الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرف الدَّين وَهَذِه الأبيات لَيست لَهُ بل هى لجده الهادى بن ابراهيم ابْن علي بن المرتضى وفي الأبيات خلط وَلم يزل المترجم لَهُ على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ قبل الْعشَاء الْأَخِيرَة من لَيْلَة الْأَحَد ثاني شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 914 أَربع عشرَة وَتِسْعمِائَة
(18)
السَّيِّد ابراهيم بن مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير
سيأتي ذكره في تَرْجَمَة وَلَده السَّيِّد علي بن إبراهيم (19) إبراهيم بن يحيى بن مُحَمَّد بن صَلَاح السحولي الشجري
سيأتي ذكره في تَرْجَمَة وَلَده مُحَمَّد
ذكر من اسْمه أَحْمد
(20)
أَحْمد بن إبراهيم بن الزّبير بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن عَاصِم بن مُسلم بن كَعْب
الْعَلامَة أَبُو جَعْفَر الأندلسي الْحَافِظ النحوي ولد سنة 627 سبع
وَعشْرين وسِتمِائَة وتلى بالسبع على أَبى الْحسن الساوي وَسمع مِنْهُ وَمن إسحاق بن إبراهيم الطوسي بِفَتْح الطَّاء وإبراهيم بن مُحَمَّد بن الْكَمَال والمؤرخ أَحْمد يُوسُف وأبي الْوَلِيد إسماعيل بن يحيى الأزدي وأبي الْحُسَيْن بن السراج وَمُحَمّد بن أَحْمد بن خَلِيل السلوي وَغَيرهم وَجمع وصنّف وَحدث بالكثير وَبِه تخرّج الْعَلامَة أَبُو حَيَّان وَصَارَ عَلامَة عصره فِي الحَدِيث وَالْقِرَاءَة وَله ذيل على تَارِيخ ابْن بشكوال وَجمع كتاباً في التَّفْسِير سَمَّاهُ ملاك التَّأْوِيل وَقَالَ أَبُو حَيَّان كَانَ يحرر اللُّغَة وَكَانَ أفْصح عَالم رَأَيْته وتفقه عَلَيْهِ خلق وَقَالَ غَيره إنه انفرد بالإفادة وَنشر الْعلم وَحفظ الحَدِيث وتمييز صَحِيحه من سقيمه وصنّف تَارِيخ عُلَمَاء الأندلس وَله كتاب الإعلام فِيمَن ختم بِهِ الْقطر الأندلسي من الْأَعْلَام وَمَا زَالَ على حَاله الْجَمِيل الى أَن توفى سنة 708 ثَمَان وَسَبْعمائة في ثاني عشر شهر ربيع الأول مِنْهَا وَمن مناقبه أَن الفازاري السَّاحر أدعى النُّبُوَّة فَقَامَ عَلَيْهِ فاستظهر عَلَيْهِ بتقربه الى أميرها بِالسحرِ وأوذى أَبُو جَعْفَر فتحول الى غرناطه فاتفق قدوم الفازاري رَسُولا من أمير مالقة فَاجْتمع أَبُو جَعْفَر بِصَاحِب غرناطه وَوصف لَهُ حَال الفازارى فأذن لَهُ إذا انْصَرف بِجَوَاب رسَالَته أَن يخرج إليه بِبَعْض أهل الْبَلَد ويطالبه من نَائِب الشَّرْع فَفعل فَثَبت عَلَيْهِ الْحَد وَحكم بقتْله فَضرب بِالسَّيْفِ فَلم يُؤثر فِيهِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَر جرّدوه فجردوه فوجدوا جسده مَكْتُوبًا فَغسل ثمَّ وجد تَحت لِسَانه حجراً لطيفاً فَنَزَعَهُ فَعمل فِيهِ السَّيْف فَقتله قَالَ بعض من تَرْجمهُ كَانَ ثِقَة قَائِما بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر
دامغاً لأهل الْبدع وَله مَعَ مُلُوك عصره وقائع وَكَانَ مُعظما عِنْد الْخَاصَّة والعامة
(21)
أَحْمد بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْغنى ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَالم
ابْن دَاوُد بن يُوسُف بن خَالِد الشَّيْخ شهَاب الدَّين الأذرعيّ
ولد بأذرعات الشَّام في سنة 708 ثَمَان وَسَبْعمائة وَسمع من الحجاري والمزي وَحضر عِنْد الذهبي وتفقه على ابْن النَّقِيب وَدخل الْقَاهِرَة فَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الْفَخر المصري ثمَّ ألزم بالتّوجه إلى حلب وناب عَن قاضيها نجم الدَّين بن الصَّائِغ فَلَمَّا مَاتَ ترك ذَلِك وَأَقْبل على الِاشْتِغَال والأشغال وراسل السبكي بالمسائل الحلبيات وهي في مُجَلد مَشْهُور واشتهرت فَتَاوِيهِ بالبلاد الحلبية وَكَانَ سريع الْكِتَابَة منطرح النَّفس صَادِق اللهجة شَدِيد الْخَوْف من الله وَله مُصَنف سَمَّاهُ جمع التَّوَسُّط وَالْفَتْح بَين الرَّوْضَة وَالشَّرْح فِي عشْرين مجلدا وَشرح الْمِنْهَاج بشرح سَمَّاهُ غنية الْمُحْتَاج وباخر سَمَّاهُ فَوت الْمُحْتَاج وفي كل مِنْهُمَا مَا لَيْسَ في الآخر وَقدم الْقَاهِرَة بعد موت الشَّيْخ جمال الدَّين الأسنوى وَذَلِكَ فِي جماد الأولى سنة 772 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة وَأخذ عَنهُ بعض أَهلهَا وَلما قدم دمشق أَخذ عَنهُ جمَاعَة وَحكى عَن نَفسه أَنه كَانَ يكْتب في اللَّيْل كراساً تصنيفاً وفي النَّهَار كراساً تصنيفاً لَا يقطع ذَلِك وَلَو كَانَ ذَلِك مَعَ الْمُوَاظبَة لكَانَتْ تصانيفه كَثِيرَة جداً وَكَانَ فَقِيه النَّفس لطيف الذَّوْق كثير الإنشاد للشعر وَكَانَ يَقُول الْحق وينكر الْمُنكر ويخاطب نواب حلب بالغلظة وَكَانَ محباً للغرباء محسناً إليهم مُعْتَقدًا لأهل
الْخَيْر وَقد ذكر عَنهُ كرامات ومكاشفات وَبَالغ ابْن حبيب في الثَّنَاء عَلَيْهِ وَمن نظمه
(يَا موجدي من الْعَدَم
…
أقل فقد زلّ الْقدَم)
(واغفر ذنوباً قد مضى
…
وُقُوعهَا من الْقدَم)
(لَا عذر في اكتسابها
…
إِلَّا الخضوع والندم)
(إِن الْجواد شَأْنه
…
غفران زلات الخدم)
مَاتَ رحمه الله في خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 783 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة
22 -
السَّيِّد أَحْمد بن أَحْمد الأنسي القهدة اليماني الْمَعْرُوف بالزنمة الشَّاعِر الْمَشْهُور
نَشأ بِصَنْعَاء ومدح الإمام الْمُؤَيد مُحَمَّد بن إسماعيل بن الْقَاسِم وَكَانَ حاد الطَّبْع سريع الانجراف فعامله الْمُؤَيد بِاللَّه بالحلم ومدح المهدى صَاحب الْمَوَاهِب مُحَمَّد بن احْمَد وَجَرت لَهُ مَعَه خطوب كَثِيرَة فلحق بِمَكَّة ومدح أميرها الشريف أَحْمد بن غَالب بقصيدة طنانة حثه فِيهَا على أَخذ الْيمن لما جبل عَلَيْهِ من القحة وأولها
(عج بالكثيب وحيِّ الحي من كثب
…
فثمّ يذهب مَا بالصب من وصب)
(وَانْزِلْ بِحَيْثُ ترى الآرام سانحة
…
بَين الخميسين والهندية القضب)
فَأحْسن الشريف نزله وَاجْتمعَ هُنَالك بِجَمَاعَة من أدباء الْعَصْر من مَكَّة ومصر والهند وَالشَّام وَمِنْهُم حفيد الخفاجى صَاحب الربحانه وَابْن مَعْصُوم وَالسَّيِّد حُسَيْن بن عبد الْقَادِر فَاجْتمعُوا فِي منزل الشريف فَقَالَ الخفاجي هَا نَحن قد اجْتَمَعنَا هَذَا الِاجْتِمَاع وَهَؤُلَاء أدباء الْيمن
المشهورون وأدباء الْهِنْد وَالشَّام ومصر وَأَنا أعمل ذيل الربحانه فَهَلُمُّوا فلينظم كل وَاحِد منا قصيدة نبوية هَذِه اللَّيْلَة وَمن أحرز قصبات السَّبق حكمت بانحياز الْأَدَب إلى قطره فنظم كل وَاحِد مِنْهُم قصيدة ونظم صَاحب التَّرْجَمَة قصيدته الْمَشْهُورَة
(أَلا حى ذَاك من ساكني صنعا
…
فكم أَحْسنُوا بالنازلين بهم صنعا)
فَحكم الخفاجي لَهُ بِالسَّبقِ فحسدوه وتعصبوا فَفَارَقَ مَكَّة وَعَاد إلى حَضْرَة المهدي صَاحب الْمَوَاهِب تَائِبًا ومدحه بغرر القصائد ونال مِنْهُ دنيا عريضة وَمن محَاسِن شعره مَا رَاجع بِهِ بعض أَصْحَابه قَائِلا في مطلع قصيدته
(أعقود نظمك أم حباب الراح
…
قد رَاح يجلوها خضيب الراح)
وَمن قصائده الفائقة القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
(ألمت تهادى والمعنف قد أغفى
…
)
وَالْقَصِيدَة الَّتِى مطْلعهَا
(أفي أوج الْمَوَاهِب أصفهان
…
أم التخت الرفيع وشاهجان)
مدح بهَا المهدي لما وصل إليه رَسُول ملك الْعَجم وَجَرت لَهُ وقائع مَعَ المهدي تَارَة يغْضب عَلَيْهِ وَتارَة يرضى عَنهُ إلى أَن توفي في سنة 1119 تسع عشرَة وَمِائَة وألف بِجَزِيرَة زيلع وشعره تَارَة يكون فِي أعلا طبقَة وَتارَة يكون سافلاً وَرُبمَا وجد فِيهِ لحن ووالده شَاعِر مَشْهُور مدح المتَوَكل على الله اسماعيل وَهُوَ دون وَلَده هَذَا فِي الشّعْر
(23)
أَحْمد بن إسماعيل بن أَبى بكر بن عمر بن بُرَيْدَة
بموحدة وَرَاء ودال مُهْملَة ثمَّ هَاء مُصَغرًا الشهَاب الابشيطى ثمَّ
القاهري الأزهري الشافعي نزيل طيبة وَأحد السادات ولد فى سنة 802 اثْنَتَيْنِ وثمان مائَة بابشيط بِكَسْر الْهمزَة ثمَّ مُوَحدَة سَاكِنة بعْدهَا مُعْجمَة ثمَّ تَحْتَانِيَّة وطاء مُهْملَة قَرْيَة من قرى الْمحلة من الغربية وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وَكَذَا الْعُمْدَة والتبريزي وأخذ الْفِقْه عَن ابْن الصَّواف وَابْن حميد وَابْن قطب الدَّين وتلى الْقُرْآن على الرمسيسي ثمَّ انْتقل إلى الْقَاهِرَة في سنة 820 عشْرين وَثَمَانمِائَة فقطن جَامع الْأَزْهَر مُدَّة وَأخذ بهَا الْفِقْه عَن الْبُرْهَان البيجوري وَالشَّمْس البرماوي والولي العراقي وَجَمَاعَة وَأخذ الْمنطق عَن الْعِزّ بن عبد السَّلَام والنحو عَن الشهَاب أَحْمد الصنهاجي وَالشَّمْس الشنطوفي والمحلي والمحب بن نصر الله والشرف السبكي وَسمع الحَدِيث عَن جمَاعَة مِنْهُم الولي العراقي والحافظ ابْن حجر وبرع فِي الْفِقْه وأصوله والعربية والفرائض والحساب وَالْعرُوض والمنطق وَغير ذَلِك وتصدر للإقراء فَانْتَفع بِهِ جمَاعَة كالبكري والجوجري وصنَّف تصانيف مِنْهَا نَاسخ الْقُرْآن ومنسوخه ونظم أَبى شُجَاع والناسخ والمنسوخ للبارزي وَشرح الرحبية والمنهاج الآصلي ومختصر ابْن الْحَاجِب وتصريف ابْن مَالك وايساغوجي والخزرجية وَغير ذَلِك وَعرف بالزهد وَالْعِبَادَة ومزيد التقشف والإيثار والانعزال والإقبال على وظائف الْخَيْر مَعَ قلَّة ذَات يَده بِحَيْثُ لم يكن فى بَيته شئ يفرشه لَا حَصِير وَلَا غَيره بل ينَام على بَاب هُنَالك ثمَّ جح في سنة 757 سبع وَخمسين وَسَبْعمائة وزار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وَانْقطع بِالْمَدِينَةِ الْمُبَارَكَة وَعظم انْتِفَاع أَهلهَا بِهِ وحفظوا من كراماته وبديع إشاراته مَا يفوق الْوَصْف وَكَانَ ذَلِك كلمة
إجماع وَصَارَ فِي غَالب السنين يحج مِنْهَا بل جاور بِمَكَّة في سنة 771 إحدى وَسبعين وَسَبْعمائة وَامْتنع من التحديث في الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة أدباً مَعَ أَبى الْفرج المراغي فِيمَا قيل قَالَ السخاوي وَالظَّاهِر أَنه للأدب مَعَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَاتَ بعد عصر يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع رَمَضَان سنة 783 ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بِالبَقِيعِ بِالْقربِ من قبر الإمام مَالك وَمن نظمه فِي السَّبع المنجيات
(المنجيات السَّبع مِنْهَا الواقعة
…
وَقبلهَا ياسين تِلْكَ الجامعة)
(وَالْخمس الانشراح وَالدُّخَان
…
وَالْملك والبروج والإنسان)
(24)
أَحْمد بن إسماعيل بن عُثْمَان بن أَحْمد بن رشيد ابْن إبراهيم شرف الدَّين
التبريزي الكوراني القاهري ثمَّ الرومي الشافعي عَالم بِلَاد الروم ولد في سنة 813 ثَلَاث عشرَة وثمان مائَة بقرية من كوران وَحفظ الْقُرْآن وتلي السَّبع على القزويني البغدادي وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكَشَّاف وحاشيته للتفتازاني وَأخذ عَنهُ النَّحْو مَعَ علمي الْمعَانى وَالْبَيَان وَالْعرُوض وَكَذَا اشْتغل على غَيره فِي الْعُلُوم وتميّز في الْأَصْلَيْنِ والمنطق وَغَيرهَا وفى النَّحْو والمعاني وَالْبَيَان وَغير ذَلِك من العقليات وشارك فِي الْفِقْه ثمَّ تحوّل إلى حصن كيفا فَأخذ عَن الْجلَال الحلواني في الْعَرَبيَّة وجال فى بَغْدَاد ودياربكر وَقدم دمشق في حُدُود الثَّلَاثِينَ فلازم الْعَلَاء البخاري وانتفع بِهِ وَكَانَ يرجح الْجلَال عَلَيْهِ وَكَذَا قدم مَعَ الْجلَال بَيت الْمُقَدّس وَقَرَأَ عَلَيْهِ في الْكَشَّاف ثمَّ قدم الْقَاهِرَة في حُدُود سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَهُوَ فَقير جداً فَأخذ عَن ابْن حجرٍ فِي البخاري وَشرح الألفية للعراقي ولازمه وَغَيره
وَسمع صَحِيح مُسلم عَن ابْن الزركشي ولازم الشرواني كثيراً وَقَرَأَ عَلَيْهِ صَحِيح مُسلم والشاطبية وأكبّ على الاشتغال والأشغال بِحَيْثُ قَرَأَ على الْعَلَاء القلقشندي في الحاوي ولازم حُضُور الْمجَالِس الْكِبَار كمجلس قِرَاءَة البخاري بِحَضْرَة السُّلْطَان وَغَيره واتصل بالكمال البارزي فَنَوَّهَ بِهِ وبالزيني عبد الباسط وَغَيرهمَا من المباشرين والأمراء بِحَيْثُ اشْتهر وناظر الأماثل وَذكر بالطلاقة والبراعة والجرأة الزَّائِدَة فَلَمَّا ولي الظَّاهِر جقمق وَكَانَ يَصْحَبهُ تردّد اليه فاكثر وَصَارَ أحد ندمائه وخواصه فانثالت عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَتزَوج مرة بعد أُخْرَى لمزيد رغبته فى النِّسَاء مَعَ كَونه مطلاقا قَالَ السخاوي وَظهر لما ترفَّع حَاله مَا كَانَ كامناً عَلَيْهِ من اعْتِقَاد نَفسه الَّذِي جرّ إليه الطيش والخفة وَلم يلبث أَن وَقع بَينه وَبَين حميد الدَّين النعماني الْمَنْسُوب إِلَى أَبى حنيفَة والمحكي أَنه من ذُريَّته مبَاحث تسطَّا فِيهَا عَلَيْهِ وتشاتما بِحَيْثُ تعدى هَذَا الى ابائه وَوصل علم ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فأمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وسجنه بالبرج ثمَّ ادعى عَلَيْهِ عِنْد قاضي الْحَنَفِيَّة ابْن الديرى وأقيمت الْبَيِّنَة بالشتم وبكون المشتوم من ذُرِّيَّة الإمام أَبى حنيفَة وعزر بِحَضْرَة السُّلْطَان نَحْو ثَمَانِينَ ضَرْبَة وَأمر بنفيه وَأخرج عَن تدريس الْفِقْه بالبرقوقية فاستقر فِيهِ الْجلَال الْمحلى اه قلت وَقد لطف الله بالمترجم لَهُ بمرافعته إِلَى حَاكم ضفى فَلَو روفع إِلَى مالكي لحكم بِضَرْب عُنُقه وقبَّح الله هَذِه المجازفات والاستحلال للدماء والأعراض بِمُجَرَّد أشياء لم يُوجب الله فِيهَا إِرَاقَة دم وَلَا هتك عرض فان ضرب هَذَا الْعَالم الْكَبِير نَحْو ثَمَانِينَ جلدَة ونفيه وتمزيق عرضه والوضع من شَأْنه بِمُجَرَّد كَونه شاتم من شاتمه ظلم بَين وعسف ظَاهر وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ لَا يدري بانتساب من
ذكر إِلَى ذَلِك الإمام لَا جرم قد أبدله الله بسُلْطَان خيّر من سُلْطَانه وجيران أفضل من جِيرَانه ورزق أوسع مِمَّا منعُوهُ مِنْهُ وجاه أرفع مِمَّا حسدوه عَلَيْهِ فإنه لما خرج توجه الى مملكة الرّوم وَمَا زَالَ يترقى بهَا حَتَّى اسْتَقر في قَضَاء الْعَسْكَر وَغَيره وتحول حنفياً وَعظم اخْتِصَاصه بِملك الروم ومدحه وَغَيره بقصائد طنانة وَحسنت حَاله هُنَالك جداً بِحَيْثُ لم يصر عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد مُرَاد أحظى مِنْهُ وانتقل من قَضَاء الْعَسْكَر إلى منصب الْفَتْوَى وَتردد إليه الأكابر وَشرح جمع الْجَوَامِع وَكثر تعقبه للمحلي وَعمل تَفْسِيرا وشرحاً على البخاري وقصيدة في علم الْعرُوض نَحْو سِتّمائَة بَيت وَأَنْشَأَ باسطنبول جَامعا ومدرسة سَمَّاهَا دَار الحَدِيث وانثالت عَلَيْهِ الدِّينَا وَعمر الدور وانتشر علمه فَأخذ عَلَيْهِ الأكابر وَحج فى سنة 861 إحدى وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَلم يزل على جلالته حَتَّى مَاتَ فى أَوَاخِر سنة 893 ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَصلى عَلَيْهِ السُّلْطَان فَمن دونه وَمن مطالع قصائده في مدح سُلْطَانه
(هُوَ الشَّمْس إلا أَنه اللَّيْث باسلاً
…
هُوَ الْبَحْر إلا أَنه مَالك الْبر)
وَقد تَرْجمهُ صَاحب الشقائق النعمانية تَرْجَمَة حافلة وَذكر فِيهَا أن سُلْطَان الروم السُّلْطَان مُحَمَّد عرض عَلَيْهِ الوزارة فَلم يقبلهَا وَأَنه أَتَاهُ مرة مرسوم من السُّلْطَان فِيهِ مُخَالفَة للْوَجْه الشرعي فمزقه وَأَنه كَانَ يُخَاطب السُّلْطَان باسمه وَلَا ينحني لَهُ وَلَا يقبل يَده بل يصافحه مصافحة وانه كَانَ لَا يأتى الى السُّلْطَان إِلَّا إِذا أرسل اليه وَكَانَ يَقُول لَهُ مطعمك حرَام وملبسك حرَام فَعَلَيْك بِالِاحْتِيَاطِ وَذكر لَهُ مَنَاقِب جمّة تدل على أَنه من الْعلمَاء العاملين لَا كَمَا قَالَ السخاوي
(25)
أَحْمد بن أويس بن الشَّيْخ حسن بن الْحُسَيْن بن اقبغا أبن ايلكان ابْن القان غياث الدَّين
صَاحب بَغْدَاد وتبريز وسلطانهما ملك بعد أَبِيه الْمُتَوفَّى بتبريز فِي سنة 676 سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة فَأَقَامَ إلى سنة 695 خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة ثمَّ قدم حلب وَمَعَهُ نَحْو أَرْبَعمِائَة فَارس من أَصْحَابه جافلاً من تيمورلنك حِين استيلائه على بَغْدَاد لائذاً بالطاهر برقوق فأرسل الْأَمر بإكرامه ثمَّ استقدمه الْقَاهِرَة وَبَالغ في إكرامه بِحَيْثُ تَلقاهُ وَأرْسل لَهُ نَحْو عشرَة آلاف دِينَار ومائتي قِطْعَة قماش وعدة خُيُول وَعشْرين جَارِيَة وَمثلهَا مماليك وَتزَوج السُّلْطَان أُخْتا لَهُ وَأقَام في ظله إِلَى أَن سَافر مَعَه حِين توجهه بالعساكر إلى جِهَة الشَّام وحلب فَلَمَّا رَجَعَ عَاد أَحْمد إلى بِلَاده بعد أَن ألبسهُ تَشْرِيفًا وتزايدت وجاهته وجلالته فَلم يلبث أَن ساءت سيرته وَقتل جمَاعَة فَوَثَبَ عَلَيْهِ الْبَاقُونَ وأخرجوه وكاتبوا نَائِب تيمورلنك بشيراز ليستلمها فَفعل وهرب هَذَا إلى قرا يُوسُف التركماني بالموصل فسافر مَعَه إلى بَغْدَاد فَالتقى بِهِ أَهلهَا فكسروه وانهزما نَحْو الشَّام وقطعا الْفُرَات ومعهما جمع كَبِير من عَسْكَر بَغْدَاد والتركمان وَنزلا بالساجور قَرِيبا من حلب فَخرج إليهما نَائِب حلب وَغَيره من النواب فَكَانَت وقعة فظيعة انْكَسَرَ فِيهَا الْعَسْكَر الحلبي وأسر نَائِب حماه وتوجها نَحْو بِلَاد الروم فَلَمَّا كَانَ قَرِيبا من بهسنى التقاه نائبها وَجَمَاعَة فكسروه واستلبوا مِنْهُ سَيْفا يُقَال لَهُ سيف الْخلَافَة وَغير ذَلِك وَعَاد إلى بَغْدَاد فَدَخلَهَا وَمكث بهَا مُدَّة حَاكما ثمَّ جَاءَ إليها التتار فَخرج هَارِبا بمفرده
وَجَاء إلى حلب في صفر سنة 706 سِتّ وَسَبْعمائة وَهُوَ بزي الْفُقَرَاء فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ رسم النَّاصِر باعتقاله فاعتقل بهَا ثمَّ طلب إلى الْقَاهِرَة فَتوجه إليها واعتقل في توجهه بقلعة دمشق ثمَّ أطلق بِغَيْر رِضَاء السُّلْطَان وَعَاد إلى بَغْدَاد ودخلها بعد أن نزل التتار عَنْهَا بوفاة تيمور لنك وَاسْتمرّ على عَادَته وتنازع هُوَ وقرا يُوسُف فَكَانَت الكسرة عَلَيْهِ فَأسرهُ وَقَتله خنفا في لَيْلَة الْأَحَد سلخ شهر ربيع الآخر سنة 713 ثَلَاث عشر وَسَبْعمائة وَقد طوّل ابْن حجر تَرْجَمته في أنبائه وَقَالَ أَنه سَار السِّيرَة الحائرة وَقتل في يَوْم وَاحِد ثَمَانمِائَة نفس من الأعيان قَالَ وَكَانَ سفاكاً للدماء متجاهراً بالقبائح وَله مُشَاركَة في عدَّة عُلُوم كَالنُّجُومِ والموسيقى وَله شعر كثير بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيرهَا وَكتب الْخط الْمَنْسُوب مَعَ شجاعة ودهاء وحيل ومحبة لأهل الْعلم وَقَالَ ابْن خطيب الناصرية كَانَ مهيباً لَهُ سطوة على الرعية فتاكاً منهمكاً على الشّرْب وَاللَّذَّات لَهُ يَد طولى فِي علم الموسيقى
(26)
الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد
سيأتي تَمام نسبه في تَرْجَمَة وَالِده ولد رحمه الله سنة 1029 تسع وَعشْرين وَألف ثمَّ لما بلغ مبلغ الرِّجَال ظَهرت مِنْهُ شجاعة وبراعة وَقُوَّة جنان وإقدام زَائِد وَوَقع مِنْهُ في أَيَّام عَمه الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم بعد موت وَالِده الْمُجَاهِد الْحسن بن الإمام بعض مُخَالفَة ثمَّ عَاد الْأَمر إِلَى الْمُوَافقَة وَاسْتمرّ فِي أَيَّام الْمُؤَيد إِلَى آخرهَا ثمَّ في أَيَّام عَمه الإمام المتَوَكل على الله إسماعيل وجاهد في أَيَّامه الجهادات الْمَشْهُورَة وأوقع بِأَهْل البغي الوقعات المأثورة وَدخل بالجيش مرة بعد أُخْرَى الى خضرموت ودوخ تِلْكَ
الممالك وأذعن لَهُ سلاطين يافع بل وصلوا تَحت ركابه إلى الإمام ثمَّ دخل الْجوف مرّة بعد مرّة وَمَا زَالَ في مجاهدة ومناصرة للحق ومدافعة للظلمة والبغاة حَتَّى مَاتَ عَمه المتَوَكل على الله فاجتمعت الْكَلِمَة من الْعلمَاء والرؤساء والسادة والأكابر عَلَيْهِ وَبَايَعُوهُ وَوَقع من قَاسم بن الْمُؤَيد بعض الْمُخَالفَة ثمَّ عَاد الأمر إلى الْمُوَافقَة وَكَانَت بيعَته عِنْد موت الإمام المتَوَكل على الله في التَّارِيخ الآتي في تَرْجَمته وَاسْتمرّ كَذَلِك مُجَاهدًا قَائِما بِالدفع عَن الْمُسلمين إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى في جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1092 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وقبر بمشهده الْمَشْهُور بالغراس ومازال مَقْصُودا بالزيارة من كثير من النَّاس إلى هَذَا التَّارِيخ وَهُوَ من أعظم الْأَئِمَّة الْمُجَاهدين الباذلين نُفُوسهم لدفع المعاندين بل الله ثراه بوابل رضوانه
(27)
السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن بن أَحْمد بن حميد الدَّين ابْن المطهر بن الامام شرف الدَّين
الشَّاعِر الأديب الصَّنعاني مؤلف ترويح المشوق في تلويح البروق
ذكر فِيهِ مادار بَينه وَبَين جمَاعَة من أهل عصره وَقد ترْجم لَهُ مُحَمَّد أَمِين في نفحة الريحانة وَترْجم لَهُ صَاحب مطلع البدور وَمن نظمه الْفَائِق القصيدة الَّتِى أَنْشَأَهَا على روي قصيدة ابْن مطروح
(بأبي وبي طيف طرق
…
عذب اللما والمعتنق)
(فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة
(إياك من سود الحدق
…
فهي الَّتِى تكسو القلق)
(لَا يخدعنك حسنها
…
فالأمن يتبعهُ الْفرق)
(وَاحْذَرْ ملاطفة الغوا
…
نى بالتذلل والملق)
(يَا أَيهَا الْمولى الذي
…
أَنا من موَالِيه ارق)
ثمَّ أَطَالَ من هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بطائل وَمن شعره القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
(يارشاء أشمت بي العواذلا
…
مَالك جانبت الْوَفَاء عادلا)
(مازلت توليني صدوداً دَائِما
…
قد نصبت لي هدبك الحبائلا)
(أوقعتني فِيهَا فَلَمَّا وَقعت
…
