزل بغداد وصنف وجمع وبعد صيته، قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة ديناً فاضلاً، من تصانيفه غريب القرآن، وغريب الحديث والمعارف، وكتاب مشكل القرآن، وكان رأساً في علم اللسان العربي. توفي سنة 276هـ.
انظر: السير (13/ 296)، تاريخ بغداد للخطيب (10/ 170)، شذرات الذهب (2/ 169).
(5)
ساقطة من جميع النسخ عدا (ر).
(6)
في تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة "ومن قال بهذا فهو مصيب، ومن قال بهذا فهو مصيب".
(7)
ساقطة من (ت).
(8)
تتمة الجملة عند ابن قتيبة "واحتملت معنيين متضادين".
(9)
ساقطة من (م) وأصل (خ)، وفي هامش (خ):"قال". والمثبت هو ما في (ت) وهو كذلك عند ابن قتيبة.
أَصَابَ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ فَقَدْ أَصَابَ (1)، وَمَنْ قَالَ: هُوَ كَافِرٌ وَلَيْسَ بِمُشْرِكٍ فَقَدْ أَصَابَ (2)، لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي".
قَالَ: "وَكَذَلِكَ السُّنَنُ الْمُخْتَلِفَةُ، كَالْقَوْلِ بِالْقُرْعَةِ وَخِلَافِهِ، وَالْقَوْلِ بِالسِّعَايَةِ وَخِلَافِهِ، وَقَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَبِأَيِّ ذَلِكَ أَخَذَ الْفَقِيهُ فَهُوَ مُصِيبٌ". قَالَ: "وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الْقَاتِلَ فِي النَّارِ كَانَ مُصِيبًا، (وَلَوْ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ كان مصيباً) (3)، ولو وقف فيه (4) وَأَرْجَأَ أَمْرَهُ كَانَ مُصِيبًا إِذَا (5) كَانَ إِنَّمَا (6) يُرِيدُ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَبَّدَهُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ عليه علم المغيب (7) "(8).
قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ (9): أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْن أَبِي شَيْخٍ (10)، قَالَ: "كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الحسن بن الحصين (11) بن أبي الحر يعني (12) العنبري البصري
(1) وفي تأويل مختلف الحديث زيادة، وهي:"ومن قال: هو منافق وليس بمؤمن ولا كافر فقد أصاب".
(2)
زاد ابن قتيبة: "ومن قال: هو كافر مشرك فقد أصاب".
(3)
ما بين المعكوفين ساقط من (غ).
(4)
زيادة في (غ) و (ر).
(5)
في تأويل مختلف الحديث "إذ".
(6)
ساقطة من (غ).
(7)
في (م) و (ت) و (ط): "الغيب"، والمثبت هو ما في (خ) و (غ)، وهو كذلك في تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة.
(8)
ذكر هذا الخبر بطوله الإمام ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص46 ـ 47). ثم قال الإمام ابن قتيبة: "وكان يقول في قتال علي لطلحة والزبير وقتالهما له: إن ذلك كله طاعة لله تعالى".
ثم قال: "وفي هذا القول من التناقض والخلل ما ترى، وهو رجل من أهل الكلام والقياس وأهل النظر". (ص47).
(9)
هو الحافظ الكبير المجود أحمد بن أبي خيثمة صاحب التاريخ الكبير، سمع أباه زهير بن حرب، وأبا نعيم، وأحمد بن حنبل، وكان ثقة عالماً متقناً حافظاً بصيراً بأيام الناس، راوية للأدب، مات سنة 279هـ وقد بلغ أربعاً وتسعين سنة.
انظر: تاريخ بغداد (4/ 162)، سير أعلام النبلاء (11/ 492)، لسان الميزان (1/ 174).
(10)
لم أجد ترجمته.
(11)
في (ط): "الحسين" وهو غلط.
(12)
المثبت من (غ) و (ر) وفي بقية النسخ "الحريقي"، حيث دمجت الكلمتين.
اتهم بأمر عظيم، روي عَنْهُ كَلَامٌ رَدِيءٌ" (1).
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا الكلام (2) الَّذِي ذَكَرَهُ (3) ابْنُ أَبِي شَيْخٍ عَنْهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الصواب، وقال:"إذا أرجع وأنا صاغر (4)، وَلِأَنْ (5) أَكُونَ ذَنَبًا فِي الْحَقِّ، أَحَبُّ إِلَيَّ من (6) أن أكون (7) رأساً في الباطل"(8). انتهى.
فَإِنْ ثَبَتَ عَنْهُ مَا قِيلَ فِيهِ، فَهُوَ عَلَى جِهَةِ الزَّلَّةِ مِنَ الْعَالِمِ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْهَا رُجُوعَ الْأَفَاضِلِ إِلَى الْحَقِّ، لِأَنَّهُ بِحَسَبِ ظَاهِرِ حَالِهِ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ إِنَّمَا اتَّبَعَ ظَوَاهِرَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَلَمْ (9) يَتَّبِعْ عَقْلَهُ، وَلَا صَادَمَ الشَّرْعَ بِنَظَرِهِ، فَهُوَ أقرب إلى (10) مُخَالَفَةِ الْهَوَى. وَمِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ وفق للرجوع (11) إلى الحق.
وكذلك يزيد الفقير (12) فيما ذكر عَنْهُ، لَا كَمَا عَارَضَ الْخَوَارِجَ عَبْدُ اللَّهِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه، إِذْ طَالَبَهُمْ بِالْحُجَّةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:"لَا تُخَاصِمُوهُ فَإِنَّهُ مِمَّنْ قَالَ الله (13) فيه: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (14) "(15)،
(1) نقل هذا القول الإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب (7/ 8).
(2)
ساقطة من (خ) و (ط).
(3)
في (غ) و (ر): "ذكر".
(4)
في (م): "وأنا أصاغر"، وفي (ت):"أرجع أصاع"، وفي (خ):"وأنا أصاغ"، وقد كتب فوق الكلمة رقم (3) وكتب في الهامش بإزائها "وأنا من الأصاغر"، والمثبت من (غ) و (ر).
(5)
الواو ساقطة من (م) و (غ).
(6)
ساقطة من (ط).
(7)
ساقطة من (م).
(8)
ذكر رجوعه إلى الصواب الإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب (7/ 8)، وعزاه إلى محمد بن إسماعيل الأزدي في ثقاته، وأما قوله:"إذا أرجع وأنا من الأصاغر"، فذكره أيضاً، ولكن في مسألة وقعت بينه وبين ابن مهدي.
انظر: تهذيب التهذيب (7/ 7)، تهذيب الكمال (19/ 25).
(9)
في (م) و (غ): "لم" بدون الواو.
(10)
في جميع النسخ (من) عدا (غ) و (ر).
(11)
في (م) و (خ) و (ط) و (غ): "إلى الرجوع".
(12)
تقدمت ترجمته وخبره (ص276).
(13)
لم يكتب لفظ الجلالة في أصل (ت)، وإنما كتب في هامشها.
(14)
سورة الزخرف: آية (58).
(15)
تقدم بيان مواضع هذه المناظرة (ص236) هامش (2)، إلا أن المؤلف هناك ذكرها=
فَرَجَّحُوا الْمُتَشَابِهَ عَلَى الْمُحْكَمِ، وَنَاصَبُوا بِالْخِلَافِ السَّوَادَ الأعظم.
وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَصِحَّ بِمِسْبَارِ (1) الْعِلْمِ أَنَّهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَهُوَ الْحَرِيُّ بِاسْتِنْبَاطِ مَا خَالَفَ الشَّرْعَ كَمَا تَقَدَّمَ، إِذْ قَدِ اجْتَمَعَ لَهُ مَعَ الْجَهْلِ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْهَوَى الْبَاعِثُ عَلَيْهِ في الأصل، وهوى (2) التَّبَعِيَّةُ، إِذْ قَدْ (3) تَحْصُلُ لَهُ مَرْتَبَةُ الْإِمَامَةِ وَالِاقْتِدَاءِ، وَلِلنَّفْسِ (4) فِيهَا مِنَ اللَّذَّةِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ يَعْسُرُ خُرُوجُ حُبِّ الرِّئَاسَةِ مِنَ الْقَلْبِ إِذَا انْفَرَدَ، حَتَّى قَالَ الصُّوفِيَّةُ:(حب الرئاسة آخر ما يخرج من رؤوس (5) الصِّدِّيقِينَ)، فَكَيْفَ (6) إِذَا انْضَافَ إِلَيْهِ الْهَوَى مِنْ أَصْلٍ، وَانْضَافَ إِلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ دَلِيلٌ ـ فِي ظَنِّهِ ـ شَرْعِيٌّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، فيتمكن (7) الهوى من القلب (8)(9) تَمَكُّنًا لَا يُمْكِنُ فِي الْعَادَةِ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ، وَجَرَى مِنْهُ مَجْرَى الكَلَبِ (10) مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْفِرَقِ (11). فَهَذَا النَّوْعُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ آثِمٌ فِي ابْتِدَاعِهِ إِثْمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ مِنَ الشِّيعَةِ (12) تَذْهَبُ إِلَى وَضْعِ خَلِيفَةٍ دُونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَزَعُمُ أَنَّهُ مِثْلُ النبي في العصمة، بناء على أصل لهم متوهم،
=مثالاً لمن يتوب من البدع، وهنا على العكس، وقد تاب عدد كبير منهم بعد هذه المناظرة، فالمؤلف جعل التائبين منهم مثالاً على إمكان توبة المبتدع إذا كانت بدعته بسبب اجتهاد خاطئ، كما جعل المعرضين منهم مثالاً على عدم إمكان توبة المبتدع إذا اتبع هواه وعارض الأدلة.
(1)
ساقطة من (ت). والمسبار هو ما يسبر به الجرح.
انظر: الصحاح (2/ 675).
(2)
في (خ) و (ط): "وهو".
(3)
ساقطة من (غ) و (ر).
(4)
في (خ) و (ط): "والنفس".
(5)
في (ط): "قلوب".
(6)
في (ط): "فكيك".
(7)
في (خ) و (ت) و (ط): "فيمكن".
(8)
في (ط): "قلبه".
(9)
كتب في (م) في هذا الموضع: "إذا انفرد حتى قال الصوفية" وهي إعادة من الناسخ لبعض ما تقدم.
(10)
تقدم بيان المراد به (ص235) ..
(11)
تقدم الحديث وتخريجه (ص235).
