المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ النَّقْلِ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ (1) - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - جـ ١

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ ‌فصل الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ النَّقْلِ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ (1)

‌فصل

الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ النَّقْلِ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ (1) مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم فِي ذَمِّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا، وَهُوَ كَثِيرٌ.

فمما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين مَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ سُنَّتْ لَكُمُ السُّنَنُ، وَفُرِضَتْ لَكُمُ الْفَرَائِضُ، وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ، إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَصَفَّقَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ: إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: لَا نَجِدُ حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَدْ (2) رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا) (3). إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سَبَقْتُمْ سبقاً بعيداً، وإن أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلًالًا بَعِيدًا".

(1) ساقطة من (ت).

(2)

كتب في (ت): "إلا بعد".

(3)

رواه الإمام البخاري في كتاب الحدود من صحيحه، باب الاعتراف بالزنا، والباب الذي يليه عن عمر رضي الله عنه، مع اختلاف يسير في اللفظ (12/ 137، 144 فتح)، والإمام مسلم في كتاب الحدود من صحيحه، باب حد الزنا وذكره بلفظ البخاري الثاني (11/ 191 ـ 192)، والإمام أبو داود في كتاب الحدود من سننه، باب في الرجم، وذكره قريباً من لفظ الصحيحين (4/ 143) والإمام ابن ماجه في كتاب الحدود من سننه، باب الرجم وذكره بلفظ الصحيحين (2/ 853)، والإمام الترمذي في كتاب الحدود من سننه، باب ما جاء في تحقيق الرجم وذكره بلفظين أحدهما أخصر من الآخر (4/ 29 ـ 30)، والإمام الدارمي في كتاب الحدود من سننه، باب في حد المحصنين بالزنا (2/ 234)، ورواه الإمام مالك في كتاب الحدود من الموطأ، باب ما جاء في الرجم (2/ 824)، والإمام أحمد في مواضع من المسند (1/ 23، 29، 36).

ص: 126

وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَقِفُ عَلَى الحِلَق (1) فَيَقُولُ: (يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، اسْلُكُوا الطَّرِيقَ، فَلَئِنْ سَلَكْتُمُوهَا لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لقد ضللتم ضلالاً بعيداً".

وفي رواية لابن (2) الْمُبَارَكِ: (فَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَقَمْتُمْ (لَقَدْ سَبَقْتُمْ)(3) سَبْقًا بَعِيدًا) (4) الْحَدِيثَ.

وَعَنْهُ أَيْضًا: (أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى النَّاسِ اثْنَتَانِ: أَنْ يُؤْثِرُوا مَا يَرَوْنَ على ما يعلمون، وَأَنْ يَضِلُّوا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ). قَالَ سُفْيَانُ: (وَهُوَ صَاحِبُ الْبِدْعَةِ)(5).

وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ أَخَذَ حَجَرَيْنِ فَوَضَعَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: (هَلْ تَرَوْنَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنَ النُّورِ؟) قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا نَرَى بَيْنَهُمَا مِنَ النُّورِ إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ:(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَظْهَرَنَّ الْبِدَعُ حَتَّى لا يرى (6) من الحق إلا قدر ما بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنَ النُّورِ، وَاللَّهِ لَتَفْشُوَنَّ الْبِدَعُ حَتَّى إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالُوا: تركت السنة) (7).

(1) في (خ) و (ت) و (ط): "الخلق".

(2)

في (خ) و (ط): "ابن".

(3)

ما بين المعكوفين ساقط من (م).

(4)

رواه عن حذيفة رضي الله عنه الإمام البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيحه، باب الاقتداء بسنن رسول الله (13/ 250 مع الفتح)، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/ 139)، وابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص17 ـ 18)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 97)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 90)، وأحمد بن نصر في السنة (ص30)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 336)، وأورده البغوي في شرح السنة (1/ 214). وألفاظهم متقاربة.

(5)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب إحداث البدع (ص43)، وفي بابٌ في نقض عرى الإسلام (ص76).

(6)

في (غ): "يرى" بدون لا.

(7)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب في نقض عرى الإسلام ودفن الدين وإظهار البدع (ص65).

ص: 127

وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةَ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةَ، وَلَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، وَلَيُصَلِّيَنَّ (1) نِسَاؤُكُمْ (2) وَهُنَّ (3) حُيّض، وَلَتَسْلُكُنَّ طَرِيقَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ القُذَّة (4) بالقُذَّة وَحَذْوَ النَّعْلِ بالنعلِ (5)، لَا تُخْطِئُونَ طَرِيقَهُمْ، وَلَا تُخْطِئُ بِكُمْ، وَحَتَّى تَبْقَى فِرْقَتَانِ مِنْ فِرَقٍ (6) كَثِيرَةٍ، تَقُولُ إِحْدَاهُمَا: مَا بَالُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؟ لَقَدْ ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} (7) لا يصلون إِلَّا ثَلَاثًا، وَتَقُولُ الْأُخْرَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ كإيمان الملائكة، ما فينا (8) كَافِرٌ وَلَا مُنَافِقٌ، حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَحْشُرَهُمَا مَعَ الدَّجَّالِ) (9).

وَهَذَا الْمَعْنَى مُوَافِقٌ لِمَا ثبت من حديث أبي رافع (10) رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَأَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا على أريكته (11) يأتيه الأمر من

(1) في (ط): "وليطئن".

(2)

في (ت): "نساؤهم"، وفي (غ) و (ر):"نساء".

(3)

في (خ) و (ط): "وبن"، وهي ساقطة من (ت).

(4)

قال ابن الأثير في النهاية: القُذَذ ريش السهم، واحدتها قذة، ومنه الحديث "لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة" أي كما تقدر كل واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع" (4/ 28).

(5)

ساقطة من (م)، و (خ) و (ت).

(6)

في (ت): "فريق".

(7)

سورة هود: آية (114).

(8)

في (خ) و (ت) و (ط): "فيها".

(9)

رواه عن حذيفة رضي الله عنه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب في نقض عرى الإسلام بلفظ المؤلف (ص65)، ورواه الإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى مع اختلاف يسير في اللفظ (1/ 174)، ورواه أيضاً بلفظ أخصر وليس فيه ذكر الفرقتين (2/ 571)، ورواه الإمام الآجري في الشريعة مع اختلاف يسير في اللفظ (ص20).

(10)

هو أبو رافع القبطي مولى الرسول صلى الله عليه وسلم، اسمه إبراهيم، وقيل: أسلم، أو ثابت أو هرمز، كان للعباس أولاً، فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم. روى عدة أحاديث، وشهد أحد والخندق. وكان ذا علم وفضل. مات في أول خلافة علي رضي الله عنه.

انظر: الإصابة (11/ 128 ـ 129)، طبقات ابن سعد (4/ 73 ـ 75)، أسد الغابة (1/ 52)، السير (2/ 16).

(11)

الأريكة: السرير في الحجلة من دونه ستر، ولا يسمى منفرداً أريكة. وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة. انظر النهاية (1/ 40).

ص: 128

أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ (1) بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي (2)، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ" (3).

فَإِنَّ السُّنَّةُ جَاءَتْ مُفَسِّرَةً لِلْكِتَابِ، فَمَنْ أَخَذَ بِالْكِتَابِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِالسُّنَّةِ زَلَّ عَنِ الْكِتَابِ كَمَا زَلَّ عَنِ السُّنَّةِ، فَلِذَلِكَ (4) يَقُولُ الْقَائِلُ:"لَقَدْ ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا" إِلَى آخِرِهِ.

