الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
217 -
ظهيرة بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن على بن احْمَد ابْن عَطِيَّة بن ظهيرة القرشي المكّي المالكي
الْمَعْرُوف كسلفه بِابْن ظهيرة ولد فِي ذي الْحجَّة سنة 1841 إحدى وأربعين وثمان مائَة فحفظ الْقُرْآن وَالْأَرْبَعِينَ النووية ومختصر ابْن الْحَاجِب الأصلي والفرعي والرسالة لِابْنِ أَبى زيد وألفية الحَدِيث والنحو وَعرض على ابْن الْهمام وآخرين وتفقه بالقاضي عبد الْقَادِر وَعنهُ أَخذ الْعَرَبيَّة وَأخذ الأصول والمنطق على ابْن مَرْزُوق وَغَيره وَكَانَ ديّناً كثير المحاسن بارعاً فِي الْفِقْه والعربية ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة بِمَكَّة بعد ابْن أبي الْيمن فِي سنة 868 وباشره بعفة ونزاهة ثمَّ انْفَصل عَنهُ لضعف بَصَره وَلم يلبث أَن مان لَيْلَة الْأَحَد ثامن ذي الْحجَّة من تِلْكَ السنة
حرف الْعين الْمُهْملَة
218 -
عَامر بن عبد الْوَهَّاب بن دَاوُد بن طَاهِر
ولد سنة 866 سِتّ وَسِتِّينَ وثمان مائَة بالمقرانة مَحل سلفه وَنَشَأ فِي كَفَالَة أَبِيه فحفظ الْقُرْآن واشتغل قَلِيلا ثمَّ ملك الْيمن بعد أَبِيه ولقب الْملك الظافر فَاخْتلف عَلَيْهِ بَنو عَامر فقهرهم وأذعنوا وَملك الْيمن الأسفل وتهامة ثمَّ صنعاء وصعدة وغالب مَا بَينهمَا من الْحُصُون وَلما خرج الجراكسة إِلَى الْيمن غلبوه بِالسَّبَبِ الَّذِي قَدمته فِي تَرْجَمَة الإمام شرف الدَّين واستولوا على جَمِيع ذخايره وَهِي شئ يفوق الْحصْر وأخرجوه من مداينه وقتلوه قريب صنعاء فِي آخر شهر ربيع سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَقد شرح ماجرى لَهُ الديبع فِي بغية المستفيد بأخبار مَدِينَة زبيد وَفِي
قُرَّة الْعُيُون بأخبار الْيمن الميمون وَكَانَ يحب الْعلمَاء ويكرمهم وَيُحب الْكتب حَتَّى اهتمّ بتحصيل فتح الْبَارِي وَلم يكن إذ ذَاك بِالْيمن وَكَذَلِكَ كتاب الْخَادِم للزركشي وَلم تزل الْحَرْب قَائِمَة بَينه وَبَين جمَاعَة من أئمة أهل الْبَيْت سَلام الله عَلَيْهِم فَتَارَة لَهُ وَتارَة عَلَيْهِ ومحبة الرياسة والتنافس فِيهَا من أعظم مصايب الْأَدْيَان نسْأَل الله السَّلامَة والعافية وقدرثاه الديبع بقوله
(أخلاى ضَاعَ الدَّين بعد عَامر
…
وَبعد أَخِيه أعدل النَّاس فِي النَّاس)
(فمذ فقدا وَالله وَالله إنّنا
…
من الْأَمْن والإيناس فِي غَايَة الياس)
219 -
السَّيِّد عَامر بن عليّ بن مُحَمَّد بن علي عَم الإمام الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن علي
قد تقدم تَمام نسبه فِي تَرْجَمَة الْحسن بن الْقَاسِم وَهُوَ الْمَعْرُوف بعامر الشَّهِيد ولد سنة 965 خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ على القاضي عبد الرَّحْمَن الرحمي وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة والكشاف على السَّيِّد عُثْمَان بن علي بن الإمام شرف الدَّين بشبّام قبل دَعْوَة الإمام الْقَاسِم وَسكن بأهله هُنَالك لطلب الْعلم وَلما دَعَا ابْن أَخِيه الإمام الْقَاسِم بِبِلَاد قارة كتب اليه فوصل ثمَّ توجه بِجُنُود فَافْتتحَ من بِلَاد الأمراء آل شمس الدَّين كثيراً وَكَانُوا أعضاد الْوَزير حسن والكخيا سِنَان فَمَا زَالَ كَذَلِك من سنة 1006 إلى سنة 1008 ثمَّ إن جمَاعَة من أهل قاعة غدروا بِهِ وَقد كَانَ تزوج بِامْرَأَة مِنْهُم هُنَالك وتفرق عَنهُ أَصْحَابه وَلم يبْق سواهُ فسعوا إِلَى الأتراك وأخبروهم بتفرده فأقبلوا إِلَيْهِ واحاطوا بِهِ ثمَّ اسروه وادخلوا شبام فطافوا بِهِ فِي كوكبان وشبّام على جمل وأمير كوكبان يَوْمئِذٍ السَّيِّد احْمَد بن مُحَمَّد بن شمس الدَّين
