المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضي عضد الدين الإيجي - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - جـ ١

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌ذكر من اسْمه أَحْمد

- ‌ أَحْمد بن يُوسُف الرباعي

- ‌حرف الْبَاء الْمُوَحدَة

- ‌حرف التَّاء الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة

- ‌حرف الثَّاء الْمُثَلَّثَة

- ‌حرف الْجِيم

- ‌حرف الْحَاء الْمُهْملَة

- ‌حرف الْخَاء الْمُعْجَمَة

- ‌حرف الدَّال الْمُهْملَة

- ‌حرف الذَّال الْمُعْجَمَة

- ‌حرف الرَّاء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السِّين الْمُهْملَة

- ‌حرف الشين الْمُعْجَمَة

- ‌حرف الصَّاد الْمُهْملَة

- ‌ السَّيِّد صَلَاح بن جلال بن صَلَاح الدَّين بن مُحَمَّد بن الْحسن ابْن المهدي بن الأمير علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى

- ‌حرف الضَّاد الْمُعْجَمَة

- ‌حرف الطَّاء الْمُهْملَة

- ‌حرف الظَّاء الْمُعْجَمَة

- ‌حرف الْعين الْمُهْملَة

- ‌ عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْغفار القاضي عضد الدَّين الإيجي

- ‌ عبد الرازق بن احْمَد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر بن أَبى المعالي مُحَمَّد بن مَحْمُود بن أَحْمد بن مُحَمَّد

- ‌ السَّيِّد عبد الْقَادِر بن احْمَد بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدَّين

- ‌على بن الْحُسَيْن بن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن على الموصلى زين الدَّين ين شيخ القوفية

الفصل: ‌ عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضي عضد الدين الإيجي

هَذَا أجْرى الصُّلْح بَين سيدي الْمولى وَبَين الرّوم على ارجاع الْبِلَاد الَّتِى اغتصبها الشريف إلى الإمام فَعرفت الإمام حفظه الله أَن يقرره لقَضَاء بَيت الْفَقِيه كَمَا كَانَ فقرره على ذَلِك وَعَاد كَمَا كَانَ وَالله الْحَمد

225 -

‌ عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الْغفار القاضي عضد الدَّين الإيجي

ولد بإيج من نواحي شيراز بعد السَّبع مائَة وَأخذ عَن مَشَايِخ عصره ولازم زين الدَّين تلميذ البيضاوي وَكَانَ إماماً في الْمَعْقُول قَائِما بالأصول والمعاني وَالْبَيَان والعربية مشاركاً في سَائِر الْفُنُون وَله شرح مُخْتَصر الْمُنْتَهى وَقد انْتفع النَّاس بِهِ من بعده وَسَار في الأقطار وَاعْتَمدهُ الْعلمَاء الْكِبَار وَهُوَ من أحسن شُرُوح الْمُخْتَصر من تدبره عرف طول بَاعَ مُؤَلفه فإنه يأتي بالشرح على نمط سِيَاق المشروح ويوضح مَا فِيهِ خَفَاء وَيصْلح مَا عَلَيْهِ مناقشة من دون تَصْرِيح بالاعتراض كَمَا يَفْعَله غَيره من الشُّرَّاح وَقل أَن يفوتهُ شئ مِمَّا ينبغى ذكره مَعَ اخْتِصَار في الْعبارَة يقوم مقَام التَّطْوِيل بل يفوق وَله المواقف في الْكَلَام ومقدماته وَهُوَ كتاب يقصر عَنهُ وَالْوَصْف لَا يسْتَغْنى عَنهُ من رام تَحْقِيق الْفَنّ وَله السُّؤَال الْمَشْهُور الذي حَرَّره إلى الْمُحَقق الجاربردي في كَلَام صَاحب الْكَشَّاف على قَوْله تَعَالَى {فَأتوا بِسُورَة من مثله} وأجابه بِجَوَاب فِيهِ بعض خشونة فاعترضه صَاحب التَّرْجَمَة باعتراضات وتلاعب بِهِ وبكلامه وَهُوَ شَيْخه وَلكنه لم ينصفه في الْجَواب حَتَّى يسْتَحق التأدب مَعَه وَقد أجَاب عَن اعتراضات

ص: 326

صَاحب التَّرْجَمَة ابْن الجاربردي وأودع ذَلِك مؤلفاً مُسْتقِلّا وَقد ولي قَضَاء الْمَالِكِيَّة فِي أَيَّام أَبى سعيد وَكَانَ كثير الأفضال على الطّلبَة كريم النَّفس وَجَرت بَينه وَبَين الأبهري منازعات وَمَا جريات وَله تلامذة نبلاء مِنْهُم السعد التفتازاني صَاحب التصانيف الْمَشْهُورَة سيأتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْهُم شمس الدَّين الكرماني وَغَيرهمَا وَجَرت لَهُ محنة مَعَ صَاحب كرمان فحبسه بالقلعة وَمَات مسجوناً في سنة 756 سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة

226 -

عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الجّامي

ولد بجام من قصبات خُرَاسَان واشتغل بالعلوم أكمل اشْتِغَال حَتَّى برع في جَمِيع المعارف ثمَّ صحب مَشَايِخ الصُّوفِيَّة فنال من ذَلِك حظاً وافراً وَكَانَ لَهُ شهرة بِالْعلمِ فِي خُرَاسَان وَغَيرهَا من الديار حَتَّى إنه استدعاه سُلْطَان الروم بايزيد خَان إلى مَمْلَكَته وَأرْسل إليه بجوائز سنية فسافر من بِلَاد خُرَاسَان إِلَى جِهَات الروم فَلَمَّا انْتهى إلى هَمدَان قَالَ للذي أرْسلهُ السُّلْطَان اليه إني قد امتثلت امْر السُّلْطَان حَتَّى وصلت إلى هُنَا وَبعد ذَلِك أتشبث بذيل الِاعْتِذَار لأنى لَا أقدر على الدُّخُول إلى بِلَاد الروم لما أسمع فِيهَا من مرض الطَّاعُون وَكَانَ غَرَض السُّلْطَان فِي استدعائه أَنه خطر لَهُ فى بعض الْأَوْقَات الِاخْتِلَاف مابين الصُّوفِيَّة وعلماء الْكَلَام والحكماء فَأَرَادَ أَن يَجْعَل صَاحب التَّرْجَمَة حكما بَين هَذِه الطوايف فَمَا تمّ وَله مصنفات مِنْهَا شرح الكافية الْمَشْهُور بالجامي وَشرع فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَله كتاب شَوَاهِد النُّبُوَّة بِالْفَارِسِيَّةِ ونفحات الأنس بِالْفَارِسِيَّةِ أَيْضا وَله مصنفات غير

ص: 327

ذَلِك ونظم بِالْفَارِسِيَّةِ يتنافس فى خفظه أهل تِلْكَ اللِّسَان وَتوفى بهرأة سنة 898 ثَمَان وَتِسْعين وثمان مائَة

227 -

عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن رَجَب البغدادي ثمَّ الدمشقي الحنبلي الْحَافِظ

سمع خلقاً مِنْهُم القلانسي وَابْن الْعَطَّار وَغَيرهمَا وصنف التصانيف المفيدة مِنْهَا شرح البخاري بلغ فِيهِ الى كتاب الجنايز وَله شرح على الترمذي وذيل على كتاب طَبَقَات الْحَنَابِلَة وَغير ذَلِك وَمَات عى شهر رَجَب سنة 795 خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة

228 -

عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر بن خَلِيل بن نصر بن الْخضر بن الْهمام الْجلَال الأسيوطى الأصل الطولوي الشافعي

الإمام الْكَبِير صَاحب التصانيف ولد فى أول لَيْلَة مستهل رَجَب سنة 849 تسع وَأَرْبَعين وثمان مائَة وَنَشَأ يتميا فحفظ الْقُرْآن والعمدة والمنهاج الفرعي وَبَعض الأصلي وألفية النَّحْو وَأخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد بن مُوسَى الحنفي فِي النَّحْو وعَلى الْعلم البلقيني والشرف المناوي والشمني والكافياجي فِي فنون عديدة وَجَمَاعَة كَثِيرَة كالبقاعي وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة وسافر إِلَى الفيوم ودمياط والمحلة وَغَيرهَا وَأَجَازَ لَهُ أكَابِر عُلَمَاء عصره من ساير الْأَمْصَار وبرز في جَمِيع الْفُنُون وفَاق الأقران واشتهر ذكره وَبعد صيته وصنّف التصانيف المفيدة كالجامعين فى الحَدِيث والدر المنثور فى التَّفْسِير والاتقان فِي عُلُوم الْقُرْآن وتصانيفه في كل فن من الْفُنُون مَقْبُولَة قد سَارَتْ في الأقطار مسير النَّهَار وَلكنه لم يسلم من حَاسِد

