المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[إذا قلنا هذه الفرق كفار فكيف يعدون من الأمة] - الاعتصام للشاطبي ت الهلالي - جـ ٢

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي‌‌ أَحْكَامِ الْبِدَعِوَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ]

- ‌ أَحْكَامِ الْبِدَعِ

- ‌[فَصْلٌ تَفَاوَتُ الْبِدَعِ]

- ‌[مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي النَّسْلِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي الْبِدَعِ صَغَائِرُ وَكَبَائِرُ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ كَوْنِ الْبِدْعَةِ صَغِيرَةً]

- ‌[أَنْ لَا يُدَاوِمَ عَلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[أَنْ لَا يَدْعُوَ إِلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[أَنْ لَا تَفْعَلَ الْبِدْعَةَ فِي مُجْتَمَعَاتِ النَّاسِ أَوْ فِي مَوَاضِعِ إِقَامَةِ السُّنَنِ]

- ‌[أَنْ لَا يَسْتَصْغِرَ الْبِدْعَةَ وَلَا يَسْتَحْقِرَهَا]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الِابْتِدَاعِ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَمْ يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ]

- ‌[الِابْتِدَاعُ فِي الْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ]

- ‌[الِابْتِدَاعُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْبِدَعُ]

- ‌[فَصْلٌ فُشْوُ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكِرَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْعَمَلُ بِهَا هَلْ يُعَدُّ بِدْعَةً]

- ‌[نُشُوءُ الْبِدَعِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَدُّوا أَكْثَرَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بِدَعًا وَنَسَبُوهَا إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْحُكْمُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ تُوَضِّحُ الْوَجْهَ الْعَمَلِيَّ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ]

- ‌[جَمْعُ الْقُرْآنِ]

- ‌[اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ]

- ‌[قَضَاءُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّرْبِ بِالتُّهَمِ]

- ‌[تَوْظِيفُ الْإِمَامِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ]

- ‌[مُعَاقَبَةُ الْإِمَامِ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[طَبَّقَ الْحَرَامُ الْأَرْضَ وَانْسَدَّتْ طُرُقُ الْمَكَاسِبِ الطَّيِّبَةِ وَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ]

- ‌[قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ]

- ‌[خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ وَالْحَاجَةُ إِلَى إِمَامٍ يَقْدُمُ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[إِذَا خِيفَ عِنْدَ خَلْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَإِقَامَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَالْمَصْلَحَةُ فِي التَّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِحْسَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُسْتَحْسِنٍ وَهُوَ إِمَّا الْعَقْلُ أَوِ الشَّرْعُ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ حُجَجِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شُبْهَةِ اسْتِفْتَاءِ الْقَلْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فَتَاوَى الْقُلُوبِ وَمَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النُّفُوسُ هَلْ هِيَ مُعْتَبِرَةٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَتْ فِرَقُ الْمُبْتَدَعَةِ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[سَبَبُ الِاخْتِلَافِ إِمَّا رَاجِعٌ لِسَابِقِ الْقَدَرِ وَإِمَّا كَسْبِيٌّ]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ النِّحْلَةِ]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ التَّصْمِيمُ عَلَى اتِّبَاعِ الْعَوَائِدِ وَإِنْ فَسَدَتْ]

- ‌[فَصْلُ أَسْبَابِ الْخِلَافِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْجَهْلِ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّخَرُّصِ عَلَى مَعَانِيهَا بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ فِي حَدِيثِ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً]

- ‌[حَقِيقَةُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ]

- ‌[سَبَبُ الْفُرْقَةِ قَدْ يَكُونُ رَاجِعًا إِلَى مَعْصِيَةٍ]

- ‌[هَذِهِ الْفِرَقُ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْمِلَّةِ]

- ‌[تَخْصِيصُ الْفِرَقِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمُبْتَدِعَةِ، وَإِشَارَةُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِ]

- ‌[الْفِرَقُ إِنَّمَا تَصِيرُ فِرَقًا لِخِلَافِهَا لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ]

- ‌[إِذَا قُلْنَا هَذِهِ الْفِرَقُ كُفَّارٌ فَكَيْفَ يُعَدُّونَ مِنَ الْأُمَّةِ]

- ‌[تَعْيِينُ هَذِهِ الْفِرَقِ]

- ‌[الْعَلَامَاتُ وَالْخَوَاصُّ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا هَذِهِ الْفِرَقُ]

- ‌[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]

- ‌[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]

- ‌[اتِّبَاعُ الْأُمَّةِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهَا]

- ‌[كُفْرُ الْفِرَقِ وَفِسْقُهَا وَنُفُوذُ الْوَعِيدِ أَوْ جَعْلُهُ فِي الْمَشِيئَةِ]

- ‌[قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام " إِلَّا وَاحِدَةً " أَعْطَى بِنَصِّهِ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ]