ثمَّ أنه أرسل بِهِ إِلَى الأتراك مَعَ جمَاعَة إِلَى الكخيا سِنَان وَكَانَ فِي بني صريم فأمر بِهِ أَن يسلخ فسلخ جلده وصبر فَلم يسمع لَهُ أَنِين وَلَا شكوى بل كَانَ يَتْلُو سُورَة الإخلاص وَكَانَ ذَلِك يَوْم الأحد الْخَامِس عشر من رَجَب سنة 1008 ثَمَان وَألف ثمَّ إن سِنَانًا أملى جلده الشريف تينا وَأرْسل بِهِ على جمل إلى صنعاء إلى الْوَزير حسن فشهره على الدائر على ميمنة بَاب الْيمن وَدفن سَائِر جسده بجمومة من بني صريم ثمَّ نقل إلى خمر بأمر الإمام وقبره هُنَالك مَشْهُور مزور ثمَّ احتال بعض الشِّيعَة فأخذ الْجلد وَدَفنه على خُفْيَة وَعَلِيهِ ضريح هُنَالك وقبة على يَمِين الدَّاخِل بَاب الْيمن ورثاه القاضي أَحْمد بن سعد الدَّين المسوّري بأبيات مِنْهَا
(أزائر هَذَا الْقَبْر إن جِئْت زَائِرًا
…
ونلت بِهِ سَهْما من الأجر قامرا)
(وَأديت حقّ الْمُصْطَفى ووصيه
…
وأهليه لمّا زرت فِي الله عَامِرًا)
(سليل الْكِرَام الشّمّ من آل أَحْمد
…
وَمن كَانَ للدين الحنيفي عَامِرًا)
220 -
الإمام المهدي لدين الله الْعَبَّاس بن الامام الْمَنْصُور بِاللَّه الْحُسَيْن ابْن الإمام المتَوَكل
الْقَاسِم بن الْحُسَيْن بن الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الإمام الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد ولد فِي سنة 1131 إحدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف وَقَرَأَ قبل خِلَافَته وَبعدهَا فَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ قبل خِلَافَته السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن لطف الباري الكبسي ثمَّ كَانَ فِي أَيَّام وَالِده الإمام الْمَنْصُور بِاللَّه رَئِيسا عَظِيما فخيما ولمامات وَالِده فِي سنة 1161 أجمع النَّاس على صَاحب التَّرْجَمَة فَبَايعُوهُ واتفقت عَلَيْهِ الْكَلِمَة وَبَايَعَهُ من كَانَ خَارِجا عَن طَاعَة وَالِده كعمه أَحْمد بن المتَوَكل وَكَانَ إماماً فطناً ذكياً عادلاً قوي التَّدْبِير عالي الهمة منقاداً إِلَى الْخَيْر مايلا
إِلَى أهل الْعلم محبا للعدل مصنفا للمظلوم سيوساً حازماً مطلعاً على أَحْوَال رَعيته باحثاً عَن سيرة عماله فيهم لَا تخفى عَلَيْهِ خافية من الأحوال لَهُ عُيُون يوصلون إِلَيْهِ ذَلِك وَله هَيْبَة شَدِيدَة فِي قُلُوب خواصه لَا يَفْعَلُونَ شَيْئا الاوهم يعلمُونَ أَنه سينقل إِلَيْهِ وَبِهَذَا السَّبَب اندفعت كثير من الْمَظَالِم وَكَانَ يدْفع عَن الرعايا مَا ينوبهم من الْبُغَاة الَّذين يخرجُون فِي الصُّورَة على الْخَلِيفَة وَفِي الْحَقِيقَة لإهلاك الرعية فَكَانَ تَارَة يتألّفهم بالعطاء وَتارَة يُرْسل طَائِفَة من أجناده تحول بَينهم وَبَين الرعية وَعظم سُلْطَانه فِي الْيمن وَبعد صيته واشتهر ذكره وقصده أهل الْعلم وَالْأَدب من الْجِهَات الْبَعِيدَة لمزيد اكرامه لمن كَانَ لَهُ فَضِيلَة لَا سِيمَا غرباء الديار وَكَانَ مشتغلاً بِالْعلمِ بعد دُخُوله فِي الْخلَافَة شفلة كَبِيرَة لَا يبرح إذا خلى نَاظرا فِي كتاب من الْكتب وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء وَكَانَ إذا حدث حَادث من بغي بَاغ أَو خُرُوج خَارج عَن طَاعَة أهمه ذَلِك وأقلقه وَلَا يزَال فِي تَدْبِير دَفعه حَتَّى يَدْفَعهُ وَله صدقَات وصلات وافرة جَارِيَة على كثيرين من الْفُقَرَاء والضعفاء والقصاد والوافدين وَفِيه محَاسِن جمة وَله سنَن حَسَنَة سنّهَا وَبِه اندفعت مفاسد كَثِيرَة كَانَت مَوْجُودَة قبل خِلَافَته وَالْحَاصِل أَنه من أفراد الدَّهْر وَمن محَاسِن الْيمن بل الزَّمن وَلم يزل قاهراً لأضداده قامعاً لحساده وأنداده حَافِظًا لأطراف مَمْلَكَته بِقُوَّة صولة وَشدَّة شكيمة لَا يطْمع فِيهِ طامع وَلَا ينجع فِيهِ خدع خَادع بل يتَصَرَّف بالأمور حسب اخْتِيَاره ويتفرد بتدبير الْمُهِمَّات وَلَيْسَ لوزرائه مَعَه كَلَام بل يعْملُونَ مَا يَأْمُرهُم بِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يلبسوا عَلَيْهِ شَيْئا من أَمر المملكة أَو يخادعونه فِي قَضِيَّة من القضايا وَكَانَ لَهُ نقادة كُلية فِي الرِّجَال وخبرة كَامِلَة بأبناء دهره وإذا الْتبس عَلَيْهِ حَال شخص