(12)
تقدم التعريف بهم (ص23).
فَوَضَعُوهُ عَلَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ أَبَدًا مُفْتَقِرَةٌ إِلَى شَرْحٍ (1) وَبَيَانٍ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، إِمَّا بِالْمُشَافَهَةِ أَوْ بِالنَّقْلِ مِمَّنْ شَافَهَ الْمَعْصُومَ (2).
وَإِنَّمَا وَضَعُوا ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُمْ بَادِيَ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَلَا نَقْلِيٍّ، بَلْ (3) بِشُبْهَةٍ زَعَمُوا أَنَّهَا عَقْلِيَّةٌ، وَشُبَهٍ مِنَ النَّقْلِ بَاطِلَةٍ، إِمَّا فِي أَصْلِهَا، وَإِمَّا فِي تَحْقِيقِ مَنَاطِهَا. وَتَحْقِيقُ مَا يَدَّعُونَ وَمَا يُرُدُّ عَلَيْهِمْ بِهِ (4) مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ (5)، وَهُوَ يَرْجِعُ فِي الحقيقة إلى دعاو إذا (6) طُولِبُوا بِالدَّلِيلِ عَلَيْهَا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، إِذْ لَا بُرْهَانَ لَهُمْ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ. وَأَقْوَى شُبَهِهِمْ مَسْأَلَةُ اخْتِلَافِ الْأُمَّةِ (7)، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (8)، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا أُعْطِيَ الْعِصْمَةَ كَمَا أُعْطِيَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، لأنه وارثه (9)، وإلا فكل محق ومبطل (10) يَدَّعِي أَنَّهُ الْمَرْحُومُ، وَأَنَّهُ الَّذِي وَصَلَ إِلَى الْحَقِّ دُونَ مَنْ سِوَاهُ، فَإِنْ طُولِبُوا (11) بِالدَّلِيلِ عَلَى الْعِصْمَةِ لَمْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ مَذْهَبًا يُخْفُونَهُ، وَلَا يُظْهِرُونَهُ إِلَّا لِخَوَاصِّهِمْ، لأنه كفر محض ودعوى بغير برهان (12).
(1) في (م) و (ت) و (خ): "شرع".
(2)
قال الشيخ محمد رشيد رضا معلقاً: "كذا والمعنى إما بالمشافهة من المعصوم، وإما بالنقل ممن أو عمن شافه المعصوم، ولكن الذي ينقل عمن ينقل عن المعصوم مشافهة مثله، مهما تعدد لا تعتبر فيه إلا الثقة بفهمه ونقله، لأن من شافهه كمن شافه من شافههم، كل منهم غير معصوم، فيكتفي منه بالعدالة في الرواية، فلا حاجة إذا إلى غير الرسول من المعصومين، وهو قد بين الشريعة أحسن تبيين".
(3)
في (ط): "بلى".
(4)
ساقطة من (ط).
(5)
في (غ): الأمية، ولا تخلو كتب الفرق والمقالات قديماً وحديثاً من ذكر بدعتهم، وأكاذيبهم، والرد عليها، ومن أشهرها كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، حيث عرض لأدلتهم النقلية والعقلية وأتى عليها من جذورها.
(6)
في (خ) و (ت) و (ط): "وإذا".
(7)
في (غ): "الأمم".
(8)
سورة هود: آيتان (118 ـ 119).
(9)
المثبت من (غ) و (ر)، وفي بقية النسخ:"وارث".
(10)
في (خ) و (ط): "أو مبطل".
(11)
في (خ): "طالبوا".
(12)
والمشهور عن خواصهم إبطان الإلحاد، وإظهار حب آل البيت، ليتستروا به، وإلا=
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (1) فِي كِتَابِ الْعَوَاصِمِ (2): (خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي عَلَى الْفِطْرَةِ (3)، فَلَمْ أَلْقَ فِي طريقي إلا مهتدياً، حتى بَلَغْتُ هَذِهِ الطَّائِفَةَ ـ يَعْنِي (4) الْإِمَامِيَّةَ وَالْبَاطِنِيَّةَ (5) مِنْ فرق الشيعة ـ فهي أول بدعة لقيت، فلو (6) فجأتني بدعة مشتبهة (7) كَالْقَوْلِ بِالْمَخْلُوقِ (8)، أَوْ نَفْيِ الصِّفَاتِ (9)، أَوِ الْإِرْجَاءِ (10) لم آمن الشيطان. فَلَمَّا رَأَيْتُ حَمَاقَاتِهِمْ أَقَمْتُ عَلَى حَذَرٍ، وَتَرَدَّدْتُ فِيهَا (11) عَلَى أَقْوَامٍ أَهْلِ عَقَائِدَ سَلِيمَةٍ، وَلَبِثْتُ بَيْنَهُمْ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ (12)، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ فَوَرَدْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأَلْفَيْتُ فِيهَا (13) ثَمَانِيَ وَعِشْرِينَ حلقة ومدرستين، مدرسة للشافعية (14) بباب الأسباط وأخرى للحنفية، وكان
=فلديهم من العقائد الضالة ما لا يقبله دين الإسلام بحال من الأحوال، كغلوهم في أئمتهم إلي أن أوصلوهم درجة الألوهية، وادعاؤهم تحريف القرآن، وبغضهم للصحابة ولعنهم لهم ـ رضى الله عن الضحابة ـ وعلى الشيعة من الله ما يستحقون.
(1)
تقدمت ترجمته رحمه الله (ص250).
(2)
كتاب العواصم من القواصم من كتب الإمام ابن العربي، ذكر فيه ما حل بالمسلمين من المصائب، وما يعصم الله به المسلمين، وذكر فيه مواقف الصحابة رضي الله عنهم وما وجهه إليهم الأعداء من التهم، فرد عليهم وذب عن الصحابة، وقد ألفه سنة 536هـ، وقد نشره شيخ النهضة الجزائرية عبد الحميد بن باديس في جزئين، معتمداً على نسخة واحدة، ثم نشر الشيخ محب الدين الخطيب ما يتعلق بالصحابة منه، ثم نشره كاملاً، مقارناً على أربع نسخ الأستاذ عمار الطالبي.
(3)
مشطوبة في أصل (م)، ومثبتة في هامشها، وفي (ت):"الفرطة".
(4)
قوله: "يعني الإمامية والباطنية من فرق الشيعة" من كلام المؤلف، وليس من كلام ابن العربي في العواصم، وذلك لأن ابن العربي قد استفتح كلامه بكلام حول مذهبهم، وكذلك قوله:"فهي أول بدعة لقيت" ليست في العواصم.
(5)
تقدم التعريف بالباطنية (ص28).
(6)
في (ط): "ولو".
(7)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "مشبهة".
(8)
لعله يريد القول بخلق القرآن، وهو قول الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والأشاعرة.
(9)
وهو قول المعتزلة ومن تبعهم أيضاً كما مر في التعريف بهم (ص29).
(10)
تقدم الكلام على المرجئة (ص27).
(11)
أي في هذه الأرض، لأنه قد حذف بعض الكلام لابن العربي يدل على ما ذكرت.
(12)
حذف هنا من كلام ابن العربي ما يقارب أربعة أسطر، ذكر فيها ما رأى من الضلالات.
(13)
في كتاب العواصم: "فيه".
(14)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "الشافعية".
فيه (1) من رؤوس العلماء، ورؤوس الْمُبْتَدِعَةِ (2)، وَمِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَثِيرٌ، فَوَعَيْتُ الْعِلْمَ، وَنَاظَرْتُ (3) كُلَّ طَائِفَةٍ بِحَضْرَةِ شَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ الْفِهْرِيِّ (4) وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
ثُمَّ نزلت إلى الساحل لأغراض (5)، وكان مملؤاً مِنْ هَذِهِ النِّحَلِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ، فَطُفْتُ فِي مُدُنِ السَّاحِلِ لِتِلْكَ الْأَغْرَاضِ (6) نَحْوًا مِنْ (7) خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، وَنَزَلْتُ عَكَّا (8)، وَكَانَ رَأْسَ الْإِمَامِيَّةِ بِهَا حِينَئِذٍ (9) أَبُو الْفَتْحِ الْعَكِّيُّ، وَبِهَا مِنْ أَهْلِ السنة شيخ يقال له: الفقيه الدبيقي (10)، فَاجْتَمَعْتُ بِأَبِي الْفَتْحِ فِي مَجْلِسِهِ وَأَنَا ابْنُ الْعِشْرِينَ، فَلَمَّا رَآنِي صَغِيرَ السِّنِّ، كَثِيرَ الْعِلْمِ، مُتَدَرِّبًا (11)، وَلِعَ بِي، وَفِيهِمْ ـ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ ـ انْطِبَاعٌ وَإِنْصَافٌ وَإِقْرَارٌ بِالْفَضْلِ إذا ظهر (12)، فكان لا يفارقني، ويساومني (13)
(1) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "فيها".
(2)
نص كتاب العواصم: "وكان فيه من رؤوس العلماء، ورؤوس المبتدعة، على اختلاف طبقاتهم كثير، ومن أحبار اليهود والنصارى والسمرة جمل لا تحصى، فأوفيت على المقصد من طريقه، ووعيت العلم بتحقيقه، ونظرت إلى كل طائفة تناظر، وناظرتها بحضرة شيخنا أبي بكر الفهري .. ". العواصم (ص61).
(3)
في (ت): "وناظرة"، وكتب بإزائها في الهامش "عله وناظرت".
(4)
هو الإمام العلامة، شيخ المالكية، أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف الفهري الأندلسي الطرطوشي الفقيه، عالم الإسكندرية، لازم القاضي أبا الوليد الباجي، وأخذ عنه مسائل الخلاف، نزل بغداد وبيت المقدس، ثم تحول إلى الثغر، ألف كتاب سراج الملوك للمأمون بن البطائحي، وله كتاب الحوادث والبدع. توفي سنة 520هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 490)، شذرات الذهب (4/ 62)، العبر (4/ 48).
(5)
نص كتاب العواصم: "لأغراض نصصتها في كتاب ترتيب الرحلة، وكان الساحل المذكور مملوءاً من هذه النحل الملحدية، والمذاهب الباطنية، والإمامية .. ". العواصم (ص61).
(6)
في كتاب "العواصم": "الأغراض الدينية".
(7)
في (ط): "مى".
