الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَاكَرَهُ بِرِفْقٍ، وَلَمْ يُرِهِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السُّنَّةِ، بَلْ يُرِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَأَنَّ الصَّوَابَ الْمُوَافِقَ لِلسُّنَّةِ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَصُّبٍ وَلَا إِظْهَارِ غَلَبَةٍ فَهُوَ الْحَجُّ، وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ دُعِيَ الْخَلْقُ أَوَّلًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى [إِذَا] عَانَدُوا وَأَشَاعُوا الْخِلَافَ وَأَظْهَرُوا الْفُرْقَةَ قُوبِلُوا بِحَسَبِ ذَلِكَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: أَكْثَرُ الْجَهَالَاتِ إِنَّمَا رَسَخَتْ فِي قُلُوبِ الْعَوَامِّ بِتَعَصُّبِ جَمَاعَةٍ مِنْ جُهَّالِ أَهْلِ الْحَقِّ، أَظْهَرُوا الْحَقَّ فِي مَعْرِضِ التَّحَدِّي وَالْإِدْلَالِ وَنَظَرُوا إِلَى ضُعَفَاءِ الْخُصُومِ بِعَيْنِ التَّحْقِيرِ وَالِازْدِرَاءِ، فَثَارَتْ مِنْ بَوَاطِنِهِمْ دَوَاعِي الْمُعَانَدَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَرَسَخَتْ فِي قُلُوبِهِمُ الِاعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ، وَتَعَذَّرَ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُتَلَطِّفِينَ مَحْوُهَا مَعَ ظُهُورِ فَسَادِهَا، حَتَّى انْتَهَى التَّعَصُّبُ بِطَائِفَةٍ إِلَى أَنِ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْحُرُوفَ الَّتِي نَطَقُوا بِهَا فِي الْحَالِ بَعْدَ السُّكُوتِ عَنْهَا طُولَ الْعُمُرِ قَدِيمَةٌ. وَلَوْلَا اسْتِيلَاءُ الشَّيْطَانِ بِوَاسِطَةِ الْعِنَادِ وَالتَّعَصُّبِ لِلْأَهْوَاءِ، لَمَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا الِاعْتِقَادِ مُسْتَنْفَرًا فِي قَلْبِ مَجْنُونٍ فَضْلًا عَنْ قَلْبِ عَاقِلٍ.
هَذَا مَا قَالَ. وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْعَوَائِدُ الْجَارِيَةُ فَالْوَاجِبُ تَسْكِينُ الثَّائِرَةِ مَا قُدِرَ عَلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْعَلَامَاتُ وَالْخَوَاصُّ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا هَذِهِ الْفِرَقُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَتَعَيَّنُونَ فَلَهُمْ خَوَاصُّ وَعَلَامَاتٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
عَلَامَاتٌ إِجْمَالِيَّةٌ، وَعَلَامَاتٌ تَفْصِيلِيَّةٌ.
فَأَمَّا الْعَلَامَاتُ الْإِجْمَالِيَّةُ فَثَلَاثَةٌ.
إِحْدَاهَا: الْفُرْقَةُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64] رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الْجِدَالُ وَالْخُصُومَاتُ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَصِدْقَ الْحَدِيثِ» .
وَهَذَا التَّفْرِيقُ - كَمَا تَقَدَّمَ - إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يُصَيِّرُ الْفِرْقَةَ الْوَاحِدَةَ فِرَقًا وَالشِّيعَةَ الْوَاحِدَةَ شِيَعًا.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: صَارُوا فِرَقًا لِاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ. وَبِمُفَارَقَةِ الدِّينِ تَشَتَّتَ أَهْوَاؤُهُمْ فَافْتَرَقُوا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 159] ثُمَّ بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
{لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159] وَهُمْ
أَصْحَابُ الْبِدَعِ وَأَصْحَابُ الضَّلَالَاتِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ وَلَا رَسُولُهُ.