وَهَذِهِ الْآثَارُ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ وَضَّاحٍ (5).

وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ (6) عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (اتَّبِعُوا آثَارَنَا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ)(7).

وَخَرَّجَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ بِذَهَابِ أَهْلِهِ. عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يَفْتَقِرُ إِلَى مَا عِنْدَهُ، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق، وعليكم بالعتيق)(8).

(1) مطموسة في (ت).

(2)

في (ط) كرر لفظ "لا أدري".

(3)

رواه أبو داود في كتاب السنة من سننه، باب لزوم السنة عن أبي رافع (4/ 199) وابن ماجه في المقدمة من سننه، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/ 7)، والترمذي في كتاب العلم من سننه، باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقال حسن صحيح (5/ 36)، والإمام أحمد في المسند (6/ 8)، والحاكم وصححه (1/ 108 ـ 109)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 82)، والإمام الآجري في الشريعة (ص50)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 228)، والإمام البغوي في شرح السنة، وحسنه (1/ 200 ـ 201). وصححه الشيخ الألباني. انظر صحيح الجامع برقم (7049) ..

(4)

في غ (فإذا).

(5)

تقدم تخريجها قريباً.

(6)

ساقطة من (م) و (ت).

(7)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص17)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 86)، والإمام المروزي في السنة (ص28)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 327)، وأورده البغوي في شرح السنة (1/ 214)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. (1/ 186).

(8)

أخرجه الإمام الدارمي في المقدمة من سننه، باب من هاب الفتيا عن ابن مسعود=

ص: 129

وَعَنْهُ أَيْضًا: (لَيْسَ عَامٌ إِلَّا وَالَّذِي (1) بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ. لَا أَقُولُ: عَامٌ أَمْطَرُ مِنْ عَامٍ، وَلَا عَامٌ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ، وَلَا أَمِيرٌ خَيْرٌ مِنْ أَمِيرٍ، وَلَكِنْ ذَهَابُ عُلَمَائِكُمْ وَخِيَارِكُمْ، ثُمَّ يُحْدِثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِآرَائِهِمْ فَيُهْدَمُ الْإِسْلَامُ وَيُثْلَمُ) (2).

وَقَالَ أَيْضًا: (كَيْفَ أَنْتُمْ إذا ألبستكم (3) فِتْنَةً يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَيَنْشَأُ فِيهَا الصَّغِيرُ، تجرى (4) على الناس يحدثونها سنة، إذا غُيِّرَتْ قِيلَ: هَذَا مُنْكَرٌ" (5).

وَقَالَ أَيْضًا: (أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَبْتَدِعُوا وَلَا تَنَطَّعُوا وَلَا تَعَمَّقُوا، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ، خُذُوا مَا تَعْرِفُونَ، وَدَعُوا مَا تُنْكِرُونَ)(6).

وَعَنْهُ أَيْضًا: (الْقَصْدُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ من الاجتهاد في البدعة)(7).

=وذكره (1/ 66)، والإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص32)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم من قوله:(ستجدون .. إلخ)(2/ 193)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 87)، والإمام المروزي في السنة (ص29 ـ 30)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 324، 333)، وذكره البغوي في شرح السنة (1/ 317).

(1)

وقعت الياء من الكلمة في البياض في نسخة (ت).

(2)

أخرجه الإمام الدارمي في مقدمة سننه، باب تغير الزمان وما يحدث فيه عن ابن مسعود وذكره (1/ 76)، والإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص40، 87) والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 135 ـ 136)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه مجالد بن سعيد وقد اختلط. (1/ 185).

(3)

في (م) و (ت) و (ط): "ألبستم"، والمثبت هو الموافق للرواية.

(4)

في (ت): "يجري".

(5)

رواه الإمام الدارمي في المقدمة من سننه، باب تغير الزمان عن ابن مسعود بلفظ أطول (1/ 75)، ورواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها بلفظين الأول منهما لفظ المؤلف (ص41، 96)، ورواه الإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة بلفظ أطول. (1/ 91).

(6)

تقدم بمعناه (ص139).

(7)

رواه الإمام الدارمي في مقدمة سننه، باب في كراهية أخذ الرأي عن ابن مسعود رضي الله عنه (1/ 83)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 55، 88)،=

ص: 130

وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُّنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ (1) فِي بِدْعَةٍ"(2).

وَعَنْهُ أَيْضًا خَرَّجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ (3) أَنَّهُ قَالَ: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِمَامٌ ضَالٌّ يُضِلُّ (4) النَّاسَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَمُصَوِّرٌ، وَرَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ"(5).

وَعَنْ أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه (6) قَالَ: (لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ)(7) عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا من أمره أن أزيغ) (8).

=والإمام محمد بن نصر في السنة (ص30)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 320، 329، 337)، وهو مروي أيضاً عن أبي الدرداء رضي الله عنه كما في أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 88)، وكذلك في السنة للمروزي (ص32).

(1)

كتب في (خ) عند هذا الموضع "من عمل"، وهي زيادة من الناسخ.

(2)

ذكره صاحب الكنز تحت رقم (1096)، وعزاه للرافعي عن أبي هريرة ومسند الفردوس عن ابن مسعود (1/ 219)، ورواه عبد الرزاق في المصنف عن الحسن مرسلاً برقم (20568)، (11/ 291)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 239)، وقال عند المناوي في فيض القدير: فيه أبان بن يزيد العطار ليّنه القطان (4/ 362)، وضعفه الألباني كما في ضعيف الجامع تحت رقم (3811)، (ص556).

(3)

هو قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف القرطبي، الإمام الحافظ العلامة، محدث الأندلس، صنف سنناً وصحيحاً، وألف كتاب بر الوالدين، وكتاب مسند مالك وكتاب المنتقى في الآثار وكتاب الأنساب، انتهى إليه علو الإسناد بالأندلس مع الحفظ والاتقان، وبراعة العربية، والتقدم في الفتوى، مات بقرطبة سنة أربعين وثلاثمائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 472)، لسان الميزان (4/ 458)، معجم الأدباء (16/ 236).

(4)

بياض في (ت).

(5)

تقدم تخريج الحديث مرفوعاً (ص130).

(6)

ساقطة من (ط).

(7)

ما بين المعكوفين بياض في (ت).

(8)

أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (2926) أبواب الخمس، باب فرض الخمس، وأبو داود في سننه (2970) كتاب الخراج، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 39)، ورواه الإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى، باب ذكر ما جاءت به السنة من طاعة رسول الله .. عن أبي بكر رضي الله عنه. (1/ 246).

ص: 131

وخرج (1) ابن المبارك عن (ابن عمر رضي الله عنهما قال: بلغ)(2) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ (3) يَأْكُلُ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، فقال عمر رضي الله عنه لِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ (4): يَرْفَأُ: "إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَ عَشَاؤُهُ فَأَعْلِمْنِي"، فَلَمَّا حَضَرَ عشاؤه أعلمه، فأتاه عمر رضي الله عنه فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فقُرِّب عشاؤه، فَجَاءَ بِثَرِيدِ (5) لَحْمٍ، فَأَكَلَ عُمَرُ مَعَهُ مِنْهَا (6)، ثُمَّ قَرَّبَ شِوَاءً فَبَسَطَ يَزِيدُ يَدَهُ، وَكَفَّ عمر رضي الله عنه يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ:(وَاللَّهِ يَا يَزِيدُ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَطَعَامٌ بَعْدَ طَعَامٍ؟ وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَئِنْ خَالَفْتُمْ (7) عَنْ سُنَّتِهِمْ لَيُخَالَفَنَّ بكم عن طريقهم" (8).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ)(9).

