الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد مَوته فَقَالَ لَهُ مافعل الله بك فَقَالَ وَالله لقد أَعْطَانَا الْملك من قبل أَن نرد عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ماهو الْملك الَّذِي أَعْطَاك إِيَّاه قَالَ الْجنَّة ثمَّ قَالَ وَجَاء جمَاعَة بَعدنَا لَيْسَ لَهُم فِيهَا وَقت وَلَا مَكَان
(119)
جلال بن أَحْمد بن يُوسُف التبريزي الْمَعْرُوف بالتبّاني
بمثناة ثمَّ مُوَحدَة ثَقيلَة نِسْبَة إِلَى التبّانة ظَاهر الْقَاهِرَة قدم الْقَاهِرَة قبل سنة 750 وَأخذ عَن جمَاعَة من أَهلهَا في فنون عديدة وبرع في الْجَمِيع مَعَ الدَّين وَالْخَيْر وصنّف عدَّة تصانيف مِنْهَا الْمَنْظُومَة في الْفِقْه وَشَرحهَا في أَربع مجلدات وَشرح الْمَشَارِق والمنار وَالتَّلْخِيص وَاخْتصرَ شرج مغلطاي على البخاري وَله مُصَنف في منع تعدد الْجمع وَآخر في أَن الإيمان يزِيد وَنقص وَكَانَ محباً للْحَدِيث حسن الِاعْتِقَاد شَدِيدا على الاتحادية والمبتدعة وانتهت إليه رياسة الحنيفة وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء غير مرة فأصرّ على الِامْتِنَاع وَقَالَ هَذَا امْر يحْتَاج إلى دراية وَمَعْرِفَة اصْطِلَاح وَلَا يكفي فِيهِ مُجَرّد الاتساع في الْعلم وَمَات فِي ثَالِث رَجَب سنة 793 ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ عَن بضع وَسِتِّينَ سنة
حرف الْحَاء الْمُهْملَة
(120)
حاجي بن الْأَشْرَف شعْبَان بن حُسَيْن بن النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاون
اسْتَقر في السلطنة بعد أَخِيه الْمَنْصُور علي بن الأشرف وَهُوَ ابْن زِيَادَة على عشر سِنِين ولقب بالصالح ثمَّ عزل بعد سنة وَنصف بأتابكه الظَّاهِر برقوق الْمُتَقَدّم ذكره فِي شهر رَمَضَان سنة 784 وَأمره بالاقامة
فى دَاره قلعة الْجَبَل جَريا على عَادَة بني الْمُلُوك فاستمر إلى أَن خلع برقوق وسجن بقلعة الكرك فاعيد ثَانِيًا الى السلطنة ولقب بالمنصور فَأَقَامَ دوره تِسْعَة أشهر وَعَاد برقوق إلى السلطنة وخلعه فِي صفر سنة 792 وَاسْتمرّ الْمَنْصُور ملازماً لداره إلى أَن مَاتَ فِي تسع عشرَة شَوَّال سنة 814 أَربع عشرَة وثمان مائَة بعد أَن تعطلت حَرَكَة يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ مُنْذُ سِنِين وَدفن بتربة جدته قَالَ العيني كَانَ شَدِيد الْبَأْس على جواريه لسوء خلقه لغَلَبَة السَّوْدَاء عَلَيْهِ وَكَانَ مشتغلاً باللهو وَالسكر وَقد جَاوز الأربعين من عمره
(121)
حاجي بن مُحَمَّد بن قلاون الْملك المظفر سيف الدَّين بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور
ولد سنة 732 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فَلَمَّا كَانَ في آخر سلطنة أَخِيه الْكَامِل شعْبَان قبض عَلَيْهِ وسجنه هُوَ وَأَخُوهُ حُسَيْن وَالِد الأشرف شعْبَان وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الاولى سنة 747 فاتفق أَن دولته زَالَت بِقِيَام الْأُمَرَاء عَلَيْهِ فى يَوْم الِاثْنَيْنِ أول جُمَادَى الْآخِرَة من تِلْكَ السنة فَأمْسك وسجن حَيْثُ كَانَ حاجي وَنقل حاجي إلى تخت السلطنة فمدوا لَهُ السماط الَّذِي أعد للكامل وأدخلو للكامل السماط الَّذِي أعد لحاجي وأحيط بِمَال الْكَامِل وخواصه وصودروا وَاتفقَ رخص الأسعار أول ماولى المظفر ففرح النَّاس بِهِ لكنه أقبل على اللَّهْو والشغف بِالنسَاء حَتَّى وصلت قيمَة حظيته الْمُسَمَّاة إنفاق مائَة ألف دِينَار وَصَارَ يحضر الأوباش يَلْعَبُونَ بالمصارعة بَين يَدَيْهِ وَكَانَ جُلُوسه على التخت فِي مستهل جُمَادَى الْآخِرَة سنة 747 فبقى سنة وَأَرْبَعَة أشهر وخلع فى ثانى عشر شهر رَمَضَان
سنة 748 وكاقد قتل جمَاعَة من أكَابِر الْأُمَرَاء فنفرت عَنهُ الْقُلُوب واستوحش مِنْهُ بَقِيَّة الأمراء وَكَانَ كثير اللعب بالحمام فلامه على ذَلِك بعض أكَابِر أمرائه فَقَالَ لَهُ اذْبَحْهَا فذبح الْأَمِير مِنْهَا طيرين فطار عقل السُّلْطَان وَقَالَ لخواصه إذا دخل إِلَى فبضعوه بِالسُّيُوفِ فَبَلغهُ ذَلِك فَأخذ حذره مِنْهُ ثمَّ اجْتمع الْأُمَرَاء إِلَى قبَّة النَّصْر فَبلغ ذَلِك المظفر فَخرج فى من بقي مَعَه فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ حمل عَلَيْهِ أميران طعنه أَحدهمَا وضربه الآخر فقتلاه ثمَّ قرروا أَخَاهُ النَّاصِر حسن في السلطنة
(122)
حَامِد بن حسن شَاكر الصنعاني
نَشأ بِصَنْعَاء وَأخذ عَن جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء كالسيّد الْعَلامَة صَلَاح بن الْحُسَيْن الأحفش وَالسَّيِّد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى الشامي وَالسَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشامي وَغَيرهم وأكبّ على علم الحَدِيث غَايَة الإكباب حَتَّى فاق فِيهِ وشارك في سَائِر الْفُنُون مُشَاركَة قَوِيَّة وانتفع بِهِ النَّاس في الْوَعْظ وَكَانَ لَهُ في الْجَامِع حَلقَة كَبِيرَة يحْضرُون عَلَيْهِ لسَمَاع وعظه ولوعظه وَقع فِي الْقُلُوب لما هُوَ عَلَيْهِ من الزّهْد والتقشف وَعدم الِاشْتِغَال بالدنيا وَقد أخبرني جمَاعَة مِمَّن أَخذ عَنهُ أَنه كَانَ فَقِيرا قانعاً يلبس الثِّيَاب الخشنة ويباشر شِرَاء حاجاته بِنَفسِهِ ويتواضع في جَمِيع أُمُوره وَكتبه مضبوطة غَايَة الضَّبْط وَلَا يضْبط إِلَّا عَن بَصِيرَة حَتَّى صَارَت مرجعاً بعد مَوته وَله مؤلفات دَالَّة على سَعَة حفظه للْحَدِيث واتقانه لهَذَا الْعلم رَأَيْت مِنْهَا الا نموذج اللَّطِيف في حَدِيث امْر معَاذ بِالتَّخْفِيفِ وَله شرح لعدة الحص الْحصين لَيْسَ على نمط الشُّرُوح بل يكْتب أَحَادِيث وَلَا يشْتَغل بالْكلَام على أَحَادِيث الْعدة لاتخريجا وَلَا تَفْسِيرا وقفت عَلَيْهِ بعد شرحي
للعدة وَجمع حَاشِيَة على ضوء النَّهَار للعلاّمة الْجلَال وَصَارَ تَارَة يرجح مَا فِي ضوء النَّهَار وَتارَة يرجح مافي حَاشِيَته منحة الْغفار للعلاّمة السَّيِّد مُحَمَّد الْأَمِير وَلكنه لَيْسَ بمتقن لعلم الأصول وَسَائِر الْعُلُوم الَّتِى يحْتَاج اليها من حرر الْمسَائِل وأما بِالنِّسْبَةِ إلى مَا يرجع إلى متون الأحاديث وَالْكَلَام على أسانيدها فَهُوَ قَلِيل النظير وَقد أَكثر من التعقبات في تِلْكَ الْحَاشِيَة لما فِي حَاشِيَة الْأَمِير وَله رسائل ومسائل مَاتَ رحمه الله فَجْأَة فِي بضع وَسبعين بعد الْمِائَة والألف وَسمعت من يرْوى عَن السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسمعيل الْأَمِير أَنه قَالَ لمابلغه أَن صَاحب التَّرْجَمَة بِجمع حَاشِيَة على الْكَشَّاف إن على الْكَشَّاف حَاشِيَة السعد وحاشية صَاحب التَّرْجَمَة ينبغي أَن يُقَال لَهَا حَاشِيَة الشقب والشقب فِي لِسَان أهل الْيمن عبارَة عَن مُقَابل السعد وَهُوَ النحس وَكَانَ السَّيِّد الْمَذْكُور يتحامل عَلَيْهِ لما بلغه أَنه يتعقّب حَاشِيَته الْمُتَقَدّم ذكرهَا روى لي ذَلِك من عرف الرجلَيْن رحمهمَا الله تَعَالَى وإيانا
(123)
الْحسن بن أَحْمد بن صَلَاح اليوسفي الجمالى اليمانى الْمَعْرُوف بالحيمى
أحد أَعْيَان دولة الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه بن الْقَاسِم وأخيه الإمام المتَوَكل على الله وَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء وأفاضل الأدباء وَكَانَ يقوم بالامور الْعَظِيمَة الْمُتَعَلّقَة بالدولة ثمَّ يشْتَغل بِالْعلمِ درساً وتدريساً وَكَانَ يوجهه الإمام المتَوَكل على الله في الْمُهِمَّات لفصاحته ورجاحة عقله وَقُوَّة تَدْبيره فَمن جملَة مَا بَعثه إِلَيْهِ من الْمُهِمَّات إرساله إِلَى حَضرمَوْت لما وَقع الِاخْتِلَاف بَين السلاطين آل كثير فَقَامَ بِالْأَمر أتمّ قيام وصلحت الْأُمُور بحميد رَأْيه وَجَمِيل عنايته
وَوَجهه أَيْضا إِلَى سُلْطَان الْحَبَشَة لما وصلت اليه مِنْهُ كتب تَتَضَمَّن وغوبه في الإسلام وَيطْلب وُصُول جمَاعَة من آل الإمام إليه ليسلم على أَيْديهم فَتوجه في نَحْو خمسين رجلا وَركب من بندر المخاثم توجّه من هُنَالك ولاقى مشاقاً عَظِيمَة وَاسْتمرّ في الطَّرِيق سفراً وإقامة نَحْو تِسْعَة أشهر فوصل إِلَى سُلْطَان الْحَبَشَة في يَوْم عيد لِلنَّصَارَى فَدخل على السُّلْطَان لابساً شعار الإسلام من الثِّيَاب الْبيض وَكَانَ السُّلْطَان غير مربد لما أظهره في كتبه من الرغوب في الإسلام بل مُعظم قَصده المراسلة كَمَا يَفْعَله الْمُلُوك وَأَنه يُرِيد إصْلَاح الطَّرِيق فَلَمَّا اسْتَقر صَاحب التَّرْجَمَة في مَدِينَة السُّلْطَان أَضَافَهُ وَأكْرم أَصْحَابه وَأَرَادَ أَن يخلع عَلَيْهِ خلعة حَرِير خَالص وسوارين من الذَّهَب فَقَالَ لَهُ هَذَا لَا يحل في شريعتنا وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة في تِلْكَ الْبِلَاد صولة عَظِيمَة حَتَّى كَانَ أَصْحَابه يبطشون بالنصارى إِذا تعرضوا لَهُم ويضربونهم وشاع عِنْد الْحَبَشَة أَن الْعَرَب الَّذين هم أَصْحَاب المترجم لَهُ يَأْكُلُون النَّاس فزادت مهابتهم فِي صُدُورهمْ وَكَانَ أعظم معِين لَهُم على ذَلِك البنادق فإنه لَا يعرفهَا أهل الْحَبَشَة إِذْ ذَاك ولولاهى مَا قدرُوا على مُرُور الطَّرِيق فإنهم كَانُوا ينصبون عَلَيْهِم كالجراد فيرمونهم بالبنادق فيقتلون مِنْهُم وينهزمون ويفزعون لأصواتها وتأثيرها ثمَّ لما أيس صَاحب التَّرْجَمَة من إسلام السُّلْطَان طَالبه بالإذن لَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى ديار الْإِسْلَام فتثاقل عَنهُ ثمَّ بعد حِين أذن لَهُ وَكَانَ لايصحى من شرب الْخمر فعين لَهُ وقتاً يصل اليه للوداغ وَترك شرب الْخمر في ذَلِك الْيَوْم وَجمع وزراءه وأمراءه وأعيان دولته فَأمر صَاحب التَّرْجَمَة أَصْحَابه أَن يرموا بالبنادق عِنْد وصولهم إلى بَاب السُّلْطَان كَمَا يَفْعَله أهل الْيمن ويسمون ذَلِك تعشيرة
فَلَمَّا سمع السُّلْطَان أصوات البنادق هرب من أيوانه وهرب الوزراء وَسَائِر أَصْحَاب السُّلْطَان فَدخل صَاحب التَّرْجَمَة الدَّار ثمَّ بعد ذَلِك عَاد السُّلْطَان إلى مَكَانَهُ وَأخذ في أهبة تَوْجِيهه إلى بِلَاد الإسلام وَكَانَ جملَة بَقَائِهِ لَدَيْهِ ثَلَاث سِنِين وَرجع إلى حَضْرَة الإمام سالماً وَهَذِه الرحلة مُشْتَمِلَة على عجائب وغرئب قد جمعهَا صَاحب التَّرْجَمَة في كراريس هي بأيدي النَّاس وَمن شعره أَيَّام إقامته بِالْحَبَشَةِ هَذِه الأبيات
(على كلّ سعي في الصلاح ثَوَاب
…
وكلّ اجْتِهَاد فِي الرشاد صَوَاب)
(وَلَيْسَ على الإنسان إدراك غَايَة
…
وَدون مداها للعيون حجاب)
(وَلَو علم الساعون غَايَة أَمرهم
…
لما كَانَ شخص بالشرور يصاب)
(فَقل لأمير الْمُؤمنِينَ لقد دَعَا
…
وَحقّ لَهُ بعد الدُّعَاء يُجَاب)
(وَلَكِن دَعَا قوماً يظنون أَنهم
…
رموا غَرضا في دينهم فَأَصَابُوا)
وهي أَبْيَات طَوِيلَة جَيِّدَة وَله أشعار أَيَّام إقامته هُنَالك وشعره جيد مَاتَ في شهر ذي الْحجَّة سنة 1070 سبعين وَألف
(124)
السَّيِّد الْحسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن علي بن صَلَاح بن أَحْمد بن الهادي بن الْجلَال
ابْن صَلَاح بن مُحَمَّد بن الْحسن بن المهدي بن علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى النَّاصِر بن الْحسن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمُخْتَار لدين الله الْقَاسِم بن النَّاصِر ابْن الهادي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن ابراهيم بن اسمعيل بن ابراهيم
