الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه مِنْ قَوْلِهِ لِأَبِي بَرْزَةَ لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَأْذَنَهُ فِي قَتْلِهِ: " إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "، وَفِي ذَلِكَ الشَّيْءِ مَا هُوَ
؟
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ: أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فِي عَمَلِهِ، فَغَضِبَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَيْهِ جِدًّا قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، قُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَلَمَّا ذَكَرْتُ الْقَتْلَ، صَرَفَ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَجْمَعَ، فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا، أَرْسَلَ إِلَيَّ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ، مَا قُلْتَ؟ وَنَسِيتُ الَّذِي قُلْتُ، قُلْتُ: ذَكِّرْنِيهِ قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، أَكُنْتَ فَاعِلًا ذَلِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَاللهِ لَوْ أَمَرْتَنِي فَعَلْتُ ، فَقَالَ:" وَيْحَكَ، إِنَّ تِلْكَ وَاللهِ مَا هِيَ لِأَحَدٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه ، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: فَتَرَكَنِي لَا يُكَلِّمْنِي، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ، فَذَكَرَ مَا قُلْتُ قَالَ: قُلْتَ: مَا قُلْتَ؟ قَالَ: تَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتَ عِنْدِي، فَاشْتَدَّ غَضَبِي عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقُلْتَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قُلْتُ: الْآنَ إِنْ أَمَرْتَنِي فَعَلْتُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " لَيْسَتْ تِلْكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِأَبِي بَرْزَةَ مَا فِيهِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيهِ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَعْنِي أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ: إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا
⦗ص: 407⦘
لِغَضَبِهِ عَلَيْهِ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ إِلَّا بِأَمْرِ مَنْ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْمَأْمُورُ اسْتِحْقَاقَهُ لِذَلِكَ، وَيَكُونُ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ مُطَاعٍ فِي ذَلِكَ كَمَا كَانَ يُطَاعُ هُوَ صلى الله عليه وسلم فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْمُونُ عَلَى أَفْعَالِهِ وَعَلَى أَقْوَالِهِ، وَلِأَنَّ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ إِنَّمَا هِيَ مَرْدُودَةٌ إِلَى اللهِ عز وجل، وَاجِبٌ التَّصْدِيقُ بِهَا، وَإِجْرَاءُ الْأُمُورِ عَلَيْهَا، وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِ ثُمَّ وَجَدْنَا هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ
كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَوَّارٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَقَدْ أَغْلَظَ عَلَى رَجُلٍ، فَرَدَّ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقُلْتُ: أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: " إِنَّهَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا هَذَا الْحَدِيثَ قَدِ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِي مَنْ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَبَيْنَ أَبِي بَرْزَةَ فِي إِسْنَادِهِ، فَقَالَ فِيهِ شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرٍو، سَمِعْتُ أَبَا سَوَّارٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ: عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ
⦗ص: 408⦘
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: تَغَيَّظَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هُوَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لِأَضْرِبَ عُنُقَهُ إِنْ أَمَرْتَنِي بِذَلِكَ قَالَ: وَكُنْتَ فَاعِلًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَوَاللهِ ، لَأَذْهَبَ عِظَمُ كَلِمَتِي الَّتِي قُلْتُ غَضَبَهُ، ثُمَّ قَالَ:" مَا كَانَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " ثُمَّ وَجَدْنَا رُوَاتَهُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرٍو يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَيْضًا، فَيَقُولُ فِيهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَيَقُولُ فِيهِ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ: عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَوَافَقَ حَفْصًا عَلَى مَا رَوَاهُ عَلَيْهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ:
⦗ص: 409⦘
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَوَجَدْنَا هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، بِمُوَافَقَةِ شُعْبَةَ إِيَّاهُ عَلَيْهِ
كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ زَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي سَوَّارٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: غَضِبَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى رَجُلٍ، لَمْ نَرَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَرْزَةَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، مُرْنِي، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ: فَكَأَنَّهَا نَارٌ أُطْفِئَتْ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَرْزَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، مَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَاللهِ ، إِنْ أَمَرْتَنِي بِقَتْلِهِ لَأَقْتُلَنَّهُ قَالَ:" ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبَا بَرْزَةَ، إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "
⦗ص: 410⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ هُوَ: قَتْلُ مَنْ كَانَتْ سَبِيلُهُ السَّبِيلَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ ثُمَّ وَجَدْنَا هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا قَدْ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ أُخَرَ بِمَعَانٍ سِوَى مَعَانِي مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْهَا
كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَوَّارٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَنَّ رَجُلًا سَبَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقُلْتُ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ:" لَا، لَيْسَتْ هَذِهِ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "
⦗ص: 411⦘