(1) الواو ساقطة من (ط).

(2)

ما بين المعكوفين ساقط من (ط).

(3)

هو يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي، أخو معاوية من أبيه، أسلم رضي الله عنه يوم الفتح، وحسن إسلامه، وشهد حنين، وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، وعلى يده كان فتح قيسارية التي بالشام. توفي رضي الله عنه في الطاعون سنة ثمان عشرة.

انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (11/ 69)، أسد الغابة لابن الأثير (5/ 491)، سير أعلام النبلاء (1/ 328).

(4)

ساقط من (ت).

(5)

في (م) و (غ): "بثريدة".

(6)

ساقط من (ت).

(7)

في (م) و (خ): "خالفتهم"، وصححت في هامش (خ).

(8)

رواه الإمام ابن المبارك في الزهد (ص203).

(9)

رواه عبد الرزاق في المصنف (4281)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 422)، والبيهقي في السنن الكرى (5417)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 7/185 ـ 186)، ورواه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، باب فضل السنة ومباينتها لسائر أقاويل علماء الأمة عن صفوان بن محرز القارئ المأزري أنه سأل عبد الله ابن عمر عن الصلاة في السفر، فقال:"ركعتان. من خالف السنة كفر". (2/ 195)، وذكره الإمام ابن بطة في الإبانة الصغرى بلفظ (من ترك السنة كفر)(ص123).

ص: 132

وَخَرَّجَ (1) الْآجُرِّيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ (2) قَالَ: أتى (3) عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا لَقِينَا رَجُلًا يَسْأَلُ عَنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمْكِنِّي مِنْهُ، قال: فبينما عمر (4) رضي الله عنه ذَاتَ يَوْمٍ يُغَدِّي النَّاسَ (إِذْ جَاءَهُ)(5) عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَعِمَامَةٌ فَتَغَدَّى، حَتَّى (6) إِذَا فَرَغَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا *فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا *} (7)، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ هُوَ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ مُحْسِرًا عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ (8) يَجْلِدُهُ حَتَّى سَقَطَتْ عِمَامَتُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ وَجَدْتُكَ مَحْلُوقًا لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ (9)، أَلْبِسُوهُ ثِيَابَهُ وَاحْمِلُوهُ عَلَى قَتَبٍ (10)، ثُمَّ أَخْرِجُوهُ حَتَّى تَقْدَمُوا بِهِ بِلَادَهُ، ثُمَّ لِيَقُمْ خَطِيبًا، ثُمَّ لِيَقُلْ: إِنَّ صَبِيْغاً (11) طَلَبَ الْعِلْمَ فَأَخْطَأَ. فَلَمْ يَزَلْ وَضِيعًا فِي قومه حتى هلك، وكان سيد قومه) (12).

(1) هذا الأثر أخره ناسخ (غ) بعد أثر أبيّ الآتي.

(2)

هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، وقيل غير ذلك في نسبه، ويعرف بابن أخت النمر، صحابي صغير، له أحاديث قليلة، وحُج به في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة، مات سنة إحدى وتسعين وقيل: قبل ذلك، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة.

انظر: أسد الغابة (2/ 321)، والاستيعاب (ص576)، الإصابة (2/ 12)، السير (3/ 437).

(3)

في (ت): "أوتي".

(4)

ساقطة من (خ).

(5)

ما بين المعكوفين ساقط من (ت).

(6)

ساقطة من (ت).

(7)

سورة الذاريات: آيتان (1، 2).

(8)

ساقطة من (ت).

(9)

ذكر الإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى أن عمر رضي الله عنه قال ذلك، لأنه ظن أنه من الخوارج، وقد ورد في الحديث أن سيماهم التحليق. انظر: الإبانة (1/ 417). وانظر الحديث في صحيح مسلم بشرح النووي عن أبي سعيد (7/ 167)، وانظر فتح الباري (12/ 295).

(10)

القِتْبُ والقَتَبُ: إكاف البعير، وقد يؤنث، والتذكير أعم، وفي الصحاح رحل صغير على قدر السنام. انظر لسان العرب لابن منظور (1/ 660).

(11)

قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: صَبِيْغ، بوزن عظيم، وآخره معجمة، ابن عسل

، ويقال بالتصغير، ويقال ابن سهل الحنظلي، له إدراك، وقصته مع عمر مشهورة. انظر الإصابة، وقد ذكر بعض روايات قصته مع عمر رضي الله عنه، وأمر عمر بهجره، ثم توبته بعد ذلك. انظر الإصابة (3/ 458).

(12)

روى هذه القصة الإمام الآجري في الشريعة (ص73)، وعبد الرزاق في المصنف (20906)، والإمام الدارمي في مقدمة سننه، باب من هاب الفتيا، وذكر أنه تاب=

ص: 133

وَخَرَّجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ (1): (عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَبْدٍ عَلَى السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ اللَّهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (2) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ أَبَدًا، وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَبْدٍ عَلَى السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ فَاقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إِلَّا كَانَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ قَدْ يَبُسَ وَرَقُهَا فهي كذلك (إذ)(3) أَصَابَتْهَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَتَحَاتَّ عَنْهَا وَرَقُهَا إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتَّ عَنِ الشجرة ورقها، فإن اقتصاداً في سبيل (4) وَسُنَّةً خَيْرٌ مِنِ اجْتِهَادٍ فِي خِلَافِ سَبِيلٍ (5) وَسُنَّةٍ، وَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عَمَلُكُمْ إِنْ كَانَ اجْتِهَادًا وَاقْتِصَادًا أَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ وَسُنَّتِهِمْ (6)) (7).

وَخَرَّجَ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:(مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ (8) سُنَّةً، حَتَّى تَحْيَا الْبِدَعُ وَتَمُوتَ السُّنَنُ" (9).

وَعَنْهُ أَنَّهُ قال: (عليكم (بالاستقامة)(10) والأثر، وإياكم والبدع) (11).

=وحسنت توبته (1/ 66 ـ 67)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 415)، والإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص63)، وانظر: الإصابة لابن حجر (3/ 370 ـ 372).

(1)

كتبت في (ت): "فوق السطر".

(2)

في (غ): "ربه".

(3)

في جميع النسخ "إذا" عدا (غ).

(4)

في (خ) و (ت) و (ط): "سبيل الله"، والمثبت هو ما في (م) و (غ)، وهو الموافق لمراجع الأثر.

(5)

في (ط): "سبيل الله".

(6)

ساقطة من (غ).

(7)

رواه الإمام ابن المبارك في الزهد، باب لزوم السنة (2/ 21)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 54)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 359)، والإمام أبو نعيم في الحلية عند ترجمة أبي رضي الله عنه (1/ 253).

(8)

ساقطة من (ط).

(9)

تقدم تخريجه في المقدمة (ص32).

(10)

في جميع النسخ "الاستفاضة" عدا (ر)، وما أثبته هو ما ورد به الأثر عند جميع من أخرجه.