(8)
في (ط): "بعكا"، وفي (ت):"عكى"، وفي معجم البلدان لياقوت الحموي "عكة" بالهاء، وهي بلد على ساحل بحر الشام من عمل الأردن. معجم البلدان لياقوت (4/ 143).
(9)
كتب مكان هذه الكلمة في (ت): "ح".
(10)
في (خ) و (ت) و (ط): "الديبقي".
(11)
في (ر): "مستدرباً".
(12)
في (ت): "ظهر به".
(13)
نص كتاب العواصم: "ويسارعني في السؤال والجدال ولا يفاترني".
الجدال ولا يفاترني (1)، فتكلمت على إبطال (2) مذهب الإمامية، والقول بالتعليم (3) مِنَ الْمَعْصُومِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ.
وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ لِلَّهِ فِي عِبَادِهِ أَسْرَارًا وَأَحْكَامًا، وَالْعَقْلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِدَرْكِهَا، فَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِ إِمَامٍ مَعْصُومٍ (4) فَقُلْتُ لَهُمْ: أَمَاتَ الْإِمَامُ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ لِأَوَّلِ مَا أَمَرَهُ بِالتَّبْلِيغِ أَمْ هُوَ مُخَلَّدٌ؟ فَقَالَ لِي (5): "مَاتَ"، وَلَيْسَ هَذَا بِمَذْهَبِهِ، وَلَكِنَّهُ تَسَتَّرَ مَعِي (6)، فَقُلْتُ: هَلْ خَلَفَهُ أَحَدٌ؟ فَقَالَ: خَلَفَهُ وَصِيُّهُ عَلِيٌّ (7)، قُلْتُ: فَهَلْ قَضَى بِالْحَقِّ وَأَنْفَذَهُ؟ قَالَ: لَمْ يَتَمَكَّنْ لِغَلَبَةِ (8) الْمُعَانِدِ، قُلْتُ: فَهَلْ أَنْفَذَهُ حِينَ قَدَرَ؟ قَالَ: مَنَعَتْهُ التَّقِيَّةُ (9) وَلَمْ تُفَارِقْهُ إِلَى الْمَوْتِ (10)، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَقْوَى تَارَةً، وَتَضْعُفُ أُخْرَى (11)، فَلَمْ يُمْكِنْ إِلَّا المداراة (12) لئلا تنفتح (13) عليه أبواب الاختلال،
(1) في (ت): "يفاتر بي".
(2)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(3)
في جميع النسخ: "التعميم"، عدا نسخة (غ) ففيها المثبت.
(4)
في هذا الموضع كلام لابن العربي يقع في ستة أسطر يتهمهم فيه بأن قولهم راجع إلى القول بالحلول. انظر: العواصم (ص62 ـ 63).
(5)
في (غ): "ما".
(6)
في كتاب العواصم: "ولكنه تستر معي به، وإنما حقيقة مذهبه أن الله سبحانه يحل في كل معصوم، فيبلغ عنه، فالمبلغ هو الله، ولكن بواسطة حلوله في آدمي فقلت هل خلفه .. ". العواصم (ص63).
(7)
في (ت): "عكى".
(8)
في (م) و (ت) و (غ) و (ر): "بغلبه".
(9)
وهي من دين الشيعة، يتسترون بها ليخفوا ما يبطنون من الضلال، وينسبونها إلى أئمتهم، كزعمهم أن جعفر الصادق قال؛ "التقية ديني ودين آبائي"، وقد فسروا بها موقف علي رضي الله عنه مع الخلفاء قبله، وكذلك موقف الحسن مع معاوية رضي الله عنهم.
انظر: كتاب دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين لأحمد الجلي (ص217).
(10)
في العواصم: "ولم تفارقه من يوم العهد إلى يوم الموت". العواصم (ص63).
(11)
في العواصم: "وتضعف أخرى، فلما ولي بقيت من التقية بقية، فلم يمكن إلا المداراة للأصحاب لئلا ينفتح عليه من الاختلال أبواب .. ".
(12)
رسمت في (م) و (خ) و (ت): "المدارات".
(13)
في (م) و (خ) و (ت): ينفتح، وفي (ر):"تنفتح".
قلت وهذه المداراة (1) حَقٌّ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: بَاطِلٌ أَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ. قُلْتُ: فَأَيْنَ الْعِصْمَةُ؟ قَالَ (2): إِنَّمَا تُغْنِي (3) الْعِصْمَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ، قُلْتُ: فَمَنْ بَعْدَهُ إِلَى الْآنَ وَجَدُوا الْقُدْرَةَ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالدِّينُ مُهْمَلٌ، وَالْحَقُّ مَجْهُولٌ مُخْمَلٌ (4)؟ قَالَ: سَيَظْهَرُ، قُلْتُ: بِمَنْ؟ قَالَ: بِالْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ، قُلْتُ: لَعَلَّهُ الدَّجَّالُ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلَّا ضَحِكَ، وَقَطَعْنَا الْكَلَامَ عَلَى غَرَضٍ مِنِّي لِأَنِّي خِفْتُ أَنْ أفحمه (5) فَيَنْتَقِمُ مِنِّي فِي بِلَادِهِ.
ثُمَّ قُلْتُ: وَمِنْ أَعْجَبِ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَوْعَزَ (6) إِلَى مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ فَقَدْ ضَيَّعَ فَلَا عِصْمَةَ لَهُ. وَأَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى ـ عَلَى مَذْهَبِهِ ـ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ إِلَّا بِمُعَلِّمٍ، وَأَرْسَلَهُ عَاجِزًا (7) مضعوفاً (8)، لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ مَا عَلِمَ، فَكَأَنَّهُ مَا عَلَّمَهُ وَمَا بَعَثَهُ. وَهَذَا عَجْزٌ مِنْهُ وَجَوْرٌ، لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِهِمْ (9). فَرَأَوْا مِنَ الكلام ما لا يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَقُومُوا مَعَهُ بِقَائِمَةٍ (10)، وَشَاعَ الْحَدِيثُ، فَرَأَى رَئِيسُ الْبَاطِنِيَّةِ الْمُسَمَّيْنَ بِالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ (11) أَنْ يَجْتَمِعَ مَعِي، فَجَاءَنِي أَبُو الْفَتْحِ إِلَى مَجْلِسِ الْفَقِيهِ الدبيقي، وقال لي (12): إِنَّ رَئِيسَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ رَغِبَ فِي الْكَلَامِ مَعَكَ، فقلت أنا مشغول، فقال: هاهنا (13) مَوْضِعٌ مُرَتَّبٌ (14) قَدْ جَاءَ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَحْرَسُ الطَّبَرَانِيِّينَ، مَسْجِدٌ فِي قَصْرٍ عَلَى الْبَحْرِ، وَتَحَامَلَ عَلَيَّ، فَقُمْتُ مَا بَيْنَ حِشْمَةٍ وَحِسْبَةٍ، وَدَخَلْتُ
(1) رسمت كسابقتها "المدارات".
(2)
ساقطة من (ط).
(3)
في العواصم: "تتعين"، وفي إحدى نسخ العواصم:"تغنى".
(4)
في (ت): "مجمل".
(5)
في (م) و (خ) و (ط): "ألجمه"، والمثبت هو ما في (ت)، وهو كذلك في العواصم.
(6)
في (ط): "أوصى"، وفي (ت):"أعوز أوعز".
(7)
في (خ): كلمة زائدة في هذا الموضع، وكأنها "بمعنى".
(8)
في (خ) و (ت) و (ط): "مضطرباً".
(9)
لأنهم يقولون لا بد من إمام معصوم يرتفع به الخلاف.
(10)
في (ت): "لقائمة".
(11)
تقدم التعريف بهم ضمن الكلام على الباطنية (ص28).
(12)
ساقطة من (ط).
(13)
في (خ) و (ط): "هنا".
(14)
في العواصم: "قريب".
قصر المحرس، وصعدنا (1) إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي زَاوِيَةِ الْمَحْرَسِ الشَّرْقِيَّةِ، فَرَأَيْتُ النُّكْرَ فِي وُجُوهِهِمْ، فَسَلَّمْتُ، ثُمَّ قَصَدْتُ جِهَةَ الْمِحْرَابِ، فَرَكَعْتُ عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ، لَا عَمَلَ لِي فِيهِمَا إِلَّا تَدْبِيرُ الْقَوْلِ مَعَهُمْ، وَالْخَلَاصُ مِنْهُمْ. فَلَعَمْرُ (2) الَّذِي قَضَى عَلَيَّ بِالْإِقْبَالِ إِلَى أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، إِنْ (3) كُنْتُ رَجَوْتُ الْخُرُوجَ من (4) ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَبَدًا، وَلَقَدْ كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الْبَحْرِ يَضْرِبُ فِي حِجَارَةٍ سُودٍ مُحَدَّدَةٍ تَحْتَ طَاقَاتِ الْمَحْرَسِ، فَأَقُولُ: هَذَا قَبْرِي الَّذِي يَدْفِنُونِي فِيهِ، وَأُنْشِدُ فِي سِرِّي:
أَلَا هَلْ إِلَى الدُّنْيَا مَعَادٌ؟ وَهَلْ لَنَا
…
سِوَى الْبَحْرِ قَبْرٌ؟ أَوْ سِوَى (5) الْمَاءِ أَكْفَانُ؟
وَهِيَ كَانَتِ الشِّدَّةَ الرابعة من شدائد عمري التي أَنْقَذَنِي اللَّهُ مِنْهَا. فَلَمَّا سَلَّمْتُ اسْتَقْبَلْتُهُمْ وَسَأَلْتُهُمْ عَنْ أَحْوَالِهِمْ عَادَةً (6)، وَقَدِ اجْتَمَعَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَقُلْتُ: أَشْرَفُ مِيتَةٍ فِي أَشْرَفِ مَوْطِنٍ أُنَاضِلُ فِيهِ عَنِ الدِّينِ. فَقَالَ لِي أَبُو الْفَتْحِ ـ وَأَشَارَ إِلَى فَتًى حَسَنِ الْوَجْهِ ـ: هَذَا سَيِّدُ الطائفة ومقدمها، فدعوت له فسكت، فبدرني وقال: قد بلغتني مجالسك (7)، وانتهى (8) إِلَيَّ كَلَامُكَ، وَأَنْتَ تَقُولُ (9): قَالَ اللَّهُ وَفَعَلَ الله (10)، فَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ؟! أَخْبِرْنِي وَاخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْمَخْرَقَةِ (11) الَّتِي جَازَتْ لَكَ عَلَى هَذِهِ الطَّائِفَةِ (12) الضَّعِيفَةِ (وَقَدِ احْتَدَّ نَفْسًا، وَامْتَلَأَ غَيْظًا، وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهُ لَا يُتِمُّ (13) الْكَلَامَ إِلَّا) (14) وَقَدِ اختطفني أصحابه قبل الجواب
(1) في (م): "وصقنا"، وفي (خ) و (ت) و (ط):"وطلعنا".