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَبُّ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَبَا بَكْرٍ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لِأَبِي بَرْزَةَ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ فِي قَتْلِهِ إِيَّاهُ لِذَلِكَ:" لَيْسَتْ هَذِهِ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُخَالِفًا لِلْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ فِيمَا رُوِّينَاهُ قَبْلَهُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ، وَكَانَ مَعْقُولًا: أَنَّ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَافِرًا حَلَالَ الدَّمِ، وَلَيْسَ مَنْ سَبَّ غَيْرَهُ كَذَلِكَ فَاضْطَرَبَ عَلَيْنَا مَعْنَى مَا أُرِيدَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا خُصَّ بِهِ دُونَ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَوَلُّونَ الْأُمُورَ بَعْدَهُ ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ الْوُلَاةُ غَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ، هَلْ يَسَعُ الْمَأْمُورِينَ امْتِثَالُ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَسَعُهُمْ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: ذَلِكَ وَاسِعٌ لِلْمَأْمُورِينَ أَنْ يَفْعَلُوهُ بِأُمُورِ حُكَّامِهِمْ، وَبِأُمُورِ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ وِلَايَةُ ذَلِكَ لَهُمْ، وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ ذَكَرَهُ عَنْهُمْ فِيهِ ، غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، قَدْ كَانَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي " نَوَادِرِهِ " الَّتِي حَكَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ، وَأَخَذْنَاهَا نَحْنُ مِنَ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ مُذَاكَرَةً لَنَا بِهَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَسَعُ الْمَأْمُورَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الَّذِي يَأْمُرُهُ بِهِ عِنْدَهُ عَدْلًا، وَحَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ عَدْلٌ سِوَاهُ عَلَى الْمَأْمُورِ فِيهِ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الزِّنَى، وَلَا يَسَعُهُ فِي الزِّنَى ذَلِكَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ عَلَى الْمَأْمُورِ فِيهِ بِذَلِكَ، بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فِيهِ بِالَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فِيهِ، وَلَا نَعْلَمُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلًا غَيْرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ،
⦗ص: 412⦘
وَكَانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، إِنَّمَا أَرَادُوا بِهِ الْعَدْلَ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، لَا مَنْ سِوَاهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْعَدْلِ الَّذِي بِهِ اسْتَحَقَّ الْوِلَايَةَ عَلَى مَا يَتَوَلَّى إِلَى ضِدِّهِ ذَاكَ عَنِ الْوِلَايَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَانْعَزَلَ عَنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ وَالِيًا عَلَيْهَا، وَكَانَ الْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقِيَاسِ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ بِمَا ذَكَرْنَا اسْتِمَاعُ شَهَادَةِ مَنْ شَاهَدَ بِهَا، إِذْ لَيْسَ هُوَ حَاكِمًا، فَيَسْمَعُ ذَلِكَ بِمَا إِلَيْهِ مِنَ اسْتِمَاعِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي أَحْكَامِهِ، فَبَانَ بِذَلِكَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، وَثَبَتَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، فَلَمَّا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ ثُمَّ نَظَرْنَا: هَلْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ سِوَى حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَمْ لَا؟
4898 -
فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيَّ عَلَى جَيْشٍ، فَبَعَثَ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ، فَكَانَ رَجُلًا فِيهِ دُعَابَةٌ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ نَارٌ قَدْ أُجِّجَتْ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" أَلَيْسَ طَاعَتِي عَلَيْكُمْ وَاجِبَةً؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَاقْتَحِمُوا هَذِهِ النَّارَ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَاحْتَجَزَ حَتَّى يَدْخُلَهَا، فَضَحِكَ، وَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ أَلْعَبُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَضَحِكَ، وَقَالَ: " أَوَقَدْ فَعَلُوا
⦗ص: 413⦘
هَذَا، فَلَا تُطِيعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عز وجل "
4899 -
وَوَجَدْنَا يُوسُفَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: عَلْقَمَةُ بْنُ مُحَزِّزٍ بِالْحَاءِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَلَّى عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ عَلَى مَا وَلَّاهُ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ لِيُطِيعُوهُ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِمَّا إِلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَلِذَلِكَ أَرَادَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي النَّارِ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" فَلَا تُطِيعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ " فَأَخْرَجَ بِذَلِكَ أَمْرَهُمْ إِيَّاهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللهِ مِمَّا كَانَ جَعَلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَتِهِمْ مَنْ وَلَّاهُ عَلَيْهِمْ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَبَانَ بِذَلِكَ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: " أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "، أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِ أَحَدٍ لِسَبٍّ سَبَّهُ مَنْ سِوَاهُ مِمَّا يَنْطَلِقُ بِهِ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ سَبَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ سِوَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَافِرًا وَاجِبًا عَلَى أُمَّتِهِ قَتْلُهُ
⦗ص: 414⦘
أُمِرُوا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ، وَمَنْ سَبَّ مَنْ سِوَاهُ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ بَعْدَهُ، فَالَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَدَبُ عَلَيْهِ أَدَبُ مِثْلِهِ، فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ خُرُوجُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ فَلَا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