الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنٍ، هَلِ الْقِرَاءَةُ فِي تَوْكِيدِهِمَا فِيهِمَا كَهِيَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، أَوْ بِخِلَافِ ذَلِكَ؟ وَهَلْ لِمُصَلِّيهِمَا تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ رُوِّينَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي تِلْكَ الْآثَارِ، أَنَّهُ قَدْرُ نِصْفِ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَأَنَّهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ قَدْرُ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَهُوَ سَبْعُ آيَاتٍ وَنِصْفُ آيَةٍ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ نِصْفُ مَا كَانَ مِنْ قِرَاءَتِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْهَا، وَهِيَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْهَا نِصْفُ ذَلِكَ، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ وَنِصْفُ آيَةٍ، فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ زِيَادَةً عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ الَّتِي هِيَ سَبْعُ آيَاتٍ لَا غَيْرَ
وَقَدْ وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنْ شَاءَ الْمُصَلِّي قَرَأَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَزَادَ عَلَيْهَا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا مَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ فِيهِمَا، وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا، وَقَائِلُونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: لَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيهِمَا ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءَ الْحِجَازِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما فِي ذَلِكَ مَا قَدْ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ، وَلَا يَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِشَيْءٍ "
قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْقَوْمُ يَقْتَدُونَ بِإِمَامِهِمْ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ:" أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَتَقُولُ: إِنَّمَا هُمَا دُعَاءٌ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ مَنْ عَاصِمٌ هَذَا، هَلْ هُوَ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ؟ فَلَا نَجْعَلُ حَدِيثَهُ حُجَّةً لِمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ الْأَسَانِيدِ فِيهِ، أَوْ هَلْ هُوَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ فَنَجْعَلُهُ حُجَّةً؟
فَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
⦗ص: 54⦘
اللهُ عَنْهَا قَالَ: " كَانَتْ تَقْرَأُ أَوْ تَأْمُرُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ " فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ عَاصِمًا هَذَا هُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ لَا ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَقَلْنَا أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَقْرَؤُهَا دُعَاءً، لَا كَمَا تَقْرَأُ مَا سِوَاهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فِي سِوَى تَيْنِكَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَظَرْنَا: هَلْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ غَيْرِ عَائِشَةَ، وَعَلِيٍّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟
فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الصُّنَابِحِيُّ: أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، وَصَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى كَادَ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابِي ثِيَابَهُ، فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]
⦗ص: 55⦘
وَوَجَدْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ عُبَادَةُ: فَحَضَرْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَقُولُ لِقَيْسٍ، وَسَأَلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَ بِهِ قَالَ عُمَرُ: مَا تَرَكْتُهَا مُنْذُ سَمِعْتُكَ تُحَدِّثُ بِهِ، وَإِنْ كُنْتُ قَبْلَ ذَلِكَ لَعَلَى غَيْرِهِ، قُلْتُ: وَمَا هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ
وَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ شَيْبَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ: " صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه الْمَغْرِبَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ ثِيَابِي ثِيَابَهُ أَوْ كَادَتْ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ،
⦗ص: 56⦘
وَقَالَ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] إِلَى قَوْلِهِ: {الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ " قَالَ يَزِيدُ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: وَاللهِ مَا كَانَتْ قِرَاءَةً، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ دُعَاءً وَوَجَدْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَمْرٍو قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ الْكِنْدِيُّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثَهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا خَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا، وَقَالَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
⦗ص: 57⦘
وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَدْ شَدَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ إِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَتَسْبِيحٌ، لَا كَالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَقُلْهُ مَنْ قَالَهُ رَأْيًا، وَلَا اسْتِنْبَاطًا، وَلَا اسْتِخْرَاجًا إِذْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَلَا بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِخْرَاجِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ بِالتَّوْقِيفِ، وَمَا كَانَتْ هَذِهِ سَبِيلَهُ، لَمْ يَصْلُحْ خِلَافُهُ، وَلَا الْقَوْلُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا
كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:" التَّسْبِيحُ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ " وَكَذَلِكَ كَانَ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
⦗ص: 58⦘
كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، فَكَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ التَّسْبِيحِ فِيهِمَا، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