المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

صاحبه، وقرأ ابن عامر والأخوان وأبو جعفر وخلف بفتح الياء - البحر المديد في تفسير القرآن المجيد - جـ ٧

[ابن عجيبة]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصف

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة التغابن

- ‌سورة الطلاق

- ‌سورة التحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة القلم

- ‌سورة الحاقة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة المرسلات

- ‌سورة النبأ

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشمس

- ‌سورة الليل

- ‌سورة الضحى

- ‌سورة الشرح

- ‌سورة التين

- ‌سورة العلق

- ‌سورة القدر

- ‌سورة البينة

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌سورة النصر

- ‌سورة المسد

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

الفصل: صاحبه، وقرأ ابن عامر والأخوان وأبو جعفر وخلف بفتح الياء

صاحبه، وقرأ ابن عامر والأخوان وأبو جعفر وخلف بفتح الياء وشد الظاء بالمد، مضارع " تظاهر "، والحاصل في فعل الظهار ثلاث لغات: ظاهر وتظاهر وتظهر، مأخذة من الظهر؛ لأنه يُشَبِّه امرأته بظهر أُمه، ولا مفهوم للظهر، بل كل جزء منها مثل الظهر. وفي قوله:{منكم} توبيخ للعرب، لأنه كان من أيْمان الجاهلية خاصة، دون سائر الأمم، {مِن نسائهم} من زوجاتهم، {ما هن أمهاتِهم} : خبر الموصول، أي: ليسوا بأمهاتهم حقيقة، فهو كذب محض، {إِنْ أمهاتُهم} حقيقة {إِلاّ اللائي وَلَدنَهُمْ} مِن بطونهن، فلا تشبّه بهن في الحرمة إلاّ مَن ألحقها الشرع بهن من المرضعات وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخلن بذلك في حكم الأمهات، وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة. {وزُوراً} كذباً باطلاً، منحرفاً عن الحق، {وإنّ الله لعفوٌّ غفور} لما سلف منهم.

ثم ذَكَر الحُكم بعد بيان إنكاره، فقال:{والذين يَظَّهرون مِن نسائهم ثم يعودون لِما قالوا} أي: والذين يقولون ذلك القول المُنكَر، ثم يعودون إلى ما قالوا بالتدارك والتلافي ورفع التضرُّر، أو: لِنقيض ما قالوا: قال ابن جزي: في معنى العود ستة أقوال: الأول: إيقاع الظِّهار في الإسلام، فالمعنى أنهم كانوا يُظاهرون في الجاهلية، فإذا فعلوه في الإسلام فذلك عود إليه، هذا قول ابن قتيبة، فتجب الكفارة عنده بنفس الظَّهار، بخلاف أقوال غيره، فإنَّ الكفارة لا تجب إلاّ بالظهار والعود معاً. القول الثاني: إنّ العود هو وطء الزوجة، رُوي ذلك عن مالك، فلا تجب الكفارة على هذا حتى يطأ، فإذا وطئها وجبت عليه الكفارة، أمسك الزوجةَ أو طلّقها، أو ماتت. الثالث: إنَّ العَوْد هو العزم على الوطء، ورُوي هذا أيضاً عن مالك، فإذا عزم على الوطء وجبت الكفارة، أمسك، أو طلَّق، أو ماتت. الرابع: إن العود هو العزم على الوطء والإمساك، وهذا أصح الروايات عن مالك. الخامس: إنه العزم على الإمساك خاصة، وهذا مذهب الشافعي، فإذا ظاهر ولم يُطَلَّقها بعد الظَّهار لزمته الكفارة. السادس: إنه تكرار الظهار مرة أخرى، وهذا مذهب الظاهرية، وهو ضعيف، لأنهم لا يرون الظَّهار موجباً حكماً في أول مرة، وإنما يُوجبه في الثانية، وإنما نزلت فيما ظاهر أول مرة، فذلك يرد عليهم، ويختلف معنى " لِما قالوه " باختلاف هذه الأقوال، فالمعنى: يعودون للوطء الذي حرَّموه، أو للعزم عليه، أو للإمساك الذي تركوه، أو للعزم عليه. هـ.

