الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: " إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يَنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ " وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ
4983 -
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ
4984 -
وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ أَيْضًا قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ
4985 -
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا، فَقَالُوا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَقُولُ:" إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يَنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَلَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا "
⦗ص: 512⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ لِخِطْبَةٍ مِنْ عَلِيٍّ كَانَ أَتَاهَا إِلَيْهِمْ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِيَخْطُبُوا عَلِيًّا إِلَى نَفْسِهِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ خَطَبَهَا إِلَيْهِمْ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ هَلْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَكْشِفُ
⦗ص: 513⦘
عَنْ حَقِيقَةِ الْمَعْنَى كَانَ فِي ذَلِكَ
4986 -
فَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَأَتَتْ فَاطِمَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَإِنَّ عَلِيًّا قَدْ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا "، وَذَكَرَ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ، وَقَالَ:" لَا يُجْمَعُ بَيْنَ ابْنَةِ نَبِيِّ اللهِ وَبَيْنَ ابْنَةِ عَدُوِّ اللهِ "
4987 -
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام
⦗ص: 514⦘
خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا سَمِعَتْ فَاطِمَةُ، أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ: أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ قَالَ الْمِسْوَرُ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ:" أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ، فَحَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَكْرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهَا، وَايْمُ اللهِ عز وجل لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَابْنَةُ عَدُوِّ اللهِ أَبَدًا " فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ
4988 -
وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيِّ، حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام، لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قُلْتُ لَهُ: لَا قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللهِ لَئِنْ
⦗ص: 515⦘
أَعْطَيْتَنِيهِ لَا يَخْلُصُ إِلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى تَبْلُغَ نَفْسِي إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ كَالْمُحْتَلِمِ، فَقَالَ:" " إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَتَنَ فِي دِينِهَا " " ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ قَالَ:" " حَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي، فَوَفَّى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا، وَأُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللهِ لَا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ أَبَدًا " "
4989 -
وَوَجَدْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِبْرِيقٍ الزُّبَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْحِمْيَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُمْ، لَمَّا رَجَعُوا مِنَ الطَّفِّ، وَكَانَ أَتَى
⦗ص: 516⦘
بِهِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَسِيرًا فِي رَهْطٍ هُوَ رَابِعُهُمْ قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، جَاءَنِي الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيُّ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي إِسْنَادِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا، وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ عَلِيًّا عليه السلام قَدْ كَانَ خَطَبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَوْقِعَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ، فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ، تَرَكَهُ، وَأَضْرَبَ عَنْهُ، وَاخْتَارَ مَا يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَزِمَهُ، فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ مَحْمُودًا ، فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْآثَارِ ثَنَاءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي الْعَاصِ فِي تَرْكِهِ ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ مِثْلَ الَّذِي كَانَ مِنْ عَلِيٍّ فِي ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ، أَفَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى مَوْضِعٍ لَهُ مِنْ قَلْبِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا فِي ابْنَتِهِ يَتَقَدَّمُ بِهِ مَا لِعَلِيٍّ فِي قَلْبِهِ صلى الله عليه وسلم فِي ابْنَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل: أَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَبِي الْعَاصِ بِتَرْكِهِ مَا كَانَ تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ فِي ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ أَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَدْعُهُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ
⦗ص: 517⦘
