الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَبِه نستعين
الْحَمد لله الَّذِي جعل النّظر فِي أَخْبَار من غبر من أعظم العبر وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على صفوة الصفوة من الْبشر وعَلى آله قرناء الْقُرْآن كَمَا صَحَّ بذلك الْخَبَر وعَلى أَصْحَابه الَّذين أرْغم الله بفضائلهم وفواضلهم أنف من كفر
وَبعد فانه لما شاع على ألسن جمَاعَة من الرعاع اخْتِصَاص سلف هَذِه الْأمة باحراز فَضِيلَة السَّبق فِي الْعُلُوم دون خلفهَا حَتَّى اشْتهر عَن جمَاعَة من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة تعذر وجود مُجْتَهد بعد الْمِائَة السَّادِسَة كَمَا نقل عَن الْبَعْض أَو بعد الْمِائَة السَّابِعَة كَمَا زَعمه اخرون وَكَانَت هَذِه الْمقَالة بمَكَان من الْجَهَالَة لَا يخفى على من لَهُ أدنى حَظّ من علم وأنزر نصيب من عرفان وأحقر حِصَّة من فهم لِأَنَّهَا قصر للتفضل الالهى والفيض الربانى على بعض الْعباد دون الْبَعْض وعَلى أهل عصر دون عصر وَأَبْنَاء دهر دون دهر بِدُونِ برهَان وَلَا قرَان على أَن هَذِه الْمقَالة المخذولة والحكاية المرذولة تَسْتَلْزِم خلو هَذِه الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة عَن قَائِم بحجج الله ومترجم عَن كِتَابه وَسنة رَسُوله ومبين لما شَرعه لِعِبَادِهِ وَذَلِكَ هُوَ ضيَاع
الشَّرِيعَة بِلَا مربة وَذَهَاب الدَّين بِلَا شكّ وَهُوَ تَعَالَى قد تكفل بِحِفْظ دينه وَلَيْسَ المُرَاد حفظه فِي بطُون الصُّحُف والدفاتر بل ايجاد من يُبينهُ للنَّاس فِي كل وَقت وَعند كل حَاجَة
حدانى ذَلِك الى وضع كتاب يشْتَمل على تراجم أكَابِر الْعلمَاء من أهل الْقرن الثَّامِن وَمن بعدهمْ مِمَّا بلغنى خَبره الى عصرنا هَذَا ليعلم صَاحب تِلْكَ الْمقَالة أَن الله وَله الْمِنَّة قد تفضل على الْخلف كَمَا تفضل على السّلف بل رُبمَا كَانَ فِي أهل العصور الْمُتَأَخِّرَة من الْعلمَاء المحيطين بالمعارف العلمية على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا من يقل نظيرة من أهل العصور الْمُتَقَدّمَة كَمَا سيقف على ذَلِك من أمعن النّظر فِي هَذَا الْكتاب وَحل عَن عُنُقه عرى التَّقْلِيد وَقد ضممت الى الْعلمَاء من بلغنى خَبره من الْعباد وَالْخُلَفَاء والملوك والرؤساء والأدباء وَلم أذكر مِنْهُم إِلَّا من لَهُ جلالة قدر ونبالة ذكر وفخامة شَأْن دون من لم يكن كَذَلِك
فَالْحَاصِل ان الْمَذْكُورين فِي هَذَا الْكتاب هم أَعْيَان الْأَعْيَان وأكابر أَبنَاء الزَّمَان من أهل الْقرن الثَّامِن وَمن بعدهمْ الى الان وَرُبمَا أذكر من أهل عصرى مِمَّن أخذت عَنهُ أَو أَخذ عَنى أَو رافقنى فِي الطّلب أَو كاتبنى أَو كاتبته من لم يكن بِالْمحل الْمُتَقَدّم ذكره لما جبل عَلَيْهِ الانسان من محبَّة أَبنَاء عصره ومصره وَرُبمَا أذكر من أهل عصرى من لم يجر بينى وَبَينه شئ من ذَلِك وَقد استكثر الْمُتَأَخّرُونَ من المشتغلين بأخبار النَّاس المؤلفين فِيهَا من تسجيع الْأَلْفَاظ والتأنق فِي تنقيحها وتهذيبها مَعَ اهمال بَيَان الاحوال والمولد والوفاه وَمثل ذَلِك لَا يعد من علم التَّارِيخ فان مطمح نظر مُؤَلفه وقصارى مَقْصُوده هُوَ مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ وابراز النكات
البديعة وَهَذَا علم آخر غير علم التَّارِيخ إِنَّمَا يرغب اليه من أَرَادَ أَن يتدرب فِي البلاغة وَيتَخَرَّج فِي فن الانشاء فَرُبمَا ألجأتنى الضَّرُورَة الى نقل تَرْجَمَة بعض الْأَعْيَان من مثل تِلْكَ المؤلفات وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي غَيرهَا فأذكره مهملا عَن ذكر المولد والوفاة منبها على عصره اجمالا مُبينًا لما أمكن بَيَانه من أَحْوَاله وَهَذَا هُوَ الْقَلِيل النَّادِر
والمرجو من الله جل جلاله الاعانة على اتمام هَذَا الْكتاب وبروزه فِي الْخَارِج على مادار فِي الْخلد من التَّصَوُّر فَيكون ان شَاءَ الله من أنفس الْكتب وأنفعها لطَالب هَذَا الْفَنّ وَيصير من أمعن النّظر فِي مطالعته بعد امعانه فِي مطالعة تَارِيخ الاسلام والنبلاء وكامل ابْن الْأَثِير وتاريخ ابْن خلكان محيطا باعيان أَبنَاء الزَّمَان من سلف هَذِه الامة وَخَلفهَا وسميته الْبَدْر الطالع بمحاسن من بعد الْقرن السَّابِع قَالَ مُؤَلفه الحقير أَسِير التَّقْصِير مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد الشوكانى غفر الله لَهُ ذنُوبه وَستر عيوبه وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود بمعونة الْملك المعبود
وَقد جعلته على حُرُوف المعجم مقدما لمن قَدمته حُرُوف اسْمه وان كَانَ غَيره أقدم مِنْهُ مبتدئا بقطب الْيمن وجنيد ذَلِك الزَّمن الناسك المتأله
(1)
إبراهيم بن احْمَد بن علي بن أَحْمد الكينعي
بلّ الله بوابل الرَّحْمَة ثراه وَلم أَقف على تَارِيخ مولده بعد الْبَحْث عَنهُ وَبَنُو الكينعي عرب لَهُم رياسة وَكَانُوا يسكنون قَرْيَة من قرى الْيمن بَينهَا وَبَين ذمار مِقْدَار بريد وَبهَا مولده وانتقل بِهِ أَبوهُ إلى قَرْيَة معبر وَكَانَ قريع أَوَانه وفريد زَمَانه فِي الإقبال على الله والاشتغال بِالْعبَادَة والمعاملة الربانية وبيته معمور بِالْعلمِ والزهد وَالصَّلَاح وَقد تَرْجمهُ بعض معاصريه
بمجلد ضخم وقفت عَلَيْهِ فِي أَيَّام مُتَقَدّمَة وَأَطْنَبَ فِي ذكره جَمِيع من لَهُ اشْتِغَال بِهَذَا الْعلم مُنْذُ عصره إلى الْآن فَمنهمْ السَّيِّد الْعَلامَة الهادي بن إبراهيم الْوَزير وَالسَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن المهدي بن قَاسم بن المطهر وَغَيرهمَا
