الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا نَرَى فِي النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا
…
مَنْ عَلِمْنَاهُ كَسَعْدِ بْنِ سَيَلْ
فَارِسًا أَضْبَطَ فِيهِ عُسْرَةٌ
…
وَإِذَا مَا وَاقَفَ الْقِرْنَ نَزَلْ
فَارِسًا يَسْتَدْرِجُ الْخَيْلَ كَمَا
…
اسْتَدْرَجَ الْحُرُّ الْقَطَامِيُّ الْحَجَلْ
قال السهيليّ: سيل اسمه خير بن جمالة وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ طُلِيَتْ [1] لَهُ السُّيُوفُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجَدَرَةَ لِأَنَّ عَامِرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ جُعْثُمَةَ تَزَوَّجَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ وَكَانَتْ جُرْهُمٌ إِذْ ذَاكَ وُلَاةَ الْبَيْتِ فَبَنَى لِلْكَعْبَةِ جِدَارًا فَسُمِّيَ عَامِرٌ بِذَلِكَ الْجَادِرُ فَقِيلَ لِوَلَدِهِ الْجَدَرَةُ لِذَلِكَ.
خَبَرُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي ارْتِجَاعِهِ وِلَايَةَ الْبَيْتِ إِلَى قُرَيْشٍ وَانْتِزَاعِهِ ذَلِكَ مِنْ خُزَاعَةَ وَاجْتِمَاعِ قُرَيْشٍ إِلَى الْحَرَمِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ أَمْنًا لِلْعِبَادِ بَعْدَ تَفَرُّقِهَا فِي الْبِلَادِ وَتَمَزُّقِهَا فِي الْجِبَالِ وَالْمِهَادِ
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ كِلَابٌ تَزَوَّجَ أُمَّهُ رَبِيعَةُ بْنُ حَرَامٍ مِنْ عُذْرَةَ وَخَرَجَ بِهَا وَبِهِ إِلَى بِلَادِهِ ثُمَّ قَدِمَ قُصَيٌّ مَكَّةَ وَهُوَ شَابٌّ فَتَزَوَّجَ حُبَّى ابْنَةَ رَئِيسِ خُزَاعَةَ حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ [2] . فاما خزاعة فزعم أَنَّ حَلِيلًا أَوْصَى إِلَى قُصَيٍّ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ لِمَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ نَسْلِهِ مِنِ ابْنَتِهِ وقال أنت أحق بذلك منى. قال
[1] عبارة السهيليّ وهو أول من حلى السيوف إلخ:
[2]
عبارة ابن إسحاق هكذا: فولدت له عَبْدَ الدَّارِ وَعَبْدَ مَنَافٍ وَعَبْدَ الْعُزَّى وَعَبْدًا فلما انتشر ولد قصي وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر وان قريشا قرعة إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم الى إخراج خزاعة وبنى بكر من مكة فأجابوه فلما أجابه قومه الى ما دعاهم اليه كتب الى أخيه من أمه رزاح ابن ربيعة يدعوه الى نصرته والقيام معه فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته حن بن ربيعة ومحمود بن ربيعة وجلهمة بن ربيعة وهم لغير أمه فاطمة فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب وهم مجمعون لنصرة قصي وخزاعة تزعم أن حليل بن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد ما انتشر وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها وبأمر مكة من خزاعة فعند ذلك طلب قصي ما طلب ولم نسمع ذلك من غيره فاللَّه أعلم أي ذلك كان انتهى عبارة بن إسحاق وبها يتبين لك ما في عبارة ابن كثير من الخطأ انتهى محمود الامام.
ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْهُمْ وأما غيرهم فإنهم يزعمون أنه استغاث بِإِخْوَتِهِ مِنْ أُمِّهِ وَكَانَ رَئِيسُهُمْ رِزَاحَ بْنَ ربيعة وإخوته وَبَنِي كِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ وَمَنْ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ فَأَجْلَاهُمْ عَنِ الْبَيْتِ وَاسْتَقَلَّ هُوَ بولاية البيت لأن إِجَازَةَ الْحَجِيجِ كَانَتْ إِلَى صُوفَةَ وَهُمْ بَنُو الْغَوْثِ بْنِ مُرِّ بْنِ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ فَكَانَ النَّاسُ لَا يَرْمُونَ الْجِمَارَ حَتَّى يَرْمُوا وَلَا يَنْفِرُونَ مِنْ مِنًى حَتَّى يَنْفِرُوا فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فِيهِمْ حَتَّى انْقَرَضُوا فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ بَالْقُعْدَدِ بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ فَكَانَ أَوَّلُهُمْ صفوان بن الحارث ابن شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى آخِرِهِمُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ كَرِبُ بْنِ صَفْوَانَ. وَكَانَتِ الْإِجَازَةُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي عَدْوَانَ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ عَلَى آخِرِهِمْ وَهُوَ أَبُو سَيَّارَةَ عُمَيْلَةُ بن الأعزل وقيل اسمه العاص واسم الأعزل خَالِدٍ وَكَانَ يُجِيزُ بِالنَّاسِ عَلَى أَتَانٍ لَهُ عَوْرَاءَ مَكَثَ يَدْفَعُ عَلَيْهَا فِي الْمَوْقِفِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ مِائَةً وَأَوَّلُ مَنْ كَانَ يَقُولُ أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ.
وَكَانَ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيُّ لَا يَكُونُ بَيْنَ الْعَرَبِ نَائِرَةٌ إِلَّا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فَيَرْضَوْنَ بِمَا يَقْضِي بِهِ فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ مَرَّةً فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا يَتَرَوَّى مَاذَا يَحْكُمُ بِهِ فَرَأَتْهُ جَارِيَةٌ لَهُ كَانَتْ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ اسْمُهَا سُخَيْلَةُ فقالت له مالك لَا أَبَالَكَ اللَّيْلَةَ سَاهِرًا؟ فَذَكَرَ لَهَا مَا هُوَ مُفَكِّرٌ فِيهِ وَقَالَ لَعَلَّهَا يَكُونُ عِنْدَهَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَقَالَتْ أَتْبِعِ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ فَقَالَ فَرَّجْتِهَا وَاللَّهِ يَا سُخَيْلَةُ وَحَكَمَ بِذَلِكَ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ قَالَ الله تعالى وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ 12: 18 حَيْثُ لَا أَثَرَ لِأَنْيَابِ الذِّئْبِ فِيهِ وَقَالَ تَعَالَى إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ 12: 26- 27. وَفِي الْحَدِيثِ أَنِظْرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جعدا جماليا فهو للذي رُمِيَتْ بِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ النَّسِيءُ فِي بَنِي فُقَيْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَسَأَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ الْقَلَمَّسُ وَهُوَ حذيفة بن عبد بن فقيم ابن عَدِيٍّ ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبَّادٌ ثُمَّ قَلَعُ بْنُ عَبَّادٍ ثُمَّ أُمَيَّةُ بْنُ قَلَعٍ ثُمَّ عَوْفُ بْنُ أُمَيَّةَ ثُمَّ كَانَ آخِرَهُمْ أَبُو ثُمَامَةَ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ قَلَعِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْقَلَمَّسُ فَعَلَى أَبِي ثُمَامَةَ قَامَ الْإِسْلَامُ وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجِّهَا اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ فَخَطَبَهُمْ فَحَرَّمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِلَّ مِنْهَا شَيْئًا أَحَلَّ الْمُحَرَّمَ وَجَعَلَ مَكَانَهُ صَفَرًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَقُولُ: (اللَّهمّ إِنِّي أَحْلَلْتُ أَحَدَ الصَّفَرَيْنِ الصَّفَرَ الْأَوَّلَ وَأَنْسَأْتُ الْآخَرَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ) فَتَتَّبِعُهُ الْعَرَبُ فِي ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ أَحَدُ بَنِي فراس بن غنم ابن مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ وَيُعْرَفُ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ هذا بجدل الطِّعَانِ:
لَقَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ أَنَّ قَوْمِي
…
كِرَامُ النَّاسِ أَنَّ لَهُمْ كِرَامَا
فَأَيُّ النَّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ
…
وَأَيُّ النَّاسِ لَمْ نَعْلِكْ لِجَامَا
أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ
…
شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا
وَكَانَ قُصَيٌّ فِي قَوْمِهِ سَيِّدًا رَئِيسًا مُطَاعًا مُعَظَّمًا وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ جَمَعَ قُرَيْشًا مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ مَوَاضِعِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَاسْتَعَانَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى حَرْبِ خُزَاعَةَ وَإِجْلَائِهِمْ عَنِ الْبَيْتِ وَتَسْلِيمِهِ إِلَى قصي فكان بينهم قتال كثيرة وَدِمَاءٌ غَزِيرَةٌ ثُمَّ تَدَاعَوْا إِلَى التَّحْكِيمِ فَتَحَاكَمُوا الى يعمر بن عوف بن كعب ابن عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَحَكَمَ بِأَنَّ قُصَيًّا أَوْلَى بِالْبَيْتِ مِنْ خُزَاعَةَ وَأَنَّ كُلَّ دَمٍ أَصَابَهُ قصي من خزاعة وبنى بكر موضوع بشدخه تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَأَنَّ مَا أَصَابَتْهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَأَنْ يُخَلَّى بَيْنَ قُصَيٍّ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَالْكَعْبَةِ فَسُمِّيَ يَعْمَرُ يَوْمَئِذٍ الشَّدَّاخَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيٌّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إِلَى مَكَّةَ وَتَمَلَّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ إِلَّا أَنَّهُ أَقَرَّ الْعَرَبَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنَّسَأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبٍ أَصَابَ مُلْكًا أطاع له به قومه وكانت إِلَيْهِ الْحِجَابَةُ وَالسِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَالنَّدْوَةُ وَاللِّوَاءُ فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ وَقَطَّعَ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكَّةَ.
قُلْتُ: فَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَرُدَّ شَارِدُ الْعَدْلِ بَعْدَ إِيَابِهِ، وَاسْتَقَرَّتْ بِقُرَيْشٍ الدَّارُ، وَقَضَتْ مِنْ خُزَاعَةَ الْمُرَادَ وَالْأَوْطَارَ، وَتَسَلَّمَتْ بَيْتَهُمُ الْعَتِيقَ الْقَدِيمَ لَكِنْ بِمَا أَحْدَثَتْ خُزَاعَةُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَنَصْبِهَا إِيَّاهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَنَحْرِهِمْ لَهَا وَتَضَرُّعِهِمْ عِنْدَهَا وَاسْتِنْصَارِهِمْ بِهَا وَطَلَبِهِمُ الرِّزْقَ مِنْهَا وَأَنْزَلَ قُصَيٌّ قَبَائِلَ قُرَيْشٍ أَبَاطِحَ مَكَّةَ وَأَنْزَلَ طَائِفَةً مِنْهُمْ ظَوَاهِرَهَا فَكَانَ يُقَالَ قُرَيْشُ الْبِطَاحِ وَقُرَيْشُ الظَّوَاهِرِ فَكَانَتْ لِقُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ جَمِيعُ الرِّئَاسَةِ مِنْ حِجَابَةِ الْبَيْتِ وَسِدَانَتِهِ وَاللِّوَاءِ وَبَنَى دَارًا لِإِزَاحَةِ الظُّلُمَاتِ وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ سَمَّاهَا دَارَ النَّدْوَةِ إِذَا أَعْضَلَتْ قَضِيَّةٌ اجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَاشْتَوَرُوا فِيهَا وَفَصَلُوهَا وَلَا يُعْقَدُ عَقْدُ لِوَاءٍ وَلَا عَقْدُ نِكَاحٍ إِلَّا بِهَا وَلَا تَبْلُغُ جَارِيَةٌ أَنْ تَدَّرِعَ فَتَدَّرِعَ إِلَّا بِهَا وَكَانَ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ صَارَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِيمَا بَعْدُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بَعْدَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَبَاعَهَا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَامَهُ عَلَى بَيْعِهَا مُعَاوِيَةُ، وقال بعت شرف قومك بِمِائَةِ أَلْفٍ؟ فَقَالَ إِنَّمَا الشَّرَفُ الْيَوْمَ بِالتَّقْوَى وَاللَّهِ لَقَدِ ابْتَعْتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِزِقِّ خَمْرٍ وَهَا أَنَا قَدْ بِعْتُهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ وَأُشْهِدُكُمْ أَنَّ ثَمَنَهَا صَدَقَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَيُّنَا الْمَغْبُونُ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِ الْمُوَطَّأِ وكانت اليه سِقَايَةُ الْحَجِيجِ فَلَا يَشْرَبُونَ إِلَّا مِنْ مَاءِ حِيَاضِهِ وَكَانَتْ زَمْزَمُ إِذْ ذَاكَ مَطْمُوسَةً مِنْ زَمَنِ جُرْهُمٍ قَدْ تَنَاسَوْا أَمْرَهَا مِنْ تَقَادُمِ عَهْدِهَا وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى مَوْضِعِهَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ وَقِيدَ النَّارِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِيَهْتَدِيَ إِلَيْهَا مَنْ يَأْتِي مِنْ عَرَفَاتٍ والرفادة وَهِيَ إِطْعَامُ الْحَجِيجِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ إِلَى أَنْ يَخْرُجُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ أَنَّ قُصَيًّا فَرَضَهُ عليهم فَقَالَ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ جِيرَانُ الله وأهل مكة وأهل الحرم وأن الحجاج ضَيْفُ اللَّهِ وَزُوَّارُ بَيْتِهِ وَهُمْ أَحَقُّ بِالضِّيَافَةِ فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ فَفَعَلُوا فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِ فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنَّاسِ أَيَّامَ مِنًى فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ ثُمَّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِكَ هَذَا فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ السُّلْطَانُ كُلَّ عَامٍ بِمِنًى لِلنَّاسِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ.
قُلْتُ: ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا بَعْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ ثُمَّ أمَرَ بِاخْرَاجِ طَائِفَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيُصْرَفُ فِي حَمْلِ زَادٍ وَمَاءٍ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ الْقَاصِدِينَ إِلَى الْحَجِّ وَهَذَا صَنِيعٌ حَسَنٌ مِنْ وُجُوهٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خالص بيت المال من أحل مَا فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ جَوَّالِي الذِّمَّةَ لِأَنَّهُمْ لَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا.
وَقَالَ قَائِلُهُمْ فِي مَدْحِ قُصَيٍّ وَشَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ:
قُصَيٌّ لَعَمْرِي كَانَ يُدْعَى مُجْمِّعًا
…
بِهِ جمع الله القبائل من فهر
هموا مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَسُؤْدَدًا
…
وَهُمْ طَرَدُوا عَنَّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرٍ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغَ قُصَيٌّ مِنْ حَرْبِهِ انْصَرَفَ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إِلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ وَإِخْوَتِهِ مِنْ أَبِيهِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ حُنٌّ وَمَحْمُودٌ وَجُلْهُمَةُ. قَالَ رِزَاحٌ فِي إِجَابَتِهِ قُصَيًّا:
وَلَمَّا أَتَى مِنْ قُصَيٍّ رَسُولٌ
…
فَقَالَ الرَّسُولُ أَجِيبُوا الْخَلِيلَا
نَهَضْنَا إِلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ
…
وَنَطْرَحُ عَنَّا الْمَلُولَ الثقيلا
نسير بها الليل حتى الصبا
…
ح وَنَكْمِي النَّهَارَ لِئَلَّا نَزُولَا
فَهُنَّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ الْقَطَا
…
يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيٍّ رَسُولًا
جَمَعْنَا مِنَ السِّرِّ مِنْ أَشْمِذَيْنِ [1]
…
وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ جمعنا قبيلا
فيا لك حُلْبَةُ مَا لَيْلَةٌ
…
تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ سَيْبًا رَسِيلًا
فَلَمَّا مَرَرْنَ عَلَى عَسْجَرٍ
…
وَأَسْهَلْنَ مِنْ مُسْتَنَاخٍ سَبِيلًا
وَجَاوَزْنَ بِالرُّكْنِ مِنْ وَرِقَانَ
…
وَجَاوَزْنَ بالعرج حيا حلولا
مررن على الحلي مَا ذُقْنَهُ
…
وَعَالَجْنَ مَنْ مَرَّ لَيْلًا طَوِيلًا
نُدَنِّي مِنَ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا
…
إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصَّهِيلَا
فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى مَكَّةَ
…
أَبَحْنَا الرِّجَالَ قَبِيلًا قَبِيلًا
نُعَاوِرُهُمْ ثَمَّ حَدَّ السُّيُوفِ
…
وَفِي كل أوب خلسنا العقولا
[1] في السهيليّ الاشمذان جبلان. ويقال اسم قبيلتين.