قَالَ: وَوَجَدْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْدِهِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَحْكَامِ الدِّينِ وَلَمْ يَتَفَرَّقُوا، وَلَا صَارُوا شِيَعًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوا الدِّينَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا أُذِنَ لَهُمْ مِنِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ، وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا لَمْ يَجِدُوا فِيهِ نَصًّا، وَاخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ أَقْوَالُهُمْ فَصَارُوا مَحْمُودِينَ لِأَنَّهُمُ اجْتَهَدُوا فِيمَا أُمِرُوا بِهِ كَاخْتِلَافِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ فِي الْجَدِّ مَعَ الْأُمِّ، وَقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَخِلَافِهِمْ فِي الْفَرِيضَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَخِلَافِهِمْ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَفِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَانُوا مَعَ هَذَا أَهْلَ مَوَدَّةٍ وَتَنَاصُحٍ، وَأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِمَةٌ، فَلَمَّا حَدَثَتِ الْأَهْوَاءُ الْمُرْدِيَةُ، الَّتِي حَذَّرَ مِنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَظَهَرَتِ الْعَدَاوَاتُ وَتَحَزَّبَ أَهْلُهَا فَصَارُوا شِيَعًا، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا حَدَثَ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي أَلْقَاهَا الشَّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاهِ أَوْلِيَائِهِ.
قَالَ: كُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا وَلَمْ يُورِثْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةً وَلَا بَغْضَاءَ وَلَا فُرْقَةً، عَلِمْنَا أَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْإِسْلَامِ. وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ وَطَرَأَتْ فَأَوْجَبَتِ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالتَّدَابُرَ وَالْقَطِيعَةَ، عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، وَأَنَّهَا الَّتِي عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ.
وَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام: 159] مَنْ هُمْ؟ -
قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ وَأَصْحَابُ الْبِدَعِ وَأَصْحَابُ الضَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» الْحَدِيثَ الَّذِي تَقَدَّمُ ذِكْرُهُ.
قَالَ: فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ وَدِينٍ أَنْ يَجْتَنِبَهَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103] فَإِذَا اخْتَلَفُوا وَتَعَاطَوْا ذَلِكَ، كَانَ لِحَدَثٍ أَحْدَثُوهُ مِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى.
هَذَا مَا قَالَهُ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ يَدْعُو إِلَى الْأُلْفَةِ وَالتَّحَابِّ وَالتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاطُفِ، فَكُلُّ رَأْيٍ أَدَّى إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَخَارِجٌ عَنِ الدِّينِ. وَهَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ فِرْقَةٍ مِنَ الْفِرَقِ الْمُتَضَمِّنَةِ فِي الْحَدِيثِ.
أَلَا تَرَى كَيْفَ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي الْخَوَارِجِ الَّذِينَ أَخْبَرَ بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ» : وَأَيُّ فُرْقَةٍ تُوَازِي هَذِهِ الْفُرْقَةَ الَّتِي بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ؟ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي سَائِرِ مَنْ عُرِفَ مِنَ الْفِرَقِ أَوِ ادُّعِيَ ذَلِكَ فِيهِمْ، إِلَّا أَنَّ الْفِرْقَةَ لَا تَعْتَبِرُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ، لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ.
وَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ مُخَالَفَةَ هَذِهِ الْفِرَقِ فِي الْفُرُوعِ الْجُزْئِيَّةِ، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ لَابُدَّ أَضْعَفُ، فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي هَذَا كُلِّهِ.
وَالْخَاصِّيَّةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ} [آل عمران: 7] الْآيَةَ
هِيَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7] الْآيَةَ. فَبَيَّنَتِ الْآيَةُ أَنَّ أَهْلَ الزَّيْغِ يَتَّبِعُونَ مُتَشَابِهَاتِ الْقُرْآنِ، وَجَعَلُوا مِمَّنْ شَأْنُهُ أَنْ يَتَّبِعَ الْمُتَشَابِهَ لَا الْمُحْكَمَ. وَمَعْنَى الْمُتَشَابِهِ: مَا أُشْكِلَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يُبَيَّنْ مَغْزَاهُ، سَوَاءً كَانَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْحَقِيقِيِّ - كَالْمُجْمَلِ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَمَا يَظْهَرُ مِنَ التَّشْبِيهِ - أَوْ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْإِضَافِيِّ، وَهُوَ مَا يَحْتَاجُ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إِلَى دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ ظَاهِرَ الْمَعْنَى لِبَادِي الرَّأْيِ، كَاسْتِشْهَادِ الْخَوَارِجِ عَلَى إِبْطَالِ التَّحْكِيمِ بِقَوْلِهِ:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ صَحِيحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا عَلَى التَّفْصِيلِ فَمُحْتَاجٌ إِلَى الْبَيَانِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ تَارَةً بِغَيْرِ تَحْكِيمٍ لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَنَا بِالتَّحْكِيمِ فَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمُ اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: " قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ " فَإِنَّهُمْ حَصَرُوا التَّحْكِيمَ فِي الْقِسْمَيْنِ وَتَرَكُوا قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] الْآيَةَ. فَهَذَا قِتَالٌ مِنْ غَيْرِ سَبْيٍ، لَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَبَّهَهُمْ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ وَهُوَ أَنَّ السِّبَاءَ إِذَا حَصَلَ فَلَابُدَّ مِنْ وُقُوعِ بَعْضِ الْمُقَاتِلِينَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمُ السَّبَايَا فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا كَالسَّبَايَا، فَيُخَالِفُونَ الْقُرْآنَ الَّذِي ادَّعَوُا التَّمَسُّكَ بِهِ.
وَكَذَلِكَ فِي مَحْوِ الِاسْمِ مِنْ إِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ، اقْتَضَى عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إِثْبَاتٌ لِإِمَارَةِ الْكَافِرِينَ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ نَفْيَ الِاسْمِ مِنْهَا لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُسَمَّى.
وَأَيْضًا: فَإِنْ فَرَضْنَا أَنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُسَمَّى لَمْ يَقْتَضِ إِثْبَاتَ إِمَارَةٍ أُخْرَى. فَعَارَضَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَحْوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اسْمَ الرِّسَالَةِ مِنَ الصَّحِيفَةِ مُعَارَضَةً لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا. وَلِذَلِكَ رَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ - أَوْ مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ -.
فَتَأَمَّلُوا وَجْهَ اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَكَيْفَ أَدَّى إِلَى الضَّلَالِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
وَالْخَاصِّيَّةُ الثَّالِثَةُ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] وَالزَّيْغُ هُوَ الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] وَقَوْلُهُ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23].
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْفِرَقِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْخَاصِّيَّةِ وَلَا عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا. إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْخَاصِّيَّةَ رَاجِعَةٌ فِي الْمَعْرِفَةِ بِهَا إِلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ فَلَا يَعْرِفُهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يُغَالِطْ نَفْسَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ خَارِجِيٌّ.
وَقَدْ مَرَّ أَنَّ أَصْلَ حُدُوثِ الْفِرَقِ إِنَّمَا هُوَ الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ السُّنَّةِ، وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ بِقَوْلِهِ:
«اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا» . فَكُلُّ أَحَدٍ عَالِمٌ بِنَفْسِهِ هَلْ بَلَغَ فِي الْعِلْمِ مَبْلَغَ الْمُفْتِينَ أَمْ لَا؟ وَعَالِمٌ [إِذَا] رَاجَعَ النَّظَرَ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ: هَلْ هُوَ قَائِلٌ بِعِلْمٍ وَاضِحٍ مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ أَمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ أَمْ هُوَ عَلَى شَكٍّ فِيهِ؟ وَالْعَالِمُ إِذَا لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الْعُلَمَاءُ فَهُوَ فِي الْحُكْمِ بَاقٍ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ حَتَّى يَشْهَدَ فِيهِ غَيْرُهُ وَيَعْلَمَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ أَوْ عَلَى شَكٍّ، فَاخْتِيَارُ الْإِقْدَامِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى الْإِحْجَامِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ الْهَوَى. إِذْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ فِي نَفْسِهِ غَيْرَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يُقَدَّمَ إِلَّا أَنْ يُقَدِّمَهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا.
