الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ خَاصَّةٌ بِالْعَوَّامِّ، وَأَمَّا الْخَوَاصُّ مِنْهُمْ فَقَدْ تَرَقَّوْا عَنْ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ، فَالنِّسَاءُ بِإِطْلَاقٍ حَلَّالٌ لَهُمْ، كَمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكَوْنِ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ حَلَالٌ لَهُمْ أَيْضًا، مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِخُرَافَاتِ عَجَائِزَ لَا يَرْضَاهَا ذُو عَقْلٍ:{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] فَصَارُوا أَضَرَّ عَلَى الدِّينِ مِنْ مَتْبُوعِهِمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ:
وَكُنْتُ امْرَأً مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ فَانْتَهَى
…
بِيَ الْفِسْقُ حَتَّى صَارَ إِبْلِيسُ مِنْ جُنْدِي!
فَلَوْ مَاتَ قَبْلِي كُنْتُ أُحْسِنُ بَعْدَهُ
…
طَرَائِقَ فِسْقٍ لَيْسَ يُحْسِنُهَا بَعْدِي!
[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْعَقْلِ]
وَمِثَالُ مَا يَقَعُ فِي الْعَقْلِ، أَنَّ الشَّرِيعَةَ بَيَّنَتْ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ فِي دِينِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] وَقَالَ: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.
فَخَرَجَتْ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ فِرْقَةٌ زَعَمَتْ أَنَّ الْعَقْلَ لَهُ مَجَالٌ فِي التَّشْرِيعِ، وَأَنَّهُ مُحَسِّنٌ وَمُقَبِّحٌ، فَابْتَدَعُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ فِيهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخَمْرَ لَمَّا حُرِّمَتْ، وَنَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ ـ فِي شَأْنِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَهُوَ وَيَشْرَبُهَا ـ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. الْآيَةَ. تَأَوَّلَهَا قَوْمٌ ـ فِيمَا ذُكِرَ ـ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ حَلَالٌ، وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: فِيمَا طَعِمُوا.
فَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: شَرِبَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْخَمْرَ وَعَلَيْهِمْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالُوا: هِيَ لَنَا حَلَالٌ. وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْآيَةَ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ. قَالَ فَكَتَبَ فِيهِمْ إِلَى عُمَرَ.
قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَيْهِ: أَنِ ابْعَثْ بِهِمْ إِلَيَّ قَبْلَ أَنْ يُفْسِدُوا مَنْ قِبَلَكَ، فَلَمَّا قَدِمُوا إِلَى عُمَرَ اسْتَشَارَ فِيهِمُ النَّاسَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! نَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَشَرَعُوا فِي دِينِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه سَاكِتٌ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: أَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ فَإِنْ تَابُوا جَلَدْتَهُمْ ثَمَانِينَ لِشُرْبِهِمُ الْخَمْرَ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا ضَرَبْتَ أَعْنَاقَهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَشَرَعُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ.
فَهَؤُلَاءِ اسْتَحَلُّوا بِالتَّأْوِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَشَهِدَ فِيهِمْ عَلِيٌّ رضي الله عنه، وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، بِأَنَّهُمْ شَرَعُوا فِي دِينِ اللَّهِ، وَهَذِهِ هِيَ