وَكَانَ أحسن النَّاس وَجها وأتمهم خلقَة وَقد غشيه نور الإيمان وسيماء الصَّالِحين وَإِذا خرج نَهَارا ازْدحم النَّاس على تَقْبِيل يَده والتبرك بِرُؤْيَة وَجهه وَهُوَ يكره ذَلِك وينفر عَنهُ يغْضب إِذا مدح ويستبشر إِذا نصح ارتحل بعد موت وَالِده وَهُوَ فِي سن الْبلُوغ إلى صنعاء ولازم ولي الله الزَّاهِد العابد حَاتِم بن مَنْصُور الحملاني فَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وَقَرَأَ فِي الْفَرَائِض على الشَّيْخ الْخضر بن سُلَيْمَان الهرش وَفِي الْجَبْر والمقابلة وفَاق فِي جَمِيع ذَلِك حَتَّى أقر لَهُ أقرانه وَقَالَ عَن نَفسه أَنه يقتدر على تَقْدِير مَا فِي الْبركَة الْكَبِيرَة من المَاء بالأرطال وَكَانَ يتكسب بِالتِّجَارَة مَعَ قنوع وعفاف واشتغال بأنواع الْعِبَادَة فَجمع مَالا حَلَالا عَاد بِهِ على أَهله وإخوانه وَمن يَقْصِدهُ وَكرر السفر إلى مَكَّة المشرفة وَهُوَ يزْدَاد فِي أَوْصَاف الْخَيْر على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا حَتَّى خالط الْخَوْف قلبه وشغل بوظائف الْعِبَادَة قالبه واستوحش من كل معارفه وَمَال إلى الانعزال عَن النَّاس وانجمع عَن المخالطة لَهُم وَعَكَفَ على معالجة قلبه عَن مرض حب الدُّنْيَا وَلزِمَ المحاسبة لنَفسِهِ عَن كل جليل ودقيق وَصَامَ الْأَبَد إِلَّا الْعِيدَيْنِ والتشريق وَأَحْيَا ليله بِالْقيامِ لمناجاة ربه وتناقل النَّاس عَنهُ كَلِمَات نافعة هِيَ الدَّوَاء المجرب لاصلاح الْقُلُوب القاسية كَقَوْلِه لَيْسَ الزَّاهِد من يملك شَيْئا إِنَّمَا الزَّاهِد من لَا يملك شَيْئا وَكَقَوْلِه لبَعض إخوانه يَا أخي جدد السَّفِينَة فإن الْبَحْر عميق وَأكْثر الزَّاد فإن الطَّرِيق بعيد وأخلص الْعَمَل فان النَّاقِد بَصِير
بَصِير وَكَقَوْلِه بالفقر والافتقار والذل والانكسار تحيى قُلُوب العارفين وَمن شعره الَّذِي تحيى بِهِ الْقُلُوب قَوْله
ببابك عبد وَاقِف متضرع
…
مقل فَقير سَائل متطلع)
(حَزِين كئيب من جلالك مطرق
…
ذليل عليل قلبه مُنْقَطع)
وَمِنْهَا
(فُؤَادِي محزون ونومي مشرد
…
ودمعي مسفوح وقلبي مروع)
وَكَانَ مجاب الدعْوَة فِي كل مَا يتَوَجَّه لَهُ وَله فِي ذَلِك حكايات وَرِوَايَات وَكَانَ إِذا دعي إلى طَعَام لَيْسَ من الْحَلَال الْخَالِص يَبِسَتْ يَده وَلم يقدر على مدها إليه وَقد رَآهُ بعض الصَّالِحين بعد مَوته وَهُوَ فِي مَكَان أرفع من مَكَان إبراهيم بن أدهم فَقَالَ سُبْحَانَ الله منزلَة إبراهيم الكينعي أرفع من منزلَة إبراهيم بن أدهم فَسمع قَائِلا يَقُول لَوْلَا أَن منَازِل الْأَنْبِيَاء لَا يحل بهَا غَيرهم لَكَانَ بهَا إبراهيم الكينعي وجاور فِي آخر عمره ثَلَاث سِنِين بِالْبَيْتِ الْحَرَام فوصل إلى جازان وَكَانَ قد انْقَطع عَنْهُم الْمَطَر مُدَّة طَوِيلَة فَسَأَلُوهُ أَن يَدْعُو لَهُم بالمطر فَدَعَا لَهُم فَحصل من الْمَطَر مَا عَم نَفعه وبركته جَمِيع تِلْكَ الْبلدَانِ ثمَّ وصل إلى صعده وَكَانَ بهَا مَوته رحمه الله فِي صبح نَهَار الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة 793 ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَوهم الصَّفَدِي فِي كِتَابه الوافي بوفيات الأعيان فَقَالَ إنه توفي فِي سنة 784 أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ وقبر بِرَأْس الميدان غربي مَدِينَة صعدة وَعمر عَلَيْهِ مشْهد وَهُوَ مَشْهُور يزأر فِي تِلْكَ الديار وَقد رثاه جمَاعَة من الشُّعَرَاء مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الْهَادِي إبراهيم بقصيدة طنانة مطْلعهَا
(شجر السَّلامَة والكرامة أينعي
…
للقاء سيدنَا الإمام الكينعي)
والإحاطة بِبَعْض الْبَعْض من مَنَاقِب هَذَا الإمام تقصر عَنْهَا ألسن الأقلام فَمن رام الْوُقُوف على مَا يكون لَهُ من أعظم العبر فَلْينْظر فِي سيرته الَّتِى قدمت الإشارة إليها وَقد بسط فِيهَا الْكَلَام على أَحْوَاله ووظايف عباداته
(2)
إبراهيم بن احْمَد اليافعي الصَّنْعَانِيّ المولد وَالدَّار والوفاة
الشَّاعِر الْمَشْهُور الْمجِيد الْفَائِق فِي جَمِيع الأنواع فَمن شعره القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
(هَذَا العذيب بدا فَقل بشرا كَا
…
والزم اخائي لاعدمت أخاكا)
وَمن شعره القصيدة الَّتِي مطْلعهَا
(أعيدوا على سمعي الحَدِيث وكرروا
…
قديم اللِّقَاء وَالْوَقْت كالعيش أَخْضَر)
وَمِنْهَا فِي الِاسْتِخْدَام
(وأصبوا إلى وَادي العقيق وسفحه
…
على وجنتي من مقلتي يتحدر)
وَقَبله فِي الِاسْتِخْدَام أَيْضا
(أميل إلى ذكر الغضا وأنثني
…
ونيرانه فِي مهجتي تتسعّر)
وَمَا أحسن قَوْله فِيهَا
(أهيم بِذكر المنحنا وسويلع
…
وأنشق أنفاس الصباحين تعبر)
(وَمَا هَمت فِي قد وجيد ومقلة
…
وَلَا شاقني ثغر شنيب معطر)
وَهُوَ مَوْجُود فِي دولة الإمام الْمهْدي مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الْمَوَاهِب وَفِي دولة من قبله من الْخُلَفَاء وَمَات يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين فِي شهر رَجَب سنة 1110 عشر وَمِائَة وَألف وَقد بَالغ فِي حَقه صَاحب
نسمَة السحر وَقدمه على شعراء عصره فَلم يُصِيب فَهُوَ لم يرتق إلى منزلَة رَفِيقه ومعاصره الشَّيْخ إبراهيم الْهِنْدِيّ الْآتِي ذكره وَلَا كَاد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ منسجم الشّعْر قَلِيل التَّكَلُّف
(3)
إبراهيم بن أَحْمد خَان سُلْطَان الروم
استولى على السلطنة فِي أَيَّام أَخِيه السُّلْطَان مُرَاد بن احْمَد وَتمّ لَهُ الدست وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن السُّلْطَان مُرَاد تجهز بجيوشه إلى محاصرة بَغْدَاد وَقد كَانَ استولى عَلَيْهَا الشاه سُلْطَان الْعَجم وَهِي كَانَت من ممالك السُّلْطَان مُرَاد فَلَمَّا بلغه أَن أَخَاهُ السُّلْطَان إبراهيم قد استولى على الدست مَاتَ كمداً واستقرت قدم صَاحب التَّرْجَمَة فِي السلطنة وَكَانَ قعوده على دستها فِي سنة 1050 خمسين وَألف وَله جهادات وفتوحات مَشْهُورَة وَاسْتمرّ سُلْطَانا إلى أَن مَاتَ فِي سنة 1063 ثَلَاث وَسِتِّينَ وألف وَصَارَت السلطنة إلى وَلَده مُحَمَّد بن إبراهيم وَكَانَ يَوْمئِذٍ فِي سنّ الْبلُوغ وابتدأء سلطنته بمصاولة الإفرنج وغزوهم إلى دِيَارهمْ
(4)
إبراهيم بن احْمَد بن نَاصِر بن خَليفَة بن فرج بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن
الْمَقْدِسِي الناصري الباعوني الدمشقي الصَّالِحِي الشافعي وباعون بِالْمُوَحَّدَةِ والمهملة المضمومة قَرْيَة من قرى حوران بِالْقربِ من عجلون والناصرة قَرْيَة من عمل صفد ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر رَمَضَان سنة 777 سبع وَسبعين وَسَبْعمائة بصفد وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن تجويدا على الشهَاب حسن بن حسن الفرغني إمام جَامعهَا وَحفظ بعض الْمِنْهَاج ثمَّ انْتقل مِنْهَا قَرِيبا من سنّ الْبلُوغ مَعَ أَبِيه إلى الشَّام فَأخذ الْفِقْه عَن الشرف الغزي وَغَيره