ابْن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب رضي الله عنهم الْمَعْرُوف بالجلال الْعَلامَة الْكَبِير ولد فِي شهر رَجَب سنة 1014 أَربع عشرَة وألف بِهِجْرَة رغافة بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا مُعْجمَة وَبعد الألف فَاء قَرْيَة مَا بَين الْحجاز وصعده ونشأبها ثمَّ رَحل إلى صعدة وَأخذ عَن علمائها ثمَّ رَحل إلى شهارة وَأخذ عَن أَهلهَا ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء وَأخذ عَن أكَابِر علمائها وَمَا حواليها من الْجِهَات وَمن جملَة مشايخه القاضي عبد الرَّحْمَن الحيمي والعلاّمة الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد والعلاّمة مُحَمَّد عز الدَّين الْمُفْتى وَسَائِر أَعْيَان الْقرن الحادي عشر وبرع في جَمِيع الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وصنف التصانيف الجليلة فَمِنْهَا ضوء النَّهَار جعله شرحاً للأزهار للإمام المهدي وحرر اجتهاداته على مُقْتَضى الدَّلِيل وَلم يعبأ بِمن يُوَافقهُ من الْعلمَاء أَو خِلَافه وَهُوَ شرح لم تشرح الأزهار بِمثلِهِ بل لَا نَظِير لَهُ فِي الْكتب الْمُدَوَّنَة فِي الْفِقْه وَفِيه مَا هُوَ مَقْبُول وَمَا هُوَ غير مَقْبُول وَهَذَا شَأْن الْبشر وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك إِلَّا الْمَعْصُوم وَمَا أَظن سَبَب كَثْرَة الْوَهم فِي ذَلِك الْكتاب إِلَّا أَن هَذَا السَّيِّد كالبحر الزخار وذهنه كشعلة نَار فيبادر إلى تَحْرِيم مَا يظْهر لَهُ واثقاً بِكَثْرَة علمه وسعة دائرته وَقُوَّة ذهنه وَلَا أَقُول كَمَا قَالَ السَّيِّد الْعَلامَة صرح بن الْحُسَيْن الاخفش فِي وَصفه لبَعض مصنفات صَاحب التَّرْجَمَة إنه عِظَام لالحم عَلَيْهَا بل أَقُول هُوَ بَحر عجاج متلاطم الامواج وَله فى أصُول الدَّين شرح الْفُصُول وَشرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى وفى الْمنطق شرح التَّهْذِيب وَفِي أصُول الدَّين عِصَام المتورعين وَغير ذَلِك من المؤلفات في غَالب الْفُنُون وَله حَاشِيَة كمّل بهَا حَاشِيَة السعد على الْكَشَّاف وحاشية على شرح القلائد
ومجموعات مفيدة ورسائل عديدة وَله القصيدة الَّتِى سَمَّاهَا فيض الشعاع أَولهَا
(الدَّين دين مُحَمَّد وصحابه
…
ياهائما بقياسه وَكتابه)
وَشَرحهَا شرحاً نفيساً فِيهِ فَوَائِد جمة ولي كثير من المناقشات في ترجيحاته الَّتِى يحررها في مؤلفاته وَلَكِن مَعَ اعترافي بعظيم قدره وَطول بَاعه وتبريزه فِي جَمِيع أَنْوَاع المعارف وَكَانَ لَهُ مَعَ أبناء دهره قلاقل وزلازل كَمَا جرت بِهِ عَادَة أهل الْقطر الْيُمْنَى من وضع جَانب أكَابِر عُلَمَائهمْ المؤثرين لنصوص الْأَدِلَّة على أَقْوَال الرِّجَال وَقد كَانَ الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الْقَاسِم الْمُتَقَدّم ذكره يجلّه غَايَة الإجلال وَلَا يعرف أهل الْفضل إِلَّا أَهله واستوطن الجراف وَمَات فِيهِ وقبره هُنَالك وَكَانَ مَوته لَيْلَة الأحد لثمان بَقينَ من ربيع الآخر سنة 1084 أَربع وَثَمَانِينَ وألف وَكَانَ جيد النظم وَمَا أحسن قَوْله فِي القصيدة الَّتِى تقدمت الإشارة إليها مُخَاطبا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم
(وَقل ابْنك الْحسن الْجلَال مباين
…
من قد غلا فِي الدَّين من تلعابه)
(لَا عَاجِزا عَن مثل أَقْوَال الورى
…
أَو هائباً من علمهمْ لصعابه)
(فالمشكلات شَوَاهِد لي أنني
…
أشرقت كل مُحَقّق بلعابه)
(لَوْلَا محبَّة قدوتي بِمُحَمد
…
زاحمت رسطاليس في أبوابه)
وَمِنْه
(وشادن يغرق أهل الْهوى
…
فِي حسنه فابك على وارده)
(مذ لَاحَ في الخد أَخُو أمّه
…
عَايَنت تَصْحِيف أخي وَالِده)
وَله مضمناً مَعَ حسن التَّصَرُّف
(رفعت عمامتي فرأت
…
برأسي شيباً اشتعلا)
(فَعَادَت بعد تنكرني
…
فَقلت لَهَا أَنا ابْن جلا)
(125)
السَّيِّد الْحسن بن أسحق بن المهدي أَحْمد بن الْحسن ابْن الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد
ولد سنة 1093 ثَلَاث وَتِسْعين وألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ على السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسمعيل الأمير وَغَيره وفَاق في غَالب الْعُلُوم وصنّف تصانيف مِنْهَا منظومة الْهَدْي النَّبَوِيّ لِابْنِ الْقيم ثمَّ شرحها شرحاً نفيساً وَمِنْهَا رسائل نفيسة فى عُلُوم عدَّة وَكَانَ أحد الرؤسا مَعَ أَخِيه السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن اسحق الآتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ اعتقله الإمام الْمَنْصُور الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وَكَانَ قد اعتقله الإمام المتَوَكل على الله الْقَاسِم ابْن حُسَيْن وَله أشعار فائقة مِنْهَا وَهُوَ بالسجن
(وعدت أَسِير الوجد ظَبْيَة حاجر
…
بالطيف يطْرق في الظلام محاجري)
وهي أَبْيَات جَيِّدَة وَله قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا
(ياصاحبى مالنسيم نجدي
…
قد عطّرت سوحي بعرف الند)
مدح بهَا شَيْخه الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن اسمعيل الأمير وَله شعر كثير سَائِر مَجْمُوع عِنْد أَهله وكل أهل هَذَا الْبَيْت الشريف عُلَمَاء شعراء لَا يَخْلُو عَن ذَلِك إلا النَّادِر وَصَاحب التَّرْجَمَة من أكابرهم وأفاضلهم الجامعين بَين الْعلم والأدب والرياسة وَمَكَارِم الأخلاق وَجَمِيع صِفَات الْكَمَال وَمَات في سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وألف
126 -
حسن بن أَحْمد بن يُوسُف الرباعي الصنعاني
ولد تَقْرِيبًا على رَأس الْقرن الثَّانِي عشر وَقَرَأَ على جمَاعَة من شُيُوخ
الْعَصْر كالسيد الْعَلامَة الْحسن بن يحيى الكبسي والقاضي الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد السودي وَغَيرهمَا واستفاد فى جَمِيع الْعُلُوم الآلية وفي علم السنة المطهّرة وَله فهم صَادِق وَإِدْرَاك قوي وتصور صَحِيح وإنصاف وَعمل بِمَا تَقْتَضِيه الأدلة وَله قِرَاءَة على فى علم الْمعَانى وَالْبَيَان وفي علم التَّفْسِير وفي الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن وفي مؤلفاتي وَهُوَ الْآن من أَعْيَان أهل الْعرْفَان ومحاس حَملَة الْعلم بِمَدِينَة صنعاء وَقد تقدمت تَرْجَمَة وَالِده
127 -
الْحسن بن اسمعيل بن الْحسن بن مُحَمَّد المغربي
نِسْبَة إلى مغارب صنعاء ثمَّ الصنعاني حفيد شَارِح بُلُوغ المرام الآتي ذكره هُوَ شيخ شُيُوخ الْعَصْر ولد بعد سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء كسلفه وَقَرَأَ على جمَاعَة من أعيان عُلَمَاء صنعاء مِنْهُم الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال والعلامة محسن بن اسمعيل الشامي وَغير وَاحِد في عدَّة فنون كالنحو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وانتفع بِهِ الطّلبَة في جَمِيع هَذِه الْفُنُون وَأخذ عَنهُ أَعْيَان الْعلمَاء وتخرجوا بِهِ وصاروا مبرزين فى حيوته وَكَانَ رحمه الله زاهداً ورعاً عفيفاً متواضعاً متقشفاً لَا يعد نَفسه فِي الْعلمَاء وَلَا يرى لَهُ حَقًا على تلامذته فضلاً عَن غَيرهم وَلَا يتصنّع في ملبوس بل يقْتَصر على عِمَامَة صَغِيرَة وقميص وَسَرَاويل وثوب يَضَعهُ على جَنْبَيْهِ وَتارَة يَجْعَل إزاراً مَكَان الثَّوْب
وَيقْضى حَاجته من الأسواق بِنَفسِهِ ويباشر دقيقها وجليلها وَيحمل على ظَهره مَا يحْتَاج الى الْحمل مِنْهَا ويقود دَابَّته ويسقيها بِنَفسِهِ وَلَا يتصدر لما يتصدر لَهُ من هُوَ مَعْدُود من صغَار تلامذته من تَحْرِير الْفَتَاوَى ومماراة أهل الْعلم بل جلّ مَقْصُوده الِاشْتِغَال بِخَاصَّة نَفسه وَنشر الْعلم بإلقائه إلى أَهله وَالْقِيَام بِمَا لَا بُد مِنْهُ من المعيشة يكْتَفى بِمَا يحصل لَهُ من مستغلاته الَّتِى ورثهَا عَن سلفه الصَّالح مَعَ حقارتها وخطب للْقَضَاء في أَيَّام شبابه فَلم يساعد بل صمم على الِامْتِنَاع بعد أن رغبّه شَيْخه أَحْمد بن صَالح الْمُتَقَدّم ذكره وَالْحَاصِل أَنه من الْعلمَاء الَّذين اذا رَأَيْتهمْ ذكرت الله عز وجل وكل شؤونه جَارِيَة على نمط السلف الصَّالح وَكَانَ إذا سَأَلَهُ سَائل أَحَالهُ في الْجَواب على أحد تلامذته واذا أشكل عَلَيْهِ شئ في الدَّرْس اَوْ فِيمَا يتَعَلَّق بِالْعَمَلِ سَأَلَ عَنهُ غير مبال سَوَاء كَانَ الْمَسْئُول عَنهُ خفِيا أَو جلياً لأنه جبل على التَّوَاضُع وَمَعَ هَذَا ففي تلامذته القاعدين بَين يَدَيْهِ نَحْو عشرَة مجتهدين وَالْبَعْض مِنْهُم يصنّف في أَنْوَاع الْعُلُوم إذ ذَاك وَهُوَ لَا يزْدَاد الا تواضعا قَرَأت عَلَيْهِ رحمه الله في المطوّل وحواشيه والعضد وحواشيه من أَولهمَا إلى آخرهما والكشاف وَبَعض حَوَاشِيه من أَوله إلى آخِره إلا فوتاً يَسِيرا وَبَعض الرسَالَة الشمسية وَشَرحهَا للقطب وحاشيتها للشريف وَبَعض تَنْقِيح الأنظار في عُلُوم الحَدِيث وقطعة من صَحِيح مُسلم وقطعة من شَرحه للنووي وَجَمِيع سنَن أَبى دَاوُد ومختصر المنذري عَلَيْهَا وَبَعض شرح ابْن رسْلَان والخطابي لَهَا وَشرح بُلُوغ المرام لجده إِلَّا قَلِيلا من أَوَائِله وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل لَا يزْدَاد إِلَّا تواضعا وتصاغرا وتحقيرا لنَفسِهِ وَهَكَذَا فليصنع من أَرَادَ الْوُصُول إِلَى ثَمَرَة الْعلم وَالْبُلُوغ إِلَى فَائِدَته
الأخروية وَكَانَ رحمه الله يقبل علي إقبالاً زَائِدا ويعينني على الطلب بكتبه وَهُوَ من جملَة من أرشدني إِلَى شرح الْمُنْتَقى وشرعت في حَيَاته بل شرحت أَكْثَره وأتممته بعد مَوته وَكَانَ كثيراً مَا يتحدث في غيبتي أَنه يخْشَى عليّ من عوارض الْعلم الْمُوجبَة للاشتغال عَنهُ فَمَا أصدق حدسه وأوقع فراسته فَأنى ابْتليت بِالْقضَاءِ بعد مَوته بِدُونِ سنة وانتقلت روحه الطاهرة إِلَى جوَار الله فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث وَعشْرين ذي الْحجَّة سنة 1208 ثَمَان وَمِائَتَيْنِ وَألف ورثيته بقصيدة أَولهَا
(كَذَا فَلْيَكُن رزء الْعلَا والعوالم
…
وَمن مثل ذَا ينهدّ ركن المعالم)
وريثته أَيْضا بِأَبْيَات أُخْرَى أَولهَا
(جفن المعارف من فراقك سافح
…
والعذب مِنْهَا بعد بعْدك مالح)
127 -
السَّيِّد الْحسن بن الْحُسَيْن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد
الصنعاني المولد والوفاة وَالدَّار الْعَلامَة المبرّز في عدَّة فنون لَا سِيمَا علم الْمَعْقُول فَهُوَ فِيهِ فريد عصره وَله تصانيف في الْمنطق جعله حَاشِيَة على شرح الْعَلامَة الْجلَال في التَّهْذِيب وتلامذته جمَاعَة نبلاء كَانُوا يقصدونه للْقِرَاءَة عَلَيْهِ إِلَى منزله وَله أشعار حسان مِنْهَا القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
لجمال ذاتك في الْوُجُود تطلعي
…
ولنيل وصلك في الْحَيَاة تطمعي)
(ولوجهك الزاهي بِحسن جماله
…
حجّي وتطوافي بِذَاكَ المربع) وَله يَد في علم التصوف قَوِيَّة وَكَذَلِكَ فى علم الأسماء وَقد أثنى عَلَيْهِ صَاحب نسمَة السحر وَذكر لَهُ مؤلفات وَقَالَ أنه كتب لَهُ بخطه أَنه ولد بضوران سنة 1044 أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَذكر لَهُ شعراً كتبه إليه مطلعه
(ترنم حادى الشوق فَهُوَ مزمزم
…
فرعياً لحاد بالهوى يترنّم)
وَذكر مَا يدل على أَن صَاحب التَّرْجَمَة وقف على نسمَة السحر وقرضها وَقد بلغ عمره ثَمَانِينَ سنة وَلم يذكر وَفَاته
128 -
السَّيِّد الْحسن بن زيد بن الْحُسَيْن الشامي
قَرَأَ بِصَنْعَاء على أَعْيَان علمائها كالسيد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى الشامي وطبقته وبرع في علم الحَدِيث وشارك فِي غَيره من الْفُنُون مُشَاركَة قَوِيَّة وَنشر الْعلم وأتعب نَفسه في الإرشاد إلى الْحق من الْعَمَل بِالدَّلِيلِ وَأَقْبل عَلَيْهِ الْخَاص وَالْعَام وَأخذُوا عَنهُ وتخلقوا بأخلاقه وَمَشوا على طَرِيقَته وَكَانَ لَا يمل من ذَلِك فِي جَمِيع الأوقات فظهرت بركته وَعم النَّفْع بِهِ فإنه سكن في صنعاء فَصَارَ لَهُ اتِّبَاع لَا يعْملُونَ إلا بالأدلة ثمَّ سكن في هِجْرَة سناع فَصَارَ أَهلهَا جَمِيعًا مشتغلين بِالطَّاعَةِ مواظبين على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَكَذَلِكَ سكن في ذهبان وَصَارَ أَهله كَذَلِك وَله في حسن التَّعْلِيم طَريقَة لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره وَكَانَ مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَعند وزيره أَحْمد بن علي النهمي فنفع بِهِ جمَاعَة من المحاويج وَصَارَ يبْذل جاهه لَهُم فيجلب إليهم خيراً كثيراً وَلَا يَأْخُذ لنَفسِهِ شَيْئا مَعَ كَونه فَقِيرا وَكَانَ هَذَا دأبه طول حَيَاته وَلَا مطمع لَهُ في مُوَاصلَة أَرْبَاب الدولة الا ذَلِك وَله فى الزّهْد والتقشف وَكَثْرَة الْعِبَادَة وظائف لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره مَعَ قِيَامه بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر والترسلات في ذَلِك على الإمام فَمن دونه والإرشاد إلى الرِّفْق بالرعية وَلَقَد كَانَ خيراً كُله وَلم أعرفهُ وَلكنه