نفسي مَا حصلت مِنْهَا طائلا)
وَهِي قصيدة طَوِيلَة وَمن نظمه القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
(لله أَيَّام الْغَزل
…
مابين معترك الْمقل)
(أَيَّام ركضى فِي ميا
…
دين المسرة والجذل)
وهي قصيدة طَوِيلَة وَمن شعره الأبيات الَّتِى أَولهَا
(سبقى الأثل كل سَحَاب مظله
…
عَلَيْهِ وَلَا بَرحت مستهله)
وَمن شعره
(قدم الربيع وَخير مقدم
…
والغيث أثجم ثمَّ أثجم)
(ومقدم الأنواء لَو
…
صلى الولي وَرَاه سلّم)
(والجوُّ ينشر مطرفاً
…
لَك فاختي اللَّوْن معلّم)
(والسحب مدّ رواق ديباج بساحتنا وخيّم)
(وَالرَّوْض نمقه الغما
…
م بِحسن صَنعته ونمّم)
(فَبَدَا يروق الناظرين
…
كَأَنَّهُ برد مسهم)
وهي أَبْيَات جَيِّدَة وَتُوفِّي في سنة 1080 ثَمَانِينَ وَألف
(28)
أَحْمد بن الْحسن الْمَعْرُوف بالجاربرّدي
نزيل تبريز أحد الْعلمَاء الْمَشْهُورين أَخذ عَن الشَّيْخ عمر بن نجم الدَّين وَعَن نظام الدَّين الطوسى وَغَيرهمَا وَأخذ عَنهُ جمَاعَة وَلَعَلَّ من جملَة من أَخذ عَنهُ الْعَضُد شَارِح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب قَالَ الأسنوي كَانَ عَالما ديّناً وقوراً مواظباً على الِاشْتِغَال والتصنيف وَقَالَ غَيره كَانَ اُحْدُ الشُّيُوخ بِتِلْكَ الْجِهَات وَله مصنفات مِنْهَا شرح منهاج البيضاوي وَشرح الحاوي الصَّغِير وَشرح شافية ابْن الْحَاجِب وَله على الْكَشَّاف حواش مفيدة وَمَات سنة 742 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
(29)
الْفَقِيه أَحْمد بن حسن الزهيري
أديب الْعَصْر وشاعره ولد تَقْرِيبًا سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف وَله في النظم الْيَد الطُّولى وجميعه غرر والسافل مِنْهُ قَلِيل وَقد وقفت على ديوانه فى مُجَلد لطيف وَأكْثر فى مدح أهل كوكبان السَّيِّد أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وأخيه عبد الْقَادِر وإبراهيم وَعِيسَى وَقَلِيل مِنْهُ في غير هَؤُلَاءِ من أَعْيَان كوكبان كأولاد الْأَرْبَعَة الْأُخوة الْمَذْكُورين وَله في مدح مَوْلَانَا الْأَمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن رحمه الله قصائد وَمَعَ طول بَاعه فِي الْأَدَب لَهُ في الْوَعْظ مَسْلَك حسن ويأتى فِيهِ بالرقائق ويستطرد كثيراً من الْأَشْعَار الَّتِى لَهَا موقع في الْقُلُوب ومطابقة في الْمقَام وَكَانَ يجْتَمع عَلَيْهِ بِجَامِع صنعاء جم غفير ولوعظه فِي الْقُلُوب قبُول وَله معرفَة تَامَّة بِعلم الآلة والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْأَدب وَفِيه ميل إِلَى الطَّرِيقَة وتشبه بِأَهْلِهَا وَله في حسن المحاضرة وحلاوة المفاكهة وملاحة النادرة وإملاء غرائب الْأَخْبَار والأشعار مَا لَيْسَ لغيره فَهُوَ لَا يمل جليسه وَقد وَفد إليّ مَرَّات مُتعَدِّدَة وَجرى بيني وَبَينه من المطارحات الأدبية والمسائل العلمية مَا لَا يأتي عَلَيْهِ الْحصْر وَلَا أقدم عَلَيْهِ فِي جودة الشّعْر أحدا مِمَّن أَدْرَكته من أهل الْعَصْر وشعره مَشْهُور بأيدي النَّاس وَلَهُم إليه رَغْبَة كَامِلَة وَهُوَ حقيق بِذَاكَ فإنه جَامع بَين الجزالة والجودة وَحسن السبك وَقُوَّة الْمعَانى وَكَثِيرًا مَا يمشي فِي شعره على نمط الْعَرَب ويتشبه بهم وينتحي طريقهم من غرر شعره قصيدته الَّتِى يَقُول فِيهَا
(بُلُوغ المنى وصل الْأَحِبَّة فَاعْلَم
…
وَلم تلْتَفت عَن مغنمٍ خوف مغرم)
(وَمن حاول الْأَمر الْمحَال بعزمه
…
ينله وَمن يعجز عَن الحزم يحرم)
(معاهد أنس من أراكة أسلم
…
أصخت لَهَا أذني فَلم تَتَكَلَّم)
(دعتنى فلباها فؤادى وأدمع
…
سقى وادييها مثل صوب مثجم)
(أسائلها عَن أَهلهَا فتجيبني
…
فأصغي وَلَكِن الصدى صَوت أعجم)
(وَمَا الْعِزّ إِلَّا فَوق كل مطهم
…
من الجرد مابين الخميسين أدهم)
(من الصخر إِلَّا أَنه فَوق أَربع
…
من الهوج قد شدّت بِخلق مطهم)
(إِذا قلت من حرّ الهجير بظلّه
…
فَقل أَنا ضاح تَحت ظل المقلم)
(وَخير النُّفُوس السايلات على القنا
…
وَخير المنايا تَحت أَزْرَق سلجم)
وَمن قصائده الطنانة القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
(وعدت بوصل عميدها بشر
…
صدقت وَمَا صدق المنى صَبر)
وَكم لَهُ من قصائد فرائد وَهُوَ الْآن فى الحيوة إِلَّا أَنه قد ضعف عَن الْحَرَكَة بِسَبَب فالج أَصَابَهُ وَلَعَلَّه قد جَاوز السّبْعين وَمَات يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن محرم سنة 1214 أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف بِصَنْعَاء
(30)
أَحْمد بن حُسَيْن بن حسن بن على بن يُوسُف ابْن علي بن أرسلان
بِالْهَمْزَةِ وَقد تحذف في الْأَكْثَر بل هُوَ الذي عَلَيْهِ الْأَلْسِنَة الشهَاب أَبُو الْعَبَّاس الرملى الشافعي نزيل بَيت الْمُقَدّس وَيعرف بِابْن رسْلَان ولد فِي سنة 773 ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة وَقيل في سنة 775 خمس وَسبعين وَسَبْعمائة برملة وَنَشَأ بهَا لم يعلم لَهُ صبوة فحفظ الْقُرْآن وَله نَحْو عشر سِنِين وَكَانَ فِي الِابْتِدَاء يشْتَغل بالنحو واللغة والشواهد وَالنّظم وَقَرَأَ الحاوي على القلقشندي وَابْن الهائم وَأخذ عَنهُ الْفَرَائِض
والحساب وَولى تدريس الخاصكية ودرس بهَا مُدَّة ثمَّ تَركهَا وَأَقْبل على الله وعَلى الاشتغال تَبَرعا وعَلى التصوف وَجلسَ في الْخلْوَة مُدَّة لَا يكلم أحداً وَأخذ عَن جمَاعَة من أهل الطَّرِيقَة وَسمع من جمَاعَة فِي الحَدِيث وَغَيره حَتَّى صَار إِمَامًا فِي الْفِقْه وأصوله والعربية مشاركاً في الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْكَلَام وَغير ذَلِك مَعَ حرصه على سَائِر أَنْوَاع الطَّاعَات من صَلَاة وَصِيَام وتهجد ومرابطة بِحَيْثُ لم تكن تَخْلُو سنة من سنيه عَن إِقَامَة على جَانب الْبَحْر قَائِما بِالدُّعَاءِ إِلَى الله سراً وجهراً آخذاً على أيدي الظلمَة مؤثراً محبَّة الخمول والشغف بِعَدَمِ الظُّهُور تَارِكًا لقبُول مَا يعرض عَلَيْهِ من الدُّنْيَا ووظائفها حَتَّى أَن الْأَمِير حسام الدَّين حسن جدد بالقدس مدرسة وَعرض عَلَيْهِ مشيختها وقررله فِيهَا كل يَوْم عشرَة دَرَاهِم فضَّة فَأبى بل كَانَ يمْتَنع من أَخذ مَا يُرْسل بِهِ هُوَ وَغَيره إليه من المَال ليفرقه على الْفُقَرَاء وَرُبمَا أَمر صَاحبه بتعاطي تفرقته بِنَفسِهِ وَله مُحَافظَة على الْأَذْكَار والأوراد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر معرضاً عَن الدُّنْيَا وبنيها جملَة حَتَّى أَنه لما سَافر الْأَشْرَف إِلَى آمد هرب من الرملة إِلَى الْقُدس في ذَهَابه وإيابه لِئَلَّا يجْتَمع بِهِ وَمَا زَالَ فى ازدياد من الْخَيْر وَالْعلم حَتَّى صَار الْمشَار إليه بالزهد فِي تِلْكَ النواحى وَقصد للزيارة من سائرالآفاق وَكَثُرت تلامذته ومريدوه وتهذب بِهِ جمَاعَة وعادت على النَّاس بركته قَالَ السخاوي وَهُوَ في الزّهْد والورع والتقشّف وَاتِّبَاع السنّة وَصِحَّة العقيدة كلمة إجماع بِحَيْثُ لَا أعلم فِي وقته من يدانيه في ذَلِك وانتشر ذكره وَبعد صيته وَشهد بخيره كل من رَآهُ انْتهى وَقَالَ ابْن أَبى عذيبة وَكَانَ شَيخا طَويلا تعلوه صفرَة حسن المأكل والملبس
والملتقى لَهُ مكاشفات ودعوات مستجابات وَلما اجْتمع مَعَ الْعَلَاء البخاري الآتي ذكره إِن شَاءَ الله وَذَلِكَ في ضِيَافَة عِنْد ابْن أَبى الْوَفَاء بَالغ الْعَلَاء فِي تَعْظِيمه بِحَيْثُ أَنه بعد الْفَرَاغ من الْأكل بَادر يصب المَاء على يَدَيْهِ ورام الشَّيْخ فعل ذَلِك مَعَه فَمَا مكنه وَصرح بِأَنَّهُ لم ير مثله واجتمعا اجتماعاً آخر عِنْد قدوم الْعَلَاء البخاري إِلَى الْقُدس فإنه اجْتمع بِهِ ثَلَاث مَرَّات الأولى جَاءَ إليه مُسلما وجلسا ساكتين فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ ابْن أَبى الْوَفَاء يَا سيدي هَذَا ابْن رسْلَان فَقَالَ اعرف ثمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَة وتفارقا وَالثَّانيَِة أول يَوْم من رَمَضَان اجْتمعَا وَشرع الْعَلَاء يُقرر أَدِلَّة ثُبُوت رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان بِشَاهِد وَيذكر الْخلاف في ذَلِك وَابْن رسْلَان لَا يزِيد على قَوْله نعم وانصرفا ثمَّ أن الْعَلَاء في اللَّيْلَة الْعَاشِرَة سَأَلَ ابْن أَبى الْوَفَاء في الْفطر مَعَ ابْن رسْلَان فَسَأَلَهُ فَامْتنعَ فَلم يزل يلح عَلَيْهِ حَتَّى أجَاب فَلَمَّا أفطر أحضر خَادِم الْعَلَاء الطشت والإبريق بَين يدي الْعَلَاء فَحمل الْعَلَاء الطشت بيدَيْهِ مَعًا وَوَضعه بَين يدي ابْن رسْلَان وَأخذ الإبريق من الْخَادِم وصب عَلَيْهِ حَتَّى غسل وَلم يحلف عَلَيْهِ حَتَّى وَلَا تشوش وَلَا توجه لفعل نَظِير مَا فعله الْعَلَاء مَعَه غير أَنه لما فرغ الْعَلَاء من الصب عَلَيْهِ دَعَا لَهُ بالمغفرة فشرع يُؤمن على دُعَائِهِ ويبكي وَله مصنفات مِنْهَا في التَّفْسِير قطع مُتَفَرِّقَة وَشَرحه لسنن أَبى دَاوُد وَهُوَ في أحد عشر مجلداً وَشرع في شرح البخاري وَوصل فِيهِ إِلَى آخر الْحَج في ثَلَاثَة مجلدات وَشرح جمع الْجَوَامِع في مُجَلد ومنهاج البيضاوي في مجلدين ومختصر ابْن الْحَاجِب وَله غير ذَلِك مِمَّا يكثر تعداده وَله نظم في أَنْوَاع من الْعلم كالمنظومة فى الثَّلَاث القرا آتٍ الزَّائِدَة على السَّبع وفي الثَّلَاث الزَّائِدَة
على الْعشْر وَمَا زَالَ رحمه الله على وَصفه الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ في يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر شعْبَان سنة 844 أَربع وَأَرْبَعين وثمان مائَة وَحكى السخاوي فِي الضَّوْء اللامع أَنه قيل لما الْحَد سَمعه الحفّار يَقُول ربِّ أنزلني منزلاً مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين وَرَآهُ حُسَيْن الكردي أحد الصَّالِحين بعد مَوته فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ أوقفني بَين يَدَيْهِ وَقَالَ يَا أَحْمد أَعطيتك الْعلم فَمَا عملت بِهِ قَالَ عَلمته وعملت بِهِ فَقَالَ صدقت يَا أَحْمد تمنَّ عليَّ فَقلت تغْفر لمن صلى عليَّ فَقَالَ قد غفرت لمن صلى عَلَيْك وَحضر جنازتك وَلم يلبث الرائي أَن مَاتَ
(31)
أَحْمد بن الْحُسَيْن الرقيحي
نِسْبَة إِلَى الرقيح بِضَم الرَّاء وَفتح الْقَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة بعْدهَا مُهْملَة وَهُوَ بَلْدَة من أَعمال يحصب ثمَّ الصنعاني الأديب صَاحب المقطعات الفائقة الرائقة وَكَانَ يتعيش بالصباغة فَلَا تزَال كَفه سَوْدَاء كأكف الصباغين فعوتب على ذَلِك فَقَالَ
(الْمجد في الْعلم والكف المسود من
…
فن الصباغة لَا في صُحْبَة الدول)
(فَمَا سعيت إلى هَذَا وَذَاكَ مَعًا
…
إلا لأجمع بَين الْعلم وَالْعَمَل)
وَمن مقطعاته
(قد بلغت الْكَمَال في كل معنى
…
ثمَّ ترجو أَن تسلم الحسادا)
(أَنْت أمرضتهم فَدَعْهُمْ فَمن حق لئيم الطباع أَن لَا يعادا)
وَله
(هَذِه الأطماع رِجْس وَبهَا
…
سل إِذا مَا شِئْت أَرْبَاب الْوَرع)
(فاصرف الراحات عَن إمساكها
…
إِنَّمَا الرَّاحَة في ترك الطمع)
وَمن شعره
(أفدي الَّذِي صلى بميدانه
…
ثمَّ تَلا التَّسْلِيم بِالْوَاجِبِ)
(قلت وَقد كلمني طرفه
…
لَا يتبع الْمسنون بِالْوَاجِبِ)
وَله
(أَرَاك جهلت أصُول الرِّجَال
…
فأنعمت يَا عَمْرو في سكرها)
(وَلَكِن من بعد بالاختبار
…
ستعرف مَا الحلو من مرّها)
(فسل عَن معادنها عَارِفًا
…
يبين لَك الصفر من تبرها)
(فإن الصداقة محتاجة
…
إلى عَارِف بانتها أمرهَا)
وَكَانَت وَفَاته آخر دولة الْأَمَام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم رحمه الله
(32)
أَحْمد بن حُسَيْن الْوزان الصّنعاني المولد والمنشأ
ولد سنة وَأخذ الْعلم عَن مَشَايِخ الْعَصْر فبرع في الْعُلُوم الآلية ثمَّ
اشْتغل بِالْحَدِيثِ فَسمع الْكثير مِنْهُ وَهُوَ قوي الْحِفْظ جيد الْفَهم حسن التَّصَوُّر سمع مني سنَن الترمذي وَهُوَ عِنْد تَحْرِير هَذَا يقْرَأ عليّ فِي الْكَشَّاف وحواشيه وَقد صَار مدرساً فِي الْعُلُوم الآلية والكتب الحديثية وَهُوَ من أفراد عُلَمَاء الْعَصْر جمّله الله بِوُجُودِهِ وَله شعر في غَايَة الْجَوْدَة يعجز عَنهُ غَالب أهل الْعَصْر مَعَ طول نفس وَحسن انسجام وَقُوَّة معَان ثمَّ سمع عليَّ بعد هَذَا في الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أَبى دَاوُد وفي كثير من مؤلفاتي وفي الْكَشَّاف والمطول وَغير ذَلِك وَهُوَ إِلَى الْآن مُسْتَمر على السماع عليَّ مَعَ عناية قَوِيَّة وَفهم صَادِق وتصور تَامّ وَمن مشايخه شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَغَيرهمَا من أَعْلَام الْعَصْر
(33)
أَحْمد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عِيسَى ابْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُسلم الشهَاب
المكي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن العليف بِضَم الْعين الْمُهْملَة تَصْغِير علف ولد فِي جُمَادَى الأولى سنة 851 إِحْدَى وَخمسين وثمان مائَة بِمَكَّة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والألفية النحوية وَالْأَرْبَعِينَ النووية وعرضهما وَبَعض الْمِنْهَاج وَسمع بِمَكَّة على التقي ابْن فَهد وَولده النَّجْم والزين عبد الرَّحِيم الآميوطي وأبي الْفضل المرجاني وَيحيى العلمى ولازم
النُّور الفاكهاني فِي كثير من دروسه الْفِقْهِيَّة والنحوية وَسمع بِالْقَاهِرَةِ على الخضيري والجوجري وَجَمَاعَة ودخلها مرَارًا وَله نظم مَقْبُول وَمِنْه هَذِه القصيدة الطنانة
(خُذ جَانب الْعليا ودع مَا ينزل
…
فرضى الْبَريَّة غَايَة لَا تدْرك)
(وَاجعَل سَبِيل الذل عَنْك بمعزل
…
فالعز أحسن مَا بِهِ يتَمَسَّك)
(وامنح مودتك الْكِرَام فَرُبمَا
…
عز الْكَرِيم وَفَاتَ مَا يسْتَدرك)
(وَإِذا بَدَت لَك من عَدو فرْصَة
…
فافتك فإن أَخا الْعلَا من يفتك)
(ودع الأماني للغبي فإنما
…
عقب المنى للْحرّ دَاء منهك)
(من يقتضي سَببا بِدُونِ عَزِيمَة
…
ضلت مذاهبه وَعز الْمدْرك)
(تعست مداراة الْعَدو فإنها
…
دَاء تحول بِهِ الجسوم وتوعك)
(لَا يدْرك الغايات إِلَّا من لَهُ
…
في كل حيّ من عداهُ منسك)
(ندب غريق لَا يرام مرحب
…
ضرب جزيل في الورى محكك)
(ذُو هضبة لَا ترتقي وشكيمة
…
عزت يدين لَهُ الألد الأمحك)
(لَا فائل عِنْد الحفيظة رَأْيه
…
لَكِن بتجريب الزَّمَان محنك)
(واركب سَنَام العزفى طلب العلى
…
حتام تسكن والنوى تتحرك)
(واستفرغ المجهود فى تَحْصِيل مَا
…
فِيهِ النُّفُوس تكَاد حبا تهْلك)
(وَإِذا نبابك منزل فانبذ بِهِ
…
ودع المطية تستقل وتبرك)
(وارغب بِنَفْسِك إِن ترى في ساحة
…
يشقى بهَا الْحر الْكَرِيم المرمك)
(وارحل عَن الأوطان لَا مستعظماً
…
خطراً وَلَو عز المدى والمسلك)
(فالحر يُنكر ضد مَا يعتاده
…
ويميط ثوب الذل عَنهُ ويبتك)
(وَإِذا تغشاه الهوان ببلدة
…
يَأْبَى الْأَذَى أَو سيم خسفاً يفتك)
(وَمَتى تنكرت المعارف خلته
…
يثنى الْعَنَان عَن الديار ويعنك) وَمِنْهَا
(بهراً لنَفس لَا تكون عزيزة
…
وَلها الى طرق لمعالى مَسْلَك)
(ولواجد سبل الْكِرَام وَلم يزل
…
يغضى الجفون عَن القذى ويفنك)
(تبت يَد الْأَيَّام تلقى للفتى
…
سلماً وتسلبه غَدا مَا يملك)
(تبكي اللبيب على تقاعس حَظه
…
حينا وتطعمه الرجا فيضحك)
وهي قصيدة فريدة طَوِيلَة وَفِي هَذَا الْمِقْدَار دلَالَة على الْبَقِيَّة وَله رد على السيوطي في مُصَنفه الَّذِي سَمَّاهُ الكاوي لدماغ السخاوي فأجاب عَنهُ صَاحب التَّرْجَمَة بمؤلف سَمَّاهُ الهاوي على الكاوي وَألف لسلطان الروم بايزيد عُثْمَان كتاباً سَمَّاهُ الدر المنظوم ومدحه وَغَيره من أمرائه فرتب لَهُ خمسين دِينَارا في كل سنة فتجمل بهَا ومدح صَاحب مَكَّة السَّيِّد بَرَكَات بن مُحَمَّد الْحسنى وَاقْتصر على مدحه فَأتى بِهِ وَقرر لَهُ مبلغاً لبلاغته وَحسن نظمه قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد وَصَارَ متنبي زَمَانه والمشار إليه فِي نظمه مَعَ سُكُون وَقلة حَرَكَة وبقي فِي مَكَّة حَتَّى مَاتَ في ضحى يَوْم الثُّلَاثَاء من ذي الْحجَّة سنة 926 سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة
(34)
أَحْمد بن رَجَب بن طنبغا الْمجد بن الشهَاب القاهري الشافعي
وَيعرف بِابْن المجدي نِسْبَة لجده ولد في الْعشْر الأولى من ذي الْقعدَة سنة 767 سبع وَسِتِّينَ وسبعمائة بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وَبَعض الْمِنْهَاج ثمَّ جَمِيع الحاوي وألفية النَّحْو وَغير ذَلِك وتفقه
بالبلقيني وَابْن الملقن والكمال الدميري والشرف مُوسَى بن البابا وَبِه انْتفع في الحاوي لمزيد تقدمه فِيهِ وَالشَّمْس العراقي وَعنهُ أَخذ الْفَرَائِض وَغَيرهَا وَكَذَا أَخذ الْفَرَائِض والحساب عَن التقي بن عز الدَّين الجنبلى والعربية عَن الشَّمْس العجيمي وجد فِي الطلب واجتهد وَتقدم فى الْفُنُون مَعَ ذكاء مفرط وأشير إليه بالتقدم وَصَارَ رَأْسا في أَنْوَاع الْحساب والهندسة والهيئة والفرائض وَعلم الْوَقْت بِلَا مُنَازع وَلَا مدافع وانتفع بِهِ الْأَعْيَان ولازموه فِي فنونه وصنف التصانيف المفيدة مِنْهَا إبراز لطائف الغوامض فِي إحراز صناعَة الْفَرَائِض وَشرح الجعبرية والرسالة الْكُبْرَى وهي سِتُّونَ بَابا لشيخه المارواني وَشرح أيضاً تَلْخِيص ابْن الْبناء في الْحساب وَهُوَ عَظِيم الْفَائِدَة وَله إرشاد الحائر فِي الْعَمَل بِربع الدَّوَائِر وَالْقَوْل الْمُفِيد فِي جَامع الْأُصُول والمواليد والمنهل العذب الزلَال فِي معرفَة حِسَاب الْهلَال والفصول فى الْعَمَل بالمقنطرات والرسالة فى الْعَمَل بالجيب والضوء اللائح في وضع الخطوط على الصفائح ورسالة في الربع الْمسير وَأُخْرَى في الربع الهلالي وكراسة في معرفَة الأوساط وَأُخْرَى فِي اسْتِخْرَاج التواريخ بَعْضهَا من بعض وَغير ذَلِك من التصانيف المفيدة كل ذَلِك مَعَ التَّوَاضُع والأمانة والسكون والسمت الْحسن وإيراد النُّكْتَة والنادرة والطرف والانجماع عَن النَّاس بمنزله المجاور للأزهر والاستغناء عَنْهُم بإقطاع بِيَدِهِ وَكَانَ يبرُّ الطّلبَة والفقراء ودرّس في الْمدرسَة الجانبكية وَمِمَّا حكي عَنهُ أَنه صعد القلعة للاجتماع بِالْملكِ الْأَشْرَف في قَضِيَّة ضَاقَ بهَا صدره فَمَا تيَسّر وَرجع وَقد تزايد كربه فاتفق أَنه دخل مدرسة قريبَة من القلعة فَتَوَضَّأ وَصلى
رَكْعَتَيْنِ وَرفع رَأسه فَوجدَ بِجَانِب مِحْرَابهَا مَكْتُوبًا
(دعها سَمَاوِيَّة تجري على قدر
…
لَا تعترضها بِأَمْر مِنْك تنفسد)
فَاسْتَبْشَرَ بذلك وآلى إِن قضى أمره أَن ينظمه فِي أَبْيَات فَلم يشْعر إِلَّا وَقد جَاءَ قَاصد السُّلْطَان يَطْلُبهُ وَحصل الْغَرَض فَقَالَ
(فَقلت للقلب لما ضَاقَ مضطرباً
…
وخانني الصَّبْر والتفريط وَالْجَلد)
(دعها سَمَاوِيَّة تجري على قدر
…
لَا تعترضها بِأَمْر مِنْك تنفسد)
(فخفنى بخفيَّ اللطف خالقنا
…
نعم الْوَكِيل وَنعم العون والمدد)
وَمَا زَالَ مستمراً على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ لَيْلَة السبت حادي عشر ذي الْقعدَة سنة 850 خمسين وثمان مائَة وَلم يخلف بعده في فنونه مثله
35 -
أَحْمد بن سعد الدَّين بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن علي بن غَانِم بن يُوسُف ابْن الهادي بن علي بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْوَاحِد بن عبد الحميد الْأَصْغَر ابْن عبد الحميد الْأَكْبَر
المسورى الزيدى القاضى الْفَاضِل المترسل البليغ المنشئ الْعَارِف شَارك في الْفُنُون وتميَّز فِي كثير مِنْهَا وحرر رسائل وفتاوى واتصل في أول عمره بالإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد عليه السلام وَأخذ عَنهُ وَكتب لَدَيْهِ وَكَانَ يؤثره ثمَّ اتَّصل بعد ذَلِك بولده الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه فارتفعت دَرَجَته لَدَيْهِ وَصَارَ أَكثر الْأُمُور مَنُوطًا بِهِ وَلم يكن لغيره مَعَه كَلَام ثمَّ اتَّصل بعد موت الْمُؤَيد بِاللَّه بأَخيه الإمام المتَوَكل على الله وشارك في أُمُور وَنقص حَظه قَلِيلا بِسَبَب أَنه بَادر إلى مبايعة أَحْمد بن الإمام الْقَاسِم عِنْد موت الْمُؤَيد ثمَّ لم تتم تِلْكَ الْبيعَة وَتمّ الْأَمر للمتوكل على الله ومازال على جلالته وفخامته حَتَّى مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشر شهر محرم سنة 1079 تسع
وَسبعين وَألف وقبر بجوار قبر الْأَمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَولده الْمُؤَيد وَقد تَرْجمهُ تِلْمِيذه القاضي احْمَد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال في مطلع البدور تَرْجَمَة نفيسة وأطال الثَّنَاء عَلَيْهِ وَوَصفه بأوصاف فخيمة وَله شهرة كَبِيرَة بالديار اليمنية الى الآن وَلَعَلَّ ذَلِك بِسَبَب متاخمته للأئمة وارتفاع حَظه في تِلْكَ الدولة ومشيه في جَمِيع مُبَاشَرَته على طَريقَة الْعلمَاء
(36)
أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال
وَصَالح هُوَ ابْن مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن عبد الله بن أَحْمد بن سُلَيْمَان بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن علي بن الْحسن الْمَعْرُوف بأبي الرِّجَال بن سرح بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الله بن أَبى حَفْص عمر بن الْخطاب الْخَلِيفَة الصحابى ولد فى لَيْلَة الْجُمُعَة من شهر شعْبَان سنة 1029 تسع وَعشْرين وَألف في جِهَات الأهنوم وَأخذ عَن جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء مِنْهُم الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالسَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عز الدَّين المؤيدي وَالسَّيِّد عز الدَّين بن دريب وَالسَّيِّد الرئيس مُحَمَّد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم والقاضي أَحْمد بن سعد الدَّين الْمَذْكُور قبله والقاضي إبراهيم بن يحيى السحولي وَجَمَاعَة غير هَؤُلَاءِ وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة وَآخَرُونَ وبرع فِي كثير من المعارف وَهُوَ صَاحب مطلع البدور وَمجمع البحور ترْجم فِيهِ لأعيان الزيدية فجَاء كتاباً حافلاً وَلَوْلَا كَمَال عنايته واتساع اطِّلَاعه لما تيَسّر لَهُ جمع ذَلِك الْكتاب لِأَن الزبدية مَعَ كَثْرَة فضلائهم