ولازم النُّور الأنباري حَتَّى حمل عَنهُ الْكثير من الْفِقْه والعربية واللغة وَبِه انْتفع فِي عُلُوم الْأَدَب وَغَيرهَا وَدخل مصر لَعَلَّه قَرِيبا من سنة 804 أَربع وثمان مائَة فَأخذ عَن السراج البلقيني ولازمه سنة وَأخذ عَن الْكَمَال الدميري شَيْئا من مصنفاته ولازمه وَسمع إِذْ ذَاك على العراقي والهيثمي وَتردد بهَا إلى غير وَاحِد من شيوخها ثمَّ عَاد إلى بَلَده فَأَقَامَ بهَا على أحسن حَال وأجمل طَريقَة وَسمع على أَبِيه وَالْجمال ابْن الشرائحي والتقى صَالح بن خَلِيل بن سَالم وَعَائِشَة ابْنة عبد الهادى وَالشَّمْس بن حطاب وباشر نِيَابَة الحكم عَن أَبِيه والخطابة بِجَامِع بني أُمِّيّه ومشيخة الشُّيُوخ وَنظر الْحَرَمَيْنِ ثمَّ صرف وجهز إليه الْقَضَاء حِين اسْتَقر الْكَمَال بن البارزي في كِتَابَة سر الديار المصرية فَامْتنعَ وصمم وراجعه النَّائِب وَغَيره من أَعْيَان الرؤساء فَمَا أذعن وتكرر خطبه لذَلِك مرة بعد أُخْرَى إلى أَن قيل لَهُ فعين لنا من يصلح فعين أَخَاهُ وَولى مشيخة الخانقاه الباسطيه من صالحية دمشق وروي عَنهُ حِكَايَة عَجِيبَة وهي أَنه دخل على واقفها قبل أَن يَجْعَلهَا مدرسة فَأَعْجَبتهُ وَقَالَ فِي نَفسه إنه لَا يتهيأ لَهُ سُكُون مثلهَا الا فِي الْجنَّة فَلَمَّا انْفَصل عَنهُ بعد السَّلَام عَلَيْهِ لم يصل إلى بَابهَا إلا وَبَعض جمَاعَة صَاحبهَا قد تبعه وَأخْبر أَنه تحدث عقب خُرُوجه بأنه سيجعلها مدرسة ويقرره في مشيختها ثمَّ جعلهَا كَذَلِك وَقَررهُ فِيهَا وَهُوَ مَحْمُود الْمُبَاشرَة في جَمِيع مَا تولاه يصمم على الْحق وَلَا يلْتَفت إلى رسائل الكبراء في شفاعات وَنَحْوهَا
وَله مؤلفات مِنْهَا مُخْتَصر الصِّحَاح للجوهري وَهُوَ مُخْتَصر حسن وَله ديوَان خطب ورسائل وديوان شعر ومؤلف سَمَّاهُ الْغَيْث الهاتن في وصف العذار الفاتن أَتَى فِيهِ بمقاطيع فائقة نَحْو مائَة وَخمسين مَقْطُوعًا
أودع كلاً مِنْهَا معنى غَرِيبا غير الآخر مَعَ كَثْرَة مَا قَالَ النَّاس فى ذَلِك وَله رسائل عاطلة عَن النقط من عجائب الْوَضع في السلاسة والانسجام وَصَارَ شيخ الْأَدَب بالبلاد الشامية بِغَيْر مدافع كَذَا قَالَ السخاوي في تَارِيخه وَابْن حجر في مُعْجَمه وَقَالَ المقريزي أَنه مهر في عدَّة فنون سِيمَا الأدب فَلهُ النظم الْجيد وَكَانَ يحْكى أَن الزيني عبد الباسط قَالَ لَهُ إن مراسلاتك المسجعة إلينا تبلغ أَربع مجلدات وإذا كَانَ هَذَا مِقْدَار مَا كتبه إلى فَرد من أَفْرَاد النَّاس فَمَا ظَنك بِمَجْمُوع مَا كتبه وَالْحَاصِل أَنه وَقع الِاتِّفَاق من جَمِيع من تَرْجمهُ على أَنه لم يكن في عصره من يدانيه فى النّظم والنثر مَاتَ يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ربيع الأول سنة 870 سبعين وثمان مائَة وَصلى عَلَيْهِ بالجامع المظفري وَدفن بالروضة من سفح قاسيون يوصية مِنْهُ وَمن شعره
(سل الله رَبك مَا عِنْده
…
وَلَا تسْأَل النَّاس مَا عِنْدهم)
(وَلَا تبتغي من سواهُ الْغِنَا
…
وَكن عَبده لَا تكن عبدهم)
وَله
(سئمت من الدُّنْيَا وصحبة أَهلهَا
…
وأصبحت مرتاحا الى نقلتى مِنْهَا)
(وَوَاللَّه مَا آسى عَلَيْهَا وأننى
…
وَإِن رغبت فِي صحبتى رَاغِب عَنْهَا)
وَله
(اذا اسْتغنى الصّديق وصا
…
رذا وصل وَذَا قطع)
(وَلم يبد احتفالابى
…
وَلم يحرص على نفعى)
(فأنأى عَنهُ استغى
…
بجاه الصَّبْر والقنع)
(وأحسب أَنه مَا مرّ
…
في الدُّنْيَا على سمعي)
(5)
إبراهيم بن حسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد اليعمري
زاهد الْعَصْر وناسك الدَّهْر
ولد سنة 1164 أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وتلى الْكتاب الْعَزِيز على شيخ الْقُرْآن الْعَظِيم صَالح الجرادي وَأخذ في الْآلَات على شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن بن علي بن حُسَيْن بن علي بن المتَوَكل وَأخذ الْفِقْه والفرائض على السَّيِّد بن حسن الصعدى وَأخذ في علم السنّة على السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن عبد الله الكبسي وانتفع بِعِلْمِهِ فَعمل بِهِ وَعَكَفَ على الْعِبَادَة وتحلّى بالزهد وَصَارَ عَابِد الْعَصْر وزاهده وانْتهى إليه الْوَرع وَحسن السمت والتواضع والاشتغال بِخَاصَّة النَّفس وَاتفقَ النَّاس على الثَّنَاء عَلَيْهِ والمدح لشمائله فَصَارَ الْمشَار إليه في هَذَا الْبَاب وانتفع النَّاس بصلاح دعواته وقصدوه لذَلِك وَهُوَ الْآن حَسَنَة الزَّمن وزينة الْيمن مَعَ الْمُحَافظَة على الشَّرْع والاقتداء برَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاستكثار من النَّوَافِل والأوراد وَكَانَ جده أَحْمد على هَذِه الصفة الَّتِى حفيده هَذَا عَلَيْهَا زَاده الله مِمَّا أولاه ونفع بِهِ وَمَات رحمه الله لعشرين خلت من شهر شَوَّال سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وألف
(6)
إبراهيم بن حسن بن شهَاب الدَّين الكوراني
الشهرزوري الشهراني الكردي
الشافعي الإمام الْكَبِير الْمُجْتَهد ولد فِي سنة 1025 خمس وَعشْرين وَألف بِبِلَاد شَهْرَان من جبال الكرد وَنَشَأ في عفة طَاهِرَة فَأخذ في بِلَاده الْعَرَبيَّة والمنطق والحساب والهيئة والهندسة وَغير ذَلِك وَكَانَ دأبه إذا
عرضت لَهُ مَسْأَلَة في فن أتقن ذَلِك الْفَنّ غَايَة الإتقان ثمَّ قَرَأَ في الْمعَانى وَالْبَيَان والأصول وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير ثمَّ سمع الحَدِيث عَن جمَاعَة في غير بِلَاده كالشام ومصر والحجاز والحرمين وَقد ذكر مشايخه في الْأُمَم وَترْجم لكل وَاحِد مِنْهُم
وَله مصنفات كَثِيرَة حَتَّى قيل إِنَّهَا تنيف على ثَمَانِينَ مِنْهَا إتحاف الْخلف بتحقيق مَذْهَب السّلف واتحاف الْمُنِيب الأواه بِفضل الْجَهْر بِذكر الله واعمال الْفِكر وَالرِّوَايَات في شرح حَدِيث إِنَّمَا الأعمال بِالنِّيَّاتِ ولوامع اللآل فى الْأَرْبَعين العوال ومسلك الارشاد الى الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فى الْجِهَاد وانباه الإنباه في إعراب لَا إِلَه إِلَّا الله وَقصد السَّبِيل وَغير ذَلِك وبرع في جَمِيع الْفُنُون وأقرأ باللغة الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية وَسكن بعد ذَلِك مَكَّة المشرفة وانتفع بِهِ النَّاس ورحلوا اليه وَأخذُوا عَنهُ في كل فن حَتَّى مَاتَ في ثامن عشر شهر جُمَادَى الأولى سنة 1101 وَاحِدَة وَمِائَة وَألف وَدفن بعد الْمغرب ببقيع الْغَرْقَد وَأَنا أروي عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَلَاء الدَّين عَن أَبِيه عَن جده عَنهُ بِالسَّمَاعِ من عَلَاء الدَّين مِنْهُ
