المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[هذه الفرق يحتمل من جهة النظر أن يكونوا خارجين عن الملة] - الاعتصام للشاطبي ت الهلالي - جـ ٢

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي‌‌ أَحْكَامِ الْبِدَعِوَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ]

- ‌ أَحْكَامِ الْبِدَعِ

- ‌[فَصْلٌ تَفَاوَتُ الْبِدَعِ]

- ‌[مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي النَّسْلِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي الْبِدَعِ صَغَائِرُ وَكَبَائِرُ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ كَوْنِ الْبِدْعَةِ صَغِيرَةً]

- ‌[أَنْ لَا يُدَاوِمَ عَلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[أَنْ لَا يَدْعُوَ إِلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[أَنْ لَا تَفْعَلَ الْبِدْعَةَ فِي مُجْتَمَعَاتِ النَّاسِ أَوْ فِي مَوَاضِعِ إِقَامَةِ السُّنَنِ]

- ‌[أَنْ لَا يَسْتَصْغِرَ الْبِدْعَةَ وَلَا يَسْتَحْقِرَهَا]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الِابْتِدَاعِ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَمْ يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ]

- ‌[الِابْتِدَاعُ فِي الْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ]

- ‌[الِابْتِدَاعُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْبِدَعُ]

- ‌[فَصْلٌ فُشْوُ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكِرَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْعَمَلُ بِهَا هَلْ يُعَدُّ بِدْعَةً]

- ‌[نُشُوءُ الْبِدَعِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَدُّوا أَكْثَرَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بِدَعًا وَنَسَبُوهَا إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْحُكْمُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ تُوَضِّحُ الْوَجْهَ الْعَمَلِيَّ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ]

- ‌[جَمْعُ الْقُرْآنِ]

- ‌[اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ]

- ‌[قَضَاءُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّرْبِ بِالتُّهَمِ]

- ‌[تَوْظِيفُ الْإِمَامِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ]

- ‌[مُعَاقَبَةُ الْإِمَامِ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[طَبَّقَ الْحَرَامُ الْأَرْضَ وَانْسَدَّتْ طُرُقُ الْمَكَاسِبِ الطَّيِّبَةِ وَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ]

- ‌[قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ]

- ‌[خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ وَالْحَاجَةُ إِلَى إِمَامٍ يَقْدُمُ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[إِذَا خِيفَ عِنْدَ خَلْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَإِقَامَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَالْمَصْلَحَةُ فِي التَّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِحْسَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُسْتَحْسِنٍ وَهُوَ إِمَّا الْعَقْلُ أَوِ الشَّرْعُ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ حُجَجِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شُبْهَةِ اسْتِفْتَاءِ الْقَلْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فَتَاوَى الْقُلُوبِ وَمَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النُّفُوسُ هَلْ هِيَ مُعْتَبِرَةٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَتْ فِرَقُ الْمُبْتَدَعَةِ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[سَبَبُ الِاخْتِلَافِ إِمَّا رَاجِعٌ لِسَابِقِ الْقَدَرِ وَإِمَّا كَسْبِيٌّ]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ النِّحْلَةِ]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ التَّصْمِيمُ عَلَى اتِّبَاعِ الْعَوَائِدِ وَإِنْ فَسَدَتْ]

- ‌[فَصْلُ أَسْبَابِ الْخِلَافِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْجَهْلِ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّخَرُّصِ عَلَى مَعَانِيهَا بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ فِي حَدِيثِ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً]

- ‌[حَقِيقَةُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ]

- ‌[سَبَبُ الْفُرْقَةِ قَدْ يَكُونُ رَاجِعًا إِلَى مَعْصِيَةٍ]

- ‌[هَذِهِ الْفِرَقُ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْمِلَّةِ]

- ‌[تَخْصِيصُ الْفِرَقِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمُبْتَدِعَةِ، وَإِشَارَةُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِ]

- ‌[الْفِرَقُ إِنَّمَا تَصِيرُ فِرَقًا لِخِلَافِهَا لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ]

- ‌[إِذَا قُلْنَا هَذِهِ الْفِرَقُ كُفَّارٌ فَكَيْفَ يُعَدُّونَ مِنَ الْأُمَّةِ]

- ‌[تَعْيِينُ هَذِهِ الْفِرَقِ]

