الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ تَحْرِيمِ اللهِ عز وجل الْخَمْرَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ تَخْلِيلِهِ إيَّاهَا، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُطْلِقْهُ لَهُ
.
3335 -
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:" جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي حِجْرِهِ يَتِيمٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ خَمْرٌ حِينَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَصْنَعُهَا خَلًّا؟ فَقَالَ: " لَا "، فَصَبَّهُ فِي الْوَادِي حَتَّى سَالَ "
3336 -
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ،
⦗ص: 389⦘
عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: عِنْدِي خَمْرٌ، فَقَالَ:" صُبَّهَا "، قَالَ: أَأَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: " لَا "
3337 -
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، قَالَ:" أَهْرِيقُوهَا "، قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: " لَا ".
⦗ص: 390⦘
3338 -
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
3339 -
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ يَعْنِي السُّدِّيَّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ: عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لِأَيْتَامٍ فَابْتَاعَ بِهِ خَمْرًا، فَلَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ:" لَا "
3340 -
حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ خَتَنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:" كَانَ عِنْدِي مَالٌ لِأَيْتَامٍ، فَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُهْرِيقَهَا ".
⦗ص: 391⦘
3341 -
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ الْعَصِيرُ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيُرِيدُ أَنْ يُعَالِجَهَا حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا، فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْهُ بِهَذِهِ الْآثَارِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا رَخَّصَ فِي دُرْدِيِّ الْخَمْرِ أَنْ يُعَالَجَ حَتَّى يَصِيرَ خَلًّا. كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُلْقِي الْعَصِيرَ عَلَى الدُّرْدِيِّ لِيَصِيرَ خَلًّا، قَالَ:" لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ كَانَ إنَّمَا يُرِيدُهُ لِلْخَلِّ " وَكَانَ فِي إبَاحَةِ مَالِكٍ لِعِلَاجِ الدُّرْدِيِّ ، وَالدُّرْدِيُّ لَا يَكُونُ إلَّا مِنَ الْخَمْرِ، حَتَّى تَعُودَ خَلًّا كَذَلِكَ، وَكَانَ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ عِلَاجِ الْخَمْرِ حَتَّى تَعُودَ خَلًّا أَنَّهُ يُكْرَهُ.
مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ:" أَنَّ تَاجِرًا اشْتَرَى خَمْرًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّهُ فِي دِجْلَةَ، فَقَالُوا لَهُ: أَلَا تَأْمُرُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ خَلًّا، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ". وَهَذَا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ إنَّمَا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي سَأَلَهُ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ عَصِيرٍ يَمْلِكُهُ فَعَادَ خَمْرًا ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ عَصِيرٍ اشْتَرَاهُ شِرَاءً حَرَامًا فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِذَلِكَ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَخْلِيلِهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِأَصْلِهَا. وَرَوَى أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ هَذَا.
مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: " لَا تَأْكُلْ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى
⦗ص: 393⦘
يَكُونَ اللهُ بَدَأَ فَسَادَهَا "
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أُتِيَ بِالطِّلَاءِ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يُطْبَخُ ، وَهُوَ كَعَقِيدِ الرُّبِّ، فَقَالَ:" إنَّ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ، وَلَا يُشْرَبُ خَلٌّ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَبْدَأَ اللهُ عز وجل فَسَادَهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَطِيبُ الْخَلُّ، وَلَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ يَبْتَاعُ خَلًّا وَجَدَهُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا فَسَادَهَا بَعْدَمَا عَادَتْ خَمْرًا ".
⦗ص: 395⦘
قَالَ فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مُخَالِفِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " وَلَا يُشْرَبُ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَبْدَأَ اللهُ عز وجل فَسَادَهَا " لَيْسَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ، إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، وَصَلَهُ بِكَلَامِ عُمَرَ لَمَّا أُتِيَ بِالطِّلَاءِ فَقَالَ:" إنَّ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ " وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَ لَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: افْصِلْ كَلَامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَلَامِكَ. لَمَّا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَخْلِطُهُ بِكَلَامِهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا رِوَايَةُ غَيْرِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ وَهُوَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ.