(2)
في (ط): "فلعمرى".
(3)
إن هنا بمعنى (ما).
(4)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "عن".
(5)
في (ت): "وسوى".
(6)
في (ت): "غادة".
(7)
في (م) و (ت): "مجالستك".
(8)
في (خ) و (ط): "وأنهى".
(9)
ساقطة من (ت).
(10)
زيادة في (غ).
(11)
قال في الصحاح؛ "والتخرق: لغة من التخلق من الكذب"(4/ 1467)، وقال في الرائد:"المخرقة: الكذب والاختلاق" معجم الرائد لجبران مسعود (1343).
(12)
في (ت): "طائفة".
(13)
في (ر): "لا يتمم".
(14)
ما بين المعكوفين ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
فَعَمَدْتُ ـ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ ـ إِلَى كِنَانَتِي، وَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا سَهْمًا أَصَابَ حَبَّةَ قَلْبِهِ فَسَقَطَ لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ.
وَشَرْحُ (1) ذَلِكَ (2): أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيَّ الْحَافِظَ الْجُرْجَانِيَّ (3) قَالَ: كُنْتُ (4) أُبَغِّضُ النَّاسَ فِيمَنْ يَقْرَأُ عِلْمَ الْكَلَامِ، فَدَخَلْتُ يوماً إلى الري (5)، فدخلت (6) جَامِعَهَا أَوَّلَ دُخُولِي، وَاسْتَقْبَلْتُ سَارِيَةً أَرْكَعُ عِنْدَهَا، وَإِذَا (7) بِجِوَارِي رَجُلَانِ يَتَذَاكَرَانِ عِلْمَ الْكَلَامِ، فَتَطَيَّرْتُ بِهِمَا (8)، وَقُلْتُ: أَوَّلَ مَا دَخَلْتُ هَذَا (9) الْبَلَدَ سَمِعْتُ فِيهِ مَا أَكْرَهُ، وَجَعَلْتُ أُخَفِّفُ الصَّلَاةَ حَتَّى أَبْعُدَ عَنْهُمَا، فَعَلِقَ بِي مِنْ قَوْلِهِمَا: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْبَاطِنِيَّةَ أَسْخَفُ خَلْقِ اللَّهِ عُقُولًا، وينبغي للنحرير ألا يتكلف لهم دليلاً، ولكن (10)
(1) من هنا يذكر ابن العربي قصة وقعت للحافظ أبي بكر الجرجاني، وكيف استفاد منها، ثم يعود للحديث عن قصته مع الإسماعيلي.
(2)
ساقطة من (م) و (ت).
(3)
هو أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني الحافظ الكبير، الرحال، سمع الكثير، وحدث، وخرج، وصنف فأفاد وأجاد، وأحسن الانتقاد والاعتقاد، صنف كتاباً على صحيح البخاري فيه فوائد كثيرة، وعلوم غزيرة. توفي سنة 371هـ.
انظر: البداية والنهاية لابن كثير (11/ 318)، سير أعلام النبلاء للذهبي (16/ 292).
(4)
من هنا غير واضح في (غ) إلى قوله: يتذاكران.
(5)
هي مدينة مشهورة، من أمهات البلاد، وأعلام المدن، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً.
انظر: معجم البلدان ليلقوت الحموي (3/ 116).
(6)
في (خ) و (ط): "ودخلت".
(7)
في (خ) و (ط): "وإذ".
(8)
لقد ورد النهي عن الطِيَرة في أحاديث عديدة منها حديث أبي هريرة في البخاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طيرة، وخيرها الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم). صحيح البخاري (10/ 212 مع الفتح)، وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الطيرة شرك) ثلاثاً. قال ابن مسعود: وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل. سنن أبي داود، كتاب الطب (4/ 16) إلى غير ذلك من النصوص. ولعل الإمام الإسماعيلي كره ما سمع من الرجلين فعبر عن كراهيته بالتطير.
(9)
في (خ) و (ط): "هذه".
(10)
في (ت): "واليكن"، وفي (م) و (خ):"وليكن".
يطالبهم "بلم" فَلَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا. وَسَلَّمْتُ مُسْرِعًا.
وَشَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ كَشَفَ رَجُلٌ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ الْقِنَاعَ فِي الْإِلْحَادِ، وَجَعَلَ يُكَاتِبُ وَشْمَكِيرَ (1) الْأَمِيرَ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ (2)، وَيَقُولُ لَهُ: إِنِّي لَا أَقْبَلُ دِينَ مُحَمَّدٍ إِلَّا بِالْمُعْجِزَةِ، فَإِنْ أَظْهَرْتُمُوهَا رَجَعْنَا إِلَيْكُمْ (3)، وَانْجَرَّتِ الْحَالُ إِلَى أَنِ اخْتَارُوا مِنْهُمْ رَجُلًا لَهُ دَهَاءٌ وَمُنَّة (4)، فَوَرَدَ عَلَى وَشْمَكِيرَ رَسُولًا، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ أَمِيرٌ، وَمِنْ شَأْنِ الْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ أَنْ تَتَخَصَّصَ عَنِ الْعَوَامِّ، ولا تقلد أحداً (5) في عقيدتها (6)، وإنما حقهم أن يفحصوا (7) عَنِ الْبَرَاهِينِ. فَقَالَ وَشْمَكِيرُ: اخْتَرْ (8) رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِي، وَلَا أُنْتَدَبُ لِلْمُنَاظَرَةِ بِنَفْسِي، فَيُنَاظِرُكَ بَيْنَ يَدَيَّ. فَقَالَ لَهُ الْمُلْحِدُ: أَخْتاَرُ (9) أَبَا بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيَّ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ (10) لَيْسَ مِنْ أَهْلِ عِلْمِ التَّوْحِيدِ (11)، وَإِنَّمَا كَانَ إِمَامًا فِي الْحَدِيثِ، ولكن كان وشمكير (12) ـ بعاميته (13) يَعْتَقِدُ (14) أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ بِأَنْوَاعِ الْعُلُومِ.
(1) في (ت): "وشميكر"، وهو وشمكير بن زيار ملك الري، واستولى على جرجان، وكانت وفاته سنة 357هـ.
انظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير (7/ 76، 112، 145، 167).
(2)
في العواصم: "يدعوه إلى الإلحاد".
(3)
كفى بالقرآن آية ومعجزة، وإن من حكمة الله أن أبقى هذه الآية ليبقى التحدي بها إلى آخر الدهر، وليس القرآن وحده آية نبينا صلى الله عليه وسلم، بل إن آياته ومعجزاته تفوق الحصر، حتى ألفت في ذلك المجلدات كما فعل البيهقي والماوردي وغيرهما، ثم إنه ليس الدليل على صدق نبينا المعجزة فحسب، بل إن خلقه العظيم وسيرته العطرة، وكمال شريعته، ونصرة الله له، أدلة قاطعة وبراهين ساطعة تشهد بصدقه صلى الله عليه وسلم.
(4)
المنة: القوة. الصحاح (6/ 2207).
(5)
ساقطة من (ت) و (غ).
(6)
في (ط): "عقيدة".
(7)
في (م) و (ط): "يفصحوا".
(8)
في (خ) و (ط): "أختار".
(9)
في (خ) و (ط): "اختر"، وفي العواصم:"اخترت".
(10)
في (ر): "أنه".
(11)
يريد علم الكلام، وقد سمى التوحيد، وليس بصحيح، فما أبعد علم الكلام عن التوحيد. وتقدم الكلام عليه في الباب الأول (ص48) هامش (5) ..
(12)
في (ت): "وشميكر".
(13)
في (ط): "لعامية"، وفي (م) و (خ) و (ط) و (ت):"بعامية فيه".
(14)
ساقطة من (م) و (ت).
فَقَالَ وَشْمَكِيرُ: ذَلِكَ مُرَادِي، فَإِنَّهُ (1) رَجُلٌ جَيِّدٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِجُرْجَانَ (2)، لِيَرْحَلَ إليه إلى غزنة (3)، فلم يبق أحد من العلماء (4) إِلَّا يَئِسَ مِنَ الدِّينِ، وَقَالَ: سَيَبْهَتُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الكافر مذهباً الإسماعيلي الحافظ [نسباً](5)، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا لِلْمَلِكِ: إِنَّهُ لَا علم عنده بذلك لئلا يتهمهم (6). فلجأوا (7) إِلَى اللَّهِ فِي نَصْرِ دِينِهِ.
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْحَافِظُ (8): فَلَمَّا جَاءَنِي الْبَرِيدُ، وَأَخَذْتُ فِي الْمَسِيرِ، وتدانت بي (9) الدَّارُ قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ. وَكَيْفَ أُنَاظِرُ فِيمَا لَا أَدْرِي؟ هَلْ أَتَبَرَّأُ عِنْدَ الْمَلِكِ وَأُرْشِدُهُ إلى من يحسن الجدل، ويعلم حجج (10) الله على دينه؟ (11) وندمت (12) على ما سلف من عمري ولم أَنْظُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ، ثُمَّ أَذْكَرَنِي اللَّهُ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ مِنَ الرَّجُلَيْنِ بِجَامِعِ الرَّيِّ، فَقَوِيَتْ نَفْسِي، وَعَوَّلْتُ عَلَى أَنْ أَجْعَلَ ذَلِكَ عُمْدَتِي، وَبَلَغْتُ الْبَلَدَ، فَتَلَقَّانِي الْمَلِكُ ثُمَّ جَمِيعُ الْخَلْقِ، وَحَضَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْمَذْهَبِ مَعَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ النَّسَبِ، وَقَالَ الْمَلِكُ لِلْبَاطِنِيِّ (13): أُذْكُرْ قَوْلَكَ يَسْمَعُهُ الْإِمَامُ. فَلَمَّا أَخَذَ فِي ذِكْرِهِ وَاسْتَوْفَاهُ، قال له الحافظ:"لم"؟ فلما سَمِعَهَا الْمُلْحِدُ قَالَ: هَذَا إِمَامٌ قَدْ عَرَفَ مقالتي، فبهت (14).