ص: 328

لفضله وجاحد لمناقبه فإن السخاوي فِي الضَّوْء اللامع وَهُوَ من أقرانه تَرْجَمَة مظْلمَة غالبها ثلب فظيع وَسَب شنيع وانتقاص وغمط لمناقبه تَصْرِيحًا وتلويحاً وَلَا جرم فَذَلِك دأبه فِي جَمِيع الْفُضَلَاء من أقرانه وَقد تنافس هُوَ وَصَاحب التَّرْجَمَة مُنَافَسَة أوجبت تأليف صَاحب التَّرْجَمَة لرسالة سَمَّاهَا الكاوي لدماغ السخاوي فليعرف المطلع على تَرْجَمَة هَذَا الْفَاضِل في الضَّوْء اللامع أنها صدرت من خصم لَهُ غير مَقْبُول عَلَيْهِ فَمِمَّنْ جملَة مَا قَالَه في تَرْجَمته إنه لم يمعن الطلب في كل الْفُنُون بل قَالَ بعد أَن عدد شُيُوخه إنه حِين كَانَ يتَرَدَّد عَلَيْهِ كثيراً من مصنّفاته كالخصال الْمُوجبَة للظلال والاسماء النَّبَوِيَّة وَالصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وَمَوْت الانبياء ومالا يحصره قَالَ بل أَخذ من كتب المحمودية وَغَيرهَا كثيرا من التصانيف الْمُتَقَدّمَة الَّتِى لاعهد لكثير من العصريين بهَا فى فنون فَغير فِيهَا يَسِيرا وَقدم وَأخر ونسبها إِلَى نَفسه وهوّل فِي مقدماتها بِمَا يتَوَهَّم مِنْهُ الْجَاهِل شَيْئا مِمَّا لَا يُوفى بِبَعْضِه وَأول مَا أبرز جُزْء لَهُ في تَحْرِيم الْمنطق جرده من مُصَنف لِابْنِ تَيْمِية واستعان في أكثره فَقَامَ عَلَيْهِ الْفُضَلَاء قَالَ وَكَذَا درّس جمعاً من الْعَوام بِجَامِع ابْن طولون بل صَار يملي على بَعضهم مِمَّن لَا يحسن شَيْئا ثمَّ قَالَ كل هَذَا مَعَ أنه لم يصل وَلَا كَاد وَلِهَذَا قيل انه تزيب قبل أن يكون حصرماً وَأطلق لِسَانه وقلمه في شُيُوخه فَمن فَوْقهم بِحَيْثُ قَالَ عَن القاضي الْعَضُد أنه لَا يكون طعنةً في نعل ابْن الصّلاح وعزر على ذَلِك من بعض نواب الْحَنَابِلَة بِحَضْرَة قاضيهم وَنقص السَّيِّد والرضى فى النَّحْو بمالم يبد فِيهِ مُسْتَندا مَقْبُولًا بِحَيْثُ انه أظهر لبَعض الغرباء الرُّجُوع عَن ذَلِك فإنه لما اجْتمعَا قَالَ لَهُ قلت السَّيِّد الجرجاني قَالَ

ص: 329

إن الْحَرْف لَا معنى لَهُ في نَفسه وَلَا في غَيره وَهَذَا كَلَام السَّيِّد نَاطِق بتكذيبك فِيمَا نسبته إليه فأوجدنا مُسْتَندا فِيمَا تزعمته فَقَالَ انى لم أرله كلَاما ولكني لما كنت بِمَكَّة تجاذبت مَعَ بعض الْفُضَلَاء الْكَلَام فى المسئلة فَنقل لى مَا حكيته وقلدته فِيهِ فَقَالَ هَذَا عَجِيب مِمَّا يتَصَدَّى للتصنيف يُقَلّد في مثل هَذَا مَعَ هَذَا الأستاذ انْتهى وَقَالَ من قَرَأَ الرضى وَنَحْوه لم يترق إلى دَرَجَة ان يُسمى مشاركا فى النَّحْو ولازال يسترسل حَتَّى قَالَ إنه رزق التبحر في سَبْعَة عُلُوم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والنحو والمعاني وَالْبَيَان والبديع قَالَ والذي اعتقده إن الذي وصلت إِلَيْهِ من الْفِقْه والنقول الَّتِى اطَّلَعت عَلَيْهَا مِمَّا لم يصل إِلَيْهِ وَلَا وقف عَلَيْهِ أحد من أشياخي فضلاً عَمَّن دونهم قَالَ وَدون هَذِه السَّبْعَة أصُول الْفِقْه والجدل وَالصرْف ودونهما الانشاء والترسل والفرائض ودونها القراآت وَلم آخذها عَن شيخ ودونها الطِّبّ واما الْحساب فأعسر شئ علي وأبعده عَن ذهني وإذا نظرت في مسئلة تتَعَلَّق بِهِ فَكَأَنَّمَا احاول جبلا أحملهُ قَالَ وَقد كملت عندي آلات الِاجْتِهَاد بِحَمْد الله إلى أن قَالَ وَلَو شِئْت أَن اكْتُبْ فى كل مسئلة تصينف بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها والمقارنة بَين اخْتِلَاف الْمذَاهب فِيهَا لقدرت على ذَلِك وَقَالَ إن الْعلمَاء الْمَوْجُودين يرتبون لَهُ من الاسئلة الوفا فَيكْتب عَلَيْهَا أجوبة على طَريقَة الِاجْتِهَاد قَالَ السخاوي بعد أن نقل هَذَا الْكَلَام عَن صَاحب التَّرْجَمَة في وصف نَفسه مَا أحسن قَول بعض الأستاذين في الْحساب مَا اعْترف بِهِ عَن نَفسه مِمَّا توهم بِهِ أَنه متصف أول دَلِيل على بلادته وَبعد فهمه لتصريح ايمة الْفَنّ بأنه فن ذكاء وَنَحْو ذَلِك وَكَذَا قَول بَعضهم دَعْوَاهُ الِاجْتِهَاد ليستر خطأه

ص: 330

وَنَحْو هَذَا وَقد اجْتمع بِهِ بعض الْفُضَلَاء ورام التَّكَلُّم مَعَه فِي مسئلة فَقَالَ إن بضاعتي في علم النَّحْو مزجاة وَقَول آخر لَهُ أعلمني عَن آلات الِاجْتِهَاد مَا بقي أحد يعرفهَا فَقَالَ لَهُ نعم مَا بقي من لَهُ مُشَاركَة فِيهَا على وَجه الِاجْتِمَاع في وَاحِد بل مفرقاً فَقَالَ لَهُ فاذكرهم لي وَنحن نجمعهم لَك ونتكلم مَعَهم فإن اعْترف كل وَاحِد لَك بِعِلْمِهِ وتميزك فِيهِ امكن ان نوافقك فى دعواك فَسكت وَلم يبد شَيْئا وَذكر أَن تصانيفه زَادَت على ثلثمِائة كتاب رَأَيْت مِنْهَا مَا هُوَ في ورقة وأما مَا هُوَ دون كراسة فكثير وسمى مِنْهَا شرح الشاطبية وألفية في القراآت مَعَ اعترفه بأنه لَا شيخ لَهُ فِيهَا وَمِنْهَا مَا اختلسه من تصانيف شَيخنَا يعْنى ابْن حجر مِنْهَا كتاب النقول فى أَسبَاب النُّزُول وَعين الاصابة فى معرفَة الصَّحَابَة والنكت البديعات على الموضوعات والمدرج الى المدرج وَتَذْكِرَة المؤتسى بِمن حدث ونسى وتحفة النابه بتلخيص الْمُتَشَابه وَمَا رَوَاهُ الواعون فى أَخْبَار الطَّاعُون والاساس فى مَنَاقِب بنى الْعَبَّاس وجزء فى أَسمَاء المدلسين وكشف النقاب عَن الالقاب وَنشر العبير فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشَّرْح الْكَبِير قَالَ فَكل هَذِه مصنفات شَيخنَا وليته إِذا اختلسها لم يمسخها وَلَو مسخها على وَجههَا لَكَانَ أَنْفَع وَمِنْهَا ماهو لغيره وَهُوَ الْكثير هَذَا إن كَانَت المسخيات مَوْجُودَة كلهَا وإلا فَهُوَ كثير المجازفة جاءني مرّة فَزعم أَنه فرأ مُسْند الشافعي على القميصي في يَوْم فَلم يلبث أن جَاءَ القميصي وأخبرني مُتَبَرعا بِمَا تضمن كذبه حَيْثُ أخبر أَنه بقي مِنْهُ جَانب قَالَ السخاوي وَقَالَ أنه عمل النفحة المسكية والتحفة المكية في كراسة وَهُوَ بِمَكَّة على نمط عنوان الشرف لِابْنِ المقري في يَوْم وَاحِد وانه عمل ألفية

ص: 331

في الحَدِيث فايقة على ألفية العراقي إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يطول شَرحه ثمَّ قَالَ كل ذَلِك مَعَ كَثْرَة مَا يَقع لَهُ من التحريف والتصحيف وَمَا ينشأ عَن عدم فهم المُرَاد لكَونه لم يزاحم الْفُضَلَاء في دروسهم وَلَا جلس مَعَهم في شأنهم وتعريسهم بل اسْتندَ بأخذه من بطُون الدفاتر والكتب وَاعْتمد مَا لَا يرتضيه من اللاتقان صحب وَقد قَامَ النَّاس عَلَيْهِ كَافَّة لما ادعى الِاجْتِهَاد ثمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ سريع الْكِتَابَة لم أزل أعرفهُ بالهوس ومزيد الترفع حَتَّى على أمه بِحَيْثُ كَانَ تزيد فِي التشكّي مِنْهُ وَلَا يزَال أمره في تزايد من ذَلِك فَالله يلهمه رشده وَنقل عَنهُ أَنه قَالَ تركت الإفتاء والإقراء وأقبلت على الله وَزعم أنه رأى مناماً يقتضي ذم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَهُ وَأمر خَلِيفَته الصديق بحبسه سنة ليراجع الإقراء والإفتاء وأنه اسْتغْفر الله بعد ذَلِك وَاقْبَلْ على الافتاء بِحَيْثُ لوجئ إليه بِفُتْيَا وَهُوَ مشرف على الْغَرق لأخذها ليكتب عَلَيْهَا قَالَ وَمن ذَلِك أَنه توسّل عِنْد الإمام الْبُرْهَان الكركي في تَعْيِينه لحجة كَانَت تَحت نظره فَأَجَابَهُ وَزَاد من عِنْده ضعف الأصل فَمَا قَالَ لَهُ جزيت خيراً وَلَا أبدى كلمة تؤذن بشكره قَالَ وَمن هوسه أَنه قَالَ لبَعض تلامذته إِذا صَار إلينا الْقَضَاء قَررنَا لَك كَذَا وَكَذَا بل تصير أَنْت الْكل هَذَا حَاصِل ماذكره السخاوي فى كِتَابَة الضَّوْء اللامع فى تَرْجَمَة الْجلَال السيوطى وختمها بقوله أنه ألّف مؤلفاً سَمَّاهُ الكاوي في الرَّد على السخاوي