أَخْبرنِي باخباره كل من يعرفهُ وَمَا زَالَ مستمراً على ذَلِك حَتَّى مَاتَ في سنة 1196 سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة وَألف فِي جُمَادَى الأولى مِنْهَا
129 -
الْحسن بن علي بن جَابر الهبل اليمانى الشَّاعِر المفلق
الْفَائِق المكثر الْمجِيد ولد سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَله شعر يكَاد يسيل رقة ولطافة وجودة وسبك حسن معاني وغالبه الْجَوْدَة وَله ديوَان شعر مَوْجُود بايدى النَّاس وَمِنْه
(أَتَرَى يسلو الْهوى وَله
…
عِنْد سكان الْحمى وَله)
(مغرم في قلبه حزن
…
فصل الهجران مجمله)
(عظمت أسقامه فغدا
…
لَا يرَاهُ من تَأمله)
(لَو رأى من ظل يعذله
…
وَجه من في الْحبّ أنحله)
(قَالَ أما فِيك لَا حرج
…
إن قضى وجداً يحِق لَهُ)
وَله
(ياقليل الْحِفْظ للذمم
…
أيّ شرع حلّ فِيهِ دمى)
(هَل لمن أتلفت مهجته
…
ياشقيق الرّوح من حكم)
وَله
(لاذقت حرّ صبابتي
…
وكفيت مَا ألْقى بهَا)
(فَالنَّار من أسمائها
…
وَالْمَوْت من ألقابها)
وَله القصيدة الطنانة الَّتِى مطْلعهَا
(لَو كَانَ يعلم أَنَّهَا الأحداق
…
يَوْم النقا مَا خاطر المشتاق)
(جهل الْهوى حَتَّى غَدا في أسره
…
وَالْحب مَا لأ سيره اطلاق)
وَكلهَا غرر لَوْلَا مَا كدرها بِهِ من ثلب الاعراض المصونة أَعْرَاض
خير الْقُرُون وَلما ارْتَفَعت دَرَجَته عِنْد الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن وَكَانَ كالوزير لَهُ قبل الْخلَافَة وتصدى للقعود في دستها توفي في شهر صفر سنة 1079 تسع وَسبعين وَألف فَيكون عمره احدى وَثَلَاثِينَ سنة وَلَو طَال عمر هَذَا الشَّاب الظريف وَلم يشب صافى شعره بذلك المشرب السخيف لَكَانَ أشعر شعراء الْيمن بعد الْألف على الاطلاق وَأَصله من قَرْيَة بنى الهبل وهي هِجْرَة من هجر خولان وَمحله ومحلي وَاحِد لَيْسَ بَينهمَا مَسَافَة بل بَينهمَا من الْقرب بِحَيْثُ يسمع كل وَاحِد مِمَّن فيهمَا كَلَام الآخر وَقد بَالغ صَاحب نسمَة السحر في حَقه فَقَالَ إنه لم يُوجد بِالْيمن اشعر مِنْهُ من أول الإسلام وَهَذَا مَعْلُوم الْبطلَان فَالصَّوَاب مَا قلته سَابِقًا
130 -
الْحسن بن علي بن الْحسن بن علي بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن صَالح بن مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن أَحْمد بن حَنش
وَبَقِيَّة نسبه مَعْرُوفَة فَلهُ سلف صَالح فيهم الْعلمَاء والقضاة والصلحاء وبيتهم مَشْهُور فى الديار اليمنية ولد بشهاره في سنة 1153 ثَلَاث وَخمسين وَمِائَة وَألف ورحل من وَطنه لطلب الْعلم إِلَى مَدِينَة صنعاء فَأخذ عَن جمَاعَة من أعيانها كالسيد الْعَلامَة مُحَمَّد ابْن اسماعيل الْأَمِير فِي الحَدِيث
والقاضى الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن قَرَأَ عَلَيْهِ فى مغنى اللبيب ورسالة الْوَضع للهروى وَغَيرهمَا وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسحاق بن يُوسُف بن المتَوَكل قَرَأَ عَلَيْهِ في المعالجة والقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال في الْعَرَبيَّة والقاضى حسن ابْن مُحَمَّد المغربي في شرح بُلُوغ المرام وَشَيخنَا الْعَلامَة علي بن إبراهيم بن عَامر وَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي غَايَة السؤل وَشَرحهَا وسيرة الشامي وَشَيخنَا الْعَلامَة الْأَكْبَر السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد قرأ عَلَيْهِ فِي جَامع الْأُصُول لِابْنِ الأثير وَغَيره وَولده الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر قَرَأَ عَلَيْهِ في الْغَايَة وَشَرحهَا وفي صَحِيح البُخَارِيّ وَقَرَأَ القراآت السَّبع على شيخها المتفرد بمعرفتها الْفَقِيه علي اليدومي وَأول من اتَّصل بِهِ عِنْد وُصُوله إلى صنعاء الْفَقِيه إسماعيل بن مُحَمَّد حَنش وَقَرَأَ عَلَيْهِ وأعانه على الطلب وَولى في أَوَائِل عمره أعمالاً من وقف وَغَيره ثمَّ أمره مَوْلَانَا الإمام المهدي أَن يتَّصل بولده مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله ليقْرَأ عَلَيْهِ فاتصل بِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ ولازمه مُدَّة ثمَّ لما مَاتَ الإمام الْمهْدي وبويع مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه أناط بِصَاحِب التَّرْجَمَة أعمالاً وصيره أحد وزرائه المقربين عِنْده وَجعل بنظره بعض الْبِلَاد اليمنية وَبَالغ في تَعْظِيمه لكَونه شَيْخه في الْعلم وَلم يعامله مُعَاملَة سَائِر الوزراء وَإِذا نَاب الدولة أَمر يتَعَلَّق بالأمور الشَّرْعِيَّة كَانَ التعويل عَلَيْهِ فى الْغَالِب وغالب مَا يتَحَصَّل لَهُ يُنْفِقهُ على الْعلمَاء ويواسي بِهِ الْفُضَلَاء والفقراء على وَجه لايحب أَن يطلع عَلَيْهِ أحد وَمَا زَالَ هَذَا دأبه وديدنه من أول وزارته إِلَى حَال تَحْرِير
هَذَا نَحْو ثَلَاث وَعشْرين سنة وَهُوَ لَا يزْدَاد إلا خيّراً وإنفاقاً على من يسْتَحق ذَلِك وَهُوَ فى هَذِه الْخصْلَة مُنْقَطع القرين عديم النظير لَا سِيمَا في هَذَا الْعَصْر فإنه قد يعْطى بعض المحاويج الَّذين لَا يتصلون بِهِ عَطاء يُجَاوز الْوَصْف في الْكَثْرَة ويشتري الْبيُوت ويهبها لمن لَا بَيت لَهُ ويعين من أَرَادَ أَن يشترى بَيْتا اذا كَانَ مُسْتَحقّا لَا كثر الثّمن أوكله وَقد صنع هَذَا المصنع مَعَ أنَاس كثيرين وَهُوَ يكره ظُهُور ذَلِك واطلاع النَّاس عَلَيْهِ وَذَلِكَ دَلِيل الخلوص وأنى لَا كثر التَّعَجُّب من كَثْرَة صدقاته الَّتِى مِنْهَا مَا يبلغ الْمِائَة القرش وفوقها ودونها بل أخبرني بعض الْعلمَاء أَنه اطلع على مَا وهبه لبَعض الْعلمَاء وَكَانَت جملَته ألف قِرْش دفْعَة وَاحِدَة وأخبرني آخر أَنه بلغ إعطاؤه لعالم آخر اثنتي عشرَة مائَة قِرْش دفْعَة وَاحِدَة وناهيك بِهَذَا فإن عَطاء الْمُلُوك في عصرنا يتقاصر عَنهُ ويزداد التَّعَجُّب من استمراره على ذَلِك كَيفَ قدر على الْقيام بِهِ مَعَ أَن غَيره مِمَّن بنظره أَعمال أَكثر من أَعماله ومدخولات أوفر من مدخزلاته قد لَا يقوم مَا يتَحَصَّل لَهُ بِمَا يستغرقه لخاصة نَفسه وَأَهله فضلاً عَن غير ذَلِك ثمَّ أذكر قَول الله تَعَالَى وَمَا أنفقتم من شئ فَهُوَ يخلفه وَقَول النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنْفق ينْفق عَلَيْك فَأعْلم عِنْد ذَلِك السَّبَب وَمَعَ هَذَا فَهُوَ فِي عَيْش فائق مترفه فِي ملبوسه ومأكوله ومسكنه ومركبه وَجَمِيع أَحْوَاله على حد يقصر عَنهُ أَمْثَاله قد جمع الله لَهُ من نعم الدُّنْيَا مَالا يُدْرِكهُ غَيره وَأَعْطَاهُ من الكمالات مَالا يُوجد مجتمعاً فِي سواهُ فإنه مَعَ إحكامه لما يتَعَلَّق بِهِ من الْأَعْمَال الدولية مَعْدُود من الْعلمَاء مَذْكُور فِي الفرسان مَشْهُور بِحسن الرماية جيد الْخط قوي النثر حسن الْأَخْلَاق وَكَانَ بشوشاً متواضعاً سيوساً جلياً وقوراً سَاكِنا عفيفا مواظبا
على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة كثير الأذكار محباً للْفُقَرَاء وَلَا سِيمَا إذا كَانُوا من أهل بَيت النُّبُوَّة رَاغِبًا في الْخَيْر كافاً لنَفسِهِ عَن الشَّرّ مُعظما للشَّرْع مجالسه مُشْتَمِلَة على المباحثات العلمية والمفاكهات الأدبية مقرباً لأهل الْفضل مُبْعدًا لأهل البطالة حسن المحاضرة قوي المباحثة جيد الْفَهم حسن الادراك ينشط اذا سُئِلَ عَن مسئلة علمية ويبحث ويستخرج بدقيق ذهنه فرائد بديعة يعرف النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول والقراآت وَالتَّفْسِير وَيعْمل بِجَمِيعِ هَذِه الْفُنُون وَله كَمَال الِاشْتِغَال والعناية بِعلم الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْعَمَل بِمَا تَقْتَضِيه الأدلة وَلَا يبالي بِمَا عدا ذَلِك ولديه من الْكتب النفيسة مَالا يُوجد عِنْد غَيره وبيني وَبَينه من خَالص الوداد مَالا أقدر على التَّعْبِير عَن بعضه وَمَا أعده إِلَّا بِمَنْزِلَة الْوَالِد وَهُوَ ينزلني منزلَة الْوَلَد ويجلّني إجلال الْوَالِد وَقد اتفقت الألسن على الثَّنَاء عَلَيْهِ وَنشر محاسنه مَعَ أَن النَّاس لَا يرضون عَن المتعلقين بأعمال الدولة وَلَكِن رَأَوْا فِيهِ من المحاسن مَالا يُمكن جَحده وَالْحَاصِل أَنه للدولة جمال وَلأَهل الْعلم جلال وللفقراء ذخيرة أفضال طَالَتْ أَيَّامه ومدت أعوامه وَفِي سنة إحدى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف حصل لَهُ نِسْيَان وَكَثْرَة سَهْو فباشر مَا بنظره من الأعمال بعض قرَابَته فَلم يحسن الْمُبَاشرَة وَمَا زَالَ ذَلِك الْعَارِض يتزايد وفي سنة ثَلَاث وَعشْرين رجح رفع يَده عَن الْأَعْمَال الَّتِى كَانَ يُبَاشِرهَا ثمَّ أحاطت الدُّيُون بغالب مَا يملكهُ بِسَبَب مُبَاشرَة ذَلِك الْقَرِيب ثمَّ توفي إِلَى رَحْمَة الله يَوْم السبت خَامِس عشر شهر شعْبَان سنة 1225 خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف بِصَنْعَاء وقبر بمقبرتها
131 -
الإمام الْحسن بن علي بن دَاوُد المؤيدي
رَأَيْت سيرته فِي مُجَلد وَصفه مؤلفها بالتبحر فِي عُلُوم عديدة كالنحو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والأصول وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والْحَدِيث وَرَأَيْت لَهُ رسائل تدل على بلاغته وَقُوَّة تصرفه دَعَا إِلَى نَفسه سنة 984 في نصف شهر رَمَضَان مِنْهَا فاجتمعت إِلَيْهِ الزيدية وَأَجَابُوا دَعوته وَبَايَعُوهُ في بِلَاد صعدة وَخرج مِنْهَا بِجَيْش إِلَى الأهنوم واشتعلت الأرض نَارا بقيامه على الأتراك وَدخل في طَاعَته بعض أَوْلَاد الإمام شرف الدَّين وَأسر عبد الله بن المطهر وأودعه السجْن ثمَّ توجه بجند وَاسع لأخذ بِلَاد هَمدَان فَفتح أكثرها وَخرج الأتراك من صنعاء وأميرهم سِنَان فَمَا زَالَت الْحَرْب بَينهمَا سجالاً وفي سنة 993 افْتتح سِنَان بِلَاد الأهنوم وانحصر الإمام الْحسن في مَحل يُقَال لَهُ الصاب ودعا الى السّلم فاجاب وَخرج الى يدسنان فِي نصف شهر رَمَضَان مِنْهَا وَهَذَا من غرائب الزَّمَان كَون قِيَامه في نصف شهر رَمَضَان وأسره في نصف شهر رَمَضَان ثمَّ دخل بِهِ سِنَان إلى صنعاء فوصل بِهِ الى الباشا حسن فسجنه وَقد كَانَ أسر أَوْلَاد المطهر بن شرف الدَّين الأربعة لطف وعَلى يحيى وَحفظ الله وغوث الدَّين وسجنهم مَعَ الإمام وفي شهر شَوَّال من هَذِه السنة أرسل الباشا بهم جَمِيعًا إلى الروم وَكَانَ آخر الْعَهْد بهم وَقد روي أَنه مَاتَ الإمام الْحسن في الروم مَحْبُوسًا في شهر شَوَّال سنة 1024 أَربع وَعشْرين وَألف سنة وَالله أعلم وَله أَخْبَار حسان استوفى مؤلف سيرته فَمن رام الِاطِّلَاع عَلَيْهَا فليقف على السِّيرَة الْمَذْكُورَة ليعرف مِقْدَار هَذَا الإمام وسعة دائرته في المعارف العلمية
132 -
الْحسن بن عمر بن الْحسن بن حبيب بن عمر بن شُرَيْح بن عمر المقلب بدر الدَّين الدمشقي الحلبي