(1) ساقطة من (م) و (ت) و (غ).
(2)
جرجان: مدينة عظيمة مشهورة بقرب طبرستان، بناها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة.
انظر: آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني (ص348).
(3)
قوله: (إلى غزنة) ساقطة من (غ) و (ر)، وغزنة: مدينة عظيمة، وولاية واسعة في طرف خراسان، وهي الحد بين خراسان والهند.
انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (4/ 201).
(4)
في (خ) و (ط): "فلم يبق من العلماء أحد".
(5)
في الأصول (مذهباً)، والتصويب من العواصم.
(6)
في العواصم: "لئلا يتهمهم بالحسد".
(7)
في (م): "فلجوا".
(8)
ساقطة من (م) و (ت) و (غ) و (ر).
(9)
في (خ) و (ط): "لي".
(10)
في (خ) و (ط): "بحجج".
(11)
في العواصم: "ويعلم حجج الله في خلقه على صحة دينه".
(12)
في (خ) و (ت) و (ط): "ندمت" بدون الواو.
(13)
في (ط): "الباطني"، وفي العواصم:"وقال الملك للإسماعيلي الباطني".
(14)
في (خ) و (ت) و (ط): "ففهمت"، وبعد هذه اللفظة ذكر ابن العربي بعض العبارات=
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فَخَرَجْتُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (1)، وَأَمَرْتُ بِقِرَاءَةِ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ عُمْدَةٌ مِنْ عُمَدِ الْإِسْلَامِ (2).
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَحِينَ (3) انْتَهَى بي الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ الْمَقَامِ (4) قُلْتُ: إِنْ كَانَ في الأجل نساء (5) فَهَذَا شَبِيهٌ بِيَوْمِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، فَوَجَّهْتُ (6) إِلَى أَبِي الفتح الإمامي (7)، وَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ كُنْتُ فِي لَا شَيْءَ، وَلَوْ خَرَجْتُ مِنْ عَكَّا قَبْلَ أَنْ أَجْتَمِعَ بِهَذَا الْعَالِمِ مَا رَحَلْتُ إِلَّا عَرِيًّا عَنْ نادرة الأيام، انظر (8) إِلَى حِذْقِهِ بِالْكَلَامِ وَمَعْرِفَتِهِ حَيْثُ (9) قَالَ لِي: أَيُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ؟ وَلَا يَسْأَلُ بِمِثْلِ هذا إلا مثله. ولكن بقيت ها هنا نُكْتَةٌ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ نَأْخُذَهَا الْيَوْمَ عَنْهُ، وَتَكُونُ ضِيَافَتُنَا عِنْدَهُ. لِمَ قُلْتَ:(أَيُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ؟)، فَاقْتَصَرْتَ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ على "أي"، وتركت الهمزة وهل وكيف وأين (10) وكم وما، وهي (11) أَيْضًا مِنْ ثَوَانِي حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ، وَعَدَلْتَ عَنِ اللام (12) من حروفه (13)، فهذا (14) سؤال ثان عن حكمة ثانية، ولأي معنيان (15) في
=الفارسية التي ذكرهاالملك، ثم قال: فرد مناظره وطرده.
(1)
ساقطة من (م)، وفي (ت) كتبت فوق السطر.
(2)
المعروف عن علم الكلام أن ضرره أكثر من نفعه، وما فيه من نفع فقليل، والوصول إليه عسير، ثم إن في كتاب الله وسنة رسوله من البراهين والحجج العقلية ما يكفي في الرد على الملاحدة وغيرهم، فإذا وجد الإنسان من نفسه قصوراً عن مناظرة الملاحدة وإفحامهم، فقد يكون من تقصيره في تدبر حجج الله، وقد يكون من ضعفه الشخصي، وعدم قدرته على الجدل، ثم إني لا أرى في القصة ما يثنى به على علم الكلام، فضلاً عن أن يقال إنه عمدة من عمد الإسلام.
وانظر: ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن الغزالي في ذم الكلام، وبيان قلة جدواه وهو كلام خبير به. درء تعارض العقل والنقل (7/ 163).
(3)
في (خ) و (ط): "وأنا حين".
(4)
ساقطة من (ط).
(5)
في (م) و (ت): "نفساً"، وفي (خ) و (ط):"تنفس".
(6)
في العواصم: "فرددت وجهي إلى أبي الفتح الإمامي".
(7)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "الإمام".
(8)
في (خ) و (ط): "نظر".
(9)
ساقطة من (م) و (ت) و (ر).
(10)
في (خ) و (ط): "وأنى".
(11)
في (خ) و (ت) و (ط): "هي" بدون الواو.
(12)
في (ر) والعواصم: "الأم".
(13)
في العواصم: "وعدلت من اللام عن حروفه".
(14)
في (خ) و (ط): "وهذا".
(15)
في (خ) و (ط): "وهو أن لأي معنيين"، والمثبت هو ما في (م) و (ت)، وكذلك في العواصم.
الِاسْتِفْهَامِ. فَأَيَّ الْمَعْنَيَيْنِ قَصَدْتَ بِهَا؟ وَلِمَ سَأَلْتَ بِحَرْفٍ مُحْتَمِلٍ؟ وَلَمْ تَسْأَلْ بِحَرْفٍ مُصَرِّحٍ بِمَعْنًى واحد؟ هل وقع ذلك منك (1) بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا قَصْدِ حِكْمَةٍ؟ أَمْ بِقَصْدِ حِكْمَةٍ؟ فَبَيِّنْهَا لَنَا.
فَمَا هُوَ إِلَّا أَنِ افْتَتَحْتُ هَذَا الْكَلَامَ، وَانْبَسَطْتُ فِيهِ، وَهُوَ يَتَغَيَّرُ، حَتَّى اصْفَرَّ آخِرًا مِنَ الْوَجَلِ، كَمَا اسْوَدَّ أَوَّلًا مِنَ الْحِقْدِ، وَرَجَعَ أَحَدُ أَصْحَابِهِ الَّذِي كَانَ عَنْ (2) يَمِينِهِ إِلَى آخَرَ كَانَ بِجَانِبِهِ، وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الصَّبِيُّ إِلَّا بَحْرٌ زَاخِرٌ مِنَ الْعِلْمِ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ قَطُّ، وهم ما (3) رأوا أحداً (4) بِهِ رَمَقٌ (إِلَّا أَهْلَكُوهُ)(5)، لِأَنَّ الدَّوْلَةَ لَهُمْ، وَلَوْلَا مَكَانُنَا مِنْ رِفْعَةِ دَوْلَةِ (6) مَلِكِ الشَّامِ، وأن (7) والي عكا (8) كان يحظينا (9)، مَا تَخَلَّصْتُ مِنْهُمْ فِي الْعَادَةِ أَبَدًا.
وَحِينَ سَمِعْتُ تِلْكَ الْكَلِمَةَ مِنْ إِعْظَامِي قُلْتُ: هَذَا مَجْلِسٌ عَظِيمٌ، وَكَلَامٌ طَوِيلٌ، يَفْتَقِرُ إِلَى تَفْصِيلٍ، وَلَكِنْ نَتَوَاعَدُ (10) إِلَى يَوْمٍ آخَرَ، وَقُمْتُ وَخَرَجْتُ فَقَامُوا كُلُّهُمْ مَعِي، وَقَالُوا: لَا بُدَّ أَنْ تَبْقَى قَلِيلًا، فَقُلْتُ: لَا، وَأَسْرَعْتُ حَافِيًا وَخَرَجْتُ عَلَى الْبَابِ أَعْدُو (11) حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى قَارِعَةِ الطريق وبقيت هنالك (12) مُبَشِّرًا نَفْسِي بِالْحَيَاةِ، حَتَّى خَرَجُوا (بَعْدِي وَأَخْرَجُوا)(13) لي لا لكي (14)،
(1) زيادة في (غ).
(2)
ساقطة من (م)، وكتبت في (ت) فوق السطر.
(3)
ساقطة من (م)، وكتبت في (ت) فوق السطر.
(4)
في (ط): "واحداً".
(5)
ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (ت) و (غ)، وكتب في هامش (ت):"عله به رمق إلا هلكوه أو قتلوه".
(6)
في (م) و (ت): "الدولة".
(7)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(8)
في (خ) و (ت): "عكة".
(9)
قال في الصحاح: "ورجل حظي، إذا كان ذا حظوة ومنزلة، وقد حظي عند الأمير واحتظى به بمعنى". الصحاح (6/ 2316).
(10)
في (م) و (ر): "يتوعد".
(11)
(م): "أغدو" وفي (خ): "أعدوا".
(12)
في (ط): "هناك".
(13)
ما بين المعكوفين ساقط من (خ).
(14)
في (خ) و (ط): "لا يكي"، ويظهر أن المراد به الحذاء.
وَلَبِسْتُهَا (1) وَمَشَيْتُ مَعَهُمْ مُتَضَاحِكًا، وَوَعَدُونِي بِمَجْلِسٍ آخَرَ فَلَمْ أُوَفِّ لَهُمْ، وَخِفْتُ وَفَاتِي فِي وَفَائِي (2).
قال ابن العربي: وقد كان (3) قَالَ لِي أَصْحَابُنَا النَّصْرِيَّةُ (4) بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى: إِنَّ شَيْخَنَا أَبَا الْفَتْحِ نَصْرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيَّ (5) اجتمع برئيس من الشيعة الإمامية (6)، فَشَكَا إِلَيْهِ فَسَادَ الْخَلْقِ، وَأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِخُرُوجِ الْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ، فَقَالَ له (7) نصر: هل لخروجه ميقات أم لا؟ فقال الشِّيعِيُّ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ أَبُو الْفَتْحِ: وَمَعْلُومٌ هُوَ أَوْ مَجْهُولٌ؟ قَالَ: مَعْلُومٌ. قَالَ نَصْرٌ: وَمَتَى يَكُونُ؟ قَالَ: إِذَا فَسَدَ الْخَلْقُ. قَالَ أبو الفتح: فلم (8) تَحْبِسُونَهُ عَنِ الْخَلْقِ وَقَدْ (9) فَسَدَ جَمِيعُهُمْ إِلَّا أَنْتُمْ، فَلَوْ فَسَدْتُمْ لَخَرَجَ، فَأَسْرِعُوا بِهِ وَأَطْلِقُوهُ مِنْ سِجْنِهِ، وَعَجِّلُوا بِالرُّجُوعِ إِلَى مَذْهَبِنَا، فَبُهِتَ. قال (10) وأظن أنه (11) سَمِعَهَا عَنْ شَيْخِهِ أَبِي الْفَتْحِ سُلَيْمَانَ بْنِ أيوب الرازي (12) الزاهد (13). انتهى ما
(1) في (غ): ولبست.
