الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقدّرتَ على حسب حالك. وفي رواية: " شعيرة من ذهب "، فقال: إنك لزهيد "، أي: مُصعِّر مقلِّل للدنيا. قاله في القوت.
{ذلك} التقديم للصدقة {خير لكم} في دينكم {وأطهرُ} لنفوسكم من رذيلة البُخل، ولأنَّ الصدقة طُهرة. {فإِن لم تجدوا} ما تتصدقون به {فإِنَّ الله غفور رحيم} في ترخيص المناجاة من غير صدقة. قيل: كان ذلك عشر ليال، ثم نُسِخَ، وقيل: ما كان إلَاّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ. وعن عليّ - كرّم الله وجهه - أنه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن عشر مسائل، فأجابني عنها، ثم نزل نسخ الصدقة، قلت: يا رسول الله؛ ما الوفاء؟ قال: " التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله " قلت: وما الفساد؟ قال: " الكفر والشرك بالله " قلت: وما الحق؟ قال: " الإسلام، والقرآن والولاية إذا انتهات إليك " قلت: وما الحيلة؟ قال: " ترك الحيلة "، قلت: وما عَلَيَّ؟ قال: " طاعة الله وطاعة رسوله "، قلت: وكيف أدعو الله تعالى؟ قال: " بالصدق واليقين " قلت: وماذا سأل الله؟ قال: " العافية " قلت: وما أصنع لنجاة نفسي؟ قال: " كلْ حلالاً، وقل صدقاً " قلت: وما السرور؟ قال: " الجنة " قلت: وما الراحة؟ قال: " لقاء الله " فلما فرغت منها نزل نسخ الصدقة.
{
أأشفقتم أن تُقَدِّموا بين يَدَيْ نجواكم صدقاتٍ} أي: أَخِفْتُم الفقرَ مِن تقديم الصدقات، أو: أَخِفْتُم من هذا الأمر لِما فيه من الإنفاق الذي تكرهه النفوس، {فإِذ لم تفعلوا} ما أُمرتم به وشقّ عليكم، {وتاب اللهُ عليكم} أي: خفّف عنكم، وأزال عنكم المؤاخذة بترك تقديم الصدقة على المناجاة، كما أزال المؤاخذة بالذنب عن التائب عنه، {فأقيموا الصلاةَ وآتُوا الزكاة} أي: فإذا فرَّطتم فيما أُمرتم به من تقديم الصدقات، فتداركوه بالمثابرة على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، {وأطيعوا اللهَ ورسولَه} في سائر الأوامر، فإنَّ القيام بها كالجابر لِما وقع في ذلك من التفريط، {واللهُ خبير بما تعملون} ظاهراً وباطناً، وهو وعدٌ ووعيد.
الإشارة: إذا أردتم مناجاة المشايخ في زيارتكم، فقدِّموا بين يدي نجواكم صدقة، تُدفع للشيخ، أو لأهل داره، فإنها مفتاح لفيض المواهب، مثالها كالدلو، لا يمكن رفع الماء إلَاّ به، ذلك خير لكم، وأطهر لقلوبكم من رذيلة من البخل، فإن لم تجدوا شيئاً فإن الله غفور رحيم. أأشفقتم أن تُقدِّموا بين يدي نجواكم صدقات؛ لِثَقَلِ ذلك على النفس؟ فإذ لم تفعلوا وزُرتم بلا صدقة، وقد تاب الله عليكم من هذا التفريط، فأقيموا صلاة القلوب، وهو التعظيم، ودوام العكوف في حضرة علاّم الغيوب، وآتوا زكاة أبدانكم، بإجهادها في خدمة المشايخ والإخوان، وأطيعوا الله ورسوله وخلفاءه فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه، {والله خبير بما تعملون} .
يقول الحق جل جلاله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِين تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} وهم اليهود، لقوله:{مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] . والغضب في حقه تعالى: إرادة الانتقام. كان المنافقون يتولّون اليهود، وينقلون إليهم أسرار المؤمنين، ففضحهم الله. ثم قال تعالى:{ما هم منكم} يا معشر المسلمين {ولا منهم} أي: من اليهود، بل كانوا {مُّذبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لآَ إِلَى هَؤُلأَءِ إِلَى هَؤُلآَءِ} [النساء: 143] . {ويحلفون على الكذب} أي: يقولون: والله إنّ لمسلمون لا منافقون، {وهم يعلمون} أنهم كاذبون منافقون، {أعدَّ اللهُ لهم عذاباً شديداً} نوعاً من العذاب متفاقماً، {إِنهم ساء ما كانوا يعملون} فيما مضى من الزمان، كانوا مُصرِّين على سوء العمل، وتمرّنوا عليه، أو: هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة.