- ‌[النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَيِّنْ مِنَ الْفِرَقِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً]

- ‌[هَلْ يَدْخُلُ فِي الْهَالِكَةِ الْمُبْتَدِعُ فِي الْجُزَيْئَاتِ كَالْمُبْتَدِعُ فِي الْكُلِّيَّاتِ]

- ‌[مَنْ رَوَى فِي تَفْسِيرِ الْفِرَقِ النَّاجِيَةِ هِيَ الْجَمَاعَةُ مُحْتَاجَةٌ إِلَى التَّفْسِيرِ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِ اجْتِهَادُهُمْ]

- ‌[مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ

- ‌[قَوْلُهُ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ فِيهِ الْإِشَارَةُ بِتِلْكَ فَلَا تَكُونُ إِشَارَةً إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَلَا مُحَالٍ بِهَا]

- ‌[مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ عَلَى وَصْفِ كَذَا

- ‌[الْإِشْرَابُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هَلْ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْبِدَعِ دُونَ بَعْضٍ أَمْ لَا يَخْتَصُّ]

- ‌[دَاءُ الْكَلْبِ فِيهِ مَا يُشْبِهُ الْعَدْوَى وَكَذَلِكَ الْبِدَعُ]

- ‌[التَّنْبِيهُ عَلَى السَّبَبِ فِي بُعْدِ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ عَنِ التَّوْبَةِ]

- ‌[مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ مَنْ لَا يُشْرَبُ هَوَى الْبِدْعَةِ ذَلِكَ الْإِشْرَابَ]

- ‌[جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ " أَعْظَمُهَا فِتْنَةً الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ

- ‌[جَوَابُ النَّبِيِّ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ فِيهِ انْصِرَافُ الْقَصْدِ إِلَى تَعْيِينِ الْوَصْفِ الضَّابِطِ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ بَيَانُ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْ عَنْهُ سُبُلُ أَهْلِ الِابْتِدَاعِ]

- ‌[التَّعْيِينُ لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ اجْتِهَادِيٌّ لَا يَنْقَطِعُ الْخِلَافُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الْقُرْآنَ وَجَاءَ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَسَالِيبِهِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ اللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الشَّرِيعَةَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[فَصْلُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا تَتَعَدَّاهُ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[فَصْلٌ خَاتِمَةٌ]

الفصل: ‌[إذا قلنا هذه الفرق كفار فكيف يعدون من الأمة]

الشَّرِيعَةِ لَا غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} [الأنعام: 144] تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا شَرَعَهُ فِي مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ: ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 144] فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْفِرَقَ إِنَّمَا افْتَرَقَتْ بِحَسْبِ أُمُورٍ كُلِّيَّةٍ اخْتَلَفُوا فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[إِذَا قُلْنَا هَذِهِ الْفِرَقُ كُفَّارٌ فَكَيْفَ يُعَدُّونَ مِنَ الْأُمَّةِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ

إِنَّا إِذَا قُلْنَا بِأَنَّ هَذِهِ الْفِرَقَ كُفَّارٌ - عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ - أَوْ يَنْقَسِمُونَ إِلَى كَافِرٍ وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ يُعَدُّونَ مِنَ الْأُمَّةِ؟ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الِافْتِرَاقَ إِنَّمَا هُوَ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ، وَإِلَّا فَلَوْ خَرَجُوا مِنَ الْأُمَّةِ إِلَى الْكُفْرِ لَمْ يُعَدُّوا مِنْهَا أَلْبَتَّةَ - كَمَا تَبَيَّنَ: -

وَكَذَلِكَ الظَّاهِرُ فِي فِرَقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَنَّ التَّفَرُّقَ فِيهِمْ حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِهِمْ هُودًا وَنَصَارَى؟

فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: إِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّا نَأْخُذُ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْفِرَقِ مِنَ الْأُمَّةِ، وَمِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَمَنْ قِيلَ بِكُفْرِهِ مِنْهُمْ، فَإِمَّا أَنَّ يَسْلَمَ فِيهِمْ هَذَا الْقَوْلُ فَلَا يَجْعَلُهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ أَصْلًا وَلَا

ص: 714

أَنَّهُمْ مِمَّا يُعَدُّونَ فِي الْفِرَقِ، وَإِنَّمَا نَعُدُّ مِنْهُمْ مَنْ لَا تُخْرِجُهُ بِدَعَتُهُ إِلَى كُفْرٍ، فَإِنْ قَالَ بِتَكْفِيرِهِمْ جَمِيعًا، فَلَا يَسْلَمُ أَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ بِالْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْفِرَقِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَدِيثِ، بَلْ نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ فِرَقٌ لَا تُخْرِجُهُمْ بِدَعُهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلْيُبْحَثْ عَنْهُمْ.