(2)
قال في العواصم: "وفي ترتيب الرحلة بقية الحديث". (ص71).
(3)
ساقطة من (ط).
(4)
الذي يظهر أن هذه النسبة إلى شيخهم نصر بن إبراهيم.
(5)
هو أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي، الفقيه، الشافعي، الإمام القدوة المحدث، صاحب كتاب الحجة على تارك المحجة، تفقه على الدارمي وغيره، وتفقه به الغزالي وغيره، وكان صاحب زهد وتقشف. توفي سنة 490هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 136)، شذرات المذهب (3/ 395)، العبر (3/ 329).
(6)
ساقطة من (م) و (ت)، وتقدم الكلام على الشيعة (ص23).
(7)
زيادة في (غ).
(8)
في (خ) و (ت) و (ط): "فهل". والمثبت هو ما في (م)، وهو كذلك في العواصم.
(9)
في (م): "قد" بدون واو.
(10)
زيادة في (غ).
(11)
في (خ) و (ط): "وأظنه". والمثبت هو ما في (م) و (ت)، وكذلك هو في العواصم.
(12)
هو سليم بن أيوب بن سليم، أبو الفتح، الرازي الشافعي، تفقه بأبي حامد الإسفراييني، وكان فقيهاً، محدثاً، مقرئاً، وقد سكن الشام مرابطاً، ناشراً للعلم احتساباً. توفي سنة 447هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 645)، العبر (3/ 213)، طبقات الشافعية (4/ 388).
(13)
إلى هنا ينتهي ما نقله المؤلف من كتاب العواصم لابن العربي. وهو في العواصم من (ص59) إلى (ص72)، مع وجود بعض الكلام الذي لم ينقله المؤلف.
حَكَاهُ ابْنُ (1) الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ غُنْيَةٌ لِمَنْ عرج على (2) تَعَرُّفِ أُصُولِهِمْ، وَفِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ مِنْهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ.
الْقِسْمُ (3) الثَّانِي: يَتَنَوَّعُ أَيْضًا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَسْتَنْبِطْ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا اتَّبَعَ غَيْرَهُ مِنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ، لَكِنْ بِحَيْثُ أَقَرَّ بِالشُّبْهَةِ وَاسْتَصْوَبَهَا، وَقَامَ بِالدَّعْوَةِ بِهَا مَقَامَ مَتْبُوعِهِ، لِانْقِدَاحِهَا فِي قَلْبِهِ، فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إِلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَلَكِنَّهُ تَمَكَّنَ حُبُّ الْمَذْهَبِ مِنْ قَلْبِهِ حَتَّى عَادَى عَلَيْهِ وَوَالَى.
وَصَاحِبُ هَذَا الْقِسْمِ لَا يَخْلُو مِنِ اسْتِدْلَالٍ وَلَوْ عَلَى أَعَمِّ مَا يَكُونُ. فَقَدْ يَلْحَقُ بِمَنْ نَظَرَ فِي الشُّبْهَةِ وَإِنْ كَانَ عَامِيًّا، لِأَنَّهُ (4) عَرَضَ نفسه (5) لِلِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ النَّظَرَ، وَلَا مَا يَنْظُرُ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَبْلُغُ مَنِ اسْتَدَلَّ (6) بِالدَّلِيلِ الْجُمْلِيِّ مَبْلَغَ مَنِ استدل على التفصيل،، وفرق ما (7) بَيْنَهُمَا فِي التَّمْثِيلِ: إِنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ شُبُهَاتٍ متبوعة (8) فَوَقَفَ وَرَاءَهَا، حَتَّى إِذَا طُولِبَ فِيهَا بِالْجَرَيَانِ عَلَى مُقْتَضَى الْعِلْمِ تَبَلَّدَ وَانْقَطَعَ، أَوْ خَرَجَ إِلَى مَا لَا يُعْقَلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَحَسَّنَ الظَّنَّ بِصَاحِبِ الْبِدْعَةِ فَتَبِعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّفْصِيلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ، إِلَّا تَحْسِينُ الظن بالمتبوع (9) خَاصَّةً. وَهَذَا الْقِسْمُ فِي الْعَوَامِّ كَثِيرٌ.
فَمِثَالُ الْأَوَّلِ: حَالُ حَمْدَانَ (10) بْنِ (11) قَرْمَطٍ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ القرامطة (12)،
(1) في (ط): "أبى"، وفي (ت):"بن" بدون ألف.
(2)
في (خ) و (ط): "عن".
(3)
في (غ) و (ر): "والقسم".
(4)
مطموسة في (ت).
(5)
مثبتة في (غ) و (ر)، وساقطة من بقية النسخ.
(6)
في (خ) و (ط): "استدلال".
(7)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط) و (غ).
(8)
في (خ) و (ط): "مبتدعة".
(9)
في (خ) و (ت) و (ط): "بالمبتدع".
(10)
في (خ) و (ت): "أحمد".
(11)
ساقطة من (غ) و (ر).
(12)
القرامطة نسبة إلى حمدان بن قرمط كما ذكر المؤلف، وهي دعوة إسماعيلية باطنية ابتدأت من سواد الكوفة على يد هذا الضال، وانتشرت، وعظمت مصيبتها حتى صارت تهدد الخلافة الإسلامية، وقد اتخذوا الأحساء عاصمة لهم، وهاجموا الحجيج، وقتلوا المسلمين في الحرم، وسرقوا الحجر الأسود زمناً، وهدف دعوتهم=
إذ كان أحد دعاة الباطنية القرامطة (1) فَاسْتَجَابَ لَهُ جَمَاعَةٌ نُسِبُوا إِلَيْهِ، وَكَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَائِلًا إِلَى الزُّهْدِ فَصَادَفَهُ (2) أحد دعاة الباطنية (في طريق)(3) وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى قَرْيَتِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ بَقَرٌ (4) يسوقها (5)، فقال له حمدان ـ وهو لا يعرفه ولا يعرف حاله (6) ـ: أَرَاكَ سَافَرْتَ عَنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ، فَأَيْنَ مَقْصِدُكَ؟ فَذَكَرَ مَوْضِعًا هُوَ قَرْيَةُ حَمْدَانَ، فَقَالَ لَهُ حمدان: اركب بقرة من هذه (7) الْبَقَرِ لِتَسْتَرِيحَ بِهِ عَنْ تَعَبِ الْمَشْيِ، فَلَمَّا رَآهُ مَائِلًا إِلَى الدِّيَانَةِ أَتَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُومَرْ (8) بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ (9): وَكَأَنَّكَ لَا تَعْمَلُ إِلَّا بِأَمْرٍ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ (10) حَمْدَانُ: وَبِأَمْرِ مَنْ تَعْمَلُ؟ قَالَ: بِأَمْرِ مَالِكِي وَمَالِكِكَ وَمَنْ لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، قال: ذلك إذا (11) هو رب العالمين، قال: قد (12) صَدَقْتَ (13)، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهَبُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ، قَالَ: وَمَا غَرَضُكَ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي أَنْتَ متوجه إليها؟ قال (14) أُمِرْتُ أَنْ أَدْعُوَ (15) أَهْلَهَا مِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، وَمِنَ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الشَّقَاوَةِ إِلَى السَّعَادَةِ، وَأَنْ أَسْتَنْقِذَهُمْ مِنْ (16) وَرَطَاتِ الذُّلِّ والفقر، وأملكهم بما يَسْتَغْنُونَ بِهِ عَنِ الْكَدِّ (17) وَالتَّعَبِ، فَقَالَ لَهُ حمدان: أنقذني أنقذك الله، وأفض على
=نشر الإلحاد، وإبطال الشرائع، عن طريق الدعوة السرية، وأخذ المواثيق والعهود للإمام. انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي (ص213 وما بعدها)، تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص126)، دراسة عن الفرق لأحمد الجلي (ص288).
(1)
زيادة في (غ).
(2)
في (م) و (خ) و (ت): "فصاده".
(3)
ساقط من (خ) و (ط).
(4)
في (م): "معز".
(5)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "يسوقه".
(6)
في (ط): "وهو لا يعرف حاله".
(7)
في (م) و (خ) وت) و (ط): "هذا".
(8)
في (خ) و (ط): "إني لم أومن بل أومر".
(9)
ساقطة من (م) و (ت) و (غ).
(10)
في (غ): "قال".
(11)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(12)
ساقطة من (م) و (ت) و (ط) و (غ).
(13)
في (م) و (ت): "قصدت".
(14)
في (م) و (غ): "فقال".
(15)
في (خ) و (ت): و (ط) و (غ): "أدعوا" بالألف بعد الواو.
(16)
ساقطة من (م) و (ت).
(17)
في (غ) و (ر): "الكل".
من العلم ما تحييني (1) به، فما أشد احتياجي إلى مثل (2) مَا (ذَكَرْتَهُ (3)، فَقَالَ لَهُ (4): وَمَا أُمِرْتُ) (5) أَنْ أُخْرِجَ السِّرَّ الْمَكْنُونَ إِلَى كُلِّ (6) أَحَدٍ إِلَّا بَعْدَ الثِّقَةِ بِهِ، وَالْعَهْدِ (إِلَيْهِ، فَقَالَ)(7): فَمَا (8) عَهْدُكَ؟ فَاذْكُرْهُ فَإِنِّي مُلْتَزِمٌ لَهُ.
فَقَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِي وَلِلْإِمَامِ عَهْدَ اللَّهِ عَلَى (9) نَفْسِكَ (10) وَمِيثَاقَهُ (11) أَلَّا تُخْرِجَ سِرَّ الْإِمَامِ الَّذِي أُلْقِيهِ إِلَيْكَ، وَلَا تُفْشِي سِرِّي أَيْضًا، فَالْتَزَمَ حَمْدَانُ عَهْدَهُ، ثُمَّ انْدَفَعَ (12) الدَّاعِي فِي تَعْلِيمِهِ فُنُونَ جَهْلِهِ، حَتَّى اسْتَدْرَجَهُ وَاسْتَغْوَاهُ، وَاسْتَجَابَ (13) لَهُ فِي جَمِيعِ مَا ادَّعَاهُ، ثُمَّ انْتُدِبَ لِلدَّعْوَةِ، وَصَارَ أَصْلًا (14) مِنْ أُصُولِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ، فَسُمِّيَ أَتْبَاعُهُ القرامطة (15).