مِنْهُم امتحنه بِمَا يَلِيق بِهِ حَتَّى يعرف حَقِيقَة حَاله وَله قدرَة كَامِلَة على هتك ستر من يتظاهر بالزهد والعفاف والانقباض عَن الدُّنْيَا فِي ظَاهر الأمر لَا فِي الْوَاقِع فَإِنَّهُ يدْخل عَلَيْهِ من مدَاخِل دقيقة بجودة فطنته وَقُوَّة فكرته فيتضح لَهُ أمره ويحيط بِهِ خَبرا وَله من هَذَا الْقَبِيل عجائب وغرائب وَمَا زَالَ على الْحَال الْجَمِيل حَتَّى توفاه الله تَعَالَى فِي شهر رَجَب سنة 1189 تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف وأيامه كلهَا غرر ودولته صَافِيَة عَن شوائب الكدر وَمَا قَامَ عَلَيْهِ قَائِم الا دمره وَلَا خرج عَلَيْهِ خَارج الا قهره وَكَانَ استقراره فِي جَمِيع خِلَافَته بِصَنْعَاء وَمَات بهَا وَدفن بقبته الَّتِى أعدهَا لنَفسِهِ رحمه الله ورضي عَنهُ وبويع عِنْد مَوته مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر وَلَده الْمَنْصُور بِاللَّه رب الْعَالمين عَليّ بن الْعَبَّاس حفظه الله وَسَتَأْتِي لَهُ تَرْجَمَة مُسْتَقلَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَكَانَ وزيره الأكبر الْفَقِيه أَحْمد بن على النهمى مَا زَالَ قَائِما بالمهم من أُمُوره وَأمر أَكثر بِلَاده إِلَيْهِ من أول خِلَافَته إلى قبيل مَوته بِقَلِيل وَكَانَ هَذَا الْوَزير من محَاسِن الزَّمن لَهُ محبَّة للخير وإقبال على الطَّاعَة وميل إلى أهل الْعلم وَالصَّلَاح ومواساة الضُّعَفَاء مَعَ صدق لهجة وَحسن اعْتِقَاد وَكَانَ يغْضب اذا قَالَ لَهُ قَائِل انه وَزِير أَو عظمه أَو وَصفه بِوَصْف لَهُ مدح لَهُ وَلم يَأْتِ بعده فِي مَجْمُوع خصاله مثله إلا الْحسن بن علي حَنش الْمُتَقَدّم ذكره فَإِنَّهُ سلك طَرِيقَته وفاقه بِكَثْرَة الْبَذْل وَالعطَاء وَلَكِن لم يكن إليه من الأعمال مَا كَانَ إلى هَذَا فإن الَّذِي إلى هَذَا من الْبِلَاد هُوَ غَالب الْبِلَاد اليمنية وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة أَوْلَادهم سَادَات السادات وكل وَاحِد مِنْهُم لَا يَخْلُو عَن فَضِيلَة ويجمعهم جَمِيعًا حسن الفروسية وجودة الْخلق والتمسك بِنَصِيب من الْعرْفَان وأكبرهم عبد الله
توفى فِي حَيَاة وَالِده وَبعده مَوْلَانَا الإمام خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه علي وستأتي تَرْجَمته وَبعده مُحَمَّد وَهُوَ من أكَابِر آل الإمام وَله نصيب من الكمالات وافر وَبعده الْقَاسِم وَهُوَ من فحول السادات وأعيان القادات وَله مُشَاركَة فِي الْعلم جَيِّدَة وَبعده يُوسُف وَهُوَ حسن الْأَخْلَاق كريم الأعراق وَبعده أَحْمد وَهُوَ أوسعهم علماً وَأَقْوَاهُمْ فهماً لَهُ اطلَاع كلي على علم التَّارِيخ وَالْأَدب وَمَعْرِفَة بفنون من الْعلم ومشاركة كُلية فِي أَنْوَاع مِنْهُ وَله شعر وَفِيه رَغْبَة إلى المباحثة وَهُوَ كريم مُطلق قَلِيل النظير فِي مَجْمُوعه وَبعده اسمعيل وَهُوَ قَلِيل النظير فِي حسن أخلاقه وتواضعه وسلامة فطرته وعفافه وهؤلاءهم الْكِبَار من أولاد صَاحب التَّرْجَمَة وهم كَثِيرُونَ وجميعهم كَمَا قَالَ الْقَائِل
(من تلق مِنْهُم تقل لاقيت سيدهم
…
مثل النُّجُوم الَّتِى يسرى بهَا الساري)
221 -
السَّيِّد الْعَبَّاس بن مُحَمَّد المغربيّ التونسي
قدم إِلَى صنعاء فِي سنة 1200 وَله معرفَة بِعلم الْحُرُوف والأوفاق
رَأينَا مِنْهُ فِي ذَلِك عجائب وغرائب وأخذنا عَنهُ فِي علم الأوفاق لقصد التجريب لَا لاعتقاد شئ من ذَلِك وَكَانَ إذا احْتَاجَ إِلَى دَرَاهِم أَخذ بَيَاضًا وقطعه قطعاً على صور الضَّرْبَة المتعامل بهَا ثمَّ يَجْعَلهَا فِي وعَاء وَيَتْلُو عَلَيْهَا فتنقلب دَرَاهِم وَكنت فِي الِابْتِدَاء أَظن ذَلِك حِيلَة وشعوذة فَأخذت ذَلِك الْوِعَاء وفتشته فَلم أقف على الْحَقِيقَة فَسَأَلته أَن يصدقني فَقَالَ ان تِلْكَ الدَّرَاهِم يجِئ بهَا خَادِم من الْجِنّ يَضَعهَا فِي ذَلِك الْوِعَاء بِقدر مَا جعله من قطع الْبيَاض وَيكون ذَلِك قرضاً حَتَّى يتَمَكَّن من الْقَضَاء فَيَقْضِي وَكَانَ يضع خَاتم أحد الْحَاضِرين فِي اناء وَيجْعَل فِيهِ مَاء ويرتب فَيسمع الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِك الإناء صَوتا مفزعاً ويرتفع ذَلِك الْخَاتم فَيَقَع فِي حجر صَاحبه فَظَنَنْت أنه يضع فِي الإناء تَحت الْخَاتم شَيْئا من