وَوُجُود أَعْيَان مِنْهُم فِي كل مكرمَة على تعاقب الْأَعْصَار لَهُم عناية كَامِلَة ورغبة وافرة في دفن محَاسِن أكابرهم وطمس آثَار مفاخرهم فَلَا يرفعون إلى مَا يصدر عَن أعيانهم من نظم أَو نثر أَو تصنيف رَأْسا وَهَذَا مَعَ توفر رغباتهم إلى الِاطِّلَاع على مَا يصدر من غَيرهم والاشتغال الْكَامِل بِمَعْرِِفَة أَحْوَال سَائِر الطوائف والإكباب على كتبهمْ التاريخية وَغَيرهَا وإني لأكْثر التَّعَجُّب من اخْتِصَاص الْمَذْكُورين بِهَذِهِ الْخصْلَة الَّتِى كَانَت سَببا لدفن سابقهم ولاحقهم وغمط رفيع قدر عالمهم وفاضلهم وشاعرهم وَسَائِر أكابرهم وَلِهَذَا أهملهم المصنفون في التَّارِيخ على الْعُمُوم كمن يترجم لأهل قرن من الْقُرُون أَو عصر من العصور وَإِن ذكرُوا النَّادِر مِنْهُم ترجموه تَرْجَمَة مغسولة عَن الْفَائِدَة عاطلة عَن بعض مَا يسْتَحقّهُ لَيْسَ فِيهَا ذكر مولد وَلَا وَفَاة وَلَا شُيُوخ وَلَا مسموعات وَلَا مقروءات وَلَا أشعار وَلَا أَخْبَار لِأَن الَّذين ينقلون أَحْوَال الشَّخْص إِلَى غَيره هم معارفه وَأهل بَلَده فإذا أهملوه أهمله غَيرهم وجهلوا أمره وَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تجدني في هَذَا الْكتاب إِذا ترجمت أحداً مِنْهُم لم أدر مَا أَقُول لِأَن أهل عصره أهملوه فَلم يبْق لَدَى من بعدهمْ إِلَّا مُجَرّد أَنه فلَان بن فلَان لَا يدري مَتى ولد وَلَا فِي أَي وَقت مَاتَ وَمَا صنع فِي حَيَاته فَمن عرف مَا ذَكرْنَاهُ علم أَن المترجم لَهُ رحمه الله قد أَجَاد في ذَلِك الْكتاب فِي كثير من التراجم وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة من الْعلمَاء المشاركين فى فنون عدَّة وَله أبحاث ورسائل وقفت عَلَيْهَا وهي نفيسة ممتعة ونظمه ونثره في رُتْبَة متوسطة وَتوفى لَيْلَة الثُّلَاثَاء لَعَلَّه خَامِس ربيع الأول سنة 1092 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف ورثاه جمَاعَة من الْفُضَلَاء
بمراثٍ وَقد ذكر في تَارِيخه شَيْئا كثيراً من شعره مفرقا في تراجم شُيُوخه وَغَيرهم
(37)
القاضي أَحْمد بن صَالح بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَالح الْمَذْكُور قبله الْمَعْرُوف بِابْن أَبى الرِّجَال
الصَّنعاني ولد يَوْم السبت خَامِس شهر محرم سنة 1140 أَرْبَعِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَقَرَأَ على جمَاعَة من أعيانها مِنْهُم القاضي الْعَلامَة أَحْمد ابْن زيد الهبل وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الْأَمِير وَالسَّيِّد الْعَلامَة محسن بن اسماعيل الشامى وَالسَّيِّد عبد الله بن أَحْمد بن اسحاق ابْن المهدى وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسماعيل بن مُحَمَّد بن إسحاق بن المهدي وَالسَّيِّد يُوسُف العجمي وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم وبرع في جَمِيع المعارف وَهُوَ شيخ مَشَايِخنَا وَله يَد طولى في النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول وَالتَّفْسِير ومشاركة فِيمَا عدا ذَلِك وَقد عكف عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَعْيَان وَأخذُوا عَنهُ في فنون مُتعَدِّدَة وتخرجوا بِهِ وصاروا أَعْيَان عصرهم فَمنهمْ شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي رحمه الله وَمِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وَمِنْهُم سيخنا الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن بن علي الْأَبْيَض وَمِنْهُم شَيخنَا الْعَلامَة على ابْن هادي عرهب وَالسَّيِّد الْعَلامَة إسماعيل الْمُفْتى وسيأتي ذكرهم انشاء الله تَعَالَى وَقد اتَّصل المترجم لَهُ بالإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن رحمه الله ليقرئ أَوْلَاده فِيمَا يَحْتَاجُونَ إليه من الْعلم ثمَّ ارْتَفَعت دَرَجَته عِنْد الإمام وَكَانَ يجالسه ويحادثه وَيَأْخُذ عَنهُ من فَوَائده وأركبه الْخَيل واختصه وَرفع مَنْزِلَته حَتَّى كَانَ تَارَة بِمَنْزِلَة الْوَزير وَأُخْرَى بِمَنْزِلَة
المشير وَمَعَ ذَلِك فَلم يَنْقَطِع عَن نشر الْعلم بِحَسب الطَّاقَة وَلم يزل على حَاله الْجَمِيل حَتَّى مَاتَ سنة 1191 إحدى وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَله حواش على شرح الْغَايَة والكشاف وحواشيه مفيدة جدّاً في غَايَة من الدقة وَالتَّحْقِيق نقلهَا عَنهُ شَيخنَا المغربي الْمُتَقَدّم في كتبه
38 -
السَّيِّد أَحْمد بن صَلَاح بن يحيى الْخَطِيب الكوكباني ثمَّ الصّنعاني
أَخذ الْعلم عَن السَّيِّد الْعَلامَة إسحق بن إبراهيم بن المهدي وَبِه تخرج وَعَلِيهِ عوّل وبرع فِي المعارف وَجمع رسائل مِنْهَا رِسَالَة في كَون الفرجين من أَعْضَاء الْوضُوء سَمَّاهَا الرياض الندية وَقد أجبْت عَلَيْهِ برسالة سميتها الصوارم الْهِنْدِيَّة المسلولة على الرياض الندية وَمِنْهَا رِسَالَة أجَاب بهَا على رِسَالَة السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير جمعهَا فِي مسَائِل ثَمَان وَمِنْهَا رِسَالَة فِي تَحْرِيم الْمُتْعَة وَحصل مَعَه خفَّة فِي الدِّمَاغ فَكَانَ يتَرَدَّد مَا بَين صنعاء وشبام ثمَّ تراجع عقله وتصوّف وَمَال إليه جمَاعَة من النَّاس وأخبروا عَنهُ بمكاشفات وأحوال وابتلى آخر الْمدَّة بذهاب بَصَره وَلَعَلَّ مَوته على رَأس الْقرن الثاني عشر أَو قبله بِقَلِيل
(39)
أَحْمد بن عَامر الحدائى ثمَّ الصّنعاني
أَخذ علم الْفِقْه والفرائض بِصَنْعَاء عَن جمَاعَة من علمائها وتصدّر للتدريس فِي الفنين بِجَامِع صنعاء واستفاد عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَعْيَان وَكَانَ في لِسَانه ثقل لَا يكَاد يعرف عِبَارَته ويفهمها إلا من مارس ذَلِك
وَكَانَ زاهداً متقللاً من الدُّنْيَا مواظباً على الطَّاعَات آمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر يغْضب إِذا بلغه مَا يُخَالف الشَّرْع وَفِيه سَلامَة صدر زَائِدَة قَرَأت عَلَيْهِ في الأزهار وَشَرحه مرَّتَيْنِ وفي الْفَرَائِض وَشَرحهَا للناظري مَرَّات وَكَانَ مواظباً على التدريس لَا يمنعهُ مِنْهُ مَانع فإنه يَقع الْمَطَر الْعَظِيم الَّذِي يمْنَع من خُرُوج من هُوَ في سن الشَّبَاب فَلَا يكون ذَلِك عذراً لَدَى صَاحب التَّرْجَمَة لرغبته فِي الْخَيْر وحرصه على إفادة الطّلبَة وَلَقَد اسْتمرّ انصباب الْمَطَر في بعض السنين من قبل الْفجْر إلى قريب وَقت الظّهْر وَكَانَ مَعنا درس عَلَيْهِ وَقت الشروق فَمَا تركت الذهاب إلى الْجَامِع لعلمي بَان مثل ذَلِك لَا يمنعهُ مَعَ علو سنه فانتظرت لَهُ فِي الْمَكَان الْمعد للدرس فَلم يأت هُوَ وَلَا أحد من الطّلبَة وهم كَثِيرُونَ فجَاء الْيَوْم الثاني وَقَالَ لي هَل أتيت إلى هُنَا قلت نعم قَالَ لَو علمت أَنَّك أتيت مَا اخْتلفت ثمَّ تأسف كثيرا على فَوت الدَّرْس وَمَا زَالَ كَذَلِك حَتَّى مَاتَ في شهر رَجَب أَو شعْبَان سنة 1197 سبع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَلَعَلَّه قد جَاوز السّبْعين ورثيته بِأَبْيَات غَابَتْ عَنى وَذكرت فِيهَا تَارِيخ مَوته وَهُوَ حط بجنات الخلود أَحْمد رحمه الله وإياي
(40)
أَحْمد بن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام بن عبد الله بن الْقَاسِم بن تَيْمِية
الحرّاني الدمشقي الحنبلي تقي الدَّين أَبُو الْعَبَّاس شيخ الإسلام إمام الْأَئِمَّة الْمُجْتَهد الْمُطلق ولد سنة 661 إحدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وتحول بِهِ أَبوهُ من حران سنة 667 سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة فَسمع من ابْن عبد الدايم وَالقَاسِم الأريلى وَالْمُسلم ابْن عَلان وَابْن أَبى نمر وَالْفَخْر وَمن آخَرين قَالَ ابْن حجر فِي الدُّرَر وَقَرَأَ بِنَفسِهِ وَنسخ سنَن
أَبى دَاوُد وَحصل الْأَجْزَاء وَنظر في الرِّجَال والعلل وتفقه وتمهّر وَتقدم وصنّف ودرس وَأفْتى وفَاق الأقران وَصَارَ عجباً في سرعَة الاستحضار وَقُوَّة الْجنان والتوسع فى الْمَنْقُول والمقعول والاطلاع على مَذَاهِب السلف وَالْخلف انْتهى وَأَقُول أَنا لَا أعلم بعد ابْن حزم مثله وَمَا أَظُنهُ سمح الزَّمَان مَا بَين عصر الرجلَيْن بِمن شابههما أَو يقاربهما قَالَ الذهبي مَا ملخصه كَانَ يقْضى مِنْهُ الْعجب إِذا ذكر مَسْأَلَة من مسَائِل الْخلاف الَّتِى يوردها مِنْهُ وَلَا أَشد استحضاراً للمتون وعزوها مِنْهُ وَكَانَت السنة نصب عَيْنَيْهِ وعَلى طرف لِسَانه بِعِبَارَة رشيقة وَكَانَ آية من آيَات الله في التَّفْسِير والتوسع فِيهِ وَأما أصُول الدّيانَة وَمَعْرِفَة أَقْوَال الْمُخَالفين فَكَانَ لَا يشق غباره فِيهِ هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْكَرم والشجاعة والفراغ عَن ملاذ النَّفس وَلَعَلَّ فَتَاوِيهِ في الْفُنُون تبلغ ثَلَاثمِائَة مُجَلد بل أَكثر وَكَانَ قوالاً بِالْحَقِّ لَا تَأْخُذهُ بِاللَّه لومة لائم ثمَّ قَالَ وَمن خالطه وعرفه قد ينسبني إِلَى التَّقْصِير فِيهِ وَمن نابذه وَخَالفهُ قد ينسبني إِلَى التغالي فِيهِ وَقد أوذيت من الْفَرِيقَيْنِ من أَصْحَابه وأضداده وَكَانَ أَبيض اسود الرَّأْس واللحية قَلِيل الشيب شعره إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ كَأَن عَيْنَيْهِ لسانان ناطقان ربعَة من الرِّجَال بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ جهوريّ الصَّوْت فصيحاً سريع الْقِرَاءَة تعتريه حِدة لَكِن يقهرها بالحلم قَالَ وَلم أرمثله في ابتهاله واستعانته بِاللَّه وَكَثْرَة توجهه وَأَنا لَا أعتقد فِيهِ عصمَة بل أَنا مُخَالف لَهُ في مسَائِل أَصْلِيَّة وفرعية فَأَنَّهُ كَانَ مَعَ سَعَة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدَّين بشراً من الْبشر تعتريه حِدة فِي الْبَحْث وَغَضب وصدمة للخصوم
تزرع لَهُ عَدَاوَة فى النُّفُوس وَلَولَا ذَلِك لَكَانَ كلمة إجماع فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بأنه بَحر لَا سَاحل لَهُ وكنز لَيْسَ لَهُ نَظِير وَلَكِن ينقمون عَلَيْهِ أخلاقاً وأفعالاً وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك قَالَ وَكَانَ محافظاً على الصَّلَاة وَالصَّوْم مُعظما للشرائع ظَاهرا وَبَاطنا لَا يُؤْتى من سوء فهم فإن لَهُ الذكاء المفرط وَلَا من قلَّة علم فإنه بَحر زاخر وَلَا كَانَ متلاعباً بِالدّينِ وَلَا ينْفَرد بمسائل بالتشّهي وَلَا يُطلق لِسَانه بِمَا اتفق بل يحْتَج بِالْقُرْآنِ والْحَدِيث وَالْقِيَاس ويبرهن ويناظر أُسْوَة بِمن تقدمه من الْأَئِمَّة فَلهُ أجر على خطأه وأجران على إصابته انْتهى وَمَعَ هَذَا فقد وَقع لَهُ مَعَ أهل عصره قلاقل وزلازل وامتحن مرة بعد أُخْرَى في حَيَاته وَجَرت فتن عديدة وَالنَّاس قِسْمَانِ فِي شَأْنه فبعض مِنْهُم مقصر بِهِ عَن الْمِقْدَار الَّذِي يسْتَحقّهُ بل يرميه بالعظائم وَبَعض آخر يُبَالغ في وَصفه ويجاوز بِهِ الْحَد ويتعصب لَهُ كَمَا يتعصب أهل الْقسم الأول عَلَيْهِ وَهَذِه قَاعِدَة مطردَة في كل عَالم يتبحر في المعارف العلمية ويفوق أهل عصره ويدين بِالْكتاب وَالسّنة فإنه لَا بُد أَن يستنكره المقصرون وَيَقَع لَهُ مَعَهم محنة بعد محنة ثمَّ يكون أمره الْأَعْلَى وَقَوله الأولى وَيصير لَهُ بِتِلْكَ الزلازل لِسَان صدق في الآخرين وَيكون لعلمه حَظّ لَا يكون لغيره وَهَكَذَا حَال هَذَا الإمام فإنه بعد مَوته عرف النَّاس مِقْدَاره واتفقت الألسن بالثناء عَلَيْهِ إلا من لَا يعْتد بِهِ وطارت مصنفاته واشتهرت مقالاته وَأول مَا أنكر عَلَيْهِ أهل عصره فِي شهر ربيع الأول سنة 698 أَنْكَرُوا عَلَيْهِ شيأ من مقالاته فَقَامَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَبَحَثُوا مَعَه وَمنع من الْكَلَام ثمَّ طلب ثاني مرة في سنة 705 إِلَى مصر
فتعصب عَلَيْهِ بعض أَرْكَان الدولة وَهُوَ بيبرس الجاشنكير وانتصر لَهُ ركن آخر وَهُوَ الْأَمِير سلار ثمَّ آل أمره أَن حبس في خزانَة البنود مُدَّة ثمَّ نقل في صفر سنة 9 إلى الإسكندرية ثمَّ أفرج عَنهُ وأعيد إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ أُعِيد إِلَى الإسكندرية ثمَّ حضر السُّلْطَان النَّاصِر من الكرك فأطلقه وَوصل إلى دمشق في آخر سنة 712 وَكَانَ السَّبَب فِي هَذِه المحنة أَن مرسوم السُّلْطَان ورد على النَّائِب بامتحانه في معتقده لما رفع إليه من أُمُور تنكر في ذَلِك فعقد لَهُ مجْلِس فِي سَابِع رَجَب فَسئلَ عَن عقيدته فأملى مِنْهَا ثمَّ أحضروا العقيدة الَّتِى تعرف بالواسطية فَقَرَأَ مِنْهَا وَبَحَثُوا في مَوَاضِع ثمَّ اجْتَمعُوا في ثاني عشرة وقرروا الصفي الهندي يبْحَث مَعَه ثمَّ أخروه وَقدمُوا الْكَمَال الزملكاني ثمَّ انْفَصل الْأَمر على أَنه أشهد على نَفسه أَنه شافعي المعتقد فأشاع أَتْبَاعه أَنه انتصر فَغَضب خصومه وَرفعُوا وَاحِدًا من أَتبَاع ابْن تَيْمِية إلى الْجلَال القزوينى نَائِب الحكم بالعادلية فعزره وَكَذَا فعل الحنفى بِاثْنَيْنِ مِنْهُم وفى ثاني عشر رَجَب قَرَأَ المزي فصلاً من الْكتاب أَفعَال الْعباد للبخاري في الْجَامِع فَسمع بعض الشَّافِعِيَّة فَغَضب وَقَالَ نَحن المقصودون بِهَذَا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فَأمر بحبسه فَبلغ ابْن تَيْمِية فَتوجه إلى الْحَبْس فَأخْرجهُ بِيَدِهِ فَبلغ القاضي فطلع إلى القلعة فوافاه ابْن تَيْمِية فتشاجرا بِحَضْرَة النَّائِب فَأمر النَّائِب من يُنَادى أَن من تكلم فِي العقائد فعل بِهِ كَذَا وَقصد بذلك تسكين الْفِتْنَة ثمَّ عقد لَهُ مجْلِس في سلخ شهر رَجَب وَجرى فِيهِ من ابْن الزملكاني وَابْن الْوَكِيل مباحثة فَقَالَ ابْن الزملكاني لِابْنِ الْوَكِيل مَا جرى على الشَّافِعِيَّة قَلِيل حَيْثُ تكون أَنْت رئيسهم
فَظن القاضي ابْن صصري أَنه يعرض بِهِ فعزل نَفسه ثمَّ وصل بربد من عِنْد السُّلْطَان إلى دمشق أَن يرسلوا بِصُورَة مَا جرى في سنة 698 ثمَّ وصل مَمْلُوك النَّائِب وَأخْبر أَن بيبرس وَالْقَاضِي المالكي قد قاما في الإنكار على ابْن تَيْمِية وَأَن الْأَمر قد اشْتَدَّ على الْحَنَابِلَة حَتَّى صفع بَعضهم ثمَّ توجه القاضي ابْن صصري وَابْن تَيْمِية صُحْبَة الْبَرِيد إلى الْقَاهِرَة ومعهما جمَاعَة فوصلا في الْعشْر الْأَخِيرَة من رَمَضَان وَعقد مجْلِس في ثاني عشرينه بعد صَلَاة الْجُمُعَة فَادّعى على ابْن تَيْمِية عِنْد المالكي فَقَالَ هَذَا عدوى وَلم يجب عَن الدَّعْوَى فكرّر عَلَيْهِ فأصرَّ فَحكم المالكي بحبسه فأقيم من الْمجْلس وَحبس فِي برج ثمَّ بلغ المالكي أَن النَّاس يَتَرَدَّدُونَ إليه فَقَالَ يجب التَّضْيِيق عَلَيْهِ ان لم يقتل والا فقد ثَبت كفره فنقلوه لَيْلَة عيد الْفطر إلى الْجب وَلَقَد أحسن المترجم لَهُ رحمه الله بالتصميم على عدم الإجابة عِنْد ذَلِك القاضى الجرئ الْجَاهِل الغبي وَلَو وَقعت مِنْهُ الإجابة لم يبعد الحكم بإراقة دم هَذَا الإمام الَّذِي سمح الزَّمَان بِهِ وَهُوَ بِمثلِهِ بخيل وَلَا سِيمَا هَذَا القَاضِي من الْمَالِكِيَّة الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن مخلوف فَإِنَّهُ من شياطينهم المتجرئين على سفك دِمَاء الْمُسلمين بِمُجَرَّد أكاذيب وكلمات لَيْسَ المُرَاد بهَا مَا يحملونها عَلَيْهِ وناهيك بقوله أَن هَذَا الإمام قد اسْتحق الْقَتْل وَثَبت لَدَيْهِ كفره وَلَا يساوي شَعْرَة من شعراته بل لَا يصلح لِأَن يكون شسعاً لنعله وَمَا زَالَ هَذَا القاضى الشَّيْطَان يتطلب الفرص الَّتِى يتَوَصَّل بهَا إلى إِرَاقَة دم هَذَا الإمام فحجبه الله عَنهُ وَحَال بَينه وَبَينه وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ بعد هَذَا نودي بِدِمَشْق أَن من اعْتقد عقيدة ابْن تَيْمِية حلَّ دَمه وَمَاله خُصُوصا الْحَنَابِلَة فنودي بذلك وَقُرِئَ المرسوم قَرَأَهُ ابْن الشهَاب مَحْمُود في
الْجَامِع ثمَّ جمعُوا الْحَنَابِلَة من الصالحية وَغَيرهَا وَأشْهدُوا على أنفسهم أَنهم على مُعْتَقد الإمام الشافعي وَكَانَ من أعظم القائمين على المترجم لَهُ الشَّيْخ نصر المنبجي لِأَنَّهُ كَانَ بلغ ابْن تَيْمِية أَنه يتعصب لِابْنِ العربي فَكتب إليه كتاباً يعاتبه على ذَلِك فَمَا أعجبه لكَونه بَالغ في الْحَط على ابْن العربي وكفّره فَصَارَ هُوَ يحط على ابْن تَيْمِية ويغرى بيبرس الَّذِي يفرط في محبَّة نصر وتعظيمه وَقَامَ القاضي المالكي الْمُتَقَدّم ذكره مَعَ الشَّيْخ نصر وَبَالغ في أذية الْحَنَابِلَة وَاتفقَ أَن قاضي الْحَنَابِلَة كَانَ قَلِيل البضاعة في الْعلم فبادر إلى إجابتهم في المعتقد واستكتبوا خطه بذلك وَاتفقَ أَن قاضي الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَهُوَ شمس الدَّين ابْن الجزرى انتصر لاين تَيْمِية وَكتب في حَقه محضراً بالثناء عَلَيْهِ بِالْعلمِ والفهم وَكتب فِيهِ بِخَطِّهِ ثَلَاثَة عشر سطرا من جُمْلَتهَا أَنه مُنْذُ ثلثمِائة سنة مَا رأى النَّاس مثله فَبلغ ذَلِك ابْن مخلوف فسعى في عزل ابْن الجزري فعزل وَقرر عوضه شمس الدَّين الأذرعى ثمَّ لم يلبث الأذرعي أَن عزل في السنة الْمُقبلَة وتعصّب سلاّر لِابْنِ تيمية وأحضر الْقُضَاة الثَّلَاثَة الشافعي والمالكي والحنفي وَتكلم مَعَهم فِي إخراجه فاتفقوا على أَنهم يشترطون فِيهِ شُرُوطًا وَأَن يرجع عَن بعض العقيدة فأرسلوا إِلَيْهِ مَرَّات فَامْتنعَ من الْحُضُور إليهم وَاسْتمرّ على ذَلِك وَلم يزل ابْن تَيْمِية في الْجب إلى أَن تشفع فِيهِ مهنّا أَمِير آل فضل فَأخْرج في ربيع الأول في الثَّالِث وَالْعِشْرين مِنْهُ وأحضر إِلَى القلعة وَوَقع الْبَحْث مَعَ بعض الْفُقَهَاء فَكتب عَلَيْهِ محْضر بأنه قَالَ أَنا أشعري ثمَّ اجْتمع جمَاعَة من الصُّوفِيَّة عِنْد تَاج الدَّين بن عَطاء فطلعوا في الْعشْر الأوسط من شَوَّال إِلَى القلعة وَشَكوا من ابْن تَيْمِية أَنه يتَكَلَّم فِي حق مَشَايِخ الطَّرِيقَة وَأَنه قَالَ لَا يستغاث
بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم فاقتصى الْحَال أَن أَمر بتسييره إلى الشَّام فَتوجه على خيل الْبَرِيد وكل ذَلِك والقاضي زين الدَّين ابْن مخلوف مشتغل بِالْمرضِ وَقد أشرف على الْمَوْت فَبَلغهُ سير ابْن تَيْمِية فراسل النَّائِب فَرده من نابلس وَادّعى عَلَيْهِ عِنْد ابْن جمَاعَة وَشهد عَلَيْهِ شرف الدَّين ابْن الصابونى وَقيل ان عَلَاء الدَّين القونوى شهد عَلَيْهِ أَيْضا فاعتقل بسجن حارة الديلمة في ثامن عشر شَوَّال إلى سلخ شهر صفر سنة 709 فَنقل عَنهُ أَن جمَاعَة يَتَرَدَّدُونَ إليه وَأَنه يتَكَلَّم عَلَيْهِم في نَحْو مَا تقدم فَأمر بنقله إِلَى الإسكندرية فَنقل إليها في سلخ صفر وَكَانَ سَفَره صُحْبَة أَمِير مقدم وَلم يُمكن أحداً من جِهَته من السفر مَعَه وَحبس ببرج شرقي ثمَّ توجه إليه بعض أَصْحَابه فَلم يمنعوا مِنْهُ فتوجهت طَائِفَة مِنْهُم بعد طَائِفَة وَكَانَ مَوْضِعه فسيحاً فَصَارَ النَّاس يدْخلُونَ إليه ويقرأون عَلَيْهِ ويبحثون مَعَه فَلم يزل إِلَى أَن عَاد النَّاصِر إلى السلطنة فشفع فِيهِ عِنْده فَأمر بإحضاره فَاجْتمع بِهِ في ثامن عشر شَوَّال سنة 709 فَأكْرمه وَجمع الْقُضَاة فَأصْلح بَينه وَبَين القاضي المالكى فَاشْترط المالكي أَن لَا يعود فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان قد تَابَ وَسكن الْقَاهِرَة وَتردد النَّاس إليه إِلَى أَن توجه صُحْبَة النَّاصِر إِلَى الشَّام بنية الْغَزْو سنة 712 فوصل إِلَى دمشق وَكَانَت غيبته مِنْهَا أَكثر من سبع سِنِين وتلقاه جمع كثير فَرحا بمقدمه وَكَانَت والدته إِذْ ذَاك حَيَّة ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ في شهر رَمَضَان سنة 719 بِسَبَب قَوْله أن الطَّلَاق الثَّلَاث من دون تخَلّل رَجْعَة بِمَنْزِلَة طَلْقَة وَاحِدَة ثمَّ عقد لَهُ مجْلِس آخر في رَجَب سنة 720 ثمَّ حبس بالقلعة ثمَّ أخرج في عَاشُورَاء سنة 721 ثمَّ قَامُوا عَلَيْهِ مرة أُخْرَى
في شعْبَان سنة 722 بِسَبَب مَسْأَلَة الزِّيَارَة واعتقل بالقلعة فَلم يزل بهَا إِلَى أَن مَاتَ في لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لعشرين من شهر الْقعدَة سنة 738 بِجَامِع دمشق وَصَارَ يضْرب الْمثل بِكَثْرَة من حضر جنَازَته وَأَقل مَا قيل في عَددهمْ أَنهم خَمْسُونَ ألفاً قَالَ ابْن فضل الله لما قدم ابْن تَيْمِية على الْبَرِيد إلى الْقَاهِرَة فِي سنة 700 حض أهل المملكة على الْجِهَاد وَأَغْلظ القَوْل للسُّلْطَان والأمراء ورتبوا لَهُ كل يَوْم دِينَارا وَطَعَامًا فَلم يقبل ذَلِك ثمَّ قَالَ حضر عِنْده شَيخنَا أَبُو حَيَّان فَقَالَ مَا رَأَتْ عيناي مثل هَذَا الرجل ومدحه بِأَبْيَات ذكر أَنه نظمها بديهة مِنْهَا
(لما أَتَانَا تقي الدَّين لَاحَ لنا
…
دَاع إلى الله فَرد مَاله وزرُ)
(على محياه سيماء الأولى صحبوا
…
خير الْبَريَّة نور دونه الْقَمَر)