(7)
إبراهيم بن خَالِد بن أَحْمد بن قَاسم العلفي ثمَّ الصنعاني
ولد على رَأس الْقرن الحادي عشر تَقْرِيبًا وَقيل سنة 1106 سِتّ وَمِائَة وَألف أوفى الَّتِى بعْدهَا وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَطلب علم الْفُرُوع وحققه ثمَّ طلب بَقِيَّة عُلُوم الِاجْتِهَاد فشارك فِيهَا مُشَاركَة قَوِيَّة واشتهر بِصَنْعَاء وَبعد صيته وقصده طلبة علم الْفُرُوع فَأخذُوا عَنهُ وتنافسوا في ذَلِك واستفادوا وصاروا أعياناً وَكَانَ يقْصد بالفتاوى من الْعَامَّة والخاصة
ويعارض باجتهاداته وصحيح أنظاره أنضار أكَابِر عُلَمَاء عصره كالسيد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وَغَيره وَلِلنَّاسِ بِمَا يصدر عَنهُ من الْفَتَاوَى اشْتِغَال ورغبة عَظِيمَة وهي مَجْمُوعَة في مُجَلد جمعهَا الْعَلامَة حَامِد بن حسن شَاكر الآتي ذكره وَشرع في جمع حَاشِيَة على الأزهار وَلم تكمل وَهُوَ مِمَّن يضْرب بزهده الْمثل وَمَات وَلم يتَزَوَّج وَكَانَ مَوته في وسط الْقرن الثاني عشر وأرّخه بَعضهم في ثامن عشر شعْبَان سنة 1156 سِتّ وَخمسين وَمِائَة وَألف وَمن مشايخه السَّيِّد الْعَلامَة هَاشم ابْن يحيى الشامى وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم ومولده برداع ثمَّ هَاجر إلى ذمار وارتحل بعد ذَلِك إلى صنعاء وَاسْتقر بهَا حَتَّى مَاتَ
(8)
إبراهيم بن شيخ الأمير صارم الدَّين بن السُّلْطَان شيخ
الآتي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى ولد بالبلاد الشامية فِي أوائل الْقرن الثَّامِن تَقْرِيبًا وَأمه أم ولد اسْمهَا نور مَاتَت قبل سلطنة أَبِيه ذكره ابْن خطيب الناصرية فَقَالَ كَانَ مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير حِين كَانَ نَائِب حلب ثمَّ
قدمهَا مَعَه فِي أَيَّام سلطنته ثمَّ لما جرده أَبوهُ فِي سنة 822 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمان مائَة لفتح الْبِلَاد القرمانية وَمَعَهُ عدَّة من المقدمين كططر وجقمق وَغَيرهمَا فَفَتحهَا وَفتح غَيرهَا وَأقَام هُنَالك ثَلَاثَة أشهر ثمَّ عَاد إلى حلب فِي أثْنَاء رَجَب وَنزل بقلعتها وَأقَام بهَا إلى الْعشْر الأخيرة من شعْبَان إلى أَن رسم لَهُ بِالرُّجُوعِ إلى الديار المصرية فَرجع بالعساكر فِي أَوَاخِر شعْبَان وبرز أَبوهُ لملاقاته فِي سَابِع عشر رَمَضَان وتيمن بطلعته فَلم يلبث أَن مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة 823 ثَلَاث وَعشْرين وثمان مائَة مسموماً وَكَانَ شَابًّا حسنا شجاعاً عِنْده حشمة وملوكية كَرِيمًا عَاقِلا مائلاً إلى الْخَيْر وَالْعدْل والعفة عَن أَمْوَال النَّاس وَلما لقِيه الأمراء سلم عَلَيْهِم وَهُوَ رَاكب وبمجرد أَن عاين النَّاصِر بن البارزي كَاتب السِّرّ نزل عَن فرسه وتعانقا لعلمه بتمكنه عِنْد أَبِيه ثمَّ عَاد الْجَمِيع في خدمته إلى منزله فَلَقوا السُّلْطَان هُنَالك فَنزل الْأُمَرَاء القادمون صُحْبَة الأمير إبراهيم ثمَّ نزل هُوَ وَقبل الأَرْض ثمَّ قَامَ وَمَشى حَتَّى قبل ركاب أَبِيه فبكي لفرحه بِهِ وَبكى النَّاس لبكائه وَكَانَت سَاعَة عَظِيمَة ثمَّ سارا بموكبهما إلى خانقاه سريا قوسي وباتا بهَا لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع عشر وَركب السُّلْطَان من اللَّيْل فَرمى الطير بِالْبركَةِ واصطاد وَدخل السُّلْطَان الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَقد احتفل النَّاس بالزينة لوَلَده وَهُوَ بتشريف هائل وَخَلفه الأسرى الَّذين جاءبهم وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ فى الأغلال وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَنزل إلى دَاره وَاسْتمرّ على حَاله فَدس كَاتب السِّرّ إِلَى أَبِيه فى غُضُون ذَلِك من يُخبرهُ أَنه صَار يتوعد أَبَاهُ بِالْقَتْلِ وأنه يتَمَنَّى مَوته لكَونه يحب بعض حظاياه وَلَا يتَمَكَّن مِنْهَا إِلَّا
خُفْيَة وَبرهن على ذَلِك بأمارات وعلامات وأنه صمم على قَتله بالسم أَو غَيره إن لم يمت عَاجلا من الْمَرَض مَعَ مَا فِي نَفسه من محبَّة الاستبداد وإنه يعد الأمراء بمواعيد فَحِينَئِذٍ أذن السُّلْطَان لبَعض خواصه أَن يُعْطِيهِ مَا يكون سَببا لقَتله من غير إسراع فدسوا إليه من سقَاهُ من المَاء الذي يطفى فِيهِ الْحَدِيد فَلَمَّا شربه أحس بالمغص فِي جزفه فعالجه الْأَطِبَّاء مُدَّة وَنَدم السُّلْطَان على مَا فرط مِنْهُ وَأمر الْأَطِبَّاء بِالِاجْتِهَادِ فِي علاجه فلازموه نصف شهر إلى أَن تراجعت إليه بعض الصِّحَّة وَركب فِي محفة وَكَاد أَن يتعافى فدسوا عَلَيْهِ من سقَاهُ ثَانِيًا من غير علم أَبِيه فانتكس وَاسْتمرّ إلى خَامِس عشر جُمَادَى الأولى وَنزل أَبوهُ لعيادته ثمَّ مَاتَ فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وَاشْتَدَّ جزع أَبِيه عَلَيْهِ إلا أَنه تجلد وأسف النَّاس كَافَّة على فَقده وشاع بَينهم أن أَبَاهُ سمه إِلَّا أَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ التَّصْرِيح بذلك قَالَ السخاوي وَلم يَعش أَبوهُ بعده سوى سِتَّة أشهر وأياماً كدأب من قتل أَبَاهُ أَو ابْنه على الْملك فَتلك عَادَة مُسْتَقِرَّة وَطَرِيقَة مستقرأة وَكَذَا قَالَ ابْن حجر وَصَارَ الَّذين حسّنوا لَهُ ذَلِك الْفِعْل يبالغون فِي ذكر معايبه وينسبونه إلى الإسراف على نَفسه والتبذير والمجاهرة بِالْفِسْقِ من اللواط وَالزِّنَا وَالْخمر والتعرّض لحرم أَبِيه وَغير ذَلِك مِمَّا كَانَ برَاء عَن أَكْثَره وَعند الله يجْتَمع الْخُصُوم وخطب ابْن خطيب الناصرية يَوْم مَوته وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة خطْبَة حَسَنَة سبك فِيهَا قَوْله صلى الله عليه وآله وسلم تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب وإنا عَلَيْك يَا إبراهيم لَمَحْزُونُونَ فأبكى السُّلْطَان وَمن حضر وَبعد مَوته وَقع الْخلَل فِي دولة وَالِده السُّلْطَان وَمَات
الساعون فِي هَلَاك وَلَده وَاحِدًا بعد وَاحِد وَلم يستكمل بعده ابْن البارزى أَرْبَعَة أشهر
(9)
الشَّيْخ ابراهيم بن صَالح الهندى الصَّنعاني الشَّاعِر الْمَشْهُور