{اتخَذُوا أَيمانهم} الكاذبة {جُنَّةً} وقايةً دون أموالهم ودمائهم، {فصَدُّوا} الناسَ في خلال أمنهم وسلامتهم، أو: فصدُّوا بأنفسهم {عن سبيل الله} عن طاعته والإيمان به، {فلهم عذابٌ مُهين} يُهينهم ويُخزيهم، وأعدّ لهم العذاب المخزي لكفرهم وصدهم، كقوله:{الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الَعَذَابِ} [النحل: 88] . {لن تُغني عنهم أموالُهم ولا أولادُهم من الله} من عذاب الله {شيئاً} قليلاً من الإغناء، أي: ما يخافون عليه من الأموال والأولاد فيحلفون لأجله، لا ينفعهم عند الله. رُوي أنَّ رجلاً منهم قال: لنُنصرنّ يوم القيامة بأموالنا وأنفسنا وأولادنا. فنزلت. {أولئك} الموصوفون بما ذكر من القبائح {أصحابُ النار} ملازموها {هم فيها خالدون} .
{
يومَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فيحلِفون له} أي: لله تعالى في الآخرة أنهم كانوا مُخلِصين غير منافقين، {كما يحلفون لكم} في الدنيا على ذلك، {ويَحْسَبون أنهم} في الدنيا {على شيءٍ} من النفع، أو: يحسبون في الآخرة أنهم على شيءٍ من النفع، مِن جلب منفعة أو دفع مضرة، كما كانوا في الدنيا، حيث كانوا يدفعون بها عن أزواجهم وأموالهم، {ألا إِنهم هم الكاذبون} البالغون في الكذب إلى غايةٍ لا مطمح وراءها، حيث تجاسروا على الكذب بين يدي علاّم الغيوب.
{استحوذَ عليهم الشيطانُ} استولى عليهم ومَلَكَهم، {فأنساهم ذكرَ الله} بحيث لم
يذكروه بقلوبهم ولا بألسنتهم، {أولئك حزبُ الشيطان} أي: جنوده وأتباعه، {ألا إِنّ حزبَ الشيطان هم الخاسرون} أي: الموصوفون بالخسران الذي لا غياية وراءه، حيث فوّتوا على أنفسهم النعيم المقيم، وأخذوا بدله العذاب الأليم، وفي تصدير الجمة بحرفي التنبيه والتحقيق، وإظهار الشيطان معاً في موضع الإضمارِ، وتوسيط ضمير الفصل، من فنون التأكيد ما لا يخفى.
الإشارة: منافقون الصوفية هم الذين يُقرُّون أهلَ الظاهر وينصرونهم، ويُنكرون على أهل الباطن، فإذا لقوهم أظهروا لهم المودّة والوفاق، وادَّعوا أنهم منهم، فهم مذبذبون بين ذلك، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ليسوا من أهل الظاهر المحض، ولا من أهل الباطن، لعدم تحققهم به، تجر الآية ذيلَها عليهم. والعذاب المعدّ لهم غم الحجاب، وتخلُّفهم عن درجات المقربين. قوله تعالى:{اتخذوا أَيمانهم جُنة} قال القشيري: مَن استتر بحُجة طاعته لأجل دنياه؛ انكشف لسهام التقدير من حيث لا يشعر، ثم لا دينُه يبقى، ولا دنياه تَسْلَم. قال تعالى:{لن تُغني عنهم أموالُهم ولا أولادهم من الله شيئاً} الآية. هـ. يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فيتحاشون إلى المقربين، ويحلفون بلسان حالهم: أنهم كانوا منهم، كما يحلفون اليوم، ويظنون أنهم من أهل الباطن، ويحسبون أنهم على شيء، فيبدوا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لم يكونوا يحتسبون، وذلك لعدم صُحبتهم للعارفين المخلِصين، حصل لهم الغلظ، فوقفوا مع حُسبانهم الضال، ولو دامت صُحبتُهم لأهل التوحيد الخاص لتنبّهوا لغلطهم. استحوذ عليهم الشيطانُ، فزيّن لهم الوقوفَ مع ما هم فيه، فأنساهم ذكرَ العيان، فكانوا من حزب الشيطان في الجملة، بالنسبة إلى مَن فوقهم. قال شاة الكرماني: علامة استحواذ الشيطان على العبد: أن يشغله بعمارة ظاهره، من المأكل والملبس، ويشغل قلبه عن التفكُّر في آلاء الله ونعمائه، والقيام بشكرها، ويشغل لسانه عن ذكر ربه، بالكذب والغيبة والبهتان، ويشغل قلبه عن التفكُّر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها. هـ.
