المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين من الفرق إلا فرقة واحدة] - الاعتصام للشاطبي ت الهلالي - جـ ٢

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي‌‌ أَحْكَامِ الْبِدَعِوَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ]

- ‌ أَحْكَامِ الْبِدَعِ

- ‌[فَصْلٌ تَفَاوَتُ الْبِدَعِ]

- ‌[مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الدِّينِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي النَّفْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي النَّسْلِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْعَقْلِ]

- ‌[فَصْلٌ مِثَالٌ لِوُقُوعِ الْبِدَعِ فِي الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ فِي الْبِدَعِ صَغَائِرُ وَكَبَائِرُ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ كَوْنِ الْبِدْعَةِ صَغِيرَةً]

- ‌[أَنْ لَا يُدَاوِمَ عَلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[أَنْ لَا يَدْعُوَ إِلَى الْبِدْعَةِ]

- ‌[أَنْ لَا تَفْعَلَ الْبِدْعَةَ فِي مُجْتَمَعَاتِ النَّاسِ أَوْ فِي مَوَاضِعِ إِقَامَةِ السُّنَنِ]

- ‌[أَنْ لَا يَسْتَصْغِرَ الْبِدْعَةَ وَلَا يَسْتَحْقِرَهَا]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الِابْتِدَاعِ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَمْ يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ]

- ‌[الِابْتِدَاعُ فِي الْأُمُورِ الْعِبَادِيَّةِ]

- ‌[الِابْتِدَاعُ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْبِدَعُ]

- ‌[فَصْلٌ فُشْوُ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكِرَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْعَمَلُ بِهَا هَلْ يُعَدُّ بِدْعَةً]

- ‌[نُشُوءُ الْبِدَعِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَدُّوا أَكْثَرَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بِدَعًا وَنَسَبُوهَا إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْحُكْمُ]

- ‌[أَمْثِلَةٌ تُوَضِّحُ الْوَجْهَ الْعَمَلِيَّ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ]

- ‌[جَمْعُ الْقُرْآنِ]

- ‌[اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ]

- ‌[قَضَاءُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ]

- ‌[اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّرْبِ بِالتُّهَمِ]

- ‌[تَوْظِيفُ الْإِمَامِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ]

- ‌[مُعَاقَبَةُ الْإِمَامِ بِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[طَبَّقَ الْحَرَامُ الْأَرْضَ وَانْسَدَّتْ طُرُقُ الْمَكَاسِبِ الطَّيِّبَةِ وَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ]

- ‌[قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ]

- ‌[خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ وَالْحَاجَةُ إِلَى إِمَامٍ يَقْدُمُ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[إِذَا خِيفَ عِنْدَ خَلْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَإِقَامَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَالْمَصْلَحَةُ فِي التَّرْكِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأُمُورُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِحْسَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُسْتَحْسِنٍ وَهُوَ إِمَّا الْعَقْلُ أَوِ الشَّرْعُ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ حُجَجِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ شُبْهَةِ اسْتِفْتَاءِ الْقَلْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فَتَاوَى الْقُلُوبِ وَمَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النُّفُوسُ هَلْ هِيَ مُعْتَبِرَةٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَتْ فِرَقُ الْمُبْتَدَعَةِ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[سَبَبُ الِاخْتِلَافِ إِمَّا رَاجِعٌ لِسَابِقِ الْقَدَرِ وَإِمَّا كَسْبِيٌّ]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ النِّحْلَةِ]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ التَّصْمِيمُ عَلَى اتِّبَاعِ الْعَوَائِدِ وَإِنْ فَسَدَتْ]

- ‌[فَصْلُ أَسْبَابِ الْخِلَافِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْجَهْلِ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّخَرُّصِ عَلَى مَعَانِيهَا بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ فِي حَدِيثِ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً]

- ‌[حَقِيقَةُ افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ]

- ‌[سَبَبُ الْفُرْقَةِ قَدْ يَكُونُ رَاجِعًا إِلَى مَعْصِيَةٍ]

- ‌[هَذِهِ الْفِرَقُ يَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْمِلَّةِ]