كَانَ أشعر أهل عصره غير مدافع وَله ديوَان شعر فِي مُجَلد ضخم رَأَيْته فِي أَيَّام قديمَة فَوجدت فِيهِ مَا هُوَ فِي الطَّبَقَة الْعليا والمتوسطة والسافلة وَلَكِن الْجيد أغلب وَكَانَ يتشبه فِي مدحه وحماسته بأبي الطيب وَمن فائق مقطعاته قَوْله
(أشبه ثغره والقات فِيهِ
…
وَقد لانت لرقَّته الْقُلُوب)
(لآل قد نبتن على عقيق
…
وَبَينهمَا زمردة تذوب)
وَمن مقطعاته فِي مليح يسبح فِي مَاء
(وأبيض عاينته سابحاً
…
فِي لجة للْمَاء زرقاء)
(فَقلت هَذَا الْبَدْر فِي لجة
…
أم ذَا خيال الشَّمْس فِي المَاء
وَكَانَ وَالِده من جملَة البانيان الواصلين إلى صنعاء فَأسلم على يَد بعض آل الإمام وَحسن إسلامه وَنَشَأ وَلَده هَذَا مشغوفاً بالأدب مُولَعا بعالي الرتب وَأكْثر مدائحه فِي الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ومدح الإمام المتَوَكل إسماعيل بن الْقَاسِم وَابْنه علي بن المتَوَكل وَمُحَمّد ابْن الْحسن وَلما صَارَت الْخلَافَة إلى المهدي صَاحب الْمَوَاهِب وَفد إليه صَاحب التَّرْجَمَة وَقد كَانَ بلغه عَنهُ شئ فَقَالَ لَهُ بأيِّ شَفِيع جِئْت فَقَالَ لَهُ بِهَذَا وَأخرج الْمُصحف من صَدره فَقَالَ قد قبلنَا هَذَا الشَّفِيع وَلَكِن لَا أَرَاك بعد الْيَوْم فتغيب عَنهُ من ذَلِك الْيَوْم ولازم الْعِبَادَة والتزهد وَكَانَ إِذا
قَامَ إلى الصَّلَاة اصفر لَونه وَحج وَمَات عقب عوده فِي سنة 1100 مائَة وألف أَو فِي الَّتِى قبلهَا
(10)
السَّيِّد إبراهيم بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين الْعَلامَة ابْن شَيخنَا الإمام
الآتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى ولد فِي لَيْلَة ثامن عشر رَمَضَان سنة 1169 تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَتخرج بشيخنا وَالِده رَحْمَة الله فِي النَّحْو
وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالْعرُوض واللغة والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وبرع فِي جَمِيع هَذِه المعارف وَصَارَ الْآن من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر المفيدين المجيدين ارتحل مَعَ وَالِده من كوكبان إلى مَدِينَة صنعاء وَمَا زَالَ مكبّا على الْقِرَاءَة على وَالِده ورافقني فِي بعض مَا سمعته مِنْهُ وَبعد موت وَالِده في تَارِيخه الآتي قَصده الطّلبَة إلى منزله وقرأوا عَلَيْهِ فِي فنون مُتعَدِّدَة وَله رسائل ومسائل مفيدة مَعَ تواضع وَحسن أَخْلَاق وكرم وعفاف وشهامة نفس وصلابة دين وَحسن محاضرة وَقُوَّة عارضة وفصاحة ورجاحة وقدرة على النّظم والنثر وسيلان ذهن جمَّل الله بِوُجُودِهِ ونفع بِعُلُومِهِ وَهُوَ الْآن فِي قيد الحيوة مَا بَين الْأَرْبَعين وَالْخمسين وَله تلامذة نبلاء فضلاء تخْرجُوا بِهِ ولزموا طَرِيقَته فصاروا من أعيان الْعلمَاء والمترجم لَهُ عافاه الله لَا تقيد بِمذهب وَلَا يُقَلّد فِي شَيْء من أُمُور دينه بل يعْمل بنصوص الْكتاب وَالسّنة ويجتهد رَأْيه وَهُوَ أهل لذَلِك وَله معرفَة بعلوم أُخْرَى غير مَا قدمنَا ذكره مِنْهَا مَا اسْتَفَادَ عَن وَالِده وَمِنْهَا مَا عرفه بفاضل ذهنه وقويم فكره وَتُوفِّي رَحْمَة الله فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لَعَلَّه ثَالِث عشر شهر رَمَضَان سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ والف
(11)
السَّيِّد إبراهيم بن عبد الله بن إسماعيل الحوثيِّ ثمَّ الصَّنعاني
ولد ثامن شهر شَوَّال سنة 1187 سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وألف وَقَرَأَ على شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة علي بن عبد الله الْجلَال وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَلَعَلَّه أَخذ عَن شَيخنَا الإمام السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد في آخر مدَّته واستفاد صَاحب التَّرْجَمَة فِي عدَّة عُلُوم مِنْهَا النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والأصول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وبرع فِي هَذِه الْعُلُوم وتاقت نَفسه إلى مطالعة فنون من علم الْمَعْقُول فادرك فِيهِ إدراكاً جيداً لجودة فهمه وَحسن تصَوره وَهُوَ الْآن ملازم للسَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر الْمَذْكُور قبله وَلَا يُفَارِقهُ فِي غَالب الْأَوْقَات فيستفيد مِنْهُ ويفيد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الزَّمن وَمن الضاربين بِسَهْم وافر في كل فن وَهُوَ الْآن يشْتَغل بِجمع تراجم عُلَمَاء الْقرن الثاني عشر من أهل الْيمن وَقد بعث إليَّ بَعْضهَا فرأيته قد جوّد غَالب تِلْكَ التراجم وطولها وَهُوَ كمشايخه في اجْتِهَاد رَأْيه وَالْعَمَل بِمَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيل ثمَّ مَاتَ رحمه الله فِي يَوْم الْأَحَد ثامن شهر شَوَّال سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف
(12)
إبراهيم بن عمر بن حسن بن الرِّبَاط
بِضَم الرَّاء بعْدهَا مُوَحدَة خَفِيفَة ابْن علي بن أَبى بكر البقاعي نزيل الْقَاهِرَة ثمَّ دمشق الإمام الْكَبِير برهَان الدَّين ولد تَقْرِيبًا سنة 809 تسع وثمان مائَة بقرية من عمل الْبِقَاع وَنَشَأ بهَا ثمَّ تحوَّل إلى دمشق ثمَّ فَارقهَا وَدخل بَيت الْمُقَدّس ثمَّ الْقَاهِرَة وَقَرَأَ على التَّاج بن بهادر فِي الْفِقْه والنحو وعَلى الجزرى فِي القرا آتٍ جَمِيعًا للعشرة على أثْنَاء سُورَة الْبَقَرَة