{

فتحريرُ رقبةٍ} أي: فتداركه، أو فعليه، أو فالواجب تحرير رقبة. واشترط مالك والشافعي أن تكون مؤمنة، حملاً للمُطْلَق على المقيد؛ لأنه قيّدها في القتل بالإيمان، والفاء للسببية، ومِن فوائدها: الدلالة على تكرُّر وجوب التحرير بتكرُّر الظهار. {مِن قبل أن يتماسا} أي: المظاهِر والمظاهَر منها، ومذهب مالك والجمهور: أن المسّ هنا يُراد به الوطء، وما دونه من اللمس والقُبلة، فلا يجوز للمظاهِر أن يفعل شيئاً من ذلك حتى

ص: 335

يُكفِّر، فإن فعل شيئاً من ذلك تاب ولا يعود. وقال الحسن والثوري: أراد الوطء خاصة، فأباحا ما دونه من قبل الكفارة. {ذلكم} الحُكم {تُوعظون به} لأنَّ الحُكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية، فيجب أن تتعظوا بهذا الحُكم حتى لا تعودوا إلى الظهار، وتخافوا عقابَ الله عليه، {واللهُ بما تعملون خبيرٌ} مُطَّلِع على ما ظهر مِن أعمالكم، التي مِن جملتها الظاهر.

{فمن لم يجد} الرقبة {فصيامُ شهرين} أي: فعليه صيام شهرين {مُتتابعين مِن قبل أن يتماسا} فإنْ أفسده باختياره من أوله باتفاق، وإن أفسده بعذر، كمرض أو نسيان، فقال مالك: يبني على ما كان معه، في رواية عنه، وقال أبو حنيفة: يبتدئ، ورُوي القولان عن الشافعي. {فمَن لا يستطعْ} الصيام {فإِطعام ستين مسكيناً} بمُدّ هشام على مذهب مالك. واختلف في قدره، فقيل: إنه مدان غير ثلث بمُد النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنه مُد وثلث، وقيل: إنه مُدان، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي وابن القصار: يُطعم مُدّاً بمُد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين، ولا يجزئه إلاّ كمالُ الستين، فإنْ أطعم مسكيناً واحداً ستين يوماً لم يجزه عند مالك والشافعي، خلافاً لأبي حنيفة، وكذلك إن أطعم ثلاثين مرتين، والطعام يكون من غالب قوت البلد.

وذكر الحق جل جلاله: {من قبل أن يتماسا} في العتق والصوم، ولم يذكره في الإطعام، فاختلف العلماءُ في ذلك، فَحَمل مالك الإطعامَ على ما قبله، ورأى أنه لا يكون إلاّ قبل المسيس، وجعل ذلك مِن المُطْلَق الذي يُحمل على المقَيد. وقال ابو حنيفة: يجوز للمظاهِر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة؛ لأن الله لم ينص في الإطعام أنه قبل المسيس، وقال الشافعي: يجب تقديمه على المسيس، لكن لا يستانف إن مسّ في حال الإطعام. وجعل الأطعام. وجعل الحق جل جلاله كفارة الظهار مُرتّبة، فلا ينتقل عن الأول حتى يعجز عنه، ومثلها كفارة القتل والتمتُّع، وقد نظم بعضهم أنواع الكفارات، ما فيه الترتيب وما فيه التخيير، فقال:

خيِّرْ بِصَومٍ ثَمَّ صَيدٍ وَأذَى

وقُل لِكُلَّ خصلةٍ يا حَبَّذا

وَرَتِّب الظِّهارَ والتَّمَتُّعا

وَالقَتلَ ثَمّ في اليمين اجتمعا

{ذلك لتؤمنوا} الإشارة إلى ما مرّ من البيان والتعليم للأحكام، ومحله رفع أو نصب، أي: ذلك واقع، أو فصّلنا ذلك لتؤمنوا {بالله ورسولِه} وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم، وترفُضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم، {وتلك} أي: الأحكام التي وصفنا في الظِهار والكفارة، {حدودُ الله} التي لا يجوز تعدّيها، {وللكافرين} أي: الذين لا يعملون بها {عذابٌ أليم} عبّر عنه بالكفر تغليظاً على طريق: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] .

ص: 336

‌سورة البينة

يقول الحق جل جلاله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: بالرسول وبما أنزل عليه {من أهل الكتاب} اليهود والنصارى، {والمشركين} ؛ عبَدة الأصنام {منفكِّين} منفصلين عن الكفر، وحذف لأنَّ صلة " الذين " يدل عليه، {حتى تأتِيَهم البَيِّنَةُ} الحجة الواضحة، وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم. يقول: لم يتركوا كفرهم حتى بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلمّا بُعِثَ أسلم بعض، وثبت على الكفر بعض. أو: لم يكونوا منفكين، أي: زائلين عن دينهم حتى تأتيَهم البَينة ببطلان ما هم عليه، فتقوم الحجة عليهم. أو: لم يكونوا لينفصلوا عن الدنيا حتى بَعَثَ اللهُ محمداً فقامت عليهم الحجة، وإلاّ لقالوا: {لَوْلاا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً

} [طه: 134] الآية.