الْمَعَادِن يكون لَهُ قُوَّة يدْفع بهَا الْخَاتم فتركته حَتَّى وضع الإناء وَوضع فِيهِ الْخَاتم فَقُمْت فأخذته فَلم أجد فِيهِ شَيْئا ثمَّ أمرنى أَن آخذ إِنَاء آخر وأضع فِيهِ مَاء بيدي وَاضع الْخَاتم من دون أَن يمس هُوَ شَيْئا من ذَلِك فَفعل وتلا فسمعنا ذَلِك الصَّوْت وارتفع الْخَاتم وَوَقع فِي حجر صَاحبه وَله من هَذَا الْجِنْس عجائب وغرائب واتصل بخليفة الْعَصْر حفظه الله وكساه كسْوَة عَظِيمَة وَأَعْطَاهُ عَطاء وَاسِعًا وَكَانَ يكثر التَّرَدُّد الى وأنا إِذْ ذَاك مشتغل بِطَلَب الْعلم ثمَّ عزم صُحْبَة الْحجَّاج فوصل إلى مَكَّة وإذا جمَاعَة من حجاج الغرب يسْأَلُون عَنهُ حجاج الْيمن وَمن جملَة من سألوا رفقته الَّذين حجّ مَعَهم من أهل الْيمن فَسَأَلُوهُمْ عَن حَاله فَأَخْبرُوهُمْ أَن أَبَاهُ من أكَابِر تجار الغرب وَأَنه مَاتَ وَخلف دنيا عريضة وَكَذَلِكَ وصف لنا من رافقه من حجاج الْيمن فِي الطَّرِيق من مروءته وإحسانه إليهم فِي الطَّرِيق وشكره لأهل الْيمن عِنْد أَصْحَابه وَغَيرهم مَا يدل
على أَنه من أهل المروءات وَمن جملَة مَا وصفوه أَنهم وصلوا إلى الْبَحْر فَعدم المَاء فِي السَّفِينَة وهم بِقرب جَزِيرَة فِيهَا مَاء عذب وَلَكِن فِيهَا جمَاعَة من اللُّصُوص قد حالوا بَين أهل السَّفِينَة وَبَين المَاء واشتدت حَاجتهم إلى المَاء وَلم يقدر أحد على الْخُرُوج فَاشْتَمَلَ هَذَا السَّيِّد على سَيْفه وَخرج وَأخرج مَعَه قرب المَاء فَلَمَّا رَآهُ اللُّصُوص هربوا وَكَانَ طَويلا ضخماً حسن الْأَخْلَاق ابيض اللَّوْن شَدِيد الْقُوَّة ويحفظ منظومة فِي فقه الْمَالِكِيَّة وَله معرفَة بمسائل من أصُول الدَّين وَكَانَ يصمم على مَا يعرفهُ فإذا ظهر لَهُ الْحق مَال إليه وَكنت مرة أَنا وشخص عندي كَانَ يحضر عِنْد اجتماعي بالسيّد فاخذنا من تَحْرِير أوفاق قد خفظناها مِنْهُ وَلم يكن حَاضرا فَلَمَّا فَرغْنَا من تَحْرِير بَعْضهَا وضعناه فِي النَّار حَتَّى التهب ثمَّ جَعَلْنَاهُ فِي الطَّاقَة فَلم نشعر إلا بطائر قد انقضّ على تِلْكَ الْوَرق الَّتِى تلتهب فأخذها وَذهب فعجبنا من ذَلِك غَايَة الْعجب وَلم نقف للمترجم لَهُ على خبر بعد ارتحاله وَقد كَانَ يحْكى لنا من أَحْوَال أهل الغرب حكايات عَجِيبَة وَكَانَ مُدَّة الِاجْتِمَاع بِهِ نَحْو ثَلَاثَة أشهر أَو أَكثر
222 -
عبد الباسط بن خَلِيل بن إبراهيم الدمشقي ثمَّ القاهري
قَالَ السخاوي هُوَ أول من سمي بِعَبْد الباسط ولد سنة 784 أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَنَشَأ فِي خدمَة كَاتب سرها مُحَمَّد ين مُوسَى بن مُحَمَّد الشهَاب مَحْمُود واختص بِهِ ثمَّ اتَّصل بالمؤيد شيخ حِين كَانَ نَائِبا بِدِمَشْق ولازمه حَتَّى قدم مَعَه إلى الديار المصرية فَلَمَّا تسلطن الْمُؤَيد أعطَاهُ نظر الخزانة وَالْكِتَابَة بهَا وسلك مَسْلَك عُظَمَاء الدولة فِي الحشم والخدم والمماليك من سَائِر الأجناس والندماء وَرُبمَا ركب بالسرج الذَّهَب
وَالسُّلْطَان زَائِد الإقبال عَلَيْهِ والتقريب لَهُ وتكرر نُزُوله غير مرّة فتزايدت وجاهته بذلك كُله وَزَاد تعاظمه حَتَّى صَار لَا يسلم على أحد الا نَادرا فمقتته الْعَامَّة واسمعوه الْمَكْرُوه كَقَوْلِهِم ياباسط خُذ عَبدك فَشَكَاهُمْ إلى الْمُؤَيد فتوعدهم بِكُل سوء فأخذوا فِي قَوْلهم يَا جبال يَا رمال يَا الله يَا لطيف فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ الْتفت اليهم بِالسَّلَامِ وخفض الْجنَاح فَسَكَتُوا عَنهُ واحبوه وَلَا يزَال يترقى إلى أَن أثرى جداً وَأَنْشَأَ القيسارية الْمَعْرُوفَة بالباسطية وَعمر الاملاك الجليلة ثمَّ صَار فِي دولة السُّلْطَان ططر نَاظر الْجَيْش عوضاً عَن الْكَمَال بن البارزي فِي سَابِع ذي الْقعدَة سنة 824 فَلَمَّا اسْتَقر السُّلْطَان الأشرف بَالغ فِي التَّقَرُّب إليه بالتقادم والتحف وَفتح لَهُ أبواباً فِي جَمِيع الأموال فَزَاد اخْتِصَاصه بِهِ وَصَارَ هُوَ الْمعول عَلَيْهِ وأضاف إليه الوزارة والأستاذ داريه فسدهما بِنَفسِهِ وَبَعض خدمه إلى أَن