وَأخذ عَن التقي الحصني والتاج الغرابيلي والعماد بن شرف والشرف السبكي والْعَلَاء القلقشندي والقاياني والحافظ ابْن حجر وأبي الْفضل المغربي وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران لَا كَمَا قَالَ السخاوي أَنه مَا بلغ رُتْبَة الْعلمَاء بل قصارى أمره إدراجه فِي الْفُضَلَاء وَأَنه مَا علمه أتقن فَنًّا قَالَ وتصانيفه شاهدة بِمَا قلته قلت بل تصانيفه شاهدة بِخِلَاف مَا قَالَه وَأَنه من الْأَئِمَّة المتقنين المتبحرين فِي جَمِيع المعارف وَلَكِن هَذَا من كَلَام الأقران فِي بَعضهم بعض بِمَا يُخَالف الإنصاف لما يجري بَينهم من المنافسات تَارَة على الْعلم وَتارَة على الدُّنْيَا وَقد كَانَ المترجم لَهُ منحرفاً عَن السخاوي والسخاوي منحرفاً عَنهُ وَجرى بَينهمَا من المناقضة والمراسلة والمخالفة مَا يُوجب عدم قبُول أَحدهمَا على الآخر وَمن أمعن النظر فِي كتاب المترجم لَهُ فِي التَّفْسِير الَّذِي جعله فِي الْمُنَاسبَة بَين الآي والسور علم أَنه من أوعية الْعلم المفرطين فِي الذكاء الجامعين بَين علمي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَكَثِيرًا مَا يشكل على شئ فِي الْكتاب الْعَزِيز فأرجع إلى مطولات التفاسير ومختصراتها فَلَا أجد مَا يشفي وأرجع إلى هَذَا الْكتاب فأجد مَا يُفِيد فِي الْغَالِب وَقد نَالَ مِنْهُ عُلَمَاء عصره بِسَبَب تصنيف هَذَا الْكتاب وأنكروا عَلَيْهِ النَّقْل من التَّوْرَاة والإنجيل وترسلوا عَلَيْهِ وَأغْروا بِهِ الرؤساء وَرَأَيْت لَهُ رِسَالَة يُجيب بهَا عَنْهُم وينقل الْأَدِلَّة على جَوَاز النَّقْل من الْكِتَابَيْنِ وفيهَا مَا يشفي وَقد حجّ ورابط وانجمع فَأخذ عَنهُ الطّلبَة فِي فنون وصنَّف التصانيف وَلما تنكر لَهُ النَّاس وبالغوا فِي أَذَاهُ لمّ أَطْرَافه وَتوجه إلى دمشق وَقد كَانَ بلغ جمَاعَة من أهل الْعلم فِي التَّعَرُّض لَهُ بِكُل مَا يكره إلى حد التَّكْفِير حَتَّى رتبوا عَلَيْهِ دَعْوَى عِنْد
القاضي المالكي أَنه قَالَ إن بعض المغاربة سَأَلَهُ أَن يفصل في تَفْسِيره بَين كَلَام الله وَبَين تَفْسِيره بقوله أي أَو نَحْوهَا دفعاً لما لَعَلَّه يتَوَهَّم وَقد كَانَ رام المالكي الحكم بِكُفْرِهِ وإراقة دَمه بِهَذِهِ الْمقَالة حَتَّى ترامى المترجم لَهُ على القاضي الزيني بن مزهر فعذره وَحكم بإسلامه وَقد امتحن الله أهل تِلْكَ الديار بقضاه من الْمَالِكِيَّة يتجرون على سفك الدِّمَاء بِمَا لَا يحل بِهِ أدنى تَعْزِير فأراقوا دِمَاء جمَاعَة من أهل الْعلم جَهَالَة وضلالة وجرأة على الله وَمُخَالفَة لشريعة رَسُول الله وتلاعباً بِدِينِهِ بِمُجَرَّد نُصُوص فقهية واستنباطات فروعية لَيْسَ عَلَيْهَا اثارة من علم فانا لله وإنا إليه رَاجِعُون وَلم يزل المترجم لَهُ رحمه الله يكابد الشدائد ويناهد العظائم قبل رحلته من مصر وَبعد رحلته إلى دمشق حَتَّى توفاه الله بعد أَن تفتت كبده كَمَا قيل في لَيْلَة السبت ثامن عشر رَجَب سنة 885 خمس وَثَمَانِينَ وثمان مائَة وَدفن خَارج دمشق من جِهَة قبر عَاتِكَة وَقد ترْجم لَهُ السخاوي تَرْجَمَة مظْلمَة كلهَا سب وانتقاص وطولها بالمثالب بل مَا زَالَ يحط عَلَيْهِ فى جَمِيع كِتَابه الْمُسَمّى بالضوء اللامع لِأَن المترجم لَهُ كتب لأهل عصره تراجم ونال من أَعْرَاض جمَاعَة مِنْهُم لاسيما الأكابر الَّذين أَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَكَانَ السخاوي ينْقل قَوْله في تَرْجَمَة أُولَئِكَ الأكابر ويناقضه وينتقصه ولشعراء عصره فِيهِ أمداح وأهاجى
وَمَا زَالَت الأشراف تهجى وتمدح
وَهُوَ كثير النظم جيد النثر في تراجمه ومراسلاته ومصنفاته وَهُوَ مِمَّن رثى نَفسه فى حيوته فَقَالَ
(نعم إنني عَمَّا قريب لمَيت
…
وَمن ذَا الذي يبْقى على الْحدثَان)
(كَأَنَّك بي أنعى عَلَيْك وَعِنْدهَا
…
ترى خَبرا صمّت لَهُ الأذنان)
(فَلَا حسد يبْقى لديك وَلَا قلى
…
فينطق في مدحي بأي معَان)
(وَتنظر أوصافى فتعلم أَنَّهَا
…
علت عَن مدان في أعز مَكَان)
(ويمسي رجَالًا قد تهدّم ركنهم
…
فمدمعهم لي دَائِم الهملان)
(فكم من عَزِيز بي يذل جماحه
…
ويطمع فِيهِ ذُو شقا وهوان)
(فيارب من تفجأ بهول يوده
…
وَلَو كنت مَوْجُودا لَدَيْهِ دعانى)
(ويارب شخص قد دهته مُصِيبَة
…
لَهَا الْقلب أَمْسَى دَائِم الخفقان)
(فيطلب من يجلو صداها فَلَا يرى
…
وَلَو كنت جلتها يدي ولساني)
(وَكم ظَالِم نالته مني غَضَاضَة
…
لنصرة مظلوم ضَعِيف وجنان)
(وَكم خطة سامت ذووها معرة
…
أُعِيدَت بِضَرْب من يَدي وطعان)
(فإن يرثني من كنت أجمع شَمله
…
بتشتيت شملي فالوفاء رثاني)
وَمن محاسنه الَّتِى جعلهَا السخاوي من جملَة عيوبه مَا نَقله عَنهُ أَنه قَالَ في وصف نَفسه أَنه لَا يخرج عَن الْكتاب وَالسّنة بل هُوَ متطبع بطباع الصَّحَابَة انْتهى وَهَذِه منقبة شريفة ومرتبة منيفة
(13)
السَّيِّد ابراهيم بن الْقَاسِم بن المؤبد بِاللَّه مُحَمَّد بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْعَلامَة الْحَافِظ المؤرخ
مُصَنف طَبَقَات الزيدية وَهُوَ كتاب لم يؤلَّف مثله في بَابه جعله ثَلَاثَة أَقسَام الْقسم الأول في من روى عَن أَئِمَّة الْآل من الصَّحَابَة وَالْقسم الثانى فِيمَن بعدهمْ الى رَأس خَمْسمِائَة وَالْقسم الثَّالِث في أهل الْخَمْسمِائَةِ وَمن بعدهمْ إلى أَيَّامه وَذكر جمَاعَة من أَعْيَان الْقرن الثاني عشر وَمَات فِيهِ وَلم أَقف لَهُ على تَرْجَمَة وَقد ذكر فى الْكتاب الْمَذْكُور مشايخه
وماسمعه مِنْهُم وكل طبقَة من الطَّبَقَات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة جعلهَا على حُرُوف المعجم
(14)
السَّيِّد ابراهيم بن مُحَمَّد بن أسحق بن المهدي أَحْمد ابْن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد
ولد سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن وَالِده وَعَن شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن احْمَد بن عَامر وَغَيرهمَا وجدَّ فِي ذَلِك حَتَّى صَار من أَعْيَان الزَّمن ومحاسن بني الْحسن لَهُ مَكَارِم وفضائل وَحسن أخلاق واشتغال بالعلوم والعبادات وَالْقِيَام بوظائف الطَّاعَات وَقَضَاء حوائج المحتاجين والسعى فى صَلَاح الْمُسلمين مَالا يقدر على الْقيام بِهِ غَيره وَكم تصل إليَّ مِنْهُ رسائل ونصائح فِيمَا يتَعَلَّق بشأن الدولة وَيَأْخُذ عليَّ أَنه لَا يحل السُّكُوت وَله رَغْبَة في المباحثات العلمية شَدِيدَة بِحَيْثُ أَنه لَا يعرض الْبَحْث في مَسْأَلَة من الْمسَائِل إِلَّا وفحّص عَنهُ وَسَأَلَ وراجع وَكَثِيرًا مَا تفد عليّ مِنْهُ سُؤَالَات أُجِيب عَنْهَا برسائل كَمَا يحْكى ذَلِك مَجْمُوع رسائلي مَعَ أَنه نفع الله بِهِ إِذْ ذَاك عالى السن قد قَارب السّبْعين وَأَنا في نَحْو الثَّلَاثِينَ وَهَذَا أعظم دَلِيل على تواضعه ثمَّ مَا زَالَ هَذَا دأبه إلى الْآن وَهُوَ صديقي وحبيبي يدعوني إلى بَيته الْمرة بعد الْمرة وَله في المكارم مَسْلَك لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره وَفِي حسن الْأَخْلَاق وتفويض الأمور إلى الْمُهَيْمِن الخلاق أَمر عَجِيب وَقد
