الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خِطَابِهِ لِأَبِي أَبِي الْأَحْوَصِ الْمُخْتَلَفِ فِي اسْمِهِ فَقَائِلٌ يَقُولُ: إنَّهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، وَقَائِلٌ يَقُولُ إنَّهُ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ مِنْ بَنِي جُشَمٍ، بِقَوْلِهِ لَهُ: " إذَا آتَاكَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ "
3041 -
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا قَشِفٌ فَقَالَ: " هَلْ لَكَ مَالٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:" مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟ " قُلْتُ: مِنْ كُلِّ الْمَالِ، مِنَ الْإِبِلِ، وَالْخَيْلِ، وَالرَّقِيقِ، وَالْغَنَمِ، قَالَ:" فَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ " ثُمَّ قَالَ: " هَلْ تُنْتِجُ إبِلُ أَهْلِكَ صِحَاحًا آذَانُهَا فَتَعْمَدُ إلَى الْمُوسَى فَتَقْطَعُ آذَانَهَا فَتَقُولَ: هَذِهِ بُحُرٌ، وَتَشُقُّهَا أَوْ تَشُقُّ جُلُودَهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ صُرُمٌ فَتُحَرِّمُهَا عَلَيْكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:" فَإِنَّ مَا آتَاكَ اللهُ عز وجل لَكَ حِلٌّ، وَسَاعِدُ اللهِ عز وجل أَشَدُّ، وَمُوسَى اللهِ عز وجل أَحَدُّ " قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: " وَسَاعِدُ اللهِ عز وجل أَسَدُّ مِنْ سَاعِدِكَ، وَمُوسَى اللهِ عز وجل أَحَدُّ مِنْ مُوسَاكَ "
3042 -
وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ،
⦗ص: 45⦘
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ أَهْدَامٌ، فَقَالَ:" أَلَكَ مَالٌ؟ " قَالَ: مِنْ كُلِّ الْمَالِ قَدْ آتَانِيَ اللهُ عز وجل، قَالَ:" فَلْيُرَ عَلَيْكَ "، ثُمَّ قَالَ:" يَا عَوْفُ بْنَ مَالِكٍ، أَلَيْسَ تُنْتِجُ إبِلُكَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ آذَانُهَا فَتَعْمَدُ إلَى بَعْضِهَا؛ فَتَشُقُّ آذَانَهَا فَتَقُولَ: هَذِهِ بُحُرٌ؟ مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ، وَتَعْمَدُ إلَى بَعْضِهَا فَتَشُقُّ آذَانَهَا فَتَقُولُ هَذِهِ صُرُمٌ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:" لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ سَاعِدَ اللهِ عز وجل أَشَدُّ مِنْ سَاعِدِكَ، وَمُوسَى اللهِ عز وجل أَحَدُّ مِنْ مُوسَاكَ، وَكُلُّ مَا آتَاكَ اللهُ، حِلٌّ فَلَا تُحَرِّمْ مِنْ مَالِكَ شَيْئًا ". قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَاطَبَ أَبَا الْأَحْوَصِ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ فِيهِ مِنْ شَقِّهِ جُلُودِ إِبِلِهِ، وَمِنْ قَطْعِهِ إيَّاهَا، وَمِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ ذَلِكَ مَا كَانَ يَقُولُ عِنْدَهُ، وَمِنْ تَحْرِيمِهِ إيَّاهَا كَذَلِكَ، وَذَلِكَ مَا لَا يَكُونُ مِنْ مُسْلِمٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ مُشْرِكٍ. وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ
3043 -
مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ أَطْمَارًا، فَقَالَ:" هَلْ لَكَ مَالٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:" مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟ " قَالَ: مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِيَ اللهُ عز وجل، مِنَ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ، قَالَ:" فَلْتُرَ نِعْمَةُ اللهِ عز وجل وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ " ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " هَلْ تُنْتِجُ إبِلُكَ وَافِيَةً آذَانُهَا؟ " قَالَ: وَهَلْ تُنْتِجُ إِلَّا كَذَلِكَ؟ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ:" فَلَعَلَّكَ تَأْخُذُ مُوسَاكَ فَتَقْطَعُ آذَانَ بَعْضِهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ بُحُرٌ، وَتَشُقُّ آذَانَ أُخَرَ وَتَقُولُ: هَذِهِ صُرُمٌ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:" فَلَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ مَا آتَاكَ اللهُ عز وجل لَكَ حِلٌّ، وَإِنَّ مُوسَى اللهِ عز وجل أَحَدُّ، وَسَاعِدَ اللهِ عز وجل أَشَدُّ ". قَالَ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاطَبَ هَذَا الرَّجُلَ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ:" إذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ " قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِأَنْ
⦗ص: 47⦘
يُرَى عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَوْلِيَاءُ اللهِ عز وجل الْمُؤْمِنُونَ بِهِ أَنْ لَا مِقْدَارَ لِلدُّنْيَا عِنْدَ اللهِ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمَا أَعْطَى مِنْهَا مِثْلَ ذَلِكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ جَزَاءٍ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ دَارَ جَزَاءٍ لَكَانَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيُقِرُّ بِتَوْحِيدِهِ بِذَلِكَ مِنْهُ أَوْلَى، وَبِهِ عَلَيْهِ مِنْهُ أَحْرَى، وَأَنَّ مَا يَجْزِيهِمْ بِتَوْحِيدِهِمْ إيَّاهُ وَعِبَادَتِهِمْ لَهُ؛ إنَّمَا يُؤْتِيهِمْ إيَّاهُ فِي دَارٍ غَيْرِ الدَّارِ الَّتِي هُمْ فِيهَا، وَهِيَ الْآخِرَةُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: 33]، أَيْ: عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] إلَى قَوْلِهِ {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35] قَالَ: إنَّ جَزَاءَهُ لِلْمُتَّقِينَ عَلَى تَقْوَاهُمْ وَعَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَكَانَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ الرَّجُلِ:" وَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ " أَيْ لِيَكُونَ يُعْلَمُ بِهِ مَا آتَاهُ اللهُ عز وجل مِمَّا قَدْ مَنَعَ مِثْلَهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ سِوَاهُ ، فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشُكْرِهِ إيَّاهُ بِمَا يَجِدُهُ مِنْهُ مِنْ دُخُولِهِ فِي الدِّينِ الَّذِي دَعَاهُ إلَيْهِ ، وَمِنْ تَمَسُّكِهِ بِمَا خَلَقَهُ لَهُ ; لِأَنَّهُ عز وجل قَالَ:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]
⦗ص: 48⦘
فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللهِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ حَرِيًّا أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا، وَيَدَّخِرَ لَهُ الْجَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ قَصَّرَ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى اللهِ عز وجل مَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ فِيهِ ، كَانَ بِذَلِكَ كَافِرًا لِنَعْمَائِهِ عَلَيْهِ، مُسْتَحِقًّا بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْهُ مَعَ كُفْرِهِ بِهِ عز وجل، وَاسْتِحْقَاقِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعُقُوبَةَ مِنْهُ، فَيَكُونُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِكُفْرِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، مُضَافًا إلَى عُقُوبَتِهِ إيَّاهُ عَلَى كُفْرِهِ وَشِرْكِهِ بِهِ، وَيَكُونُ عَلَى ذَلِكَ أَغْلَظَ عُقُوبَةً، وَأَشَدَّ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ سِوَاهُ مِنَ الْكُفَّارِ، مِمَّنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللهُ عز وجل مِثْلَ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا، فَهَذَا أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَاللهُ عز وجل أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ فِيهِ مَا هِيَ ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.