وتلك البينة هي {رسولٌ من الله} أي: محمد صلى الله عليه وسلم وهو بدل من " البينة "{يتلو} يقرأ عليهم {صُحفاً} كتباً {مُطَهَّرةً} من الباطل والزور والكذب، والمراد: يتلو ما يتضمنه المكتوب في الصحف، وهو القرآن، يدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يتلو القرآن عن ظهر قلبه، ولم يكن يقرأ مكتوباً؛ لأنه كان أُميًّا لا يكتب ولا يقرأ الصحف، ولكنه لَمَّا كان تالياً معنى ما في الصُحف فكأنه قد تلى الصُحف. ثم بيّن ما في الصُحف، فقال:{فيها} أي: في الصُحف {كُتب قَيِّمةٌ} مستقيمة ناطقةٌ بالحق والعدل. ولَمّا كان القرآن جامعاً لِما في الكتب المتقدمة صدق أنَّ فيه كُتباً قيمة.

ص: 334

{وما تَفَرَّقَ الذين أُوتوا الكتاب إِلَاّ مِن بعد ما جاءتهم البينةٌ} أي: وما اختلفوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلَاّ مِن بعد ما عَلِموا أنه حق، فمنهم مَن أنكر حسداً، ومنهم مَن آمن. وإنّما أفرد أهل الكتاب بعدما جمع إولاً بينهم وبين المشركين؛ لأنهم كانوا على علمٍ به؛ لوجوده في كتبهم، فإذا وُصفوا بالتفرُّق عنه كان مَن لا كتاب له أدخل في هذا. وقيل: المعنى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل الكتاب والمشركين منفكين، أي: منفصلين عن معرفة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام حتى بعثه الله.

{

وما أُمروا إِلَاّ ليعبدوا اللهَ} أي: ما أُمروا في التوراة والإنجيل إلاّ لأجل أن يعبدوا الله وحده من غير شرك ولا نفاق، ولكنهم حرّفوا وبدّلوا. وقيل: اللام بمعنى " أن " أي: إلاّ بأن يعبدوا الله {مخلصين له الدينَ} أي: جاعلين دينَهم خالصاً له تعالى، أو: جاعلين أنفسهم خالصة له في الدين. قال ابن جُزي: استدل المالكية بهذا على وجوب النية في الوضوء، وهو بعيد؛ لأنَّ الإخلاص هنا يُراد به التوحيد وترك الشرك، أو ترك الرياء. انظر كلامه، وسيأتي بعضه في الإشارة. {حنفاءَ} مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام، {ويُقيموا الصلاةَ ويُؤتوا الزكاةَ} إن أريد بهما ما في شريعتهم من الصلاة والزكاة، فالأمر ظاهر، وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في الكتابين أمرهم بالدخول في شريعتنا، {وذلك دِينُ القيِّمة} أي: الملة المستقيمة. والإشارة إلى ما ذكر من عبادة الله وحده وإقَام الصَّلاةِ وإيتَاءِ الزَّكاة، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بعُلو رتبته وبُعد منزلته.

الإشارة: لم يكن الذين جحدوا وجودَ أهل الخصوصية من العلماء والجهّال منفكين عن ذلك حتى جاءتهم الحُجة القائمة عليهم، وهو ظهور شيخ التربية خليفة الرسول، يتلو كتابَ الله العزيز على ما ينبغي، وما تَفَرَّقوا في التصديق إلاّ بعد ظهوره. وما أُمروا إلاّ بالإخلاص وتطهير سرائرهم، وهو لا يتأتى إلاّ بصُحبته. وتكلم ابنُ جزي هنا على الإخلاص، فقال: اعلم أنَّ الأعمال على ثلاثة أنواع: مأمورات ومنهيات ومباحات؛ فأمّا المأمورات فالإخلاص فيها عبارة عن: خلوص النية لوجه الله، بحيث لا يشوبها أُخرى، فإن كانت كذلك فالعمل خالص، وإن كانت لغير وجه الله من طلب منفعة دنيوية أو مدح أو غير ذلك، فالعمل رياء محض مردود، وإن كانت النية مشتركة؛ ففي ذلك تفصيل، فيه نظر واحتمال. قلت: وقد تقدّم كلام الغزالي في سورة البقرة عند قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 198]، وحاصله: أنَّ الحكم للغالب وقوة الباعث. انظر لفظه.