ومثال الثاني ما حكاه الله تعالى (عن الكفار)(16) فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا .. } (17)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ *أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ *قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ *} (18).
وَحَكَى الْمَسْعُودِيُّ (19): أَنَّهُ كَانَ فِي أَعْلَى صَعِيدِ مصر رجل من القبط
(1) في (م): "يحييني".
(2)
في (خ) و (ط): "لمثل".
(3)
في (خ) و (ط): "ذكرت".
(4)
ساقطة من (م).
(5)
ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(6)
ساقطة من (غ) و (ر).
(7)
ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(8)
في (م) و (غ): "ما".
(9)
بياض في (ت).
(10)
في (م): "ونفسك"، وفي (ت) الواو والنون في البياض.
(11)
في (خ) و (ط): "وميثاقك".
(12)
ساقطة من (ت).
(13)
نصف الكلمة الأول يقع في البياض في (ت).
(14)
في (ت): "أصيلاً".
(15)
ذكر هذه القصة بتمامها الإمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص127).
(16)
ما بين المعكوفين ساقط من (ط).
(17)
سورة المائدة: آية (104).
(18)
سورة الشعراء: الآيتان (72 ـ 74).
(19)
هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي من ذرية ابن مسعود، عداده في البغاددة، نزل مصر مدة، وكان أخبارياً، صاحب ملح وغرائب وعجائب وفنون، وله كتاب مروج الذهب وغيره من التواريخ، كان معتزلياً. مات سنة 345هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 569)، شذرات الذهب (2/ 371)، العبر (2/ 269).
ممن يظهر دين النصرانية (ورأي اليعقوبية)(1)، وَكَانَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، فَبَلَغَ خَبَرُهُ أَحْمَدَ بْنَ طُولُونَ (2)، فَاسْتَحْضَرَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، مِنْ جُمْلَتِهَا: أَنَّهُ أَمَرَ فِي بَعْضِ الأيام ـ وقد أحضر مَجْلِسَهُ ـ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ لِيَسْأَلَهُ (3) عَنِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فقال: دليلي على صحتها وجودي إِيَّاهَا مُتَنَاقِضَةً مُتَنَافِيَةً، تَدْفَعُهَا الْعُقُولُ، وَتَنْفِرُ مِنْهَا (4) النُّفُوسُ، لِتَبَايُنِهَا وَتَضَادِّهَا، لَا نَظَرَ يُقَوِّيهَا، وَلَا جَدَلَ يُصَحِّحُهَا، وَلَا بُرْهَانَ يُعَضِّدُهَا مِنَ الْعَقْلِ والحس عند أهل التأمل فيها (5)، وَالْفَحْصِ عَنْهَا، وَرَأَيْتُ مَعَ ذَلِكَ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَمُلُوكًا عَظِيمَةً، ذَوِي مَعْرِفَةٍ، وَحُسْنِ سِيَاسَةٍ، وَعُقُولٍ رَاجِحَةٍ، قَدِ انْقَادُوا إِلَيْهَا، وَتَدَيَّنُوا بِهَا، مَعَ مَا ذَكَرْتُ مِنْ تَنَاقُضِهَا فِي الْعَقْلِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهَا، وَلَا تَدَيَّنُوا بِهَا، إِلَّا لدلائل (6) شاهدوها، وآيات علموها (7)، وَمُعْجِزَاتٍ عَرَفُوهَا، أَوْجَبَ انْقِيَادَهُمْ إِلَيْهَا، وَالتَّدَيُّنَ بِهَا.
فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: وَمَا (8) التَّضَادُّ الَّذِي فِيهَا؟ (9) فَقَالَ: وَهَلْ يُدْرَكُ ذَلِكَ أَوْ تُعْلَمُ غَايَتُهُ؟ مِنْهَا: قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ ثَلَاثَةٌ، وَوَصْفُهُمْ لِلْأَقَانِيمِ وَالْجَوْهَرِ وَهُوَ الثَّالُوثِيُّ (10)، وَهَلِ الأقانيم في أنفسها قادرة عالمة أم
(1) ما بين المعكوفين ـ أثبته من (غ) و (ر)، وهو ساقط من بقية النسخ.
(2)
هو أبو العباس أحمد بن طولون التركي، صاحب مصر، أجاد حفظ القرآن، وطلب العلم، وتنقلت به الأحوال، وتأمر، وولي ثغور الشام، ثم إمرة دمشق، ثم ولي الديار المصرية، وكان بطلاً، شجاعاً، جواداً، من دهاة الملوك، وكان جيد الإسلام، معظماً لشعائر الله. توفي بمصر سنة 270هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 94)، الوافي بالوفيات (6/ 430)، النجوم الزاهرة (3/ 1 ـ 21).
(3)
في (م): "يسأله"، والكلمة غير واضحة في (ت).
(4)
كتبت مرتين في (ت)، وكتب في هامشها "عله فيها".
(5)
في (م) و (ت) و (غ): "لها".
(6)
في (غ) و (ر): بدلائل.
(7)
مثبتة في (غ)، وساقطة من بقية النسخ.
(8)
في (خ): "وأما".
(9)
مطموسة في (ت).
(10)
أراد النصارى قاتلهم الله أن يوفقوا بين عقيدتهم الشركية القائلة بثلاثة آلهة وهم الأب والابن وروح القدس، وبين ما في التوراة من نصوص التوحيد والنهي عن الشرك، فقالوا بأن الأب والابن وروح القدس أقانيم، وهي في نفس الوقت جوهر واحد وإله=
لَا؟ وَفِي اتِّحَادِ رَبِّهِمُ الْقَدِيمِ بِالْإِنْسَانِ الْمُحْدَثِ، وَمَا جَرَى فِي وِلَادَتِهِ (1) وَصَلْبِهِ وَقَتْلِهِ. وَهَلْ في التشنيع أكبر وأفحش من إله قد (2) صُلِبَ وَبُصِقَ فِي (3) وَجْهِهِ، وَوُضِعَ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلُ الشَّوْكِ، وَضُرِبَ رَأْسُهُ بِالْقَضِيبِ، وَسُمِّرَتْ قَدَمَاهُ، ونخس (4) بِالْأَسِنَّةِ وَالْخَشَبِ جَنْبَاهُ. وَطَلَبَ (5) الْمَاءَ (6) فَسُقِيَ الْخَلَّ مِنْ بِطِّيخِ الْحَنْظَلِ؟ فَأَمْسَكُوا عَنْ مُنَاظَرَتِهِ، لِمَا قد أعطاهم من تناقض مذهبه وفساده (7). انتهى.
وَالشَّاهِدُ مِنَ الْحِكَايَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الشُّيُوخِ وَالْآبَاءِ من غير برهان ولا دليل، (ولا شبهة دَلِيلٍ)(8).
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: يَتَنَوَّعُ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي قَلَّدَ غَيْرَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّقْلِيدِ مِنْهُ، بِنَاءً عَلَى التَّسَامُعِ الْجَارِي بَيْنَ الْخَلْقِ بالنسبة إلى رجوع (9) الْجَمِّ (10) الْغَفِيرِ إِلَيْهِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ مِنْ عالم وغيره، وتعظيمهم له بخلاف ذلك (11) الْغَيْرِ، أَوْ لَا يَكُونُ ثَمَّ مَنْ هُوَ أولى منه، لكنه لَيْسَ فِي إِقْبَالِ الْخَلْقِ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمِهِمْ لَهُ ما يبلغ تلك الرتبة، فإن
=واحد ورب واحد، وأخذوا يحملون النصوص ما لا تحتمل لإثبات شركهم، فخالفوا كتب الله من ناحية، كما خالفوا العقول من ناحية أخرى.
انظر: الجواب الصحيح لابن تيمية (2/ 245)، محاضرات في النصرانية لأبي زهرة (ص120).
(1)
في (م) و (غ) و (ر): "ولادة".
(2)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(3)
مطموسة في (ت).
(4)
رسمت في (خ) هكذا "نخـ"، وفي (ط):"نخز".
(5)
في (خ): "وطلبت"، وفي (م):"وصَلُبَ".
(6)
ساقطة من (م).
(7)
لم أجد هذه القصة في مروج الذهب للمسعودي، فلعلها في كتابه أخبار الزمان، وهو كتاب يقع في ثلاثين مجلداً، وهو مفقود عدا أحد أجزائه فإنه مخطوط.
انظر: الأعلام للزركلي (4/ 27).
(8)
ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ت) و (ط).
(9)
ساقطة من (خ) و (ط).
(10)
في (غ): "الجماء".
(11)
زيادة من (غ) و (ر).
كَانَ هُنَاكَ (1) مُنْتَصِبُونَ، فَتَرَكَهُمْ هَذَا الْمُقَلِّدُ، وَقَلَّدَ غَيْرَهُمْ فَهُوَ آثِمٌ، إِذْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى مَنْ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، بَلْ تَرَكَهُ وَرَضِيَ لِنَفْسِهِ بِأَخْسَرِ (2) الصَّفْقَتَيْنِ، فَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ، إِذْ قلد دِينِهِ (3) مَنْ لَيْسَ بِعَارِفٍ بِالدِّينِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ (4)، فَعَمِلَ بِالْبِدْعَةِ (وَهُوَ يَظُنُّ)(5) أَنَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ (6) الْمُسْتَقِيمِ.
وَهَذَا (7) حَالُ مَنْ بُعِثَ فِيهِمْ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ)(8) عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُمْ تركوا دينه (9) الْحَقَّ، وَرَجَعُوا إِلَى بَاطِلِ (آبَائِهِمْ، وَلَمْ يَنْظُرُوا)(10) نظر المستبصر حتى يُفَرِّقُوا (11) بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَغَطَّى الْهَوَى عَلَى عُقُولِهِمْ دُونَ (12) أَنْ يُبْصِرُوا الطَّرِيقَ، فَكَذَلِكَ أَهْلُ هَذَا النوع.
وقل ما تَجِدُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ إِلَّا وَهُوَ يُوَالِي فِيمَا ارْتَكَبَ وَيُعَادِي بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ.