- ‌[الْعَلَامَاتُ وَالْخَوَاصُّ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا هَذِهِ الْفِرَقُ]

- ‌[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]

- ‌[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]

- ‌[اتِّبَاعُ الْأُمَّةِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهَا]

- ‌[كُفْرُ الْفِرَقِ وَفِسْقُهَا وَنُفُوذُ الْوَعِيدِ أَوْ جَعْلُهُ فِي الْمَشِيئَةِ]

- ‌[قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام " إِلَّا وَاحِدَةً " أَعْطَى بِنَصِّهِ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ]

- ‌[النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَيِّنْ مِنَ الْفِرَقِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً]

- ‌[هَلْ يَدْخُلُ فِي الْهَالِكَةِ الْمُبْتَدِعُ فِي الْجُزَيْئَاتِ كَالْمُبْتَدِعُ فِي الْكُلِّيَّاتِ]

- ‌[مَنْ رَوَى فِي تَفْسِيرِ الْفِرَقِ النَّاجِيَةِ هِيَ الْجَمَاعَةُ مُحْتَاجَةٌ إِلَى التَّفْسِيرِ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِ اجْتِهَادُهُمْ]

- ‌[مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ

- ‌[قَوْلُهُ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ فِيهِ الْإِشَارَةُ بِتِلْكَ فَلَا تَكُونُ إِشَارَةً إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَلَا مُحَالٍ بِهَا]

- ‌[مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ عَلَى وَصْفِ كَذَا

- ‌[الْإِشْرَابُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هَلْ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْبِدَعِ دُونَ بَعْضٍ أَمْ لَا يَخْتَصُّ]

- ‌[دَاءُ الْكَلْبِ فِيهِ مَا يُشْبِهُ الْعَدْوَى وَكَذَلِكَ الْبِدَعُ]

- ‌[التَّنْبِيهُ عَلَى السَّبَبِ فِي بُعْدِ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ عَنِ التَّوْبَةِ]

- ‌[مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ مَنْ لَا يُشْرَبُ هَوَى الْبِدْعَةِ ذَلِكَ الْإِشْرَابَ]

- ‌[جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ " أَعْظَمُهَا فِتْنَةً الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ

- ‌[جَوَابُ النَّبِيِّ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ فِيهِ انْصِرَافُ الْقَصْدِ إِلَى تَعْيِينِ الْوَصْفِ الضَّابِطِ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ بَيَانُ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْ عَنْهُ سُبُلُ أَهْلِ الِابْتِدَاعِ]

- ‌[التَّعْيِينُ لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ اجْتِهَادِيٌّ لَا يَنْقَطِعُ الْخِلَافُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الْقُرْآنَ وَجَاءَ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَسَالِيبِهِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ اللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الشَّرِيعَةَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[فَصْلُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا تَتَعَدَّاهُ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[فَصْلٌ خَاتِمَةٌ]

الفصل: ‌[هذه الفرق يحتمل من جهة النظر أن يكونوا خارجين عن الملة]

مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَعُدُّوا مِنْهَا الْمُفْتَرِقِينِ بِسَبَبِ الْمَعَاصِي الَّتِي لَيْسَتْ بِدَعًا، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ التَّفْرِيعُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

[هَذِهِ الْفِرَقُ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْمِلَّةِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

إِنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْمِلَّةِ بِسَبَبِ مَا أَحْدَثُوا.

فَهُمْ قَدْ فَارَقُوا أَهْلَ الْإِسْلَامِ بِإِطْلَاقٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِكُفْرٍ، إِذْ لَيْسَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ تُتَصَوَّرُ.

وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ ظَوَاهِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159] وَهِيَ آيَةٌ نَزَلَتْ - عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ - فِي أَهْلِ الْبِدَعِ، وَيُوَضِّحُهُ مَنْ قَرَأَ:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} [الأنعام: 159] وَالْمُفَارَقَةُ لِلدِّينِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إِنَّمَا هِيَ الْخُرُوجُ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ:{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106] الْآيَةَ وَهِيَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مُنَزَّلَةٌ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ، وَهَذَا كَالنَّصِّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»

ص: 705

وَهَذَا نَصٌّ فِي كُفْرِ مَنْ قِيلَ ذَلِكَ فِيهِ، وَفَسَّرَهُ الْحَسَنُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ

«وَيُصْبِحُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَاَفِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَاَفِرًا» الْحَدِيثَ، «وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْخَوَارِجِ:

دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ - وَهُوَ الْقَدَحُ - ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ» فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ: مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ فَهُوَ الشَّاهِدُ عَلَى أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه:

«سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، إِنَّمَا هِيَ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْآيَاتِ.

