المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[معاقبة الإمام بأخذ المال على بعض الجنايات] - الاعتصام للشاطبي ت الهلالي - جـ ٢

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي‌‌ أَحْكَامِ الْبِدَعِوَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ]

- ‌ أَحْكَامِ الْبِدَعِ

- ‌[فَصْلٌ تَفَاوَتُ الْبِدَعِ]

- ‌[مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي النَّسْلِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي الْبِدَعِ صَغَائِرُ وَكَبَائِرُ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ كَوْنِ الْبِدْعَةِ صَغِيرَةً]

- ‌[أَنْ لَا يُدَاوِمَ عَلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[أَنْ لَا يَدْعُوَ إِلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[أَنْ لَا تَفْعَلَ الْبِدْعَةَ فِي مُجْتَمَعَاتِ النَّاسِ أَوْ فِي مَوَاضِعِ إِقَامَةِ السُّنَنِ]

- ‌[أَنْ لَا يَسْتَصْغِرَ الْبِدْعَةَ وَلَا يَسْتَحْقِرَهَا]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الِابْتِدَاعِ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَمْ يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ]

- ‌[الِابْتِدَاعُ فِي الْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ]

- ‌[الِابْتِدَاعُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْبِدَعُ]

- ‌[فَصْلٌ فُشْوُ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكِرَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْعَمَلُ بِهَا هَلْ يُعَدُّ بِدْعَةً]

- ‌[نُشُوءُ الْبِدَعِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَدُّوا أَكْثَرَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بِدَعًا وَنَسَبُوهَا إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْحُكْمُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ تُوَضِّحُ الْوَجْهَ الْعَمَلِيَّ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ]

- ‌[جَمْعُ الْقُرْآنِ]

- ‌[اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ]

- ‌[قَضَاءُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّرْبِ بِالتُّهَمِ]

- ‌[تَوْظِيفُ الْإِمَامِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ]

- ‌[مُعَاقَبَةُ الْإِمَامِ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[طَبَّقَ الْحَرَامُ الْأَرْضَ وَانْسَدَّتْ طُرُقُ الْمَكَاسِبِ الطَّيِّبَةِ وَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ]

- ‌[قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ]

- ‌[خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ وَالْحَاجَةُ إِلَى إِمَامٍ يَقْدُمُ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[إِذَا خِيفَ عِنْدَ خَلْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَإِقَامَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَالْمَصْلَحَةُ فِي التَّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِحْسَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُسْتَحْسِنٍ وَهُوَ إِمَّا الْعَقْلُ أَوِ الشَّرْعُ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ حُجَجِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شُبْهَةِ اسْتِفْتَاءِ الْقَلْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فَتَاوَى الْقُلُوبِ وَمَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النُّفُوسُ هَلْ هِيَ مُعْتَبِرَةٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَتْ فِرَقُ الْمُبْتَدَعَةِ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[سَبَبُ الِاخْتِلَافِ إِمَّا رَاجِعٌ لِسَابِقِ الْقَدَرِ وَإِمَّا كَسْبِيٌّ]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ النِّحْلَةِ]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ التَّصْمِيمُ عَلَى اتِّبَاعِ الْعَوَائِدِ وَإِنْ فَسَدَتْ]

- ‌[فَصْلُ أَسْبَابِ الْخِلَافِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْجَهْلِ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّخَرُّصِ عَلَى مَعَانِيهَا بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ فِي حَدِيثِ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً]

- ‌[حَقِيقَةُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ]

- ‌[سَبَبُ الْفُرْقَةِ قَدْ يَكُونُ رَاجِعًا إِلَى مَعْصِيَةٍ]

- ‌[هَذِهِ الْفِرَقُ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْمِلَّةِ]

- ‌[تَخْصِيصُ الْفِرَقِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمُبْتَدِعَةِ، وَإِشَارَةُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِ]

- ‌[الْفِرَقُ إِنَّمَا تَصِيرُ فِرَقًا لِخِلَافِهَا لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ]

- ‌[إِذَا قُلْنَا هَذِهِ الْفِرَقُ كُفَّارٌ فَكَيْفَ يُعَدُّونَ مِنَ الْأُمَّةِ]

- ‌[تَعْيِينُ هَذِهِ الْفِرَقِ]

- ‌[الْعَلَامَاتُ وَالْخَوَاصُّ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا هَذِهِ الْفِرَقُ]

- ‌[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]

- ‌[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]

- ‌[اتِّبَاعُ الْأُمَّةِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهَا]

- ‌[كُفْرُ الْفِرَقِ وَفِسْقُهَا وَنُفُوذُ الْوَعِيدِ أَوْ جَعْلُهُ فِي الْمَشِيئَةِ]

- ‌[قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام " إِلَّا وَاحِدَةً " أَعْطَى بِنَصِّهِ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ]

- ‌[النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَيِّنْ مِنَ الْفِرَقِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً]

- ‌[هَلْ يَدْخُلُ فِي الْهَالِكَةِ الْمُبْتَدِعُ فِي الْجُزَيْئَاتِ كَالْمُبْتَدِعُ فِي الْكُلِّيَّاتِ]

- ‌[مَنْ رَوَى فِي تَفْسِيرِ الْفِرَقِ النَّاجِيَةِ هِيَ الْجَمَاعَةُ مُحْتَاجَةٌ إِلَى التَّفْسِيرِ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِ اجْتِهَادُهُمْ]

- ‌[مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ

- ‌[قَوْلُهُ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ فِيهِ الْإِشَارَةُ بِتِلْكَ فَلَا تَكُونُ إِشَارَةً إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَلَا مُحَالٍ بِهَا]

- ‌[مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ عَلَى وَصْفِ كَذَا

- ‌[الْإِشْرَابُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هَلْ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْبِدَعِ دُونَ بَعْضٍ أَمْ لَا يَخْتَصُّ]