ثم قال ابن جزي: وأمَّا المنهيات فإنْ تَرَكها دون نية خرج عن عهدتها ولم يكن له أجر في تركها، وإن تركها بنية وجه الله خرج عن عهدتها وأُجر. وأمَّا المباحات، كلأكل والشرب، والنوم والجماع وغير ذلك، فإن فَعَلَها بغير نية لم يكن له فيها أجر، وإن فَعَلَها

ص: 335

بنية وجه الله فله فيها أجر، فإنَّ كُلَّ مباح يمكن أن يصير قُربة إذا قصد به وجه الله، مثل أن يقصد بالأكل القوة على العبادة، ويقصد بالجِمَاع التعفُّف عن الحرام، وشبه ذلك. هـ.

ودرجات الإخلاص ثلاث: الأولى: أن يعبد الله لطلب غرض دنيوي أو أخروي من غير ملاحظة أحد من الخلق، والثانية: أن يعبد الله لطلب الآخرة فقط، والثالثة: أن يعبد الله عبودية ومحبة.

يقول الحق جل جلاله: {إِنّ الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} المتقدمين في أول السورة، {في نارَ جهنم خالدين فيها أولئك هم شَرُّ البريَّةِ} أي: الخليقة؛ لأنّ الله بَراهم، أي: أوجدهم. قُرىء بالهمزة، وهو الأصل، ويعدمه مع الإدغام، وهو الأكثر.

{إِنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خيرُ البريَّةِ} لا غيرهم، {جزاؤُهم عند ربهم جناتُ عدنٍ} إقامة، {تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها أبداً رضى الله عنهم ورَضُوا عنه} حيث بلغوا من الأماني قاصيها، وملكوا من المآرب ناصيتها، وأتيح لهم ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. {ذلك لِمَنْ خَشِيَ ربَّه} ، فإنَّ الخشية التي هي مِن خصائص العلماء به مناطاة بجميع الكمالات العلمية والعملية، المستتبعة للسعادة الدينية والدنيوية. والتعرُّض لعنوان الربوبية، المعربة عن المالكية والتربية؛ للإشعار بعلو الخشية والتحذير من الاغترار بالتربية. قاله ابو السعود.

وقوله: {خير البرية} يدل على فضل المؤمنين من البشر على الملائكة. وفيه تفصيل تقدّم ذكره في النساء. قال القشيري: قوله تعالى: {خير البرية} يدل على أنهم أفضل من الملائكة. هـ. قال في الحاشية: أي: في الجملة، ثم ذكر حكاية الرجل الذي أحياه الله بعد موته بدعوة عيسى، فقال: إنه كان في الجنة، وأنه مرّ بملأ من الملائكة، وهم يقولون: إنَّ من بني آدم لَمَنْ هو أكرم على الله من الملائكة. ثم ذكر عن نوادر الأصول: أنَّ المؤمن أكرم على الله من الملائكة المقربين، فانظره. وقال بعضهم: الملائكة عقل بلا شهوة، والبهائم شهوة بلا عقل، والآدمي فيه عقل وشهوة، فمَن غلب

ص: 336

عقلُه على شهوته كان كالملائكة أو أفضل، ومَن غلبت شهوتُه على عقله كان كالبهائم أو أضلّ. هـ.

الإشارة: مَن كفر بأهل الخصوصية مِن أهل العلم وغيرهم لهم نار الحجاب والقطيعة، ومَن آمن بهم، ودخل تحت تربيتهم، له جنات المعارف خالداً فيها، رضي الله عنهم حيث قرَّبهم إليه، ورَضُوا عنه حيث سلّموا الأمر إليه، وخشوا بعُده وطرده. قال الإمام الفخر: اعلم أنَّ العبد مُركَّب من جسد وروح، فجَنّة الجسد هي الموصوفة في القرآن، وجنة الروح هي رضا الرب. والأُولى مبدأ أمره، والثانية منتهى أمره.

وقال الورتجبي: عن الواسطي: الرضا والسخط نعتان قديمان، يجريان على الأبد بما جرى في الأزل، يظهران الوسْم على المقبولين والمطرودين. فقد بانت شواهد المقبولين بضيائها عليهم، كما بانت شواهد المطرودين بظلمتها عليهم. ثم قال عن سهل: الخشية سر والخشوع ظاهر. هـ. فالخشية محلها البواطن، والخشوع ظهور أثر الخشية في الظاهر. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

ص: 337