ولد سنة 710 عشر وَسَبْعمائة بِشَهْر شعْبَان مِنْهَا وَنَشَأ مغرماً بِعلم الْأَدَب وَأخذ عَن جمَاعَة من الأدباء مِنْهُم ابْن نَبَاته وَله مؤلف في الأدب سَمَّاهُ نسيم الصِّبَا يشْتَمل على نفائس وَاسْتعْمل مفاصل شِفَاء القاضي عِيَاض فسبكها سجعّا وألف درة الأسلاك فِي دولة الأتراك سجع كُله يدل على مزِيد اطِّلَاعه وفصاحته وَسمع الحَدِيث على جمَاعَة من أَعْيَان عُلَمَاء عصره قَالَ ابْن حجر وَكَانَ فَاضلا كيساً صَحِيح النَّقْل حدث عَنهُ جمَاعَة وَكَانَ يُوقع عَن الْقُضَاة وَانْقطع فِي آخر مدَّته بِمَنْزِلَة وَله تذكرة النبيه في أَيَّام الْمَنْصُور وبنيه سجعاً وباشر نِيَابَة الْقَضَاء ونيابة كِتَابَة السِّرّ مَاتَ في شهر ربيع الآخر سنة 779 تسع وَسبعين وَسَبْعمائة وَمن شعره
(ألحاظه شهِدت بأني ظَالِم
…
وَأَتَتْ بِخَط عذاره تذكارا)
(يَا حَاكم الْحبّ اتئد فى قصتى
…
فالخط زورو الشُّهُود سكارى)
133 -
السَّيِّد الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن على بن الرشيد بن أَحْمد بن الأمير الْحُسَيْن بن علي بن يحيى
بن مُحَمَّد بن يُوسُف الأصغر الملقب الأشل ابْن الْقَاسِم ابْن الإمام الداعي يُوسُف الأكبر ابْن الإمام الْمَنْصُور يحيى ابْن الإمام النَّاصِر احْمَد بن الإمام الهادي يحيى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إبراهيم بن اسمعيل بن إبراهيم بن الْحسن ابْن الْحسن ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ علي بن أَبى طَالب سَلام الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم وَرَحمته وَبَرَكَاته ولد بعد صلوة الْعشَاء من لَيْلَة الِاثْنَيْنِ غرَّة شهر شعْبَان سنة 996 سِتّ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ على جمَاعَة
من الشُّيُوخ وَأدْركَ حِصَّة نافعة من المعارف وَفرغ نَفسه للْجِهَاد مَعَ وَالِده فَنَهَضَ بِمَا لاينهض بِهِ غَيره ونال من الاتراك مالم ينله أحد وأوقع بهم وقعات مُتعَدِّدَة حَتَّى استأصلهم وأخرجهم من الديار اليمنية بعد أَن حَارب جمَاعَة من كبرائهم كحيدر باشا وقانصوه باشا وَأخذ جَمِيع مَا بِأَيْدِيهِم من مدن الْيمن ووقعاته وملاحمه لَا يَتَّسِع لَهَا هَذَا الْمُخْتَصر وَقد سرد جَمِيع ذَلِك الجرموزي في سيرته وهي كتاب حافل وَلم يكن لأحد من الْعِنَايَة التَّامَّة بمجاهدة الأتراك مَا كَانَ لَهُ رحمه الله وَأسر فِي أَيَّام وَالِده وَحبس بِصَنْعَاء وبقي أَيَّامًا طائلة ثمَّ خرج خُفْيَة وهيأ الله لَهُ أَسبَاب ذَلِك فَلم يشْعر بِهِ أحد وَفِيه من الشجَاعَة والإقدام في المعارك مَا يبهر الْعُقُول فإنه وَحده يقوم مقَام الْجَيْش الْكثير وَقد أحَاط بِهِ في قاع صنعاء أَيَّام محاصرته لَهَا جمَاعَة من فرسَان الأتراك الْمَشْهُورين وهم عدد وَاسع يزِيد خيلهم على الألف فضلاً عَن سَائِر الْجَيْش وَلم يكن عِنْده إذ ذَاك إلا أَخُوهُ الْعَلامَة الْحُسَيْن الآتي ذكره وَنَفر يسير فدار الْقِتَال عَلَيْهِ وعَلى أَخِيه ومازال يصاولهم طَعنا وَضَربا ويجدل شجعانهم حَتَّى خرج من بَينهم سالما هُوَ وَمن مَعَه من النَّفر الْيَسِير وَكم أعدد من إقدامات هَذَا السَّيِّد الَّذِي تقصر الأقلام عَن حصر بعض مناقبه وَهُوَ نَظِير المطهّر ابْن شرف الدَّين أَو أرفع دَرَجَة مِنْهُ في الشجَاعَة والرياسة وَحسن التَّدْبِير وَقد بلغت جيوشه فِي بعض المواطن نَحْو ثَمَانِينَ الْفَا وَله في الْكَرم يَد طولى قَالَ السَّيِّد عَامر بن مُحَمَّد عبد الله بن عَامر الشَّهِيد في بغية المريد أنه أعطى الشريف طَاهِر الادريسى خَمْسَة وَعشْرين ألف قِرْش من النَّقْد وَمن الْجَوَاهِر والنفائس مَا يخرج عَن الْفِكر انْتهى ثمَّ بعد أَن أجلى الأتراك
من أَرض الْيمن جَمِيعهَا اختط حصن الدامغ في حُدُود سنة 1040 فعمره عمَارَة بليغة وأجرى فِيهِ الأنهار وغرس فِي جوانبه الأشجار وشيّد الديار حَتَّى صَار مَدِينَة كَبِيرَة وَاسْتقر فِيهِ حَتَّى توفاه الله في وَقت الْمغرب من لَيْلَة الْأَحَد ثَالِث شَوَّال سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وألف في خلَافَة أخيه الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم ورثاه شعراء عصره بمراثي جَيِّدَة مِنْهَا قَول بَعضهم
(أدرى الذي ينعى إلينا من نعى
…
لَو كَانَ يدري مَا أشاد وأسمعا)
(أتراه يدري أنه ينعي إِلَى
…
كل الأنام الدَّين وَالدُّنْيَا مَعًا)
(وحياتهم ومعاشهم ورياشهم
…
ونعيمهم هَذِه الْخِصَال الأربعا)
وَكَانَ مَوته فِي مَدِينَة الْحصين الَّتِي عمرها تَحت حصنه الْمُتَقَدّم وَله نظم فَمِنْهُ مَا قَالَه في أَيَّام اعتقاله يرغب وَالِده فِي الصُّلْح بأبيات أَولهَا
(مولاي أن الصُّلْح أعذب موردا
…
فاسلك لَهُ جدداً سوياً أجردا)
وهي أَبْيَات مَشْهُورَة
وَكَانَ يلازم في أَسْفَاره وجهاداته الْقِرَاءَة على الشُّيُوخ والمطالعة لكتب الْعلم ولازم في آخر أَيَّامه السَّيِّد مُحَمَّد بن عز الدَّين الْمُفْتى فَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي الاصول وَغَيرهَا وَقد جمع إلى شجاعته الباهرة الْكَرم الفائض حَتَّى كَانَ يعْطى عَطاء من لَا يخَاف الْفقر وَالْحَاصِل أنه من أعظم سلاطين الْجِهَاد وأساطين مصَالح الْعباد
134 -
حسن بن مُحَمَّد بن قلاون الصالحي الْملك النَّاصِر بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور
ولد سنة 735 خمس وَثَلَاثِينَ وسبعمائة وسمي أَولا قمارى فَلَمَّا جلس على التخت قَالَ للنائب يَا أبي مَا اسْمِي قمارى اسْمِي حسن فَقَالَ على خيرة الله وَاسْتقر اسْمه
حسناً وَولى السلطنة بعد أَخِيه المظفر سنة 748 وَقبض على حَاشِيَة أَخِيه وصودروا لتخليص الأموال فَوجدَ لديهم من الْجَوَاهِر مَا قِيمَته مائَة الف دِينَار فَمَا كَانَ يَوْم السبت رَابِع عشر شَوَّال سنة 751 قَالَ النَّاصِر لأهل المملكة إن كنت سُلْطَانا فاقبضوا هَذَا فأمسك وَأرْسل إلى الإسكندرية ثمَّ مَا زَالَ يقبض الأمراء وَاحِدًا بعد وَاحِد فنفروا مِنْهُ وركبوا عَلَيْهِ في سَابِع عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 752 وخلعوه وقرروا أَخَاهُ الصَّالح وأعيد النَّاصِر فِي شَوَّال سنة 755 واستبد بالمملكة وَصفا لَهُ الْوَقْت وَلم يُشَارِكهُ أحد في التَّدْبِير فَبَالغ فِي أَسبَاب الطمع واستحوذ على إهلاك بَيت المَال وَأكْثر من سفك الدِّمَاء وَشرع في عمَارَة الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بالرميلة وَلَيْسَ لَهَا نَظِير بالديار المصرية وَمَات وَلم تكمل ثمَّ عزم على قتل بعض أكَابِر أمرائه فاستعد لَهُ وتقاتلا فَكَانَت الدائرة على النَّاصِر فَانْهَزَمَ ثمَّ أمسك وَقتل في تَاسِع جُمَادَى الأولى سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ ذكياً مفرطاً وَله بعض اشْتِغَال بِالْعلمِ
135 -
الْحسن بن مُحَمَّد شاه الفنّاري الْمَعْرُوف بالشلبي صَاحب حَاشِيَة المطوّل
قَرَأَ على عُلَمَاء الروم ثمَّ ارتحل إلى مصر لقِرَاءَة مغني اللبيب على رجل مغربي وَكَانَ علي الفنّاري قاضي السُّلْطَان مُحَمَّد خَان عَم صَاحب التَّرْجَمَة فَقَالَ لَهُ اسْتَأْذن السُّلْطَان في عزمي على مصر لقِرَاءَة مغني اللبيب على شيخ مغربي هُنَالك لَيْسَ لَهُ نَظِير في معرفَة هَذَا الْكتاب فَاسْتَأْذن الْمَذْكُور السُّلْطَان فَقَالَ لَعَلَّه قد اخْتَلَّ دماغه وَكَانَ منحرفاً عَنهُ بِسَبَب أَنه صنّف حَاشِيَة التَّلْوِيح باسم ابْن السُّلْطَان وَهُوَ بايزيد بن مُحَمَّد فَرَحل الى
مصر وَقَرَأَ الْكتاب الْمَذْكُور قِرَاءَة متقنة وَكتب لَهُ المغربي فِي ظهر كِتَابه إجازة ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاد الروم وَأرْسل كتاب مغني اللبيب إلى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فَلَمَّا نظر فِيهِ زَالَ عَنهُ مَا كَانَ فَأعْطَاهُ مدرسة يدرس بهَا ثمَّ في دولة السُّلْطَان بايزيد عيّن لَهُ كل يَوْم ثَمَانِينَ درهماً وَله مصنفات مِنْهَا حَاشِيَة المطوّل الْمُتَقَدّم ذكرهَا وهي حَاشِيَة مفيدة وَمِنْهَا حَاشِيَة على شرح المواقف للشريف وحاشية على التَّلْوِيح وَكلهَا مقبولة وَسمع في مصر صَحِيح البخارى على بعض تلاميذة الْحَافِظ ابْن حجر وَمَات فِي دولة السُّلْطَان بايزيد خَان وَكَانَ جُلُوسه على تخت السلطنة سنة 886
136 -
الْحسن بن قَاسم الْمُجَاهِد القاضي الْعَلامَة الذكى
ولد تَقْرِيبًا سنة 1190 تسعين وماية وَألف أَو قبلهَا بِيَسِير أَو بعْدهَا بِيَسِير ومسكنه هُوَ وَأَهله في مَدِينَة ذي جبلة انتقلوا إليها من مَدِينَة ذمار وَهُوَ عَارِف بالفقه والفرائض والنحو والاصول وَله مُشَاركَة في علم الحَدِيث وَفهم جيد وذهنه صَحِيح قَرَأَ علي عِنْد وصولي مَدِينَة جبلة مَعَ مَوْلَانَا الإمام المتَوَكل على الله في الحَدِيث والأصول ولازمني مُدَّة إقامتي في تِلْكَ الْمَدِينَة من جملَة من لازمني من أَهلهَا للْقِرَاءَة وَقد أجزت لَهُ أَن يروي عَنى مروياتي وَهُوَ أهل لذَلِك لرغوبه إلى الْعلم وإكبابه عَلَيْهِ وَقد كتب بعض مؤلفاتي كالدرر والدراري والفوائد الْمَجْمُوعَة فِي الأحاديث الْمَوْضُوعَة وحاشية شِفَاء الأوام والسيل الجرار وَغير ذَلِك وَله سماعات علي عِنْد قدومه إلى صنعاء وَقد قدم مَرَّات وَصَارَ قَاضِيا فِي مَوَاضِع ورسخت مَعْرفَته وَعمل بِالدَّلِيلِ
137 -
الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن سَابق الدَّين بن علي بن أَحْمد بن أسعد بن أَبى السُّعُود بن يعِيش الْمَعْرُوف بالنحوي
الصنعاني الزيدي عَالم الزيدية فِي زَمَانه وَشَيخ شيوخهم وناشر علومهم كَانَ يحضر حَلقَة تدريسه زهاء ثَمَانِينَ عَالما وَله تَحْقِيق وإتقان لاسيما لعلم الْفِقْه يفوق الرصف وَله مصنّفات مِنْهَا في الْفِقْه كتاب التَّذْكِرَة الفاخرة أودعهُ من الْمسَائِل مَالا يُحِيط بِهِ الْحصْر مَعَ إيجاز وَحسن تَعْبِير وَهُوَ كَانَ مدرس الزيدية وعمدتهم حَتَّى اخْتَصَرَهُ الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى وجرّد مِنْهُ الأزهار فَمَال الطّلبَة من حِينَئِذٍ إلى هَذَا الْمُخْتَصر وَله تَفْسِير وَله تَعْلِيق على اللمع وَاخْتصرَ الِانْتِصَار للإمام يحيى في مُجَلد وَكَانَ زاهداً ورعاً متقشفاً متواضعاً وَولى قَضَاء صنعاء وانتفع النَّاس بِهِ وَكَانَ يَأْكُل من عمل يَده وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل إلى أن مَاتَ فى سنة 791 احدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة وقبر فِي عدني صنعاء قريب من بَاب الْيمن وقبره مَشْهُور مزور
138 -
السَّيِّد الْحسن بن مطهر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد
ابْن الداعي الْمُنْتَصر بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم بن الإمام يُوسُف الدَّاعِي ابْن يحيى الْمَنْصُور بن احْمَد النَّاصِر بن يحيى الهادى بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ابْن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب رضى لله عَنْهُم الْحسنى الْيُمْنَى الجرموزي ولد بعتمة سنة 1044 أَربع وأربعين وَألف وَقَرَأَ على القاضي عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي والقاضى مُحَمَّد بن إبراهيم السحولي والقاضي علي الطَّبَرِيّ وَغَيرهم من عُلَمَاء
صنعاء وبرع في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والمنطق وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَله مؤلفات مِنْهَا شرح نهج البلاغة ونظم الكافل وَله شعر حسن فَمِنْهُ في تَشْبِيه الزنبق
(انْظُر إِلَى الزنبق الأنيق وَقد
…
أبدع في شكله وفي نمطه)
(كَمثل قنديل فضَّة غرست
…
شموع تبر تضئ فِي وَسطه)
وَله أشعار رائقة واتصل بالمتوكل على الله اسماعيل وتنقل فى الولايات فولى حرازتم بندر المخاومدحه أَعْيَان الشُّعَرَاء فِي زَمَنه كالشيخ إبراهيم الْهِنْدِيّ وَغَيره من شعراء الْيمن وَجَمَاعَة من شعراء الْبَحْرين وعمان وعظمت رياسته وطار صيته ونال من الْعِزّ مالم يكن لَهُ في حِسَاب وَمَات يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن وَالْعِشْرين من جُمَادَى الآخرة سنة 1100 إحدى عشر ماية بِصَنْعَاء بعد أَن تَغَيَّرت لَهُ الأحوال