وَأَقُول لَا يخفى على الْمنصف مَا فِي هَذَا الْمَنْقُول من التحامل على هَذَا الإمام فإنه مَا اعْترف بِهِ من صعوبة علم الْحساب عَلَيْهِ لَا يدل على مَا ذكره من عدم الذكاء فإن هَذَا الْفَنّ لَا يفتح فِيهِ على ذكى إِلَّا نَادرا

ص: 332

كَمَا نشاهده الْآن في أهل عصرنا وَكَذَلِكَ سُكُوته عِنْد قَول القايل لَهُ تجمع لَك أهل كل فن من فنون الِاجْتِهَاد فإن هَذَا كَلَام خَارج عَن الإنصاف لِأَن رب الْفُنُون الْكَثِيرَة لَا يبلغ تَحْقِيق كل وَاحِد مِنْهَا مَا يبلغهُ من هُوَ مشتغل بِهِ على انْفِرَاده وَهَذَا مَعْلُوم لكل اُحْدُ وَكَذَا قَوْله إنه مسخ كَذَا وَأخذ كَذَا لَيْسَ بِعَيْب فإن هَذَا مازال دأب المصنفين يأتي الآخر فَيَأْخُذ من كتب من قبله فيختصر أَو يُوضح اَوْ يعْتَرض أَو نَحْو ذَلِك من الْأَغْرَاض الَّتِى هي الباعثة على التصنيف وَمن ذَاك الذي يعمد إلى فن قد صنف فِيهِ من قبله فَلَا يَأْخُذ من كَلَامه وَقَوله إنه رأى بَعْضهَا في ورقة لَا يُخَالف مَا حَكَاهُ صَاحب التَّرْجَمَة من ذكر عدد مصنفاته فإنه لم يقل انها زَادَت على ثلثمِائة مُجَلد بل قَالَ انها زَادَت على ثلثماية كتاب وَهَذَا الِاسْم يصدق على الورقة وَمَا فَوْقهَا وَقَوله إنه كذبه القميصي بتصريحه أَنه بقي من الْمسند بَقِيَّة لَيْسَ بتكذيب فَرُبمَا كَانَت تِلْكَ الْبَقِيَّة يسيرَة وَالْحكم للأغلب لاسيما والسهو وَالنِّسْيَان من الْعَوَارِض البشرية فَيمكن أَنه حصل أَحدهمَا للشَّيْخ أَو تِلْمِيذه وَقَوله أنه كثير التَّصْحِيف والتحريف مُجَرّد دَعْوَى عاطلة عَن الْبُرْهَان فَهَذِهِ مؤلفاته على ظهر البسيطة محررة أحسن تَحْرِير ومتقنة أبلغ إتقان وعَلى كل حَال فَهُوَ غير مَقْبُول عَلَيْهِ لما عرفت من قَول أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل بِعَدَمِ قبُول الأقران في بَعضهم بَعْضًا مَعَ ظُهُور أدنى مُنَافَسَة فَكيف بِمثل المنافسة بَين هذَيْن الرجلَيْن الَّتِى أفضت إِلَى تأليف بَعضهم في بعض فإن أقل من هَذَا يُوجب عدم الْقبُول والسخاوي رحمه الله وإن كَانَ إماماً غير مَدْفُوع لكنه كثير التحامل على أكَابِر أقرانه كَمَا يعرف ذَلِك من طالع كِتَابه الضَّوْء اللامع فإنه لَا يُقيم

ص: 333

لَهُم وزنا بل لَا يسلم غالبهم من الْحَط مِنْهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يعظم شُيُوخه وتلامذته وَمن لم يعرفهُ مِمَّن مَاتَ في أول الْقرن التَّاسِع قبل مَوته أَو من كَانَ من غير مصره أَو يَرْجُو خَيره اَوْ يخَاف شَره وَمَا أحسن ماذكره فِي كِتَابَة الضَّوْء اللامع في تَرْجَمَة عبد الباسط بن يحيى شرف الدَّين فإنه قَالَ وَرُبمَا صرح بالإنكار على الْفُقَهَاء فِيمَا يسلكونه من تنقيص بَعضهم لبَعض وَقد حكي أنه بَيْنَمَا هُوَ عِنْد الدوادار وَبَين يَدَيْهِ فَقِيه وإذا بآخر ظهر من الدوار فَاسْتَقْبلهُ ذَلِك الْجَالِس بالتنقيص عِنْد صَاحب الْمجْلس وَاسْتمرّ كَذَلِك حَتَّى وصل إليهم فَقَامَ إِلَيْهِ ثمَّ انْصَرف فاستبدبره الْقَائِم حَتَّى اكْتفى ثمَّ توجه قَالَ فسألني الدوادر من الصَّادِق مِنْهُمَا فَقلت أَنْتُم أخبر فَقَالَ إنهما كاذبان فاسقان وَنَحْو ذَلِك انْتهى وَأما مَا نَقله من اقوال مَا ذكره من الْعلمَاء مِمَّا يُؤذن بالحط على صَاحب التَّرْجَمَة فسبب ذَلِك دَعْوَاهُ الِاجْتِهَاد كَمَا صرح بِهِ ومازال هَذَا دأب النَّاس مَعَ من بلغ إِلَى تِلْكَ الرُّتْبَة وَلَكِن قد عرفناك في تَرْجَمَة ابْن تَيْمِية أَنَّهَا جرت عَادَة الله سُبْحَانَهُ كَمَا يدل عَلَيْهِ الاستقراء بِرَفْع شأن من عودى لسَبَب علمه وتصريحه بِالْحَقِّ وانتشار محاسنه بعد مَوته وارتفاع ذكره وانتفاع النَّاس بِعِلْمِهِ وَهَكَذَا كَانَ أَمر صَاحب التَّرْجَمَة فإن مؤلفاته انتشرت في الأقطار وسارت بهَا الركْبَان إلى الأنجاد والأغوار وَرفع الله لَهُ من الذّكر الْحسن وَالثنَاء الْجَمِيل مالم يكن لَاحَدَّ من معاصريه وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَلم يذكر السخاوي تَارِيخ وَفَاة المترجم لَهُ لأنه عَاشَ بعد مَوته فإن السخاوي مَاتَ في سنة 902 كَمَا سيأتى فِي تَرْجَمته ان شَاءَ الله تَعَالَى تجَاوز الله عَنْهُمَا جَمِيعًا وعنا بفضله وَكَرمه وَكَانَ موت صَاحب التَّرْجَمَة بعد أَذَان الْفجْر المسفر صباحه عَن يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع

ص: 334

عشر جُمَادَى الأولى سنة 911 إحدى عشرَة وَتِسْعمِائَة

229 -

عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الْأَكْوَع

شيخ الْفُرُوع ومحققها قَرَأَهَا بِمَدِينَة ذمار على أكَابِر شيوخها كالعلاّمة الْحسن بن أَحْمد الشبيبي وأقرانه ثمَّ ارتحل إلى صنعاء ودرس في شرح الأزهار وَبَيَان ابْن مظفر في جَامعهَا وَرغب إليه الطّلبَة واجتمعوا إليه فَكَانَ يحضر درسه جمَاعَة نَحْو الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ ثمَّ مازال النَّاس يَأْخُذُونَ عَنهُ أَيَّامًا طَوِيلَة وَكَانَ أَخُوهُ علي بن حسن الْأَكْوَع وَزِير الإمام المهدي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ثمَّ وزيراً لوَلَده مَوْلَانَا خَليفَة الْعَصْر الْمَنْصُور بِاللَّه فى أَوَائِل خِلَافَته الْمُبَارَكَة ثمَّ نكبه ونكبه جَمِيع قرَابَته وَكَانَ من جُمْلَتهمْ صَاحب التَّرْجَمَة وصودروا جَمِيعًا على تَسْلِيم أَمْوَال أخذت مِنْهُم وَكَانَ ذَلِك فِي سنة 1193 ثمَّ أفرح عَنْهُم وَتعقب ذَلِك أَنه ضعف بصر المترجم لَهُ ثمَّ ترك التدريس حَتَّى مَاتَ وَكَانَ ملازماً للطاعات محافظاً على الْجَمَاعَات أَيَّام ذهَاب بَصَره وَكَانَ قبل ذَلِك رافه الْعَيْش متأنقاً في مطعمه ومشربه وملبسه لَا شغلة لَهُ بِطَلَب الرزق وَلَا الْتِفَات مِنْهُ إلى ذَلِك قد كَفاهُ أَخَوَاهُ مُؤنَة الطلب وَأَحَدهمَا علي الْمُتَقَدّم ذكره والآخر عبد الله ابْن الْحسن وَكَانَ مُتَعَلقا بِالْأَعْمَالِ الجليلة من أَعمال الدولة حَتَّى ولي بندر المخاومات في أَيَّام الإمام المهدي وقرأت على صَاحب التَّرْجَمَة أَوَائِل شِفَاء الْأَمِير الْحُسَيْن وَمَات في شهر ذي الْحجَّة سنة 1206 سِتّ وماتين وألف

230 -

عبد الرَّحْمَن بن علي بن مُحَمَّد بن عمر بن على بن يُوسُف ابْن أَحْمد بن عمر الشَّيْبَانِيّ الزبيدي الشافعي الْمَعْرُوف بِابْن الديبع