مَاتَ الأشرف وَاسْتقر ابْنه الْعَزِيز وَكَانَ من أعظم القائمين فِي سلطنته ثمَّ صَارَت السلطنة إلى السُّلْطَان جقمق فَخلع عَلَيْهِ باستمراره فِي نظر الْجَيْش ثمَّ قبض عَلَيْهِ وحبسه وَطلب مِنْهُ ألف ألف دِينَار فتلطف بِهِ الْكَمَال بن البارزي وَغَيره من أَعْيَان الدولة حَتَّى صَارَت إلى ثَلَاث مائَة ألف دِينَار ثمَّ أطلق وَأمر بالتوجه إلى الْحجاز فسافر بعد أَن خلع عَلَيْهِ وعَلى عِيَاله وحواشيه فِي ثامن شهر ربيع الآخر سنة 843 فأقام بِمَكَّة سنة ثمَّ رَجَعَ مَعَ الركب الشامي إلى دمشق امتثالاً لما أَمر بِهِ فَأَقَامَ بهَا سِنِين وزار مِنْهَا بَيت الْمُقَدّس وأرسل بهدية من هُنَاكَ إلى السُّلْطَان ثمَّ قدم الْقَاهِرَة فَكَانَ يَوْمًا مَشْهُورا وخلع عَلَيْهِ وعَلى أَوْلَاده ثمَّ أرسل بتقدمة هائلة وَعَاد إلى دمشق بعد أَن أنعم عَلَيْهِ السُّلْطَان بأمرة عشْرين بهَا ثمَّ بعد سِنِين عَاد إلى الْقَاهِرَة مستوطناً لَهَا ثمَّ
حج وَعَاد فَأَقَامَ قَلِيلا وَمَات يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع شَوَّال سنة 854 أَربع وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَكَانَ رَئِيسا محتشماً سائساً كَرِيمًا وَاسع الْعَطاء ممدوحاً محبا للْعُلَمَاء مفضلا عَلَيْهِم وَكَانَ الْحَافِظ ابْن حجر من جملَة من اتَّصل بِهِ وَهُوَ الذي ذكره في فتح الباري لما ذكر كسْوَة الْكَعْبَة حَيْثُ قَالَ وَلم يزل الْمُلُوك يتداولون كسوتها إلى ان وقف عَلَيْهَا الصَّالح إسماعيل بن النَّاصِر فِي سنة 743 قَرْيَة من ضواحي الْقَاهِرَة يُقَال لَهَا بيسوس كَانَ اشْترى الثُّلثَيْنِ مِنْهَا من وَكيل بَيت المَال ثمَّ وَقفهَا على هَذِه الْجِهَة قَالَ وَلم تزل تُكْسَى من هَذَا الْوَقْف إلى سلطنة الْمُؤَيد شيخ فكساها من عِنْده سنة لضعف وَقفهَا ثمَّ فوض أمرهَا إلى بعض أمنائه وَهُوَ القاضي زين الدَّين عبد الباسط بسط الله في رزقه وعمره فَبَالغ في تحسينها بِحَيْثُ يعجز الواصف عَن وصف حسنها جزاه الله على ذَلِك أفضل المجازاة انْتهى وَمن غرائب مَا اتفق لصَاحب التَّرْجَمَة أَن جَوْهَر القيقباي رام ان يخْدم عِنْده فَمَا وَافق ثمَّ ترقى حَتَّى صَار صَاحب التَّرْجَمَة خاضعاً لَهُ مَاشِيا فِي أغراضه رَاضِيا وكارهاً وَكَذَلِكَ أحضرت أم الْعَزِيز إلى صَاحب التَّرْجَمَة ليشتريها قبل وصولها إلى الْأَشْرَف فَامْتنعَ فَصَارَت إلى الْأَشْرَف وحظيت عِنْده فَصَارَ المترجم لَهُ يمشي فِي خدمتها وَسَار مَعهَا إِلَى مَكَّة يخدمها وَرُبمَا مَشى وَهَذَا شَأْن هَذِه الدُّنْيَا
223 -
عبد الباقي بن عبد الْمجِيد بن عبد الله بن مثّنى بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن يُوسُف بن عبد الْمجِيد اليماني المخزومي تَاج الدَّين
ولد فِي رَجَب سنة 685 خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بِمَكَّة وَدخل الْيمن فأقام بهَا مُدَّة ثمَّ قدم مصر بعد السبعمائة بِيَسِير فَأَقَامَ بهَا مُدَّة وَقدم الشَّام فى
زمن الأقرم فرتب لَهُ راتباً واشتغل النَّاس عَلَيْهِ في الْعرُوض والمقامات ثمَّ رَجَعَ إلى الْيمن في سنة 716 وولاه الْمُؤَيد الرسولي الوزارة فاستمر فِيهَا إلى أن مَاتَ الْمُؤَيد وولاه ابْنه الظافر فقربه وعظمه ثمَّ صادره الْمُجَاهِد واجتاح أَمْوَاله ففرّ مِنْهُ إلى مَكَّة وَدخل الديار المصرية في سنة 730 فدرس بالمشهد النفيسي ثمَّ استوطن بَيت الْمُقَدّس ومازال يتَرَدَّد بَين حلب ودمشق ومصر وطرابلس حَتَّى مَاتَ فِي سنة 744 أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَكَانَ لَهُ قدرَة على النظم والنثر وَكَانَ يحط على القاضي الْفَاضِل ويرجح عَلَيْهِ ابْن الأثير وَعمل تَارِيخا لليمن وتاريخاً للنحاة وَاخْتصرَ تَارِيخ ابْن خلكان في جُزْء وذيل عَلَيْهِ إلى زَمَانه وَضبط ألفاظ الشِّفَاء لعياض في جُزْء وَله مطرب السمع في حَدِيث أم زرع وَغير ذَلِك وَله اشْتِغَال كَبِير بالفقه وَالْأُصُول وفنون الْأَدَب وَله اخْتِصَار الصِّحَاح وَحكى عَن بعض معاصريه أَنه قَالَ لَا يعْتَمد عَلَيْهِ في الرِّوَايَة وَمن شعره