أَعَانَهُ الله على بر وَالِده وَالْقِيَام بِوَاجِب حَقه والمشي على مَا يُريدهُ وَكَانَ وَالِده رحمه الله رَئِيس آل اسحق والمتولي لأمورهم بعد أَن دَعَا إلى نَفسه وَبَايَعَهُ النَّاس قاطبة ثمَّ اخْتَار الله لَهُ التَّخَلُّص من ذَلِك فَمَا زَالَ على رئاسة أهل بَيته حَتَّى مَاتَ ثمَّ قَامَ وَلَده هَذَا مقَامه أَيَّامًا فَلم تطب نفس أَخِيه الأكبر السَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد فَخرج من صنعاء مغاضبّا للإمام المهدي رحمه الله وسيأتي شرح ذَلِك في تَرْجَمته إن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَاصِله أَنه صَار مَكَان وَالِده وَرغب صَاحب التَّرْجَمَة عَن الرِّئَاسَة الدُّنْيَوِيَّة فاستبدل بِالْخَيْلِ والخول الزّهْد والتقشف وَترك زي أَبنَاء جنسه من بَيت الْخلَافَة والمملكة وَمَعَ هَذَا فَلهُ جلالة في الْقُلُوب ونبالة في النُّفُوس وضخامة زَائِدَة عِنْد جَمِيع النَّاس إِذا مرَّ بِهِ رَاكب من آل الامام أَو من أكَابِر الوزراء والأمراء وَالْقَضَاء ترجل لَهُ وَسلم عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْت مَوْلَانَا الْخَلِيفَة يجلُّ أحداً كإجلاله لَهُ وَهُوَ حقيق بِذَاكَ وَهُوَ الْآن حيٌّ ينْتَفع بِهِ النَّاس
(15)
إبراهيم بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن علي بن مَسْعُود بن رضوَان
المقدسي ثمَّ القاهري الشافعي أَخُو الْكَمَال مُحَمَّد الآتي ذكره
ولد لَيْلَة الثُّلَاثَاء ثامن عشر ذي الْقعدَة سنة 836 سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة بِبَيْت الْمُقَدّس ونشأبه فحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن سبع وتلاه تجويداً لِابْنِ كثير وأبي عَمْرو وَأخذ عَن سراج الرومي في الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول والمنطق وَعَن يَعْقُوب الرومي فِي الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان بل سمع عَلَيْهِمَا كثيراً من فقه الْحَنَفِيَّة وَسمع على التقى القلقشندى المقدسى والزين ماهر وَآخَرين وَأَجَازَ لَهُ خلق ثمَّ لما قدم الْقَاهِرَة قَرَأَ على الإمامين الأقصراني في شرح العقائد والجلال الْمحلى فى شَرحه لجمع الْجَوَامِع وَقَرَأَ على جمَاعَة كَثِيرَة في فنون مُتعَدِّدَة ثمَّ حجّ سنة 853 ثَلَاث وَخمسين وثمان مائَة وَقَرَأَ في مَكَّة على التقي بن فَهد وابى الْفَتْح المراغى والمحب الطبري وَجَمَاعَة وبرع فِي الْفُنُون وَأذن لَهُ غير وَاحِد بالإقراء والإفتاء وصنَّف التصانيف مِنْهَا شرح الحاوي فِي مُجَلد ضخم وَمِنْهَا شرح قَوَاعِد الاعراب فِي نَحْو عشرَة كراريس وَشرح العقائد لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَشرح الْمِنْهَاج الفرعي ونظم النخبة ومختصرات كَثِيرَة كتهذيب الْمنطق للتفتازانى والورقات لامام الْحَرَمَيْنِ وشذورالذهب وعقائد النسفي وَاخْتصرَ الرسَالَة القشيرية وَله مصنفات غير هَذِه ودرس في عدَّة فنون
وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وَاسْتقر في تدريس التَّفْسِير بِجَامِع ابْن طولون وَفِي غَيره من الْجَوَامِع والمدارس وَولى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ في ذِي الْحجَّة سنة 906 عوض عبد الْقَادِر بن النَّقِيب وَاسْتمرّ إلى ثَالِث ربيع الأول سنة 910 عشر وَتِسْعمِائَة فعزل بقاضي الشَّام الشهابي وَصَارَ رَئِيس مصر وعالمها وَعَلِيهِ الْمدَار فِي الْفتيا وَمن صلابته في الدَّين أَنه اتفق للقضاة محنة مَعَ الْأَشْرَف الْمَذْكُور بِسَبَب اقرار الزَّانِيَيْنِ اللَّذين أَرَادَ الْأَشْرَف رجمهما قَاصِدا لإحياء هَذِه السنة فصمم صَاحب التَّرْجَمَة على عدم مُوَافَقَته في ذَلِك فعزل الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وشنق الزَّانِيَيْنِ فَوقف صَاحب التَّرْجَمَة عَلَيْهِمَا وَقَالَ أشهد بَين يدي الله بظلمهما وَأَن قاتلهما يقتل بهما فَبلغ الْأَشْرَف ذَلِك فَعَزله عَن مشيخة مدرسته ثمَّ بلغه الله إلى أَن كَانَ قتل الْملك فِي حَيَاته وانقراض دولته فَرد إليه معلومهما من أول ولَايَته لَهما وعد ذَلِك من شهامته وَكَمَال دينه فَعظم بِهِ عِنْد الْخَاص وَالْعَام مَعَ لُزُوم منزله وَتردد النَّاس إليه للِانْتِفَاع بِهِ فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثاني شهر الْمحرم سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله العباسي صَاحب مصر عقب صَلَاة الْجُمُعَة وَدفن بتربته الَّتِى أعدهَا فِي ساباط وَله نظم فَمِنْهُ من قصيدة
(دموعي قد نمت بسرِّ غرامي
…
وباح بوجدي للوشاة سقامي)
(فأضحى حديثي بالصبابة مُسْندًا
…
بمرسل دمعى من جفون دوامى)
وَمن أُخْرَى
(مَا خلت برقاً بأرجاء الشآم بدا
…
إِلَّا تنفست من أشواقي الصعدا)
(وَلَا شممت عبيراً من نسيمكم
…
إِلَّا قضيت بَان أقضي بِهِ كمدا)
(16)
إبراهيم بن مُحَمَّد بن خَلِيل الْبُرْهَان الطرابلسي
الأَصْل الشامي المولد وَالدَّار الشافعي
ولد في ثاني عشر رَجَب سنة 753 ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة بالجلوم بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد اللَّام المضمومة وَمَات أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فكفلته أمه وانتقلت بِهِ إلى دمشق فحفظ بهَا بعض الْقُرْآن ثمَّ رجعت بِهِ إلى حلب فَنَشَأَ بهَا وأدخلته مكتب الْأَيْتَام فأكمل بِهِ حفظه وَصلى بِهِ على الْعَادة التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان وتلا تجويدا على الْحسن السايس المصري وعَلى الشهَاب ابْن أبي الرضى والحراني وَقَرَأَ في الْفِقْه على ابْن العجمي وَجَمَاعَة كالبلقيني وَابْن الملقن وفي اللُّغَة على مجد الدَّين صَاحب الْقَامُوس وفي الحَدِيث علي الزين العراقي والبلقيني وَابْن الملقن أَيْضا وَجَمَاعَة كَثِيرَة وارتحل إلى مصر مرَّتَيْنِ لقي بهَا جمَاعَة من أعيان الْعلمَاء وإلى دمشق وإسكندرية وَبَيت الْمُقَدّس وغزة والرملة ونابلس وحماه وحمص وطرابلس وبعلبك وروي عَنهُ أَنه قَالَ مشايخي في الحَدِيث نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَمن رويت عَنهُ شيئاً من الشّعْر دون الحَدِيث بضع وَثَلَاثُونَ وفي الْعُلُوم غير الحَدِيث نَحْو الثَّلَاثِينَ وَقد جمع الْكل النَّجْم ابْن فَهد في مُجَلد ضخم وَكَذَلِكَ الْحَافِظ ابْن حجر وَاسْتقر بحلب وَلما هجمها تيمور لنك طلع بكتبه الى القلعة فَلَمَّا دخل الْبَلَد وسلبوا النَّاس كَانَ فِيمَن سلب حَتَّى لم يبْق عَلَيْهِ شئ ثمَّ أسروه وبقي مَعَهم إلى أَن رحلوا إلى دمشق فَأطلق وَرجع إلى بَلَده فَلم يجد أحداً من أَهله وَأَوْلَاده قَالَ فَبَقيت قَلِيلا ثمَّ تَوَجَّهت إلى الْقرى الَّتِى حول حلب مَعَ جمَاعَة فَلم أزل هُنَالك إلى أَن رَجَعَ الطغاة جِهَة بِلَادهمْ فَدخلت بيتى فَعَادَت إِلَى أمتى نرجس وَلَقِيت زَوْجَتي وأولادي مِنْهَا وصعدت حِينَئِذٍ القلعة
