المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل (1) فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ هَذَا؟ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - جـ ١

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌فصل (1) فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ هَذَا؟ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا

‌فصل

(1)

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ هَذَا؟ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، وَتَقْيِيدِ تِلْكَ الْمُطْلَقَاتِ، وَفَرَّعَ الْعُلَمَاءُ مِنْهَا كَثِيرًا مِنَ الْمَسَائِلِ، وَأَصَّلُوا مِنْهَا أُصُولًا يُحْتَذَى حَذْوُهَا، عَلَى وَفْقِ مَا ثَبَتَ نَقْلُهُ، إِذِ الظَّوَاهِرُ تَخْرُجُ عَلَى (2) مُقْتَضَى ظُهُورِهَا بِالِاجْتِهَادِ، وَبِالْحَرِيِّ إِنْ كَانَ مَا يُسْتَنْبَطُ بِالِاجْتِهَادِ مَقِيسًا عَلَى مَحَلِّ التَّخْصِيصِ، فَلِذَلِكَ قَسَّمَ النَّاسُ الْبِدَعَ، وَلَمْ يَقُولُوا بِذَمِّهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ.

وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوا مِنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا"(3).

وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ

(1) يذكر المؤلف في هذا الفصل القول بانقسام البدعة إلى حسنة وقبيحة، وحجة هذا القول، ثم يشرع في الرد عليه من ص339 إلى نهاية الفصل.

(2)

في (غ) و (ر): "عن".

(3)

رواه الإمام مسلم في كتاب الزكاة من صحيحه، باب الحث على الصدقة، عن المنذر بن جرير عن أبيه، وله قصة (7/ 102 ـ 104)، وفي كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، عن جرير بن عبد الله (16/ 225 ـ 226)، ورواه الإمام ابن ماجه في المقدمة من سننه، باب من سن سنة حسنة أو سيئة عنه برقم (207)(1/ 74)، والإمام أحمد في المسند (4/ 357 ـ 359).

ص: 305

فله مثل (1) أَجْرُ فَاعِلِهِ" (2).

وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ (3) مَنِ اتبعه غير منقوص (4) من أجورهم شيئا، ومن سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ (5) وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (6) مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا" حَسَنٌ صَحِيحٌ (7).

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي (8) أَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَذَلِكَ خَيْرٌ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِيمَنِ ابْتَدَعَ قوله (9):"مَنْ سَنَّ"، فَنُسِبَ الِاسْتِنَانُ إِلَى الْمُكَلَّفِ دُونَ الشَّارِعِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ: مَنْ عَمِلَ سُنَّةً ثَابِتَةً فِي الشَّرْعِ، لَمَا قَالَ:"مَنْ سَنَّ"، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:"مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأنه (10) أول من سن القتل"(11). "فسن" هاهنا على حقيقته (12)، لأنه اختراع (13) لَمْ يَكُنْ قَبْلُ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ وُجُودِ آدَمَ عليه السلام.

فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً" أَيْ مَنِ اخْتَرَعَهَا مِنْ نَفْسِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ حَسَنَةً، فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا ذُكِرَ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ عَمِلَ سُنَّةً ثَابِتَةً، وَإِنَّمَا الْعِبَارَةُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ: مَنْ عَمِلَ بِسُنَّتِي أو بسنة (14) من سنتي، وما أشبه (15) ذلك.

(1) ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(2)

رواه الإمام مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب، عن أبي مسعود البدري (13/ 38، 39)، والإمام الترمذي في كتاب العلم من سننه، باب ما جاء الدال على الخير كفاعله برقم (2671)، (5/ 40)، والإمام أبو داود في كتاب الأدب من سننه، باب في الدال على الخير برقم (5129)، (4/ 336)، والإمام أحمد في المسند (4/ 120).

(3)

في (غ): "فله أجره وأجر من اتبعه".

(4)

في (خ): "منقص".

(5)

في (خ) و (ط): "وزرها"، والمثبت هو الموافق للرواية.

(6)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "منقص".

(7)

تقدم تخريج الحديث (ص118).

(8)

ساقطة من (م) و (ت) و (غ) و (ر) و (ط).

(9)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(10)

في (غ): "ذلك لأنه".

(11)

تقدم تخريج الحديث (ص23).

(12)

في (خ) و (ط): "حقيقة".

(13)

في (ط): "اخترع".

(14)

في (خ) و (ط): "سنة".

(15)

في (غ): "أما أشبه".

ص: 306

كَمَا خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ (1): "اعْلَمْ" قال: [ما](2) أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "اعْلَمْ يَا بلال" قال: [ما] أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "إِنَّهُ مَنْ أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بها، من غير أن ينقص (3) مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً، لَا تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ (4) مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ من أوزار (5) النَّاسِ شَيْئًا" حَدِيثٌ حَسَنٌ (6).

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ" ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ". حَدِيثٌ حَسَنٌ (7).