(تجنّب أَن تذمّ بك اللّيالي
…
وحاول أَن يذم لَك الزَّمَان)
(وَلَا تحفل إذا كملت ذاتاً
…
أصبت الْعِزّ أم حصل الهوان)
224 -
عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن الْحسن على البهكلى الضمدى ثمَّ الصبيانى
ولد سنة 1180 ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف تَقْرِيبًا بصبيا وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على وَالِده وَغَيره من أهل صَبيا ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء سنة 1202 فَأخذ عَن أكَابِر علمائها كشيخنا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الْقَادِر بن احْمَد وَالسَّيِّد الْعَلامَة على بن عبد الله الْجلَال وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَشَيخنَا الْعَلامَة الْحسن بن اسمعيل المغربي وَشَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن بن
عَليّ بن الْحُسَيْن بن علي بن المتَوَكل والعلامة علي بن هادي عرهب وَغير هَؤُلَاءِ وَأخذ عَنى في فنون مُتعَدِّدَة واختص بي اختصاصاً كَامِلا وسألني مسَائِل كَثِيرَة فأجبت عَلَيْهِ بأجوبة مُطَوَّلَة ومختصر وَعَاد إِلَى وَطنه وَقد برع فِي النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالتَّفْسِير والْحَدِيث فِي أقرب مُدَّة لحسن فهمه وجودة تصَوره وَكَمَال اداركه وَقُوَّة ذهنه ثمَّ مازال بعد رُجُوعه إِلَى وَطنه يكاتبني بالأشعار الرايقة فَأُجِيب عَلَيْهِ بمضمون مَا يَكْتُبهُ إِلَى وَهُوَ مَعَ ذَلِك يتأسف على مفارقتى وأتاسف على مُفَارقَته لما بيني وَبَينه من الْمَوَدَّة الصادقة والمحبة الزَّائِدَة الَّتِى تفوق الْوَصْف بل قد لَا يتَّفق مثلهَا بَين الأخوين الشقيقين وَقد جرت بينى وَبَينه من المطارحات الأدبية نظماً ونثراً مَالا يَتَّسِع لَهُ الا مجلدا وَفِيه فصاحة ورجاحة مَعَ حسن تودد ولطافة طبع وكرم أَخْلَاق وملاحة محاضرة واستحضار لرايق الاشعار وفائق الاخبار لَا يمل جليسه لماجبل عَلَيْهِ من مُوَافقَة كل جليس وجلب خاطره بِمَا يلايمه وَالْوُقُوف على الْحَد الَّذِي يُريدهُ وَلِهَذَا أحبته الْقُلُوب وانجذبت إِلَيْهِ الخواطر وَرغب إِلَيْهِ كل اُحْدُ فعاشر أهل صنعاء وَعرف طباعهم وَاخْتِلَاف أوضاعهم وَصَارَ أخبر بهم من أحدهم لَا يخفى عَلَيْهِ من أَحْوَالهم دَقِيق وَلَا جليل ثمَّ ارتحل إلى صنعاء رحْلَة ثَانِيَة وَكنت إِذْ ذَاك مَشْغُولًا بالتدريس والتأليف والإفتاء وَلكنه قد جفاني جمَاعَة من الَّذين لَا يعْرفُونَ الْحَقَائِق لصدور اجتهادات مني مُخَالفَة لما ألفوه وعرفوه وَهَذَا دأبهم سلفاً عَن خلف لَا يزالون يعادون من بلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَخَالف مادبوا عَلَيْهِ ودرجوا من مَذَاهِب الْآبَاء والأجداد فوصل صَاحب التَّرْجَمَة فِي سنة 1209 والمواحشة بيني وَبَين
الْمَذْكُورين زَائِدَة وَلَهَب نَار الِاخْتِلَاف صادعة فَقَرَأَ على فِي مُخْتَصر الْمُنْتَهى وَشَرحه لعضد الدَّين وحاشيته للسعد وَقَرَأَ على فى الخرازبة وَشَرحهَا فى الْعرُوض ومازال يعادى اعداى ويوادد أوداي وَيقوم في غيبتي مقَام الْأَخ الْحَمِيم ويتوجع من أَحْوَال أَبنَاء الزَّمن وَمَا جبل عَلَيْهِ طلبة الْعلم في قطر الْيمن ثمَّ وصل إِلَى صنعاء مرة ثَالِثَة فِي شهر رَمَضَان سنة 1211 وَكنت إِذْ ذَاك قد امتحنت بِقبُول الْقَضَاء الْأَكْبَر بعد الإلزام بِهِ من مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر حفظه الله فاستقر المترجم لَهُ فِي صنعاء نَحْو نصف سنة يتَّصل بِي فِي كل وَقت ويحضر فِي مَوَاقِف التدريس ومجالس المنادمة والتأنيس ويطارحني بأدبياته ويواصلني بفقرة الفايقة وأبياته حَتَّى ولاه مَوْلَانَا الإمام حفظه الله قَضَاء بَيت الفقيه بن عجيل بعد موت القَاضِي الْعَلامَة عبد الفتاح بن أَحْمد العواجي وَهُوَ الْآن قَاض هُنَالك وَقد بَاشرهُ مُبَاشرَة حَسَنَة بعفة ونزاهة وَحُرْمَة كَامِلَة وصدع بِالْحَقِّ بِحَسب الْحَال وَمِقْدَار مَا يبلغ إِلَيْهِ الطَّاقَة وَقد أجزته بِكُل مَا يجوز لى رِوَايَته وَهُوَ مشارك لي فِي السماع من أكابر شيوخي وَله قدرَة على النظم والنثر وملكة كَامِلَة فِي جَمِيع الْعُلُوم عقلاً ونقلاً وَلَا يُقَلّد أحداً بل يجْتَهد برأيه وَهُوَ حقيق بذلك وَلما وقف على أَبْيَات لي من الحماسة رضت القريحة بهَا مرغباً في الرُّتْبَة وَالْوُسْطَى اذا أعجزت الْغَايَة وهي