وَهُوَ لقب لجده الأعلى علي بن يُوسُف وَمَعْنَاهُ بلغَة النوبية الأبيض

ص: 335

ولد في عصر يَوْم الْخَمِيس رَابِع الْمحرم سنة 866 سِتّ وَسِتِّينَ وثمان مائَة بزبيد وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن وتلاه للسبع على خَاله أَبى النجا والشاطبية والزبد للبارزي وَبَعض الْبَهْجَة واستغل فى علم الْحساب والجبر والمقابلة والهندسة والفرايض وَالْفِقْه والعربية على خَاله الْمشَار إليه وعَلى إبراهيم بن جعمان وَفِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير على الزين احْمَد الشرحى وَحج مرَارًا أَولهَا فِي سنة 883 وَقَرَأَ بِمَكَّة على السخاوي ثمَّ برع لاسيما في فن الحَدِيث واشتهر ذكره وَبعد صيته وصنّف التصانيف مِنْهَا تيسير الْوُصُول إِلَى جَامع الْأُصُول اخْتَصَرَهُ اختصاراً حسناً وتداوله الطّلبَة وانتفعوا بِهِ وفي التَّارِيخ قُرَّة الْعُيُون بأخبار الْيمن الميمون وبغية المستفيد بأخبار مَدِينَة زبيد وَكَانَ السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب قد عظمه وولاه تداريس وَله أشعار في مسَائِل علمية وضوابط وتحصيلات وَله شهرة في الْيمن طايلة إِلَى الآن

231 -

السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن قَاسم المداني

قَرَأَ علم الْفِقْه بِمَدِينَة ذمار ثمَّ رَحل إِلَى صنعاء وَأخذ في غَيره فشارك مُشَاركَة ركيكة لغَلَبَة علم الْفِقْه عَلَيْهِ ثمَّ درس في علم الْفِقْه بِصَنْعَاء وَأخذ عَنهُ النَّاس طبقَة بعد طبقَة وَأخذت عَنهُ في شرح الأزهار فِي أَوَائِل أَيَّام طلبي وَكَانَ زاهداً ورعاً متقللاً من الدُّنْيَا عفيفاً حسن الْأَخْلَاق جميل المحاضرة رَاعيا في الْفَوَائِد العلمية بِحَيْثُ أنّه صَار عَاجِزا لَا يمشى الا متوكياً على الْعَصَا وَكَانَ إذا لقيني قَامَ وَاعْتمد على عصاته ثمَّ باحثنى بمباحث فقهية

ص: 336

دقيقة وَكنت إِذْ ذَاك قد أمعنت فِي طلب علم الْفِقْه على غَيره وَكَانَ يحب المجون من دون مُجَاوزَة للحد مَعَ ظرافة زايدة وتواضع كَامِل مَاتَ في شهر ذي الْقعدَة سنة 1211 احدى عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَأَظنهُ قد قَارب التسعين رحمه الله

232 -

عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن جَابر ابْن مُحَمَّد بن إبراهيم بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم ولي الدَّين

الإشبيلي الأصل التونسي ثمَّ القاهري المالكي الْمَعْرُوف بِابْن خلدون ولد في أول رَمَضَان سنة 732 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بتونس وَحفظ الْقُرْآن والشاطبيتين ومختصر ابْن الْحَاجِب الفرعي والتسهيل فِي النَّحْو وتفقه بِجَمَاعَة من أهل بَلَده وَسمع الحَدِيث هُنَالك وَقَرَأَ في كثير من الْفُنُون وَمهر في جَمِيع ذَلِك لاسيما الأدب وفن الْكِتَابَة ثمَّ توجه في سنة 753 إِلَى فاس فَوَقع بَين يدي سلطانها ثمَّ امتحن واعتقل نَحْو عَاميْنِ ثمَّ ولي كِتَابَة السِّرّ وَكَذَا النظر في الْمَظَالِم ثمَّ دخل الأندلس فَقدم غرناطة في أَوَائِل ربيع الأول سنة 764 وتلقاه سلطانها ابْن الأحمر عِنْد قدومه ونظمه فِي أهل مَجْلِسه وَكَانَ رَسُوله إلى عَظِيم الفرنج بإشبيلية فَقَامَ بالأمر الذى ندب اليه ثمَّ توجه فِي سنة 766 إلى بجاية ففوض إليه صَاحبهَا تَدْبِير مَمْلَكَته مُدَّة ثمَّ اسْتَأْذن في الْحَج فَأذن لَهُ فَقدم الديار المصرية في ذي الْقعدَة سنة 784 فحج ثمَّ عَاد إلى مصر فَتَلقاهُ أَهلهَا وأكرموه وَأَكْثرُوا من ملازمنه والتودد إليه وتصدر للاقراء فِي الْجَامِع الأزهر مُدَّة ثمَّ قَرَّرَهُ الظَّاهِر برقوق في قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالديار المصرية فِي جُمَادَى الآخرة سنة 786 وفتك بِكَثِير من الموقعين وَصَارَ يُعَزّر بالصفح ويسميه الزج فإذا

ص: 337

غضب على إنسان قَالَ زجوه فيصفع حَتَّى تحمّر رقبته وعزل ثمَّ أُعِيد وتكرر لَهُ ذَلِك حَتَّى مَاتَ قَاضِيا فجاءه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع بَقينَ من رَمَضَان سنة 808 ثَمَان وثمان مائَة وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة خَارج بَاب النَّصْر وَدخل مَعَ الْعَسْكَر فِي أَيَّام انْفِصَاله عَن الْقَضَاء لقِتَال تيمور فَقدر اجتماعه بِهِ وخادعه وخلص مِنْهُ بعد أَن أكْرمه وزوده قَالَ بعض من تَرْجَمَة انه كَانَ فِي بعض لاياته يكثر من سَماع المطربات ومعاشرة الأحداث وَقَالَ آخر كَانَ فصيحاً مفوّها جميل الصُّورَة حسن الْعشْرَة اذا كَانَ معزولاً فأما إذا ولي فَلَا يعاشر بل يَنْبَغِي أن لَا يرى وَقَالَ ابْن الْخَطِيب أنه رجل فَاضل جم الْفَضَائِل رفيع الْقدر أصيل الْمجد وقور الْمجْلس عالي الهمة قوي الجأش مُتَقَدم في فنون عقلية ونقلية مُتَعَدد المزايا شَدِيد الْبَحْث كثير الْحِفْظ صَحِيح التَّصَوُّر بارع الْخط حسن الْعشْرَة وَأثْنى عَلَيْهِ المقريزي وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن الهيثمي يُبَالغ في الغض مِنْهُ قَالَ الْحَافِظ بن حجر فَلَمَّا سَأَلته عَن سَبَب ذَلِك ذكر لي أَنه بلغه أَنه قَالَ في الْحُسَيْن السبط رضي الله عنه أنه قتل بِسيف جده ثمَّ أرْدف ذَلِك بلعن ابْن خلدون وسبه وَهُوَ يبكي قَالَ ابْن حجر لم تُوجد هَذِه الْكَلِمَة في التَّارِيخ الْمَوْجُود الآن وَكَأَنَّهُ كَانَ ذكرهَا فِي النُّسْخَة الَّتِى رَجَعَ عَنْهَا قَالَ وَالْعجب أن صاحبنا المقريزي كَانَ يفرط في تَعْظِيم ابْن خلدون لكَونه كَانَ يجْزم بِصِحَّة نسب بني عبيد الدَّين كَانُوا خلفاء يمصر وَيُخَالف غَيره فِي ذَلِك وَيدْفَع مَا نقل عَن الْأَئِمَّة من الطعْن فِي نسبهم وَيَقُول إنما كتبُوا ذَلِك الْمحْضر مُرَاعَاة للخليفة العباسي وَكَانَ المقريزي ينتمي إِلَى الفاطميين كَمَا سبق فَأحب ابْن خلدون لكَونه أثبت نسبهم وَجَهل مُرَاد ابْن خلدون فإنه كَانَ لانحرافه عَن العلوية

ص: 338

يثبت نسبه العبيديين اليهم لما اشْتهر من سوء معتقدهم وَكَون بَعضهم نسب إلى الزندقة وادعاء الإلهية كالحاكم فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَجْعَل ذَلِك ذَرِيعَة إلى الطعْن هَكَذَا حَكَاهُ السخاوي عَن ابْن حجر وَالله أعلم بِالْحَقِيقَةِ وإذا صَحَّ صُدُور تِلْكَ الْكَلِمَة عَن صَاحب التَّرْجَمَة فَهُوَ مِمَّن أضلّهُ الله على علم وَقد صنّف تَارِيخا كَبِيرا فِي سبع مجلدات ضخمة أبان فِيهَا عَن فصاحة وبراعة وَكَانَ لَا يتزيا بزي الْقُضَاة بل مُسْتَمر على زي بِلَاده وَله نظم حسن فَمِنْهُ

(أسرفن في هجري وَفِي تعذيبي

وأطلن موقف عبرتى ونحيبى)

(وأبيين يَوْم الْبَين وَقْفَة سَاعَة

لوداع مشغوف الْفُؤَاد كئيب)

وترجمه ابْن عمار أحد من أَخذ عَنهُ فَقَالَ الْأُسْتَاذ المنوّه بِلِسَانِهِ سيف المحاضرة كَانَ يسْلك في أقرائه للأصول مَسْلَك الأقدمين كالغزالي وَالْفَخْر الرازي مَعَ الإنكار على الطَّرِيقَة الْمُتَأَخِّرَة الَّتِى أحدثها طلبة الْعَجم وَمن تَبِعَهُمْ من التوغل في المشاحة اللفظية والتسلسل في الحدبة والرسمية اللَّتَيْنِ أثارهما الْعَضُد وَأَتْبَاعه فِي الحواشى عَلَيْهِ وَينْهى النَّاقِل غُضُون اقرأئه عَن شئ من هَذِه الْكتب مُسْتَندا إِلَى أَن طَريقَة الأقدمين من الْعَرَب والعجم وكتبهم في هَذَا الْفَنّ على خلاف ذَلِك وَأَن اخْتِصَار الْكتب في كل فن والتقيد بالألفاظ على طَريقَة الْعَضُد وَغَيره من محدثات الْمُتَأَخِّرين وَالْعلم وَرَاء ذَلِك كُله قَالَ وَله من المؤلفات غير الانشاآت النثرية والشعرية الَّتِى هى كالسحر التَّارِيخ الْعَظِيم المترجم بالعبر فِي تَارِيخ الْمُلُوك والأمم والبربر حوت مقدمته جَمِيع الْعُلُوم