فَقَوْلُهُ: "مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي" وَاضِحٌ فِي الْعَمَلِ بِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:"مَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي" ظَاهِرٌ فِي السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: مَنْ سَنَّ كَذَا، فإنه ظاهر فِي الِاخْتِرَاعِ أَوَّلًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي السُّنَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ لِبِلَالِ بْنِ الحارث: "ومن ابتدع بدعة ضلالة"، فظاهر في (8) أَنَّ (9) الْبِدْعَةَ لَا تُذَمُّ بِإِطْلَاقٍ، بَلْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ ضَلَالَةً، وَأَنْ تَكُونَ لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

فَاقْتَضَى (هَذَا كُلُّهُ)(10) أَنَّ الْبِدْعَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَلْحَقْهَا ذَمٌّ،

(1) هو بلال بن الحارث بن عصم بن سعيد المزني، من أهل المدينة، أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم العقيق، وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح، أحاديثه في السنن وغيرها، مات سنة 60هـ.

انظر: الإصابة لابن حجر (1/ 170)، أسد الغابة لابن الأثير (1/ 242).

(2)

ما بين المعكوفين من سنن الترمذي.

(3)

في (خ) و (ط): "ينقص ذلك".

(4)

في (خ) و (ط): "إثم".

(5)

في (خ) و (ط): "آثام"، والمثبت هو الموافق للرواية.

(6)

تقدم تخريجه (ص33).

(7)

تقدم تخريج الحديث (ص34).

(8)

زيادة في (م).

(9)

في (غ): "بأن".

(10)

ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (ت) و (غ).

ص: 307

وَلَا تَبِعَ صَاحِبَهَا وِزْرٌ، فَعَادَتْ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَدَخَلَتْ تَحْتَ الْوَعْدِ بِالْأَجْرِ.

وَالثَّانِي (1): أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ رضي الله عنهم وَأَعْلَاهُمُ الصَّحَابَةُ ـ قَدْ عَمِلُوا بِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، مِمَّا رَأَوْهُ حَسَنًا، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَلَا تَجْتَمِعُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضَلَالَةٍ، وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى هُدًى (2) وَمَا هُوَ حَسَنٌ.

فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَمْعِ الْقُرْآنِ وكَتْبه فِي الْمَصَاحِفِ، وَعَلَى جَمْعِ النَّاسِ عَلَى الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَاطِّرَاحِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في ذلك (3) نص ولا حظر (4)، ثُمَّ اقْتَفَى النَّاسُ أَثَرَهُمْ فِي ذَلِكَ الرَّأْيِ الحسن، فجمعوا العلم، ودونوه، وكتبوه، ومن سباقهم في ذلك مالك بن أنس رضي الله عنه، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمُ اتِّبَاعًا، وَأَبْعَدِهِمْ مِنَ الابتداع.

هذا وإن كانوا (5) قَدْ نُقِلَ عَنْهُمْ كَرَاهِيَةُ كَتْبِ الْعِلْمِ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ: إِمَّا عَلَى الخوف من الاتكال على الكتب استغناء به عَنِ الْحِفْظِ وَالتَّحْصِيلِ، وَإِمَّا عَلَى مَا كَانَ رَأْيًا دُونَ مَا كَانَ نَقْلًا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ثُمَّ اتَّفَقَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى تَدْوِينِ الْجَمِيعِ لَمَّا ضَعُفَ الْأَمْرُ، وَقَلَّ الْمُجْتَهِدُونَ فِي التَّحْصِيلِ، فَخَافُوا عَلَى الدِّينِ الدُّرُوسَ (6) جُمْلَةً.

قَالَ اللَّخْمِيُّ (7) ـ لَمَّا ذُكِرَ كَلَامُ مَالِكٍ وغيره في كراهية بيع كتب العلم

(1) أي الوجه الثاني في احتجاج من يقسم البدعة إلى حسنة وقبيحة.

(2)

في (خ) و (ط): "هذا".

(3)

في (م) و (ت) و (غ): "ولم يكن إذ ذاك".

(4)

في (م) و (ت) و (غ)"حصر" بالصاد، وفي (خ):"حضر" بالضاد، والناسخ يجعل الظاء ضاداً، وما في (م) و (ت) لعله مثل (خ) إلا أن النقطة لم تكتب.

(5)

في (خ) و (ط): "كان".

(6)

ساقطة من (خ) و (ط).

(7)

هو علي بن محمد الربعي، المعروف باللخمي القيرواني، رئيس الفقهاء في وقته، له تعليق على المدونة سماه التبصرة، مشهور معتمد في المذهب. توفي سنة 478هـ انظر شجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 117).

ص: 308

وَالْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ، وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْإِجَارَةَ عَلَى كتبه، وحكى الخلاف ـ قال (1):(ولا (2) أرى أن يختلف اليوم (3) فِي ذَلِكَ أَنَّهُ جَائِزٌ، لِأَنَّ حِفْظَ النَّاسِ وَأَفْهَامَهُمْ قَدْ نَقَصَتْ، وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ لَيْسَتْ لَهُمْ كُتُبٌ".

قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاسِمِ (4) وَلَا لِسَعِيدٍ (5) كُتُبٌ، وَمَا كُنْتُ أقرأ العلم (6) عَلَى أَحَدٍ يَكْتُبُ (7) فِي هَذِهِ الْأَلْوَاحِ، وَلَقَدْ قُلْتُ لِابْنِ شِهَابٍ (8):(أَكُنْتَ تَكْتُبُ الْعِلْمَ؟)، فَقَالَ:(لا)، فقلت:(أكنت تسألهم (9) أن يعيدوا (10) عَلَيْكَ الْحَدِيثَ؟) فَقَالَ: (لَا)(11).

فَهَذَا كَانَ شَأْنُ الناس، فلو سار (12) الناس اليوم (13) بسيرتهم (14)، لضاع العلم (15)، ولم يكن يبقى (16) منه رسمه (17)، وهذا الناس اليوم يقرأون كُتُبَهُمْ، ثُمَّ هُمْ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى مَا هم عليه.

(1) في (خ) و (ت) و (ط): "وقال".

(2)

في (خ) و (ط): "لا" بدون واو.

(3)

العبارة في (خ) و (ط): "ولا أرى اليوم أن يختلف".

(4)

هو القاسم بن محمد، وقد تقدمت ترجمته (ص201).

(5)

هو سعيد بن المسيب، وقد تقدمت ترجمته (ص201).

(6)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(7)

في (غ): "ولا يكتب".

(8)

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أبو بكر القرشي الزهري حافظ زمانه، وكان فقيهاً حافظاً، متفق على جلالته وإتقانه، وكان أعلم أهل المدينة. توفي سنة 125هـ.

انظر: التاريخ الكبير للبخاري (1/ 220)، السير (5/ 326)، التقريب (2/ 207)، الكاشف (3/ 85).

(9)

في (خ) و (ت) و (ط): "تحب"، وساقطة من (م).

(10)

في (م) و (ت): "يقيدوا"، وفي (خ) و (ط):"القيدوا".

(11)

ذكر ابن عبد البر عن مالك أنه قال: (لم يكن مع ابن شهاب كتاب إلا كتاب فيه نسب قومه، قال: ولم يكن القوم يكتبون، إنما كانوا يحفظون). انظر جامع بيان العلم (1/ 64).

(12)

في (م) و (خ) و (ت): "صار".

(13)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(14)

في (خ) و (ط): "سيرتهم"، وفي (م) و (ت):"لسيرتهم".

(15)

كتبت في (ت) فوق السطر.

(16)

ساقطة من (خ) و (ط).

(17)

نص العبارة في (خ) و (ط): "ولم يكن بينا منه ولو رسمه أو اسمه".

ص: 309

وأيضاً فإنه لا خلاف عندنا في مسائر الْفُرُوعِ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ وَاجِبٌ، وإذا كان كذلك كان إهمال كتابة (1) كُتُبِهَا (2) وَبَيْعِهَا يُؤَدِّي إِلَى التَّقْصِيرِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَأَنْ لَا يُوضَعَ مَوَاضِعَهُ، لِأَنَّ فِي (3) مَعْرِفَةِ أَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَ أَقَاوِيلِهِمْ قُوَّةً وَزِيَادَةٌ فِي وَضْعِ الِاجْتِهَادِ مَوَاضِعَهُ) (4).

انْتَهَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. وَفِيهِ إِجَازَةُ الْعَمَلِ بِمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَنْ تَقَدَّمَ، لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا.

فَكَذَلِكَ نَقُولُ: كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ، بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ، وَصَاحِبُهُ الَّذِي سَنَّهُ مَمْدُوحٌ، فَأَيْنَ ذَمُّهَا بِإِطْلَاقٍ، أَوْ عَلَى الْعُمُومِ؟!

وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه: (تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الْفُجُورِ)(5).

فَأَجَازَ ـ كَمَا تَرَى ـ إِحْدَاثَ الْأَقْضِيَةِ وَاخْتِرَاعَهَا عَلَى قَدْرِ اخْتِرَاعِ الْفُجَّارِ لِلْفُجُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لتلك المحدثات أصل.

(ومن ذلك تضمين الصناع (6)، وهو محكي عن الخلفاء رضي الله عنهم (7)، وَقَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنهم (8).

وَأَخَذَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ بِقَوْلِ الْمَيِّتِ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، وَلَمْ يَأْتِ لَهُ فِي

(1) ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(2)

في (م): "كتبه كتبها".

(3)

ساقطة من (غ).

(4)

كتاب التبصرة للخمي غير مطبوع، ولا أعلم له كتاباً آخر مطبوعاً.

(5)

سيأتي تضعيف المؤلف لهذا القول (ص349).

(6)

سيتكلم المؤلف عن هذه المسألة في الباب الثامن، حيث جعلها مثالاً من أمثلة المصالح المرسلة (2/ 119).

(7)

ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط).

(8)

سيذكر المؤلف هذه المسألة كمثال للمصالح المرسلة، انظر الباب الثامن (2/ 125).

ص: 310

الموطأ بأصل سماعي، وإنما علل بأمر مصلحي (1)، وَفِي مَذْهَبِهِ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ (2).

فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، مَعَ أَنَّهُ مُخْتَرَعٌ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ وَقَدِ اجْتَمَعَا فِي الْعِلَّةِ؟ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَصَالِحُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَائِزًا، فَلِمَ اجْتَمَعُوا عَلَى جُمْلَةٍ مِنْهَا (3)، وَفَرَّعَ غَيْرُهُمْ عَلَى بَعْضِهَا (4)؟ وَلَا يَبْقَى إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ يتابعون على ما عمل به (5) هؤلاء منها (6) دُونَ غَيْرِهِ (7)، وَإِنِ اجْتَمَعَا فِي الْعِلَّةِ الْمُسَوِّغَةِ لِلْقِيَاسِ. وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الِاقْتِصَارُ تَحَكُّمًا، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَمَا أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْبِدَعَ تَنْقَسِمُ (8).

"فَالْجَوَابُ" وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ أَنْ نَقُولَ:

أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ (9) قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً" الْحَدِيثَ، ليس الْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِرَاعَ أَلْبَتَّةَ، وَإِلَّا لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، إِنْ زَعَمَ مُورِدُ السُّؤَالِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الدَّلِيلِ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَظْنُونٌ فَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَمِّ الْبِدَعِ مَقْطُوعٌ به، فيلزم منه (10) التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ، وَالِاتِّفَاقُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ (أن لا تعارض بينهما لسقوط الظني وعدم اعتباره، فلم يبق إلا أن يقال إنه من قبيل العام والخاص، ولا تعارض بينهما عند المحققين)(11) ولكن لا دليل (12) فيه من وجهين:

(1) أثبته من (غ) و (ر)، وفي بقية النسخ:"مصطلحي".

(2)

في (ت): "كثرة".

(3)

ساقطة من (خ) و (ط).

(4)

نص العبارة في (ت): "وفرع بعضهم على غيرها غيرهم على بعضها"، وكأنه صحح الأولى بالثانية.

(5)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(6)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(7)

في (خ) و (ط): "غيرهم".

(8)

إلى هنا ينتهي ما ذكره المؤلف عن القائلين بانقسام البدع إلى حسن وقبيح، ثم يشرع في الجواب عما قالوه.

(9)

في (ت): "وهو".

(10)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(11)

ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(12)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

ص: 311

أحدهما: أن (1) يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَعَارِضَيْنِ إِذْ تَقَدَّمَ (2) أَوَّلًا أَنَّ أَدِلَّةَ الذَّمِّ تَكَرَّرَ عُمُومُهَا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ (3)، وَإِذَا (4) تَعَاضَدَتْ (5) أَدِلَّةُ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ (6) تَخْصِيصٍ، لَمْ يُقْبَلْ (7) بعد ذلك التخصيص.

والثاني: على التنزل (8) بفقد (9) التَّعَارُضِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الِاسْتِنَانَ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ مِنَ السنة النبوية، وذلك من وجهين (10):

أحدهما: أن السبب الذي لأجله جاء (11) الْحَدِيثُ هُوَ الصَّدَقَةُ الْمَشْرُوعَةُ، بِدَلِيلِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ (جَرِيرِ) (12) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ (13) ـ أو العباء (14) ـ متقلدي السيوف، عامتهم من (15) مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر (16) وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم (17) مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقال: " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (18) الآية،

(1) في (ط): "أنه".

(2)

في (م) و (غ) و (ر): "إذ قد مر".

(3)

في (ط): "تخصيصن".

(4)

في (م) و (غ) و (ر): "إذا" بدون الواو.

(5)

في (خ) و (ت) و (ط): "تعارضت".

(6)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(7)

في (م) و (غ): "تقبل".

(8)

في (خ): "التنزيل".

(9)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "لفقد".

(10)

في (خ) و (ط): "وذلك لوجهين".

(11)

في (خ) و (ط): "جاء لأجله".

(12)

في جميع النسخ "جابر"، والصواب المثبت إذ هو راوي الحديث.

(13)

في (خ) و (ت): "الثمار"، وهو خطأ، والصواب المثبت.

قال الإمام النووي في شرح مسلم: (النمار بكسر النون جمع نمرة بفتحها، وهي ثياب صوف فيها تنمير، والعباء بالمد وبفتح العين جمع عباءة وعباية لغتان وقوله مجتابي النمار أي خرقوها وقوروا وسطها)(7/ 102).

(14)

في (غ): "والعباء".

(15)

ساقطة من (خ) و (ط).

(16)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "فقمص". وهي خلاف الرواية أيضاً.

(17)

في (خ) و (ت) و (ط): "لما راءهم".

(18)

سورة النساء: آية (1).

ص: 312

وَالْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (1)، تَصَدَّقَ (2) رَجُلٌ مِنْ (3) دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حتى قال: ولو بشق تمرة" قال: فجاء (4) رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حتى رأيت وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ (5) كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ (6)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا (7) بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ" (8).

فَتَأَمَّلُوا أَيْنَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً" وَ)(9)"مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً"، تَجِدُوا ذَلِكَ فِيمَنْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ عَلَى أَبْلَغِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، حيث (10) أتى (11) بِتِلْكَ الصُّرَّةِ، فَانْفَتَحَ بِسَبَبِهِ (12) بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَبْلَغِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَالَ:"مَن سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً" الْحَدِيثَ، فَدَلَّ (13) عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ هَاهُنَا مِثْلُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ كَوْنُهُ سُنَّةً، وَأَنَّ الْحَدِيثَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:"من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي" الحديث إلى

(1) سورة الحشر: آية (18).