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:" لَا خَيْرَ فِي خَلٍّ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَكُونَ اللهُ عز وجل يُفْسِدُهَا، عِنْدَ ذَلِكَ يَطِيبُ الْخَلُّ، وَلَا بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَنْ يَبْتَاعَ خَلًّا وَجَدَهُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ خَمْرًا فَتَعَمَّدُوا فَسَادَهَا بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ خَمْرًا فَتَعَمَّدُوا فَسَادَهَا فَتَكُونُ خَلًّا، فَلَا خَيْرَ فِي أَكْلِ ذَلِكَ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَبَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَا أُضِيفَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ يَعْنِي إلَى عُمَرَ رضي الله عنه إنَّمَا هُوَ قَالَهُ الَّذِي قَالَهُ فِي الشَّرَابِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ فِي هَذَا الشَّرَابِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ خَاصَّةً، وَأَنَّ مَا
⦗ص: 396⦘
فِيهِ سِوَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ، لَا مِنْ كَلَامِ مَنْ سِوَاهُ. فَقَالَ الَّذِينَ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ لِلَّذِينَ أَبَاحُوهُ، وَمِمَّنْ أَبَاحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: هَلْ تَقَدَّمَكُمْ فِي قَوْلِكُمْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَكُونُ إمَامًا فِيمَا قُلْتُمُوهُ مِنْهُ؟ فَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ.
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَأْكُلُ الْمُرِّيَّ يَجْعَلُ فِيهِ الْخَمْرَ وَيَقُولُ:" ذَبَحَتْهُ الشَّمْسُ وَالْمِلْحُ ". ثُمَّ قَالُوا لَهُمْ: فَمَا مَعْنَى أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِإِهْرَاقِ خَمْرِ الْأَيْتَامِ،
⦗ص: 397⦘
وَالْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ خَلًّا ، وَالْأَيْتَامُ إذَا لَمْ يَجُزْ فِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ كَانَ فِي غَيْرِهِمْ أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ. فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ لِلْأَيْتَامِ مَالًا بَعْدَمَا حَرَّمَهَا اللهُ عز وجل، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَتْ أَنْ تَكُونَ مَالًا لَهُمْ، فَكَانُوا، وَإِنْ كَانُوا أَيْتَامًا، فِي ذَلِكَ كَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْبَالِغِينَ ، وَقَدْ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَمَا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ.
3342 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ، أَخْبَرَهُ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ، فَقَالَ:" سَأُخْبِرُكُمْ عَنِ الْخَمْرِ، إنِّي كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، فَبَيْنَا هُوَ مُحْتَبٍ حَلَّ حَبْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ شَيْءٌ فَلْيُؤْذِنِّي بِهِ ". فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: عِنْدِي رَاوِيَةٌ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: عِنْدِي رَاوِيَةٌ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: عِنْدِي زِقٌّ، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " اجْمَعُوا بِنَقِيعِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ آذِنُونِي "، فَفَعَلُوا ثُمَّ آذَنُوهُ، فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ، فَمَشَيْتُ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَيَّ، فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرٍ فَأَخَّرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَ أَبَا بَكْرٍ مَكَانِي، ثُمَّ لَحِقَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَّرَنِي وَجَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ، فَمَشَى بَيْنَهُمَا، حَتَّى إذَا وَقَفَ عَلَى الْخَمْرِ قَالَ لِلنَّاسِ: " أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ الْخَمْرُ. فَقَالَ: " صَدَقْتُمْ "، فَقَالَ: " إنَّ اللهَ عز وجل لَعَنَ الْخَمْرَ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ
⦗ص: 398⦘
إلَيْهِ، وَبَائِعَهَا، وَمُشْتَرِيَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ". ثُمَّ دَعَا بِسِكِّينٍ فَقَالَ:" اشْحِذُوهَا "، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرِقُ بِهَا الزِّقَاقَ، فَقَالَ النَّاسُ: إنَّ فِي هَذِهِ الزِّقَاقِ مَنْفَعَةً. فَقَالَ: " أَجَلْ، وَلَكِنِّي إنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ غَضَبًا لِلَّهِ عز وجل لِمَا فِيهَا مِنْ سَخَطِهِ ". فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أَكْفِيكَ، فَقَالَ:" لَا ". وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ فِي قِصَّةِ الْحَدِيثِ.