139 -
السَّيِّد الْحسن بن يحيى بن أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم الحمزي الكبسي ثمَّ الصنعاني
ولد بصفر سنة 1167 سبع وَسِتِّينَ وماية ألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ فِيهَا على جمَاعَة من الْعلمَاء وأكثر انتفاعه على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي فإنه لَازمه في جَمِيع الْفُنُون فَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وبرع في جَمِيع هَذِه الْفُنُون وَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر الْمشَار إليهم بالتحقيق والإتقان وَهُوَ جيد التَّحْرِير حسن المباحثة وَله رسائل في مسَائِل مُتَفَرِّقَة متقنة غَايَة الإتقان وَقد رافقني في قِرَاءَة الْكَشَّاف على شَيخنَا الْمُتَقَدّم فَكَانَ يسْتَخْرج بفاضل ذهنه فَوَائِد نفيسة وَبعد موت شَيخنَا اسْتَقر المترجم لَهُ بِهِجْرَة
الكبس وَعَكَفَ عَلَيْهِ طلبة الْعلم هُنَالك وَمَا زَالَ يرشدهم إلى المعارف العلمية ويدرس في كثير من الْفُنُون وَله شعر حسن ونثر جيد فَمِنْهُ مَا كتبه إلى من هُنَالك نظماّ ونثراً وَهَذَا لَفظه
(سَلام من الله السَّلَام وَرَحْمَة
…
عَلَيْك إمام الْعلم وَالدّين وَالْهدى)
(يفوحان كالمسك الذكى بسوحكم
…
دواما كَمَا دَامَت معاليك سرمدا)
(فياراكبا بلغ سلامي ليشتفي
…
فؤادي بِهِ إن مَا بلغت مُحَمَّدًا) من ضرب سرادقات مجده على هام الْكَوَاكِب وَسبح فلك فخره فِي بحار أَعلَى الْمَرَاتِب وحازت جِيَاد مساعيه قصبات الْفَضَائِل فِي غَايَة المناقب وتفردت أفكاره باستخراج دقائق الْعُلُوم بنظره الثاقب وَنشر أَعْلَام الْحق فِي قناة الِاجْتِهَاد فِي رَأْيه الصائب الْعَلامَة على الإطلاق في جَمِيع مسارح الْمذَاهب عُمْدَة الْخَاصَّة والعامة بالِاتِّفَاقِ فَالْكل رَاغِب وراهب
(الْعِزّ مَوْلَانَا الْكَرِيم مُحَمَّد
…
شيخ الشُّيُوخ وفيصل الْحُكَّام)
(هش إذا نزل الْوُفُود بِبَابِهِ
…
سهل الْحجاب مؤدب الخدّام)
(وَإِذا رَأَيْت شقيقه وَصديقه
…
لم تدر أَيهمَا أَخُو الأرحام)
(أبقاه ربي للعلوم ونشرها
…
يحيى موَات شرائع الإسلام)
وَبعد هَذَا نثر طَوِيل فأجبت بمالفظه
السدة الَّتِى ضربت خيامها على هام السماك والعقوة الَّتِى تتضاءل عِنْد تعاظمها أَعْنَاق الأملاك والحسنة الَّتِى صَارَت لمحاس الدَّهْر غرَّة والمكرمة الكائنة في ذَات المكارم طرة
(أعني بِهِ الْحسن بن يحيى من غَدا
…
فَرد الزَّمَان وحبره المتبحرا)
(السَّابِق الأعلام فَهُوَ مقدم
…
يَوْم الرِّهَان وَغَيره فِيهِ ورا)
لَا برح زِينَة للزمان ومنقبة يفتخر بهَا نوع الإنسان وَخَصه الله بجزيل سَلَامه وَجَمِيل إكرامه وجليل انعامه وَالله الْمَسْئُول أَن يُقيم بِهِ سوق الْمجد على سَاق ويجعله بفضائله وفواضله مَاشِيا فَوق الأعناق وَبعد هَذَا نثر طَوِيل والمترجم لَهُ حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل مشتغل بنشر الْعلم وأعمال الْخَيْر قد قنع من عيشه بالكفاف من غلات أَمْوَال يسيرَة ورثهَا عَن وَالِده وَكَثِيرًا مَا يَقع بيني وَبَينه مباحثات علمية وتحريرات لما يَدُور مِنْهَا وَلما مَاتَ أَخُوهُ الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى قَامَ هَذَا مقَامه في الْقَضَاء بالجهات الخولانية وَمَا يتَّصل بهَا وعظّمه مَوْلَانَا الإمام بِمَا يَلِيق بجلاله وَقدره بعد أَن عَرفته حفظ الله بَان الْمَذْكُور بِالْمحل العالي في الْعلم وَالْعَمَل وَأَخُوهُ الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى ستأتي تَرْجَمته إن شَاءَ الله
140 -
الْحسن بن يحيى سيلان السفياني ثمَّ الصعدي
أحد الْعلمَاء الْمَشَاهِير أَخذ الْعلم عَن القاضي صديق بن رسام وَالسَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد حورية وبرع فِي عدَّة فنون وَله مؤلفات مِنْهَا حَاشِيَة على شرح غَايَة السؤل للحسين بن الْقَاسِم وَله حَاشِيَة على شرح الْآيَات للنجري وحاشية على القلائد وحاشية على حَاشِيَة الشلبي على المطول اقْتصر فِيهَا على إيضاح مَا أشكل من عِبَارَات الشلبي وَلم يزل مدرساً بصعدة ونواحيها حَتَّى مَاتَ في شهر الْقعدَة سنة 1110 عشر وَمِائَة وَألف
141 -
الْحُسَيْن بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْن صَالح بن مُحَمَّد السياغي الحيمي ثمَّ الصنعاني
ولد سنة 1180 ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ على أَعْيَان علمائها وَهُوَ رفيقي في بعض مسموعاتى على شيوخي ورافقني فِي قِرَاءَة الخبيصي والرضي شرحيّ الكافية وَشرح السعد الْمُخْتَصر على التَّلْخِيص وحاشية الشَّيْخ لطف الله وَشرح اليزدي على التَّهْذِيب وَشرح الشافية للطف الله على شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني رحمه الله ورافقني أَيْضا في قِرَاءَة سنَن أَبى دَاوُد والعضد وحواشيه والمطول وحواشيه والكشاف وحواشيه على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي وَحضر مَعنا قَلِيلا على شَيخنَا السَّيِّد الإمام عبد الْقَادِر بن أَحْمد في قِرَاءَة الحَدِيث وَقِرَاءَة الْفِقْه كشرح الأزهار وَالْبَيَان على وَالِده وَقَرَأَ مَجْمُوع الإمام زيد بن علي على القاضي الْعَلامَة يحيى بن صَالح السحولي وعَلى آخَرين وبرع في هَذِه المعارف كلهَا وفَاق وَصَارَ من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر المفيدين في عدَّة فنون وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ الْحسن الْفَائِق وَله إكباب على الْعلم واشتغال بِهِ عَمَّا سواهُ مَعَ ذهن قوي وَفهم صَحِيح وادراك جيد وسمت حسن ورصانة وعقل ومتانة دين وغالب انتفاعه على الشَّيْخَيْنِ الأولين وَقد قَرَأَ عَلَيْهِمَا غير مَا تقدم ذكره كالصحيحين وَشرح الْعُمْدَة ووفقت على حَاشِيَة لَهُ نفيسة على شرح الْجلَال لِآدَابِ الْبَحْث وَرَأَيْت لَهُ حلاً للغز السَّيِّد الْعَلامَة اسحق بن يُوسُف الْمُتَقَدّم ذكره جعله شرحاً لأبيات
اللغز وأجاد فِيهِ كل الإجادة وَهُوَ الْآن يشْرَح مَجْمُوع الامام زيد بن على شرحاً حافلاً وبيني وَبَينه مكاتبات ومشاعرات ومباحثات في عدَّة مسَائِل وَله نظم جيد ونثر حسن واذا حرر بحثا فى مسئلة أتقنه غَايَة الإتقان وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل في الِاشْتِغَال بالمعارف العلمية درساً وتدريساً ثمَّ مَاتَ رحمه الله شهر جُمَادَى الأولى سنة 1221 إحدى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وألف وقبر بمقبرة صنعاء ووالده من عُلَمَاء الْفِقْه
المبرزين فِيهِ وَهُوَ أحد الْحُكَّام بِصَنْعَاء الْآن وَتوفى في رَمَضَان سنة 1224 أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف وجد صَاحب التَّرْجَمَة هُوَ من المتقنين فى علم الْفِقْه والفرائض أَخذ عَن أكَابِر عُلَمَاء عصره وَأخذ عَنهُ الأكابر وَتَوَلَّى الْقَضَاء مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى مَاتَ في شهر شَوَّال سنة 1164
142 -
السَّيِّد الْحُسَيْن بن أَحْمد بن صَلَاح بن أَحْمد بن الْحُسَيْن ابْن علي الْمَعْرُوف بزبارة
نِسْبَة إلى مَوضِع كَمَا تقدم في تَرْجَمَة حفيده أَحْمد بن يُوسُف ولد تَاسِع عشر شهر رَمَضَان سنة 1088 ثَمَان وَثَمَانِينَ وألف وَأخذ عَن الْعَلامَة الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المغربي وأخيه الْحسن بن مُحَمَّد والعلاّمة علي بن يحيى
البرطي وَعَن الْعَلامَة السَّيِّد زيد بن مُحَمَّد وَسَائِر أَعْيَان ذَلِك الزَّمَان وبرع فى جَمِيع المعارف وَله عناية كَامِلَة بأسانيد مسموعاته وَغَيرهَا وَكَانَ لَهُ بالسيّد يُوسُف بن المتَوَكل اتِّصَال ومحبة ومعاضدة وولاه الإمام المتَوَكل الْقَاسِم بن الْحُسَيْن الْقَضَاء بضوران وَكَانَ يتخوف قبل ذَلِك من المهدي صَاحب الْمَوَاهِب بِسَبَب صحبته ليوسف بن المتَوَكل اسمعيل وَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء وَأَنا أروي عَن شَيخنَا الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد عَن يُوسُف ابْن صَاحب التَّرْجَمَة عَنهُ وَتوفى فِي سنة 1141 وَقيل سنة 1135 وَقيل سنة 1136
143 -
السَّيِّد الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن علي الحسيني العلوي الشافعي الْمَعْرُوف بالأهدل
ولد تَقْرِيبًا سنة 779 تسع وَسبعين وَسَبْعمائة قَرَأَ على الزيلعى وعَلى الازرق والرضى الطبرى وَمُحَمّد الموزعي وَابْن الرداد والناشري وبرع في
عدَّة عُلُوم وصنّف حَاشِيَة على البخاري انتقاها من شرح الْكرْمَانِي مَعَ زِيَادَة سَمَّاهَا مِفْتَاح القارى لجامع البخارى واللمعة المقنعة فى ذكر الْفرق المبتدعة والرسائل المرضية في نصر مَذْهَب الأشعرية وَبَيَان فَسَاد مَذْهَب الحشوية وَشرح الأسماء الْحسنى ومؤلف في مروق ابْن العربى وَابْن الفارض واتباعهما وتحفة الزَّمن في تَارِيخ سَادَات الْيمن وَله مصنفات غير هَذِه وَهُوَ شيخ عصره بِلَا مدافع دارت عَلَيْهِ الْفتيا ورحل إليه النَّاس للتدريس وَاسْتقر بِأَبْيَات حُسَيْن واشتهر ذكره وطار صيته وَمَات بهَا في صبح يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر محرم سنة 855 خمس وَخمسين وثمان مائَة وَدفن بهَا وَهُوَ من مشاهير عُلَمَاء الْيمن المبرزين في علمي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول
144 -
السَّيِّد الْحُسَيْن بن عبد الله الكبسي
ولد سنة 1147 سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف وَهُوَ أحد عُلَمَاء الْعَصْر المبرزين قَرَأَ على عُلَمَاء صنعاء وَالرَّوْضَة وترافق هُوَ وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن ابْن إسماعيل المغربي وَقَرَأَ كل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر وَاسْتقر بالروضة الَّتِى هي من أعظم نزه مَدِينَة صنعاء وَنشر الْعلم هُنَالك واستفاد عَلَيْهِ جمَاعَة من الطّلبَة ثمَّ ارتحل إلى كوكبان بسؤال أميرها لَهُ السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَكَانَ ارتحاله بعد رحْلَة شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد من كوكبان فَاحْتَاجَ أَهله الى من يقوم مقَام شَيخنَا هُنَالك فاستدعوا صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ من المبرزين في عُلُوم الِاجْتِهَاد وَله رسائل ومسائل وَقد كتب إِلَى بمسائل مشكلة أجبْت عَلَيْهَا بجوابات هي في محموع رسائلى وَهُوَ الان مُقيم بكوكبان وَلَعَلَّه قد جَاوز السِّتين وَهُوَ متين الدّيانَة كثير الْعِبَادَة قَلِيل الِاشْتِغَال بمالا يُعينهُ على طَريقَة السلف الصَّالح ثمَّ رَحل عَن كوكبان لأمور جرت بَينه وَبَين صَاحبهَا وَاسْتقر في الرَّوْضَة إماماً لجامعها وولاه إمام الْعَصْر الْقَضَاء في الرَّوْضَة وَلم يقبل إِلَّا بعد أن كثرت عَلَيْهِ في ذَلِك وأشرت على مَوْلَانَا الإمام بِعَدَمِ قبُول عذره وفي أَوَاخِر شهر شَوَّال سنة 1222 أظهر الْمَذْكُور هُوَ وَجَمَاعَة من الكباسيه وَآل أَبى طَالب الْخُرُوج عَن طَاعَة الدولة وَخرج إليهم أَحْمد بن عبد الله بن الإمام الْمهْدي الْعَبَّاس بن الْمَنْصُور وانضم إِلَيْهِم جَمِيع أهل الرَّوْضَة طَوْعًا وَكرها وَوصل إِلَيْهِم بعض الْقَبَائِل وردوا أَمر الدولة وطردوا الْعَامِل وراموا خلع الْخَلِيفَة مَوْلَانَا الاماما الْمَنْصُور بِاللَّه حفظه الله وَكَتَبُوا إلى جَمِيع الأقطار اليمنية وَكَاد صَاحب التَّرْجَمَة أن يَدْعُو إلى نَفسه وَعرض عَلَيْهِم