قَالَ ثمَّ دَار بَينهمَا كَلَام فَجرى ذكر سِيبَوَيْهٍ فَأَغْلَظ ابْن تَيْمِية القَوْل في سِيبَوَيْهٍ فنافره أَبُو حَيَّان وقطعه وصير ذَلِك ذَنبا لَا يغْفر وَسُئِلَ عَن السَّبَب فَقَالَ ناظرته فى شئ من الْعَرَبيَّة فَذكرت لَهُ كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ مَا كَانَ سِيبَوَيْهٍ نبيّ النَّحْو وَلَا كَانَ مَعْصُوما بل أَخطَأ فِي الْكتاب في ثَمَانِينَ موضعاً مَا تفهمها أَنْت فَكَانَ ذَلِك سَبَب مقاطعته إِيَّاه وَذكره في تَفْسِيره الْبَحْر بِكُل سوء وَكَذَلِكَ في مُخْتَصره النَّهر وَقد ترْجم لَهُ جمَاعَة وبالغوا في الثَّنَاء عَلَيْهِ ورثاه كثير من الشُّعَرَاء وَقَالَ جمال الدَّين السرمدي فِي أَمَالِيهِ وَمن عجائب زَمَاننَا في الْحِفْظ ابْن تيميه كَانَ يمر بِالْكتاب مرّة مطالعة فينقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَحكى بَعضهم عَنهُ أَنه قَالَ من سألني مستفيداً حققت لَهُ وَمن سألني مُتَعَنتًا ناقصته فَلَا يلبث أن يَنْقَطِع فأكفى مُؤْنَته
وَقد ترْجم لَهُ الصفدي وسرد أَسمَاء تصانيفه في ثَلَاثَة أوراق كبار وَمن أنفعها كِتَابه فِي ابطال الْحِيَل فانه نَفِيس جدا وَكتاب الْمِنْهَاج فى الرَّد على الروافض فِي غَايَة الْحسن لَوْلَا أَنه بَالغ فِي الدفع حَتَّى وَقعت لَهُ عِبَارَات وألفاظ فِيهَا بعض التحامل وَقد نسبه بَعضهم إلى طلب الْملك لِأَنَّهُ كَانَ يلهج بِذكر ابْن تومرت ونظرائه فَكَانَ ذَلِك مولداً لطول سجنه وَله وقائع مَشْهُورَة وَكَانَ إِذا حوقق وألزم يَقُول لم أرد هَذَا وَإِنَّمَا أردْت كَذَا فيذكر احْتِمَالا بَعيدا وَلَعَلَّ ذَلِك وَالله أعلم أَنه يُصَرح بِالْحَقِّ فتأباه الأذهان وتنبوا عَنهُ الطبائع لقُصُور الأفهام فيحوله إِلَى احْتِمَال آخر دفعاً للفتنة وَهَكَذَا ينبغي للْعَالم الْكَامِل أَن يفعل يَقُول الْحق كَمَا يجب عَلَيْهِ ثمَّ يدْفع الْمفْسدَة بِمَا يُمكنهُ وَحكى عَنهُ أَنه لما وصل إِلَيْهِ السُّؤَال الَّذِي وَضعه السكاكيني على لِسَان يهودي وَهُوَ
(أيا عُلَمَاء الدَّين ذميُّ دينكُمْ
…
تحيّر دلّوه بأعظم حجَّة)
(إِذا مَا قضى ربي بكفري بزعمكم
…
وَلم يرضه مني فَمَا وَجه حيلتي)
إلى آخرهَا فَوقف ابْن تَيْمِية على هَذِه الأبيات فَثنى إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى وَأجَاب في مَجْلِسه قبل ان يقوم بِمِائَة وَتِسْعَة عشر بَيْتا أَولهَا
(سؤالك ياهذا سُؤال معاند
…
مخاصم ربّ الْعَرْش ربّ الْبَريَّة)
وَقَالَ ابْن سيّد النَّاس اليعمري في تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية إنه برز في كل فن على أَبنَاء جنسه وَلم تَرَ عين من رَآهُ مثله وَلَا رَأَتْ عينه مثل نَفسه وَقَالَ الذَّهَبِيّ مترجماً لَهُ فِي بعض الإجازات قَرَأَ الْقُرْآن وَالْفِقْه وناظر وَاسْتدلَّ وَهُوَ دون الْبلُوغ وَبلغ في الْعُلُوم وَالتَّفْسِير وَأفْتى ودرّس وَهُوَ دون الْعشْرين وصنّف التصانيف وَصَارَ من أكَابِر الْعلمَاء فى حَيَاة مشايخه
وتصانيفه نَحْو أَرْبَعَة آلاف كراسة وَأكْثر وَقَالَ وَأما نَقله للفقه ومذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فضلاً عَن الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ نَظِير وَقَالَ أَنه لَا يذكر مَسْأَلَة إِلَّا وَيذكر فِيهَا مَذَاهِب الْأَئِمَّة وَقد خَالف الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة في عدَّة مسَائِل صنّف فِيهَا وَاحْتج لَهَا بِالْكتاب وَالسّنة وَقد أثنى عَلَيْهِ جمَاعَة من أكَابِر عُلَمَاء عصره فَمن بعدهمْ ووصفوه بالتفرد وأطلقوا في نَعته عِبَارَات ضخمة وَهُوَ حقيق بِذَاكَ وَالظَّاهِر أنه لَو سلم مِمَّا عرض لَهُ من المحن المستغرقة لأكْثر أَيَّامه المكدرة لذهنه المشوشة لفهمه لَكَانَ لَهُ من المؤلفات والاجتهادات مَا لم يكن لغيره قَالَ الصفدي وَكَانَ كثيراً مَا ينشد
(تَمُوت النُّفُوس بأوصابها
…
وَلم يدر عوادها مَا بهَا)
(وَمَا أنصفت مهجة تشتكى
…
أذاها إِلَى غير أَرْبَابهَا)
وَمِمَّا أنْشد لَهُ على لِسَان الْفُقَرَاء)
(وَالله مَا فقرنا اخْتِيَار
…
وَإِنَّمَا فقرنا اضطرار)
(جمَاعَة كلنا كسَالَى
…
وأكلنا مَاله عيار)
(تسمع منا إِذا اجْتَمَعنَا
…
حَقِيقَة كلهَا فشار)
(41)
أَحْمد بن عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن بن ابراهيم ابْن أَبى بكر بن إبراهيم الولي بن الزين العراقى
الآتى أَبوهُ انشاء الله تَعَالَى ولد في سحر يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ذي الْحجَّة سنة 792 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَةِ وأحضره وَالِده على جمَاعَة من الشُّيُوخ ورحل بِهِ إلى دمشق فَأحْضرهُ بهَا على أَعْيَان علمائها ثمَّ لما عَاد من الرحلة إلى مصر اجْتهد فِي اسْتِيفَاء شُيُوخ الديار المصرية وَأخذ
عَمَّن دبّ ودرج وَكتب الطباق وَضبط الْأَسْمَاء وتدرب بوالده في الحَدِيث وفنونه وَكَذَا في غَيره من فقه وأصول وعربيه وَمَعَان وَبَيَان وبرع في جَمِيع ذَلِك وشارك في غَيرهَا من الْفَضَائِل وَأذن لَهُ غير وَاحِد من شُيُوخه بالإفتاء والتدريس وَاسْتمرّ يترقّى لمزيد ذكائه حَتَّى سَاد وأبدا وَأعَاد وَظَهَرت نجابته ونباهته واشتهر فَضله وبهر عقله مَعَ حسن خلقه وخُلقه وَشرف نَفسه وتواضعه وانجماعه وصيانته وديانته وأمانته وعفته وضيق حَاله وكثرة عِيَاله ودرّس وَهُوَ شَاب فِي حَيَاة أَبِيه وَقَالَ أَبوهُ فِي دروسه
(دروس أَحْمد خير من دروس أبه
…
وَذَاكَ عِنْد أَبِيه مُنْتَهى أربه)
وَلما توجه وَالِده لقَضَاء الْمَدِينَة وخطابتها قَامَ بِجَمِيعِ وظائفه إِلَّا مشيخة دَار الحَدِيث فإنه انتزعها مِنْهُ شَيْخه ابْن الملقّن فَتحَرك لمعارضته ثمَّ سكنه بعض مشايخه فسكن ثمَّ أضيفت إليه جِهَات أَبِيه بعد مَوته فزادت رئاسته وانتشرت في الْعُلُوم وجاهته وأضيف إليه في بعض الْأَوْقَات قَضَاء منوف وناب فى الْقَضَاء عَن الْعِمَاد الكركي نَحْو عشْرين سنة ثمَّ ترفع عَن ذَلِك وَفرغ نَفسه للإفتاء والتدريس والتصنيف إلى أَن خطبه الطَّاهِر ططر بِغَيْر سُؤال إلى قَضَاء الديار المصرية فِي منتصف شَوَّال سنة 824 مَعَ وجود السعاة فِيهِ بالبذل وَذَلِكَ عقب موت الْجلَال البلقيني بأَرْبعَة أَيَّام فَسَار فِيهِ أحسن سيرة بعفة ونزاهة وَحُرْمَة وصرامة وشهامة وَمَعْرِفَة وَكَانَ يحضّ أَصْحَابه على الاهتمام بإجابة من يلْتَمس مِنْهُم الشَّفَاعَة عِنْده عملاً بِالسنةِ وَقَامَ عَلَيْهِ جماعته حَتَّى ألزموه بتفضيل الرفيع من الثِّيَاب وقرروا لَهُ أَن في ذَلِك قُوَّة في الشَّرْع وتعظيماً
للقائم بِهِ والا فَلم يكن عزمه التَّحَوُّل عَن جنس لِبَاسه من قبل وَاسْتمرّ حَتَّى صرف لتصميمه على الْحق وَعدم مداراته لأهل الدولة فِي أُمُور لَا يحتملونها حَتَّى شقّ ذَلِك عَلَيْهِم فتمالئوا عَلَيْهِ وَكَانَت مُدَّة ولَايَته سنة دون شَهْرَيْن فتمالئت وتكدرت الخواطر الصافية لعزله وتنغصت معيشته وَلكنه لزم طَرِيقَته فِي الاكباب على نشرالعلم وتصنيفه إِلَى أَن مَاتَ قبل استكمال سنة من صرفه مبطوناً شَهِيدا آخر يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر من شعْبَان سنة 826 سِتّ وَعشْرين وثمان مائَة ثمَّ دفن الى جنب وَالِده بتربته قَالَ ابْن حجر وَلما صرف من الْقَضَاء حصل لَهُ سوء مزاج من كَونه صرف بِبَعْض تلامذته بل بِبَعْض من لَا يفهم عَنهُ كَمَا ينبغى فَكَانَ يَقُول لَو عزلت بِغَيْر فلَان مَا صَعب عليَّ وَله مؤلفات مِنْهَا الْبَيَان والتوضيح لمن أخرج لَهُ في الصَّحِيح وَقد مس بِضَرْب من التجريح والمستجاد فى مهمات الْمَتْن والاسناد وتحفة التَّحْصِيل فى ذكر رُوَاة الْمَرَاسِيل وأخبار المدلّسين والذيل على الكاشف للذهبي وأضاف إليه رجال مُسْند أَحْمد والأطراف بأوهام الأطراف للمزي وَشرح السّنَن لأبي دَاوُد كتب قِطْعَة مِنْهُ وَعمل التعقيبات على الرافعي كتب مِنْهُ نَحْو سِتَّة مجلدات وَشرح جمع الْجَوَامِع شرحاً مُخْتَصرا وَاخْتصرَ الْكَشَّاف مَعَ تَخْرِيج أَحَادِيثه وتتمات وَنَحْوهَا وَله تذكرة مفيدة فِي عدَّة مجلدات وأقرأ مصنفاته فِي حَيَاته وَكَانَ يسرّ بِذكرِهِ وَله نظم ونثر كثير
(42)
أَحْمد بن عبد الله بن بدر بن مفرح بن بدر بن عُثْمَان بن كَامِل بن ثَعْلَب الشهَاب العامري الغزي ثمَّ الدمشقي الشافعي
ولد في ربيع الأول سنة 770 سبعين وَسَبْعمائة بغزة وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والتنبيه ثمَّ في كبره الحاوي وَأخذ عَن قاضيها الْعَلَاء على ابْن خلف وَسمع عَلَيْهِ الصَّحِيح ثمَّ تحوّل إلى دمشق بعد الثَّمَانِينَ وَهُوَ فَاضل فقطنها وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة من أَهلهَا ورحل إِلَى الْقُدس فَأخذ عَن التقي القلقشندي وبرع في الْفِقْه وأصوله وشارك في غَيرهمَا مَعَ مذاكرة حَسَنَة في الحَدِيث ومتعلقاته وناب في الحكم عَن الشَّمْس الاحنائى وَعين مرّة للْقَضَاء اسْتِقْلَالا فَلم يتم وَولى افتاء دَار الْعدْل والتدريس بعدة أَمَاكِن وتصدر للإقراء والإفتاء واشتهر برئاسة الْفَتْوَى بِدِمَشْق فَلم يبْق في أَوَاخِر عمره من يُقَارِبه وَله تصانيف مِنْهَا شرح الحاوي الصَّغِير فِي أَربع مجلدات وَشرح جمع الْجَوَامِع وَشرح مُخْتَصر الْمُهِمَّات للأسنوي في خَمْسَة أسفار وَحج من دمشق غير مرة وجاور بِمَكَّة ثَلَاث سِنِين مُتَفَرِّقَة وَكَانَت وَفَاته بهَا مبطوناً في ظهر يَوْم الْخَمِيس سادس شَوَّال سنة 822 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمان مائَة وَصلى عَلَيْهِ عِنْد بَاب الْكَعْبَة وَدفن في المعلاة قَالَ ابْن حجر في أنبائه وبلغني أَن صديقه النَّجْم المرجاني رَآهُ في النوم فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فتلى عَلَيْهِ {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} السَّيِّد أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن عز الدَّين بن الْحسن الشامي
ولد تَاسِع شهر ذي الْحجَّة سنة 1095 خمس وَتِسْعين وَألف وَكَانَ
من أكَابِر عُلَمَاء صنعاء قَرَأَ في فنون الْعلم على مشايخها فبرع في الْآلَات وَالْفِقْه والْحَدِيث ثمَّ إِن المتَوَكل قَاسم بن حُسَيْن أرسل لَهُ ورغّبه في أَن يَجْعَل بنظره من وصل من القاصدين من تهامة فأسعد وَكَانَ يُرْسل إليه بِمَا يَحْتَاجُونَ إليه من نقد وَكِسْوَة ثمَّ بعد ذَلِك ولاه الْقَضَاء الأكبر بِحَضْرَتِهِ في صنعاء فاستمر في ذَلِك إلى أَن توفي المتَوَكل ثمَّ اسْتمرّ على ذَلِك في أَيَّام وَلَده الْمَنْصُور حَتَّى مَاتَ ثمَّ اسْتمرّ فِي ذَلِك فِي أَيَّام الإمام الْمهْدي وَقد ارْتَفَعت دَرَجَته في أَيَّام الْمَنْصُور ارتفاعاً زَائِدا حَتَّى كَانَ مَقْبُول القَوْل فِي الْجَلِيل والدقيق وَصَارَ أَمر الْقَضَاء في جَمِيع جِهَات الْيمن مَنُوطًا بِهِ وَكَانَ يصدع بِالْحَقِّ مَعَ حسن صناعته فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ والنهي عَن الْمُنكر وَله شهرة كَبِيرَة وصولة عَظِيمَة فِي مملكة الْيمن وَكَانَ يضْرب بعقله ورصانته الْمثل وَإِلَى الْآن كَذَلِك وَله شغف بِالْعلمِ والتدريس وَله تلامذة مِنْهُم القاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن الآتي ذكره إنْشَاء الله وَمن حسن أخلاقه وَقُوَّة اصطباره واحتماله أَنه سمّه رجل ظن أَنه غير عَلَيْهِ بعض أُمُور دُنْيَاهُ فاستمر الإسهال مَعَه مِقْدَار سنة وَلم يحدث بذلك أحداً وكافاً الَّذِي سمه بإيصاله إِلَى مطلبه وَالْقِيَام في قَضَاء غَرَضه فَللَّه در هَذِه الْأَخْلَاق الشَّرِيفَة وَتوفى رحمه الله يَوْم الْأَحَد السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة 1172 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة ألف
(44)
أَحْمد بن عبد الله الضّمدي
ولد في سنة 1170 سبعين وَمِائَة وَألف تَقْرِيبًا وَقَرَأَ بِبَلَدِهِ على
من بهَا من أهل الْعلم ثمَّ ارتحل إِلَى صنعاء فَأخذ عَن جمَاعَة من أكَابِر علمائها كشيخنا السَّيِّد الامام عبد الْقَادِر بن أَحْمد والقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن وَشَيخنَا الْعَلامَة قَاسم بن يحيى الخولاني وَغَيرهم وَعَاد إِلَى وَطنه وَقد برع في الْفِقْه والْحَدِيث والعربية ثمَّ بعد وُصُوله إلى بَلَده عكف عَلَيْهِ الطّلبَة من أَهلهَا وَرَغبُوا فِيهِ وَأخذُوا عَنهُ فنونا من الْعلم وَعظم شَأْنه هُنَالك وَصَارَ الْمرجع إِلَيْهِ في التدريس والإفتاء فِي ضمد وَغَيرهَا كصبيا وأبي عَرِيش ثمَّ ارتحل إلى صنعاء رحْلَة أُخْرَى فَقَرَأَ عليّ في شرح الْغَايَة وسألنى بمسائل عديدة أجبْت عَلَيْهَا بِجَوَاب سميته العقد المنضد فى جيد مسَائِل عَلامَة ضمد ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاده وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل فِي نشر الْعلم وَالْفَتْوَى والزهد والاشتغال بِخَاصَّة النَّفس ثمَّ مَاتَ رحمه الله فِي سنة 1222 اثنتين وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف تَقْرِيبًا
(45)
مَوْلَانَا الإمام المتَوَكل على الله أَحْمد بن الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الإمام المهدي الْعَبَّاس
ابْن الإمام الْمَنْصُور بن الْحُسَيْن بن الإمام المتَوَكل الْقَاسِم بن حُسَيْن ابْن أَحْمد بن حسن بن الْقَاسِم وسيأتي تَمام نسبه في تَرْجَمَة جده الْحسن بن الْقَاسِم مولده حفظه الله حَسْبَمَا أخبرني بِهِ في أول شهر محرم سنة 1170 سبعين وَمِائَة وألف وَهُوَ أكبر أَوْلَاد أَبِيه وَلما صَارَت الْخلَافَة إِلَى
أَبِيه جعل إليه بعد مضي نَحْو نصف سنة إِمَارَة الأجناد وَولَايَة صنعاء وَمَا إليها فباشر ذَلِك بِحرْمَة وافرة ومهابة ونجابة وَحسن سياسة وَبَعثه وَالِده لِحَرْب من يناوئه غير مرّة فظفر وانتصر وَهُوَ مَيْمُون النقيبه مَا بَاشر حَربًا من الحروب إِلَّا وَكَانَ الغلب لَهُ وَله فِي ذَلِك مَوَاقِف لَا يَتَّسِع الْمقَام لبسطها مِنْهَا حَرْب حَده بَينه وَبَين بكيل لما خرج بهم سيدي على بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أسحق بن المهدي وَمِنْهَا خُرُوجه بجنده إِلَى بني الْحَارِث لما أفسدوا فاستولى على جَمِيعهم وَمِنْهَا حَرْب الرَّوْضَة لما خرج أَهلهَا عَن الطَّاعَة بِسَبَب تغرير جمَاعَة من السَّادة الكباسية وَال أبي طَالب عَلَيْهِم وعاضدهم على ذَلِك سيدي أَحْمد بن عبد الله بن المهدي فاستولى عَلَيْهِم مَوْلَانَا المتَوَكل على الله في أَيَّام وَالِده رحمه الله وَمَا زَالَ في خلَافَة وَالِده جَمِيعهَا يسوس أَمر النَّاس وينوب عَن أَبِيه فِي كثير من الْأُمُور ويفاوضه الوزراء في غَالب مَا تَدْعُو إليه الْحَاجة حَتَّى ولّيَ الوزارة الْفَقِيه حسن بن حسن عُثْمَان بعد وَالِده فَلم يسْلك مَسْلَك الوزراء بل مازال يواحش بَين الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه رحمه الله وَولده وتزايد الْأَمر مَعَ سوء تَدْبِير الْوَزير الْمَذْكُور وَضعف رَأْيه حَتَّى كَادَت الدولة أَن تذْهب وتقاصر ظلها وَهَلَكت الرعايا وانقطعت الطرق وَمَات كثير من أهل صنعاء جوعا بِسَبَب حصارها فَعِنْدَ ذَلِك وَقع من مَوْلَانَا المتَوَكل على الله مَا سيأتي في تَرْجَمَة وَالِده رحمه الله وَكَانَت الْبيعَة لَهُ في اللَّيْلَة الَّتِى مَاتَ فِيهَا وَالِده وَهِي لَيْلَة خَامِس عشر شهر رَمَضَان سنة 1224 أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَكنت أول من بَايعه وتوليت قبض الْبيعَة لَهُ من أخوته وأعمامه وَسَائِر آل الإمام الْقَاسِم وأعيان الْعلمَاء والرؤساء وَكَانَ
تَحْرِير هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْيَوْم الثاني من بيعَته وَتَوَلَّى وزارته الْفَقِيه على ابْن إسماعيل فارع وشاركه في بعض الْأَعْمَال القاضي حسن بن على عبد الْوَاسِع ثمَّ توفى رحمه الله لَيْلَة الْأَرْبَعَاء لَعَلَّه سَابِع عشر شهر شَوَّال سنة 1231 إحدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَقَامَ بعده وَلَده عبد الله وتلقب بالمهدي وَكنت المتولي لأخذ الْبيعَة لَهُ بعد مبايعتي لَهُ وستأتى لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة انشاء الله تَعَالَى
46 -
أَحْمد بن علي بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن تَمِيم ابْن عبد الصَّمد بن أَبى الْحسن بن عبد الصَّمد بن تَمِيم
التقي أَبُو الْعَبَّاس الحسيني العبيدي البعلي الأَصْل القاهري وَيعرف بِابْن المقريزي وهي نِسْبَة لحارة فِي بعلبك تعرف بحارة المقارزة قَالَ السخاوي كَانَ مولده حَسْبَمَا كَانَ يخبر بِهِ ويكتبه بعد السِّتين يعْنى وَسَبْعمائة وَقَالَ ابْن حجر إنه رأى بِخَطِّهِ مَا يدل على تَعْيِينه فِي سنة 66 سِتّ وَسِتِّينَ بِالْقَاهِرَةِ ونشأ بهَا نشأة حَسَنَة فحفظ الْقُرْآن وَسمع من جمَاعَة من الشُّيُوخ كالا مدى والبلقيني والعراقي والهيثمي وَحج فَسمع بِمَكَّة من علمائها وَسمع في الشَّام من جمَاعَة واشتغل كثيراً وَطَاف على الشُّيُوخ ولقي الْكِبَار وجالس الْأَئِمَّة وتفقّه حنفيّاً على مَذْهَب جده لأمه ثمَّ تحول شافعياً قَالَ السخاوي وَلَكِن كَانَ مائلاً إِلَى الظَّاهِر وَكَذَا قَالَ ابْن حجر إنه أحب الحَدِيث فواظب عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ يتهم بِمذهب ابْن حزم انْتهى وَنظر في عدَّة فنون وشارك في الْفَضَائِل وَقَالَ النظم والنثر وناب في الحكم وَكتب التوقيع وَولى الْحِسْبَة بِالْقَاهِرَةِ غير مرّة والخطابة بِجَامِع عَمْرو والإمامة بِجَامِع الْحَاكِم وَقِرَاءَة الحَدِيث بالمؤيدة
وحمدت سيرته في مباشراته كلهَا وَكَانَ قد اتَّصل بِالظَّاهِرِ برقوق وَدخل دمشق مَعَ وَلَده النَّاصِر وَعرض عَلَيْهِ قَضَائهَا مرَارًا فَأبى وَصَحب بشيك الدوادار وقتاً ونالته مِنْهُ دنيا وَحج غير مرة وجاور وَكَذَا دخل دمشق مرَارًا وَتَوَلَّى بهَا تداريس ثمَّ أعرض عَن جَمِيع ذَلِك وَأقَام بِبَلَدِهِ عاكفاً على الِاشْتِغَال بالتاريخ حَتَّى اشْتهر بِهِ ذكره وَبعد فِيهِ صيته وَصَارَت لَهُ فِيهِ جملَة تصانيف كالخطط والْآثَار للقاهرة وَهُوَ من أحسن الْكتب وأنفعها وَفِيه عجائب ومواعظ وَكَانَ فِيهِ ينشر محَاسِن العبيدية ويفخم شانهم ويشيد بِذكر مناقبهم وَكنت قبل أَن أعرف انتسابه إليهم أعجب من ذَلِك كَونه على غير مَذْهَبهم فَلَمَّا وقفت على نسبه علمت أَنه استروح إلى ذكر مَنَاقِب سلفه قَالَ السخاوي أَن المترجم لَهُ ظفر بمسودة للأوحدي في خطط الْقَاهِرَة وآثارها فأخذها وَزَاد فِيهَا زَوَائِد غير طائلة ونسبها لنَفسِهِ انْتهى وَالرجل غير مَدْفُوع عَن فضل لَا سِيمَا فِي التَّارِيخ وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَالله أعلم وَمن مؤلفاته دُرَر الْعُقُود الفريدة في تراجم الْأَعْيَان المفيدة ذكر فِيهِ من عاصره وإمتاع الاسماع بِمَا للرسول من الأنباء والحفدة وَالْمَتَاع وَعقد جَوَاهِر الاسفاط فى مُلُوك مصر والفسطاظ وَالْبَيَان والإعراب عَمَّا في أَرض مصر من الأعراب والالمام فِيمَا بِأَرْض الْحَبَشَة من مُلُوك الاسلام والطرفة الغريبة فى أَخْبَار وادى حَضرمَوْت العجيبة وَمَعْرِفَة مَا يجب لأهل الْبَيْت النبوي على من عداهم وايقاظ الحنفاء بأخبار الْأَئِمَّة الفاطميين الْخُلَفَاء والسلوك بِمَعْرِِفَة دوَل الْمُلُوك والتاريخ الْكَبِير وَهُوَ في سِتَّة عشر مجلداً وَله مؤلفات غير هَذِه وجد بِخَطِّهِ أَن تصانيفه
زَادَت على مائتي مُجَلد وَأَن كبار شُيُوخه بلغت سِتّمائَة نفس وَكَانَ متبحراً في التَّارِيخ على اخْتِلَاف أَنْوَاعه ومؤلفاته تشهد لَهُ بذلك وإن جَحده السخاوي فَذَلِك دأبه في غَالب أَعْيَان معاصريه وَكَانَ حسن الْخِبْرَة بالزايرجة والأسطرلاب والرمل والميقات قَالَ ابْن حجر فِي تَرْجَمته لَهُ النظم الْفَائِق والنثر الرَّائِق والتصانيف الباهرة خُصُوصا في تَارِيخ الْقَاهِرَة فإنه أَحْيَا معالمها وأوضح مجاهلها وجدد مآثرها وَترْجم أعيانها قَالَ وَكَانَ حسن الصُّحْبَة حُلْو المحاضرة مَاتَ في عصر يَوْم الْخَمِيس سادس عشر رَمَضَان سنة 845 خمس وَأَرْبَعين وثمان مائَة بِالْقَاهِرَةِ وَمن شعره
(سقى عهد دمياط وحيّاه من عهد
…
فقد زادني ذكرَاهُ وجداً على وجدي)
(وَلَا زَالَت الأنواء يسقى سحابها
…
دياراً حكت من حسنها جنَّة الْخلد)
(47)
(أَحْمد بن علي بن عبد الْكَافِي بن يحيى بن تَمام بن يُوسُف بن مُوسَى بن تَمام بن حَامِد بن يحيى بن سليم السُّبْكِيّ
أَبُو حَامِد بهاء الدَّين ولد بعد الْمغرب من لَيْلَة الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة 719 تسع عشرَة وَسَبْعمائة وأحضر على الحجار في الْخَامِسَة وَسمع علي الدبوسي والبدر بن جمَاعَة وبدمشق على ابْن الجزري والمزي وَغَيرهمَا قَالَ الذهبي في المعجم الْمُخْتَص الْأَمَام الْعَلامَة الْمدرس لَهُ فَضَائِل وَعلم جيد وَفِيه أدب وتقوى وساد وَهُوَ ابْن عشْرين سنة وأسرع إليه الشيب فاتقى وَهُوَ في حُدُود الْعشْرين قَالَ ابْن حجر وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى في علم اللِّسَان الْعَرَبيَّة والمعاني وَالْبَيَان وَله عروس الأفراح شرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح أبان عَن سمعة دَائِرَة في الْفَنّ وَله تَعْلِيق
على الحاوى وَعمل قِطْعَة على شرح الْمِنْهَاج لِأَبِيهِ وَكَانَ أديباً فَاضلا متعبداً كثير الصَّدَقَة وَالْحج والمجاورة سريع الدمعة قَائِما مَعَ أَصْحَابه وَولى قَضَاء الشَّام عوضاً عَن أَخِيه في سنة 762 فأقام سنة وَلم يصنع ذَلِك إِلَّا حفظاً للوظيفة على أَخِيه ثمَّ ولي قَضَاء الْعَسْكَر وَكَانَ شرع في شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فَكتب مِنْهُ قِطْعَة لَطِيفَة في مُجَلد وَلَو أتمه لَكَانَ عشر مجلدات أَو أَكثر وَقَالَ وَالِده الشَّيْخ تقي الدَّين لما درس وَلَده هَذَا
(دروس أَحْمد خير من دروس علي
…
وَذَاكَ عِنْد عليّ غَايَة الأمل)