(2)

غير واضحة في (ت).

(3)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت).

(4)

في (ط): "فجاءه".

(5)

قال الإمام النووي في شرح مسلم: (يتهلل: أي يستنير فرحاً وسروراً)(7/ 103).

(6)

قال الإمام النووي في شرح مسلم: (وعلى هذا ذكر القاضي وجهين في تفسيره: أحدهما: معناه فضة مذهبة، فهو أبلغ في حسن الوجه وإشراقه، والثاني شبهه في حسنه ونوره بالمذهبة من الجلود، وجمعها مذاهب، وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود، وتجعل فيها خطوطاً مذهبه يرى بعضها أثر بعض). شرح مسلم للنووي (7/ 103).

(7)

ساقطة من (ت).

(8)

تقدم تخريج الحديث (ص333).

(9)

ما بين المعكوفين ساقط من (ط).

(10)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "حتى".

(11)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(12)

في (غ): "بنيته".

(13)

في (م) و (ت): "يدل".

ص: 313

قَوْلِهِ: "وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً"(1)، فَجَعَلَ مُقَابِلَ تِلْكَ السُّنَّةِ الِابْتِدَاعَ، فَظَهَرَ أَنَّ السُّنَّةَ الْحَسَنَةَ ليست بمبتدعة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي"(2).

وَوَجْهُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لما حض (3) عَلَى الصَّدَقَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ جَاءَ ذَلِكَ الْأَنْصَارِيُّ بِمَا جَاءَ بِهِ، فَانْثَالَ (4) بَعْدَهُ الْعَطَاءُ إِلَى الْكِفَايَةِ، فَكَأَنَّهَا كَانَتْ سُنَّةً أَيْقَظَهَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِفِعْلِهِ، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَنِ اخْتَرَعَ سُنَّةً وَابْتَدَعَهَا وَلَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً.

وَنَحْوَ هَذَا (5) الْحَدِيثِ فِي رَقَائِقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، مِمَّا يُوضِّحُ معناه، عن حذيفة رضي الله تعالى عنه، قَالَ: قَامَ سَائِلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ، فَسَكَتَ الْقَوْمُ، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا أَعْطَاهُ، فَأَعْطَاهُ الْقَوْمُ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من اسْتَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ بِهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، غَيْرَ مُنْتَقِصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنِ اسْتَنَّ شَرًّا فَاسْتُنَّ بِهِ، فَعَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ تَبِعَهُ، غَيْرَ مُنْتَقِصٍ من أوزارهم شيئاً (6) "(7).

فإذن قَوْلُهُ: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً" مَعْنَاهُ مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةٍ، لَا مَنِ اخْتَرَعَ سُنَّةً (8).

وَالْوَجْهُ (9) الثَّانِي مِنْ وَجْهَيِ الْجَوَابِ (10): أَنَّ قَوْلَهُ: "مَنْ سَنَّ سنة

(1) تقدم تخريجه (ص33).

(2)

تقدم تخريجه (ص34).

(3)

في (خ) و (ط): "مضى".

(4)

انثال: أي انصب، قال في الصحاح: وتناثل الناس إليه، أي انصبوا. انظر الصحاح (5/ 1825).

(5)

ساقطة من (م) و (ت) و (غ) و (ر).

(6)

ساقطة من (خ) و (ط).

(7)

رواه الإمام ابن المبارك في الزهد والرقائق (ص513)، والإمام أحمد في المسند (5/ 387)، والبزار في مسنده كما في كشف الأستار (1/ 89) برقم (150)، والطبراني في معجمه الأوسط كما في مجمع البحرين (1/ 222 ـ 223) برقم (238) وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح إلا أبا عبيدة بن حذيفة وقد وثقه ابن حبان (1/ 172)، ويشهد له حديث أبي هريرة عند مسلم، وتقدم تخريجه (ص118) وحديث جرير بن عبد الله عند مسلم وغيره، وتقدم تخريجه (ص119).

(8)

عبارة (غ): "لا من اخترعها".

(9)

في (خ): "والجواب".

(10)

أي من وجهي الجواب على أن المراد بحديث "من سن سنة" العمل بما ثبت من السنة لا الاختراع.

ص: 314

حسنة" و"من سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً" لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ مِنْ أَصْلٍ، لِأَنَّ كَوْنَهَا حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، لِأَنَّ التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ مُخْتَصٌّ بِالشَّرْعِ، لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ (1). وَإِنَّمَا يَقُولُ بِهِ الْمُبْتَدِعَةُ، أَعْنِي التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ بِالْعَقْلِ، فَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ (2) السُّنَّةُ فِي الْحَدِيثِ إما حسنة بالشرع (3)، وإما قبيحة بالشرع، فلا تصدق (4) إِلَّا عَلَى مِثْلِ الصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ السُّنَنِ الْمَشْرُوعَةِ، وَتَبْقَى السُّنَّةُ السَّيِّئَةُ مُنَزَّلَةٌ عَلَى الْمَعَاصِي الَّتِي ثَبَتَ بِالشَّرْعِ كَوْنُهَا مَعَاصِيَ، كَالْقَتْلِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ آدَمَ، حَيْثُ قَالَ عليه السلام: "لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ" (5)، وَعَلَى الْبِدَعِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَمُّهَا، وَالنَّهْيُ عَنْهَا بِالشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا قوله: "ومن (6) ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً"، فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدِيثِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ كَالْعُمُومَاتِ الْمُبْتَدَأَةِ التي لم يثبت (7) لَهَا أَسْبَابٌ.

وَيَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: "وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً" أَيْ مَنِ اخْتَرَعَهَا، وَشَمَلَ (8) مَا كَانَ مِنْهَا مُخْتَرَعًا ابْتِدَاءً مِنَ الْمَعَاصِي، كَالْقَتْلِ مِنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ، وَمَا كَانَ مُخْتَرَعًا بِحُكْمِ الْحَالِ، إِذْ (9) كَانَتْ قَبْلُ مُهْمَلَةً مُتَنَاسَاةً فَأَثَارَهَا عَمَلُ هَذَا الْعَامِلِ.

فَقَدْ عَادَ الْحَدِيثُ ـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ـ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ جِهَةِ لَفْظِهِ، وَشَرْحِ الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ لَهُ.

وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ فِي قَوْلِهِ: "وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً ضَلَالَةً"، وَأَنَّ تَقْيِيدَ

(1) تقدم التعليق على مسألة التحسين والتقبيح (ص213).

(2)

في (م): "يكون".

(3)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "في الشرع".

(4)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "يصدق".

(5)

تقدم تخريج الحديث (ص230).

(6)

في (خ) و (ط): "من" بدون الواو.

(7)

في (خ) و (ط): "تثبت".

(8)

في (غ): "ويشمل".

(9)

في (خ) و (ت): "إذا".

ص: 315

الْبِدْعَةِ بِالضَّلَالَةِ يُفِيدُ مَفْهُومًا (1)، وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ لَمْ تُفِدْ مَفْهُومًا.

وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَفْهُومِ عَلَى رَأْيِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ (2)، فَإِنَّ (3) الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى تَعْطِيلِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَمَا دَلَّ دَلِيلُ تَحْرِيمِ الرِّبَا قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى تَعْطِيلِ الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (4)(5)، وَلِأَنَّ الضَّلَالَةَ لَازِمَةٌ لِلْبِدْعَةِ (6) بِإِطْلَاقٍ، بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَا مَفْهُومَ أَيْضًا.

وَالْجَوَابُ (7) عَنِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي (8): أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، لَا مِنْ قَبِيلِ الْبِدْعَةِ الْمُحْدَثَةِ. وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ قَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَهِيَ مِنَ الْأُصُولِ الْفِقْهِيَّةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَإِنْ كَانَ فيها خلاف بينهم (9)، ولكن لا يعود (10) ذلك بقدح (11) على ما نحن فيه.

(1) وهو مفهوم المخالفة، فإذا كانت البدعة المذمومة هي بدعة الضلالة، فالبدعة الحسنة ليست بمذمومة، وسيبين المؤلف بطلان هذا الاستدلال.

(2)

والقول بمفهوم المخالفة هو رأي الجمهور بضوابطه، والأحناف لا يعدونه حجة.

انظر: المستصفى للغزالي (2/ 42)، والإحكام للآمدي (2/ 153)، وإرشاد الفحول للشوكاني (178)، أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي (1/ 367)، أصول الفقه للشيخ أبو زهرة (ص148).

(3)

في (م) و (غ): "لأن".

(4)

سورة آل عمران: آية (130).

(5)

مفهوم المخالفة المنفي عن الآية هو جواز أكل القليل من الربا إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة، وهو مفهوم باطل لأن المراد بتقييد الربا هنا بالأضعاف المضاعفة هو التنفير مما كان يفعله أهل الجاهلية، من الزيادة على رأس المال، ومضاعفة هذه الزيادة سنة بعد أخرى. والذي دل على كون القيد للتنفير هو قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة: آية (279).

انظر: أصول الفقه للدكتور وهبة الزحيلي (1/ 372 ـ 373)، أصول الفقه للشيخ أبو زهرة (ص151 ـ 152).

(6)

في (م): "البدعة".

(7)

ساقطة من (م)، وبياض في (غ).

(8)

وهو احتجاجهم بأن الصحابة ومن بعدهم قد عملوا بما لم يأت به كتاب ولا سنة، كجمع القرآن.

(9)

انظر هذه المسألة في الباب الثامن (2/ 111 ـ 112).

(10)

في (خ) و (ط): "يعد".

(11)

في (م) و (خ) و (ت): "قدح".