الإجابة إلى كل مَا يطلبونه وَخرج شَيخنَا القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي من الحضرة الإمامية وَمَعَهُ مكاتيب فِي كل مَا طلبوه من الْعدْل والأمان لَهُم وَكَانَت تِلْكَ المكاتيب بخطي فَمَا رجعُوا بل صمموا على ماعزموا عَلَيْهِ فَخرج إليهم بالجيش سيف الْخلَافَة سيدي أَحْمد بن الإمام وناجزهم وتحصّنوا في بعض سور الرَّوْضَة ثمَّ أحَاط بهم الْجَيْش وَأسر صَاحب التَّرْجَمَة وَجَمَاعَة من الكباسية ووصلوا بهم إلى تَحت طَاقَة الْخَلِيفَة وبالغت في الشَّفَاعَة لَهُم من الْقَتْل بعد أن كَانَ قد وَقع الْعَزْم عَلَيْهِ وَقمت بِالْحجَّةِ الشَّرْعِيَّة الْمُقْتَضِيَة لحقن دِمَائِهِمْ فأودعوا السجْن وَصَاحب التَّرْجَمَة وَقع التَّغْرِير عَلَيْهِ وَالْخداع لَهُ من بعض شياطين الإنس وَقد كَانَ الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِم في أول يَوْم من شهر الْحجَّة من هَذِه السنة وَمَات رحمه الله مسجونا بعدان بقي فِي السجْن نَحْو عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة
145 -
السَّيِّد الْحُسَيْن بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي ابْن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين الكوكباني
الشَّاعِر الْمَشْهُور الْمجِيد المكثر الْمُبْدع الْفَائِق فِي الْأَدَب ترْجم لَهُ جمَاعَة من الأدباء كالقاضي يُوسُف بن علي بن هادي فِي طوق الصادح ويوسف بن يحيى فى نسمَة السحر والحيمي في طيب السمر وَهُوَ ذُو رياسة وكياسة وَمَكَارِم وفضائل وفواضل وَلما دَعَا المهدي مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الْمَوَاهِب فرّ مِنْهُ صَاحب التَّرْجَمَة إلى مَكَّة لأمور لَا يَتَّسِع الْمقَام لشرحها وَمن نظمه الْفَائِق قَوْله من قصيدة
(مَا أعجب الْحبّ يشتاق العميد إلى
…
ظبي الصريم وَقد أرداه بالحدق)
(ياوردى الخد دع إنكار قتل فَتى
…
مَا قط أبقت لَهُ عَيْنَاك من رَمق)
(في خدّك الشَّفق القاني بدا وعَلى
…
قتل الْحُسَيْن دَلِيل حمرَة الشَّفق)
وَأعَاد هَذَا الْمَعْنى في قصيدة أُخْرَى فَقَالَ
(فى خدك الشَّفق القانى وَفِيه على
…
قتل الْحُسَيْن كَمَا قَالُوا أَمَارَات)
وَمن محَاسِن قصائده القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
(خفف على ذِي لوعة وشجون
…
واحفظ فُؤَادك من عُيُون الْعين)
وَمن لطائفة هَذَانِ البيتان قالهما لما قتل السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ابْن الْقَاسِم الملقب بِحجر رحمه الله وَفِيهِمَا تضمين مطرب
(وددت مصرع مَوْلَانَا الصفي وَلَا ال
…
رُجُوع فى سلك قوم بعد مَا كسروا)
(وصرت أنْشد من كرب وَمن أَسف
…
مَا أطيب الْعَيْش لَو أَن الْفَتى حجر)
وَمن قصائده الطنانة القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
(لفؤادي في الْهوى كد وكدح
…
ولطرفي بالدما سحٌ وسفح) وأشعاره كلهَا غرر وكلماته جَمِيعهَا دُرَر وَهُوَ من محَاسِن الْيمن ومفاخر الزَّمن وَمَات في يَوْم السبت الثاني عشر من ربيع الآخر سنة 1112 اثنتي عشر وَمِائَة وَألف بشبام وَدفن هُنَالك
146 -
السَّيِّد الْحُسَيْن بن علي بن الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الإمام الْقَاسِم
الرئيس الْكَبِير الشَّاعِر الْمَشْهُور ولد فِي سنة 1072 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَكَانَ في أَيَّام شبابه مائلاً إلى ملاذ الدُّنْيَا والتمتع بمحاسنها مرخياً لنَفسِهِ الْعَنَان غير كَاف لَهَا عَن التفلت في رياض محَاسِن الحسان ثمَّ تزهد
وَتعبد وانجمع وتمسّح وتألّه وأقلع عَن جَمِيع مَا كَانَ عَلَيْهِ وجاد بِجَمِيعِ موجوده وَله في المكارم أَحَادِيث حاتمية تلتذ لسماعها الأسماع وَكَانَ إذا لم يجد النَّقْد تصدق بثيابه وفراشه وَمَال الى مُخَالطَة الْفُقَرَاء وَلَيْسَ ملبوسهم وَقعد في مَقَاعِدهمْ وَمَعَ هَذَا فابنه على بن الْحُسَيْن إِذْ ذَاك رَئِيس كَبِير لَهُ خيل وخول وحاشية عَظِيمَة ورياسة فخيمة وَلَكِن صَاحب التَّرْجَمَة قد حبب الله إليه الانعزال عَن بنى الدُّنْيَا حَتَّى عَن وَلَده وَمن شعره الْفَائِق هَذَانِ البيتان
(لَا تحسبن لِبَاس الصُّوف في مَلأ
…
تَدعِي بِهِ بَين أهل الْفضل بالصوفي)
(وانما من صفا قلباً وَمَال إلى
…
صقالة النَّفس من أوصافها صوفي)
وَمن محَاسِن شعره القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِى أَولهَا
(آه كم أطوي على الضيم جناحي
…
وأداجي فِي الْهوى قَالَ ولاحي) وَله القصيدة الطَّوِيلَة عَارض بهَا قصيدة ابْن الوردي أَولهَا
(اترك الدُّنْيَا ودع عَنْك الأمل
…
طَال مَا عَن نيلها حَال الاجل)
وفيهَا مواعظ وَحكم وَمَا زَالَ مُقبلا على الطَّاعَة عاكفاً على الْعِبَادَة حَتَّى توفاه الله تَعَالَى قَالَ بعض من ترْجم لَهُ أَنه كَانَ في سنة 1145 حَيا وأرّخ مَوته بعض المشتغلين بِهَذَا الشأن سنة 1149 تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَألف
147 -
حُسَيْن بن علي بن صَالح العماري الصَّنْعَانِيّ
ولد في سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف تَقْرِيبًا اَوْ فِيمَا بعْدهَا وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَطلب الْعلم فَقَرَأَ على جمَاعَة من مَشَايِخ صنعاء في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والمنطق والأصول وَقَرَأَ علي في شرح الرضي على الكافية
وفي مغني اللبيب وفي شرح غَايَة السؤل وفي شرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى للعضد وَرغب بعد أَن طلب الْعلم في سُكُون وطنهم الأصلي وَهُوَ بِلَاد عمار فعزم إليها وَسكن فِيهَا وَهُوَ الآن هُنَالك وَله نظم جيد فَمِنْهُ مَا كتبه إلي يطْلب الْقِرَاءَة علي في شرح الْغَايَة بعد ان فرغ من قرائتها على الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الله الضّمدي الْمُتَقَدّم ذكره وَهُوَ
(مولَايَ عز الْهدى والفرد فى مَلأ
…
لم يعرفوا الْفرق بَين الشّعْر وَالشعر)
(وَمن إذا جال فِي الأنظار ناظره
…
جَلَاله الْفِكر مَا أغْنى عَن النظر)
(عَلامَة الْعَصْر والفرد الَّذِي جمعت
…
لَهُ المحاسن جمعا عير منكسر)
(إن الصفي ابْن عبد الله من بلغت
…
بِهِ لعلوم إلى الغايات في الْبشر)
(بُلُوغ مَا رام يَا بدر التَّمام لَهُ
…
قد تمّ مِنْك وَحَازَ الْفَوْز بالظفر)
(فامنح بِفَضْلِك هَذَا الدول طَالبه
…
لَا زلت مَطْلُوب فضل غير معتذر)
(وَهَا هُوَ الْآن من صنعاء مرتحل
…
وَمن أَقَامَ فَهُوَ مِنْهَا على سفر)
فأجبت عَلَيْهِ بقولي
(صغت الدراري أم عقد من الدُّرَر
…
يَا أوحد الْعَصْر بَين البدو والحضر)
(لَا زلت ترقى عروجاً للكمال وَلَا
…
بَرحت تطرب سمع الدَّهْر بالفقر)
(فالحال مَا حَال والعهد الْقَدِيم هُوَ الْعَهْد
…
الْقَدِيم وَلَا عهد لمبتكر)
(لَا تحسب الدَّرْس متروكاً وَأَنت على
…
نِهَايَة الْجد والتحصيل للوطر)
(من كَانَ غَايَة سؤلي كَيفَ أمْنَعهُ
…
مِنْهَا وأحجب عَنهُ نخبة الْفِكر)
(ودمت تحيي ربوع الْعلم مَا صدحت
…
وَرقا على فنن لدن من الشجر)
وَكَانَ موت صَاحب التَّرْجَمَة رحمه الله فى سنة 1225 خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وألف بِبِلَاد عمار
148 -
الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن المتَوَكل على الله الْقَاسِم بن حُسَيْن بن أَحْمد بن حسن بن الإمام الْقَاسِم
بُويِعَ بالخلافة عِنْد موت وَالِده في رَمَضَان سنة 1139 ثمَّ تنَازع هُوَ وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسحاق بن المهدي وَكَانَ قد دَعَا إلى نَفسه ولقب بالنّاصر وَبَايَعَهُ عُلَمَاء الْيمن ورؤسائها وَجَمِيع أَهلهَا ثمَّ إن الإمام الْمَنْصُور بَايعه على شُرُوط اشترطها فَلم يَقع الْوَفَاء فاستمر الْمَنْصُور على دَعوته وَغلب على الْقطر الْيُمْنَى وَبَايَعَهُ النَّاس وظفر بجيوش النَّاصِر وَأسر أَوْلَاده وأخوته وقرابته ورؤساء أجناده وَمِنْهُم السَّيِّد يحيى بن إسحاق وَالسَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن إسحاق وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسماعيل بن مُحَمَّد بن إسحاق وَالسَّيِّد عبد الله بن طَالب وكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ رَئِيس كَبِير يَقُود الجيوش الْكَثِيرَة وَكَانَ استيلاؤه على الْمَذْكُورين فِي أسْرع وَقت وَأقرب مُدَّة وَكَانَ الْمَنْصُور مَشْهُورا بالشجاعة وعلوّ الهمة ومصابرة الْقِتَال وَاحْتِمَال مشاق الْغَزْو وَآخر الْأَمر بَايعه النَّاصِر وَاجْتمعَ النَّاس عَلَيْهِ وَلم يبْق لَهُ مُخَالف إلا أَخُوهُ السَّيِّد أَحْمد بن المتَوَكل وَلم يزل الْحَرْب بَينهمَا إلى أَن مَاتَ وَلكنه لم يدع إلى نَفسه وَتَأَخر مَوته بعد أَخِيه الْمَنْصُور نَحْو سنة وَبَايع وَلَده المهدي الْعَبَّاس وَكَانَ الْمَنْصُور إماماً عَظِيما وسلطاناً فخيماً وَكَانَ قد وَقع بَينه وَبَين وَالِده الإمام المتَوَكل بعض مُخَالفَة فِي آخر مُدَّة المتَوَكل وَلما حضرت المتَوَكل الْوَفَاة دخل الْمَنْصُور صنعاء وَاسْتقر بهَا ودامت خِلَافَته مَعَ سَعَادَة كَبِيرَة وظفر بالأعداء لم يسمع بِمثلِهِ فى الازمنة الْقَرِيبَة وَجَمِيع الْقطر الْيُمْنَى دَاخل تَحت طَاعَته لم يخرج عَن طَاعَته الا بِلَاد تعز
والحجرية فإن أَخَاهُ أَحْمد كَانَ مستولياً عَلَيْهَا وَكَانَ مَوته في سنة 1161 إحدى وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف
149 -
السَّيِّد الْحُسَيْن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد
تقدم تَمام نسبه في تَرْجَمَة أَخِيه الْحسن ولد يَوْم الأحد رَابِع عشر شهر ربيع الآخر سنة 999 تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة قَرَأَ على الشَّيْخ لطف الله بن مُحَمَّد الغياث وَكَانَ يتعجب من فهمه وَحسن إدراكه وَقَرَأَ على جمَاعَة من عُلَمَاء عصره وبرع في كل الْفُنُون وفَاق فِي الدقائق الأصولية والبيانية والمنطقية والنحوية وَله مَعَ ذَلِك شغلة بِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَألف الْغَايَة وَشَرحهَا الْكتاب الْمَشْهُور الَّذِي صَار الْآن مدرس الطّلبَة وَعَلِيهِ الْمعول فِي صنعاء وجهاتها وَهُوَ كتاب نَفِيس يدل على طول بَاعَ مُصَنفه وَقُوَّة ساعده وتبحّره في الْفَنّ اعتصره من مُخْتَصر الْمُنْتَهى وشروحه وحواشيه وَمن مؤلفات آبَائِهِ من الْأَئِمَّة فِي الأصول وسَاق الأدلة سوقاً حسناً وجود المباحث وَاسْتوْفى مَا تَدْعُو إليه الْحَاجة وَلم يكن الْآن في كتب الاصول من مؤلفات أهل النمين مثله وَمَعَ هَذَا فَهُوَ أَلفه وَهُوَ يَقُود الجيوش ويحاصر الأتراك في كل مَوَاطِن ويضايقهم ويوردهم المهالك ويشن عَلَيْهِ الغارات وَله مَعَهم ملاحم تذهل الْمشَاهد لبعضها عَن النظر في كتاب من كتب الْعلم فَكيف بِهِ رحمه الله وَهُوَ قَائِد الجيوش وأمير العساكر والمرجوع إليه هُوَ وَأَخُوهُ الْحسن الْمُقدم ذكره فِيمَا دق وَجل من أَمر الْجِهَاد فإن بعض الْبَعْض من هَذَا يُوجد تكدر الذِّهْن وتشوشه ونسيان المحفوظات فضلاً عَن تصنيف الدقائق وتحرير الْحَقَائِق
والمزاحمة لعضد الدَّين والسعد التَّفْتَازَانِيّ والاستدراك عَلَيْهِمَا وعَلى أمثالهما من المشتهرين بتحقيق الْفَنّ فَمَا هَذِه الاشجاعة تتقاعس عَنْهَا الشجعان ورصانة لَا يقعقع لَهَا بالشنآن وَقُوَّة جنان تبهر الْأَلْبَاب وثبات قدم في الْعُلُوم لم يكن لغيره في حِسَاب ومازال رحمه الله مُجَاهدًا وَقَائِمًا فى حَرْب الاتراك قَاعِدا وناشراً للعلوم ومحققاً لحدودها والرسوم حَتَّى توفاه الله تَعَالَى في آخر لَيْلَة الْجُمُعَة ثاني شهر ربيع الآخر سننة 1050 خمسين وَألف بِمَدِينَة ذمار وَدفن بهَا فِي قُبَّته الْمَشْهُورَة وَله نظم حسن فَمِنْهُ
(مولاي جد بوصال صب مدنف
…
وتلافه قبل التلاف بموقف)
(وَارْحَمْ فديت قَتِيل سيف مرهف
…
من مقلتيك طعين قدّ أهيف)
150 -
السَّيِّد الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْحسن ابْن زيد بن الْحُسَيْن الحسيني العلوي الْمَعْرُوف بِابْن قاضي الْعَسْكَر