وَإِمَّا أَنْ لَا نَتَّبِعَ الْمُكَفِّرَ فِي إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ، وَنُفَصِّلَ الْأَمْرَ إِلَى نَحْوٍ مِمَّا فَصَّلَهُ صَاحِبُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الْعَدَدِ مِنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِهِ إِلَّا مَا سَوَّاهُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي تِلْكَ الْعُدَّةِ.

وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ نَعُدَّهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى طَرِيقَةٍ لَعَلَّهَا تَتَمَشَّى فِي الْمَوَاضِعِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ تَدَّعِي الشَّرِيعَةَ، وَأَنَّهَا عَلَى صَوَابِهَا، وَأَنَّهَا الْمُتَّبِعَةُ لِلْمُتَّبِعَةِ لَهَا، وَتَتَمَسَّكُ بِأَدِلَّتِهَا، وَتَعْمَلُ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهَا مِنْ طَرِيقِهَا! وَهِيَ تُنَاصِبُ الْعَدَاوَةَ مِنْ نِسْبَتِهَا إِلَى الْخُرُوجِ عَنْهَا، وَتُرْمَى بِالْجَهْلِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ مِنْ نَاقِضِهَا. لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَنَّ مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ دُونَ غَيْرِهِ. وَبِذَلِكَ يُخَالِفُونَ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا نَسَبْتَهُ إِلَى الِارْتِدَادِ أَقَرَّ بِهِ وَرَضِيَهُ وَلَمْ يَسْخَطْهُ، وَلَمْ يُعَادِلْ لِتِلْكَ النِّسْبَةِ، كَسَائِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَرْبَابِ النِّحَلِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِسْلَامِ.

بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْفِرَقِ فَإِنَّهُمْ مُدَّعُونَ الْمُوَالَفَةَ لِلشَّارِعِ وَالرُّسُوخَ فِي اتِّبَاعِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِسَبَبِ ادِّعَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ الْخُرُوجَ عَنِ السُّنَّةِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُهُمْ مُبَالِغِينَ فِي الْعَمَلِ وَالْعِبَادَةِ، حَتَّى بَعْضُ أَشَدِّ النَّاسِ عِبَادَةً مَفْتُونٌ.

ص: 715

وَالشَّاهِدُ لِهَذَا كُلِّهِ - مَعَ اعْتِبَارِ الْوَاقِعِ - حَدِيثُ الْخَوَارِجِ، فَإِنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:

«يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَتْ قِرَاءَتُكُمْ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ وَلَا صَلَاتُكُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ» وَهَذِهِ شِدَّةُ الْمُثَابَرَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ كَيْفَ يُحَكِّمُ الرِّجَالَ وَاللَّهُ يَقُولُ:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]؟ فَفِي ظَنِّهِمْ أَنَّ الرِّجَالَ لَا يُحَكَّمُونَ بِهَذَا الدَّلِيلِ، ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيهِمْ» .

فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَاضِحٌ فِيمَا قُلْنَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ اتِّبَاعَهُ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ لِيَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، وَلِيَكُونَ حُجَّةً لَهُمْ، فَحِينَ ابْتَغَوْا تَأْوِيلَهُ وَخَرَجُوا عَنِ الْجَادَّةِ كَانَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ.

وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَإِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ وَالتَّعَمُّقَ، عَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ فَقَوْلُهُ: يَزْعُمُونَ كَذَا. دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ عَلَى الشَّرْعِ فِيمَا يَزْعُمُونَ.

وَمِنَ الشَّوَاهِدِ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ

ص: 716

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ! وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ - قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ! أَلَا هَلُمَّ! فَيُقَالُ، قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: فَسُحْقًا فَسُحْقًا فَسُحْقًا».

فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ: «فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي» إِلَى قَوْلِهِ: «أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ» مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ. وَأَنَّهُ عَرَفَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِالْغُرَرِ وَالتَّحْجِيلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَعَاهُمْ وَقَدْ كَانُوا بَدَّلُوا ذَوُو غُرَرٍ وَتَحْجِيلٍ، وَذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَبَانَ أَنَّهُمْ مَعُدُودُونَ مِنَ الْأُمَّةِ، وَلَوْ حُكِمَ لَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْأُمَّةِ لَمْ يَعْرِفْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغُرَّةٍ أَوْ تَحْجِيلٍ لِعَدَمِهِ عِنْدَهُمْ.

وَلَا عَلَيْنَا أَقُلْنَا: إِنَّهُمْ خَرَجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْأُمَّةِ أَوْ لَا، إِذْ أَثْبَتْنَا لَهُمْ وَصْفَ الِانْحِيَاشِ إِلَيْهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

«فَيُؤْخَذُ بِقَوْمٍ مِنْكُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! قَالَ: فَيُقَالُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117] إِلَى قَوْلِهِ:

ص: 717