ص: 339

233 -

عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن نهشل الحيمي الْحَافِظ الْكَبِير الْعَلامَة الشهير

كَانَ من الْعلمَاء الجامعين بَين علم الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَله اشْتِغَال بالتدريس فِي الْأُمَّهَات ونشرها وبمثل الْعَضُد وحواشيه والمطول وحواشيه والرضي فِي النَّحْو وَسَائِر الْكتب المفيدة وَقد أَخذ عَنهُ النَّاس واشتهر وَمن جملَة تلامذته الْعَلامَة الْحسن بن أَحْمد الْجلَال وَجَمَاعَة أكَابِر وَمِنْهُم القاضي أَحْمد بن سعد الدَّين المسوّري والقاضي أَحْمد بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَلكنه ماسلم من الامتحان من أهل عصره لسَبَب اشْتِغَاله بالامهات علما وَعَملا وتدريسا وَلَيْسَ ذَلِك ببدع فَهَذَا شَأْن هَذِه الديار من قديم الأعصار وَمن مشايخه السَّيِّد الْحسن بن شمس الدَّين وَيحيى بن احْمَد الصابوني والحافظ بن عَلان وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحب التَّرْجَمَة من أكابر الْعلمَاء المتبحرين فِي جمع الْعُلُوم ومازال مكباً على ذَلِك حَتَّى توقاه الله تَعَالَى سَابِع وَعشْرين ربيع الأول سنة 1068 ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف بِصَنْعَاء وَدفن بجربة الرَّوْض

234 -

عبد الرَّحْمَن بن يحيى الآنسي ثمَّ الصنّعاني

ولد فِي شهر ذي الْقعدَة سنة 1168 ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف ونشأ بِصَنْعَاء فَأخذ فِي علم الْعَرَبيَّة وَغَيره عَن جمَاعَة كالسيد اسمعيل بن اسمعيل ابْن نَاصِر الدَّين وَالسَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن مُحَمَّد الْأَمِير وَغَيرهمَا وَأخذ فِي الْفِقْه على شَيخنَا الْعَلامَة احْمَد بن مُحَمَّد الحرازي وَفِي الحَدِيث على الْمُحدث الْعَلامَة لطف البارى بن احْمَد الوردواكب على المطالعة واستفاد بصافي ذهنه الْوَقَّاد ووافي فكرة النقاد علوماً جمة ولاسيما فِي الْعُلُوم الأدبية

ص: 340

فَهُوَ فِيهَا أحد أَعْيَان الْعَصْر المجيدين وولاه خَليفَة الْعَصْر حفظه الله الْقَضَاء فِي بعض الْبِلَاد اليمنية ثمَّ نَقله إِلَى بِلَاد حجَّة وولاه قَضَاء تِلْكَ الْجِهَات وَمَا والاها وباشره مُبَاشرَة حَسَنَة بعفة وصيانة وَحُرْمَة ومهابة وصرامة بِحَيْثُ صَار أمره فِيهَا أنفذ من أَمر الْعمَّال وَقد يَغْزُو بعض المبطلين اَوْ الْمُخَالفين للشَّرْع بِجَمَاعَة مَعَه وَيقدم إقداماً يدل على شجاعة ويسلك مسالك يَقُودهُ اليها حسن التَّدْبِير فبمجموع هَذِه الأوصاف صَار لَا يسد غَيره مسده وَلَا يقوم مقَامه سواهُ مَعَ أَن هَذِه الْولَايَة هي دون جليل قدره وَلَكِن مثل تِلْكَ الْجِهَات مَعَ شرارة أَهلهَا وتعجر فهم وَقُوَّة صولتهم لَا ينفذ الأحكام الشَّرْعِيَّة فيهم الامثلة وَمَعَ هَذَا فَهُوَ عاكف على مطالعة الْعُلُوم على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا مُسْتَغْرق غَالب ساعاته فِي ذَلِك كثير المذاكرة والمباحثة فِي الْمسَائِل الدقيقة مغرم بنظم الْأَشْعَار الفائقة الْجَارِيَة على نمط الْعَرَب المحبرة بخالص اللُّغَة وغريبها وَله من النثر البليغ مايفوق الْوَصْف وَقد اجتمعت بِهِ فَرَأَيْت من حسن محاضرته وَطيب منادمته وَقُوَّة ذهنه وَسُرْعَة فهمه مَا يقصر عَنهُ الْوَصْف وَقد كتب الى رِسَالَة مُشْتَمِلَة على عشرَة أسئلة أجبْت عَلَيْهَا برسالة سميتها طيب النشر فِي جَوَاب الْمسَائِل الْعشْر وهى مَوْجُودَة فِي مَجْمُوع رسايلى وَكتب إليّ هَذِه القصيدة الطنانة بعد أَن قدم بَين يَديهَا هَذَا النثر الْفَائِق وَلَفظه من عبد الرَّحْمَن ابْن يحيى غفر الله لَهما إِلَى الْمولى الْمَنْسُوب إلى كل علم نِسْبَة مُؤثرَة فِي الْعين عَن ملكة قَوِيَّة الْبَنَّا على عناية وعنا الْمَوْضُوع بأول الأولى من طَبَقَات أَهله لَا تَقْتَضِيه المعاجيم بل بأحقية التَّقْدِيم الْمسلمَة إليه من كل عَظِيم الْمَوْصُوف بِهِ على أفعل التَّفْضِيل وصيغ التكثير التَّامَّة وتأنيث

ص: 341

الْمُبَالغَة ذِي الْعَلامَة من الأعلم والعلام والعلامة

(عَلامَة الْعلمَاء وَالْبَحْر الَّذِي

لَا ينتهي وَلكُل بَحر سَاحل)

من لَا تضرب الْيَوْم آباط الْمطِي الا إِلَى مثله وَلَا يخط فِي بَيَاض النَّهَار كسواد ظله والقاضى المقرون بمعية اللَّام لوُجُود مقتضيها وَانْتِفَاء مانعها المسدد بِالْملكِ فِي مطالع قضاياه ومقاطعها

(قَاض اذا اشْتبهَ الامر إن عَن لَهُ

رَأْي يفرّق بَين المَاء وَاللَّبن)

(بَحر الإسلام حَسَنَة الأيام أكرم

من شرب مَاء الْغَمَام مدت مدَّته)

(وعدت عدته وحرست مهجته

وَحسنت نهجته وأونست بهجته)

أما بعد فإني أَحْمد إليك الله على تَمام مَا أولاه وَحسن بلاه على أَنِّي لم أكن عبداً شكُورًا وَكَانَ الإنسان لرَبه كفوراً وأنهي إِلَى حَضْرَة علمك المنورة وروضة أدبك المنورة كمدى بمفارقتها وشوقى لمشاهدتها وكلفى بفايدتها وحاجتى لعايدتها وإني لَا أذكر مِنْك ذَلِك الْمجْلس الْقصير واللقاء بالملتقى من جناج طاير يطير الا وقفت بِهِ من علمك على شاطئ بَحر لجي فاغترفت غرفَة بيدى لم ينقع صداى وَلم يبلغ ثلجى الا أنشدت برنة المتشجى

(بَاهل إِلَى سرحة الوادي مؤوبة

قبل الْمَمَات بذي وجدبها ناشي)

(ألمّ إلمامة لم تجتن ثمراً

وَلَا تفيأ ظلاً غير أكباش)

وَلَوْلَا تروحي بأملي أَن أملا لزامك والمثول أمامك مثولاً أُصِيب بِهِ من علمك خيراً يزْجر لي بيمن طيرا ويقينى أَن ماذلك على الله بعزيز وَلَا نايله من سايله فِي حرز حريز لقد ذهبت نفسي حسرات وَضَاقَتْ بي فسيحات البسيطات

ص: 342

(أعلل النَّفس بالآمال أرقبها

مَا أضيق الْعَيْش لَوْلَا فسحة الأمل)

هَذَا وَقد تكلف الْفِكر الجامد بِمصْر البليات والذهن الخامد بصرصر النكبات عمل هَذِه القصيدة بشئ من مدائحك العديدة على أَنى لم أحل بهَا عاطلاً وَلم أرفع بهَا خاملاً وصفات ضوء الشَّمْس تذْهب بَاطِلا لِأَن الْوَصْف مارفع احْتِمَالا أَو قلل اشتراكاً أَو كشف معنى وَالشَّمْس عَن كل فِي غنى وَمَا لَهَا فِي أي غنا ووصفك أَيهَا السَّيِّد الْجَلِيل من ذَلِك الْقَبِيل فِي ذَلِك السَّبِيل على أَنى لَو بصرت أمري لما سيرت إليك شعرى فقد قَالَ حسان بن ثَابت

(وإنما الشّعْر لبّ الْمَرْء يعرضه

على الْمجَالِس ان كيساوان حمقا)

وَلَكِن غلبت المقة على مُقْتَضى عدم الثِّقَة وشجعني قَوْله أَيْضا

(وإنّ اصدق بَيت أَنْت قَائِله

بَيت يُقَال إذا أنشدته صدقا)

فَقلت وَمَا ضرّ شعراً مُقَابلا بالتصديق الصَّرِيح أَن لَا يكون ذَا معنى فِي لفظ فصيح وَبعد فأمامه مِنْك عين الرِّضَا ذَات الكلال عَن الْعَيْب والاغضا وَالسَّلَام ختام

(ألا قَامَت تنازعنى ردائى

غَدَاة نفضت أحلاس الثواء)

(مفهفهة كخوط البان تهفو

إليّ بعنق خاذلة الظباء)

(يلوح القرط مِنْهُ على هَوَاء

يروقك ذَاهِبًا فِيهِ وجائي)

(وحابسة لذي نظر طموح

عَلَيْهِ بِلَا أَمَام وَلَا وَرَاء)

