الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِ اللهِ عز وجل لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [
الأحزاب: 33]
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه سَأَلَهُ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] هَلْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةٌ غَيْرَ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَمِعْتُ: أُولَى إِلَّا وَلَهَا آخِرَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: هَاتِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللهَ جَلَّ اسْمُهُ يَقُولُ: " وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ "، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَمَرَنَا اللهُ أَنْ نُجَاهِدَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " مَخْزُومٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ
⦗ص: 9⦘
فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ لِعُمَرَ: مَا سَمِعْتُ بِأُولَى إِلَّا وَلَهَا آخِرَةٌ، وَتِلَاوَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ مِمَّا لَمْ يُنْكِرْ عُمَرُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ فَوَجَدْنَا قَدْ رُوِيَ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ كِتَابِ اللهِ، ثُمَّ أُسْقِطَ مِنْهُ فِيمَا أُسْقِطَ مِنْهُ
كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنهما: " أَلَمْ نَجِدْ فِيمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْنَا أَنْ جَاهِدُوا كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟ فَإِنَّا لَا نَجِدُهَا، فَقَالَ: أُسْقِطَتْ فِيمَا أُسْقِطَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَتَخْشَى أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ كُفَّارًا؟ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ قَالَ: إِنْ يَرْجِعِ النَّاسُ كُفَّارًا، لَتَكُونَنَّ أُمَرَاؤُهُمْ بَنِي فُلَانٍ، وَوُزَرَاؤُهُمْ بَنِي فُلَانٍ
⦗ص: 10⦘
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَكَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَرْضِيٌّ، عَنْ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِآخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: " إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَنُو أُمَيَّةَ وَبَنُو مَخْزُومٍ مِنَ الْأَمْرِ بِسَبِيلٍ " وَكَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ،
⦗ص: 11⦘
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَيَكُونَنَّ أُمَرَاؤُهُمْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَوُزَرَاؤُهُمْ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي تُلِيَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ عز وجل، قَدْ كَانَ مِنْ كِتَابِ اللهِ كَمَا قَدْ تُلِيَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُونَا عَلِمَا أَنَّهُ أُسْقِطَ مِنْهُ حَتَّى أَعْلَمَهُمَا ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ سُقُوطُهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ النِّهَايَةُ فِي الْحُجَّةِ فِي اللُّغَةِ 0 وَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَوَّلٌ لِمَا لَا يَكُونُ لَهُ آخِرٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِثْلِهِ فِي رَجُلٍ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَمَلَكَ عَبْدًا: أَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بَعْدَهُ غَيْرَهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَخِلَافُهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ الْآخَرِ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلُوا آخِرًا إِلَّا لَمَّا قَدْ كَانَ لَهُ أَوَّلٌ وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ قَالُوهُ فِي رَجُلٍ قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ، فَهُوَ حُرٌّ، فَمَلَكَ عَبْدًا، ثُمَّ لَمْ يَمْلِكْ عَبْدًا سِوَاهُ حَتَّى مَاتَ، أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ آخِرًا إِذَا كَانَ قَدْ كَانَ أَوَّلًا، فَهَذَا أَحْسَنُ مَا حَضَرَنَا فِي تَأْوِيلِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى غَيْرُ هَذَا التَّأْوِيلِ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] قَالَ: " كُنَّا نَقُولُ: تَكُونُ جَاهِلِيَّةٌ أُخْرَى "
وَكَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ:{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] قَالَ: " هِيَ الْجَاهِلِيَّةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا " وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ، مِنْهُمُ الْفَرَّاءُ، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ فِي " مَعَانِي الْقُرْآنِ وَمُشْكِلُ إِعْرَابِهِ " {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] قَالَ:
⦗ص: 13⦘
كَانَ ذَلِكَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الدِّرْعَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ غَيْرَ مَخِيطٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَكَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ مِنَ الْمَالِ لَا يُوَارِي جَسَدَهَا، فَأُمِرْنَ أَنْ لَا يَفْعَلْنَ ذَلِكَ فَهَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ قَدْ رُوِيَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِمَا قِيلَ فِيهَا وَاللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ فِيهَا وَقَدِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِمَّنْ وَافَقَنَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أُولَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آخِرَةٌ، كَمَا قَالَ: مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} [الواقعة: 62] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّشْأَةَ قَدْ كَانَتْ أُولَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهَا نَشْأَةٌ أُخْرَى فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا إِنَّمَا أُنْزِلَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نَشْأَتْ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ:{كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} [الأنعام: 133] ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ نُزُولَ الْآيَةِ، الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