(11)

رواه عنه رضي الله عنه الإمام الدارمي في سننه (1/ 65)، والإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص32)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 319، 337) والإمام محمد بن نصر في السنة (ص29)، وذكره البغوي في شرح السنة (1/ 214).

ص: 134

وَخَرَّجَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: (مَنْ أَحْدَثَ رَأْيًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ عز وجل (1).

وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ، وَيُفْتَحُ فِيهَا (2) الْقُرْآنُ، حَتَّى يَأْخُذَهُ (3) الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ، وَالرَّجُلُ (4) وَالْمَرْأَةُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ، فَيُوشِكُ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ: مَا لِلنَّاسِ لَا يَتَّبِعُونِي وَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ؟! مَا هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ فَإِنَّ مَا ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ، وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ).

قَالَ الرَّاوِي: قلت (5) لمعاذ رضي الله عنه: وَمَا (6) يُدْرِينِي يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَنَّ الْحَكِيمَ قَدْ يقول كلمة الضلالة (7)، وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ؟ قَالَ:"بلى، اجتنب من كلام الحكيم الْمُشْتَهِرَاتِ (8) الَّتِي يُقَالُ فِيهَا (9): مَا هَذِهِ؟ وَلَا يَثْنِيَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ، وَتَلَقَّ الْحَقَّ إِذَا سَمِعْتَهُ فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا"(10).

وَفِي رِوَايَةٍ مَكَانَ "الْمُشْتَهِرَاتِ""الْمُشْتَبِهَاتِ"(11)، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ مَا تَشَابَهَ عَلَيْكَ مِنْ قَوْلٍ حَتَّى يقال: ما أراد بهذه الكلمة؟.

(1) رواه عنه رضي الله عنه الإمام الدارمي في المقدمة من سننه، باب الفتيا وما فيه من الشدة (1/ 69)، والإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب تغير البدع (ص45)، والبيهقي في المدخل (190)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 183).

(2)

في (م) و (خ) و (ط): "فيه"، والمثبت موافق لما ورد في مراجع الأثر.

(3)

في (ت): "يأخذ".

(4)

ساقطة من (ت).

(6)

(5) ساقطة من (ت).

(7)

في (ط): "ضلالة" غير معرفة.

(8)

في (ط): "غير المشتهرات".

(9)

ساقطة من (م) و (ت). ولفظ أبي داود "لها".

(10)

تقدم تخريجه في الباب الأول (ص79).

(11)

هي رواية صالح بن كيسان عن الزهري كما في سنن أبي داود (4/ 201)، وفي بعض المصادر "اجتنب من كلام الحكيم كل متشابه".

ص: 135

ويريد ـ والله أعلم (1) ـ ما لم يشتهر (2) ظَاهِرُهُ عَلَى مُقْتَضَى السُّنَّةِ حَتَّى تُنْكِرَهُ الْقُلُوبُ، وَيَقُولَ النَّاسُ: مَا هَذِهِ؟ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا يُحْذَرُ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ حَسْبَمَا يَأْتِي بِحَوْلِ اللَّهِ (3).

وَمِمَّا جَاءَ عَمَّنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عَنْهُمْ مَا ذَكَرَ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: (صَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَا يَزْدَادُ اجْتِهَادًا، صِيَامًا وَصَلَاةً، إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا" (4).

وَخَرَّجَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ (5) أَنَّهُ قَالَ: (لِأَنْ أَرَى فِي الْمَسْجِدِ نَارًا لَا أَسْتَطِيعُ إِطْفَاءَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَى فِيهِ بِدْعَةً لَا أَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهَا)(6).

وَعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ (7): (اتَّبِعْ طُرُقَ الْهُدَى وَلَا يَضُرُّكَ قِلَّةُ السَّالِكِينَ وَإِيَّاكَ وَطُرُقَ الضَّلَالَةِ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ (8)) (9).

وَعَنِ الْحَسَنِ: (لَا تُجَالِسْ صَاحِبَ هَوًى (10) فَيَقْذِفَ فِي قَلْبِكَ مَا تَتَّبِعُهُ عَلَيْهِ فتهلك، أو تخالفه فيمرض قلبك) (11).

(1) ساقطة من (م).

(2)

في (م): "يستمر".

(3)

سيذكر المؤلف بعض الأمثلة لعلماء وقعت منهم بعض الزلات. انظر (ص275 ـ 281).

(4)

رواه عنه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب كل محدثة بدعة (ص34)، وذكره ابن بطة في الإبانة الصغرى (ص134).

(5)

تقدمت ترجمته في المقدمة (ص32).

(6)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص43)، والإمام محمد بن نصر في السنة (ص32)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/ 514)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 124).

(7)

هو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر اليربوعي، إمام، قدوة، ثبت مشهور بالصلاح، ولد بخراسان، وارتحل وطلب العلم، وحدث بالكوفة عن الأعمش وحميد الطويل وغيرهم، وحدث عنه ابن المبارك ويحيى القطان والشافعي وغيرهم. نزل مكة وتعبد بها إلى أن مات بها أول سنة سبع وثمانين ومائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 421)، حلية الأولياء (8/ 84)، صفة الصفوة (2/ 237)، طبقات الصوفية للسلمي (ص6)، البداية والنهاية (10/ 206).

(8)

في (غ) و (ر): "السالكين". والصواب المثبت.

(9)

لم أجده في كثير من مراجع ترجمته.

(10)

في (ت): "هوا".

(11)

رواه عنه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب النهي عن الجلوس مع أهل البدع (ص57).

ص: 136

وَعَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1). قَالَ: (كَتَبَ اللَّهُ صِيَامَ رَمَضَانَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَمَا كَتَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ (2)، فَأَمَّا الْيَهُودُ فَرَفَضُوهُ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَشَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ فَزَادُوا فِيهِ عَشْرًا، وَأَخَّرُوهُ إِلَى أَخَفِّ مَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّوْمُ مِنَ (3) الْأَزْمِنَةِ) (4).

فَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: (عمل قليل في سنة خير من كَثِيرٍ (5) فِي بِدْعَةٍ) (6).

وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ (7): (لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ، وَيُلَبِّسُوا عَلَيْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ)(8).

قَالَ أَيُّوبُ (9): (وَكَانَ ـ وَاللَّهِ ـ من الفقهاء ذوي (10) الألباب) (11).

(1) سورة البقرة: آية (183).

(2)

في (م) و (خ) و (غ) و (ر): "قبلكم".

(3)

في جميع النسخ (في)، والمثبت من (ر) و (ط).

(4)

خبر صيام النصارى وتبديلهم له روي عن كثير من السلف، منهم ابن عباس وغيره. انظر الدر المنثور للسيوطي (1/ 428 ـ 430).

(5)

في (ط): "من عمل كثير".

(6)

تقدم تخريجه مرفوعاً (ص140).

(7)

تقدمت ترجمته (ص110).

(8)

رواه الإمام الدارمي في المقدمة من سننه، باب اجتناب أهل الأهواء (1/ 120)، والإمام الآجري في الشريعة (ص56)، والإمام البيهقي في الاعتقاد والهداية (ص158)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 134)، والإمام ابن سعد في الطبقات (7/ 184)، والإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص55) والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/ 435، 437)، وذكره البغوي في شرح السنة (1/ 227)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 137).

(9)

في (ت): "أبو أيوب"، وهو أيوب بن أبي تميمة، كيسان السختياني، ثقة، ثبت، حجة، من كبار الفقهاء العباد، قال شعبة: ما رأيت مثله، كان سيد الفقهاء، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة.