3343 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، أَنَّ أَبَا طُعْمَةَ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
⦗ص: 400⦘
3343 م- وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ الْجِيزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ السَّمْحِ اللَّخْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ بُكَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ بِآنِيَةِ الْخَمْرِ فَجَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَا وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِيَ الْيُسْرَى بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَأَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَحَوَّلَنِي عَنْ يَسَارِهِ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِيَ الْيُمْنَى بِيَدِهِ الْيُسْرَى ، وَأَخَذَ عُمَرَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَدَهُ الْيُسْرَى ، فَسِرْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَيْنَنَا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، فَسَرَّحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدِي، وَحَوَّلَ عُمَرَ عَنْ يَسَارِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَدَهُ الْيُسْرَى، فَسِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْآنِيَةَ الَّتِي جُمِعَتْ وَفِيهَا الْخَمْرُ وَالزِّقَاقُ، فَقَالَ:" ائْتُونِي بِشَفْرَةٍ أَوْ مُدْيَةٍ " فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَحْنُ نَكْفِيكَ. فَقَالَ:" شُقُّوهَا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَضَبِ اللهِ، الْخَمْرُ حَرَامٌ، لَعَنَ اللهُ شَارِبَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُشْتَرِيَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَالْقَيِّمَ عَلَيْهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ". فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَقُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الزِّقَاقَ وَلَيْسَتْ مِنَ
⦗ص: 401⦘
الْخَمْرِ فِي شَيْءٍ غَضَبًا لِلَّهِ عز وجل فِي تَأْخِيرِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ تَحْرِيمِ اللهِ عز وجل إيَّاهَا، فَعَاقَبَهُمْ بِشَقِّ زِقَاقِهِمْ ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَارِعُوا إلَى إتْلَافِ مَا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى لَا يَصِلَ أَحَدٌ إلَى الْمَنْفَعَةِ بِهِ، كَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ اللهِ عز وجل إيَّاهَا عَلَيْهِمْ، وَحِينَ لَمْ يَكُونُوا فِي ذَلِكَ كَمَا كَانَتِ الْمَشْيَخَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأُبَيٍّ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَكَسُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ أَمَرُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمْ يَشْرَبُونَ مَا كَانُوا يَشْرَبُونَهُ يَوْمَئِذٍ، وَأَنَسٌ سَاقِيهِمْ، إذْ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَا هَلْ شَعَرْتُمْ أَنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ؟ فَقَالُوا: اكْفَأْ مَا فِي إنَائِكَ يَا أَنَسُ. قَالَ أَنَسٌ: " فَمَا عَادُوا إلَيْهَا حَتَّى لَقُوا اللهَ عز وجل، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ ". وَكَانَ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَهُمْ، فَعُوقِبُوا بِتَخَلُّفِهِمْ عَنْ ذَلِكَ بِشَقِّ زِقَاقِهِمْ وَإِتْلَافِهَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْعِهِمْ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَتِ الْعُقُوبَاتُ عَلَى الذُّنُوبِ تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ:" فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ اللهِ عز وجل ". وَكَمَا قَالَ فِي سَارِقِ الْحَرِيسَةِ
⦗ص: 402⦘
مِنَ الْجَبَلِ: " عَلَيْهِمْ مِثْلُ غُرْمِ مِثْلَيْهَا، وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ ". وَكَمَا قَالَ بَعْدَ
⦗ص: 403⦘
تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ: " مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَصِيدُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَخُذُوا سَلَبَهُ ". وَقَدْ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَانَ بَاقِيًا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِيهِ
كَمَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ابْنُ بِلَالٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو فَيَنْظُرُ إلَى الْأَسْوَاقِ، فَإِذَا رَأَى اللَّبَنَ أَمَرَ بِالْأَسْقِيَةِ فَفُتِحَتْ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْهَا شَيْئًا
⦗ص: 405⦘
مَغْشُوشًا قَدْ جُعِلَ فِيهِ مَاءً غُشَّ بِهِ أَهْرَاقَهَا ". قَالَ: وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّبَنَ وَإِنْ غُشَّ فَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُهُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يُهْرِقْهُ إلَّا خَوْفًا مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَغُشُّوا بِهِ النَّاسَ فَأَهْرَاقَهُ لِذَلِكَ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَنْعُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْخَمْرَ خَلًّا لِمِثْلِ ذَلِكَ؛ خَوْفَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا فَيَأْتِيَ مِنْهَا مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَمَرَهُ بِإِهْرَاقِهَا لِذَلِكَ. وَقَدْ شَدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الزِّقَاقِ الَّتِي خَرَقَهَا ، وَقَدْ رَأَى زِقَاقًا غَيْرَهَا ، وَفِيهَا خَمْرٌ، فَلَمْ يَخْرِقْهَا إذْ كَانَ أَهْلُهَا لَمْ يَفْعَلُوا فِيهَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلَهُ أَهْلُ تِلْكَ فِيهَا
3344 -
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
⦗ص: 406⦘
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" إنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ عز وجل قَدْ حَرَّمَهَا؟ "، فَقَالَ: لَا. فَسَارَّ إنْسَانًا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بِمَ سَارَرْتَهُ؟ "، قَالَ: أَمَرْتُهُ، أَوْ فَقَالَ: أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا. فَقَالَ: " إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا ". قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا ".
3345 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
⦗ص: 407⦘
أَفَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَخْرِقِ الرَّاوِيَةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْخَمْرُ كَمَا خَرَقَ الزِّقَاقَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْخَمْرُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ التَّخْرِيقَ إنَّمَا كَانَ لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ غَضَبًا عَلَى مَنْ غَيَّبَهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهَا، فَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَنْ غَيَّبَهَا مِمَّنْ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَخْلِيلِهَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُ لَا ; لِأَنَّهَا لَوْ خُلِّلَتْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الَّذِي يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ؟ قِيلَ لَهُ: الْقِيَاسُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ طَلْقًا ; لِأَنَّا رَأَيْنَا الْعَصِيرَ الْحَلَالَ إذَا صَارَ خَمْرًا مِنْ نَفْسِهِ ، أَوْ صَارَ خَمْرًا بِعِلَاجٍ مِنْ غَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَنَّهَا حَرَامٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا ، وَلَمْ تَفْتَرِقْ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ ذَاتِهَا ، وَلَا مِمَّا كَانَ فَعْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ذَلِكَ بِهَا، وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ خَمْرًا ثُمَّ انْقَلَبَتْ خَلًّا أَنْ يَسْتَوِيَ ذَلِكَ فِيهَا، وَأَنْ يَكُونَ مِنَ انْقِلَابِهَا بِذَاتِهَا، وَانْقِلَابِهَا بِفِعْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَيَكُونُ حُدُوثُ صِفَةِ الْخَلِّ فِيهَا يُوجِبُ لَهَا حُكْمَ الْخَلِّ، فَيَعُودُ إلَى حِلِّهِ، وَيَزُولُ عَنْ حُكْمِ الْخَمْرِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي حُرْمَتِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا دِبَاغُ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ يَسْتَوِي عِلَاجُهَا وَهِيَ حَرَامٌ حَتَّى تَعُودَ حَلَالًا، كَمَا تَعُودُ حَلَالًا لَوْ تُرِكَتْ حَتَّى تَجِفَّ فِي الشَّمْسِ، وَتَسْفِيَ عَلَيْهَا الرِّيَاحُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِذَهَابِ وَضَرِ الْمَيْتَةِ عَنْهَا ، وَإِعَادَةً لَهَا إلَى حُكْمِ الْأُهُبِ الَّتِي مِنَ الْمُذَكَّى مِنْ أَجْنَاسِهَا ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.