الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُنْكَرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ، إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ خَيْرًا كَاره.
فَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فِرْقَةً كَانَتْ عَلَى الْحَقِّ الصَّرِيحِ فِي زَمَانِهِمْ، لَكِنْ لَا أَضْمَنُ عُهْدَةَ صِحَّتِهِ وَلَا صِحَّةَ مَا قَبْلَهُ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَرِقَّةٌ نَاجِيَةٌ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ، أَوْ فِرْقَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ الْإِحْدَى وَالسَّبْعِينَ، فَيَكُونُ لَهَا نَوْعٌ مِنَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ أَثْبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَبْعَثُ مَنْ قَبْلَهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فِي أَعْيَانِ مُخَالَفَتِهَا، فَثَبَتَ أَنَّهَا تَبِعَتْهَا فِي أَمْثَالِ بِدْعَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ:
[اتِّبَاعُ الْأُمَّةِ سَنَنَ مَنْ قَبْلَهَا]
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ
فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ قَالَ:
«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ - قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ - قَالَ فَمَنْ؟» زِيَادَةٌ إِلَى حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْغَرِيبِ، فَدَلَّ ضَرْبُ الْمِثَالِ فِي التَّعْيِينِ عَلَى أَنَّ الِاتِّبَاعَ فِي أَعْيَانِ أَفْعَالِهِمْ.
وَفِي الصَّحِيحِ «عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللِّيثِيِّ رضي الله عنه: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ خَيْبَرَ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ حَوْلَهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُ أَكْبَرُ " هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» وَصَارَ حَدِيثُ الْفِرَقِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ صَادِقًا عَلَى أَمْثَالِ الْبِدَعِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَبْتَدِعُ فِي دِينِ اللَّهِ مِثْلَ تِلْكَ الْبِدَعِ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِبِدْعَةٍ لَمْ تَتَقَدَّمْهَا وَاحِدَةٌ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْبِدْعَةَ الزَّائِدَةَ إِنَّمَا تُعْرَفُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْبِدَعِ الْأُخَرِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ، أَوْ لَا يُسَوَّغُ التَّعْرِيفُ بِهِ وَإِنْ عُرِفَ، فَكَذَلِكَ لَا تَتَعَيَّنُ الْبِدْعَةُ الزَّائِدَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِمَا أَخَذَ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ؟ قَالَ: وَهَلِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ» وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرْبُ مَثَلٍ، فَقَوْلُهُ:«حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِمَا أَخَذَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِهَا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَأْخُذُ بِمِثْلِ مَا أَخَذُوا بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الِاتِّبَاعِ لَهُمْ أَعْيَانُ بِدَعِهِمْ، بَلْ قَدْ تَتَّبِعُهَا فِي أَعْيَانِهَا وَتَتَّبِعُهَا فِي أَشْبَاهِهَا،