غَيْرِهَا، وَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ لِمَا دَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَيْهِ مِنَ الَّتِي خَطَبَهَا، وَإِذَا لَمْ تُحَرِّمِ الشَّرِيعَةُ الَّتِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا ذَلِكَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ بِهِ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ بِهِ قَلْبَ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي عِنْدَهُ مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ فِي مِثْلِهَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ مَا كَانَ مِمَّا ذَكَرَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآثَارِ عَلِمَ بِهِ مَا كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ فِي ذَلِكَ، فَمَالَ إِلَيْهِ، وَآثَرَهُ عَلَى مَا كَانَتْ نَفْسُهُ دَعَتْهُ إِلَيْهِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَحْمُودًا لِإِيثَارِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا مَالَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ مِمَّا لَا خَفَاءَ بِمِثْلِهِ مِنْ صُعُوبَةِ ذَلِكَ وَغِلَظِهِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ فَوْقَ حَالِ أَبِي الْعَاصِ فِي تَرْكِهِ مَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ دَعَتْهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَكَيْفَ لَمْ يَذْكُرِ صلى الله عليه وسلم مَكَانَ أَبِي الْعَاصِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ كَمَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ عَلِيٍّ وَمِنْ أَبِي الْعَاصِ ابْنَةٌ لَهُ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ تَرْكَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذِكْرَ عُثْمَانَ كَانَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِعَلِيٍّ نَظِيرٌ لِمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ السَّوَابِقِ الَّتِي لَيْسَتْ لِأَبِي الْعَاصِ، وَذَكَرَ أَبَا الْعَاصِ لِيَسْتَوْفِيَ بِذَلِكَ الْحُجَّةَ فِيمَا خَطَبَ بِهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْحِكْمَةِ فِيمَا خَطَبَ بِهِ، وَفِيمَا أَرَادَ سَمَاعَ عَلِيٍّ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّ أَبَا الْعَاصِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فَقَدْ لَحِقَهُ هَذَا الثَّنَاءُ بِتَرْكِهِ مَا كَانَ هَمَّ بِهِ، وَعَلِيٌّ كَانَ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ أَوْلَى مِنْ أَبِي الْعَاصِ لِسَوَابِقِهِ وَلِمَوْضِعِهِ مِنَ اللهِ عز وجل، ثُمَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَيْسَ ذَلِكَ لِأَبِي الْعَاصِ، فَذَكَرَ صلى الله عليه وسلم أَبَا الْعَاصِ تَوْكِيدًا لِحُجَّتِهِ فِيمَا أَرَادَ وُقُوفَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانَ رضي الله عنه مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ
⦗ص: 518⦘
لَوْ ذَكَرَ كَانَ قَدْ ذَكَرَ لَهُ مَثَلًا، وَلَمْ تَجِبْ لَهُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ أَبَا الْعَاصِ، وَلَمَّا زَالَ ذَلِكَ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام، وَكَانَ كَهُوَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ مِنْهُ، بَلْ زَادَ بِذَلِكَ رُتْبَتُهُ وَفِي تَمَسُّكِهِ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي إِيثَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ رِضْوَانَ اللهِ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعَلِيٍّ سِوَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَعْدُ اللهِ فِيهِ بِمَا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ:{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24]، وَمِنْ إِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ مَعَ مَنْ ذَكَرَهُ مَعَهُ فِي قَوْلِهِ:{إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحج: 14] الْآيَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَلْحَقُهُ نَسْخٌ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَلْحَقُ الْإِخْبَارَ بِمَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الشَّرَائِعَ الَّتِي تُحَوَّلُ مِنْ تَحْرِيمٍ إِلَى تَحْلِيلٍ، أَوْ مِنْ تَحْلِيلٍ إِلَى تَحْرِيمٍ لَا مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا قَدْ أَخْبَرَ عز وجل أَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ مَا قَدْ كَانَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي غَدِيرِ خُمٍّ مِنْ قَوْلِهِ:" " مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالِاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ " " وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَمِنْ قَوْلِهِ لَهُ لَمَّا خَلَّفَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ آخِرُ غَزَوَاتِهِ:" " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي " " وَمِنْ بَعْثَتِهِ مَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ لِيَقْرَأَهَا عَلَى النَّاسِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، وَقَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ:" " إِنَّهُ لَا يُبَلِّغُ عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي " " وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ
⦗ص: 519⦘
ابْنَيْهِ عليهما السلام: " " إِنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا " " وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَمِنْ سَيْفِ اللهِ عز وجل الَّذِي أَجْرَاهُ عَلَى يَدِهِ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَتْلِهِ شَرَّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ ذَا الثُّدَيَّةِ وَأَصْحَابَهُ، وَمِنْ شَهَادَةِ عُمَرَ رضي الله عنه لَهُ أَنَّهُ مِمَّنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا كِفَايَةٌ، لِإِبَانَةِ الْمَعْنَى الَّذِي فِي فَضْلِهِ بِغَلَبَتِهِ شَهْوَتَهُ بِإِيثَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا مَعَ مَا لَهُ مِنَ الْفَضَائِلِ سِوَى ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهَا، وَيُقِيمُ الْحُجَّةَ عَلَى مَنْ يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ بِهَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي رُوِّينَا مِمَّا هُوَ لَهُ فَضِيلَةٌ نُعِيدُهُ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فَرَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، وَصَلَوَاتُهُ، وَعَلَى سَائِرِ أَصْحَابِهِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