الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرُوِيَ أَنَّ زَعِيمًا مِنْ زُعَمَاءِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ كَانَ يُرِيدُ تَفْضِيلَ الْكَلَامِ عَلَى الْفِقْهِ، فَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ عِلْمَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، جُمْلَتُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ سَرَاوِيلِ امْرَأَةٍ.
هَذَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ الزَّائِغِينَ، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ.
وَ [أَمَّا] الْعَلَامَةُ التَّفْصِيلِيَّةُ فِي كُلِّ فِرْقَةٍ فَقَدْ نَبِّهَ عَلَيْهَا وَأُشِيرَ إِلَى جُمْلَةٍ مِنْهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفِي ظَنِّي أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهَا مُنَبَّهًا عَلَيْهَا وَمُشَارًا إِلَيْهَا، وَلَوْلَا أَنَّا فَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ السَّتْرَ عَلَيْهَا لَكَانَ فِي الْكَلَامِ فِي تَعْيِينِهَا مَجَالٌ مُتَّسِعٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ كُنَّا هَمَمْنَا بِذَلِكَ فِي مَاضِي الزَّمَانِ. فَغَلَبَنَا عَلَيْهِ مَا دَلَّنَا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى خِلَافُ ذَلِكَ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي تَعْرَّضْنَا لِشَرْحِهِ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَاحِدَةً مِنْهَا، لِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ لِتُحْذَرَ مَظَانُّهَا، وَعَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَهِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ لِيَتَحَرَّاهَا الْمُكَلَّفُ، وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، لِأَنَّ ذِكْرَهَا فِي الْجُمْلَةِ يُفِيدُ الْأُمَّةَ الْخَوْفَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا، وَذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِرْقَةً مِنِ الْفِرَقِ الْهَالِكَةِ لِأَنَّهَا - كَمَا قَالَ - أَشَدُّ الْفِرَقِ عَلَى الْأُمَّةِ. وَبَيَانُ كَوْنِهَا أَشَدَّ فِتْنَةً مِنْ غَيْرِهَا سَيَأْتِي آخِرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:
إِنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ افْتِرَاقَ الْيَهُودِ كَافْتِرَاقِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ،
وَهِيَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَلَى الشَّكِّ! إِحْدَى وَسَبْعِينَ؟ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعَيْنِ؟ وَأُثْبِتَ فِي التِّرْمِذِيِّ فِي الرِّوَايَةِ الْغَرِيبَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ افْتِرَاقَ النَّصَارَى، وَذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَجْلِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَجْرَى فِي الْحَدِيثِ ذِكْرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَطْ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ. وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي» الْحَدِيثَ. وَفِي أَبِي دَاوُدَ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مَعًا إِثْبَاتُ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ.
وَخَرَّجَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَافْتَرَقَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً.
فَإِنْ بَنِينَا عَلَى إِثْبَاتِ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَلَا إِشْكَالَ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْإِحْدَى وَالسَّبْعِينَ تَزِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ فِرْقَتَيْنِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الِاثْنَتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ تَزِيدُ فِرْقَةً وَاحِدَةً، وَثَبَتَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْكَلَامِ فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْيَهُودَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ، وَأَنَّ النَّصَارَى افْتَرَقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ فِرْقَةً، وَوَافَقَتْ سَائِرَ