وَكَانَ من رحّالي الْعَالم وَكَانَ أَبوهُ قاضي الشَّام فكثرت جهاته واتسع مَاله لِأَنَّهُ نَاب عَن وَالِده في جَمِيع جهاته وَضم إِلَى ذَلِك وظايف عدَّة وَكَانَ إِذا مَاتَ من لَهُ تدريس أَو نَحوه سعى فِيهِ لنَفسِهِ وَمَات مجاوراً بِمَكَّة لَيْلَة الْخَمِيس السَّابِع عشر من شهر رَجَب سنة 763 ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَله أَربع وَخَمْسُونَ سنة وَبَعض أشهر
(48)
السَّيِّد احْمَد بن علي بن محسن بن الْأَمَام المتَوَكل على الله إسماعيل بن الْقَاسِم الصنعاني
ولد تَقْرِيبًا سنة 1150 خمسين وَمِائَة وَألف واشتغل بِطَلَب الْعلم بعد أَن قَارب الْخمسين من عمره ثمَّ قَرَأَ عليّ في النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَأدْركَ إدراكاً كَامِلا لاسيما في الْعُلُوم الآلية وفهمه جيد وفكره صَحِيح وتصوره حسن وإدراكه كَامِل وأكبَّ على الِاشْتِغَال عليّ نَحْو عشر سِنِين مَعَ جمَاعَة من الطّلبَة ثمَّ جرى بَينه وَبَين بَعضهم مَا يجري بَين أمثالهم من المنافسة فانزعج وَمَعَ كَثْرَة تحيله ظن أَنى مُؤثر لمن نافسه عَلَيْهِ فَصَارَ بعد ذَلِك يرْوى ماقد
حفظه عَنى من اجتهاداتي الْجَارِيَة على نمط الدَّلِيل الَّتِى يُخَالف مَا عَلَيْهِ غَالب من لَا تَمْيِيز لَهُ وَكَانَ لَدَيْهِ كتاب لي عَارِية أَحْسَنت إليه بعاريته فَرَأى فِيهِ بخطي في مَسْأَلَة الْفرْقَة النَّاجِية كلَاما مضمونه أَنهم لَيْسُوا بعض هَذِه الْمذَاهب الإسلامية على التَّعْيِين بل هم من تمسك بالشريعة المطهرة واهتدى بهدي الْمُصْطَفى صلى الله عليه وآله وسلم على أى مَذْهَب كَانَ وفي أيّ عصر وجد وَدفعت قَول من قَالَ انهم فرقته كَمَا وَقع لكثير من المتعصبين فَأَقَامَ هَذَا الْقِيَامَة وَمَا زَالَ يعرضه على كل من لَهُ اشْتِغَال بِالْعلمِ فَلم يُوَافقهُ أحد على ذَلِك فَعَاد يعرضه على الْمُقَصِّرِينَ والعوام ويوهمهم بأوهام لَا حَقِيقَة لَهَا فَكَادَتْ تثور فتْنَة وقى الله شَرها ثمَّ طلبت مِنْهُ إرجاع كتابي فَمَا ساعد كل هَذَا وَله من الْفَهم والعرفان نصيب تَامّ وَهُوَ لَا يخفى عَلَيْهِ خطأ نَفسه وَبطلَان مَا زَعمه وَلم يرع حق التَّعْلِيم وَبعد ذَلِك ترك الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَلم يبْق عَلَيْهِ من رونقه شئ ورام أَن يعود للْقِرَاءَة عليّ فَمَا ساعدته وأرجع الْكتاب الْمشَار إليه بعد سِنِين ومدحني بِأَبْيَات وَأظْهر النَّدَم على مَا سلف مِنْهُ عفى الله عَنهُ وَمن جملَة مَا كتبه إِلَى هَذِه القصيدة وفيهَا إِشَارَة إِلَى مَا قَدمته
(ياقاضيا لفظ مَاض إِذْ تنَاوله
…
زهى بِهِ كل مَنْقُوص من الْكَلم)
(وَلم يزل كلِّ مَمْدُود يمد إلى
…
مَا نَالَ عَيْنَيْهِ من فَخر وَمن كرم)
(وكل مَا نَالَ مَقْصُور عَلَيْهِ فيا
…
ذَا الْمَدّ اقصر وَلَا تطمع وَلَا تحم)
(فالاسم مرجع مَا يحويه من شرف
…
إلى مُسَمَّاهُ من نعت وَمن علم)
(قَاض بهجته الْأَيَّام مشرقة
…
كَالشَّمْسِ لَكِن نور الشَّمْس لم يدم)
(فَالْحَمْد لله دُنْيَانَا بهجته
…
إشراقها غير مسلوخ عَن الظُّلم)
(قَاض إِذا جِئْته يَوْمًا لقِيت بِهِ
…
كل الأفاضل من عرب وَمن عجم)
(يخْشَى الْخُصُوم ارتعاداً من مهابته
…
حَتَّى كَأَن بهم ضرب من اللمم)
(لِأَن مَا أضمروه فِي فراسته
…
من حسن إيمَانه نَار على علم)
(كم من أَلد بِلَا مَا زَالَ مُلْتَزما
…
من خَوفه عادلاً عَنْهَا إِلَى نعم)
(فالمبتغون لغير الْحق في نقم
…
مِنْهُ وكل محق مِنْهُ في نعم)
(صحبته زمن التدريس مقتطفاً
…
من روض أملاه نور الحكم وَالْحكم)
(فَكَانَ براً رؤوفا بى ومغتفرا
…
لزلتي لم يعاتبني وَلم يلم)
(أرَاهُ إِن طَال قولي فِي بشاعته
…
كَأَنَّهُ عَن كلامي الغث فى صمم)
(وغبت عَنهُ زَمَانا واتصلت بِهِ
…
فِي رُتْبَة هُوَ فِيهَا صَاحب الْعلم)
(قاضي قُضَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ على
…
يَمِينه قَاعِدا فِي الصَّدْر لم يقم)
(فَقَامَ تَعْظِيمه فِي صدر كلّ فَتى
…
مُسلم للأكف الطُّهْر مستلم)
(وشاع تَعْظِيمه في النَّاس ثمَّ غَدا
…
عِنْد الْجَنِين كرأي الْعين فِي الرَّحِم)
(وَمثل ذَاك أعادي تواتره
…
... فِينَا وفي الْغَيْر من مُسْتَقْبل الْأُمَم)
(فَمَا تغير شئ كنت أعهده
…
قبل التصدر في القاضي من الشيم)
(كأنه للندامى من تواضعه
…
على جلالته من أَصْغَر الخدم)
(فَقَامَ ذَاك دَلِيلا أَن همته
…
من فَوق ذَاك الَّذِي يعْطى ذَوُو الهمم)
(وَلَو أحلّ الْفَتى فِي النَّاس رتبته
…
دهراً لأصبح ربّ السَّيْف والقلم)
(مملّكاً كلّ إقليم وناصية
…
عمّاله فِي نواحي مصر وَالْحرم)
(يامن يرى أَن نظمي قد قضيت بِهِ
…
حق المديح فقد أَخْطَأت فاستقم)
(لَيست مبالغتي فِيهِ مُبَالغَة
…
وَلَا الغلو غلوا يَا أَخا الهمم)
(وَلَو أتيت بأنواع البديع لما
…
قضيت حَقًا وَكَانَ الْعَجز ملتزمي)
وَهُوَ الآن في قيد الْحَيَاة لَعَلَّه قد صَار في سِتِّينَ سنة من عمره وَله إِلَى أشعار غيرهذه ومسائل سألني عَنْهَا وأجبته بأجوبة هي في مَجْمُوع جواباتي ثمَّ توفي رحمه الله لَعَلَّه في سنة 1223 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف
(49)
أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن أَحْمد طشِي الصّعدي
ثمَّ الرداعي ولد تَقْرِيبًا سنة 1190 تسعين وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ في ذمّار وَغَيرهَا فَصَارَ عَارِفًا بالفقه والآلات يفهم ذَلِك فهماً جيداً وَله ذكاء عَظِيم وفطنة باهرة وَقُوَّة عارضة وَحسن محاضرة ورقة طبع وانسجام خلق عَجِيب ويشعر شعراً حسناً سمع مني مُدَّة إقامتي فِي مَدِينَة ذي جبلة عِنْد قدومي إليها مَعَ مَوْلَانَا المتَوَكل على الله فِي سنة 1226 فِي صَحِيح مُسلم وَسمع فِي غَيره وَكَانَ يحضر للْقِرَاءَة عِنْد إقامتي هُنَالك وَهُوَ الْآن مُقيم بِمَدِينَة رداع
(50)
أَحْمد بن لطف الباري بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر الْورْد
خطيب صنعاء وَابْن خطيبها ولد في شهر رَمَضَان سنة 1192 اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وولاه الْأَمَام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس الخطابة مَكَان وَالِده الْعَلامَة التقى الْفَاضِل الْوَرع الزَّاهِد الْمسند وَكَانَ كل أحد من النَّاس لَا يظن أَنه يلْحق بِهِ فِي الخطابة أحد فَلَمَّا مَاتَ استشرف للخطابة جمَاعَة وَكَانَ سن صَاحب التَّرْجَمَة إِذْ ذَاك ثَمَان عشرَة سنة فَقَامَ بالخطابة قيَاما لَا يقوم بِهِ أحد وفَاق وَالِده عَن قرب وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على ذَلِك وَله شغلة بِطَلَب الْعلم كَبِيرَة مَعَ ذهن وقاد وطبع منقاد وَفهم سليم وفكر مُسْتَقِيم وَقد صَار معدوداً من الْعلمَاء مَعَ حَدَاثَة سنه قَرَأَ عليّ في شرح الْجلَال الْمَعْرُوف بضوء النَّهَار وفي شرح جمع الْجَوَامِع للمحلي وَهُوَ الْآن مُسْتَمر على ذَلِك وعمره عِنْد تَحْرِير هَذِه الأحرف نَحْو الْعشْرين سنة وَمن أعلم مشايخه اللَّذين تخرج بهم وَالِده وَمِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن يُوسُف وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الزَّمن في غَالب أَوْصَافه بِحَيْثُ يقصر عَن حسن سمته ورصانة عقله وطهارة لِسَانه وعفته ونزاهته كثير من أهل الْأَسْنَان الْعَالِيَة ثمَّ انجمع وَاعْتَزل النَّاس أما زهدا أوفرارا من الْخطْبَة
كَمَا يَفْعَله كثير من عباد الله الصَّالِحين وَالْعُلَمَاء العاملين أَو أَنه حدث فِي مزاجه سَوْدَاء أوجبت لَهُ الاستيحاش من النَّاس وَقَامَ مقَامه أَخُوهُ الْعَلامَة مُحَمَّد بن لطف الباري وَهُوَ تلوه فِي الْفَضَائِل وَله قِرَاءَة عليّ في أُمَّهَات الحَدِيث وَسمع مني بَعْضًا من تفسيري وقرأ على أخي يحيى فى الْأُصُول وَغَيرهَا وَصَارَ ثَابت الْقدَم فِي الخطابة بِحَيْثُ إنه يفوق كثيراً من الخطباء مَعَ حسن أَدَاء وفصاحة لِسَان وثبات جنان وَحسن أَخْلَاق وَعمل بِمَا في السنة المطهرة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الْعَصْر
(51)
أَحْمد بن علي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن علي بن أَحْمد الشهَاب أبو الْفضل الكنانى العسقلانى
القاهرى الشافعى الْمَعْرُوف بِابْن حجر وَهُوَ لقب لبَعض آبَائِهِ الْحَافِظ الْكَبِير الشهير الإمام الْمُنْفَرد بِمَعْرِِفَة الحَدِيث وَعلله في الْأَزْمِنَة الْمُتَأَخِّرَة
ولد في ثاني عشر شعْبَان سنة 773 ثَلَاث وَسبعين وَسَبْعمائة بِمصْر وَنَشَأ بهَا يَتِيما في كنف أحد أوصيائه فحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن تسع ثمَّ حفظ الْعُمْدَة وألفية الحَدِيث للعراقي والحاوي الصَّغِير ومختصر ابْن الْحَاجِب فِي الْأُصُول والملحة وَبحث في ذَلِك على الشُّيُوخ وتفقه بالبلقيني والبرماوي وَابْن الملقن والعز بن جمَاعَة وَعَلِيهِ أَخذ غَالب الْعُلُوم الآلية والأصولية كالمنهاج وَجمع الْجَوَامِع وَشرح الْمُخْتَصر والمطول ثمَّ حبب الله إليه فن الحَدِيث فَأقبل عَلَيْهِ بكليته وَطَلَبه من سنة 793 وَمَا بعْدهَا فعكف على الزين العراقي وَحمل عَنهُ جملَة نافعة من علم الحَدِيث سنداً ومتناً وعللاً وَاصْطِلَاحا وارتحل إِلَى بِلَاد الشَّام والحجاز واليمن وَمَكَّة وَمَا بَين هَذِه النواحي وَأكْثر جداً من المسموع والشيوخ وَسمع العالي والنازل وَاجْتمعَ لَهُ من ذَلِك مالم يجْتَمع لغيره وَأدْركَ من الشُّيُوخ جمَاعَة كل وَاحِد رَأس فِي فنه الَّذِي اشْتهر بِهِ فالتنوخى فى معرفَة القرا آتٍ والعراقي في الحَدِيث والبلقيني فِي سَعَة الْحِفْظ وَكَثْرَة الِاطِّلَاع وَابْن الملقن فِي كَثْرَة التصانيف وَالْمجد صَاحب الْقَامُوس في حفظ اللُّغَة والعز بن جمَاعَة في تفننه فِي عُلُوم كَثِيرَة بِحَيْثُ كَانَ يَقُول أنا أقرأ في خَمْسَة عشر علماً لَا يعرف عُلَمَاء عصري أسمائها ثمَّ تصدى لنشر الحَدِيث وَقصر نَفسه عَلَيْهِ مطالعة واقراءً وتصنيفاً وإفتاءً وَتفرد بذلك وَشهد لَهُ بِالْحِفْظِ والإتقان الْقَرِيب والبعيد والعدو وَالصديق حَتَّى صَار إطلاق لفظ الْحَافِظ عَلَيْهِ كلمة إجماع ورحل الطّلبَة إليه من الأقطار وطارت مؤلفاته فِي حَيَاته وانتشرت في الْبِلَاد وتكاتبت الْمُلُوك من قطر إِلَى قطر في شَأْنهَا وهي كَثِيرَة جداً مِنْهَا مَا كمل وَمِنْهَا مَا لم يكمل وَقد عَددهَا السخاوي في الضَّوْء اللامع
وَكَذَلِكَ عدد مصنفاته فى الأربعينيات والمعاجم وَتَخْرِيج الشُّيُوخ والأطراف والطرق والشروح وعلوم الحَدِيث وفنونه وَرِجَاله في أوراق من تَرْجَمته وَنقل عَنهُ أَنه قَالَ لست رَاضِيا عَن شئ من تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الْأَمر ثمَّ لم يتهيأ لي من يحرّرها معي سوى شرح البخارى وقدمته والمشتبه والتهذيب ولسان الْمِيزَان وروى عَنهُ في مَوضِع آخر أَنه أثنى على شرح البخارى وَالتَّعْلِيق والنخبة ولاريب أَن أجلّ مصنفاته فتح الباري وَكَانَ شُرُوعه في تصنيفه سنة 817 على طَرِيق الإملاء ثمَّ صَار يكْتب من خطه يداوله بَين الطّلبَة شَيْئا فَشَيْئًا والاجتماع في يَوْم من الْأُسْبُوع للمقابلة والمباحثة إِلَى أَن انْتهى في أول يَوْم من رَجَب سنة 842 سوى مَا الْحق فِيهِ بعد ذَلِك وَجَاء بِخَطِّهِ في ثَلَاثَة عشرَة سفراً وبيض في عشرَة وَعشْرين وَثَلَاثِينَ وَأَقل وَأكْثر وَقد سبقه إِلَى هَذِه التَّسْمِيَة شَيْخه صَاحب الْقَامُوس فَأَنَّهُ وجد لَهُ فِي أَسمَاء مصنفاته أَن من جُمْلَتهَا فتح الباري في شرح صَحِيح البخاري وَأَنه كمل ربعه في عشْرين مجلداً وَله مؤلفات في الْفِقْه وأصوله وَالْعرُوض والآداب سردها السخاوي وَقَالَ بعد ذَلِك أنها تهادت تصانيفه الْمُلُوك بسؤال عُلَمَائهمْ لَهُم في ذَلِك حَتَّى ورد كتاب في سنة 833 من شاه رخ بن تيمور ملك الشرق يستدعي من السُّلْطَان الْأَشْرَف برسباي هَدَايَا من جُمْلَتهَا فتح الباري فَجهز لَهُ صَاحب
التَّرْجَمَة ثَلَاث مجلدات من أَوَائِله ثمَّ أعَاد الطلب في سنة 839 وَلم يتَّفق أَن الْكتاب قد كمل فَأرْسل إليه أَيْضا قِطْعَة أُخْرَى ثمَّ في زمن الطَّاهِر جقمق جهزت لَهُ نُسْخَة كَامِلَة وَكَذَا وَقع لسلطان الغرب أَبى فَارس عبد الْعَزِيز الحفصي فَأَنَّهُ أرسل يستدعيه فَجهز لَهُ مَا كمل من الْكتاب وَكَانَ يُجهز لكتبة الشَّرْح ولجماعة مجْلِس الإملاء ذَهَبا يفرق عَلَيْهِم هَذَا ومصنفه حي رحمه الله وَلما كمل شرح البخاري تصنيفاً وَقِرَاءَة عمل مُصَنفه رحمه الله وَلِيمَة عَظِيمَة بِالْمَكَانِ الَّذِي بناه الْمُؤَيد خَارج الْقَاهِرَة في يَوْم السبت ثامن شعْبَان سنة 842 وَقَرَأَ الْمجْلس الْأَخير هُنَالك وَجلسَ الْمنصف على الكرسي قَالَ تِلْمِيذه السخاوي وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لم يعْهَد أهل الْعَصْر مثله بِمحضر من الْعلمَاء والقضاة والرؤساء والفضلاء وَقَالَ الشُّعَرَاء في ذَلِك فَأَكْثرُوا وَفرق عَلَيْهِم الذَّهَب وَكَانَ الْمُسْتَغْرق فِي الْوَلِيمَة الْمَذْكُورَة نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار وَوَقعت في ذَلِك الْيَوْم مطارحة أدبية فَمِنْهَا أَن الْمقَام الناصرى قَالَ للْمُصَنف يامولانا شيخ الإسلام هَذَا يَوْم طيب فَلَعَلَّ أَن تنعشونا فِيهِ بِبَيْت من مفرداتكم لَعَلَّ أَن نمشي خلفكم فِيهِ فَقَالَ المترجم لَهُ أخْشَى ان إبتدأت أَن لَا يكون مُوَافقا لما وَقع فِي خاطرك وَالْأَحْسَن أَن تبتدأ أَنْت فَقَالَ الناصري
(هويتها بَيْضَاء رعبوبة
…
قد شغفت قلبي خود رداح)
فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة
(سَأَلتهَا الْوَصْل فضنت بِهِ
…
إنّ قَلِيلا فِي الملاح السماح)
فَقَالَ علي الدوساني
(قد جرحت قلبى لما رنت
…
عيونها السودا لمراض الصِّحَاح)
فهمهم الشرف الطنوني وَلم يُمكنهُ أَن يَقُول شَيْئا فَقَالَ صَاحب التَّرْجَمَة
(مَا للطنوني غَدا حائرا
…
)
فَقَالَ الناصري لعلي الْمُتَقَدّم أجزه فَقَالَ وحياة أَبِيك السلاّري وَالْفرس فَقَالَ هما لَك من غير مُهْملَة وتراخ فَقَالَ
(وَخرب الْبَيْت وخلى وَرَاح)
وَكَانَ للمترجم لَهُ يَد طولى في الشّعْر قد أورد مِنْهُ جمَاعَة من الأدباء المصنفين أَشْيَاء حَسَنَة جداً كَابْن حجَّة في شرح البديعية وَغَيره وهم معترفون بعلو دَرَجَته فى ذَلِك وَمِمَّا أحفظه الان حَال تَحْرِير هَذِه الْكَلِمَات قَوْله
(بنده الْأَزْرَق لما
…
شده من قد سباني)
(جدول فَوق كثيب
…
دَار يسقي غُصْن بَان)
وَهَذَا غَايَة في الْحسن لَا يلْحق وَأورد لَهُ السخاوي في الضَّوْء اللامع قَوْله
(خليلي ولّى الْعُمر منا وَلم نتبْ
…
وننوي فعال الصَّالِحَات وَلَكنَّا)
(فحتى مَتى نبنى الْبيُوت مشيدة
…
وأعمارنا منا تهد وَمَا تبنى
وَقد كَانَ رحمه الله مصمّماً على عدم الدُّخُول فِي الْقَضَاء ثمَّ قدّر أَن الْمُؤَيد ولاه الحكم في بعض القضايا ثمَّ عرض عَلَيْهِ الاستقلال بِهِ
والزم من أحبائه بقبوله فَقبل وَاسْتقر في الْمحرم سنة 827 بعد أَن كَانَ عرض عَلَيْهِ قبل ذَلِك وَهُوَ يَأْبَى وتزايد ندمه على الْقبُول لعدم فرق أَرْبَاب الدولة بَين الْعلمَاء وَغَيرهم ومبالغتهم فِي اللوم لرد إشاداتهم وإن لم تكن على وفْق الْحق واحتياجه لمداراة كَبِيرهمْ وصغيرهم بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ مَعَ ذَلِك الْقيام بِمَا يرومونه وَصرح بِأَنَّهُ جنى على نَفسه بذلك وَلم يلبث أَن صرف ثمَّ أُعِيد وَلَا زَالَ كَذَلِك إِلَى أَن أخْلص فِي الإقلاع عَنهُ عقب صرفه فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة 852 وَجَمِيع مدد قَضَائِهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وزهد في الْقَضَاء زهداً كَبِيرا لِكَثْرَة مَا توالى عَلَيْهِ من المحن والأنكاد بِسَبَبِهِ وَصرح بِأَنَّهُ لم يبْق في بدنه شَعْرَة تقبل اسمه وَقد درّس بمواطن مُتعَدِّدَة واشتهر ذكره وَبعد صيته وارتحل اليه الْعلمَاء وتبجح الْأَعْيَان بلقائه وَأخذ عَنهُ وَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد طبقَة وَألْحق الأصاغر بالأكابر وامتدحه الْكِبَار وتبجح فحول الشُّعَرَاء بمطارحته وَاسْتمرّ على طَرِيقَته حَتَّى مَاتَ في أَوَاخِر ذى الْحجَّة سنة 852 اثْنَتَيْنِ وَخمسين وثمان مائَة وَكَانَ لَهُ مشْهد لم ير مثله من حَضَره من الشُّيُوخ فضلاً عَمَّن دونهم وشهده أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالسُّلْطَان فَمن دونهمَا وَقدم الْخَلِيفَة للصَّلَاة عَلَيْهِ وَدفن تجاه تربة الديلمي بالقرافة وتزاحم الْأُمَرَاء والكبراء على حمل نعشه
52 -
أَحْمد بن علي بن هادي النهمي ثمَّ الصنعانى
ولد سنة 1130 ثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء واتصل بالإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن قبل أَن يلي الْخلَافَة وَبعد أَن ولي الْخلَافَة جعله الْوَزير الْأَعْظَم وَاسْتمرّ وزيراً حَتَّى مَاتَ وَكَانَ صَادِق اللهجة
كثير الْبر والإحسان ملازماً للطاعات وَالْجَمَاعَات مُقبلا على أهل الْعلم وَالْفضل كثير السعي فِيمَا فِيهِ صَلَاح الْمُسلمين لَا رَغْبَة لَهُ في الشَّرّ وَلَا يجلبه إِلَى أحد وأحبه الْأَمَام المهدي محبَّة شَدِيدَة وَكَانَ يعول عَلَيْهِ فِي جَمِيع الْأُمُور وَلم يكن كثير المَال مَعَ كَونه قد ولي الوزارة زِيَادَة على خمس وَعشْرين سنة لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَأْخُذ إلا على وَجه يَأْمَن من عاقبته وَلَو فعل كَمَا يفعل غَيره لترك من المَال مالم يسمع بِمثلِهِ في وزراء الْخُلَفَاء بِالْيمن وَمَات لَيْلَة الاثنين ثاني وَعشْرين ربيع الآخر سنة 1186 سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف
(53)
أَحْمد بن عماد بن يُوسُف بن عبد النبيّ الشهَاب أَبُو الْعَبَّاس الأقفهسي ثمَّ القاهري
الشافعي وَيعرف بِابْن الْعِمَاد قَرَأَ على الأسنوي والبلقيني والباجي وآخرين وَمهر وَتقدم في الْفِقْه وَكتب على مهمات الأسنوي كتاباً سَمَّاهُ التعقبات على الْمُهِمَّات وَشرح الْمِنْهَاج عدَّة شُرُوح وَله مؤلف في أَحْكَام الْمَأْمُوم والإمام وآخر في موقف الْأَمَام وَالْمَأْمُوم وَله منظومات مِنْهَا منظومة فِيمَا يحل وَيحرم من الْحَيَوَان تزيد على أَربع مائَة بَيت والتبيان فِي آدَاب حَملَة الْقُرْآن تزيد على سِتّ مائَة بَيت وفي العقائد منظومة تزيد على خَمْسمِائَة بَيت وَله مصنفات غير ذَلِك قَالَ ابْن حجر في أنبائه أحد أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة في هَذَا الْعَصْر قَالَ وَكَانَ كثير الْفَوَائِد كثير الإطلاع والتصانيف دمث الْأَخْلَاق وفي لِسَانه بعض حبسة مَاتَ فِي شهر جماد سنة 808 ثَمَان وثمان مائَة وَكَانَ في تعقباته على الأسنوي يكثر من تخطئته وَرُبمَا أقذع في بعض ذَلِك وَنسبه إِلَى سوء
الْفَهم وَفَسَاد التَّصَوُّر مَعَ أَنه شَيْخه لَكِن قَالَ بعض الْفُضَلَاء رُبمَا كَانَ مقْصده حسناً في ذَلِك لتَضَمّنه الْتِفَات النَّاس إِلَى سَماع مَا رأى وَأَن غَيره أَخطَأ لِأَنَّهُ لَو أورد الْكَلَام ساذجاً بِدُونِهِ لم يلتفتوا إليه لكَون الأسنوي عِنْدهم جليل الْمِقْدَار انْتهى وَهَذَا محمل حسن فإنّ في مثل ذَلِك تَأْثِيرا ظَاهرا ولمثل هَذَا الْمَقْصد سلكت فِي حاشيتي على شِفَاء الأوام ذَلِك المسلك ونسأل الله إصْلَاح الْأَقْوَال والأعمال
(54)
أَحْمد بن أَبى الْفرج بَرَكَات الفارقاني تَاج الدَّين
كَانَ أَبوهُ نَصْرَانِيّا يعرف بِسَعْد الدولة فَأسلم ولقب بشرف الدَّين وخدم وَلَده عِنْد بهادر رَأس النّوبَة فَتقدم إِلَى أَن صَار مُسْتَوفى الدولة فَلَمَّا ولي الْأَعَز الوزارة الْمرة الثَّامِنَة صادره وضربه بالمقارع فَترك الْمُبَاشرَة وَانْقطع بزاوية الشَّيْخ نصر المنبجي وَكَانَ الشَّيْخ نصر صديق السُّلْطَان بيبرس الجاشنكير وَقل أَن يُخَالِفهُ فى شئ فَكَلمهُ في أمره فأعفاه من الْمُبَاشرَة وَاسْتمرّ بالزاوية إِلَى أَن حفظ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وتوصل إِلَى أَن استخدمه بيبرس وَحصل لَهُ أَمْوَالًا جمة في مُدَّة يسيرَة وَتقدم عِنْده إِلَى أَن صَار هُوَ المتحدث في الدولة باسرها وَلَا يعْمل فِيهَا شئ إلا بعد مُرَاجعَته وَكَانَ كثير الإعجاب والزهو بِنَفسِهِ والتعاظم بِحَيْثُ كَانَ الشَّخْص إِذا كَلمه وَهُوَ رَاكب امْر بضربه بالمقارع فَصنعَ ذَلِك مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَلم يَجْسُر اُحْدُ أَن يتحدث مَعَه وَهُوَ رَاكب وَإِذا نزل وَدخل منزله لم يَجْسُر أحد على الهجوم عَلَيْهِ فيصبر النَّاس على اخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ على بَابه حَتَّى الْقُضَاة فَصَارَ مهاباً مُحْتَرما جداً وَمَعَ ذَلِك فَلَا يقبل هَدِيَّة وَلَا يخالط أحداً وَلَا يجْتَمع بغريب ويقتصد في
ملبسه فَلَا يلبس في الصَّيف إلا الشامي الرفيع الْأَبْيَض وَلَا في الشتَاء إلا الملطي الصُّوف الْأَبْيَض وَلَا يرى عَلَيْهِ الافرجية بَيْضَاء ثمَّ إن سلاّر ألزمهُ بِلبْس خلعة الوزارة وَكَانَ شَدِيد البغض لَهُ فَلم يسْتَطع مُخَالفَته فلبسها فِي النّصْف من الْمحرم سنة 706 فَعمل بالوزارة ذَلِك الْيَوْم بالقلعة على الْعَادة إِلَى أَن انْصَرف إِلَى منزله وشيّعه النَّاس ثمَّ أَصْبحُوا إِلَى بَابه ليركبوا في خدمته فأقام حَتَّى تَعَالَى النَّهَار وَأرْسل يَقُول لَهُ مَعَ غُلَامه أَنه عزل نَفسه وَتوجه إِلَى زَاوِيَة الشَّيْخ نصر فَكتب نصر إِلَى بيبرس يشفع فِيهِ وَلم يزل حَتَّى أعفي عَن الوزارة وبقي على عَادَته وَالْأَمر كُله إِلَيْهِ في جَمِيع مَا يرجع إِلَى الدولة وَلم يكن السُّلْطَان يكْتب علامته على شئ حَتَّى يرى خطه فِيهِ كَذَا ترْجم لَهُ ابْن حجر في الدُّرَر وَلم يذكر وَفَاته
(55)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن جاد الله مشحم الصعدي ثمَّ الصنّعاني