ص: 316

أَمَّا جَمْعُ الْمُصْحَفِ، وَقَصْرُ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، إِذْ أُنْزِلَ (1) الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهُا شَافٍ كَافٍ، تَسْهِيلًا عَلَى الْعَرَبِ الْمُخْتَلِفَاتِ اللُّغَاتِ (2)، فَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرَةً، إِلَّا أَنَّهُ عَرَضَ فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ بَعْدَ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتْحٌ لِبَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ، حَيْثُ (3) اخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ (4) حَسْبَمَا يَأْتِي بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (5)، فَخَافَ الصَّحَابَةُ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمُ ـ اخْتِلَافَ الْأُمَّةِ فِي يَنْبُوعِ الْمِلَّةِ، فَقَصَرُوا النَّاسَ عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْهَا فِي مصاحف عثمان رضي الله تعالى عَنْهُ، وَاطَّرَحُوا مَا سِوَى ذَلِكَ، عِلْمًا بِأَنَّ مَا اطَّرَحُوهُ مُضَمَّنٌ فِيمَا أَثْبَتُوهُ، لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي يُؤَدَّى بِهَا الْقُرْآنُ.

ثُمَّ ضبطوا ذلك أيضاً (6) بِالرِّوَايَةِ حِينَ فَسَدَتِ الْأَلْسِنَةُ، وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَهْلُ الْعُجْمَةِ، خَوْفًا مِنْ فَتْحِ بَابٍ آخَرَ مِنَ الْفَسَادِ، وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ أَهْلُ الْإِلْحَادِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْقِرَاءَاتِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، فَيَسْتَعِينُوا بِذَلِكَ فِي بَثِّ إِلْحَادِهِمْ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ (7) لَمَّا لَمْ يُمْكِنُهُمُ الدُّخُولُ مِنْ هَذَا الْبَابِ دَخَلُوا مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالدَّعْوَى فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ، حَسْبَمَا يَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (8).

فَحَقٌّ مَا فَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّ لَهُ أصْلًا يَشْهَدُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِتَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ، وَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (9)، وَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ:(لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغائب)(10) وأشباهه.

(1) في (م): "نزل".

(2)

أي اللهجات.

(3)

غير واضحة في (ت).

(4)

في (غ) و (ر): "القراءات".

(5)

سوف يتكلم المؤلف عن مسألة جمع القرآن بشيء من البسط في الباب الثامن (2/ 115 ـ 117).

(6)

زيادة في (م).

(7)

في (ت): "أنهم".

(8)

سيتكلم المؤلف عن مآخذ المبتدعة في الاستدلال في الباب الرابع.

(9)

سورة المائدة: آية (67).

(10)

رواه الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ=

ص: 317

وَالتَّبْلِيغُ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِكَيْفِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ، لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَيَصِحُّ بِأَيِّ شَيْءٍ أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة (1) وغيرها، كذلك لَا يَتَقَيَّدُ حِفْظُهُ عَنِ التَّحْرِيفِ وَالزَّيْغِ بِكَيْفِيَّةٍ دُونَ أُخْرَى إِذَا لَمْ يَعُدْ عَلَى الْأَصْلِ بالإبطال (2)، كَمَسْأَلَةِ الْمُصْحَفِ، وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ.

وَأَمَّا مَا سِوَى الْمُصْحَفِ فَالْأَمْرُ فِيهِ أَسْهَلُ، فقد ثبت في السنة أصل (3) كِتَابَةُ الْعِلْمِ، فَفِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:"اكْتُبُوا لِأَبِي (4) شَاهٍ"(5)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:(لَيْسَ أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثاً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مني (6)، إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو (7)، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَكُنْتُ لَا أَكْتُبُ) (8).

وَذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ (9) صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له الوحي

=أوعى من سامع" عن أبي بكرة رضي الله عنه (1/ 157 ـ 158) ومسلم في كتاب القسامة من صحيحه، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (167 ـ 172)، والإمام الدارمي في كتاب المناسك، باب في الخطبة يوم النحر برقم (1916)(2/ 93)، والإمام ابن ماجه في المقدمة من سننه، باب من بلغ علماً برقم (223)(1/ 85)، والإمام أحمد في المسند (5/ 37).

(1)

ساقطة من (غ).

(2)

في (م) و (ت): "الابطال".

(3)

ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(4)

في (خ): "لي".

(5)

رواه الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه، باب كتابة العلم عن أبي هريرة (1/ 205)، وفي كتاب اللقطة، باب كيف تعرف لقطة مكة (5/ 86 ـ 87)، والإمام أبو داود في كتاب المناسك من سننه، باب تحريم حرم مكة برقم (2017)(2/ 218 ـ 219)، والإمام الترمذي في كتاب العلم من سننه، باب ما جاء في الرخصة "في كتابة العلم" برقم (2667)(5/ 38)، والإمام أحمد في المسند (2/ 238).

(6)

ساقطة من (م) و (ت)، وقدمت في (خ) و (ط) على قوله: "رسول الله

".

(7)

في (خ) و (ت): "عمر" وهو خطأ.

(8)

رواه الإمام البخاري في كتاب العلم من صحيحه، باب كتابة العلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه (1/ 206)، والإمام الترمذي في كتاب العلم من سننه، باب ما جاء في الرخصة في "كتابة العلم" برقم (2668)(5/ 39)، وفي كتاب المناقب برقم (3841)(5/ 644)، والإمام أحمد في المسند (2/ 248 ـ 249).