(وَقد أرْخى مدامعها ارتحالي

وَكَانَت لَيْسَ تدري بالبكاء)

(وَقَالَت لَو أَقمت لَكَانَ مَاذَا

حنانيك التَّفَرُّق والتنائي)

(وعيشك لَو تركت وَمَا تشائي

لما بَعدت سماؤك من سمائى)

ص: 343

(وَلَكِن الزَّمَان لَهُ صروف

وَقد تعدو على الْقَوْم الْبَراء)

(وقبلي مَا نبت أَرض بَحر

ففارقها بحب اَوْ قلاء)

(فعني لست بِالرجلِ المروي

وَلَا طوع الحسان من النِّسَاء)

(وعزمي قد علمت إذا ستطارت

بِهِ نِيَّة تغلغل ذَا مضاء)

(فكم أغرى إلى وادي هبوطي

ذياباً بالتضور والعواء)

(وراع العصم فِي نيق صعودي

وهاج الربد فِي خبت نجائي)

(على وجناء تخترق الموامي

وتجتاز الْمِيَاه على الظماء)

(يعارضها اللُّصُوص ليدركوها

وَمن يعلق براكبة الْهَوَاء)

(فقادتها الادلة اقتبالى

وساقتها لثانية انثنائى)

(وَمَا انقشعت غيابتها وفيهَا

من الابطاء من ايلى بلائي)

(وَكنت على معسكرها وحكمي

لَهُم أما علمت على سوائي)

(بوضاح ضَمَان المَال عاف

جنايا الْعمد شَدَّاخٍ الدِّمَاء)

(وسل عَنى العداة فعندهم من

ممارستي مصدقة ادعائي)

(وَمَا أَنا بالبخيل بنائيات الْحُقُوق

على الإضافة والثراء)

(وَلَا كلّ على الأخوان عى

وَلَا شاكى الصديق من الْجفَاء)

(وَلَا بمفحم أن ناغمتني

بَنَات الشّعْر مِنْهُ بالحداء)

(وَقد جربت هَذَا الدَّهْر حَتَّى

مرنت على المراضي والمسائي)

(وَلم أعدم على الْخطب اصطباري

وَلم افقد على الهول اجترائي)

(وَلَا استوحشت من شئ أمامى

وَلم أَحْزَن على شئ ورائي)

(وَلَوْلَا عَالم الْمصر الذي سر

ت عَنهُ لما حننت إليه نائي)

(لنعم مُحَمَّد رجلا وَحقّ

لَهُ وَعَلِيهِ طيبَة الثَّنَاء)

ص: 344

(هوالبحر الذي جَاشَتْ بِعلم

غوارب موجه ذَات ارتماء)

(فطبقت الْبِلَاد وَعَاد مِنْهَا

إِلَيْهِ الْفضل عَن عذر ملاء)

(تَعَالَى الله معطية امتناناً

وَلَيْسَ الله مَحْظُور الْعَطاء)

(لقد آتَاهُ علماً من لَدنه

يضيق بوسعه ذَات الْقَضَاء)

(وَلَكِن صَدره المشروح أضخى

كَمَا بَين الثريا والثراء)

(وَحين لَقيته بادي بداء

بِوَقْت مثل ابهام القطاء)

(لقِيت بِهِ الْأَئِمَّة فِي فنون

بفرد الشَّخْص مُتحد الرواء)

(ففي علم الْكَلَام أَبَا علي

وفي علم اللُّغَات أَبَا الْعَلَاء)

(وَفِي التصريف عُثْمَان بن جني

وَفِي النَّحْو الْمبرد والكسائي)

(وجار الله فِي علم الْمعَانى

وإبراز النكات من الخفاء)

(وَابْن كثير الشَّيْخ المعالي

من التَّفْسِير خافقة اللِّوَاء)

(وزين الدَّين فِي التحديث حفظاً

لإسناد وَمتْن ذَا وكاء)

(وَيحيى فِي الرِّجَال بِنَقْد قَول

جرى فِيهِ بصفو أَو جفَاء)

(وَفِي التَّارِيخ وَالْأَخْبَار جما

عها الذهبي فهاق الإناء)

(وَفِي الْفِقْه ابْن رشد من تحلت

نهايته بِحسن الابتناء)

(وَعند قَضَائِهِ ولدى فَتَاوَاهُ

عَن تبريزه كشف الغطاء)

(فَلَو لازمته من بعد أوكا

ن حظى مِنْهُ تكْرَار اللِّقَاء)

(اذا لغدوت رَأْسا فِي عُلُوم

يكون بهديه فِيهَا اهتدائى)

(أنادي قَائِلا قولاً سديداً

يصدق بَين مستمعي النداء)

(بانك صَاحب السهْم المعلا

بَين سِهَام إرث الْأَنْبِيَاء)

(وأنّك عَالم الْقطر الْمُسَمّى

ومجتهد الزَّمَان بِلَا مراء)

ص: 345

(وَأَن مُجَدد الْمِائَة الَّتِى نَحن

فِيهَا لَهو أَنْت بِلَا امتراء)

(وَأَنَّك لَا نرى لَك من مثيل

وَلم تَرَ مثل نَفسك فِي المرائي)

(وَأَن شَرِيعَة الدَّين استنارت

بِمَا سميت فِيهَا للْقَضَاء)

(أصَاب بك الْخَلِيفَة فرض عين

عَلَيْك مضيّقاً وَقت الْأَدَاء)

فَلَو لم تقض بَين النَّاس طَوْعًا

أثمت بِمَا جنحت إلى الآباء)

(جزيت عَن الْيَتِيم وَأمه والضعيف

وَقَومه خير الْجَزَاء)

(أخذت لَهُم بحقهم فَبَاتُوا

وَقد أمنُوا تعدي الأقوياء)

(وَطَائِفَة على قَاض ومفت

ترادوها بِثَوْب الأعمياء)

(وَسَاعَة مَا أتتك فَككت مِنْهَا

معماها بواضحة السناء)

(وَهَذَا ربح علمك فاستف خَيره

فِي الِابْتِدَاء والانتهاء)

(وَلَا بَرحت سوارى الْغَيْث صنعاء

مَا طرفتك حيافى الحواء)

(فإن تهْلك فَلَا شامت عَلَيْهَا

عُيُون النَّاس بارقة الْحيَاء)

(وَلَا حملت عقيب الطُّهْر أنثى

وَلَا ولدت غُلَاما ذَا ذكاء)

فأجبت عَن هَذَا النظم والنثر بقولي

من جمع أشتات الْفَضَائِل والفواضل وَبلغ فِي مجده إِلَى مَكَان يقصر عَنهُ المتطاول نور حدقة أَوَانه وإنسان عين زَمَانه من ضرب النَّجْم سرادقه دون مَكَانَهُ وخفي سِنَان السماك عِنْد سنا سنانه قريع أَوَانه فريع خلانه وأخدانه من أشاد بأبياته المشيدات شرعة الآداب وأحيا ببلاغته البليغة أَرْوَاح أموات رسوم الْكتاب فَهُوَ الْفَرد الْكَامِل ذاتا الْكل الْمُسْتَحق لنسبة جَمِيع الْفَضَائِل إِلَيْهِ أنعاتا

(لَيْسَ على الله بمستنكر

أَن بِجمع الْعَالم فِي وَاحِد)

ص: 346

وَبعد فإنه وصل إِلَى الحقير ذَلِك العقد الجوهري الَّذِي هُوَ بِكُل الأمداح الصِّحَاح الفصاح الصَّباح حري وَأَقُول سُبْحَانَ المانح الفاتح فَلَقَد تلهت وولهت ودلهت بِمَا خبر بِهِ كل غاد ورائح لعمرك مَا كنت أَحسب أَنه بَقِي من يسمو إِلَى هَذِه الطَّبَقَة الَّتِى هى فَوق الطباق وَلَا كَانَ يمر بفكري أَنه قد نشأ لهَذِهِ الصِّنَاعَة من رقي فِيهَا إِلَى هَذِه الْغَايَة الَّتِى لَا تطاق وَالْحَمْد لله الذي زين الْعَصْر بمثلك وَحفظ شرعة الْآدَاب بوافر علمك وفضلك ونبلك وليعلم الْأَخ أيده الله أن جواد قريحتي القريحة لَا يجري بِهَذَا الميدان وَسنَان فكرتي السقيمة العقيمة لَا تغني عِنْد تطاعن الفرسان بالمران فإني على مُرُور الأعصار لم أتلبس بشعار الْأَشْعَار وَلَا رضت ذهنى الكليل بالطراد فِي هَذَا الْمِضْمَار

(وَمَا الشّعْر هَذَا من شعاري وإنما

أجرب فكري كَيفَ يجري نجيبه)

فَلم يكن لي من ذَلِك الا نظم الْفَقِيه فِي الأحكام أَو مَا يجري مجْرى الْكَلَام عِنْد اقْتِضَاء الْمقَام وَكنت قد عزمت أَن أتطفل على مَكَارِم أخلاقك بِطَلَب بسط الْعذر عَن الْجَواب فِرَارًا مِمَّا قَالَه ابْن الخازن فِي نظم آداب الآداب وهرباً من عراضة صحيفَة الْعقل على أنظار أَرْبَاب الألباب وحذراً من الْوُقُوع فِيمَا قَالَه أخو الْأَعْرَاب

(وأنما الشّعْر صَعب سلمه

إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لَا يُعلمهُ)

(يُرِيد أن يعرّبه فيعجّمه

زلت بِهِ إِلَى الحضيض قدمه)

غير أَنه لَاحَ للخاطر الفاتر وَقُوَّة النّظر الْقَاصِر أَن مكاتبات الاحباب ومراجعات خلص الْأَصْحَاب مفيدة بقيود ومحدودة برسوم وحدود مِنْهَا التسامح وأطراح التكلفات وغض طرف الانتقاد عِنْد