يقول الحق جل جلاله: {إِنّ الذين يُحادون اللهَ ورسولَه} أي: يخالفونهما، ويجعلون بينهم وبينهما حدّاً، وهم حزب الشيطان المتقدم، {أولئك في} جملة {الأذَلِّينَ} لا ترى أحداً أذلّ منهم من الأولين والآخرين؛ لأنّ ذِلة أحد المتخاصمين على قدر عزة الآخر، وحيث كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة مَن يُحاده كذلك. {كتب اللهُ} في اللوح وقضاه، وحيث جرى مجرى القسم أجيب بما يُجاب به، فقال:{لأغْلِبنَّ أنا ورسلي} بالحجة والسيف، أو بأحدهما، وهو تعليل لِما قبله من كون مَن حاد الله في
سورة التكاثر
يقول الحق جل جلاله: {ألهاكم التكاثُر} أي: شغلكم التغالب في الكثرة والتفاخر بها. رُوي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا، وتعادُّوا بالسادة والأشراف، فقال كُلُّ فريق منهم: نحن أكثر منكم سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم نفراً، فكثرهم بنو عبد مناف، فقالت بنو سهم: إنَّ البغي في الجاهلية أهلكنا، فعادّونا بالأحياء والأموات، ففعلوا، وقالوا: قبر فلان، وهذا قبر فلان، فكثرهم بنو سهم. والمعنى: أنكم تكاثرتم بالأحياء {حتى زُرتم المقابر} أي: إذا استوعبتم عددكم صرتم إلى الأموات، فعبّر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة القبور تهكُّماً بهم. وقيل: كانوا يزورون القبور، ويقولون هذا قبر فلان، يفتخرون بذلك، وقيل: المعنى: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد، حتى متُّم وقُبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا، معرضين عما يمهمكم من السعي للآخرة، فيكون زيارة القبور عبارة عن الموت.
قال عبد الله بن الشخِّير: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم {ألهاكم التكاثر} فقال: " يقول ابن آدم: ما لي، وليس له من ماله إلا ثلاث، ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تَصَدَّق فأبقى " وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس. واللام في (التكاثر) للعهد الذهني، وهو التكاثر بما يشغل عن الله، فلا يشمل التكاثر في العلوم والمعارف والطاعات والأخلاق، فإنَّ ذلك مطلوب؛ لأنَّ بذلك تُنال السعادة في الدارين، وقرينة ذلك قوله تعالى:{ألهاكم} فإنه
خاص بما يُلهي عن ذكر الله والاستعداد للآخرة، حتى أنه لو تناول الدنيا على ذكر الله لم تُذمّ، وليست بلهو حينئذ، ولذلك جاء:" الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذِكْرَ الله وما والاه " قال الإمامُ: ولم يقل: ألهاكم التكاثر عن كذا، بل تركه مطلقاً؛ ليدخل تحته جميع ما يحتمله اللفظ، فهو أبلغ؛ لأنه يذهب فيه الوهم كُلَّ مذهب، أي: ألهاكُم عن ذكر الله، وعن التفكًّر في أمور القارعة، وعن الاستعداد لها، وغير ذلك. هـ.
وقال بان عطية في قوله: {حتى زُرتم المقابرَ} : عن عمرُ بنُ عبد العزيز، قال: الآية: تأنيب عن الإكثار من زيارة القبور تكثُّراً بمَن سلف وإشادة عن ذكره، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" كنت نهيتُكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هُجْراً " فكان نهيه صلى الله عليه وسلم في معنى الآية، ثم أباح بَعْدُ للاتعاظ، لا لمعنى المباهاة والافتخار، كما يصنع الناس في ملازمتها وتعليتها بالحجارة والرخام، وتلوينها شرفاً وبنيان النواويس عليها. هـ.
وقال ابن عرفة: زيارة المقابر محدودة، أي: كيوم في شهر، مثلاً، وكان بعضهم يقول: إذا رأيتم الطالب في ابتداء أمره يستكثر من زيارة المقابر، ومن مطالعة رسالة القشيري، فاعلم أنه لا يفلح؛ لاشتغاله عن طلب العلم بما لا يُجدي شيئاً. هـ. أي: لا يفوز بعلم الظاهر؛ لأنَّ علم الباطن يُفتِّر عن الظاهر، فينبغي لمَن كان فيه أهلية للعلم أن يفرده، حتى يحرز منه ما قسم له، ثم يشتغل بعلم الباطن، بصُحبة أهله، وإلَاّ فمطالعة الكتب بلا شيخ لا توصل إليه، وإنما ينال بمحبة القوم فقط، وفيها مقنع لمَن ضعفت همته.