- ‌[دَاءُ الْكَلْبِ فِيهِ مَا يُشْبِهُ الْعَدْوَى وَكَذَلِكَ الْبِدَعُ]

- ‌[التَّنْبِيهُ عَلَى السَّبَبِ فِي بُعْدِ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ عَنِ التَّوْبَةِ]

- ‌[مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ مَنْ لَا يُشْرَبُ هَوَى الْبِدْعَةِ ذَلِكَ الْإِشْرَابَ]

- ‌[جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ " أَعْظَمُهَا فِتْنَةً الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ

- ‌[جَوَابُ النَّبِيِّ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ فِيهِ انْصِرَافُ الْقَصْدِ إِلَى تَعْيِينِ الْوَصْفِ الضَّابِطِ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ بَيَانُ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْ عَنْهُ سُبُلُ أَهْلِ الِابْتِدَاعِ]

- ‌[التَّعْيِينُ لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ اجْتِهَادِيٌّ لَا يَنْقَطِعُ الْخِلَافُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الْقُرْآنَ وَجَاءَ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَسَالِيبِهِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ اللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الشَّرِيعَةَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[فَصْلُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا تَتَعَدَّاهُ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[فَصْلٌ خَاتِمَةٌ]

الفصل: ‌[معاقبة الإمام بأخذ المال على بعض الجنايات]

[مُعَاقَبَةُ الْإِمَامِ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ الْجِنَايَاتِ]

الْمِثَالُ السَّادِسُ:

أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَاقِبَ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ الْجِنَايَاتِ [فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟]

فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ.

عَلَى أَنَّ الطَّحَاوِيَّ حَكَى، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِهِ.

فَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْغَرِيبِ الَّذِي لَا عَهْدَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُلَائِمُ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ الْخَاصَّةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ، لِشَرْعِيَّةِ الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ وَغَيْرِهِمَا.

قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه شَاطَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي مَالِهِ، حَتَّى أَخَذَ رَسُولُهُ فَرْدَ نَعْلِهِ وَشَطْرَ عِمَامَتِهِ. قُلْنَا: الْمَظْنُونُ مِنْ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ الْعِقَابَ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى خِلَافِ الْمَأْلُوفِ مِنَ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِعَلَمِ عُمَرَ بِاخْتِلَاطِ مَالِهِ بِالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْوِلَايَةِ وَإِحَاطَتِهِ بِتَوْسِعَتِهِ، فَلَعَلَّهُ ضَمِنَ الْمَالِ فَرَأَى شَطْرَ مَالِهِ مِنْ فَوَائِدَ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ اسْتِرْجَاعًا لِلْحَقِّ لَا عُقُوبَةً فِي الْمَالِ، لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْغَرِيبِ الَّذِي لَا يُلَائِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ.

هَذَا مَا قَالَهُ. وَلِمَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه وَجْهٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا، وَلَكِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ.

وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِي الْمَالِ عِنْدَهُ ضَرْبَانِ:

(أَحَدُهُمَا): كَمَا صَوَّرَهُ الْغَزَالِيُّ، فَلَا مِرْيَةَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، عَلَى أَنَّ ابْنَ الْعَطَّارِ فِي " رَقَائِقِهِ " صَغَى إِلَى إِجَازَةِ ذَلِكَ، فَقَالَ: فِي

ص: 621

إِجَازَةِ أَعْوَانِ الْقَاضِي إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ. إِنَّهَا عَلَى الطَّالِبِ، فَإِنْ أَدَّى الْمَطْلُوبَ كَانَتِ الْإِجَازَةُ عَلَيْهِ.

وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ. وَرَدَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ النَّجَّارِ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى حَالٍ.

(وَالثَّانِي): أَنْ تَكُونَ جِنَايَةُ الْجَانِي فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْمَالِ أَوْ فِي عِوَضِهِ، فَالْعُقُوبَةُ فِيهِ عِنْدَهُ ثَابِتَةٌ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي الزَّعْفَرَانِ الْمَغْشُوشِ إِذَا وُجِدَ بِيَدِ الَّذِي غَشَّهُ: إِنَّهُ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ.

وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ إِلَى أَنَّهُ يُتَصَدَّقُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ دُونَ مَا كَثُرَ، وَذَلِكَ مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَأَنَّهُ أَرَاقَ اللَّبَنَ الْمَغْشُوشَ بِالْمَاءِ، وَوَجَّهَ ذَلِكَ التَّأْدِيبَ لِلْغَاشِّ. وَهَذَا التَّأْدِيبُ لَا نَصَّ يَشْهَدُ لَهُ لَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ عَلَى الْخَاصَّةِ لِأَجْلِ الْعَامَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ.

عَلَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ اللَّخْمِيَّ قَدْ وَضَعَ لَهُ أَصْلًا شَرْعِيًّا، وَذَلِكَ:«أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ الَّتِي أُغْلِيَتْ بِلُحُومِ الْحُمُرِ قَبْلَ أَنْ تُقَسَّمَ» ، وَحَدِيثُ الْعِتْقِ بِالْمُثْلَةِ أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ.

وَمِنْ مَسَائِلِ مَالِكٍ فِي الْمَسْأَلَةِ: إِذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ مَنْ نَصَّرَانِيٍّ خَمْرًا فَإِنَّهُ يُكْسَرُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ أَدَبًا لِلنَّصْرَانِيِّ إِنْ كَانَ النَّصْرَانِيُّ لَمْ يَقْبِضْهُ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَرَّعَ أَصْحَابُهُ فِي مَذْهَبِهِ، وَهُوَ كُلُّهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ، إِلَّا أَنَّ وَجْهَهُ مَا تَقَدَّمَ.

ص: 622