ص: 347

عرُوض الكبوات كَمَا جرت بِهِ المألوفات من جواري الْعَادَات وَثَانِيهمَا إسبال ذيول الستور على مَا أبرزته إلى قالب العثور أيدي الْقُصُور وَثَالِثهَا أَن الْمَقْصد الأهم وَالْمطلب الأعظم لَيْسَ إِلَّا ماذكره أَرْبَاب الْبَيَان من نُكْتَة التَّلَذُّذ بإرخاء عنان اللِّسَان فِي مخاطبات الخلان فَلَمَّا ارتسمت فِي الذِّهْن هَذِه التصورات انْتقل بعد شرح هَذِه الْمَاهِيّة إِلَى مَقَاصِد التصديقات فانتج لَهُ التَّرْتِيب الرضى بَان يُقَال مُجيب غير مُصِيب لامصيب غير مُجيب فعطل من سَاعَات أشغاله سَاعَة أزجي فِيهَا إلى سوحك هَذِه البضاعة بفكر علم الله كليل وذهن شهد الله عليل على أَنَّهُمَا فِيمَا عهِدت سيف صقيل وَلَا ريب فإن لطيف الكدر إذا انطبع فِي الْمرْآة تشوش النَّاظر فَكيف بِمن يطْرق قلبه فِي الْيَوْم الْقصير من ريَاح الارواح وقتام الأشباح أعاصير فدون الدون من تِلْكَ الْأُمُور تنصدع لَهُ الصخور وتغور مِنْهُ البحور

(لولابس الصخر الْأَصَم بعض مَا

يلقاه قلبي فضّ أصلاد الصَّفَا)

فدونك أَيهَا الحبيب مُرَاجعَة من لم يحظ من قربك بِنَصِيب وَشرب من صاب بَيْنك بأقداح وغصّ لفراقك بِالْمَاءِ القراح

(دعي لومي على فرط الْهَوَاء

وداوي أن قدرت على الدَّوَاء)

(وكوني عَن سلوى فِي سلو

إِذا أنوى الحبيب على النواء)

(أبانوا يَوْم بانوا عَن فؤادى

عرى صيرى فبانوا بالعراء)

(فَلَا حملت هوادجها الهوادي

وَلَا سَمِعت تراجيع الحداء)

(تخبّ بِكُل عامرة وقفر

وتخترق الموامي للتنائي)

(فانحي حاذر يَوْمًا عَلَيْهَا

وضرّج قادميها بالدماء)

ص: 348

وناشتّها السبَاع ومزّقتها

القشاعم بَين أدلاج الفضاء)

(وياحادى المطى إلا رثاء

وَشر النَّاس مسلوب الرثاء)

(حدوت فكم عقول طايشات

وأرواح تروح إِلَى الفناء)

(فَلَا رفعت يداك إليك سَوْطًا

وَلَا نقلتك مسرعة الخطاء)

(تروعنى ببين بعد بَين

طَوِيل فِي قصير من لِقَاء)

(امابسوى الْفِرَاق لقِيت قلبي

لتعلم فِي الْحَوَادِث مَا عنائي)

فإني إن ألمّ الْخطب يَوْمًا

وضاق بِحمْلِهِ وَجه الثراء)

(وطاشت عِنْده أَحْلَام قوم

وحاد الْآخرُونَ إلى الوراء)

(أقوم بِهِ إذا قعدوا لَدَيْهِ

وادفعه إذا أعيا سواي)

(وَمَا الْمَرْء المكمّل غير حر

لَهُ عِنْد العنا كل الْغناء)

(تساوي عِنْده خير وَشر

يرى طعم الْمنية كالمناء)

(يحوز السَّبق فِي أَمن وَخَوف

وَيكرم عِنْد فقر أَو غناء)

(ترَاهُ وَهُوَ ذُو طمرين يمشي

بهمته على هام السَّمَاء)

(تقدمه فضائله إذا مَا

تفاخر بالملا كل الملاء)

(أَلا أن الْفَتى ربّ المعالي

إِذا حققت لارب الثراء)

(وَمن حَاز الْفَضَائِل غير وان

فَذَاك هُوَ الْفَتى كل الفتاء)

(فَمَا الشرف الرفيع بِحسن ثوب

وَلَا دَار مشيدة الْبناء)

(وَلَا بنفوذ قَول فِي البرايا

فإن نُفُوذه أصل الْبلَاء)

(فرأس الْمجد عِنْد الْحر علم

يجود بِهِ على غاد وجائي)

(إِذا مَا الْمَرْء قَامَ بِكُل فن

قيَاما فِي السمو إِلَى السَّمَاء)

(وَصَارَ لَهُ بمدرجة صعُود

إِلَى عين الْحَقِيقَة والجلاء)

ص: 349

(وَقَامَ لدفع معضلة وَحل

لمشكلة وَرفع للخفاء)

(فَذَاك الْفَرد فِي مَلأ المعالي

كَمَا الْفَرد ابْن يحيى فِي الملاء)

(فَتى يَهْتَز عطف الدَّهْر شوقاً

إليه لأنه ربّ الْعَلَاء)

(إذا مَا جال فِي بحث ذكاه

تنحّى عَنهُ أَرْبَاب الذكاء)

(وإن مَا رَاه ذُو لدد أَتَاهُ

بِمَا يثنيه عَن فرط المراء)

(تقاصر عَن مداه كل حبر

لما يلقاه من بعد المداء)

(فيامن صَار فِي سلك المعالي

هُوَ الدرّ النفيس لكل رَاء)

(وضمّخ مسمع الأيام طيباً

بِمَا قد طَابَ من حسن الثَّنَاء)

(وَقَامَ بفترة الْآدَاب يَدْعُو

وفي يمناه خافقة اللِّوَاء)

(بلغت من الْعُلُوم إلى مَكَان

تمكّن في السمو وَفِي السناء)

(قعدت من البلاغة فِي مَحل

بِهِ الصابي يعود إلى الصباء)

(وصغت من القريض بَنَات فكر

دفعت بهَا الورى نَحْو الوراء)

(وجيه الدَّين دمت لكل فن

تبهرج فِيهِ أهل الإدعاء)

(تذود الشائنين لَهُ بِجَهْل

فيصفو الْعلم عَن شوب القذاء)

(علومك زانها سمت بهى

وَحسن السمت من حلل الْبَهَاء)

(أتانى يَابْنَ يحيى مِنْك نظم

تَعَالَى عَن نظام أَبى الْعَلَاء)

(على نمط الأعارب في لُغَات

وفي حسن الروي وفى الرواء)

(تحدى من تعاوزه هموم

يعود بهَا الْجَلِيّ إلى الخفاء)

(يعاني من خصوم أَو خصام

خطوباً في الصَّباح وَفِي الْمسَاء)

(فحيناً في صُرَاخ أَو عويل

وحيناً في شكاء أَو بكاء)

(وأن يصفو لَهُ وَقت ترَاهُ

يُوقع فى رقاع الادعاء)

ص: 350

(ويمضى اللَّيْل فى نشر وطى

لاسجال قد يمات الْبناء)

(وقفنا يَابْنَ ودي في شَفير

وَمن زار الشفير على شِفَاء)

(بذا قد جَاءَنَا نَص صَرِيح

فَمَا ذَاك السَّبِيل إلى النَّجَاء)

(فإن قلت النُّصُوص بعكس هَذَا

أتتنا بالأجور وبالرجاء)

(كَمَا في أجر من يقْضى بِحَق

وَيعْمل بِاجْتِهَاد فى الْقَضَاء)

(ويعدل فى حكومته بِرِفْق

ويلتف المكاره بالرضاء)

(ويلبس بالقنوع رِدَاء عز

يطرزه بوشي الاتقاء)

(ويدرع التصبران دهاه

من الْخَصْمَيْنِ لافحة الْبلَاء)

(فَذَاك كَمَا يَقُول وَأَيْنَ هَذَا

هُوَ العنقاء بَين أولي النهاء)

(قصارى مَا ترَاهُ بِغَيْر شك

مراء أَو فضول من مرائى)

(وَمن لم يعقل الْبُرْهَان يَوْمًا

فأنّى ينتحيه في الْقَضَاء)

(إِذا لم يفْطن التَّرْكِيب قَاض

فَقل لي كَيفَ يفْطن بالخطاء)

(وَمن خفيت عَلَيْهِ الشمي حيناً

فَكيف ترَاهُ يظفر بالسهاء)

(وَمن أعياه نور من نَهَار

فَكيف يروم إدراك الْبَهَاء)

(وهذي نفثة من صدر حر

أَطَالَ ذيولها صدق الإخاء)

(وانزر مَا يبوح بهَا شجيّ

إِلَى أحبابه بَث الشجاء)

(وأعظم مُسْتَفَاد من عهاد

تواصلنا باصناف الدُّعَاء)

(وَدم يَابْنَ الْكِرَام فِي نعيم

عَظِيم في الصِّفَات وفي الصفاء)

وَقد طَال شوط الْقَلَم وَلَكِن أَحْبَبْت أن لَا أخلي تَرْجَمَة هَذَا الْفَاضِل من ذكر مثل هَذِه العقيلة الَّتِى زفها من بَنَات فكره فإنها من أعظم الْأَدِلَّة على أَن هَذِه الْأَعْصَار غيرخالية عَن قَائِم بِحِفْظ شرعة الْآدَاب

ص: 351

وَأما ذكر قصيدتى عَقبهَا فَلَيْسَ إِلَّا للتصريح بِبَعْض مَا يسْتَحقّهُ المترجم لَهُ من الممادح الَّتِى اشْتَمَلت عَلَيْهَا وَكتب إِلَى قصيدة فريدة مطْلعهَا)

(وأوله سيطت بقلبي من الْهوى

فَقل بالهوى بالأولية بادي)

وأجبت عَلَيْهِ بقصيدة مطْلعهَا

(وُفُود حبيب أم وُرُود عهاد

وَصَوت بشير أم ترنم شاد)