(إذا أعوز الْمَرْء الصعُود إلى الَّتِى
…
اليها تناهى كل أروع أصيد)
(فَمن دون تحليق النسور منَازِل
…
تروح بهَا رقش البزاة وتغتدي)
(ودع عَنْك أدنى مسرح الْعِزّ إنه
…
مطار بغاث الطير عِنْد التبلد)
(فهم الْفَتى كل الْفَتى غير وَاقِف
…
على الدون إن الدون غير مُحَمَّد)
(وَفِي الْغَايَة الْوُسْطَى تعلّل مغرم
…
على الْغَايَة القصوى مقَام التفرد)
(أيا منزلاً من دون مضربه السهى
…
ويامقعدا من دونه كل مقغد)
(أبرى دون مرقا شأوك الْمَوْت وَاقِفًا
…
لكلّ الذي يهوى لقاك بِمَرْصَد)
فَقَالَ هَذِه الأبيات الَّتِى هي السحر الْحَلَال وَقد غَابَ عَنى أَولهَا
(فَتى لَا وَحقّ الله لَوْلَا قِيَامه
…
بِبَاب الْعلَا وَالْمجد لم يَتَجَدَّد)
(وأبلج مَا من آله وقبيلة
…
على قلَّة السادات من لم يسود)
(أَخُو همة مَا حَاجِب بن زُرَارَة
…
أَخُوهَا وَلَا العالي يزِيد بن مزِيد)
(وَذُو سلف مَا فيهم من مذمم
…
لئيم وَلَا فِي غَيرهم من مُحَمَّد)
(وأيمن أن تصدم بِهِ الْفقر يَنْقَلِب
…
غَنِيا وان تصدم بِهِ النحس تسعد)
ووقف على أَبْيَات لي من ذَلِك الطراز الأول نظمتها لقصد امتحان الْفِكر وَهِي
(ولي سلف فَوق المجرّة خيموا
…
سرادقهم من دونه كلّ كَوْكَب)
(رقوا في مراقي الْعِزّ شأوا ممنعاً
…
وذادوا الورى عَنهُ بخطب المشطب)
(فَمَا مِنْهُم في قومه غير سيد
…
يروح وَيَغْدُو وَهُوَ بالمجد محتبي)
(وَمَا بِي عَن أوساطهم من تخلف
…
وَلَا ركبُوا في مجدهم غير مركبي)
(وَلكنهَا الْأَيَّام يلبسهَا الْفَتى
…
على قدر من غَالب أَو مغلب)
(واني امْرأ أما نجاري فخالص
…
وَأما فعالي فاسأل الدَّهْر واكتب)
(وَلست بلباس لثوب مزور
…
وَلَكِن ضوء الشَّمْس غير محجب)
(وإن فَتى يغشى الدنايا وبيته
…
على قمة الْعليا فَتى غير معتب)
(فَمَا الْمَرْء الامن ينوء بِنَفسِهِ
…
إلى منزل فَوق السَّمَاء مطنب)
(وَلَا خير فِي حفظ من الْعَيْش دونه
…
تجرّع كأس الذل من أى مشرب)
فَقَالَ عافاه ذُو الْجلَال
(فديتك يامن ألبس الدَّهْر أدرعا
…
بنظم يروع الْجَيْش عَن كل مطلب)
(نماك الاولى خطت أسنة ذبلهم
…
سطورا بمحمر النحيع المترب)
(خطوب إذا جرّد السلاهب أغمدت
…
حفاظهم أكرم بهم خير مقنب)
(إذا النَّقْع غطى آيَة الشَّمْس أطلعت
…
أسنّتهم شهباً على كل أَشهب)
وَكَانَ الاولى بالْمقَام مادار بيني وَبَينه من الأشعار الرقيقة والمكاتبات الَّتِى دخلت الى معاهد اللطافة من كل طَريقَة وَلَكِن الْعذر أَنه لم يحضر حَال تَحْرِير التَّرْجَمَة غير هَذَا وَأما الرسائل والمسائل الَّتِى أجبْت بهَا على سؤالاته فهي كَثِيرَة جداً مَوْجُود أَكْثَرهَا في محموع رسائلي وإذ قد تعرضنا لذكر بعض مَنَاقِب هَذَا الْفَاضِل فلنذكرههنا بعض قرَابَته الَّذين بلغتنا أخبارهم بأخصر عبارَة وأوجز إشارة فَمنهمْ وَالِده الْعَلامَة الْمُحَقق
أَحْمد بن الْحسن قاضي صَبيا
هُوَ من أكَابِر الْعلمَاء الجامعين بَين علم الْعَرَبيَّة والاصول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَله رسائل ومسائل وأشعار أنيقة وَقد وصل إلى صنعاء وَأَنا فِي أَوَائِل أَيَّام الطلب وَاجْتمعت بِهِ فِي موقفين فرايته من أحسن النَّاس مذاكرة وأملحهم محاضرة مَعَ ظرافة ولطافة وجودة تَعْبِير ودقة ذهن وَقُوَّة فهم وَقد دارت بيني وَبَينه مُكَاتبَة متضمنة لمشاعرة ومذاكرة وَلم يحضرلى الْآن مِنْهَا شئ وَلَعَلَّه قد قَارب السِّتين من عمره حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف وَمِنْهُم أَخُوهُ عَم صَاحب التَّرْجَمَة
عبد الرَّحْمَن بن الْحسن البهكليّ
قاضي الْأَشْرَاف بأبي عَرِيش وَسَائِر جهاته وَهُوَ من أكَابِر الْعلمَاء