ثم زجر عن التكاثر فقال: {كَلَاّ} أي: ليس الأمر على ما أنتم عليه، أو كما يتوهمه هؤلاء، فهو رَدْع وتنيبه على أنَّ العاقل ينبغي ألَاّ يكون معظم همه مقصوراً على الدنيا، فإنَّ عاقبة ذلك وخيمة، {سوف تعلمون} سوء عاقبة ما أنتم عليه إذا عاينتم عاقبته، {ثم كّلَاّ سوف تعلمون} ، تكرير
للتأكيد، و (ثم) دلالة على أنَّ الثاني أبلغ من الأول، والأول عند الموت أو في القبر، والثاني عند النشور.
{كَلَاّ لو تعلمون عِلمَ اليقين} أي: لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين، كعلمكم ما تستيقنونه لفعلتم من الطاعات ما لا يوصف، ولا يكتنه كنهة، فحذف الجواب للتهويل. قال الفخر: الآية تهديد عظيم للعلماء، فإنها دلّت على أنه لو حصل اليقين بما في التكاثر من الآفة لتركوا التكاثر والتفاخر، وهذا يقتضي أنَّ مَن لا يترك التكاثر والتفاخر لا يكون اليقين حاصلاً له، فالويل للعالم الذي لا يكون عاملاً، ثم الويل له. هـ. {لَتَرَوُنَّ الجحيمَ} : جواب قسم محذوف، أكّد به الوعيد وشدّد به التهديد، {ثم لَتَرَوُنَّها} : تكرير للتأكيد، أو: الأولى إذا رأتهم من مكان بعيد، والثانية إذا وردوها، أو الأولى بالقلب، والثانية بالعين، ولذلك قال:{عَينَ اليقين} أي: الرؤية التي هي نفس اليقين وحاصلته، فإنَّ علم المشاهدة أقْصَى مراتب اليقين. {ثم لتُسألُن يومئذٍ عن النعيم} أي: عن النعيم الذي ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه، فإنَّ الخطاب مخصوص بمَن عكفت همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلَاّ ليأكل الطَيّب، ويلبس الطَيّب، وقطع أوقاته في اللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه على مشاق الطاعة، فأمّا مَن تمتّع بنعمة الله تعالى، وتقوّى بها على طاعته، قائماً بالشكر، فهو من ذلك بمعزلٍ بعيد. وفي الحديث:" يقول الله تبارك وتعالى: ثلاث من النعم لا اسأل عبدي عن شكرهن، وأسأله عما سواه: بيت يكنُّه، وما يُقيم به صلبه من الطعام، وما يُواري به عورَته من اللباس " فالخلائق مسؤولون يوم القيامة عما أنعم عليهم به في الدنيا. والله تعالى أعلم بحالهم، فالكافر يُسأل تبكيتاً وتوبيخاً على شِركه بمَن أنعم عليه، والمؤمن يُسأل عن شكر ما أنعم عليه. هـ.
قلت: فكل مَن استعمل الأدب في تناول النعمة، بأن شَهِدَها من المنعِم بها، وذكر الله عند أخذها أو أَكْلِها، وشكر عند تمامها، فلا يتوجه إليه سؤال، أو يتوجه إظهاراً لمزيته وشرفه، وعليه يتنزّل قوله صلى الله عليه وسلم:" هذا من النعيم الذي تُسألون عنه " في حديث أبي الهيثم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد، أو بالعلوم الرسمية، عن التوجُّه إلى الله، لتحصيل معرفة العيان، حتى متُّم غافلين، كلَاّ سوف تعلمون عاقبةَ أمركم، حين يرتفع أهل العيان مع المقربين، وتبقوا معاشر أهل الدليل مع عامة أهل اليمين، كلَاّ لو تعلمون علم اليقين؛ لتوجهتم إليه بكل حال، لَترون الجحيم، أي: نار القطيعة، ثم لَترونها عين اليقين، ثم لتُسألن يومئذ عن النعيم، هل قمتم بشكره أو لا، وشكره: شهود المنعِم في النعمة، فقد رأيتُ في عالم النوم شيخين كبيرين، فقلت لهما: ما حقيقة الشكر؟ فقال أحدهما: ألَاّ يُعصى بنعمه، فقلت: هذا شكر العوام، فما شكر الخواص؟ فسكتا، فقلت لهما: شكر الخواص: الاستغراق في شهود المنعِم. هـ. وهو كذلك؛ لأنَّ عدم العصيان بالنِعم يحصل من بعض الأبرار، كالعُبَّاد والزُهَّاد، بخلاف الاستغراق في الشهود، فإنه خاص بأهل العرفان، أهل الرسوخ والتمكين، وقد تقدّم في سورة المعارج التفريق بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.