ثمَّ سمح الزَّمَان باجتماعي بِهِ فِي صنعاء وَغَيرهَا وَكثر اتصالنا وَكتب إِلَى من نظمه الْفَائِق ونثره الرَّائِق الْكثير الطّيب وَهُوَ مَوْجُود فى مَجْمُوع مادار بيني وَبَين أهل الأدب وموجود في ديوَان شعره الذي قد صَار من جملَة كتبي وَهُوَ الْآن طَالَتْ أيامه قَائِم بِالْقضَاءِ في حجَّة وبلادها ويفد إِلَى صنعاء لقصد زِيَارَة أَقَاربه وأحبابه وَله شعر كثير جَمِيعه غرر وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ غَرِيب الأسلوب غزير الشؤبوب مطرد الأنبوب

235 -

عبد الرَّحِيم بن الْحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم الأرموي الأسنوي نزيل الْقَاهِرَة الشَّيْخ جمال الدَّين أبو مُحَمَّد

ولد في الْعشْر الْأَوَاخِر من ذي الْحجَّة سنة 704 أَربع وَسَبْعمائة وَقدم الْقَاهِرَة سنة 721 وَحفظ التَّنْبِيه وَسمع الحَدِيث من الدبوسي والصابوني وَغَيرهمَا وَحدث بِالْقَلِيلِ وَأخذ الْعلم عَن الْجلَال القزويني والقونوي وَغَيرهمَا وَأخذ الْعَرَبيَّة عَن أَبى حَيَّان ثمَّ لَازم بعد ذَلِك التدريس والتصنيف فصنف التصانيف المفيدة مِنْهَا الْمُهِمَّات والتنقيح فَمَا يرد على الصَّحِيح وَالْهِدَايَة إِلَى أَوْهَام الْكِفَايَة وزائد الْأُصُول وتلخيص الرافعى الْكَبِير وَله الْأَشْبَاه والنظاير وَلم يبيضه وَله

ص: 352

البدور الطوالع في الفروق والجوامع وَشرح الْمِنْهَاج للنووي وَلم يكمل وَشرح الْمِنْهَاج للبيضاوي وَغير ذَلِك وَكَانَ فَقِيها ماهراً ومعلماً ناصحاً ومفيداً صَالحا مَعَ الْبر وَالدّين والتودد والتواضع وَكَانَ يقرب الضَّعِيف المستهان بِهِ من طلبته ويحرص على ايصال الفايدة الى البليد وَرُبمَا ذكر عِنْده المتبدئ الْفَائِدَة المطروقة فيصغي كَأَنَّهُ لم يسْمعهَا جبراً لخاطره وَله مثابرة على إيصال الْبر وَالْخَيْر إِلَى كل مُحْتَاج مَعَ فصاحة عبارَة وحلاوة محاضرة ومروءة بَالِغَة وَقد ولي وكَالَة بَيت المَال والحسبة ودرّس مدارس ثمَّ عزل نَفسه عَن الْحِسْبَة لكَلَام وَقع بَينه وَبَين الْوَزير في سنة 762 ثمَّ عزل نَفسه من الْوكَالَة في سنة 766 وانتفع بِهِ جمع جم وَقد أفرد لَهُ العراقى تَرْجَمَة ذكر فِيهَا يَسِيرا من مناقبه وفضايله ونظمه وَبَالغ فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ وَكَانَ هُوَ يُحِبهُ ويعظمه وَذكره فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة في أثْنَاء تَرْجَمَة ابْن سيد النَّاس وَوَصفه بِأَنَّهُ حَافظ عصره وَذكره فِي مَوضِع آخر من الْمُهِمَّات قَالَ ابْن حبيب إمام بَحر علمه عجاج وَمَاء فَضله ثجاج ولسان قلمه عَن المشكلات فراج كَانَ بحراً في الْفُرُوع وَالْأُصُول محققاً لما يَقُول من النقول تخرج بِهِ الْفُضَلَاء وانتفع بِهِ الْعلمَاء وَذكر ان فَرَاغه من تصنيف جَوَاهِر الْبَحْرين سنة 735 وَمن الْمُهِمَّات سنة 760 قَالَ القاضي تقي الدَّين الأسدي أنه شرع فِي التصنيف بعد الثَّلَاثِينَ وَشرح الْمِنْهَاج مهذب منقح وهوأنفع شروحه مَعَ كثرتها وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْأَحَد ثامن عش جُمَادَى الأولى سنة 772 اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَسَبْعمائة

ص: 353

236 -

عبد الرَّحِيم بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحِيم بن أَبى بكر بن إبراهيم بن الزين أَبُو الْفضل الكردي الأَصْل الشافعي الْمَعْرُوف بالعراقي

الْحَافِظ الْكَبِير ولد في حادي وَعشْرين جُمَادَى الأولى سنة 725 خمس وَعشْرين وسبعماية بِمصْر بعد أَن تحول وَالِده اليها وَسمع من القاضي سنجر والقاضي تقي الدَّين الأحبائي المالكي وَسمع من آخَرين وَحفظ الْحَاوِي والإلمام لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَكَانَ رُبمَا حفظ في الْيَوْم أَرْبَعمِائَة سطر ولازم الشُّيُوخ في الدِّرَايَة فَقَرَأَ القرا ات السَّبع وَنظر فِي الْفِقْه وأصوله على جمَاعَة كَابْن عَدْلَانِ والأسنوي وفي أثْنَاء ذَلِك أقبل على علم الحَدِيث فَأخذ عَن جمَاعَة مِنْهُم الْعَلَاء التركماني وَبِه انْتفع ورحل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَمَكَّة وَالشَّام فَأخذ عَن شُيُوخ هَذِه الْجِهَات وحبب الله إليه هَذَا الشَّأْن فأكبّ عَلَيْهِ من سنة 752 حَتَّى غلب عَلَيْهِ وتوغل فِيهِ وَصَارَ لَا يعرف إلا بِهِ وَتفرد مَعَ وجود شُيُوخه وَقَالَ الْعِزّ بن جمَاعَة وَهُوَ من شُيُوخه كل من يدعي الحَدِيث بالديار المصرية سواهُ فَهُوَ مَدْفُوع وتصدى للتصنيف والتدريس وَمن جملَة مصنفاته تَخْرِيج أَحَادِيث الإحياء والألفية في علم الحَدِيث وَشَرحهَا ونظم منظومة في السِّيرَة النَّبَوِيَّة وأخرى في غَرِيب الْقُرْآن ونظم الاقتراح لِابْنِ دَقِيق الْعِيد وَشرح التِّرْمِذِيّ لِابْنِ سيد النَّاس فَكتب مِنْهُ تسع مجلدات وَلم يكمل وَشرع فِيهِ من أَوَائِل كتاب الصلوة من حَيْثُ بلغ الْحَافِظ بن سيد النَّاس لأنه قد كَانَ شرع في شرح الترمذي فَكتب مجلداً بلغ فِيهِ إِلَى أوايل كتاب الصلوة ووقفت عَلَيْهِ بِخَطِّهِ رحمه الله ووقفت على المجلد الأول من شرح صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ

ص: 354

إِلَى أَوَاخِر كتاب الصلوة وَهَذَا المجلد الذى وقفت عَلَيْهِ هُوَ بِخَط الْحَافِظ ابْن حجر وَفِيه بِخَط مُصَنفه وَهُوَ شرح حافل ممتع فِيهِ فوايد لَا تُوجد فى غَيره وَلَا سِيمَا فِي الْكَلَام على أَحَادِيث الترمذي وَجَمِيع مَا يُشِير إليه فِي الْبَاب وفي نقل الْمذَاهب على نمط غَرِيب وأسلوب عَجِيب وَمن مصنفاته الِاسْتِعَاذَة بِالْوَاحِدِ من إِقَامَة جمعتين في مَكَان وَاحِد وتكملة شرح الْمُهَذّب للنووي واستدرك على الْمُهِمَّات للاسنوى ونظم الْمِنْهَاج للبيضاوى وغيرذلك وَولى تدريس الحَدِيث بدار الحَدِيث الكاملية والظاهرية وجامع ابْن طولون وَحج مرَارًا وجاور وأملى هُنَالك وَولى قَضَاء الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وخطابتها وإمامتها في ثاني عشر جُمَادَى الأولى سنة 788 ثمَّ صرف بعد مُضِيّ ثَلَاث سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة فشرع في الإملاء من سنة 895 فأملى أَرْبَعمِائَة مجْلِس وَسِتَّة عشر مَجْلِسا وَكَانَ منور الشيبة جميل الصُّورَة كثير الْوَقار نزر الْكَلَام طارحاً للتكلف ضيق الْعَيْش شَدِيد التوقي في الطَّهَارَة لَا يعْتَمد إِلَّا على نَفسه أَو على رَفِيقه الهيثمى وَكَانَ كثير الْحيَاء منجمعاً عَن النَّاس حسن النادرة والفكاهة قَالَ تِلْمِيذه الْحَافِظ ابْن حجر وَقد لازمته مُدَّة فَلم أره ترك قيام اللَّيْل بل صَار كالمألوف ويتطوع بصيام ثَلَاثَة أَيَّام في كل شهر وَقد رزق السَّعَادَة في وَلَده الولى فإنه كَانَ إِمَامًا كَمَا تقدم في تَرْجَمته وفي رَفِيقه الهيثمي فإنه كَانَ حَافِظًا كَبِيرا ورزق أيضاً السَّعَادَة في تلامذته فإن مِنْهُم الْحَافِظ ابْن حجر وطبقته وَكَانَ عَالما بالنحو واللغة والغريب والقراءات وَالْفِقْه وأصوله غير أَنه غلب عَلَيْهِ الحَدِيث فاشتهر بِهِ وَانْفَرَدَ بمعرفته وَقد تَرْجمهُ جمَاعَة من معاصريه وَمن تلامذته وَمن بعدهمْ وأثنوا عَلَيْهِ جَمِيعًا وبالغوا في تَعْظِيمه ورثاه ابْن الجزري فَقَالَ

ص: 355