ولد سنة 1155 خمس وَخمسين ومائة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَقَرَأَ على شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن إسماعيل المغربي في الْفِقْه وعَلى غَيره في الْعَرَبيَّة واشتغل بِالْحَدِيثِ وَكتب بِخَطِّهِ الْحُسَيْن كتباً وَلما مَاتَ وَالِده وَكَانَ قَاضِيا ولاه الْأَمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الْقَضَاء بِصَنْعَاء من جملَة قضاتها وَجعل لَهُ مقرراً فباشر ذَلِك مُبَاشرَة حَسَنَة بعفة ونزاهة وديانة وَأَمَانَة وسكينة ووقار فَمَا زَالَت دَرَجَته ترْتَفع فِيهِ وَلما مَاتَ الْأَمَام المهدي وَقَامَ مقَامه مَوْلَانَا الْأَمَام الْمَنْصُور بِاللَّه خَليفَة الْعَصْر عظمه وركن عَلَيْهِ في أُمُور جليلة وَهُوَ الآن من أَعْيَان الْقُضَاة ونبلائهم وكل مَا تولاه وَحكم بِهِ انشرحت الخواطر وَطَابَتْ بِهِ النُّفُوس وَهُوَ مُسْتَمر على حَاله الْجَمِيل
مقبل على شَأْنه وَله ولد عَلامَة هُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد سيأتي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(56)
احْمَد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مطهر القابلي
نِسْبَة إِلَى جمَاعَة مَعْرُوفَة يسكنون بِالْقربِ من حصن شبّام حراز الْمَعْرُوف بالحرازي شيخ شُيُوخ الْفُرُوع بِلَا مدافع ولد حَسْبَمَا كتبه إِلَى بِخَطِّهِ في يَوْم الْأَضْحَى من شهر الْحجَّة سنة 1158 ثَمَان وَخمسين وَمِائَة وَألف بذمار ثمَّ نشأ بهَا وَقَرَأَ على الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن حُسَيْن الشويطر وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن يحيى الديلمي وبرز في الْفِقْه والفرائض وارتحل فِي أول شبابه إِلَى مَدِينَة صنعاء فاتصل بِجَمَاعَة من أكَابِر أَهلهَا كالقاضي الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد قاطن والقاضي الْعَلامَة إسماعيل ابْن يحيى الصّديق ثمَّ أَقرَأ الطّلبَة في جَامع صنعاء فِي شرح الأزهار لِابْنِ مِفْتَاح وَفِيمَا عَلَيْهِ من الحواشي الواسعة وَفِي بَيَان ابْن مظفر وفي شرح الناظري على الْفَرَائِض وَعَكَفَ عَلَيْهِ الطّلبَة وانتفعوا بِهِ وتنافسوا فِي الْأَخْذ عَنهُ وَصَارَت تلامذته شُيُوخًا ومفتيين وحكاماً وَله عافاه الله قدره على حسن التَّعْبِير وجودة التَّصْوِير مَعَ فصاحة لِسَان ورجاحة عقل وجمال صُورَة ووفور حَظّ عِنْد جَمِيع الْخلق لَا ترد لَهُ شَفَاعَة وَلَا يكسر لَهُ جاه وَقد خطب للأعمال الْكَبِيرَة فَقبل مِنْهَا مَا فِيهِ السَّلامَة فى دينه ودنياه وأرجع مَا عداهُ وَاجْتمعَ لَهُ من ذَلِك دنيا عريضة صانه الله بهَا عَن الْوُقُوع فِيمَا لَا يشتهى من التورطات وَقد بَاشر قسْمَة تَرِكَة الامام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم وتركة الامام المهدى لدين الله الْعَبَّاس
ابْن الْحُسَيْن فَأحْسن الْعَمَل فى التركتين جَمِيعًا مَعَ كَثْرَة الْوَرَثَة ذُكُورا وأناثا وَقد صارمولانا خَليفَة الْعَصْر حفظه الله يعْتَمد عَلَيْهِ في كثير من الْأَعْمَال وَلَو رغب فِي الْقَضَاء لَكَانَ أَهلا لَهُ وَقد اعْتمد النَّاس عَلَيْهِ في الْفَتْوَى وقصدوه بالمشكلات من كل مَكَان وَتفرد في معرفَة الْفِقْه وَلم يبْق لَهُ الْآن فِيهِ نَظِير لَا فى صنعاء ولافى ذمار فان شَيْخه الْعَلامَة الْحُسَيْن ابْن يحيى الْمُتَقَدّم ذكره هُوَ الْآن حَيّ وَلكنه لَا يبلغ رتبته في خُصُوص هَذَا الْفَنّ وَإِن كَانَ لَهُ فنون أُخْرَى وَقد لازمته في الْفُرُوع نَحْو ثَلَاث عشرَة سنة وانتفعت بِهِ وتخرجت عَلَيْهِ وقرأت عَلَيْهِ في الأزهار وَشَرحه وحواشيه ثَلَاث دفعات الدفعتين الْأَوليين اقتصرنا على ماتدعو إليه الْحَاجة والدفعة الثَّالِثَة استكملنا الدَّقِيق والجليل من ذَلِك مَعَ بحث وَتَحْقِيق ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ الْفَرَائِض للعصيفري وَشَرحهَا للناظري وَمَا عَلَيْهِ من الحواشي وقرأت عَلَيْهِ بَيَان ابْن مظفر وحواشيه وَكَانَت هَذِه الْقِرَاءَة بحث وإتقان وتحرير وَتَقْرِير وَهُوَ الآن حفظه الله حي ينْتَفع النَّاس بِهِ في الْقِرَاءَة وَالْفَتْوَى وَقَضَاء أغراضهم وَالْقِيَام بِمَا توجه إليه من الْأَعْمَال وأحواله جميلَة وغالب حركاته جليلة عافاه الله ونفع بِعُلُومِهِ وَمَات رحمه الله فِي شهر شَوَّال سنة 1227 سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف
(57)
السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن أسحق بن المهدى أَحْمد ابْن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم
ولد فِي سَابِع وَعشْرين شهر شعْبَان سنة 1123 ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة وَألف وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَقَرَأَ على علمائها فِي علم الْآلَة وَالْأُصُول
والْحَدِيث وَالتَّفْسِير فبرع فِي جَمِيع هَذِه المعارف وَكَانَ لَهُ عناية بتصحيح النسخ والكتب على هوامشها وتوضيح غامضها وَعَكَفَ عَلَيْهِ الطّلبَة أَيَّامًا متداولة وَمن جملَة تلامذته شَيخنَا الْعَلامَة عَليّ ابْن إبراهيم بن عَامر الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَله رئاسة عَظِيمَة وجلالة فخيمة وَهُوَ الْمُتَوَلِي لأمور آل إِسْحَاق بعد موت وَالِده وَقد كَانَ تولاها صنوه الْعَلامَة إِبْرَاهِيم فتعقب ذَلِك خُرُوج صَاحب التَّرْجَمَة من صنعاء مغاضباً للْإِمَام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ثمَّ جرت خطوب كَثِيرَة وَال الْأَمر أَنه صولح على أَنه يعود وَيكون لَهُ مَا كَانَ لوالده وَيقوم هُوَ مقَامه فوصل إِلَى صنعاء وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى وَفَاته في شهر جُمَادَى الآخرة سنة 1190 تسعين وَمِائَة وَألف وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء الْمُحَقِّقين وأفاضل السَّادة القادة الْمَشْهُورين وَقَامَ وَلَده الْعَلامَة الأديب الرئيس علي بن أَحْمد مقَامه فِي تجميع مَا كَانَ إليه وستأتي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة
(58)
أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَشْهُور بِابْن مَعْصُوم الحسيني الحجازي المولد
ذكره وَلَده علي فِي سلافة الْعَصْر لَهُ أَن مولده لَيْلَة الْجُمُعَة خَامِس عشر شهر شعْبَان سنة 1027 سبع وَعشْرين وَألف بِالطَّائِف وَحفظ الْقُرْآن وتلاه بالسبع وَأخذ الْفِقْه عَن شرف الدَّين اليافعي والْحَدِيث عَن السَّيِّد نور الدَّين الشامي والعربية عَن علي المكي والمعقول عَن الشَّمْس الجيلاني وبرع فِي الْفُنُون سِيمَا الْعَرَبيَّة واعتنى بالأدب فنظم نظماً جيداً وارتحل إِلَى الْهِنْد فوصل إِلَى سلطانها قطب الدَّين شاه صَاحب حيدر آباد في شهر شَوَّال سنة 1054 فَعَظمهُ وأكرمه وَكَانَ قد اشتاق اليه غَايَة الاشتياق واحتال على وُصُوله فَلَمَّا وصل إليه زوّجه ابْنَته واستوزره
وَيُقَال انه استولى على المملكة بعده وَهَذِه من الغرائب وَمن شعره قَوْله فِي غُلَام لَهُ ضربه فَبكى
(ترَاءى كظبي نافر من حبائل
…
يصول بِطرف فاتن مِنْهُ فاتر)
(وَقد ملئت عَيناهُ من سحب جفْنه
…
كنرجس روض جاده وبل ماطر)
وَأَجَازَهُ وزيره أَحْمد بن مُحَمَّد الجوهري بقوله
(وظبي غرير بالدلال محجب
…
يرى أَن فرض الْعين ستر المحاجر)
(رماني بِطرف أسبل الدمع دونه
…
لكي لَا أرى عَيْنَيْهِ من غير سَاتِر)
وَمَات المترجم لَهُ فِي يَوْم السبت لثلاث بَقينَ من صفر سنة 1085 خمس وَثَمَانِينَ وَألف وَهُوَ امامى الْمَذْهَب غفر الله لَهُ
(59)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرَّحِيم بن يُوسُف بن سمير بن حَازِم أَبُو حَازِم المصري
التيمي وَيعرف بِابْن الْبُرْهَان ولد فِيمَا بَين الْقَاهِرَة ومصر في ربيع الأول سنة 754 أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة واشتغل بالفقه شافعيّاً وَسمع الحَدِيث وأحبه ثمَّ صحب بعض الظَّاهِرِيَّة فَجَذَبَهُ إِلَى النظر في كَلَام ابْن حزم فَأَحبهُ ثمَّ نظر في كَلَام ابْن تَيْمِية فغلب عَلَيْهِ بِحَيْثُ صَار لَا يعْتَقد أَن أحداً أعلم مِنْهُ وَكَانَت لَهُ نفس أبيَّة ومروءة وعصبية وَنظر في أَخْبَار النَّاس فطمحت نَفسه إِلَى الْمُشَاركَة في الْملك مَعَ أَنه لَيْسَ لَهُ فِيهِ قدم وَلَا لَهُ سلف في ذَلِك وَلَا مَعَه مَال فَلَمَّا غلب الظَّاهِر برقوق على
المملكة وَحبس الْخَلِيفَة رام جعل ذَلِك وَسِيلَة لما حدثته بِهِ نَفسه فَغَضب من ذَلِك وَخرج فِي سنة 785 إِلَى الشَّام ثمَّ إِلَى الْعرَاق يَدْعُو إِلَى طلب رجل من قُرَيْش فاستقرى جَمِيع الممالك وَدخل حلب فَلم يبلغ قصداً ثمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّام فاستغوى كثيراً من أَهلهَا وَكَانَ من أكبر الموافقين لَهُ مِمَّن يتدين مِنْهُم الياسوفي والحسباني لما ظهر من فَسَاد الْأَحْوَال وَكَثْرَة المعاصي وفشوّ الرِّشْوَة فِي الْأَحْكَام وَغير ذَلِك فَلم يزل على هَذِه الطَّرِيقَة إِلَى أَن نمى أمره إِلَى بيدمر نَائِب الشَّام فَسمع كَلَامه وأصغى إليه وَلم يشوش عَلَيْهِ لعلمه أَنه لَا يجِئ من يَدَيْهِ شئ ثمَّ نمى أمره إِلَى نَائِب القلعة شهَاب الدَّين الحمصي وَكَانَت بَينه وَبَين بيدمر عَدَاوَة شَدِيدَة فَوجدَ فرْصَة فى التأليب عَلَيْهِ بذلك فَاسْتَحْضر ابْن الْبُرْهَان واستخبره وَأظْهر أَنه مَال إِلَى مقَالَته فَبَثَّ إليه جَمِيع مَا كَانَ يَدْعُو إليه فَتَركه ثمَّ كَاتب السُّلْطَان بذلك كُله فَلَمَّا علم بِهِ كتب إِلَى النَّائِب يَأْمُرهُ بتحصيل ابْن الْبُرْهَان وَمن وَافقه على رَأْيه وبتشهيرهم فتورّع النَّائِب عَن ذَلِك وتكاسل عَنهُ وَأجَاب بالشفاعة فيهم وَالْعَفو عَنْهُم وَأَن أَمرهم متلاشي وَإِنَّمَا هم قوم خفت أدمغتهم من الدَّرْس وَاسْتمرّ ابْن الحمصي في انتهاز الفرصة فكاتب أيضاً بِأَن النَّائِب قد عزم على المخامرة فوصل إليه الْجَواب بمسك ابْن الْبُرْهَان وَمن كَانَ على رأيه وإن آل الْأَمر في ذَلِك إِلَى قتل بيدمر فَمَاتَ الياسوفي خوفاً بعد أَن قبض عَلَيْهِ وفرّ الحسباني وَلما حضر الْبُرْهَان إِلَى السُّلْطَان استدناه واستفهمه عَن سَبَب قِيَامه عَلَيْهِ فَأعلمهُ أَن غَرَضه أَن يقوم رجل من قُرَيْش يحكم بِالْعَدْلِ فإن هَذَا هُوَ الدَّين الَّذِي لَا يجوز غَيره وَزَاد في نَحْو هَذَا فَسَأَلَهُ عَمَّن مَعَه على مثل
رَأْيه من الْأُمَرَاء فبرأهم فَأمر بضربه فَضرب هُوَ وَأَصْحَابه وحبسوا في الخزانة حبس أهل الجرائم وَذَلِكَ في ذي الْحجَّة سنة 788 ثمَّ أفرج عَنْهُم في ربيع الأول سنة 791 فاستمر ابْن الْبُرْهَان مُقيما بِالْقَاهِرَةِ على صُورَة إملاق إِلَى أَن مَاتَ لأَرْبَع بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة 808 ثَمَان وَثَمَانمِائَة وحيداً فريدا بِحَيْثُ لم يحضر فى جنازنه إِلَّا سَبْعَة أنفس لَا غير وَكَانَ ذَا مُرُوءَة علية وَنَفس أَبِيه حسن المذاكرة والمحاضرة عَارِفًا بأكثر الْمسَائِل الَّتِى يُخَالف فِيهَا أهل الظَّاهِر الْجُمْهُور يكثر الِانْتِصَار لَهَا ويستحضر أدلتها وأملى وَهُوَ في الْحَبْس بِغَيْر مطالعة مَسْأَلَة رفع الْيَدَيْنِ فِي السُّجُود وَمَسْأَلَة وضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى في الصَّلَاة ورسالة في الإمامة وَذَلِكَ يدل على وفور اطِّلَاعه قَالَ ابْن حجر وَقد جالسته كثيراً وَسمعت من فَوَائده كثيراً وَكَانَ كثير الإنذار بِمَا حدث بعده من الْفِتَن والشرور لما جبل عَلَيْهِ من الِاطِّلَاع على أَحْوَال النَّاس وَلَا سِيمَا مَا حدث من الغلاء وَالْفساد بِسَبَب رخص الْفُلُوس بِالْقَاهِرَةِ بِحَيْثُ أَنه رأى عندي قَدِيما مرة مِنْهَا جانباً كثيراً فَقَالَ لي أحذر أَن تقتنيها فإنها لَيست رَأس مَال فَكَانَ كَذَلِك لِأَنَّهَا كَانَت في ذَلِك الْوَقْت يساوي القنطار مِنْهَا عشْرين مِثْقَالا فأكثر وَصَارَ الْأَمر في هَذَا الْعَصْر إِلَى أَنَّهَا تساوي أربعة مَثَاقِيل ثمَّ صَار تساوى ثَلَاثَة ثمَّ اثْنَيْنِ وَربع وَنَحْو ذَلِك ثمَّ انعكس الْأَمر بعد ذَلِك وَصَارَت من عِنْده شئ مِنْهَا اغتبط فِيهِ لما رفعت قيمتهَا من كل رَطْل إِلَى اثني عشر ثمَّ إِلَى أَرْبَعَة وَعشْرين ثمَّ انعكس الْأَمر فَظهر أَنَّهَا لَيست مَالا يقتنى لوُجُود الْخلَل في قيمتهَا وَعدم ثباتها على قيمَة وَاحِدَة انْتهى
(60)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن عبد الْملك بن الزين أَحْمد بن الْجمال مُحَمَّد بن الصفيّ مُحَمَّد بن الْمجد حُسَيْن بن التَّاج علي
القسطلاني الأَصْل المصري الشّافعي وَيعرف بالقسطلاني ولد في ثاني عشر ذي الْقعدَة سنة 851 إِحْدَى وَخمسين وثمان مائَة بِمصْر ونشأ بهَا فحفظ الْقُرْآن والشاطبيتين وَنصف الطّيبَة الجزرية والوردية في النَّحْو وتلى بالسبع على السراج عمر بن قَاسم الأنصاري الساوي وبالثلاث إِلَى وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا على الزين عبد الْغنى الهيثمي وبالسبع ثمَّ بالعشر في ختمتين على الشهَاب بن أَسد وَأخذ القرا آتٍ عَن جمَاعَة أَيْضا وَأخذ الْفِقْه عَن الْفَخر المقسي تقسيماً والشهاب العيادي وَقَرَأَ ربع الْعِبَادَات من الْمِنْهَاج وَمن البيع وَغَيره من الْبَهْجَة على الشَّمْس اليامي وَقطعَة من الحاوي على الْبُرْهَان وَمن أول حَاشِيَة الْجلَال البكري على الْمِنْهَاج إِلَى أثْنَاء النِّكَاح بِفَوَات في أَثْنَائِهَا على مؤلفها وَسمع مَوَاضِع فِي شرح الألفية وَسمع على المليونى والرضى الأوحاقى والسخاوي وَسمع صَحِيح البخاري بِتَمَامِهِ في خَمْسَة مجَالِس على الشاوي وَقَرَأَ فِي الْفُنُون على جمَاعَة ثمَّ حجّ غير مرة وجاور سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ ثمَّ جاور مجاورة أُخْرَى سنة أَربع وَتِسْعين وَسمع بهَا عَن جمَاعَة وَجلسَ للوعظ بالجامع الْعُمْرَى وَكَانَ يجْتَمع عِنْده جمع جم ثمَّ جلس بِمصْر شَاهدا رَفِيقًا لبَعض الْفُضَلَاء وَبعده انجمع وَكتب بِخَطِّهِ لنَفسِهِ أَشْيَاء بل جمع فى القرا ات الْعُقُود السّنيَّة فِي شرح الْمُقدمَة الجزرية في التجويد والكنز في وقف حَمْزَة وَهِشَام على الْهَمْز وشرحاً على الشاطبية وصل فِيهِ إِلَى الإدغام الصَّغِير زَاد فِيهِ زيادات ابْن الجزرى مَعَ فَوَائِد غَرِيبَة لَا تُوجد فِي شرح غَيره
وَكتب على الطّيبَة قِطْعَة مزجاً وعَلى الْبردَة مزجاً أَيْضا سَمَّاهُ مَشَارِق الْأَنْوَار المضية في مدح خير الْبَريَّة وتحفة السَّامع والقارى بِخَتْم صَحِيح البخاري وَمن مؤلفاته الْمَشْهُورَة شرح البخاري الْمُسَمّى إرشاد الساري على صَحِيح البخاري فِي أَربع مجلدات وَشرح صَحِيح مُسلم مثله وَلم يكمل والمواهب اللدنية بالمنح المحمدية وَكَانَ متعففاً جيد الْقِرَاءَة لِلْقُرْآنِ والْحَدِيث والخطابة شجي الصَّوْت مشارك فِي الْفَضَائِل متواضع متودد لطيف الْعشْرَة سريع الْحَرَكَة كثرت أسقامه واشتهر بالصلاح وَالتَّعَفُّف على طَرِيق أهل الْفَلاح قَالَ الشَّيْخ جَار الله ابْن فَهد وَلما اجْتمعت بِهِ فِي الرحلة الأولى أجازني بمؤلفاته ومروياته وفي الرحلة الثَّانِيَة عظّمني واعترف لي بِمَعْرِِفَة فني وتأدب معي وَلم يجلس على مرتبته بحضرتي فَالله يزِيد فِي إكرامه ويبلغه غَايَة مرامه قَالَ ثمَّ بلغني فِي رحلتي إِلَى الشَّام أَنه مَاتَ في لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع الْمحرم سنة 923 ثَلَاث وعشربن وَتِسْعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ بعد الْجُمُعَة بالجامع الْأَزْهَر وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ جوَار منزلَة تغمده الله برحمته
(61)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن أَحْمد الحيمي الكوكباني
الْخَطِيب البليغ الشَّاعِر نَشأ بكوكبان وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء ذكرهم في كِتَابه الْمُسَمّى طيب السمر وَهُوَ كتاب حافل ترْجم فِيهِ لجَماعَة من الْأَعْيَان تراجم مسجعة كَمَا هُوَ صنع غَالب المؤرخين الْمُتَأَخِّرين وَمن مصنفاته شرح قصيدة مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الإمام شرف الدَّين سَمَّاهُ الأصداف المشحونة باللئالي المكنونة وَهُوَ شرح مُفِيد طالعته فرايته فائقاً في بَابه وَله شرح على رِسَالَة الواثق الْمَشْهُورَة سلك فِيهَا مَسْلَك الصفدي فِي شرح لامية الْعَجم وَله مؤلفات أدبية تزيد على
الْأَرْبَعين وَهُوَ مجيد في كل مَا يصنفه وَمن شعره الأبيات الَّتِى مطْلعهَا
(لعب النسيم بِغُصْن قد أهيف
…
لابل من دَاء السقام وَلَا شفى)
(وَمن شعره)
(نسيم الرَّوْض عَن وبل بلَيْل
…
تنفس لَا بسا برد الْأَصِيل)
(ووافى رَاوِيا خَبرا صَحِيحا
…
من الأنباء عَن جسم عليل)
(لقد سهرت عيوني حِين وافا
…
لذكرى من يعدّوا خير جيل)
(فَمَا اكتحلت بنوم قط إلا
…
بميل في الْمسَافَة بعد ميل)
وَله نظم كَثِيرَة ونثر وَاسع وَكله في رُتْبَة متوسطة وَهُوَ طَوِيل النَّفس فِي جَمِيع مَا يأتي بِهِ توفي سنة 1151 إِحْدَى وَخمسين وَمِائَة وَألف
(62)
أَحْمد بن مُحَمَّد الحجازي الينبعي الأَصْل الصنعاني المولد والوفاة
الشَّاعِر الْمَشْهُور هُوَ من مشاهير الشُّعَرَاء وَله قصائد طنانة ومعاني رائقة لَو لم يكن لَهُ مِنْهَا إلا مَا وَقع لَهُ من تَشْبِيه الْهلَال الَّذِي فاق من قبله وَلم يلْحق بِهِ من بعده وَهُوَ قَوْله من قصيدة
(وَنَنْظُر في الغرب الْهلَال كَأَنَّهُ
…
من العاج مشط غاص في آخر الْفَرْع
وَتوفى بِصَنْعَاء تَقْرِيبًا سنة 1095 خمس وَتِسْعين وَألف
(63)
السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين
الكوكباني أَمِير كوكبان وبلادها ولد في خَامِس وَعشْرين شهر الْقعدَة سنة 1122 اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَة وَألف وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة من أهل جِهَته كالسيّد الْعَلامَة صَلَاح بن يحيى الْخَطِيب والفقيه عبد الله القاعي وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن أَحْمد الآتى
ذكره وبرع فِي الْعُلُوم واشتهرت فضائله وسارت الركْبَان بعد لَهُ فِي رَعيته بِحَيْثُ كَانَت مباشراته على وفْق الشَّرِيعَة المطهرة وَولى الإمارة في حَيَاة أَبِيه وَلما مَاتَ الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم دَعَا إِلَى نَفسه وثوقاً مِنْهُ بكتب وصلت إِلَيْهِ من جمَاعَة من أهل صنعاء وَغَيرهم ثمَّ أرسل الإمام المهدي طَائِفَة من جُنُوده وَوَقعت خطوب وحروب وآخر الْأَمر بَايع صَاحب التَّرْجَمَة للإمام المهدي وَاسْتقر اميرا لكوكبان وبلادهما ناشرا للعدل محييا للشريعة حَتَّى مَاتَ لعشرين خلت من شعْبَان سنة 1181 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وَصَارَت الإمارة بعده إِلَى أَخِيه عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد وَمَشى على طَرِيقَته ثمَّ صَارَت الإمارة بعده إِلَى أَخِيه السَّيِّد إبراهيم بن مُحَمَّد ثمَّ إِلَى وَلَده السَّيِّد الْعَبَّاس بن إبراهيم ثمَّ عَادَتْ إِلَى أخي صَاحب التَّرْجَمَة السَّيِّد الْعَلامَة عِيسَى بن مُحَمَّد وستأتي تَرْجَمته ثمَّ انْتَقَلت عَنهُ إِلَى ابْن صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ السَّيِّد شرف الدَّين ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد وستأتي تَرْجَمته أيضاً وَهُوَ الْأَمِير حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة نظم فَمِنْهُ قَوْله
(كَأَنَّمَا الْعَارِض لما بدا
…
كتائب قد صففت لِلْقِتَالِ)
(ورعده والبرق قد أشبها
…
بِنَا دقافي الصَّوْت والأشتعال
(وَبَعْضهمْ رام بقوس وَمن
…
تراكس السحب بجر النبال)
(64)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن سَالم بن ابى الْمَوَاهِب الْحسن بن هبة ابْن مَحْفُوظ بن الْحسن بن صصري
الملقب نجم الدَّين الدمشقي ولد في ذي القعدة سنة 655 خمس وَخمسين وسِتمِائَة وأحضر على الرشيد الْعَطَّار سنة 658 وبدمشق على ابْن عبد الدَّائِم وعَلى جدّه لأمه الْمُسلم بن عَدْلَانِ وعَلى ابْن أَبى الْيُسْر وتفقه على التَّاج ابْن الفركاح وَأخذ بِمصْر عَن شمس الدَّين الاصبهانى وَكتب في ديوَان الإنشاء وَكَانَ جيد الْخط فائق النظم والنثر سريع الْكِتَابَة جداً حَتَّى قيل أنه كتب خمس كراريس في يَوْم وَكَانَ فصيح الْعبارَة طَوِيل الدُّرُوس ينطوي على دين وَتعبد وَمَكَارِم وَولى قَضَاء دمشق سنة 702 ودام فِيهِ إِلَى أَن مَاتَ في شهر ربيع الأول سنة 723 ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وط الت مدَّته وَكَانَ كثير التودّد والمكارم والمواددة قَالَ ابْن الزملكاني كَانَ طلق الْعبارَة لَا يكَاد يتَكَلَّم في فن إِلَّا وَيذكر دروساً طَوِيلَة وَلم يزل في نمو وارتفاع إِلَى أَن مَاتَ في التَّارِيخ الْمَذْكُور بحماه ولشعراء عصره فِيهِ غرر المدائح كالشهاب مَحْمُود وَالْجمال بن نباتة وَغَيرهمَا وَخرج لَهُ العلائي مشيخة فَأَجَازَهُ بجملة دَرَاهِم وَأول مادرس بالعادلية سنة 682 ثمَّ درس بالأرمستية ثمَّ درس بالغزالية ثمَّ ولي قَضَاء الْعَسْكَر ومشيخة الشُّيُوخ ثمَّ الْقَضَاء الأكبر بِدِمَشْق في التَّارِيخ السَّابِق وَكَانَ يتفضل على كل من قدم إليه من كَبِير وصغير وهداياه لَا تَنْقَطِع عَن أهل الشَّام وَلَا عَن أهل مصر مَعَ التودد والتواضع الزايد والحلم وَالصَّبْر على الْأَذَى هجاه ابْن الْمرجل بِأَبْيَات فتحيل حَتَّى وصلت إليه بِخَط النَّاظِم فاتفق أَنه