انظر: تقريب التهذيب (1/ 89)، الكاشف (1/ 92).

(10)

في (ت): "ذوو".

(11)

روى هذا القول لأيوب الإمام ابن سعد في الطبقات، والإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، وذلك في نفس المواضع السابقة في تخريج قول أبي قلابة.

ص: 137

وعنه (1) أيضاً أنه كان يقول: (وإن أَهْلَ الْأَهْوَاءِ أَهْلُ ضَلَالَةٍ، وَلَا أَرَى مَصِيرَهُمْ إِلَّا إِلَى النَّارِ)(2).

وَعَنِ الْحَسَنِ: "لَا تُجَالِسْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فَإِنَّهُ يُمْرِضُ قَلْبَكَ"(3).

وَعَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (مَا ازْدَادَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ اجْتِهَادًا إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا)(4).

وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ: (مَا ابْتَدَعَ رَجُلٌ بِدْعَةً إِلَّا اسْتَحَلَّ السَّيْفَ)(5).

وَكَانَ أَيُّوبُ يُسَمِّي أَصْحَابَ الْبِدَعِ خَوَارِجَ، وَيَقُولُ:(إِنَّ الْخَوَارِجَ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْمِ وَاجْتَمَعُوا عَلَى السَّيْفِ)(6).

وَخَرَّجَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ فَقِيهٌ) يَقُولُ: (مَا أُحِبُّ أَنِّي هَدَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَأَضْلَلْتُ رَجُلًا وَاحِدًا)(7).

وَخَرَّجَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (8): (لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا قَوْلٌ

(1) أي: عن أبي قلابة أيضاً.

(2)

رواه الإمام الدارمي في مقدمة سننه، باب اتباع السنة عن أبي قلابة بلفظ طويل شبَّه فيه أهل الأهواء بالمنافقين (1/ 58)، ورواه ابن سعد في الطبقات كما رواه الدارمي (7/ 184)، ورواه الآجري في الشريعة كما هو عند المؤلف (ص64)، وذكره الإمام ابن بطة في الإبانة الصغرى (ص138).

(3)

ورواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص54)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى بلفظ "لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب، (2/ 438)، ورواه في نفس الموضع عن ابن عباس رضي الله عنه، وعن أبي عبد الله الملائي.

(4)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص34)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 9)، وذكره ابن الجوزي عنه في صفة الصفوة (3/ 295).

(5)

رواه عنه الإمام الدارمي في مقدمة سننه، باب اتباع السنة (1/ 58)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 134)، والإمام الآجري في الشريعة (ص64)، والإمام ابن سعد في الطبقات (1/ 184)، والإمام أبو نعيم في الحلية (2/ 287)، وذكره ابن بطة في الإبانة الصغرى (ص138).

(6)

رواه عنه الإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 143)، والآجري في الشريعة (5/ 2549).

(7)

لم يتيسر تخرجيه لكون الكتاب مخطوطاً.

(8)

في (غ): "أنه قال كان يقال: لا يستقيم .. ".

ص: 138

وَعَمَلٌ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ ولانية إِلَّا (1) مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ) (2).

وَذَكَرَ الْآجُرِّيُّ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ (3) كَانَ يَرَى أَسْرَعَ النَّاسِ رِدَّةً أَهْلَ الأهواء (4).

وعن إبراهيم (5): ((لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ)(6) وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ، فَإِنِّي (7) أَخَافُ أَنْ تَرْتَدَّ قُلُوبُكُمْ) (8).

وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ (9) قَالَ: (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ صَاحِبِ بِدْعَةٍ صِيَامًا وَلَا صَلَاةً وَلَا حَجًّا وَلَا جِهَادًا وَلَا عُمْرَةً وَلَا صَدَقَةً (10) وَلَا عِتْقًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا" (11)، زَادَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ: (وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَشْتَبِهُ فِيهِ

(1) ساقطة من (م).

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 32)، وروى نحوه الإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة عن الحسن بلفظ:"لا يصح القول إلا بعمل ولا يصح قول وعمل إلا بنية ولا يصح قول وعمل ونية إلا بالسنة"(1/ 57)، وروى نحوه عن سعيد بن جبير في نفس الموضع. وروى أبو نعيم عن الأوزاعي قريباً منه. انظر الحلية (6/ 143).

(3)

تقدمت ترجمته (ص111).

(4)

تقدم تخريجه (ص111).

(5)

في (ر): "هشام بن إبراهيم" وهو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي اليماني، الإمام الخافظ، فقيه العراق، روى عن كبار التابعين، وكان بصيراً بعلم ابن مسعود رضي الله عنه. واسع الرواية، وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي. توفي سنة ست وتسعين.

انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 520)، طبقات ابن سعد (6/ 270)، وفيات الأعيان (1/ 25).

(6)

ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(7)

في (ط): "إني".

(8)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص56)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/ 439)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 222).

(9)

هو هشام بن حسان الأزدي القردوسي، الإمام العالم الحافظ، محدث البصرة، احتج به أصحاب الصحاح، وله أوهام مغمورة في سعة ما روى. مات سنة ثمان وأربعين ومائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 355)، تهذيب التهذيب (11/ 34)، الجرح والتعديل (9/ 54).

(10)

ساقطة من (ر).

(11)

رواه عنه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص34)، والإمام الآجري في الشريعة عن هشام بن حسان عن الحسن وذكره (ص64)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة عن هشام عن الحسن (1/ 139).

ص: 139

الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْ فِيهِ دُعَاءٌ إِلَّا كَدُعَاءِ الغَرِق) (1).

وَعَنْ يَحْيَى بن أبي كثير (2): (إِذَا لَقِيتَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فِي طَرِيقٍ فَخُذْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ)(3).

وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: (مَنْ جَالَسَ (4) صَاحِبَ بِدْعَةٍ نُزِعَتْ (5) مِنْهُ الْعِصْمَةُ، وَوُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ) (6).

وَعَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ (7) أَنَّهُ كان يقول لابنه: (يا عيسى، أصلح الله (8) قَلْبَكَ (9)، وَأَقْلِلْ (10) مَالَكَ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَنْ أرى عيسى في مجالس

(1) لم يتيسر تخريج هذه الزيادة، لأن الكتاب لا زال مخطوطاً.

(2)

هو يحيى بن أبي كثير، أبو نصر اليمامي، الطائي مولاهم، أحد الأعلام، ثقة ثبت، لكنه يرسل، وكان من العباد العلماء الأثبات. توفي سنة تسع وعشرين ومائة.

انظر: الكاشف للذهبي (3/ 233)، تقريب (2/ 356).

(3)

رواه عنه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص55)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 137)، والإمام الآجري في الشريعة (ص64)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/ 474). وهو مروي كذلك عن الفضيل بن عياض كما في الإبانة (2/ 475).

(4)

في (غ) و (ر): "جلس".

(5)

في (ط): "فزعت".

(6)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها عن كثير أبو سعيد (ص55)، ورواه الإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة عن محمد بن النضر الحارثي بلفظ "من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة نزعت منه العصمة". (1/ 136)، ورواه الإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى عن محمد بن النضر بنحو لفظ اللالكائي (2/ 460)، وهو مروي عن سفيان الثوري في الإبانة أيضاً (2/ 461).