ولد في سنة 698 ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَولى التوقيع بِالْقَاهِرَةِ ونقابة الأشراف وَمهر في ذَلِك وفي النظم والنثر وَلم يكن لَهُ نَظِير فِي الاقتدار على سرعَة النظم والنثر كتب بديوان الإنشاء من التقاليد والتواقيع مَا لَا يدْخل تَحت الْحصْر وَله إجازة من ابْن دَقِيق الْعِيد والدمياطي وَحفظ في صغره التَّنْبِيه ودرس فِي بعض الْمدَارِس وَمن شعره
(إذا الْعلم لم يعضده جاه وثروة
…
فصاحبه في الْقَهْر يمسي وَيُصْبِح)
(وإن أسعد الْمَقْدُور فالصعب هَين
…
وَذُو الْجَهْل مَعَ نقصانه يتَرَجَّح)
وَله
(تلق الْأُمُور بصبر جميل
…
وَصدر رحيب وخلّ الْحَرج)
(وَسلم لِرَبِّك فِي حكمه
…
فإما الْمَمَات واما الْفرج)
قَالَ الصفدى وَبنى مدرسة بحارة بهاء الدَّين ووقف عَلَيْهَا وَقفا جيدا ووقف فِيهَا كتبا كَثِيرَة جَيِّدَة وَكَانَ دمث الأخلاق متواضعاً وَله ديوَان خطب سَمَّاهَا الْمقَال المحبر في مقَام الْمِنْبَر عَارض بهَا خطب ابْن نَبَاته مَاتَ فِي سَابِع عشر شعْبَان سنة 762 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة
151 -
الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله العنسي ثمَّ الصنعاني
ولد سنة 1188 ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف واشتغل بِطَلَب الْعلم فَأخذ عَن السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر وَعَن غَيره من مَشَايِخ الْعَصْر واستفاد في النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والأصول وَله إدراك كَامِل وعرفان تَامّ وَفهم فائق وقرأ عليّ في شرح الرضي على الكافية
وَهُوَ الْآن يقْرَأ علي في شرحي للمنتقى وَقد صَار من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين مَعَ كَونه في عنفوان الشَّبَاب وَهُوَ قَلِيل النظير في فهم الدقائق وَحسن التَّصَوُّر وَقُوَّة الإدراك نفع الله بِهِ وَقَرَأَ عليّ أَيْضا في الْعَضُد وحواشيه قِرَاءَة تشد إليها الرحال وَله قِرَاءَة على فى غير ذَلِك من مؤلفاتى وَغَيرهَا كالكشاف وحواشيه والمطول وحواشيه
152 -
الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الله الطيبي الإمام الْمَشْهُور صَاحب شرح الْمشكاة
وحاشية الْكَشَّاف وَغَيرهمَا كَانَ في مبادئ عمره صَاحب ثروة كَبِيرَة فَلم يزل ينْفق ذَلِك في وُجُوه الْخيرَات إلى أَن كَانَ في آخر عمره فَقِيرا وَكَانَ كَرِيمًا متواضعاً حسن المعتقد شَدِيد الرَّد على الفلاسفة والمبتدعة مظْهرا فضائحهم مَعَ استيلائهم على بِلَاد الْمُسلمين فِي عصره شَدِيد الْمحبَّة لله وَلِرَسُولِهِ كثير الْحيَاء ملازماً للْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة ملازماً لتدريس الطّلبَة فِي الْعُلُوم الإسلامية وَعِنْده كتب نفيسة يبذلها لطلبته ولغيرهم من أهل بَلَده بل ولسائر الْبلدَانِ من يعرفهُ وَمن لَا يعرفهُ وَله إقبال على اسْتِخْرَاج الدقائق من الْكتاب وَالسّنة وحاشيته على الْكَشَّاف هي أنفس حَوَاشِيه على الإطلاق مَعَ مَا فِيهَا من الْكَلَام على الأحاديث فِي بعض الْحَالَات إذا اقْتضى الْحَال ذَلِك على طَريقَة الْمُحدثين مِمَّا يدل على ارْتِفَاع طبقته فِي
علمى الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَله كتاب فِي الْمعَانى وَالْبَيَان سَمَّاهُ التِّبْيَان وَشَرحه وَأمر بعض تلامذته باختصاره ثمَّ شرع في جمع كتاب فِي التَّفْسِير وَعقد مَجْلِسا عَظِيما لقِرَاءَة كتاب البخاري وَكَانَ يقْرَأ في التَّفْسِير من بكرَة الى الظّهْر وَمن بعده الى الْعَصْر لَا سَماع البخاري إلى أن كَانَ يَوْم وَفَاته ففرغ عَن قِرَاءَة التَّفْسِير وَتوجه إلى مجْلِس الحَدِيث فَدخل مَسْجِدا عِنْد بَيته فصلى النَّافِلَة قَاعِدا وَجلسَ ينْتَظر الإقامة للفريضة فَقضى نحبه مُتَوَجها الى الْقبْلَة فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر شعْبَان سنة 743 ثَلَاث وأربعين وَسَبْعمائة
153 -
الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن سعيد بن عِيسَى اللاعي الْمَعْرُوف بالمغربي
قَاضِي صنعاء وعالمها ومحدثها جد شَيخنَا الْحسن بن إسماعيل بن الْحُسَيْن ولد سنة 1048 ثَمَان وَأَرْبَعين وألف وَأخذ الْعلم عَن السَّيِّد عز الدَّين العبّالي وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي وعَلى بن يحيى البرطى وَغَيرهم وبرع في عدَّة عُلُوم وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء كالسيّد عبد الله بن علي الْوَزير وَغَيره وَتَوَلَّى الْقَضَاء للإمام المهدي احْمَد بن الْحسن وَاسْتمرّ قَاضِيا إلى أيام الإمام المهدي مُحَمَّد بن احْمَد وَهُوَ مُصَنف الْبَدْر التَّمام شرح بُلُوغ المرام وَهُوَ شرح حافل نقل مَا فِي التَّلْخِيص من الْكَلَام على متون الأحاديث وأسانيدها ثمَّ إذا كَانَ الحَدِيث في البخاري نقل شَرحه من فتح الباري وإذا كَانَ فى صَحِيح مُسلم نقل شَرحه من شرح النووي وَتارَة ينْقل من شرح السّنَن لِابْنِ رسْلَان وَلكنه لَا ينْسب هَذِه النقول الى اهلها غَالِبا مَعَ كَونه يَسُوقهَا بِاللَّفْظِ وينقل الخلافات من الْبَحْر الزخار للإمام المهدي احْمَد بن يحيى وفي بعض الأحوال من نِهَايَة ابْن رشد وَيتْرك التَّعَرُّض للترجيح في غَالب الْحَالَات وَهُوَ ثَمَرَة الِاجْتِهَاد وعَلى كل حَال فَهُوَ شرح مُفِيد وَقد
اخْتَصَرَهُ السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وسمى الْمُخْتَصر سبل السَّلَام وَله رِسَالَة فِي حَدِيث أخرجُوا الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب رجح فِيهَا إنه إنما يجب إخراجهم من الْحجاز فَقَط محتجاً بِمَا فِي رِوَايَة بِلَفْظ أخرجُوا الْيَهُود من الْحجاز وَكَانَ أَخُوهُ الْحسن من محَاسِن الْيمن وَله حَاشِيَة على شرح القلائد للإمام المهدي وَهُوَ مبرز فِي جَمِيع الْفُنُون ولهذين الأخوين ذُرِّيَّة صَالِحَة هم مَا بَين عَالم وعامل وإلى الْآن وهم كَذَلِك وبيتهم معمور بالفضائل وَتوفى صَاحب التَّرْجَمَة سنة 1119 وَقيل سنة 1115 خمس عشر وَمِائَة وألف وَتُوفِّي أَخُوهُ الْحسن الْمَذْكُور سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وألف وَقد ترْجم لَهما الحيمي في طيب السمر وَذكر لَهما شعرًا كشعر الْعلمَاء
154 -
الْحُسَيْن بن نَاصِر بن عبد الحفيظ الْمَعْرُوف كسلفه بالمهلاّ
الشرفي اليماني الْعَالم الْكَبِير صَاحب الْمَوَاهِب القدسية شرح البوسية وَهُوَ شرح نَفِيس يبين مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ القصيدة من الْمعَانى والمسائل ثمَّ ينْقل الدَّلِيل ويحرره تحريراً قَوِيا وينقل من ضوء النَّهَار للجلال مبَاحث ويجيب عَلَيْهِ في كثير من ذَلِك ويصفه بِأَنَّهُ شَيْخه في الْعلم وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ شرح مُفِيد وقفت على مجلدات مِنْهُ وبلغني أنه في سبع مجلدات وَهَذِه الْمَنْظُومَة الَّتِى شرحها هي في الْفِقْه للبوسي على نمط الشاطبية في الْوَزْن والروي والقافية والإشارة إلى مَذَاهِب الْعلمَاء بالرمز مَعَ جودة الشّعْر وقوته وسلاسته وَجُمْلَة أبياتها أربعة آلَاف بَيت وَخَمْسمِائة وَثَمَانُونَ بَيْتا والبوسي الْمَذْكُور هُوَ أحد عُلَمَاء الزيدية بالديار اليمنية وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة مؤلفات هَذَا أشهرها وَقد ترْجم لَهُ الحيمي فِي طيب السمر وَذكر أنه كَانَ أطلس لَا لحية لَهُ وَتُوفِّي شَهِيدا قَتله أصحاب المحطوري فِي فتنته حَسْبَمَا سيأتي شَرحه
فِي تَرْجَمَة المهدى مُحَمَّد بن احْمَد صَاحب الْمَوَاهِب وَكَانَت تِلْكَ الْفِتْنَة فِي سنة 1111 وَله نظم حسن فَمِنْهُ
(هي الدَّار مَا الآمال إِلَّا فجائع
…
عَلَيْهَا وَمَا اللَّذَّات إِلَّا مصائب)
(فكم سخنت بالْأَمْس عين قريرة
…
وقرّت عُيُون دمعها قبل ساكب)
(فَلَا تكتحل عَيْنَاك مِنْهَا بعبرة
…
على ذَاهِب مِنْهَا فإنك ذَاهِب)
155 -
السَّيِّد الْحُسَيْن بن يحيى بن إبراهيم الديلمي الذمّاري
ولد في سنة 1149 تسع وأربعين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بذمار وَأخذ عَن علمائها كالفقيه عبد الله بن حُسَيْن دلامة والفقيه حسن بن أَحْمد الشبيبي وهما الْمرجع هُنَالك في علم الْفِقْه ثمَّ ارتحل إلى صنعاء وَقَرَأَ في الْعَرَبيَّة وَله قِرَاءَة فِي الحَدِيث على السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير ثمَّ عَاد إلى ذمّار وَاسْتقر بهَا وَكَانَ فَقِيرا فَتزَوج بِامْرَأَة لَهَا ثروة ثمَّ اشْتغل بِالتِّجَارَة وتكاثرت أَمْوَاله وَلم يكن يتجر بِنَفسِهِ بل كَانَ يَنُوب عَنهُ غَيره وَهُوَ مكب على الْعلم ودرس في الْفِقْه وَغَيره وَتخرج بِهِ جمَاعَة مِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة احْمَد بن مُحَمَّد الحرازي الْمُتَقَدّم ذكره ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء رحْلَة ثَانِيَة بعد سنة 1200 ورافقني في الْقِرَاءَة على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي فَقَرَأَ مَعنا في صَحِيح مُسلم وأقرأ الطّلبَة في الْفِقْه بِجَامِع صنعاء وبقي مُدَّة وعزم على استيطان صنعاء ثمَّ بعد ذَلِك رجح الْعود إلى ذمّار فَعَاد اليها
وَهُوَ الْآن عالمها المرجوع إليه المتفرّد بهَا من دون مدافع وَصَارَ الطّلبَة هُنَالك يقرأون عَلَيْهِ فِي الْفِقْه والنحو وَالصرْف والأصول وَالتَّفْسِير والْحَدِيث وبينى وَبَينه من الْمَوَدَّة مَالا يعبر عَنهُ وَقد جرى بَيْننَا مباحثة علمية مدونة فِي رسائل هى فى مَجْمُوع مالي من الْفَتَاوَى والرسائل وَلَا يزَال يعاهدني بعد رُجُوعه الى ذمار ويتشوق إلى اللِّقَاء وَأَنا كَذَلِك وَالْمُكَاتبَة بَيْننَا مستمرة إِلَى الآن وَهُوَ من جملَة من رغّبني في شرح الْمُنْتَقى فَلَمَّا أعَان الله على تَمَامه صَار يراسلني فِي الإرسال إليه بنسخة وَلم يكن قد تيَسّر ذَلِك وَلما ألفت الرسَالَة الَّتِى سميتها إرشاد الغبي إِلَى مَذْهَب أهل الْبَيْت في صحب النبي ونقلت إجماعهم من ثَلَاث عشرَة طَريقَة على عدم ذكر الصَّحَابَة بسب أوما يُقَارِبه وَقعت هَذِه الرسَالَة بأيدي جمَاعَة من الرافضة الَّذين بِصَنْعَاء الْمُخَالفين لمذاهب أهل الْبَيْت فجالوا وصالوا وتعصبوا وتحزبوا وَأَجَابُوا بأجوبة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا مَحْض السباب والمشاتمة وَكَتَبُوا أبحاثاً نقلوها من كتب الإمامية والجارودية وَكَثُرت الْأَجْوِبَة حَتَّى جَاوَزت الْعشْرين وأكثرها لَا يعرف صَاحبه واشتغل النَّاس بذلك أَيَّامًا وَزَاد الشَّرّ وعظمت الْفِتْنَة فَلم يبْق صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا امام وَلَا مَأْمُوم الا وَعِنْده من ذَلِك شئ وَأَعَانَهُمْ على ذَلِك جمَاعَة مِمَّن لَهُ صولة ودولة ثمَّ ان تِلْكَ الرسَالَة اتنشرت فِي الاقطار اليمنية وَحصل الِاخْتِلَاف في شَأْنهَا وتعصب أهل الْعلم لَهَا وَعَلَيْهَا حَتَّى وَقعت الْمُرَاجَعَة والمجاوبة وَالْمُكَاتبَة في شَأْنهَا في الْجِهَات التهامية وكل من عِنْده أدنى معرفَة يعلم أَنى لم أذكر فِيهَا إلا مُجَرّد الذب عَن أَعْرَاض الصَّحَابَة الَّذين هم خير الْقُرُون مُقْتَصرا على نُصُوص الْأَئِمَّة من أهل الْبَيْت ليَكُون ذَلِك أوقع في نفوس من يكذب عَلَيْهِم