ص: 706

وَأَيْضًا، فَالْآيَاتُ إِنْ دَلَّتْ بِصِيَغِ عُمُومِهَا فَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ بِمَعَانِيهَا لِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ فِي الْعِلَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْحُكْمُ بِالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ رَاجِعٌ إِلَى حُكْمِ الْآخِرَةِ، وَالْقِيَاسُ لَا يَجْرِي فِيهَا. فَالْجَوَابُ: إِنَّ كَلَامَنَا فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَهَلْ يُحْكَمُ لَهُمْ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا أَمْرُ الْآخِرَةِ لِلَّهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].

وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ شَرَائِعِهِ وَأُصُولِهِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ.

وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ فَارَقَ الْإِسْلَامَ لَكِنَّ مَقَالَتَهُ كُفْرٌ وَتُؤَدِّي مَعْنَى الْكُفْرِ الصَّرِيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُفَارِقْهُ، بَلِ انْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ عَظُمَ مَقَالُهُ وَشُنِّعَ مَذْهَبُهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَبْلَغَ الْخُرُوجِ إِلَى الْكُفْرِ الْمَحْضِ وَالتَّبْدِيلِ الصَّرِيحِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلُ بِحَسْبِ كُلِّ نَازِلَةٍ، وَبِحَسْبِ كُلِّ بِدْعَةٍ، إِذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْبِدَعَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ كَاتِّخَاذِ الْأَصْنَامِ لِتُقَرِّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كَالْقَوْلِ بِالْجِهَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَإِنْكَارِ الْإِجْمَاعِ وَإِنْكَارِ الْقِيَاسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

ص: 707

وَلَقَدْ فَصَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي التَّكْفِيرِ تَفْصِيلًا فِي هَذِهِ الْفِرَقِ، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنَ الْبِدَعِ رَاجِعًا إِلَى اعْتِقَادِ وُجُودِ إِلَهٍ مَعَ اللَّهِ، كَقَوْلِ السَّبَئِيَّةِ فِي عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ إِلَهٌ، أَوْ خَلْقُ الْإِلَهِ فِي بَعْضِ أَشْخَاصِ النَّاسِ كَقَوْلِ الْجَنَاحِيَّةِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ رُوحٌ يَحُلُّ فِي بَعْضِ بَنِي آدَمَ، وَيَتَوَارَثُ، أَوْ إِنْكَارِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِ الْغُرَابِيَّةِ: إِنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فِي الرِّسَالَةِ فَأَدَّاهَا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَعَلِيٌّ كَانَ صَاحِبَهَا، أَوِ اسْتِبَاحَةِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْكَارِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كَأَكْثَرِ الْغُلَاةِ مِنَ الشِّيعَةِ، مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ فَلَا يَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدُهَا غَيْرَ كَافِرٍ.

وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا حَاجَةَ إِلَى إِيرَادِهَا وَلَكِنَّ الَّذِي كُنَّا نَسْمَعُهُ مِنَ الشُّيُوخِ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ الْكُفْرَ بِالْمَآلِ، لَيْسَ بِكُفْرٍ فِي الْحَالِ، كَيْفَ وَالْكَافِرُ يُنْكِرُ ذَلِكَ الْمَآلَ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ وَيَرْمِي مُخَالِفَهُ بِهِ، [وَلَوْ] تَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ لُزُومِ الْكُفْرِ مِنْ مَقَالَتِهِ لَمْ يَقُلْ بِهَا عَلَى حَالٍ.

وَإِذَا تَقَرَّرَ نَقْلُ الْخِلَافِ فَلْنَرْجِعْ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ.

أَمَّا مَا صَحَّ مِنْهُ فَلَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تَعْدِيدُ الْفِرَقِ الْخَاصَّةِ. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ قَالَ فِي حَدِيثِهِ:

«كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً» فَإِنَّمَا

ص: 708