(7)

هو العوام بن حوشب بن يزيد الربعي الواسطي، إمام محدث، أسلم جده يزيد علي يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فجعله على شرطته. ذكره أحمد فقال: ثقة ثقة. توفي سنة ثمان وأربعين ومائة. انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 354)، تهذيب التهذيب (8/ 163)، شذرات الذهب (1/ 244).

(8)

لفظ الجلالة غير موجود في (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(9)

في (غ): "أصلح الله قلبك".

(10)

في (م) و (خ): "وأقل".

ص: 140

أَصْحَابِ الْبَرَابِطِ (1) وَالْأَشْرِبَةِ وَالْبَاطِلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَاهُ يُجَالِسُ أَصْحَابَ الْخُصُومَاتِ) (2).

قَالَ ابْنُ وضاح: (يعنى أهل البدع)(3).

وقال رجال (4) لأبي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ (5): يَا أَبَا بَكْرٍ، مَنِ السني؟ (قال:(السني)(6) الَّذِي إِذَا (7) ذُكِرَتِ الْأَهْوَاءُ لَمْ يَغْضَبْ لِشَيْءٍ مِنْهَا) (8).

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ (9): (إِنَّ الَّذِي تعرض (10) عليه السنة فيقبلها لغريب (11)، وأغرب منه صاحبها) (12).

(1) البَربَط: العود، أعجمي ليس من ملاهي العرب فأعربته حين سمعت به، وفي التهذيب: البربط من ملاهي العجم شبه بصدر البط، والصدر بالفارسية بر فقيل بر بط. انظر لسان العرب لابن منظور (7/ 258).

(2)

رواه عنه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص56).

(3)

ذكره ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص56).

(4)

في (ت) و (غ): "رجل".

(5)

هو أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي، شيخ مقرئ ومحدث وفقيه، قرأ القرآن وجوده ثلاث مرات على عاصم بن أبي النجود، ذكره أحمد فقال: ثقة، ربما غلط، صاحب قرآن وخير. مات سنة ثلاث وتسعين ومائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 495)، تاريخ البخاري الكبير (9/ 14)، حلية الأولياء (7/ 303)، شذرات الذهب (1/ 334).

(6)

ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

(7)

ساقطة من (م) و (خ).

(8)

رواه الإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 65)، والآجري في الشريعة (5/ 2250).

(9)

هو يونس بن عبيد بن دينار العبدي، الإمام القدوة الحجة، كان من صغار التابعين وفضلائهم، رأى أنس بن مالك، وحدث عن الحسن وابن سيرين وغيرهم، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. مات سنة أربعين ومائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 288)، طبقات ابن سعد (7/ 260)، الجرح والتعديل (9/ 242).

(10)

في (خ) و (ط): "نعرض".

(11)

في (خ) و (ت) و (ط): "الغريب".

(12)

رواه عنه الإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة بثلاث ألفاظ متقاربة (1/ 58)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 21)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 185)، والآجري في الشريعة (5/ 2550).

ص: 141

وعن يحيى بن أبي (1)(عمرو)(2)(السيباني)(3) قَالَ: (كَانَ يُقَالُ: يَأْبَى اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ بِتَوْبَةٍ، وَمَا انْتَقَلَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ إِلَّا إِلَى شَرٍّ مِنْهَا)(4).

وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ (5): (تَعَلَّمُوا الْإِسْلَامِ، فَإِذَا تَعَلَّمْتُمُوهُ فَلَا تَرْغَبُوا عَنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَإِنَّهُ الْإِسْلَامُ، وَلَا تُحَرِّفُوا يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَعَلَيْكُمْ بِسُّنَّةِ نَبِيِّكُمْ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ (6) أَصْحَابُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْتُلُوا صَاحِبَهُمْ (7)، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا. (قَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْتُلُوا صَاحِبَهُمْ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا)(8)، وَإِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الْأَهْوَاءَ الَّتِي تُلْقِي بَيْنَ النَّاسِ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)، فَحُدِّثَ الْحَسَنُ بِذَلِكَ فَقَالَ رحمه الله: صَدَقَ وَنَصَحَ. خَرَّجَهُ ابْنُ وَضَّاحٍ وَغَيْرُهُ (9).

وَكَانَ مَالِكٌ رضي الله عنه كَثِيرًا مَا يُنْشِدُ:

وَخَيْرُ أُمُورِ الدِّينِ مَا كان سنة

وشر الأمور المحدثات البدائع (10)

(1) ساقطة من (غ).

(2)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط)"عمر"، والصواب المثبت.

(3)

في المخطوط والمطبوع "الشيباني"، والصحيح ما أثبته كما في توضيح المشتبه لابن ناصر الدين (5/ 245)، وهو يحيى بن أبي عمرو الشيباني، أبو زرعة الحمصي، ثقة، وروايته عن الصحابة مرسلة، عاش خمساً وثمانين سنة، وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائة.

انظر: تقريب التهذيب (2/ 355)، الكاشف للذهبي (3/ 232)، تهذيب التهذيب (11/ 260)، تهذيب الكمال للمزي (31/ 480).

(4)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص61)، وسيأتي الكلام عن توبة المبتدع وأنها ممكنة (ص232).

تقدمت ترجمته (ص95).

(5)

ساقطة من (ت).

(6)

ذكر أبو نعيم في الحلية أن المراد به عثمان رضي الله عنه. (2/ 218).

(7)

ما بين المعكوفين ساقط من (غ) و (ر).

(8)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص39)، والإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 56)، والإمام ابن نصر المروزي في السنة (ص13)، والإمام الآجري في الشريعة (ص13)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى بلفظ أخصر (1/ 299، 338)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 218).

(9)

ذكره القاضي عياض ضمن ترجمة الإمام مالك. انظر ترتيب المدارك (1/ 169)، وابن عبد البر في الانتقاد (ص74).

ص: 142

وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ (1) قَالَ: (أَهْلُ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ آفَةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، إِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلَ بَيْتِهِ فَيَتَصَيَّدُونَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَسَنِ الْجُهَّالِ (2) مِنَ النَّاسِ، فَيَقْذِفُونَ بِهِمْ فِي الْمَهَالِكِ، فَمَا أَشْبَهَهُمْ بِمَنْ يَسْقِي الصَّبِر (3) بِاسْمِ الْعَسَلِ، وَمَنْ يَسْقِي السُّمَّ الْقَاتِلَ بِاسْمِ التِّرْيَاقِ (4)، فَأَبْصِرْهُمْ (5)، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَكُنْ أَصْبَحْتَ فِي بَحْرِ الْمَاءِ فَقَدْ أَصْبَحْتَ فِي بَحْرِ الْأَهْوَاءِ الَّذِي هُوَ أَعْمَقُ غَوْرًا، وَأَشَدُّ اضْطِرَابًا، وَأَكْثَرُ صَوَاعِقَ، وَأَبْعَدُ مَذْهَبًا مِنَ الْبَحْرِ وَمَا فِيهِ، فَتِلْكَ (6) مَطِيَّتُكَ الَّتِي تَقْطَعُ بِهَا سَفَرَ الضَّلَالِ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ) (7).

وَعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: (اعْلَمْ أَيْ أخي أن الموت اليوم (8) كَرَامَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ عَلَى السُّنَّةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَإِلَى اللَّهِ نَشْكُو وَحْشَتَنَا، وَذَهَابَ الْإِخْوَانِ، وَقِلَّةَ الْأَعْوَانِ، وَظُهُورَ الْبِدَعِ، وَإِلَى اللَّهِ نَشْكُو عَظِيمَ مَا حَلَّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ ذَهَابِ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَظُهُورِ الْبِدَعِ) (9).

وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ (10) يَقُولُ: (اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي بِدِينِكَ، وَبِسُّنَّةِ نَبِيِّكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي الْحَقِّ، وَمِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَمِنْ سُبُلِ الضَّلَالَةِ، ومن

هو مقاتل بن حيان النبطي البلخي الخراز، إمام محدث، كان من العلماء العاملين، ذا نسك وفضل، وكان صاحب سنة. قال يحيى بن معين: ثقة. توفي في حدود الخمسين ومائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 340)، تهذيب التهذيب (10/ 277)، تاريخ البخاري الكبير (8/ 13).

(1)

في (ط): "عند الجهال".

(2)

الصَّبر بكسر الباء الدواء المر. انظر الصحاح للجوهري (2/ 707).

(3)

الترياق بكسر التاء دواء السموم (فارسي معرب)، والعرب تسمي الخمر ترياقا وترياقة. انظر الصحاح للجوهري (4/ 1453).

(4)

في (ت): "فأبصر بهم".

(5)

في (خ) و (ط): "ففلك".

(6)

لم أجده في كثير من مراجع ترجمته.

(7)

زيادة في (ت).

(8)

رواه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها كما عند المؤلف (ص46)، وبلفظ أطول (ص88).

(9)

هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، أحد العباد الزهاد المشهورين، توفي في سجن الحجاج سنة اثنتين وتسعين، ولم يبلغ الأربعين.

انظر: الكاشف للذهبي (1/ 50)، الحلية لأبي نعيم (4/ 210)، صفة الصفوة لابن الجوزي (3/ 90).

ص: 143

شُبُهَاتِ الْأُمُورِ، وَمِنَ الزَّيْغِ وَالْخُصُومَاتِ) (1).

وَعَنْ عُمَرَ بن عبد العزيز رحمه الله أنه (2) كَانَ يَكْتُبُ فِي كُتُبِهِ: (إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ مَا مَالَتْ إِلَيْهِ الْأَهْوَاءُ وَالزِّيَغُ الْبَعِيدَةُ)(3).

وَلَمَّا بَايَعَهُ الناس صعد الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:(أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ نَبِيٌّ، وَلَا بَعْدَ كِتَابِكُمْ كِتَابٌ، وَلَا بَعْدَ سُنَّتِكُمْ سُّنَّةٌ وَلَا بَعْدَ أُمَّتِكُمْ أُمَّةٌ، أَلَا وَإِنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ حَلَالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَلَا وَإِنَّ الْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَلَا وَإِنِّي لَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ، أَلَا وَإِنِّي لَسْتُ بِقَاضٍ وَلَكِنِّي مُنَفِّذٌ، أَلَا وَإِنِّي لَسْتُ بِخَازِنٍ وَلَكِنِّي أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ، أَلَا وَإِنِّي لَسْتُ بِخَيْرِكُمْ وَلَكِنِّي أَثْقَلُكُمْ حِمْلًا (4)، أَلَا وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ) (5)، ثُمَّ نزل.

وفيه قال عروة بن أذينة (6) من (7) قصيدة (8) يَرْثِيهِ بِهَا:

وَأَحْيَيْتَ فِي الْإِسْلَامِ عِلْمًا وَسُنَّةً

ولم تبتدع حكماً من الحكم أضجما (9)

(1) رواه أبو نعيم في الحلية (4/ 211 ـ 212)، وذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 1179).

(2)

ساقطة من (خ) و (ط).

(3)

انظر: سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم (ص71).

(4)

في (ت): "حميلا".

(5)

روى هذه الخطبة عنه الإمام ابن سعد في الطبقات (5/ 340)، وابن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز (40 ـ 41).

(6)

هو عروة بن يحيى (ولقبه أذينة) بن مالك بن الحارث الليثي، شاعر غزل مقدم، من أهل المدينة، وهو معدود من الفقهاء والمحدثين أيضاً، ولكن الشعر أغلب عليه. توفي في حدود الثلاثين ومائة.

انظر: ترجمته وشيئاً من شعره في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (18/ 322)، فوات الوفيات (2/ 451)، الأعلام (4/ 227).

(7)

في (خ) و (ت) و (ط): "عن".

(8)

المثبت من (ر)، وفي بقية النسخ:"أذينة".

(9)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "أضجعا". والضجم: العوج. انظر: القاموس (1131). قال الشيخ محمد رشيد رضا في تعليقه على الكتاب: "كذا في الأصل، وهو غلط ظاهر، ولعل أصله أسحما: أي أسود حالك السواد، لأن هذا أقرب الكلم في الصورة من أضجعا، وموافق في المعنى لوصفهم البدعة بالسوداء، والسنة بالبيضاء والغراء"(1/ 87).

ص: 144

فَفِي كُلِّ يَوْمٍ كُنْتَ تَهْدِمُ بِدْعَةً

وَتَبْنِي لَنَا مِنْ سُنَّةٍ مَا تَهَدَّمَا (1)

وَمِنْ كَلَامِهِ الَّذِي عُنِيَ بِهِ، وَيَحْفَظُهُ الْعُلَمَاءُ، وَكَانَ يُعْجِبُ مَالِكًا جِدًّا (2)، وَهُوَ أَنْ قَالَ:(سنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ سُنَنًا، الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا، وَلَا تَبْدِيلُهَا، وَلَا النظر في شيء خالفها. مَنْ عَمِلَ بِهَا مُهْتَدٍ، وَمَنِ انْتَصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ، وَمَنْ خَالَفَهَا اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)(3).

وَبِحَقٍّ (4) مَا كَانَ (5) يُعْجِبُهُمْ، فَإِنَّهُ كَلَامٌ مُخْتَصَرٌ جَمَعَ أُصُولًا حَسَنَةً مِنَ السُّنَّةِ، مِنْهَا مَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ:(لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا، وَلَا تَبْدِيلُهَا، وَلَا النَّظَرُ فِي شَيْءٍ خَالَفَهَا)(6)، قَطْعٌ لِمَادَّةِ الِابْتِدَاعِ جُمْلَةً.

وَقَوْلُهُ: (مَنْ عَمِلَ بِهَا مُهْتَدٍ) إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ، مَدْحٌ لِمُتَّبِعِ السُّنَّةِ، وَذَمٌّ لِمَنْ خَالَفَهَا (7) بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *} (8).

(1) لم أجد هذه الأبيات في ديوانه، كما لم أجد هذه الأبيات فيما اطلعت عليه من تراجمه.

(2)

قال القاضي عياض بعد ذكر قول عمر بن عبد العزيز: "وكان مالك إذا حدث بهذا ارتج سروراً". انظر ترتيب المدارك (1/ 172).

(3)

رواه الإمام الآجري في الشريعة عن مطرف بن عبد الله يقول: سمعت مالك بن أنس رضي الله عنه إذا ذكر عنده الزائغون في الدين يقول: قال عمر بن عبد العزيز وذكره. انظر الشريعة (ص48، 65، 307)، وأبو نعيم في الحلية ضمن ترجمة مالك (6/ 324)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 357)، واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 94). وابن بطة في الإبانة الكبرى (1/ 352). وذكره ابن كثير في البداية والنهاية من رواية الخطيب البغدادي (9/ 225)، وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء من قول مالك (8/ 98)، وعزاه إلى عمر بن عبد العزيز أيضاً ابن أبي زيد في الجامع (ص117)، وابن رجب في جماع العلوم والحكم (ص250) والقاضي عياض في ترتيب المدارك (1/ 172).