- ‌[تَخْصِيصُ الْفِرَقِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمُبْتَدِعَةِ، وَإِشَارَةُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِ]

- ‌[الْفِرَقُ إِنَّمَا تَصِيرُ فِرَقًا لِخِلَافِهَا لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ]

- ‌[إِذَا قُلْنَا هَذِهِ الْفِرَقُ كُفَّارٌ فَكَيْفَ يُعَدُّونَ مِنَ الْأُمَّةِ]

- ‌[تَعْيِينُ هَذِهِ الْفِرَقِ]

- ‌[الْعَلَامَاتُ وَالْخَوَاصُّ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا هَذِهِ الْفِرَقُ]

- ‌[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]

- ‌[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]

- ‌[اتِّبَاعُ الْأُمَّةِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهَا]

- ‌[كُفْرُ الْفِرَقِ وَفِسْقُهَا وَنُفُوذُ الْوَعِيدِ أَوْ جَعْلُهُ فِي الْمَشِيئَةِ]

- ‌[قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام " إِلَّا وَاحِدَةً " أَعْطَى بِنَصِّهِ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ]

- ‌[النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَيِّنْ مِنَ الْفِرَقِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً]

- ‌[هَلْ يَدْخُلُ فِي الْهَالِكَةِ الْمُبْتَدِعُ فِي الْجُزَيْئَاتِ كَالْمُبْتَدِعُ فِي الْكُلِّيَّاتِ]

- ‌[مَنْ رَوَى فِي تَفْسِيرِ الْفِرَقِ النَّاجِيَةِ هِيَ الْجَمَاعَةُ مُحْتَاجَةٌ إِلَى التَّفْسِيرِ]

- ‌[الِاعْتِبَارُ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِ اجْتِهَادُهُمْ]

- ‌[مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ

- ‌[قَوْلُهُ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ فِيهِ الْإِشَارَةُ بِتِلْكَ فَلَا تَكُونُ إِشَارَةً إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَلَا مُحَالٍ بِهَا]

- ‌[مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ عَلَى وَصْفِ كَذَا

- ‌[الْإِشْرَابُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هَلْ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْبِدَعِ دُونَ بَعْضٍ أَمْ لَا يَخْتَصُّ]

- ‌[دَاءُ الْكَلْبِ فِيهِ مَا يُشْبِهُ الْعَدْوَى وَكَذَلِكَ الْبِدَعُ]

- ‌[التَّنْبِيهُ عَلَى السَّبَبِ فِي بُعْدِ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ عَنِ التَّوْبَةِ]

- ‌[مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ مَنْ لَا يُشْرَبُ هَوَى الْبِدْعَةِ ذَلِكَ الْإِشْرَابَ]

- ‌[جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ " أَعْظَمُهَا فِتْنَةً الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ

- ‌[جَوَابُ النَّبِيِّ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ فِيهِ انْصِرَافُ الْقَصْدِ إِلَى تَعْيِينِ الْوَصْفِ الضَّابِطِ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ]

- ‌[الْبَابُ الْعَاشِرُ بَيَانُ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْ عَنْهُ سُبُلُ أَهْلِ الِابْتِدَاعِ]

- ‌[التَّعْيِينُ لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ اجْتِهَادِيٌّ لَا يَنْقَطِعُ الْخِلَافُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الْقُرْآنَ وَجَاءَ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَسَالِيبِهِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ اللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الشَّرِيعَةَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[فَصْلُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا تَتَعَدَّاهُ]

- ‌[فَصْلٌ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

- ‌[فَصْلٌ خَاتِمَةٌ]

الفصل: ‌[النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين من الفرق إلا فرقة واحدة]

وَفَسَّرَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: «ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ» وَهَذَا نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ.

[النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَيِّنْ مِنَ الْفِرَقِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَيِّنْ مِنَ الْفِرَقِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِعَدِّهَا خَاصَّةً، وَأَشَارَ إِلَى الْفِرَقِ النَّاجِيَةِ حِينَ سُئِلَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ لِأُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ تَعْيِينَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ هُوَ الْآكَدُ فِي الْبَيَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعَبُّدِ الْمُكَلَّفِ وَالْأَحَقِّ بِالذِّكْرِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ الْفِرَقِ الْبَاقِيَةِ إِذَا عُيِّنَتِ الْوَاحِدَةُ. وَأَيْضًا لَوْ عُيِّنَتِ الْفِرَقُ كُلُّهَا إِلَّا هَذِهِ الْأُمَّةَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَيَانِهَا، لَأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا يَقْتَضِي تَرْكَ أُمُورٍ، وَهِيَ الْبِدَعُ. وَالتَّرْكُ لِلشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي فِعْلَ شَيْءٍ آخَرَ لَا ضِدًّا وَلَا خِلَافًا، فَذِكْرُ الْوَاحِدَةِ هُوَ الْمُفِيدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. أَسْبَابُ تَعْيِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ فَقَطْ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا أَنَّ تَعْيِينَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ هُوَ الْآكَدُ فِي الْبَيَانِ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ أَوْجَزُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ أَوْجَزُ لِأَنَّهُ إِذَا ذُكِرَتْ نِحْلَةُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ عُلِمَ عَلَى الْبَدِيهَةِ أَنَّ مَا سِوَاهَا مِمَّا يُخَالِفُهَا لَيْسَ بِنَاجٍ، وَحَصَلَ التَّعْيِينُ بِالِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا ذُكِرَتِ الْفِرَقُ إِلَّا النَّاجِيَةَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي شَرْحًا كَثِيرًا، وَلَا يَقْتَضِي فِي الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ اجْتِهَادٌ، لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَكُونُ مُخَالَفَتُهَا بِدَعًا لَا حَظَّ لِلْعَقْلِ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهَا. السَّبَبُ الثَّانِي أَنَّهُ أَحْرَى بِالسَّتْرِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ

وَالثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ أَحْرَى بِالسَّتْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفِرَقِ، وَلَوْ فُسِّرَتْ لَنَاقَضَ ذَلِكَ قَصْدَ السَّتْرِ، فَفَسَّرَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَتَرَكَ مَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ، فَلِلْعَقْلِ وَرَاءَ ذَلِكَ مَرْمَى تَحْتَ أَذْيَالِ

ص: 758

السَّتْرِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي، وَوَقَعَ ذَلِكَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ الَّذِي سَأَلُوهُ إِذْ قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ مَنِ اتَّصَفَ بِأَوْصَافِهِ عليه الصلاة والسلام وَأَوْصَافِ أَصْحَابِهِ. وَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ غَيْرَ خَفِيٍّ فَاكْتَفَوْا بِهِ. وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَ تِلْكَ الْأَزْمَانِ.

وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ أَصْحَابَهُ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ مُهْتَدِينَ بِهَدْيِهِ، وَقَدْ جَاءَ مَدْحُهُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَأَثْنَى عَلَى مَتْبُوعِهِمْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا خُلُقُهُ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنُ، فَقَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] فَالْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ الْمَتْبُوعُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَجَاءَتِ السُّنَّةُ مُبَيِّنَةً لَهُ، فَالْمُتَّبِعُ لِلسُّنَّةِ مُتَّبِعٌ لِلْقُرْآنِ. وَالصَّحَابَةُ كَانُوا أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ، فَكُلُّ مَنِ اقْتَدَى بِهِمْ فَهُوَ مِنَ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الدَّاخِلَةِ لِلْجَنَّةِ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي. الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ هُمَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَغَيْرُهُمَا تَابِعٌ لَهُمَا

فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ، وَمَا سِوَاهُمَا مِنَ الْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ فَنَاشِئٌ عَنْهُمَا، هَذَا هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِ: وَهِيَ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي وَقْتِ الْإِخْبَارِ كَانُوا عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ، إِلَّا أَنَّ فِي لَفْظِ الْجَمَاعَةِ مَعْنًى تَرَاهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ إِنَّ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ نَظَرًا لَابُدَّ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ

ص: 759

" كُلَّ " دَاخِلٍ تَحْتَ رَايَةِ الْإِسْلَامِ مِنْ سُنِّيٍّ أَوْ مُبْتَدِعٍ مُدَّعٍ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَالَ رُتْبَةَ النَّجَاةِ وَدَخَلَ فِي غِمَارِ تِلْكَ الْفِرْقَةِ، إِذْ لَا يَدَّعِي (خِلَافَ) ذَلِكَ إِلَّا مَنْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ، وَانْحَازَ إِلَى فِئَةِ الْكُفْرِ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَفِي مَعْنَاهُمْ مَنْ دَخَلَ بِظَاهِرِهِ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ غَيْرَهُ كَالْمُنَافِقِينَ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ إِلَّا بِوَصْفِ الْإِسْلَامِ وَقَاتَلَ سَائِرَ الْمِلَلِ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى لِنَفْسِهِ بِأَخَسِّ مَرَاتِبِهَا - وَهُوَ مُدَّعٍ أَحْسَنَهَا - وَهُوَ الْمُعَلِّمُ فَلَوْ عَلِمَ الْمُبْتَدِعُ أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ لَمْ يَبْقَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَمْ يُصَاحِبْ أَهْلَهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَّخِذَهَا دِينًا يَدِينُ بِهِ لِلَّهِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطْرَةِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ عَاقِلٌ. تَنَازُعُ الْفِرَقِ وَتَعْبِيرُ كُلٍّ مِنْهَا عَنْ نَفْسِهَا

فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ فِرْقَةٍ تُنَازِعُ صَاحِبَتَهَا فِي فِرْقَةِ النَّجَاةِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبْتَدِعَ آخِذٌ أَبَدًا فِي تَحْسِينِ حَالَتَيْهِ شَرْعًا وَتَقْبِيحِ حَالَةِ غَيْرِهِ؟ فَالظَّاهِرُ يَدَّعِي أَنَّهُ الْمُتَّبِعُ لِلسُّنَّةِ.

وَالْغَاشُّ يَدَّعِي أَنَّهُ الَّذِي فَهِمَ الشَّرِيعَةَ، وَصَاحِبُ نَفْيِ الصِّفَاتِ يَدَّعِي أَنَّهُ الْمُوَحِّدُ.

وَالْقَائِلُ بِاسْتِقْلَالِ الْعَبْدِ [يَدَّعِي] أَنَّهُ صَاحِبُ الْعَدْلِ، وَكَذَلِكَ سَمَّى الْمُعْتَزِلَةُ أَنْفُسَهُمْ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ.

وَالْمُشَبِّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ الْمُثْبِتُ لِذَاتِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ، لِأَنَّ نَفْيَ التَّشْبِيهِ عِنْدَهُ نَفْيٌ مَحْضٌ، وَهُوَ الْعَدَمُ.

وَكَذَلِكَ كَلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ الَّتِي ثَبَتَ لَهَا اتِّبَاعُ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا.

وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى الِاسْتِدْلَالَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَوِ السُّنِّيَّةِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَكُلُّ طَائِفَةٍ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ أَيْضًا.

ص: 760

وَالرَّافِضَةُ تَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَيَرِدَنَّ الْحَوْضَ أَقْوَامٌ ثُمَّ لَيَتَخَلَّفُنَّ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ» وَيَحْتَجُّونَ فِي تَقْدِيمِ عَلِيٍّ رضي الله عنه بِ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» وَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» وَمُخَالِفُوهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما بِقَوْلِهِ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ» إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ، مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَاهُ.

وَالْجَمِيعُ مَحُومُونَ - فِي زَعْمِهِمْ - عَلَى الِانْتِظَامِ فِي سِلْكِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَشْكَلَ عَلَى الْمُبْتَدِعِ فِي النَّظَرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُمْ مُقْتَضَى هَذِهِ الظَّوَاهِرِ، فَإِنَّهَا مُتَدَافِعَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ. وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا إِذَا جُعِلَ بَعْضُهَا أَصْلًا. فَيَرُدُّ الْبَعْضَ الْآخَرَ إِلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ بِالتَّأْوِيلِ.

وَكَذَلِكَ فَعَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ تَسْتَمْسِكُ بِبَعْضِ تِلْكَ

ص: 763