قَالَ الْعُقَلَاءُ: رَأْيُ الْمُسْتَشَارِ أَنْفَعُ لِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْهَوَى، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُسْتَشَرْ فَإِنَّهُ غَيْرُ بَرِيءٍ، وَلَاسِيَّمَا فِي الدُّخُولِ فِي الْمَنَاصِبِ الْعَلِيَّةِ وَالرُّتَبِ الشَّرْعِيَّةِ كَرُتَبِ الْعِلْمِ.
فَهَذَا أُنْمُوذَجٌ يُنَبِّهُ صَاحِبَ الْهَوَى فِي هَوَاهُ وَيَضْبِطُهُ إِلَى أَصْلٍ يَعْرِفُ بِهِ؛ هَلْ هُوَ فِي تَصَدُّرِهِ إِلَى فَتْوَى النَّاسِ مُتَّبِعٌ لِلْهَوَى، أَمْ هُوَ مُتَّبِعٌ لِلشَّرْعِ؟.
وَأَمَّا الْخَاصِّيَّةُ الثَّانِيَةُ فَرَاجِعَةٌ إِلَى الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ يَعْرِفُونَهَا وَيَعْرِفُونَ أَهْلَهَا، فَهُمُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِمْ فِي بَيَانِ مَنْ هُوَ مُتَّبِعٌ لِلْمُحْكَمِ فَيُقَلَّدُ فِي الدِّينِ، وَمَنْ هُوَ الْمُتَّبِعُ لِلْمُتَشَابِهِ فَلَا يُقَلَّدُ أَصْلًا.
وَلَكِنْ لَهُ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ أَيْضًا نَبَّهَ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ الَّذِي فُسِّرَتِ الْآيَةُ بِهِ، قَالَ فِيهِ:
فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ، فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ، خَرَّجَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ.
فَجَعَلَ مِنْ شَأْنِ الْمُتَّبِعِ لِلْمُتَشَابِهِ أَنَّهُ يُجَادِلُ فِيهِ وَيُقِيمُ النِّزَاعَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّائِغَ الْمُتَّبِعَ لِمَا تَشَابَهَ مِنَ الدَّلِيلِ لَا يَزَالُ فِي رَيْبٍ وَشَكٍّ، إِذِ الْمُتَشَابِهُ لَا يُعْطَى بَيَانًا شَافِيًا، وَلَا يَقِفُ مِنْهُ مُتَّبِعُهُ عَلَى حَقِيقَةٍ، فَاتِّبَاعُ الْهَوَى يُلْجِئُهُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِهِ، وَالنَّظَرُ فِيهِ لَا يَتَخَلَّصُ لَهُ، فَهُوَ عَلَى شَكٍّ أَبَدًا، وَبِذَلِكَ يُفَارِقُ الرَّاسِخَ فِي الْعِلْمِ، لِأَنَّ جِدَالَهُ إِنِ افْتُقِرَ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي مَوَاقِعِ الْإِشْكَالِ الْعَارِضِ طَلَبًا لِإِزَالَتِهِ، فَسُرْعَانَ مَا يَزُولُ إِذَا بَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَ النَّظَرِ.
وَأَمَّا ذُو الزَّيْغِ فَإِنَّ هَوَاهُ لَا يُخَلِّيهِ إِلَى طَرْحِ الْمُتَشَابِهِ. فَلَا يَزَالُ فِي جِدَالٍ عَلَيْهِ وَطَلَبٍ لِتَأْوِيلِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَقَصْدِهِمْ أَنْ يُنَاظِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام، وَأَنَّهُ اللَّهُ، أَوْ أَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، مُسْتَدِلِّينَ بِأُمُورٍ مُتَشَابِهَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ: فَعَلْنَا وَخَلَقْنَا وَهَذَا كَلَامُ جَمَاعَةٍ. وَمِنْ أَنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ كَلَامُ طَائِفَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى أَصْلِهِ وَنَشْأَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَكَوْنِهِ كَسَائِرِ بَنِي آدَمَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَتَلْحَقُهُ الْآفَاتُ وَالْأَمْرَاضُ. وَالْخَبَرُ مَذْكُورٌ فِي السِّيَرِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُمْ إِنَّمَا أَتَوْا لِمُنَاظَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُجَادَلَتِهِ لَا
يَقْصِدُوا اتِّبَاعَ الْحَقِّ.
وَالْجِدَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَنْقَطِعُ، وَلِذَلِكَ لَمَّا بَيَّنَ لَهُمُ الْحَقَّ وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْهُ دُعُوا إِلَى أَمْرٍ آخَرَ خَافُوا مِنْهُ الْهِلْكَةَ فَكَفُّوا عَنْهُ؛ وَهُوَ الْمُبَاهَلَةُ. وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61]. الْآيَةَ، وَشَأْنُ هَذَا الْجِدَالِ أَنَّهُ شَاغِلٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: جَلَسَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَشَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ لَيْلَةً يَتَخَاصَمُونَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ.
قَالَ: فَلَمَّا صَلَّوْا جَعَلَ عَمْرٌو يَقُولُ: هِيهِ أَبَا مَعْمَرٍ! هِيهِ أَبَا مَعْمَرٍ! فَإِذَا رَأَيْتُمْ أَحَدًا شَأْنُهُ أَبَدًا الْجِدَالُ فِي الْمَسَائِلِ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ وَلَا يَرْعَوِي، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ زَائِغُ الْقَلْبِ مُتَّبِعٌ لِلْمُتَشَابِهِ فَاحْذَرُوهُ.
وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ فَعَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْعُقَلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ التَّوَاصُلَ وَالتَّقَاطُعَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَبِمَعْرِفَتِهِ يُعْرَفُ أَهْلُهُ. وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْفِرَقِ إِذْ أَشَارَ إِلَى الِافْتِرَاقِ شِيَعًا بِقَوْلِهِ:
«وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى كَذَا» وَلَكِنَّ هَذَا الِافْتِرَاقَ إِنَّمَا يُعْرَفُ بَعْدَ الْمُلَابَسَةِ وَالْمُدَاخَلَةِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ، فَلَهُ عَلَامَاتٌ تَتَضَمَّنُ الدَّلَالَةَ عَلَى التَّفَرُّقِ، أَوَّلًا: مُفَاتَحَةُ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ إِلْقَاءُ الْمُخَالِفِ لِمَنْ لَقِيَهُ ذَمَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مِمَّنِ اشْتَهَرَ عِلْمُهُمْ وَصَلَاحُهُمْ وَاقْتِدَاءُ الْخَلَفِ بِهِمْ،
وَيَخْتَصُّ بِالْمَدْحِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ شَاذٍّ مُخَالِفٍ لَهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَأَصْلُ هَذِهِ الْعَلَامَةِ فِي الِاعْتِبَارِ تَكْفِيرُ الْخَوَارِجِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - الصَّحَابَةَ الْكِرَامَ رضي الله عنهم، فَإِنَّهُمْ ذَمُّوا مَنْ مَدَحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَاتَّفَقَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى مَدْحِهِمْ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَمَدَحُوا مَنِ اتَّفَقَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى ذَمِّهِ كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ قَاتِلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَصَوَّبُوا قَتْلَهُ إِيَّاهُ، وَقَالُوا: إِنَّ فِي شَأْنِهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة: 207] وَأَمَّا الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: 204]، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَكَذَبُوا - قَاتَلَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ فِي مَدْحِهِ لِابْنِ مُلْجِمٍ.
يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا
…
إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا
إِنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ
…
أَوْفَى الْبَرِّيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا.
وَكَذَبَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَإِذَا رَأَيْتَ مَنْ يَجْرِي عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ، فَهُوَ مِنَ الْفِرَقِ الْمُخَالَفَةِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَرُوِيَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْيَسَعَ، قَالَ: تَكَلَّمَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ يَوْمًا - يَعْنِي الْمُعْتَزِلِيَّ - فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: أَلَا تَسْمَعُونَ؟ مَا كَلَامُ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ - عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ - إِلَّا خِرْقَةُ حَيْضٍ مُلْقَاةٌ.