الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: " إذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي طَعَامِ أَحَدِكُمْ فَلْيَمْقُلْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الْآخَرِ دَاءً، وَإِنَّمَا يُقَدِّمُ الدَّاءَ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ
"
3289 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْقَارِظِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَزُورُهُ بِقُبَاءَ، فَقَدَّمَ إلَيْنَا زُبْدًا وَكُتْلَةً، فَسَقَطَ فِي الزُّبْدِ ذُبَابٌ، فَجَعَلَ أَبُو سَلَمَةَ يَمْقُلُهُ بِخِنْصَرِهِ، فَقُلْتُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا خَالُ، مَا تَصْنَعُ؟، فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً، وَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ ".
⦗ص: 340⦘
3290 -
وَحَدَّثَنَا بَكَّارٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ " ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
3291 -
وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ يَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً ".
⦗ص: 341⦘
3292 -
وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
3293 -
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَجْلَانِ، أَنَّ الْقَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، وَزَادَ:" فَإِنَّمَا يَتَّقِي بِالَّذِي فِيهِ الدَّاءُ، فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيُلْقِهِ "
3294 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الْقُرْدُوسِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً "
3295 -
وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا قَالَ:" إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمُرْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً ".
⦗ص: 343⦘
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ بِآثَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِوُجُوهِهَا: وَهَلْ لِلذُّبَابِ مِنَ اخْتِيَارٍ حَتَّى يُقَدِّمَ أَحَدَ جَنَاحَيْهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَيُؤَخِّرَ الْآخَرَ لِمَعْنًى فِيهِ خِلَافَ ذَلِكَ الْمَعْنَى؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عز وجل قِرَاءَةَ مُتَفَهِّمٍ لِمَا يَقْرَؤُهُ مِنْهُ لَوَجَدَ فِيهِ مَا يَدُلُّهُ عَلَى صِدْقِ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا، وَهُوَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68]{ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: 69] الْآيَةَ، وَكَانَ وَحْيُ اللهِ عز وجل إلَيْهَا هُوَ إلْهَامُهُ إيَّاهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا أَمَرَهَا بِهِ، كَمِثْلِ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ فِي الْأَرْضِ:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4]{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5] . وَوَحْيُهُ لَهَا هُوَ إلْهَامُهُ إيَّاهَا مَا شَاءَ أَنْ يُلْهِمَهَا إيَّاهُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا مَا أَرَادَ اللهُ عز وجل أَنْ يَكُونَ مِنْهَا ، وَالنَّحْلُ كَذَلِكَ فِيمَا يُوحِيهِ إلَيْهَا ; لِيَكُونَ مِنْهَا مَا قَدْ شَاءَ اللهُ عز وجل أَنْ يَكُونَ مِنْهَا. حَتَّى يَمْضِيَ فِي ذَلِكَ بِإِلْهَامِهِ إيَّاهَا لَهُ ، وَحَتَّى يَكُونَ مِنْهَا مَا أَرَادَ عز وجل أَنْ يَكُونَ مِنْهَا. فَمِثْلُ ذَلِكَ الذُّبَابُ أَلْهَمَهُ عز وجل مَا أَلْهَمَهُ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِإِتْيَانِهِ لِمَا أَرَادَهُ مِنْهُ مِنْ غَمْسِ أَحَدِ جَنَاحَيْهِ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ مِمَّا فِيهِ الدَّاءُ، وَالتَّوَقِّي بِجَنَاحِهِ الْآخَرِ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاءُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل مِمَّا
⦗ص: 344⦘
أَخْبَرَ بِهِ عَنِ النَّمْلِ: {حَتَّى إذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] . فَأَلْهَمَهَا اللهُ عز وجل مَا كَانَ مِنْهَا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِنَجَاتِهَا وَنَجَاةِ أَمْثَالِهَا مِنْ سُلَيْمَانَ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ جُنُودِهِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذُّبَابِ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ أَعْلَمَنَا اللهُ عز وجل فِي الْهُدْهُدِ مَعَ سُلَيْمَانَ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ:{إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل: 23] الْآيَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ لِإِلْهَامِ اللهِ عز وجل إيَّاهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ حَتَّى أَلْهَمَهُ مَا أَلْهَمَهُ مِمَّا أَنْطَقَهُ بِهِ. فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذُّبَابِ مِمَّا ذَكَرْنَا ، وَفِيمَا تَلَوْنَا مِمَّا فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل فِي النَّحْلِ وَفِي النَّمْلِ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ كَذَلِكَ ، وَأَنَّ اللهَ عز وجل يُلْهِمُهَا مَا شَاءَ إذَا شَاءَ حَتَّى يَكُونَ بِمَا يُلْهِمُهَا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِمِثْلِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْإِلْهَامِ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: " مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ " وَمَا فِي حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ " فَلْيَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ "
3296 -
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ رُوِّينَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ ". ثُمَّ وَجَدْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: " فَلْيَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ "
3297 -
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ قَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ ". غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ عَنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِإِضَافَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إلَى الْأَوْزَاعِيِّ.