لَهُ يَد طولى في عُلُوم الِاجْتِهَاد وَعِنْده من التَّحْقِيق والتدقيق مَا يقصر عَن الْبلُوغ إليه كثير من عُلَمَاء الْعَصْر وَقد كتب إليّ بمسائل تعرض فِي جهاته وأجبت عَنْهَا بأجوبة لَعَلَّهَا لَدَيْهِ وَهُوَ الْآن حي طول الله مدَّته وَهُوَ أكبر من أَخِيه أَحْمد الْمَذْكُور قبله وَمِنْهُم أَخُو صَاحب التَّرْجَمَة
إسماعيل بن أَحْمد
وصل إلى صنعاء لَعَلَّ ذَلِك في سنة 1215 وبقي بهَا نَحْو عَاميْنِ وَقد كَانَ شرع يقْرَأ على الشُّيُوخ في الْعُلُوم الدِّينِيَّة ثمَّ بدا لَهُ الِاشْتِغَال بِعلم الفلسفة فَلم يظفر مِنْهَا بطائل سوى تَضْييع الْوَقْت وَبطلَان السَّعْي وَذَهَاب هجرته سدى وَمِنْهُم أَخُو صَاحب التَّرْجَمَة
الْحسن بن أَحْمد
وَهُوَ أَصْغَر من الذي قبله وصل الى صنعاء سنة 1218 طَالبا للْعلم بجد وَجهد وعقل وَسُكُون وجودة تصور وَقُوَّة ادراك وَهُوَ الْآن ياخذ عَن أَعْيَان مَشَايِخ صنعاء فى عُلُوم الِاجْتِهَاد وَله قرءة عليّ في شرحي للمنتقى وَغَيره وَمن قرَابَة صَاحب التَّرْجَمَة ابْن عَمه
أَحْمد بن مُحَمَّد البهكليّ
هُوَ من الْعلمَاء الْمُحَقِّقين وَهُوَ الْآن عِنْد صَاحب التَّرْجَمَة وَلَعَلَّ عمره مَا بَين الثَّلَاثِينَ والأربعين وَقد كتب إليّ بِأَبْيَات مِنْهَا
(الْبَدْر يابدر الْعُلُوم الَّذِي
…
سناؤه الباهر بِالنورِ لَاحَ)
(لَا يَعْتَرِيه النَّقْص إن ذمّه
…
من الورى النَّاقِص والافتضاح)
(فاكبت أعاديك وَلَا تختشى
…
فَسَوف يَأْتِيك المنى بالنجاح)
(وانض لَهُم غضب مقَال غَدا
…
يقدد الاعناق قد الصفاح)
(وارخ عنان الطّرف إن خلته
…
فِي حلبة الأبحاث يروي الصِّحَاح)
(وصل عَلَيْهِم صولة اللَّيْث فِي
…
برازه معتقلاً للرماح)
وَلما مَاتَ والدي تغشاه الله برحمته ورضوانه كتب الى عافاه الله بقصيدة رثاه بهَا مطْلعهَا
(هَكَذَا الدَّهْر شَأْنه لَا يبالي
…
قد رمانا بأسهم ونصال)
وَمَات سنة 1227 وَمن قرَابَة صَاحب التَّرْجَمَة خَاله القاضي الْعَلامَة الْمُحَقق
علي بن حسن العواجي عافاه الله
هُوَ فائق في جَمِيع صِفَات الْكَمَال جَامع بَين الْعلم وَالْعَمَل والرياسة والكياسة قَائِم بأعمال الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أتم قيام وَهُوَ حَال تَحْرِير هَذِه الأحرف حَاكم ببندر اللِّحْيَة وَكنت رأيته قبل عزمه إلى هُنَالك عِنْد وُصُوله إلى حَضْرَة الْخلَافَة وَلم أجتمع بِهِ لكوني تِلْكَ الْأَيَّام إلى الصغر اقرب وَهُوَ جميل الصُّورَة تَامّ الْخلقَة بهي الشكل حسن الْهَيْئَة يسْتَدلّ من رَآهُ بِذَاتِهِ على جميل صِفَاته وجليل سماته وَكَمَال طرافته وَلَعَلَّه الْآن قد
قَارب السِّتين من عمره وَولده الْعَلامَة عز الْكَمَال
مُحَمَّد بن علي بن الْحسن العواجيّ
هُوَ مِمَّن ارتحل إلى صنعاء لطلب الْعلم وأخذ عَنى في النَّحْو وَالْفِقْه وأجزت لَهُ إجازة عَامَّة في جَمِيع مَا يجوز لي رِوَايَته وَهُوَ الآن سَاكن عِنْد وَالِده في بندر اللِّحْيَة وَلَعَلَّه قد قَارب الثَّلَاثِينَ وَمَات هَذَا ووالده قبله بعد وُقُوع الِاضْطِرَاب فِي تهَامَة وَقيام الشريف حمود بهَا وكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ كَانَ يسْتَحق أَن يفرد بترجمة مُسْتَقلَّة وَلَكِن لم يكن لديّ من أخبارهم الا أَشْيَاء يسيرَة وفى سنة 1243 وصلت الْجنُود الروميه إلى تهَامَة وأسروا الشريف أَحْمد بن حمود الْقَائِم مقَام أَبِيه وَقتلُوا عَالم الأشراف وقائد جنودهم الشريف حسن بن خَالِد الحازمي وأدخلوا جمَاعَة من الْأَشْرَاف إلى الروم مِنْهُم أَحْمد بن حمود ونكّلوا بِجَمَاعَة من المتولين لأمورهم من الْقُضَاة وَغَيرهم وامتحن صَاحب التَّرْجَمَة وَحبس ثمَّ أطلق وَهُوَ الآن خَائِف يترقب مَا نزل بِغَيْرِهِ دفع الله عَنهُ كل مَكْرُوه وَقد تشفعت لَهُ عِنْد الباشا الْوَاصِل بالجنود الرومية وَهُوَ الباشا خَلِيل فَلم يصب بعد ذَلِك بِمَا أصيب بِهِ غَيره والمرجو من الله عز وجل أَن يصرف عَنهُ كل شَرّ فإنه من أكَابِر الْعلمَاء العاملين وَمن عباد الله الصَّالِحين ثمَّ بعد