(4)

في هامش (خ): "ولحق".

(5)

في (ط): "وكان".

(6)

في (ط): "من خالفها".

(7)

بعد هذه الكلمة أعاد ناسخ (ت) بعض ما كان كتبه.

(8)

سورة النساء: آية (115).

ص: 145

ومنها: أن (1) ماسنه وُلَاةُ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ سُّنَّةَ، لَا بِدْعَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ (2) لَمْ يُعْلَمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم نَصٌّ عَلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ. فَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ نَصُّ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه حَيْثُ قَالَ فِيهِ:(فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ (3)، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ (4)، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ) (5).

فَقَرَنَ عليه السلام كَمَا تَرَى ـ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِسُنَّتِهِ.

وَإِنَّ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ اتِّبَاعَ سُنَّتِهِمُ، وَإِنَّ الْمُحْدَثَاتِ خِلَافُ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْهَا فِي شَيْءٍ، لِأَنَّهُمْ رضي الله عنهم فِيمَا سَنُّوهُ، إِمَّا مُتَّبِعُونَ لِسُّنَّةِ نَبِيِّهِمْ عليه السلام نَفْسِهَا، وَإِمَّا مُتَّبِعُونَ لِمَا فَهِمُوا من سنته في الجملة أو (6) في (7) التفصيل، عَلَى وَجْهٍ يَخْفَى عَلَى غَيْرِهِمْ مِثْلُهُ (8)، لَا زَائِدَ عَلَى ذَلِكَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (9) بِحَوْلِ اللَّهِ.

عَلَى أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمَ (10) نَقَلَ عن يحيى بن آدم (11) في (12) قول

(1) ساقطة من (ط).

(2)

ساقطة من (ت):

(3)

في (ط): "والمهتدين" بالواو.

(4)

الأشهر أنها أقصى الأسنان وتقدم (ص119).

(5)

تقدم تخريجه (ص119).

(6)

في (ط): "و" بدل "أو".

(7)

ساقطة من (م) و (ط).

(8)

ساقطة من (ت).

(9)

ساقطة من (ت).

(10)

هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الحاكم، الإمام الحافظ، شيخ المحدثين، ولد في نيسابور، وطلب الحديث، وسمع من نحو ألفي شيخ، وهو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه، نحو خمس مئة جزء، وله كتاب المستدرك على الشيخين، وكان فيه تشيع قليل. توفي سنة خمس وأربعمائة.

انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 162)، البداية والنهاية (11/ 355)، شذرات الذهب (3/ 176).

(11)

هو يحيى بن آدم بن سليمان الأموي، مولاهم، الكوفي، أبو زكريا، أحد الأعلام، ثقة حافظ فاضل، روى عنه أحمد وإسحاق وغيرهم، توفي سنة ثلاث ومائتين.

انظر: طبقات ابن سعد (6/ 402)، الكاشف (3/ 218)، سير أعلام النبلاء (9/ 522)، التقريب (2/ 341).

(12)

ساقطة من (ط).

ص: 146

السَّلَفِ الصَّالِحِ: (سُنَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (1) رضي الله عنهما أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ السُّنَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ مَعَ (قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى)(2) قول أحد (3).

وما قاله (4) صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، فَهُوَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ رضي الله عنه، فَلَا زَائِدَ إِذًا عَلَى مَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يُخَافُ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً بِسُنَّةٍ أُخْرَى، فَافْتَقَرَ الْعُلَمَاءُ إِلَى النَّظَرِ فِي عَمَلِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ (5)، لِيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ (6) الَّذِي مَاتَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَاسِخٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ (7) بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ (8) مِنْ أَمْرِهِ.

وَعَلَى هذا المعنى عوّل (9) مالك بن أنس رضي الله عنه فِي احْتِجَاجِهِ بِالْعَمَلِ، وَرُجُوعِهِ إِلَيْهِ عِنْدَ تَعَارُضِ السُّنَنِ (10).

وَمِنَ الْأُصُولِ (11) الْمُضَمَّنَةِ (12) فِي أَثَرِ عُمَرَ بن عبد العزيز أن سنة ولاة

(1) ساقطة من (غ)

(2)

ما بين المعكوفين ساقط من (ت).

(3)

انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم (ص84 ـ 85)، والمدخل للبيهقي (29)، والفقيه والمتفقه للخطيب (2228).

(4)

في (خ) و (ط): "قال".

(5)

وقع حرف العين من الكلمة في البياض في نسخة (ت).

(6)

مطموسة في (ت).

(7)

مطموسة في (ت).

(8)

ساقطة من (غ).

(9)

غير واضحة في (م)، وفي (خ)، و (ت):"عن".

(10)

يريد به عمل أهل المدينة، وهو من أصول الإمام مالك التي كان يعتمد عليها، وهو مقدم عنده على خبر الواحد، وذلك في القضايا التي طريقها النقل كمسألة الأذان، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ومسألة الصاع، وترك إخراج الزكاة من الخضروات، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل، واتصل العمل بها في المدينة على وجه لا يخفى مثله، ونقل نقلاً يحج ويقطع العذر.

انظر: إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي (ص480 ـ 481)، وانظر المسألة في روضة الناظر لابن قدامة (1/ 298 ـ 300)، الإحكام في أصول الأحكام للآمدى (1/ 302 ـ 305).

(11)

في (خ): "الأحوال".

(12)

في (ت): "المتضمنة".

ص: 147

الْأَمْرِ (1) وَعَمَلَهُمْ تَفْسِيرٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ (2) صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ: "الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ (3)، وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ". وَهُوَ أَصْلٌ مُقَرَّرٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (4).

فَقَدْ جَمَعَ كَلَامُ عُمَرَ (5) رحمه الله أُصُولًا حَسَنَةً وَفَوَائِدَ مُهِمَّةً.

وَمِمَّا يعزى لأبي العباس (6) الإبياني (7): (ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفُرٍ لَوَسِعَهُنَّ، وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: اتَّبِعْ لَا (8) تَبْتَدِعْ، اتَّضِعْ لا ترتفع، من (9) ورع لا يتسع) (10).

والآثار هنا كثيرة.

(1) المراد بولاة الأمر الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم.

(2)

في (ت): "رسول الله".

(3)

في (غ): "تصديق لكتاب الله وسنة رسول الله" والزيادة لم تذكر في قوله آنفاً.

(4)

وقد قرره المؤلف في كتابه الموافقات (4/ 74 ـ 80).

(5)

في (ط): "عمر بن عبد العزيز".

(6)

في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "إلياس". والصواب المثبت".

(7)

في (ط): "الألباني"، والصواب المثبت".

وهو أبو العباس عبد الله بن أحمد بن إبراهيم التونسي الإبياني، كان عالم أفريقية، وحافظ مذهب مالك، ويميل إلى مذهب الشافعي، ثقة، مأمون، توفي سنة 352هـ.

انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (1/ 425)، ترتيب المدارك (3/ 347).

(8)

في (ت): "ولا".

(9)

في (ت): "ومن".

(10)

عزاه إليه الإمام القرافي في الفروق (4/ 205).

ص: 148