3298 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، غَيْرَ
⦗ص: 347⦘
أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: " يَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الزَّائِدَةَ فِي حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ هَذَا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ يُونُسَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ كَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ تَفْسِيرًا لِمُرَادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَمْرِ بِالصَّدَقَةِ عِنْدَ ذَلِكَ مَا هِيَ ، وَلَمْ يَكُنِ الْأَوْزَاعِيُّ مَعَ عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِمُرَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُ بِقَوْلِهِ " فَلْيَتَصَدَّقْ " إلَّا مِنْ حَيْثُ يَنْطَلِقُ لَهُ أَنْ يَقُولَهُ، إذْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَقُولُ بِالرَّأْيِ وَلَا بِالِاسْتِخْرَاجِ ، وَلَا بِالِاسْتِنْبَاطِ، فَتَأَمَّلْنَا مَعْنَى " فَلْيَتَصَدَّقْ بِالْقِمَارِ " لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ مَا هُوَ إنْ شَاءَ اللهُ، فَوَجَدْنَا الْقِمَارَ حَرَامًا، وَوَجَدْنَا مَا يَصِيرُ إلَى مَنْ يُقَامِرُ مِنْ سَبَبِهِ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَاجِبًا عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ، أَوْ إلَى مَنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ الْقِمَارِ ، وَكَانَ الْمُتَقَامِرَانِ سَبِيلَهُمَا إذَا حَضَرَا لِمَا يُرِيدَانِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْضُرُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، إمَّا أَنْ يَقْمُرَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَقْمُرَ شَيْئًا يُضِيفُهُ إلَيْهِ، وَكَانَ وَجْهُ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا فِي ذَلِكَ هُوَ الصَّدَقَةُ لِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِيَعْصِيَ اللهَ عز وجل بِهِ فَيَصْرِفُهُ فِي الصَّدَقَةِ بِهِ الَّتِي هِيَ قُرْبَةٌ إلَى رَبِّهِ عز وجل لِيَكُونَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِمَا كَانَ حَاوَلَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيهِ مِمَّا قَدْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَعُودُ إلَيْهِ مِنْ مَالِ مَنْ قَامَرَهُ بِمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ ، وَمِمَّا حُكْمُهُ حُكْمُ الْغُلُولِ، وَاللهُ عز وجل لَا يَقْبَلُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ. كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ
3299 -
مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا:
⦗ص: 348⦘
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ ".
3300 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
⦗ص: 349⦘
فَقَالَ قَائِلٌ: وَمَا دَلِيلُكَ عَلَى مَا ذَكَرْتَ؟ ، وَإِنَّمَا فِيمَا رُوِّيتَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقِمَارِ ، وَالْقِمَارُ مَا عَادَ إلَيْهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، لَا مَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، مِمَّا عَسَى أَنْ يَعُودَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يُقَامِرُهُ بِقِمَارِهِ إيَّاهُ لَهُ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ الْأَشْيَاءَ قَدْ تُسَمَّى بِمَا قَرُبَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ بِهِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عز وجل:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَفِي سُورَةِ الطَّلَاقِ:{أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] . وَهُنَّ إذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ قَدْ بِنَّ مِمَّنْ طَلَّقَهُنَّ، وَانْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ رَجْعَةٌ ; لِأَنَّهُنَّ قَدْ صِرْنَ أَجْنَبِيَّاتٍ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] . فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ مَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ بُلُوغِ الْأَجَلِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ قُرْبُ بُلُوغِ الْأَجَلِ، لَا حَقِيقَةُ بُلُوغِ الْأَجَلِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ سَمَّوَا ابْنَ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم إمَّا إسْمَاعِيلَ
⦗ص: 350⦘
وَإِمَّا إِسْحَاقَ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا الذَّبِيحَ لِقُرْبِهِ مِنَ الذَّبْحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُبِحَ، فَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقِمَارِ الْمُرَادِ بِهِ الْقُرْبُ مِنَ الْقِمَارِ،
⦗ص: 351⦘
لَا حَقِيقَةُ الْقِمَارِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ الَّذِي قَدْ سَمَحَ أَنْ يَكُونَ مَا أَخْرَجَهُ لِيَمْلِكَهُ عَلَيْهِ بِقِمَارِهِ إيَّاهُ لَهُ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ إلَى الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ عز وجل قُرْبَةٌ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُ كَفَّارَةٌ مِمَّا كَانَ حَاوَلَهُ مِنْ عِصْيَانِ اللهِ عز وجل، وَدُخُولِهِ فِيمَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.