الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ فِي الْحُرُوفِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْخَطِّ، الْمُخْتَلِفَةِ فِي اللَّفْظِ
3120 -
حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " عَلَى أَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَقْرَأُ؟ "، قُلْتُ: عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:" بَلْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ هِيَ الْآخِرَةُ، إنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِضُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَرَضَهُ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَ عَبْدُ اللهِ مَا نُسِخَ مِنْهُ وَمَا بُدِّلَ ".
⦗ص: 139⦘
3121 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، وَزَادَ:" فَتِلْكَ الْقِرَاءَةُ الْآخِرَةُ "
3122 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ:" أَيَّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَرَوْنَ آخِرًا؟ " قَالُوا: قِرَاءَةَ زَيْدٍ، قَالَ:" لَا، إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِضُ الْقِرَاءَةَ عَلَى جِبْرِِيلَ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَانَتْ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللهِ آخِرًا ". قَالَ: ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْقِرَاءَةِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ مِمَّا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ عَلَيْهَا مِمَّا هِيَ فِي الْخَطِّ مُؤْتَلِفَةٌ ، وَفِي أَلْفَاظِهِمْ بِهَا مُخْتَلِفَةٌ، مِنْهَا
⦗ص: 140⦘
قَوْلُهُ عز وجل: {إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94] . وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ: (فَتَثَبَّتُوا)، وَمِنْهَا قَوْلَهُ عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ ، وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ:(فَتَثَبَّتُوا) . وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لِنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} [العنكبوت: 58] فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ، وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ:(لَنُثْوِيَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا) . وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَانْظُرْ إلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِرُهَا) فِي قِرَاءَةِ بَعْضِهِمْ، وَفِي قِرَاءَةِ غَيْرِهِ مِنْهُمْ:{نُنْشِزُهَا} [البقرة: 259] .
⦗ص: 141⦘
وَمِنْهَا أَمْثَالُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا قَدْ قَرَأَهَا أَهْلُ الْقِرَاءَاتِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا ، وَلَمْ يُعَنِّفْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي خِلَافِهِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ عَلَى مَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ الْمَصَاحِفُ الَّتِي تَوَلَّى اكْتِتَابَهَا مَنْ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا بِأَمْرِ مَنْ كَانَ أَمَرَ بِذَلِكَ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَمِنْ حُضُورِ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ نَقَلُوا إلَيْنَا عَنْهُ الْإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ الَّتِي قَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْنَا بِهَا ، وَكَانَ مَنْ خَرَجَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا إلَى خِلَافِهِ مَارِقًا ، وَمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهَا كَانَ بِهِ كَافِرًا، وَكَانَ عَلَيْنَا اسْتِتَابَتُهُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِلَى الْإِقْرَارِ بِمَا كَانَ جَحَدَهُ ، وَإِلَى لُزُومِ مَا قَدْ كَانَ عَلَيْهِ لُزُومُهُ قَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى مَا صَارَ إلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مَا دَعَوْنَاهُ إلَيْهِ قَتَلْنَاهُ كَمَا نَقْتُلُ سَائِرَ الْمُرْتَدِّينَ. وَكَانَتِ الْحُرُوفُ الَّتِي ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي قِرَاءَتِهِمْ إيَّاهَا إنَّمَا تُوَصِّلُ إلَى حَقَائِقِهَا لَوْ كَانَتِ الْمَصَاحِفُ الْمُكْتَتَبُ ذَلِكَ فِيهَا قَدِ اسْتُعْمِلَ فِيهَا نَقْطُهَا أَوْ شَكْلُهَا حَتَّى يُبَيِّنَ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِثْلُهُ فِي الْخَطِّ وَخِلَافُهُ فِي اللَّفْظِ ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَتَبُوهَا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ تَرَكُوا ذَلِكَ كَرَاهَةً مِنْهُمْ أَنْ يَخْلِطُوا بِكِتَابِ اللهِ عز وجل غَيْرَهُ، حَتَّى كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كِتَابَ فَوَاتِحِ السُّوَرِ، وَالتَّعْشِيرَ، وَالتَّخْمِيسَ ، وَآرَاؤُهُمْ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ ، وَالْقَوْلُ بِمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَالْخُرُوجُ عَنْهُ غَيْرُ مَحْمُودٍ.
⦗ص: 142⦘
ثُمَّ احْتَمَلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَلْفَاظِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ حَضَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ بِهَا فَأَخَذَهَا عَنْهُ كَمَا سَمِعَهُ يَقْرَأُ بِهَا ثُمَّ عَرَضَ جَبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَبَدَّلَ بَعْضَهَا ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي رَدَّ جَبْرَائِيلُ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَقْرَأُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ إلَى مَا قَرَأَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، فَحَضَرَ مِنْ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَغَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، فَقَرَأَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ مَا قَرَأَ مِنْ تِلْكَ الْحُرُوفِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ مَنْ حَضَرَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى وَغَابَ عَنِ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَزِمَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمِثْلِ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَحْكَامِ مِمَّا نَسَخَهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ بِمَا نَسَخَهُ بِهِ، وَمِمَّا وَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحُكْمِ الثَّانِي، فَصَارَ إلَى الْحُكْمِ الثَّانِي، وَغَابَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْحُكْمِ الثَّانِي مِمَّنْ حَضَرَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَعَلِمَهُ فَثَبَتَ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ ، وَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى فَرْضِهِ وَعَلَى مَا يُعْتَدُّ بِهِ فَمِثْلُ تِلْكَ الْحُرُوفِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَكُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَحْمُودٌ، وَالْقِرَاءَاتُ كُلُّهَا فَعَنِ اللهِ تَعَالَى لَا يَجِبُ تَعْنِيفُ مَنْ قَرَأَ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَخَالَفَ مَا سِوَاهُ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.