وينسب الى مذاهبهم ماهم مِنْهُ بُرَآء وَلَكِن كَانَ أهل الْعلم يخَافُونَ على أنفسهم ويحمون أعراضهم فيسكتون عَن الْعَامَّة وَكَثِيرًا مِنْهُم كَانَ يصوبهم مداراة لَهُم وَهَذِه الدسيسة هي الْمُوجبَة لاضطهاد عُلَمَاء الْيمن وتسلط الْعَامَّة عَلَيْهِم وخمول ذكرهم وَسُقُوط مَرَاتِبهمْ لأَنهم يكتمون الْحق فإذا تكلم بِهِ وَاحِد مِنْهُم وثارت عَلَيْهِ الْعَامَّة صانعوهم وداهنوهم وأوهموهم إنهم على الصَّوَاب فيتجرأون بِهَذِهِ الذريعة على وضع مقادير الْعلمَاء وهضم شَأْنهمْ وَلَو تكلمُوا بِالصَّوَابِ أَو نصروا من يتَكَلَّم بِهِ أَو عرفُوا الْعَامَّة إذا سألوهم الْحق وزجروهم عَن الِاشْتِغَال بِمَا لَيْسَ من شَأْنهمْ لكانو يداً وَاحِدَة على الْحق وَلم يسْتَطع الْعَامَّة وَمن يلْتَحق بهم من جهلة المتفقهة اثارة شئ من الْفِتَن فَإنَّا لله وَإِنَّا إليه رَاجِعُون وَكَانَ تأليفى لتِلْك الرسلة فِي سنة 1208 وَمن جملَة من اشْتغل بهَا فُقَهَاء ذمار وَقَامُوا وقعدوا وكانو يسْأَلُون صَاحب التَّرْجَمَة عَن ذَلِك ويتهمونه بالموافقة لما في الرسَالَة لما يعلمونه من الْمَوَدَّة الَّتِى بيني وَبَينه فسلك مَسْلَك غَيره مِمَّن قدمت الإشارة إليهم من أهل الْعلم بل زَاد على ذَلِك فحرر جَوَابا طَويلا على تِلْكَ الرسَالَة موهماً لَهُم أَنه قد أنكر بعض مَا فِيهَا فَلَمَّا بلغني أَنه أجَاب ازْدَادَ تعجبي لعلمي أَنه لَا يجهل مثل ذَلِك وَلَا يخفى عَلَيْهِ الصَّوَاب فَلَمَّا وقفت على الْجَواب وَهُوَ في كراريس رَأَيْته لم يبعد عَن الْحق وَلكنه قد أثار فتْنَة بجوابه لظن الْعَامَّة وَمن شابههم أَن مثل هَذَا الْعَالم الَّذِي هُوَ لى من المجين لَا يُجيب إلا وَمَا فعلته مُخَالف للصَّوَاب فأجبت عَلَيْهِ بِجَوَاب مُخْتَصر تناقله المشتغلون بذلك وَفِيه بعض التخشين ثمَّ إنه عافاه الله اعتذر إليّ مَرَّات وَلم اشْتغل بِجَوَاب على غَيره لأَنهم لَيْسُوا بَاهل لذَلِك وفي الجوابات مَالا يقدر على تحريره
إلا عَالم وَلَكنهُمْ لم يسموا أنفسهم فَلم اشْتغل بِجَوَاب من لَا أعرفهُ إلا أَنه وَقع في هَذِه الْحَادِثَة من بعض شيوخي مَا يقْضى مِنْهُ الْعجب وَهُوَ أَنه بلغني أَنه من جملَة المجيبين فَلم اصدق لعلمي أَنه مِمَّن يعرف الْحق وَلَا يخفى عَلَيْهِ الصَّوَاب وَله معرفَة بعلوم الْكتاب وَالسّنة فَبعد أَيَّام وقفت على جَوَابه بِخَطِّهِ فَرَأَيْت مَالا يظن بِمثلِهِ من المجازفة في الْكَلَام والاستناد إلى نقُول نقلهَا من كتب رافضة الإمامية والجارودية وقررها ورجحها وَأَنا أعلم أَنه يعلم أَنَّهَا بَاطِلَة بل يعلم أَنَّهَا مَحْض الْكَذِب وليته اقْتصر على هَذَا وَلكنه جَاءَ بعبارات شنيعة وتحامل عليّ تحاملاً فظيعاً وَالسَّبَب أَنه أصلحه الله نظر بعض وزارء الدولة وَقد قَامَ في هَذِه الْحَادِثَة وَقعد وأبرق وأرعد فخدم حَضرته بِتِلْكَ الرسَالَة الَّتِى جنابها على أَعْرَاض الصَّحَابَة فضلاً عَن غَيرهم فَمَا ظفر بطائل
واتفقت لصَاحب التَّرْجَمَة محنة وَذَلِكَ أن رجلا يُقَال لَهُ مُحَمَّد حُسَيْن من أولاد المهدي صَاحب الْمَوَاهِب غَابَ عَن الْمَوَاهِب نَحْو عشْرين سنة ثمَّ لم يشْعر أَهله بعد هَذِه الْمدَّة إلا وَقد وصل رجل يزْعم أنه هُوَ فَصدقهُ أهل الْغَائِب كزوجته ووالدته وأخوته وشاع أَنه دخل بِالْمَرْأَةِ وَاسْتمرّ كَذَلِك أياماً فوصل بعد ذَلِك رجل من بَيت النَّجْم الساكنين في زبيد وَقَالَ لأهل ذمّار وعاملها إن هَذَا لم يكن الْغَائِب بل رجل من بَيت صعصعة المزاينة أهل شعسان صعلوك متحيل متلصص كثير السياحة وَكَانَ عِنْد وُصُوله قد لبس الثِّيَاب المختصة بآل الامام فَطَلَبه الْعَامِل
فصمم على أَنه مُحَمَّد بن حُسَيْن من آل الإمام وَشد عضد دَعْوَاهُ مصادقة أم الْغَائِب وَزَوجته وأخوته ثمَّ طلبه مَوْلَانَا الإمام إلى حَضرته ثمَّ بعد ذَلِك حضر شُهُود شهدُوا أَنه صعصعة المزين ثمَّ تعقب ذَلِك صُدُور الاقرار فعزر تعزيرا بليغاً وطرد وَمَات عَن قرب وَقد كَانَ صَاحب الترجمة حكم لَهُ بأنه مُحَمَّد بن حُسَيْن استناداً إلى الظَّاهِر وَهُوَ إقرار الأهل فَطلب من الحضرة العلية وَأرْسل عَلَيْهِ رَسُول ثمَّ أعفي عَن الْوُصُول والمترجم لَهُ عافاه الله مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل ناشر للْعلم في مَدِينَة ذمار مكثر من أَعمال الْخَيْر قَائِم بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر بِمِقْدَار مَا يُمكن مَعَ سَلامَة صدر وكرامة أَخْلَاق وَحسن محاضرة وجمييل مذاكرة وَاحْتِمَال لما يلاقيه من الْجفَاء الزَّائِد من أهل بَلَده بِسَبَب نشره لعلم الحَدِيث بَينهم وميله إلى الإنصاف في بعض الْمسَائِل مَعَ مبالغته في التكتم وَشدَّة احترازه
156 -
الْحُسَيْن بن يحيى السلفي الصّنعاني
ولد تَقْرِيبًا بعد سنة 1160 سِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من عُلَمَاء صنعاء وَمِنْهُم شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة علي بن إبراهيم بن عَامر وَشَيخنَا الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الحرازي وآخرين وَأخذ عَنى في أمالي الإمام أَحْمد بن عِيسَى وَحضر في الْقِرَاءَة عليّ في أدوال مُتعَدِّدَة وَهُوَ رجل سَاكن عَاقل حسن السمت قوي الْمُشَاركَة فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد عَامل بِمَا تَقْتَضِيه الأدلة جيد الْفَهم وَهُوَ الآن أحد المدرسين في الْفُنُون بِجَامِع صنعاء نفع الله بِهِ وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة أَخ عَالم شَاعِر وَهُوَ إسماعيل بن يحيى توفي وَهُوَ في سن الشَّبَاب بِمَكَّة المشرفة فِي فِي شهر الْحجَّة سنة 1194 وَمَات المترجم لَهُ رحمه الله في سنة 1230 ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف
157 -
السَّيِّد الْحُسَيْن ين يُوسُف بن الْحُسَيْن بن أَحْمد زبارة
قد تقدم رفع نسبه ومولده على التَّقْرِيب بعد سنة 1150 نَشأ بِصَنْعَاء وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من علمائها وَهُوَ أحد عُلَمَاء الْعَصْر المفيدين حسن السمت والخلق والأخلاق متين الدّيانَة حَافظ لِلِسَانِهِ كثير الْعِبَادَة والأذكار مقبل على أَعمال الْخَيْر مستكثر مِنْهَا عاكف على الْعلم وَالْعَمَل وَقد أجَاز لي جَمِيع مَا يرويهِ عَن ابيه عَن جده الْحُسَيْن وَهُوَ الْآن حي نفع الله بِهِ ثمَّ توفي رحمه الله في أوائل شهر محرم سنة 1231 إحدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف
158 -
حَمْزَة بن عبد الله بن مُحَمَّد بن علي بن أَبى بكر التقي الناشري الزبيدي الشافعي
ولد في ثَالِث عشر شَوَّال سنة 833 ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة بِنَخْل وادي زبيد ونشأ بزبيد فحفظ الْقُرْآن والشاطبية وألفية ابْن مَالك وَبَعض الْحَاوِي وتلى بالسبع على مُحَمَّد بن أَبى بكر الْمقري وقرأ على جمَاعَة من عُلَمَاء زبيد في فنون من الْعلم وَأَجَازَ لَهُ آخَرُونَ من جِهَات وَمن جملَة مشايخه صديق بن أَبى الطيب والزين الشرجي والتقي بن فَهد وَابْن ظهيرة وَتردد إلى مَكَّة وَأخذ عَن السخاوي وناب في قَضَاء زبيد وَأفْتى ونظم وَألف مؤلفات مِنْهَا مسالك التحبير في مسَائِل التَّكْبِير والبستان الزَّاهِر فى طَبَقَات بنى ناشر وانتهاز الفرص في الصَّيْد والقنص أَلفه للْملك المظفر والفية في غَرِيب الْقُرْآن وَكَانَ كثير الزواج ورزق كثيراً من الْأَوْلَاد وَمَات غالبهم وَطَالَ عمره حَتَّى قَارب الْمِائَة وَهُوَ متمتع بحواسه يستفض الْأَبْكَار وَمَات فِي صبح يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر ذي الْقعدَة سنة 926 سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَدفن بتربة سلفه فِي بَاب سِهَام
159 -
حميضة بن أبي نميّ مُحَمَّد بن حسن بن علي بن قَتَادَة بن إدريس الْحسنى الشريف عز الدَّين أمير مَكَّة
كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ رميثة وليا أَمر مَكَّة في حَيَاة أَبِيهِمَا سنة 701 ثمَّ استقلا بالامرة وَاسْتمرّ إِلَى الْمَوْسِم فحج بيبرس تِلْكَ السنة فَلَمَّا كَانَ في طواف الْوَدَاع كَلمه أبو الْغَيْث وعطيفة في أَمر أخويهما حميضة ورميثة وأنهما منعاهما ميراثهما فَأنْكر عَلَيْهِمَا بيبرس فَقَالَ لَهُ حميضة يَا أَمِير نَحن نتصرف فِي أخوتنا وَأَنْتُم قضيتم حَجكُمْ فَلَا تدْخلُوا بَيْننَا فَغَضب بيبرس
وَقبض على حميضة ورميثة وحملهما إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام أَبَا الْغَيْث وعطيفة موضعهما ثمَّ أفرج عَنْهُمَا في أَوَائِل سنة 702 وخلع عَلَيْهِمَا وتوجها إِلَى مَكَّة ففرّ أَبُو الْغَيْث ثمَّ فرّ حميضة من أَمِير الْحَج فِي سنة 707 فقرر أَبَا الْغَيْث مَكَانَهُ فَلَمَّا رَجَعَ الْعَسْكَر عَاد حميضة مختفياً في زي امْرَأَة وفرّ إِلَى الْعرَاق مستجيرا بملكها خربيدا فَتَلقاهُ وأكرمه وَبَالغ في الإحسان إليه وَندب مَعَه أَربع آلَاف فَارس وراسل أَخَاهُ رميثة أَن يَأْذَن لَهُ بِدُخُول مَكَّة ويشاركه الأمرة كعادته فَامْتنعَ وَكَاتب النَّاصِر فأجابه بَان لَا يفعل إِلَّا أن دخل حميضة إلى مصر فوصل حميضة بالعسكر ونازل رميثة فَانْهَزَمَ وَدخل حميضة مَكَّة عنْوَة وَقطع خطْبَة النَّاصِر وخطب لخربيدا وَأخذ أَمْوَال التُّجَّار فَجرد النَّاصِر عَسْكَر فَانْهَزَمَ مِنْهُم من غير قتال ثمَّ عَاد بعد ذهَاب الْحَج فأرسل رميثة يطْلب الْأمان فَأَمنهُ ثمَّ اصطلحا فَبلغ ذَلِك النَّاصِر فَغَضب وَقرر عطيفة في أمره مَكَّة فَخرج حميضة عَن مَكَّة فَلَمَّا حج النَّاصِر سنة 719 وَعَاد عَاد حميضة وَأخذ أَمْوَال النَّاس من النَّقْد وَغَيره وَحمل مِنْهُ مائَة جمل وأحرق الباقي وتحصن بحصنه الَّذِي لَهُ بالجديدة وَقطع ألفي نَخْلَة فَأرْسل النَّاصِر عسكراً وَدخل مَكَّة الْعَسْكَر فِي ذِي القعده سنة 715 ثمَّ تبعوه إِلَى مَكَانَهُ فأحرقوا الْحصن وَأخذُوا مَا مَعَ حميضة من الْأَمْوَال وَأخذُوا ابْن حميضة أَسِيرًا وسلّموه لِعَمِّهِ رميثة وَاسْتقر رميثة أَمِيرا وَلحق حميضة بالعراق ثمَّ اتَّصل بخربيدا وَقَامَ في بِلَاده وجهز لَهُ جَيْشًا بعد أَن أطمعه أن يخْطب لَهُ بهَا فَمَاتَ خربيداً وَلم يتم ذَلِك فَعَاد حميضة إِلَى مَكَّة وَاتفقَ أَنه هرب من مماليك النَّاصِر ثَلَاثَة أنفس فَمروا بحميضة فأضافهم فَرَأى فيهم شَابًّا جيلا فَمَال إِلَيْهِ وَكَانَ مَعْرُوف بذلك واوسع
لَهُ في المواعيد إِلَى أَن أطاعه وَاسْتمرّ فِي خدمته فَلَمَّا رأى ذَلِك رفيقاه أَقَامَا في خدمَة حميضة واختص بذلك الشَّاب فَصَارَ لَا يكَاد يصبر عَنهُ سَاعَة وَتَمَادَى حَالهم عِنْد حميضة فخشوا مِنْهُ أَن يتَقرَّب بهم إِلَى النَّاصِر فَقَتَلُوهُ في وادي بني شُعْبَة وظفر بهم عطيفة فقيد الَّذِي تولى قَتله وجهزه الى النَّاصِر فَقتله بِهِ وَذَلِكَ في جُمَادَى الْآخِرَة سنة 725 وَكَانَ شجاعاً فاتكاً كَرِيمًا وافر الْحُرْمَة عَظِيم المهابة اتفق أن رجلا مديده لاخذ شئ وجده مطروحا فَقطع يَده فَصَارَت الْأَمْوَال تُوجد وَلَا يتَعَرَّض لَهَا أحد من مهابته
160 -
الشريف حمود بن مُحَمَّد الْحسنى صَاحب أَبى عَرِيش
ولد بعد سنة 1160 تَقْرِيبًا ثمَّ اسْتَقل بِولَايَة أَبى عَرِيش وَسَائِر الْولَايَة الراجعة إِلَى أبي عَرِيش كصبياً وضمد والمخلاف السُّلَيْمَانِي وَكَانَ مُتَوَلِّيًا لذَلِك من طرف مَوْلَانَا الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه رحمه الله ثمَّ حدث مَا حدث من قيام صَاحب نجد واستيلائه على الْبِلَاد الَّتِى بَينه وَبَين أَبى عَرِيش فَأمر عبد الْوَهَّاب بن عَامر العسيري الْمَعْرُوف بأبي نقطة بِأَن يتَقَدَّم فِي جَيْشه على بِلَاد الشريف حمود فَتقدم في نَحْو عشْرين ألفاً والشريف حمود اسْتَقر فِي أَبى عَرِيش لقلَّة جَيْشه فَتقدم عَلَيْهِ أَبُو نقطة إِلَى أَبى عَرِيش فَدَخلَهَا في سنة 1217 وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ فَوق الألف ثمَّ استسلم الشريف حمود وَدخل في الدعْوَة النجدية ثمَّ خرج على الْبِلَاد الامامية فاستولى على بندر اللِّحْيَة وعَلى بندر الحديدة وعَلى زبيدو الحيس وَمَا يرجع إلى هَذِه الولايات واختط مَدِينَة الزهراء وَصَارَ الْآن ملكاً مُسْتقِلّا ثمَّ فسد مَا بَينه وَبَين النجدي فأمر أبا نقطة الْمَذْكُور بَان يغزوه فغزاه والتقيا بأطراف الْبِلَاد فَقتل أَبُو نقطة وَانْهَزَمَ جَيش الشريف وَقتل