دخل عَلَيْهِ فغمز مَمْلُوكه فَوضع الأبيات أَمَامه مَفْتُوحَة فَلَمَّا جلس ابْن الْمرجل لمحها فعرفها فَلَمَّا تحقق القاضي أَنه عرفهَا أَشَارَ برفعها ثمَّ أحضر لَهُ قماش وصرة فضة وَقَالَ لَهُ هَذِه جائزة الأبيات فَأَخذهَا ومدحه وَدخل عَلَيْهِ شَاعِر وَمَعَهُ قصيدتان في إحداهما هجو وفي الْأُخْرَى مدح وأضمر أَن يُعْطِيهِ الْمَدْح فإن أرضاه وإلاّ أعطَاهُ الهجو فغلط فَأعْطَاهُ الهجو فقرأه وَأَعْطَاهُ جَائِزَة وأوهم من حضر أَنه مدح فَلَمَّا خرج الشَّاعِر وجد قصيدة الْمَدْح فَعَاد وَدفعهَا إليه وَأظْهر الِاعْتِذَار فَمَا واخذه
(65)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم بن عَطاء الله تَاج الدَّين أَبُو الْفضل الإسكندراني الشاذلي
صحب الشَّيْخ أَبَا الْعَبَّاس المرسي صَاحب الشاذلية وصنّف مناقبه ومناقب شَيْخه وَكَانَ الْمُتَكَلّم على لِسَان الصوفية في زَمَانه وَهُوَ مِمَّن قَامَ على الشَّيْخ تقى الدَّين ابْن تَيْمِية فَبَالغ في ذَلِك وَكَانَ يتَكَلَّم على النَّاس وَله فِي ذَلِك تصانيف قَالَ الذهبي كَانَت لَهُ خلال عَجِيبَة وَوَقع في النُّفُوس ومشاركة فِي الْفَضَائِل وَرَأَيْت الشَّيْخ تَاج الدَّين الفارقي لما رَجَعَ من مصر مُعظما لوعظه وإشارته وَكَانَ يتَكَلَّم بالجامع الْأَزْهَر يمزج كَلَام الْقَوْم بآثار عَن السلف وفنون من الْعلم فَكثر أَتْبَاعه وَكَانَ عَلَيْهِ سيماء الْخَيْر وَيُقَال أن ثَلَاثَة قصدُوا مَجْلِسه فَقَالَ أحدهم لَو سلمت من العائلة لتجردت وَقَالَ الآخر أَنا أصلي وَأَصُوم وَلَا أجد من الصلاح ذرة فَقَالَ الثَّالِث إن صلاتي مَا ترضيني فَكيف ترْضى ربي فَلَمَّا حَضَرُوا مَجْلِسه قَالَ في أثْنَاء كَلَامه وَمن النَّاس من يَقُول فَأَعَادَ كَلَامهم بِعَيْنِه وَمن جملَة من أَخذ عَنهُ الشَّيْخ تقي الدَّين السبكي وَقَالَ الْكَمَال جَعْفَر سمع من الأبرقوهي
وَقَرَأَ النَّحْو على المحيى وشارك فِي الْفِقْه وَالْأَدب وَصَحب المرسي فَتكلم على النَّاس فسارعت إليه الْعَامَّة وَكثير من المتفقهة وَكثر أَتْبَاعه قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَالَ الْكَمَال ابْن المكين حكى لَهُ المراكشي قَالَ كنت أصحب فَقِيرا فَحَضَرَ اليه الخليلى الْوَزير يزوره فَقَالَ لَهُ جاءني ابْن عَطاء الله فَقَالَ لي اللَّيْلَة ترى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فِي الْمَنَام فَاجْعَلْ بشارتي أَن توليني الخطابة بالإسكندرية فمضت اللَّيْلَة وَمَا رَأَيْت شَيْئا وَقد عزمت على ضربه فَلم يزل الْفَقِير يتلطف بِهِ حَتَّى عَفا عَنهُ وَإِذا صَحَّ هَذَا فَهُوَ محتال وَلَيْسَ من الرِّجَال وَهُوَ صَاحب الحكم الْمَشْهُورَة الآن بِحكم ابْن عَطاء الله الَّتِى يلهج كثير من متصوفه زمننا بِحِفْظ كَلِمَات مِنْهَا وَمَات في نصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة 709 تسع وَسَبْعمائة
(66)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الأزديّ الْعَدْوى أَبُو الْعَبَّاس ابْن الْبناء
أَخذ عَن قاضي الْجَمَاعَة مُحَمَّد بن على المراكشى وأبى عبد الله مُحَمَّد ابْن أَبى البركات أَبى الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَدْعُو ابْن أَبى عَطاء وأبي الْحُسَيْن ابْن أَبى عبد الرَّحْمَن وَغَيرهم وَكَانَ فَاضلا عَاقِلا نبيهاً انْتفع بِهِ جمَاعَة في التَّعْلِيم وَكَانَ يشْتَغل من بعد صَلَاة الصُّبْح إِلَى قريب الزَّوَال مُدَّة إِلَى أَن كَانَ فى سنة 699 فَخرج إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة في يَوْم ريح وغبار فتأذى بذلك وأصابه يبس في دماغه وَكَانَ لَهُ مُدَّة لَا يَأْكُل مَا فِيهِ روح فبدت مِنْهُ أَحْوَال لم تعهد وهيئات عَجِيبَة وَصَارَ يكاشف كل من دخل عَلَيْهِ ويخبره بِمَا هُوَ عَلَيْهِ فَأمر الشَّيْخ أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم الأغماتي أَهله أَن يحجبوه فَأَقَامَ سنة ثمَّ صَحَّ وَخرج إلى النَّاس وَصَارَ يذكر مَا جرى لَهُ من ذَلِك وَفِيه عجائب مِنْهَا أَنه رأى صوراً علوِيَّة
وُجُوههم مضيئة تكلمُوا بعلوم جمة تتَعَلَّق بمعاني الْقُرْآن بأساليب بديعة قَالَ ثمَّ هجم عليّ جمَاعَة في صور مفزعة فَذكر كلَاما طَويلا وَله مصنفات مِنْهَا التخليص فِي الْحساب فى سفر وَكتاب فِي الأوفاق وَكتاب في الأنواء وَغير ذَلِك وَاسْتمرّ بِبَلَدِهِ يُفِيد النَّاس إِلَى أَن مَاتَ سنة 721 إحدى وَعشْرين وَسَبْعمائة
(67)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن حجر الوائلي السعدي الهيثمي
المصري ثمَّ المكي ولد سنة 909 تسع وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ بِبَلَدِهِ وَحفظ الْقرَان ثمَّ انْتقل إلى مصر فحفظ مختصرات وَقَرَأَ على الشَّيْخ عمَارَة المصرى والرملى وأبى السحن البكري وَغَيرهم وبرع في جَمِيع الْعُلُوم خُصُوصا فقه الشافعي وصنّف التصانيف الْحَسَنَة ثمَّ انْتقل من مصر إِلَى مَكَّة المشرفة وَسبب انْتِقَاله أَنه اختصر الرَّوْض للمقري وَشرع في شَرحه فأخذه بعض الحساد وفتته وأعدمه فَعظم عَلَيْهِ الْأَمر وَاشْتَدَّ حزنه وانتقل إلى مَكَّة وصنّف بهَا الْكتب المفيدة مِنْهَا الامداد وَفتح الْجواد شرحاً على الإرشاد الأول بسيط والثاني مُخْتَصر وتحفة الْمُحْتَاج شرح الْمِنْهَاج وَالصَّوَاعِق المحرقة وَشرح الهمزية وَشرح الْعباب وَكَانَ زاهداً متقللاً على طَريقَة السلف أمراً بِالْمَعْرُوفِ ناهياً عَن الْمُنكر وَاسْتمرّ على ذَلِك حَتَّى مَاتَ في سنة 973 ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة
(68)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن إبراهيم بن أَبى نصر مُحَمَّد بن عرب شاه
الدمشقي الأَصْل الرومي الحنفي وَيعرف بالعجمي وبابن عرب شاه وَهُوَ الْأَكْثَر وَلَيْسَ هُوَ بقريب لداود وَصَالح ابني مُحَمَّد بن عرب شاه
الهمذانيين الأَصْل الدمشقيين الحنفيين ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة منتصف ذي الْقعدَة سنة 791 إحدى وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَنَشَأ بهَا فَقَرَأَ الْقرَان على الزين عمر بن اللبان المقري ثمَّ تحول في سنة ثَلَاث وثمان مائَة في زمن الْفِتْنَة مَعَ أخوته وأمهم وَابْن أُخْته عبد الرَّحْمَن بن إبراهيم بن حولان إِلَى سَمَرْقَنْد ثمَّ بمفرده إِلَى بِلَاد الخطا وَأقَام بِبِلَاد مَا وَرَاء النَّهر مديماً للاشتغال وَالْأَخْذ عَن من هُنَاكَ من الأستاذين فَكَانَ مِنْهُم السَّيِّد مُحَمَّد الجرجاني وَابْن الجزري وهما نزيلا سَمَرْقَنْد وعصام الدَّين ابْن الْعَلامَة عبد الْملك وَجَمَاعَة ولقي بسمرقند الشَّيْخ الْعُرْيَان الأدهمي الَّذِي استفيض هُنَالك أَنه ابْن ثلثمِائة وَخمسين سنة وبرع فى الْفُنُون ثمَّ توجه إِلَى خوارزم فَأخذ عَن نور الله وَأحمد بن شمس الْأَئِمَّة ثمَّ إِلَى بِلَاد الدشت وَتلك النواحى ثمَّ قطع بَحر الرّوم إِلَى مملكة ابْن عُثْمَان فَأَقَامَ بهَا نَحْو عشر سِنِين وَترْجم فِيهَا للْملك غياث الدَّين أَبى الْفَتْح مُحَمَّد بن أَبى يزِيد مُرَاد بن عُثْمَان كتاب جَامع الحكايات ولامع الرِّوَايَات من الفارسي إِلَى التركي فِي نَحْو سِتّ مجلدات وَتَفْسِير أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي القادري بالتركي نظماً وباشر عِنْده ديوَان الإنشاء وَكتب عَنهُ إِلَى مُلُوك الْأَطْرَاف عَرَبيا وشامياً وتركياً ومغولياً وعجمياً كل ذَلِك مَعَ حرصه على الاستفادة بِحَيْثُ قَرَأَ الْمِفْتَاح على الْبُرْهَان الحوافي وَأخذ عَنهُ الْعَرَبيَّة أَيْضا فَلَمَّا مَاتَ ابْن عُثْمَان رَجَعَ إِلَى وَطنه الْقَدِيم فَدخل حلب فَأَقَامَ بهَا نَحْو ثَلَاث سِنِين ثمَّ الشَّام وَكَانَ دُخُوله إليها في جُمَادَى الآخرة سنة 825 فَجَلَسَ بحانوت مَسْجِد الْقصب مَعَ شُهُوده يَسِيرا لكَون مُعظم أوقاته الانعزال عَن النَّاس وَقَرَأَ بهَا على القاضي شهَاب الدَّين الْحَنْبَلِيّ صَحِيح مُسلم فى سنة 830
فَلَمَّا قدم الْعَلَاء البخاري سنة 832 مَعَ الركب الشامي من الْحجاز انْقَطع إليه ولازمه في الْفِقْه والأصليين والمعاني وَالْبَيَان والتصوف وَغير ذَلِك حَتَّى مَاتَ وَتقدم في غَالب الْعُلُوم وَأَنْشَأَ النظم الْفَائِق والنثر الرَّائِق وصنف نظماً ونثراً وَمن تصانيفه مرآة الْأَدَب في علم الْمعَانى وَالْبَيَان والبديع سلك فِيهِ أسلوباً بديعاً نظم فِيهِ التَّلْخِيص عمله قصائد غزلية كل بَاب مِنْهُ قصيدة مُفْردَة على قافية ومقدمة في النَّحْو عُقُود النَّصِيحَة والرسالة الْمُسَمَّاة العقد الفريد فِي التَّوْحِيد وَهُوَ مؤلف تَارِيخ تيمور وَسَماهُ عجائب الْمَقْدُور في نَوَائِب تيمور وَفِيه بلاغة فائقة وسجعات رائقة وَله فَاكِهَة الْخُلَفَاء ومفاكهة الظرفاء والترجمان المترجم بمنتهى الأرب فِي لُغَة التّرْك والعجم وَالْعرب وأشير إليه بالفضيلة وأجله الأكابر وَكَانَ أحد الْأَفْرَاد في إجادة النظم والنثر وَمَعْرِفَة اللُّغَات والمجئ بالمستظرفات وإجادة الْخط وإتقان الضَّبْط وعذوبة الْكَلَام وملاحة المحاضرة وَكَثْرَة التودد ومزيد التَّوَاضُع وعفة النَّفس ووفور الْعقل وَاسْتمرّ على جميل أَوْصَافه حَتَّى مَاتَ في يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف شهر رَجَب سنة 854 أَربع وَخمسين وثمان مائَة وَجَرت لَهُ محنة من الظَّاهِر جقمق شكى اليه حميد الدَّين فَأدْخلهُ سجن أهل الجرائم فدام فِيهِ خَمْسَة أَيَّام ثمَّ أخرج وَاسْتمرّ مَرِيضا من الْقَهْر حَتَّى مَاتَ بعد اثني عشر يَوْمًا وَمن نظمه
(قَمِيص من الْقطن من حله
…
وشربة مَاء قراح وقوت)
(ينَال بهَا الْمَرْء مَا يبتغي
…
وَهَذَا كثير على من يَمُوت)
وَمن نظمه
. فعش مَا شِئْت في الدُّنْيَا وَأدْركَ
…
بهَا مَا شِئْت من صيت وَصَوت)
(فحبل الْعَيْش مَوْصُول بِقطع
…
وخيط الْعُمر مقصوص بِمَوْت)
وَله
(وَمَا الدَّهْر إِلَّا سلم فبقدر مَا
…
يكون صعُود الْمَرْء فِيهِ هُبُوطه)
(وهيهات مَا فِيهِ نزُول وإنما
…
شُرُوط الَّذِي يرقى إِلَيْهِ سُقُوطه)
(فَمن صَار أَعلَى كَانَ أوفى تهشما
…
وَفَاء بِمَا قَامَت عَلَيْهِ شُرُوطه)
وَحكى السخاوي أَنه اسر مَعَ تيمور لنك وَنقل إِلَى سَمَرْقَنْد ثمَّ خرج مِنْهَا في سنة إِحْدَى عشر وجال بِبِلَاد الشرق وَرجع إِلَى دمشق وَقد جرى بَينه وَبَين الْبُرْهَان الباعوني الْمُقدم ذكره مطارحات مِنْهَا أَن الْبُرْهَان كتب إِلَيْهِ بِسِتَّة أَبْيَات الْتزم فِيهَا قافية الظَّاء المشالة أَولهَا
(أأحمد لم تكن وَالله فظاً
…
وَلَكِن لَا أرى لى مِنْك حظا)
واستوفى كثيراً من اللُّغَة فَحصل لصَاحب التَّرْجَمَة سِتَّة أَبْيَات أُخْرَى قبل نظره في كتب اللُّغَة فَعجب من كَثْرَة اطِّلَاعه وسعة دائرته ثمَّ كتب إِلَيْهِ بِأَبْيَات الْتزم فِيهَا الرَّاء قبل الْألف وَالرَّاء بعْدهَا أَولهَا
(من مجيري من ظلوم
…
مِنْهُ أبعدت فِرَارًا)
وَاسْتوْفى مَا فِي الْبَاب فَكتب إِلَيْهِ صَاحب التَّرْجَمَة قصيدة بغداذية فَلم يقدر على الْجَواب بِمِثْلِهَا وَكتب إِلَيْهِ بقوله
(يَا شهَاب الدَّين يَا
…
أَحْمد يَابْنَ عرب شاه)
وَاسْتوْفى القافية فظفر صَاحب التَّرْجَمَة بأَشْيَاء تَركهَا فَكتب إِلَيْهِ
(قد أَتَى الْفضل عَلَيْهِ
…
حلل اللَّفْظ موشاه) فتعجب الْبُرْهَان من سَعَة دائرته واطلاعه ثمَّ قَالَ لَهُ أَنا وَالله مَا
عرفتك إِلَّا الْآن فَقَالَ لَهُ وَالله وَإِلَى الْآن مَا عَرفتنِي وطالت الْمُكَاتبَة بَينهَا على هَذَا المنوال حَتَّى اجْتمع من ذَلِك مُجَلد
69 -
(أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي بن صَالح بن عبد الله بن أَحْمد قاطن
الحبابى ثمَّ الثلائى ثمَّ الكوكباني ثمَّ الصّنعاني كَانَ مولده لَيْلَة أَربع عشرَة محرم سنة 1118 ثَمَان عشرَة وَمِائَة وَألف قَرَأَ في مَدِينَة شبام وحصن كوكبان وتكسب بِالتِّجَارَة فِي مبادئ عمره بشبام مَعَ اشْتِغَاله بِالْعلمِ وإكبابه على الْفُنُون ثمَّ أَخذ في صنعاء عَن السَّيِّد الْعَلامَة هَاشم بن يحيى الشامي وَالسَّيِّد الْعَلامَة صَلَاح بن الْحُسَيْن الْأَخْفَش وَالسَّيِّد الْعَلامَة أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشامي وطالت ملازمته للثَّالِث وَقَرَأَ عَلَيْهِ في عدَّة فنون وبقي في بَيته سِنِين فعاونه عِنْد الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن بن الْقَاسِم ابْن حُسَيْن بن الإمام المهدي وَكَانَ السَّيِّد الْمَذْكُور إِذْ ذَاك مُتَوَلِّيًا للْقَضَاء الْأَكْبَر بِصَنْعَاء فولى صَاحب التَّرْجَمَة الْقَضَاء وَجعله من جملَة حكامها فاتفقت حَادِثَة كَانَ بِسَبَبِهَا عزل صَاحب التَّرْجَمَة مَعَ أَن الْحق مَعَه ثمَّ لما كَانَت خلَافَة الإمام المهدي لدين الله الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ولاه الْقَضَاء بِمَدِينَة ثلاء ثمَّ جعل إِلَيْهِ ولَايَة الْأَوْقَاف ثمَّ بعد ذَلِك اعتقله وحصلت لَهُ محن وَخرب بَيته فِي ثلاء بِسَبَب أَن السَّيِّد الْعَلامَة قَاسم بن مُحَمَّد الكبسي احتسب عَلَيْهِ إِذْ ذَاك أَنه عمره فَوق مَقْبرَة ثمَّ عوضه الله فملكه الْأَمَام المهدي دَارا عَظِيمَة بِصَنْعَاء وَبهَا أَوْلَاده الآن وَسَائِر أَهله ثمَّ بعد اعتقاله حج وَبعد أَيَّام ولاه الْأَمَام المهدي الْقَضَاء الْأَكْبَر بِمَدِينَة صنعاء وَاسْتمرّ أَيَّامًا وحمدت مُبَاشَرَته مَعَ اشتهاره بالعفة والنزاهة وَعدم الْمُحَابَاة فى شئ من الْأُمُور لَا لصغير وَلَا لكبير وَكَانَ يكثر الْحَط
والإنكار على بعض المتعلقين بأعمال الْأَمَام المهدي كالفقيه علي الجرافي وَمن يشابهه فَمَا زَالُوا بالإمام المهدي حَتَّى اعتقله قبل مَوته بِنَحْوِ عَام ثمَّ اسْتمرّ مَحْبُوسًا إِلَى أَيَّام مَوْلَانَا الْأَمَام الْمَنْصُور بِاللَّه علي بن الْعَبَّاس حفظه الله فأفرج عَنهُ فَخرج إِلَى بَيته وَقد ثقل سَمعه وضعفت قوته لعلو سنه وَمَعَ ذَلِك فَمَا زَالَ يُقرئ من يطْلب الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ شغف بِالْعلمِ وَله عرفان تَامّ بفنون الِاجْتِهَاد على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وَله شُيُوخ عدَّة وَقد اختصر الإصابة وَكتب مجلداً يشْتَمل على أَسَانِيد الْكتب العلمية إِلَى مصنفيها وَترْجم جمَاعَة من رجال الإسناد وَهُوَ في حكم المعجم وَله كتاب آخر ذكر فِيهِ تراجم لأهل عصره وَكَانَ لَهُ عناية كَامِلَة بِعلم السنة وَيَد قَوِيَّة فِي حفظهَا وَهُوَ عَامل بِاجْتِهَاد نَفسه لَا يُقَلّد أحداً وَاسْتمرّ مشتغلاً بنشر الْعلم مُجْتَهدا في الطَّاعَات حَتَّى توفاه الله في لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر جُمَادَى الأولى سنة 1199 تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَله أَوْلَاد أعلمهم عبد الحميد بن أَحْمد وَله عرفان كَامِل فِي عُلُوم الِاجْتِهَاد مَعَ سمت ووفور عقل وجودة فهم وَقُوَّة إِدْرَاك وَهُوَ على طَريقَة وَالِده في الْعَمَل بالأدلة ومولده حَسْبَمَا ذكر لي بِخَطِّهِ سَابِع عشر شهر جُمَادَى الأولى سنة 1175 خمس وَسبعين وَمِائَة وَألف وَهُوَ الان مكب على طلب الْعُلُوم مشتغل بِالنّظرِ في أَمر معاشه ومعاده مقبل على شَأْنه قد شغلته نَفسه عَن غَيره وَمن شعر وَالِده المترجم لَهُ حَسْبَمَا رَأَيْت ذَلِك بِخَطِّهِ مَنْسُوبا إِلَيْهِ
(يَا ساريا لسرى الْحسن كم أسرت
…
عيونه من كميّ حَار في حوره)
(نوافث السحر مِنْهَا قيدته ضحى
…
وَالله أعلم مَا كَانَ انْتهى خَبره)
(فاعقل قلوصك واعقل من سريت لَهُ
…
فَأَنَّهُ الشَّمْس تعشوا الْعين من نظره)
(70)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن علي بن مربع بن حَازِم بن إبراهيم بن الْعَبَّاس المصري الشافعى الشَّيْخ نجم الدَّين ابْن الرّفْعَة
ولد سنة 645 خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَأخذ عَن الضياء جَعْفَر بن الشَّيْخ عبد الرَّحِيم والسديد الأرمي وَابْن بنت الْأَعَز وَابْن دَقِيق الْعِيد وَغَيرهم واشتهر بالفقه إِلَى أَن صَار يضْرب بِهِ الْمثل وَكَانَ إِذا أطلق الْفَقِيه انْصَرف إِلَيْهِ بِغَيْر مشارك مَعَ مشاركته في الْعَرَبيَّة وَالْأُصُول ودرس بالمعزية وَأفْتى وَعمل الْكِفَايَة في شرح التَّنْبِيه ففاق الشُّرُوح ثمَّ شرع فِي شرح الْوَسِيط فَعمل بِهِ فِي أول الرّبع الثاني إِلَى آخر الْكتاب وَشرع فِي الربع الأول إِلَى أثْنَاء الصَّلَاة وَمَات فأكمله غَيره وَله تصانيف لطاف وَولى حسبَة مصر وناب في الحكم ثمَّ عزل نَفسه وَحج سنة 707 وَكَانَ حسن الشكل فصيحاً ذكياً محسناً إِلَى الطّلبَة كثير السعي في قَضَاء حوائجهم وَكَانَ قد ندب لمناظرة ابْن تَيْمِية وَسُئِلَ ابْن تَيْمِية عَنهُ بعد ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت شَيخا يتقاطر فقه الشَّافِعِيَّة من لحيته هَكَذَا ذكر ابْن حجر فِي الدُّرَر وَندب صَاحب التَّرْجَمَة لمناظرة ابْن تَيْمِية لَا يَفْعَله الا من لَا يفهم وَلَا يدري بمقادير الْعلمَاء فَابْن تَيْمِية هُوَ ذَلِك الإمام المتبحر فِي جَمِيع المعارف على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا وَأَيْنَ يَقع صَاحب التَّرْجَمَة مِنْهُ وماذا عساه يفعل فِي مناظرته اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تكون المناظرة بَينهمَا في فقه الشَّافِعِيَّة فَصَاحب التَّرْجَمَة أهل للمناظرة وَأما فِيمَا عدا ذَلِك فَلَا يُقَابل ابْن تَيْمِية بِمثلِهِ إِلَّا من لَا يفهم وَلَعَلَّ النادب لَهُ بعض أُولَئِكَ الْأُمَرَاء الَّذين كَانُوا يشتغلون بِمَا لَا يعنيهم من أَمر الْعلمَاء كسلار وبيبرس وأضرا بهما وَلَا ريب أَن صَاحب التَّرْجَمَة غير مَدْفُوع عَن
تقدّمه في فقه الشَّافِعِيَّة وَلَكِن لَا مدْخل للمناظرة فِيهِ بَين مُجْتَهد ومقلد وَقد أثنى ابْن دَقِيق الْعِيد على صَاحب التَّرْجَمَة وَكَذَلِكَ السبكي وَقَالَ كَانَ افقه من الروياني صَاحب الْبَحْر قَالَ الْكَمَال جَعْفَر برع فِي التفقه وانتهت إِلَيْهِ رياسة الشَّافِعِيَّة في عصره وَكَانَ ديّناً حسن الشكل جميل الصُّورَة فصيحاً مفوهاً كثير الإحسان إِلَى الطّلبَة قَالَ القاضي أَبُو الطَّاهِر السقطي كَانَت لي حَاجَة عِنْد القاضي لتوليه الْعُقُود فَتوجه ابْن الرّفْعَة معي إِلَى الْقَاهِرَة فحضرنا درس القاضي فبحث معي ابْن الرّفْعَة فِي ذَلِك الدَّرْس ثمَّ جعل يَقُول ياسيدنا يازين الدَّين ترفق بى ثمَّ عرف القاصى بي فَقضى حاجتي وَلما تولى ابْن دَقِيق الْعِيد الْقَضَاء توجه معي إليه وَلم يكن لَهُ بي معرفَة فَقَالَ لَهُ مَا تذكر سيدنَا لما درس العَبْد بالمعزية وشرفتهم بالحضور وَأورد سيدنَا الْبَحْث الفلاني وَأجَاب فَقِيه في الْمجْلس بِكَذَا فَاسْتحْسن سيدنَا جَوَابه هُوَ هَذَا فولانى وحكاياته في ذَلِك كَثِيرَة قَالَ وَكَانَ أَولا فَقِيرا مضيقاً عَلَيْهِ فباشر في حِرْفَة لَا تلِيق بِهِ فلامه الشَّيْخ تقي الدَّين ابْن الصايغ فَاعْتَذر إليه بِالضَّرُورَةِ فَتكلم لَهُ مَعَ القاضي وأحضره درسه فبحث وَأورد نَظَائِر وفوائد فأعجب بِهِ القاضي وَقَالَ لَهُ إلزم الدَّرْس فَفعل ثمَّ ولاه قَضَاء الْوَاجِبَات فحسنت حَاله ثمَّ ولى أَمَانَة الحكم بِمصْر فَوَقع بَينه وَبَين بعض الْفُقَهَاء شئ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ أَنه نزّل فَقِيه الْمدرسَة عُريَانا فاسقط الْعلم السمهودي نَائِب الحكم عَدَالَته فتعصب لَهُ جمَاعَة وَرفعُوا امْرَهْ إِلَى القاضي فَقَالَ إنه لم يَأْذَن لنائبه فِي الإسقاط فَعَاد لحاله ومؤلفاته تشهد لَهُ بالتبحر في فقه الشَّافِعِيَّة وَلما ولي ابْن دَقِيق الْعِيد اسْتمرّ على نِيَابَة الحكم حَتَّى حصل لَهُ أَمر عزل فِيهِ نَفسه فَلم يعده ابْن
دَقِيق الْعِيد وَسُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ أَنا مَا صرفته ثمَّ تولى الْحِسْبَة فِي مصر إِلَى أن مَاتَ لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن عشر شهر رَجَب سنة 710 عشر وَسَبْعمائة وَكَانَ كثير الصَّدَقَة مكباً على الاشتغال حَتَّى عرض لَهُ وجع المفاصل بِحَيْثُ كَانَ الثَّوْب إِذا لمس جسده المه وَمَعَ ذَلِك فَلَا يَخْلُو من كتاب مَعَه ينظر إِلَيْهِ وَرُبمَا انكب على وَجهه وَهُوَ يطالع
(71)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن عماد بن علي الشهَاب أَبُو الْعَبَّاس القرافى المصري ثمَّ المقدسي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن الهائم
ولد في سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة وَسمع في كبره من التقي ابْن حَاتِم وَالْجمال الأسيوطى والعراقى وَنَحْوهم واشتعل كثيراً وبرع في الْفِقْه والعربية وَتقدم في الْفَرَائِض ومتعلقاتها وارتحل إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَانْقَطع بِهِ للتدريس والإفتاء وناب هُنَالك في تدريس الصلاحية وانتفع بِهِ النَّاس وَكَانَ خيّرا مهاباً معلماً قوالا بِالْحَقِّ عَلامَة فِي فنون انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة في الْحساب والفرائض وَجمع فِي ذَلِك عدَّة تآليف عَلَيْهَا يعول النَّاس من بعده مِنْهَا كتاب الْفُصُول والجمل الوجيزة والأرجوزة الألفية كلهَا فِي الْفَرَائِض وَكتاب المعونة واللمع المرشدة ومختصر تَلْخِيص ابْن الْبناء كل ذَلِك في الْحساب والمنظومة اللامية في الْجَبْر والمقابلة والطريقة في المناسخة الْمَشْهُورَة الْآن وَفِي الْفِقْه شرح قِطْعَة من الْمِنْهَاج فى مُجَلد وَغَايَة السؤل فى الدَّين الْمَجْهُول وَتَحْقِيق الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول في رفع الحكم الشرعي قبل بعثة الرَّسُول ورسائل فِي مسَائِل عدَّة وَاخْتصرَ اللمع لأبي إسحاق الشِّيرَازِيّ فِي الْأُصُول وَله في الْعَرَبيَّة الضوابط الحسان فِيمَا يقوم بِهِ اللِّسَان ونظم