فَوجدت أَكثر كتبي فأخذتها وَرجعت وَقد اجْتهد المترجم لَهُ فى الحَدِيث اجْتِهَاد كَبِيرا وَسمع العالي والنازل وَقَرَأَ البخاري أَكثر من سِتِّينَ مرة وَمُسلمًا نَحْو الْعشْرين واشتغل بالتصنيف فَكتب تَعْلِيقا لطيفاً على سنَن ابْن مَاجَه وشرحّا مُخْتَصرا على البخاري سَمَّاهُ التلقيح لفهم قَارِئ الصَّحِيح وَهُوَ في أَرْبَعَة مجلدات والمقتضى فِي ضبط الفاظ الشفا فى مُجَلد وَنور النبراس على سيرة ابْن سيد النَّاس فِي مجلدين والتيسير على ألفية العراقي وَشَرحهَا مَعَ زِيَادَة أَبْيَات فى الأَصْل غير مُسْتَغْنى عَنْهَا وَنِهَايَة السؤل في رُوَاة السِّتَّة الْأُصُول في مُجَلد ضخم والكشف الحثيث عَمَّن رمى بِوَضْع الحَدِيث في مُجَلد لطيف والتبيين لأسماء المدلسين فِي كراستين وَتَذْكِرَة الطَّالِب الْمعلم فِيمَن يُقَال انه مخضرم كَذَلِك والاعتباط فِيمَن رمي بالاختلاط قَالَ السخاوي وَكَانَ إماماً عَلامَة حَافِظًا خيراً ديّناً ورعاً متواضعاً وافر الْعقل حسن الْأَخْلَاق متخلقا بجميل الصِّفَات جميل الْعشْرَة محبا للْحَدِيث وَأَهله كثير النصح والمحبة لأَصْحَابه سَاكِنا منجمعاً عَن النَّاس متعففاً عَن التَّرَدُّد إلى بني الدُّنْيَا قانعاً باليسير طارحاً للتكلف رَأْسا في الْعِبَادَة والزهد والورع مديم الصيام وَالْقِيَام سهلاً في التحدث كثير الانصاف والبشر لمن يَقْصِدهُ للأخذ عَنهُ خُصُوصا الغرباء مواظباً على الِاشْتِغَال والإشغال والإقبال على الْقِرَاءَة بِنَفسِهِ حَافِظًا لكتاب الله كثير التِّلَاوَة لَهُ صبوراً على الإسماع رُبمَا أسمع الْيَوْم الْكَامِل من غير ملل وَلَا ضجر عرض عَلَيْهِ قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِبَلَدِهِ فَامْتنعَ وأصرّ على الِامْتِنَاع فَصَارَ بعد ذَلِك كل وَاحِد من قاضيها الشافعي والحنفي من تلامذته وَاتفقَ أَنه في بعض الْأَوْقَات حوصرت
حلب فَرَأى بعض أَهلهَا في الْمَنَام السراج البلقيني فَقَالَ لَهُ لَيْسَ على أهل حلب بَأْس وَلَكِن رح إلى خَادِم السنّة إبراهيم الْمُحدث وَقل لَهُ يقْرَأ عُمْدَة الْأَحْكَام ليفرج عَن الْمُسلمين فَاسْتَيْقَظَ فَاعْلَم الشَّيْخ فبادر إلى قرَاءَتهَا في جمع من طلبة الْعلم وَغَيرهم يَوْم الْجُمُعَة بكرَة النَّهَار ودعا للْمُسلمين بالفرح فاتفق أَنه في آخر ذَلِك النَّهَار نصر الله أهل حلب وَقد حدث بالكثير وَأخذ عَنهُ الْأَئِمَّة طبقَة بعد طبقَة وَألْحق الأصاغر بالأكابر وَصَارَ شيخ الحَدِيث بالبلاد الحلبية بلامدافع وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ من الأكابر ابْن خطيب الناصرية والحافظ ابْن حجر وامتحنه فَأدْخل عَلَيْهِ شَيخا في حَدِيث مسلسل رام بذلك اختباره هَل يفْطن أم لَا فَتنبه الْبُرْهَان لذَلِك وَقَالَ لبَعض خواصه إن هَذَا الرجل يعْنى ابْن حجر لم يلقني إِلَّا وَقد صرت نصف رجل إِشَارَة إِلَى أَنه قد كَانَ عرض لَهُ قبل ذَلِك الفالج وأنسي كل شئ حَتَّى الْفَاتِحَة ثمَّ عوفي وَصَارَ يتراجع إليه حفظه كالطفل شَيْئا فَشَيْئًا وَلما دخل التقي الحصني حلب بلغني أَنه لم يتَوَجَّه لزيارته لكَونه كَانَ يُنكر على لابسي الأثواب النفيسة وعَلى المتقشفين فَمَا وسع المترجم لَهُ إِلَّا المجئ إليه فَوَجَدَهُ نَائِما بِالْمَدْرَسَةِ الشرفية فَجَلَسَ حَتَّى انتبه ثمَّ سلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ لَعَلَّك التقي الحصني ثمَّ سَأَلَهُ عَن شُيُوخه فسماهم فَقَالَ لَهُ إِن شيوخك الَّذين سميتهم عبيد ابْن تَيْمِية أَو عبيد من أَخذ عَنهُ فَمَا بالك تحط أَنْت عَلَيْهِ فَمَا وسع التقي إِلَّا أَن أَخذ نَعله وَانْصَرف وَلم يَجْسُر يرد عَلَيْهِ وَلم يزل على جلالته وعلو مَكَانَهُ حَتَّى مَاتَ مطعوناً في يَوْم الاثنين سادس عشر شَوَّال سنة 841 إحدى وَأَرْبَعين وثمان مائَة وَهُوَ يَتْلُو وَلم يغب لَهُ عقل وَدفن بالجبيل عِنْد أَقَاربه
(17)
إبراهيم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى الوزيرى
الْعَلامَة الْكَبِير مُصَنف الْهِدَايَة والفصول اللؤلؤية ولد تَقْرِيبًا سنة 860 سِتِّينَ وثمان مائَة وَقَرَأَ بِصَنْعَاء وصعدة على جمَاعَة من الشُّيُوخ في الْأُصُول والعربية وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَسَائِر الْفُنُون وَمن مشايخه السَّيِّد علي بن مُحَمَّد بن المرتضى وَالسَّيِّد عبد الله بن يحيى بن المهدي والإمام المتَوَكل على الله المطهر بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان والقاضى على بن مُوسَى الدوَّاري والغزولي المصري الْوَاصِل إلى الْيمن وَغير هَؤُلَاءِ وبرع في جَمِيع الْفُنُون وَصَارَ الْمرجع في عصره والمشار إليه بالفضيلة وَله مصنفات أشهرها وأجلّها مَا تقدم وَله نظم رائق فَمِنْهُ
قَوْله
(وإني وحبِّي للنبي وَآله
…
وَمَا اشْتَمَلت مني عَلَيْهِ ضلوع)
(وَأَن أفلت مِنْهُم شموس طوالع
…
يكون لَهَا بعد الأفول طُلُوع)
وَقد تَرْجمهُ السّخاوي في الضَّوْء اللامع فَلم يزدْ على أن قَالَ السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد بن عبد الله الصّنعاني الآتي أَبوهُ وَابْنه علي كهل فَاضل من أدباء صنعاء الْمَوْجُودين بهَا بعد السّبْعين وثمان مائَة أنشدني وَلَده الْمشَار إليه عَنهُ من قَوْله في أَبْيَات
(وَلَا صدعنى ماجد ذُو حفيظة
…
وَلَا هجرتني زَيْنَب وسعاد)
(وَلَكِن شعري مِثْلَمَا قَالَ شَاعِر
…
حَكِيم زُهَيْر دونه وَزِيَاد)
(إِذا أنكرتني بَلْدَة أَو نكرتها
…
خرجت مَعَ البازي عليّ سَواد)
(أَبَت لي نفس حرَّة أَن أهينها
…
وَقد شرفتها طيبَة ومعاد)
(فَلَيْسَتْ على خسف تقيم ببلدة
…
وَلَا بزمام الاحتقار تقاد)
انْتهى ماذكره السخاوي وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَقد وهم في قَوْله وَلَده علي فَلَيْسَ لَهُ ولد اسْمه علي بل أَوْلَاده هم احْمَد وَمُحَمّد والهادي شيخ الْأَمَام