خَرَّجَ الْبَغْوِيُّ (في معجمه)(13) عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ الْكِنَانِيِّ (14) أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَأَخَذَ بِجَبْهَتِهِ فَنَبَتَتْ شَعْرَةٌ بِجَبْهَتِهِ (15) كَأَنَّهَا هُلْبَةُ (16) فَرَسٍ، قَالَ فَشَبَّ الْغُلَامُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الْخَوَارِجِ أجابهم فسقطت الشعرة عن جبهته، فأخذه
(1) في (م) و (غ) و (ر): "هنالك".
(2)
في (م) و (غ) و (ر): "بأخس".
(3)
في (خ) و (ط): "في دينه".
(4)
في (ت): "الظر".
(5)
ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(6)
في (م): "الطريق".
(7)
في (غ) و (ر): "وهذه".
(8)
ما بين المعكوفين ساقط من (ت).
(9)
في (خ) و (ط): "دينهم".
(10)
ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(11)
في (ط): "حتى لم يفرقوا".
(12)
بياض في (ت).
(13)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(14)
وقع جزء من الكلمة في البياض في نسخة (ت).
(15)
في (غ): "في جبهته".
(16)
في (خ) و (ت) و (ط): "سلفة"، وفي (م):"هلبة"، وفي هامشها الهلب بالضم الشعر كله أو ما غلظ منه. وقال في النهاية عن هلبات الفرس:"أي شعرات، أو خصلات من الشعر، واحدتها هلبة، والهلب الشعر. وقيل هو ما غلظ من شعر الذنب وغيره". النهاية في غريب الحديث (5/ 269).
أَبُوهُ فَقَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ (1)، قال فدخلنا عليه فوعظناه وَقُلْنَا لَهُ: أَلَمْ تَرَ بَرَكَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَعَتْ؟ قَالَ: فَلَمْ نَزَلْ (2) بِهِ (3) حَتَّى رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِمْ، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ عز وجل الشَّعْرَةَ فِي جَبْهَتِهِ إِذْ تاب (4).
وإن لم يكن هناك منتصبون إلا (5) هَذَا الْمُقَلِّدِ الْخَامِلِ بَيْنَ النَّاسِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ نَصَّبَ نَفْسَهُ مَنْصِبَ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَفِي تَأْثِيمِهِ نَظَرٌ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إِنَّهُ آثِمٌ. وَنَظِيرُهُ مَسْأَلَةُ أَهْلِ الْفَتَرَاتِ (6)، الْعَامِلِينَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَاسْتِقَامَةً (7) لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ عَصْرِهِمْ، مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ يَقُولُونَ فِي حُكْمِهِمْ: إِنَّهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ غابت
(1) في (ط): "يلحق بهم أحد".
(2)
في (م) و (ت) و (غ): "يزل".
(3)
ساقطة من (م) و (ت) و (غ).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 456)، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.
انظر: تقريب التهذيب لابن حجر (4734)، والكاشف للذهبي (3975).
(5)
في جميع النسخ "إلى"، عدا (غ) و (ر).
(6)
وهم الذين كانوا في الأزمنة التي فيها انقطاع من الرسل، وقد اختلف العلماء في حكمهم، وأرجح الأقوال فيهم أن الله يمتحنهم يوم القيامة، وبذلك ورد الحديث، فعن الأسود بن سريع أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة، فيقول رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً". رواه أحمد (4/ 24)، والإمام البيهقي في الاعتقاد والهداية (ص111)، وصحح إسناده، ورواه ابن أبي عاصم في السنة عن أبي هريرة (1/ 176)، وعزاه الهيثمي إلى أحمد والبزار والطبراني، وقال عن لفظ أحمد والبزار: ورجاله رجال الصحيح. المجمع (7/ 219)، وصححه الشيخ الألباني.
انظر: ظلال الجنة (1/ 176)، والسلسلة الصحيحة برقم (1434).
وانظر المسألة في: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (8/ 401)، طريق الهجرتين لابن القيم (ص396)، أضواء البيان للشنقيطي (3/ 374).
(7)
في (خ) و (ط) و (غ): "واستنامه".
عَلَيْهِ (1) الشَّرِيعَةُ، وَلَمْ يَدْرِ مَا (2) يَتَقَرَّبُ بِهِ (3) إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، (فَوَقَفَ عَنِ الْعَمَلِ)(4) بِكُلِّ مَا يَتَوَهَّمُهُ الْعَقْلُ (5) أَنَّهُ يُقَرِّبُ (6) إِلَى اللَّهِ، وَرَأَى مَا أَهْلُ عَصْرِهِ عَامِلُونَ بِهِ، مِمَّا لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مُسْتَنَدٌ إِلَّا اسْتِحْسَانُهُمْ، فَلَمْ يَسْتَفِزَّهُ (7) ذَلِكَ عَلَى (8) الْوُقُوفِ عَنْهُ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الدَّاخِلُونَ حَقِيقَةً تَحْتَ عُمُومِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (9).
وَقِسْمٌ لَابَسَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ عَصْرِهِ مِنْ عبادة غير الله، والتحريم والتحليل (10) بالرأي، ووافقهم (11) في اعتقاد ما اعتقدوه من الباطل، فهؤلاء قد (12) نص العلماء على أنهم غير معذورين، وأنهم (13) مُشَارِكُونَ لِأَهْلِ عَصْرِهِمْ فِي الْمُؤَاخَذَةِ، لِأَنَّهُمْ وَافَقُوهُمْ في العمل والموالاة والمعادات على تلك الشرعة (14)، فصاروا (15) مِنْ أَهْلِهَا، فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (16).
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُطْلِقُ الْعِبَارَةَ وَيَقُولُ (17): كَيْفَمَا كَانَ لَا يُعَذَّب أحد إلا بعد مجيء (18) الرُّسُلِ وَعَدَمِ الْقَبُولِ مِنْهُمْ، وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ قَوْلًا هَكَذَا، فَنَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنْ يَأْتِيَ عَالِمٌ أَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْتَصِبِ يُبَيِّنُ السُّنَّةَ مِنَ الْبِدْعَةِ، فَإِنْ رَاجَعَهُ هَذَا الْمُقَلِّدُ فِي أَحْكَامِ دِينِهِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْأَوَّلِ، فَقَدْ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ الَّذِي هُوَ شَأْنُ الْعُقَلَاءِ وَرَجَاءَ (19) السلامة، وإن اقتصر على الأول
(1) في (غ): "عنده"، وفي (ر):"عنه".
(2)
في (غ): "بما".
(3)
ساقطة من (م) و (ت) و (غ).
(4)
ما بين المعكوفين غير واضح في (ت).
(5)
في (غ): "الحق العقل".
(6)
في (م) و (غ): "تقرب"، وغير واضح في (ت).
(7)
في (غ) و (ر): "يستفززه".
(8)
في (غ) و (ر): "عن".
(9)
سورة الإسراء: آية (15).
(10)
في (غ): "التحليل والتحريم".
(11)
في (خ) و (ت) و (ط): "ووافقوهم".
(12)
ساقطة من (خ) و (ط).
(13)
ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(14)
في (غ): الشريعة.
(15)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "فصار".
(16)
سيزيد المؤلف هذا الموضوع بياناً في الفصل الآتي.
(17)
في (غ) و (ر): "فيقول".
(18)
زيادة في (غ) و (ر).
(19)
في (خ) بغير همزة، وكتب في هامش (ت):"ورجى" على أنها نسخة أخرى، وهو=
ظهر عناده، لأنه مع هذا الفرق لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الطَّارِئِ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَهُ كَانَ (1) ذَلِكَ لِهَوًى دَاخَلَهُ، وَتَعَصُّبٍ جَرَى فِي قَلْبِهِ مَجْرَى الكَلَب (2) فِي صَاحِبِهِ، وَهُوَ إِذَا بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ لَمْ يَبْعُدْ (3) أَنْ يَنْتَصِرَ لِمَذْهَبِ صَاحِبِهِ، وَيُحَسِّنَهُ (4)، وَيَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِأَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي عُمُومِيَّتِهِ. وَحُكْمُهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ قَبْلَهُ.
فَأَنْتَ تَرَى صَاحِبَ الشَّرِيعَةِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بُعِثَ إِلَى أصحاب (5) أهواء (6) وبدع قد (7) اسْتَنَدُوا إِلَى آبَائِهِمْ وَعُظَمَائِهِمْ فِيهَا، وَرَدُّوا مَا جَاءَ (بِهِ النَّبِيُّ)(8) صلى الله عليه وسلم، وَغَطَّى عَلَى قُلُوبِهِمْ رَيْنُ الْهَوَى حَتَّى (الْتَبَسَتْ عَلَيْهِمُ الْمُعْجِزَاتُ)(9) بِغَيْرِهَا ـ كَيْفَ صَارَتْ شَرِيعَتُهُ صلى الله عليه وسلم حُجَّةً عَلَيْهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ (10) وَالْعُمُومِ، وَصَارَ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ مَسُوقًا (11) إِلَى النَّارِ (عَلَى الْعُمُومِ)(12)، مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْمُعَانِدِ صَرَاحًا وَغَيْرِهِ، وَمَا (13) ذَاكَ إِلَّا لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، بِمُجَرَّدِ بَعْثَتِهِ (14) وَإِرْسَالِهِ لَهُمْ مُبَيِّنًا لِلْحَقِّ الَّذِي خَالَفُوهُ. فَمَسْأَلَتُنَا شَبِيهَةٌ بِذَلِكَ، فَمَنْ أَخَذَ بِالْحَزْمِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَمَنْ تَابَعَ الْهَوَى خيف عليه الهلاك، وحسبنا الله.
=معطوف على الاحتياط، وإن كان غير مهموز فهو معطوف على أخذ، على أنه فعل ماض.
(1)
ساقطة من (غ).
(2)
هو الداء المعروف، وتقدم (ص231).
(3)
في (غ) و (ر): "يعد".
(4)
ساقطة من (ط).
(5)
غير واضحة في (ت).
(6)
في (م): "أهوى".
(7)
في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "وقد".
(8)
غير واضح في (ت).
(9)
ما بين المعكوفين غير واضح في (ت).
(10)
في (ت): "الطلاق".
(11)
في (غ): "مسبوقاً".
(12)
ساقط من (غ).
(13)
في (م) و (ت) و (غ): "ما" بدون الواو.
(14)
في (غ): "بعثته إليهم"، وفي (ر):"بعثه".