قَوَاعِد الْأَعْرَاب وَشَرحهَا والتبيان فى تَفْسِير غَرِيب الْقُرْآن وَالْعقد النضيد فِي تَحْقِيق كلمة التَّوْحِيد كتب مِنْهُ ثَلَاثِينَ كراسا وَالْبَحْر العجاج في شرح الْمِنْهَاج وَقطعَة من التَّفْسِير وابراز الخفايا في فن الْوَصَايَا وسارت بمؤلفاته وفضائله الركْبَان وَتخرج بِهِ كثير من الْفُضَلَاء ورحلوا اليه من الآفاق وَأخذ النَّاس عَنهُ طبقَة بعد طبقَة وَتوفى في الْعشْر الْأَوَاخِر من جُمَادَى الآخرة سنة 815 خمس عشرَة وثمان مائَة وَكَانَ نادرة عصره في الْفَرَائِض والحساب رحمه الله
(72)
السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد بن لُقْمَان بن أَحْمد بن شمس الدَّين بن الإمام المهدي أَحْمد بن يحيى
أحد عُلَمَاء الزيدية الْمَشَاهِير لقي جمَاعَة من أَعْيَان الْعلمَاء وَأخذ عَنْهُم وَشهد لَهُ بِالْفَضْلِ أكَابِر مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن الإمام الْقَاسِم فإنه وَصفه بِالِاجْتِهَادِ وَمن مشايخه الشَّيْخ لطف الله بن مُحَمَّد الغياث وَالسَّيِّد أَحْمد الشرفي الْمَذْكُور بعده وَكَانَ يدرس الطّلبَة بِجَامِع شهاره وَله تصانيف مِنْهَا شرح الكافل وَشرح الأساس وَشرح التَّهْذِيب للتفتازانى وَكتب تعاليق على الْمفصل والفصول اللؤلؤية وأوائل الْمِنْهَاج وَشرح بَعْضًا من الْبَحْر الزخار وَكَانَ أحد أُمَرَاء الجيوش في أَيَّام الإمام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم وَله في ذَلِك مقامات مَشْهُورَة وَتُوفِّي فِي يَوْم الْخَمِيس تَاسِع شهر رَجَب سنة 1039 تسع وَثَلَاثِينَ وَألف
(73)
السَّيِّد أَحْمد بن مُحَمَّد الشّرفي
الْعَلامَة المؤرّخ مُصَنف اللئالى المضية جعلهَا شرحاً لقصيدة السَّيِّد صارم الدَّين إبراهيم بن مُحَمَّد الَّتِى عَارض بهَا البسّامة وَهُوَ شرح حافل فِي ثَلَاث مجلدات وَتوفى فِي شهر الْحجَّة سنة 1055 خمس وَخمسين وَألف سنة وَمن مصنفاته شرح الأساس وَشرح الأزهار في أَرْبَعَة مجلدات وَله أشعار وأخبار وَجِهَاد واجتهاد ومولده سنة 975 خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَمن جملَة مشايخه الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَله تلامذة جهابذة
(74)
أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حسن بن علي بن يحيى بن مُحَمَّد بن خلف الله بن خَليفَة التقي أَبُو الْعَبَّاس الهيمي الداري
القسنطيني الأَصْل السكندري المولد القاهري المنشأ المالكي ثمَّ الحنفي وَيعرف بالشُمني بِضَم الْمُعْجَمَة وَالْمِيم ثمَّ نون مُشَدّدَة نِسْبَة إِلَى مرزعة بِبَعْض بِلَاد الْمغرب أَو إِلَى قَرْيَة ولد في الْعشْر الْأَخِيرَة من رَمَضَان سنة 801 إِحْدَى وثمان مائَة باسكندرية وَقدم الْقَاهِرَة مَعَ أَبِيه فاسمعه عَن ابْن الكويك وَالْجمال الحنبلي والولي العراقي وَجَمَاعَة وَأَجَازَ لَهُ
آخرون وَقَرَأَ في الْأَصْلَيْنِ والنحو والمعاني وَالْبَيَان والمنطق وَغَيرهمَا وَمن جملَة مشايخه الْعَلَاء البخاري والصيرامي وتحول حَنِيفا في سنة 834 وبرع في جَمِيع المعارف وصنف حَاشِيَة المغنى لخصها من حَاشِيَة الدمامينى وَكَذَلِكَ مزيل الخفاء عَن أَلْفَاظ الشِّفَاء وشرحاً متوسطاً للنقاية فِي فقه الْحَنَفِيَّة وَقَرَأَ ذَلِك مرَارًا وتنافس النَّاس في تَحْصِيل الْحَاشِيَة وتوسل بعض المغاربة بسلطانهم عِنْد من ارتحل إليه وكتبها في أعاربها كَذَا قَالَ السخاوي وَقد رَأَيْت حَاشِيَته على المغني وَحَضَرت عِنْد قِرَاءَة الطّلبَة عليّ فِي الأَصْل فَمَا وَجدتهَا مِمَّا يرغب فِيهِ لَا بِكَثْرَة فَوَائِد وَلَا بتوضيح خفي وَلَا بمباحثة مَعَ المُصَنّف بل غايتها نقُول من كَلَام الدمامينى وإنى لأعجب من تنافس النَّاس فى مثلهَا وَكَذَلِكَ حَاشِيَة الشِّفَاء فإنها في نَحْو أَربع كراريس وفيهَا تَفْسِير أَلْفَاظ غَرِيبَة من اللُّغَة يقوم بذلك أدنى الطّلبَة إذا حضر لَدَيْهِ الْقَامُوس فضلاً عَن غَيره وَقد انْتفع النَّاس بِصَاحِب التَّرْجَمَة في فنون مُتعَدِّدَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ طبقَة بعد طبقَة وَأخذُوا عَنهُ علوما جمة لاسيما الْكتب الْكَبِيرَة الدقيقة كالكشاف والبيضاوي وَشرح المواقف وَشرح الْمَقَاصِد والعضد والرضي والمطوّل وَانْفَرَدَ بتقرير جَمِيع ذَلِك من دون مُلَاحظَة للحواشي وَقد انْتفع بِهِ جمَاعَة من الأكابر كالأسيوطي والسخٍاوي وَغَيرهمَا وَكَانَ إماماً متفنناً متين الدّيانَة زاهداً عفيفاً متواضعاً حسن الصِّفَات قوي الإدراك ورسم لَهُ السُّلْطَان بفرس يركبهَا فركبها قَلِيلا ثمَّ عجز وَنزل عَنْهَا وَتركهَا فَقَالُوا لَهُ إِذا لم تركبها فَانْتَفع بِثمنِهَا وَلم يَنْفَكّ الْفُضَلَاء عَن ملازمته والأكابر عَن الْأَخْذ عَنهُ وَكَانَ لَا يكْتب على الْفَتَاوَى وَلَا يُجيب مافيه شهرة من الْأُمُور بل غَالب مَا يهواه الأنجماع
والخمول وَقد كَانَ عرض عَلَيْهِ الْقَضَاء وجاءه كَاتب السِّرّ وَأخْبرهُ أَنه إن لم يجب نزل السُّلْطَان إليه فصمم وَقَالَ الاختفاء مُمكن فَقَالَ لَهُ فِيمَا تجيب إِذا سَأَلَك الله عَن امتناعك مَعَ تعينه عَلَيْك فَقَالَ يفتح الله حِينَئِذٍ بِالْجَوَابِ وَلم يكن يحابي فِي الدَّين أحداً التمس مِنْهُ بعض الشَّبَاب من ذوي الْبيُوت أَن يَأْذَن لَهُ بالتدريس بعد أَن أهْدى اليه شيا فبادر إلى رد الْهَدِيَّة وَامْتنع من الإذن وَقد تزاحم النَّاس عَلَيْهِ فى آخر أَيَّامه وَصَارَ شيخ الْفُنُون بِلَا مدافع وَجَمِيع الْأَعْيَان من جَمِيع الْمذَاهب تلامذته وَمَات فِي سَابِع عشر ذي الْحجَّة سنة 872 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَلم يخلف بعده فِي مَجْمُوعَة مثله وَخلف ألف دِينَار وذكرين وَأُنْثَى من جَارِيَة
(75)
أَحْمد بن مصطفى بن خَلِيل الرومي الحنفي الْمَعْرُوف بطاشكبري
ولد لَيْلَة الرَّابِع عشرَة من شهر ربيع الأول سنة 901 إِحْدَى وَتِسْعمِائَة وقرأ على جمَاعَة من عُلَمَاء الروم فِي عدَّة فنون وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِمَدِينَة بروسا إحدى مَدَائِن الروم ثمَّ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَهُوَ مُصَنف الشقائق النعمانية فِي عُلَمَاء الدولة العثمانية وَقد ترْجم لنَفسِهِ في آخرها وَذكر مشايخه ومقروءاته وَذكر أَنه عمى فِي سنة 961 وَلم أَقف على تَارِيخ مَوته
(76)
أَحْمد بن مُوسَى الخيالي الرومي
قَرَأَ على وَالِده وعَلى خضر بك وبرع في الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وفَاق أقرانه ودرس بمدارس الروم وَكَانَ دَقِيق الذِّهْن باهر الذكاء أفحم أكَابِر عُلَمَاء عصره فِي دقائق الْعُلُوم وَكَانَ كثير الدَّرْس قَلِيل الْأكل حَتَّى صَار نحيفاً بِحَيْثُ إنه كَانَ يحلق بإصبعه السبابَة والإبهام وَيدخل فِيهَا يَده فينتهي الى
عضده وَله مصنفات مِنْهَا حواشي شرح العقائد وحاشية على أوائل حَاشِيَة التَّجْرِيد وَمَات وَله ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة شَابًّا وَلَو عَاشَ لزاحم الشريف وَأَضْرَابه وَهُوَ مَوْجُود فِي دولة السُّلْطَان مُحَمَّد خَان بن مُرَاد خَان وَكَانَ قعوده على تخت السلطنة سنة 855 كَمَا سيأتي إن شَاءَ الله
(77)
الإمام المهدي احْمَد بن يحيى بن المرتضى بن مفضل بن مَنْصُور بن مفضّل
ابْن حجاج بن علي بن يحيى بن الْقَاسِم بن يُوسُف الداعي بن يحيى الْمَنْصُور ابْن أَحْمد النَّاصِر بن يحيى الهادي بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الْحسن بن الْحسن بن علي بن أَبى طَالب الإمام الْكَبِير المُصَنّف في جَمِيع الْعُلُوم ولد بِمَدِينَة ذمّار يَوْم الِاثْنَيْنِ لَعَلَّه سَابِع شهر رَجَب سنة 775 خمس وَسبعين وَسَبْعمائة قَرَأَ فِي علم الْعَرَبيَّة فَلبث في قِرَاءَة النَّحْو والتصريف والمعاني وَالْبَيَان قدر سبع سِنِين وبرع فِي هَذِه الْعُلُوم الثَّلَاثَة وفَاق غَيره من أَبنَاء زَمَانه ثمَّ أَخذ فِي علم الْكَلَام على صنوه الهادي وعَلى القاضي يحيى بن مُحَمَّد المدحجي فَسمع على الآخر الْخُلَاصَة وَحفظ الغياضة ثمَّ شرح الْأُصُول للسَّيِّد مَا نكديم ثمَّ أَخذ في علم اللَّطِيف فَقَرَأَ تذكرة ابْن متويه على القاضي الْمَذْكُور مرة ثمَّ على القاضي علي بن عبد الله بن أَبى الْخَيْر مرة أُخْرَى ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ الْمُحِيط وَالْمُعْتَمد لأبي الْحُسَيْن البصري ومنتهى السؤل وَسمع على الْفَقِيه علي بن صَالح السِّيرَة النَّبَوِيَّة ونظام الْغَرِيب ومقامات الحريري وعَلى الْمُقْرِئ الْمَعْرُوف بِابْن النسّاخ الْكَشَّاف وعَلى أَخِيه الهادي الْمُتَقَدّم علم الْفِقْه وَقَرَأَ غير ذَلِك وتبحر في الْعُلُوم واشتهر فَضله وَبعد صيته وصنف
التصانيف ففى أصُول الدَّين نكت الفرائد في معرفَة الْملك الْوَاحِد والقلائد وَشَرحهَا الدُّرَر الفرائد والملل وَشَرحهَا الأمنية والأمل ورياضة الأفهام في لطيف الْكَلَام وَشَرحهَا دامغ الأوهام وَفِي أصُول الْفِقْه كتاب الْفُصُول في معاني جَوْهَرَة الْأُصُول ومعيار الْعُقُول وَشَرحه منهاج الْوُصُول وفي علم النَّحْو الْكَوْكَب الزَّاهِر شرح مُقَدّمَة طَاهِر والشافية شرح الكافية والمكلل بفرائد معانى الْمفصل وتاج عُلُوم الْأَدَب فى قانون كَلَام الْعَرَب واكليل التَّاج وجوهرة الْوَهَّاج وفي الْفِقْه الأزهار وَشَرحه الْغَيْث المدرار فى أَرْبَعَة مجلدات وَالْبَحْر الزخار فى مجلدين وفى الحَدِيث كتاب الْأَنْوَار فى الْآثَار الناصة على مسَائِل الأزهار فِي مُجَلد لطيف وَكتاب الْقَمَر النوار فى الرَّد على المرخصين في الملاهي والمزمار وفي علم الطَّرِيقَة تَكْمِلَة الْأَحْكَام وفي الْفَرَائِض كتاب الفائض وفي الْمنطق القسطاس وفى التَّارِيخ الْجَوَاهِر والدرر وَشَرحهَا يَوَاقِيت السّير وَقد انْتفع النَّاس بمصنفاته لَا سِيمَا الْفِقْهِيَّة فان عُمْدَة زيدية الْيمن في جَمِيع جهاته على الأزهار وَشَرحه وَالْبَحْر الزخار وَلما اشتهرت فضائله وَكَثُرت مناقبه بَايعه
النَّاس عِنْد موت الإمام النَّاصِر في شهر شَوَّال سنة 793 يمدينة صنعاء بِمَسْجِد جمال الدَّين ثمَّ خَرجُوا إِلَى بَيت بوس فترجح لأهل بَيت بوس أَن تكون الدعْوَة من مكانهم وأظهروا الْكَلَام والتنصير فبادر رجل من
صنعاء فَوجدَ أهل صنعاء فِي صَلَاة الْجُمُعَة وَقد كَانَت وَقعت الْمُبَايعَة بِاللَّيْلِ لولد الْأَمَام النَّاصِر وَهُوَ الامام الْمَنْصُور على بن صَلَاح الدَّين فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك انزعجوا وَجعلُوا مخرجهم من الْجَامِع الى حِصَار بَيت بوس فأحاطوا بِهِ وَوَقع الْقِتَال فَقتل من أهل بَيت بوس نَحْو عشرَة وَمن جَيش الْمَنْصُور علي بن صَلَاح قدر خمسين في ثَلَاثَة عشر يَوْمًا ثمَّ وَقع الصُّلْح بَين الْجَمِيع على أَن يرجِعوا إِلَى مَا يَقُوله الْعلمَاء وَرَجَعُوا جَمِيعًا إِلَى صنعاء وَمَعَهُمْ صَاحب التَّرْجَمَة فَلَمَّا وصلوا إلى صنعاء لم يحصل مِنْهُم الْوَفَاء بِمَا وَقع عَلَيْهِ التصالح فَرجع من نَاحيَة بَاب شعوب هُوَ وَسَبْعَة أَنْفَار فِي اللَّيْل ووصلوا إِلَى بني شهَاب فَأَجَابُوا دَعوته وامتثلوا أمره وَمَضَت أوامره هُنَالك وَجَرت أحكامه فَأخْرج الْمَنْصُور إلى قِتَاله بعض المقدمين من أمرائه فَكَانَ النَّصْر لصَاحب التَّرْجَمَة ثمَّ اسْتخْلف على جِهَات أنس السَّيِّد علي بن أَبى الْفَضَائِل وعزم ووصلته الْكتب من أهل الْجِهَات الْعليا وَمن الأشراف آل يحيى وَأهل الظَّاهِر واستدعوه للنهوض إِلَى صعده فَمَا وصل إلى محيب من جِهَة نَاحيَة حُضُور لقِيه الْعلمَاء والقبائل ثمَّ وصلته رسل الْأُمَرَاء بني تَاج الدَّين أهل الطَّوِيلَة وكوكبان فَتقدم الى الطَّوِيلَة وصلحت جَمِيع تِلْكَ الْجِهَات وَدخلت تَحت طَاعَته فَلَمَّا علم الْمَنْصُور وأمراؤه بذلك خَافُوا مِنْهُ على صعده فراسلوا السَّيِّد علي بن أَبى الْفَضَائِل بأنهم لَا يُرِيدُونَ إلا الْحق وَأَنَّهُمْ مَعَ اخْتِلَاف الْكَلِمَة يخَافُونَ على الْبِلَاد من سُلْطَان الْيمن وعرفوه أَنه يسترجع الإمام فوصلت إليه كتب السَّيِّد يستنهضه ويحرج عَلَيْهِ بأنه لَا يجوز التَّأَخُّر سَاعَة وَاحِدَة فَرجع فَلم يَقع الْوَفَاء بِمَا وعده الْمَنْصُور فأقام الإمام فِي رصابه ثمَّ خرج جَيش من صنعاء من جَيش الْمَنْصُور على
غرَّة فَلم يشْعر الإمام إلا وَقد أحاطوا بِهِ فَلَمَّا علم أَنه لَا طَاقَة لَهُ بهم وَقع الصُّلْح على سَلامَة من مَعَه من الْعلمَاء وَسَائِر أَصْحَابه وَيخرج هُوَ إليهم يذهبون بِهِ مَعَهم فَلَمَّا صَار في جَامع معبر نقضوا عَهدهم وَقتلُوا من كَانَ فِي الدَّار وَكَانَ في المقتولين ثَمَانِيَة من الْفُقَهَاء وَسلم مِنْهُم جمَاعَة فأسروا مَعَه ودخلوا بهم ذمّار دخلة مُنكرَة ثمَّ قيدوه وقيدوا مَعَه السَّيِّد على بن الهادى ابْن المهدي والفقيه سُلَيْمَان وَغَيرهم بقيود ثَقيلَة وأطلقوا بَقِيَّة الْفُقَهَاء ثمَّ سَارُوا إِلَى صنعاء فَلَمَّا قربوا مِنْهَا أحَاط بهم السُّفَهَاء يؤذونهم بالْكلَام وهم في الْمحمل فَقَالَ الْفَقِيه سُلَيْمَان ادع عَلَيْهِم فَرفع سجاف الْمحمل وَسلم عَلَيْهِم فَلَمَّا رَأَوْهُ كفوا عَن الأذية ودعوا الله أَن يَنْفَعهُمْ بِهِ ثمَّ سجن بقصر صنعاء من سنة 794 إِلَى سنة 801 وفي الْحَبْس صنف الأزهار ثمَّ خرج بعناية من الَّذين وضعُوا لحفظه وَكَانَ خُرُوجه بَين الْمغرب وَالْعشَاء وَسَار إلى هِجْرَة الْعين ثمَّ طلع في جَوف اللَّيْل إلى حصن ثلا وَطلب النَّاس مِنْهُ اظهار الْأَمر الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فرجح التَّأْخِير حَتَّى يختبرهم ثمَّ بعد ذَلِك تقدّم على صعدة مَعَ علي بن الْمُؤَيد وَقد دَعَا فِي أَيَّام حَبسه فافتتحا صعدة ثمَّ قدّم الْمَنْصُور بعض امرائه ثمَّ تلاشى الْأَمر وتثبط النَّاس عَن نصرته فأراح قلبه عَن التَّعَلُّق بِهَذَا الْأَمر وَعَكَفَ على التصنيف وأكب على الْعلم حَتَّى توفاه الله تَعَالَى في شهر الْقعدَة سنة 840 أَرْبَعِينَ وثمان مائَة بالطاعون الْكَبِير الَّذِي مَاتَ مِنْهُ أَكثر الْأَعْيَان وقبره بظفير حجه مَشْهُور مزورومات الْمَنْصُور علي بن صَلَاح فِي هَذِه السنة في شهر
(78)
أَحْمد بن بحيى حَابِس الصّعدي اليماني أحد مشاهير عُلَمَاء الزيدية
وَله مَشَايِخ كبراء مِنْهُم الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وبرع فِي عُلُوم عدَّة وصنّف تصانيف مِنْهَا شرح تَكْمِلَة الأحكام وَشرح الشافية لِابْنِ الْحَاجِب وَلم يكمل وَشرح الكافل وتكميل شرح الأزهار والمقصد الْحسن وَجَمِيع تصانيفه مقبولة وَله شرح على الثَّلَاثِينَ مَسْأَلَة فِي أصول الدَّين وَتَوَلَّى الْقَضَاء بصعدة وَاسْتمرّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ في لَيْلَة الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر شهر ربيع الأول سنة 1061 احدى وَسِتِّينَ والف
(79)
أَحْمد الْمَكْر بِفَتْح الْمِيم وَالْكَاف وَتَشْديد الرَّاء الْمُهْملَة
رجل من أهل الْيمن الْأَسْفَل رَأَيْته في سنة 1215 وَقد صَار في سن عالية أخبرني أَنه فِي مائَة وَأَرْبع وَعشْرين سنة وَنصف سنة وَمَعَ هَذَا فَهُوَ صَحِيح الْعقل والحواس مُسْتَقِيم الْقَامَة حسن الْعبارَة وَله تعلق بالتصوف تَامّ ورأيته كثير المكاشفة ثمَّ بعد هَذِه السن تزوج وَولد لَهُ كَمَا أخبرني عَن نَفسه في سنة 1216 وأخبرني غَيره وَرَأَيْت رجلاً آخر على رَأس الْقرن الثاني عشر يذكر أَنه قد صَار في مائَة سنة وَسبع وَعشْرين سنة وَنصف سنة وَيذكر أَنه من بني الهبل فصدقوه في علو سنه وَهَذَا الْعُمر خَارج عَن الْعَادة الْمَعْرُوفَة في هَذِه الأزمنة مَعَ كَون كل وَاحِد من الرجلَيْن صَحِيح الْحَواس قوي الْبدن وَمِمَّا يحسن ذكره هُنَا أَن رجلاً يُقَال لَهُ حُسَيْن عَامر الداغية من بِلَاد الحدا بلغ في الْعُمر إلى نَحْو تسعين سنة ثمَّ ظهر بِرَأْسِهِ قرنان كقرون الْمعز فَوق أُذُنَيْهِ
وانعطفا على أُذُنَيْهِ وشاعت الْأَخْبَار بذلك إلى أَن بلغت الينا إلى مَدِينَة صنعاء وَكَانَ المخبرون ثِقَات من أهل الْعلم ثمَّ لما بلغ الْخَبَر خَليفَة الْعَصْر حفظه الله أرسل رَسُولا يأتي بِهِ وَكَانَ ذَلِك باطلاعي فَرَجَعت جوابات من شيخ ذَلِك الْمحل وَهُوَ رجل يُقَال لَهُ سعد مِفْتَاح أَن صَاحب الْقُرُون مَوْجُود لديهم بِيَقِين وَلكنه قطعهمَا لما تأذى بهما وَرَأَيْت الجوابات ثمَّ تَوَاتَرَتْ الْقَضِيَّة تواتراً لم يبْق فِيهِ شك وَذَلِكَ في سنة 1215
وَمن الغرائب الْحَادِثَة فِي هَذَا الْعَام أن امْرَأَة قد كَانَت قريب الْبلُوغ فَخرج لَهَا في فرجهَا ذكر وَصَارَت رجلاً بعد أَن كَانَت امْرَأَة وَقد أخبرني بذلك السَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن يحيى الكيسي وَقَالَ إن فرجهَا كَانَ ثقباً صَغِيرا وَأَنه أمرها بعد ظُهُور الذكر أن تلبس لبس الرِّجَال فلبسته وهي الآن كَذَلِك
(80)
السَّيِّد أَحْمد بن يُوسُف بن الْحُسَيْن ين الْحسن ابْن الإمام الْقَاسِم
الْمُحَقق الْعَلامَة الْمُحدث البارع في علم السّنة الْمَشْهُور بحفظها وَحفظ رجالها حَتَّى لقب الحَدِيث لغلبته عَلَيْهِ كَانَ عَارِفًا بفنون الآلة جَمِيعًا وَله يَد طولى في علم الْأَدَب وقصائد طنانة وَله تَخْرِيج لمجموع الإمام زيد بن علي نَفِيس يدل على طول بَاعه فِي علم الرِّوَايَة وَكَانَ مَشْهُورا بدماثة الْأَخْلَاق والتواضع والاحتمال وَالصَّبْر وَسُكُون الطَّبْع وَالْوَقار وَله فِي ذَلِك أَحْوَال عَجِيبَة حَتَّى كَانَ إِذا تَركه أَهله من طَعَامه وَشَرَابه أوشئ مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ لَا يطْلب ذَلِك مِنْهُم وَلَا يظْهر عَلَيْهِ غضب بل يحْتَمل كل شَيْء وَهَذَا فِي خَواص أَهله الَّذين هم مَحل تبذل الإنسان وَعدم تحفظه فَمَا ظَنك بِسَائِر النَّاس فَمن قصائده
الطنانة القصيدة الَّتِي أَولهَا
(أَيهَا الْقَاصِر الفعال على اللَّهْو
…
ألما يَئِن لَك الإقصار)
(قد أَتَاك المشيب فِيهِ من الله
…
إِلَيْك الْأَعْذَار والإنذار)
(فاترك اللَّهْو جانباً واحتشمه
…
فَهُوَ ضيف قراه مِنْك الْوَقار)
(إن سكر الشَّبَاب لم يبْق مِنْهُ
…
بعد صحو المشيب إلا الْخمار)
(قد تولى ريعانه وَهُوَ ليل
…
وأنار القتير وَهُوَ نَهَار)
(أضلال من بعد أَن وضح الصُّبْح لرائيه فاستبان الْمنَار)
(صخك الشيب مِنْهُ فابك خَطَايَا
…
ك وأقلل فحتفك الإكثار)
(لَيْسَ خَمْسُونَ حجَّة بعْدهَا عز
…
ف وَلَا صبوة وَلَا استهتار)
(ذهب المتقون بِاللَّه بالعز
…
وذل العصاة والذل عَار)
(وَاتبع فِي الورى الَّذين قفوا أَحْمد في فعله وَمَا عَنهُ جاروا)
(سلكوا نهجه القويم فللحق على الْخلق عِنْدهم إيثار)
(مَالهم مَذْهَب سوى الْخَبَر المر
…
وي عَنهُ وَلَا لَهُم اخْتِيَار)
وَهِي ابيات طَوِيلَة وَمن نظمه
(ياليلة بِالْقصرِ قصرهَا
…
طيب عَلَيْهَا لذّ لي قصر)
(قد أمكنت كفى من قمر
…
أَلْقَت الى عنائه الْخمر)
(فَغَدَوْت أجنى الْهم مِنْهُ وَقد
…
أدنى الى قَضِيَّة الهصر)
(وسكرت من فِيهِ وَمن يَده
…
خمرين خيرهما حوى الثغر)
(وَغدا لِسَان الْحَال ينشدني
…
متمثلا شعرًا هُوَ السحر)
(يامنة امتنها السكر
…
لَا ينقضي مني لَهَا الشُّكْر)
وَاسْتمرّ على حَاله الْجَمِيل ناشراً لعلومه متواضعاً في كل أَحْوَاله حَتَّى
توفاه الله تَعَالَى فِي أَوَاخِر شهر جُمَادَى الآخرة سنة 1191 وَكَانَ مولده بعد سنة 1120 وَنَشَأ بِصَنْعَاء وَأخذ عَن علمائها
(81)
السَّيِّد أَحْمد بن يُوسُف بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن صَلَاح ابْن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن علي زبارة
بِفَتْح الزاي بعْدهَا مُوَحدَة وَبعد الْألف رَاء مُهْملَة نِسْبَة الى مَحل يُقَال
لَهُ زبار في بِلَاد خولان ولد سنة 1166 أَو فِي الَّتِى بعْدهَا وَقَرَأَ على مَشَايِخ صنعاء فَمن جملَة مقروءاته الْقرَاءَات السَّبع تَلَاهَا على الشَّيْخ الْعَلامَة هادي بن حُسَيْن القارني الآتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَرَأَ النَّحْو وَالصرْف والمعاني وَالْبَيَان والأصول على مَشَايِخ صنعاء وَمن حملتهم شَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن اسمعيل المغربى الآتى ذكره انشاء الله وَقَرَأَ الفقه
على الْفَقِيه الْعَارِف شَيخنَا أَحْمد بن عَامر الحدائى وعَلى الْفَقِيه الْعَارِف سعيد ابْن اسمعيل الرشيدي وَقَرَأَ في الحَدِيث على السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن يحيى الديلمي وفي التَّفْسِير على المغربي الْمُتَقَدّم وبرع فِي أكثر هَذِه المعارف وَأفْتى ودرّس وَصَارَ الآن من شُيُوخ الْعَصْر ورافقني فِي قِرَاءَة التَّفْسِير على شَيخنَا المغربي وَحضر فِي قِرَاءَة الطّلبَة عليّ فِي شرحي للمنتقى وَطلب مني إجازته لَهُ وَقد كنت في أَيَّام الصغر حضرت عِنْده وَهُوَ يقْرَأ في شرح الفاكهي للملحة وَهُوَ أكبر مني فإنه كَانَ اذ ذَاك في نَحْو ثَلَاثِينَ سنة وَهُوَ حسن المحاضرة جميل الْمُرُوءَة كثير التَّوَاضُع لَا يعد نَفسه شَيْئا يَعْتَرِيه في بعض الْحَالَات حِدة ثمَّ يرجع سَرِيعا وَقد يقهرها بالحلم وَلَيْسَ بمتصنع في ملبسه وَجَمِيع شؤونه وبيني وَبَينه مجالسة ومؤانسة ومحبة أكيدة من قديم الْأَيَّام وَلما كَانَ شهر رَجَب سنة 1213 صَار قَاضِيا من جملَة قُضَاة الحضرة المنصورية أعزها الله وعظّمه مَوْلَانَا الإمام تَعْظِيمًا كَبِيرا بعد أَن أشرت عَلَيْهِ بنصبه وعرفته بجليل مِقْدَاره وَهُوَ الآن حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف مُسْتَمر على الْقيام بوظيفة الْقَضَاء ناشر للْعلم بِقدر الطَّاقَة