(9)

لفظ الجلالة ليس في (ت).

ص: 318

وَغَيْرَهُ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُمْ (1).

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ إِذَا تَعَيَّنَ لِضَعْفِ الْحِفْظِ، وَخَوْفِ انْدِرَاسِ الْعِلْمِ، كَمَا خِيفَ (على القرآن فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فدليل كَتْب العلم إذا خيف)(2) دروسه عتيد (3). وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ (4) وَإِنَّمَا كَرِهَ (5) الْمُتَقَدِّمُونَ كَتْبَ الْعِلْمِ لِأَمْرٍ آخَرَ (6)، لَا لِكَوْنِهِ بِدْعَةً، فَكُلُّ مِنْ سَمَّى كَتْبَ الْعِلْمِ بِدْعَةً فَإِمَّا مُتَجَوِّزٌ، وَإِمَّا غَيْرُ عَارِفٍ بوضع (7) لَفْظِ الْبِدْعَةِ. فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ على صحة العمل بالبدع.

وإن تعلق بِمَا وَرَدَ مِنَ الْخِلَافِ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وَأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا غَيْرُ (8) صَحِيحٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ (9)، (فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ)(10) إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُصْحَفِ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُهَا (11) فِي صُورَةٍ ثَبَتَ اعْتِبَارُهَا مُطْلَقًا، وَلَا يَبْقَى بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ نِزَاعٌ إِلَّا فِي الْفُرُوعِ.

وَفِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ"(12)، فَأَعْطَى الْحَدِيثُ ـ كَمَا تَرَى ـ أَنَّ مَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ

(1) وممن ذكر كتَّابه صلى الله عليه وسلم الإمام ابن القيم في زاد المعاد (1/ 117)، والتنبيه والإشراف للمسعودي (245 ـ 246).

(2)

ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(3)

في (خ) و (ط): "حينئذ"، وعتيد يعني: حاضر.

(4)

تقدم (ص337).

(5)

في (ت): "ذكر".

(6)

تقدم سبب كراهتهم لذلك (ص336).

(7)

في (م) و (ت): "بموضع"، وغير واضحة في (غ).

(8)

ساقطة من (م) و (ت).

(9)

سيتكلم المؤلف عن هذه المسألة في بداية الباب الثامن (2/ 111 ـ 112).

(10)

ساقط من (غ).

(11)

في (غ): "اعتبار".

(12)

تقدم تخريج الحديث (ص66).

ص: 319

لَاحِقٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّ مَا سَنُّوهُ لَا يَعْدُو أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، فَذَلِكَ سُنَّةٌ لَا بِدْعَةٌ، وَإِمَّا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِهِ سُنَّةً، إِذْ قَدْ أَثْبَتَهُ كذلك صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم.

فدليله مِنَ الشَّرْعِ ثَابِتٌ، فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ، وَلِذَلِكَ أَرْدَفَ الأمر (1) باتباعهم (2) بِالنَّهْيِ عَنِ الْبِدَعِ بِإِطْلَاقٍ، وَلَوْ كَانَ عَمَلُهُمْ ذَلِكَ بِدْعَةً لَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ التَّدَافُعُ.

وَبِذَلِكَ يُجَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ (3)، لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَهُوَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَتَضْمِينُ الصُّنَّاعِ (4)، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ رضي الله عنهم.

وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمْ أَرَهُ ثَابِتًا مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ (5)، وَإِنْ سُلِّمَ فَرَاجِعٌ: إِمَّا لِأَصْلِ الْمَصَالِحِ المرسلة (وإما لباب تحقيق المناط، وكذلك الأخذ بقول الميت دمي عند فلان من باب الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ)(6) ـ إِنْ لَمْ نَقُلْ: إِنَّ أَصْلَهُ قِصَّةُ الْبَقَرَةِ (7) ـ، وَإِنْ (8) ثَبَتَ أَنَّ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ مَقُولٌ بِهَا عِنْدَ السَّلَفِ ـ مَعَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بها يذمون البدع وأهلها، ويتبرأون مِنْهُمْ ـ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِدَعَ مُبَايِنَةٌ لَهَا، وَلَيْسَتْ مِنْهَا فِي شَيْءٍ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَابٌ تذكر فيه (بعد إن شاء الله)(9)(10).

(1) ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).

(2)

في (خ) و (ط): "اتباعهم".

(3)

تكلم المؤلف عن هذه المسألة في الباب الثامن (2/ 125 ـ 126).

(4)

تكلم المؤلف عن هذه المسألة في الباب الثامن (2/ 119).

(5)

وهو قول عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: (تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بقدر ما أحدثوا من الفجور)، وتقدم (ص338).

(6)

ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(7)

أراد القصة المذكورة في سورة البقرة، والشاهد أنه لما أحياه الله أخبرهم بقاتله، فبنوا الحكم على قوله.

(8)

في (غ) و (ر): "وإذا".

(9)

ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط).

(10)

وهو الباب الثامن الذي بين فيه المؤلف الفرق بين المصالح المرسلة والبدع.

ص: 320