الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ
3196 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ قَالَ: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إلَى مُعَاوِيَةَ، وَزَعَمَ وَرَّادٌ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إنَّ اللهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَلَا ، وَهَاتِ، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَإِلْحَافِ السُّؤَالِ "
3197 -
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ وَهُوَ النَّحْوِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللهَ عز وجل كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ
⦗ص: 222⦘
ثَلَاثًا: وَأْدَ الْبَنَاتِ، وَعُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَمَنْعًا وَهَاتِ ".
⦗ص: 223⦘
فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ مَا هُوَ؟
3198 -
فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا فَيْضُ بْنُ الْفَضْلِ السُّحَيْمِيُّ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُوَ فَخِذٌ مِنْ بَجِيلَةَ، وَهُمْ مِنْ رَهْطِ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ مِنْ بَجِيلَةَ حَلِيفَ الْأَنْصَارِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ وَلَدُوهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْرُوقٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم آتٍ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنِّي مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، فَبِمَ آمُرُهُمْ؟، قَالَ:" مُرْهُمْ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَقِلَّةِ الْكَلَامِ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِمْ "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ أَنْهَاهُمْ؟ قَالَ:" انْهَهُمْ عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ "، يَعْنِي بِالْمَالِ الْحَيَوَانَ أَنْ لَا يُضَيَّعَ وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ، هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ:" وَانْهَهُمْ عَنْ عُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ ".
⦗ص: 224⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ، وَإِنْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى السَّرِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَنْ تَكَلَّمَ، فَإِنَّهُ شَيْخٌ قَدِيمٌ، قَدْ رَوَى عَنْهُ الْجُلَّةُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَمِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَيْسَ بِمَتْرُوكِ الْحَدِيثِ. فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهْيُهُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَتَأْوِيلُ إضَاعَةُ الْمَالِ عَلَى الْحَيَوَانِ أَنْ لَا يُضَيَّعَ ، وَأَنْ يُحْسِنَ إلَيْهِمْ ، وَكَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ حَسَنًا ; لِأَنَّ الْقِيَامَ بِهِمْ فِيمَا لَا تَقُومُ أَنْفُسُهُمْ إِلَّا بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِسْوَةِ أَعْنِي فِي بَنِي آدَمَ وَمِنَ الْعَلُوفَاتِ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَاجِبٌ عَلَى مَالِكِيهِمْ لَهُمْ، وَكَانَ مَالِكُوهُمْ إنْ قَصَّرُوا عَنْ ذَلِكَ آثِمِينَ ، وَبِهِ مَأْخُوذِينَ. وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنَ الْوَصِيَّةِ لِلنَّاسِ بِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، مَعَ وَصِيَّتِهِ إيَّاهُمْ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ.
3199 -
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ،
⦗ص: 225⦘
عَنْ: أَنَسٍ قَالَ: " أَوْصَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلِسَانُهُ لَا يَكَادُ، فَذَكَرَ كَلِمَةً فَقَالَ: " الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "
3200 -
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:" كَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: " الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "، فَمَا زَالَ يُغَرْغِرُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ قَدْ أَدْخَلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلًا لَمْ يُسَمِّهِ
3201 -
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعُ
⦗ص: 226⦘
بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ مَنْ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:" كَانَ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِنَفْسِهِ: " الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ". فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَسْكُوتِ عَنِ اسْمِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ سَمَّاهُ أَحَدٌ
3202 -
فَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: " الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "، حَتَّى جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُغَرْغِرُ بِهَا لِسَانُهُ ". ثُمَّ نَظَرْنَا، هَلْ رُوِيَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
3203 -
فَوَجَدْنَا الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا
⦗ص: 227⦘
أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:" كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " ، حَتَّى جَعَلَ يُجَلْجِلُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ ". قَالَ: وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ضَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَصِيَّتِهِ مَا مَلَكَتِ الْأَيْمَانُ إلَى الصَّلَاةِ، وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، مَا قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا الْوُجُوبَ الَّذِي لَا يَسَعُ التَّقْصِيرَ عَنْهُ، وَلَا يَكْمُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ.
⦗ص: 228⦘
وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي تُؤُوِّلَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحْسَنُ مَا تُؤُوِّلَ فِي النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَقَدْ تَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ قِيَامًا لِلنَّاسِ فِي مَعَايِشِهِمْ ، وَفِيمَا لَا تَسْتَقِيمُ لَهُمْ أُمُورُهُمْ إِلَّا بِهِ، مِنَ الْحَيَوَانِ وَمِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْفُرَاتِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ مَالِكٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ ذَاخِرٍ الْمَعَافِرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقُولُ:" يَا مَعْشَرَ النَّاسِ، إيَّايَ وَخِلَالًا أَرْبَعًا، فَإِنَّهُنَّ يَدْعُونَ إلَى النَّصَبِ بَعْدَ الرَّاحَةِ ، وَإِلَى الضِّيقِ بَعْدَ السَّعَةِ ، وَإِلَى الْمَذَلَّةِ بَعْدَ الْعِزَّةِ، إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْعِيَالِ، وَإِخْفَاضَ الْحَالِ، وَالتَّضْيِيعَ لِلْمَالِ، وَالْقِيلَ بَعْدَ الْقَالِ، فِي غَيْرِ دَرَكٍ وَلَا نَوَالٍ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، وَسُلَيْمَانُ الْكَيْسَانِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ زِيَادٍ الْجَصَّاصِ، عَنِ الْحَسَنِ،
⦗ص: 229⦘
عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: " عَلَيْكُمْ بِالْمَالِ وَاصْطِنَاعِهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْبَهَةٌ لِلْكَرِيمِ، وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ ". وَقَدْ تَأَوَّلَهُ آخَرُونَ عَلَى غَيْرِ هَذَا التَّأْوِيلِ.
كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَقَالَ:" أَنْ يَرْزُقَكَ اللهُ رِزْقًا فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكَ ". قَالَ: وَكُلُّ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ فَمُحْتَمَلَةٌ لِمَا أُرِيدَ فِي إضَاعَةِ الْمَالِ،
⦗ص: 230⦘
غَيْرَ أَنَّ أَقْوَاهَا فِي قُلُوبِنَا التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ مِنْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، أَوْ مِمَّا سِوَاهَا، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.