الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ
3204 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ الْجَهْمِ الْعَبْدِيُّ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عِنْدَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَجُلًا تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَضَّهُ أُبَيٌّ وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَنَظَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ:" كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمُوهُ؟ "، فَقَالَ أُبَيٌّ:" لَا أَهَابُ أَحَدًا فِي هَذَا أَبَدًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا "
3205 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ وَهُوَ ابْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُتَيٍّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَدْعُو بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِّ أَبِيهِ، وَلَا تَكْنُوا ". قَالَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ سَمِعَ يَدْعُو بِدُعَاءِ
⦗ص: 234⦘
الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَمَرَ بِهِ فِيهِ. فَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْهُ.
3206 -
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ ". قَالَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَذَاءَ فِي النَّارِ ، وَمَعْنَى الْبَذَاءِ فِي النَّارِ هُوَ: أَهْلُ الْبَذَاءِ فِي النَّارِ ; لِأَنَّ الْبَذَاءَ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِذِكْرِهِ مَنْ هُوَ فِيهِ.
⦗ص: 235⦘
فَكَانَ جَوَابُنَا فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ الْبَذَاءَ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خِلَافُ الْبَذَاءِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْبَذَاءُ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُبْذَأَ عَلَيْهِ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ الْبَذَاءُ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ الْبَذَاءُ فِيهِ، وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِمَنْ كَانَتْ مِنْهُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ; لِأَنَّهُ يَدْعُو بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ: يَا لَبَكْرٍ، يَا لَتَمِيمٍ، يَا لَهَمْدَانَ، فَمَنْ دَعَا كَذَلِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْعُقُوبَةِ. وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُقُوبَتَهُ أَنْ يُقَابَلَ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، لِيَكُونَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَبِالَّذِي دَعَا إلَيْهِ ، وَلِيَنْتَهِيَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ، فَلَا يَعُودُونَ إلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ
3207 -
كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُتَيِّ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: شَهِدْتُهُ يَوْمًا، يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَإِذَا رَجُلٌ يَتَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعَضَّهُ بِكَذَا أَبِيهِ، وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَكَأَنَّ الْقَوْمَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ:" لَا تَلُومُونِي، فَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَنَا: " مَنْ رَأَيْتُمُوهُ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا ".
⦗ص: 236⦘
وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ ; لِأَنَّ مَعْنَى مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عَزَاءِ نَفْسِهِ إلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ: إضَافَتِهَا إلَيْهِمْ. فَقَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِّيتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ هَذَا الْمَعْنَى.
3208 -
فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ.
3209 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الصُّوفِيُّ
3210 -
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالُوا جَمِيعًا: عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا
⦗ص: 237⦘
مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ". قَالَ هَذَا الْقَائِلُ: فَلَوْ كَانَ مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كَمَا رُوِّيتُمُوهُ لَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْقَوْلَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِمَنْ دَعَا بِمَا دَعَا بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ مَا فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِأَهْلِ الْهِجْرَةِ إلَى اللهِ، وَإِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَهْلِ النُّصْرَةِ لِلَّهِ عز وجل وَلِرَسُولِهِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَالدُّعَاءِ إلَى رَجُلٍ جَاهِلِيٍّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، كَافِرٍ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، فَجَاءَ فِيمَنْ دَعَا إلَى الْجَاهِلِيِّ
⦗ص: 238⦘
مَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِيمَنْ دَعَا إلَى مُهَاجِرٍ إلَى اللهِ عز وجل وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَإِلَى نَاصِرٍ لِلَّهِ عز وجل وَلِرَسُولِهِ. فَإِنْ قَالَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: " مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ". قِيلَ لَهُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَقَوْلَ صَاحِبِهِ: يَا لِلْأَنْصَارِ شَبِيهٌ بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: يَا لِفُلَانٍ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ الْقَوْلَ مِمَّنْ قَالَهُ؛ إذْ كَانَ اللهُ عز وجل وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَوْجَبَا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ النُّصْرَةَ لَهُمْ، وَدَفْعَ الْأَذَى وَالظُّلْمِ وَالْمَكْرُوهِ عَنْهُمْ. وَتَقَدَّمَ الْوَعِيدُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ تَرَكَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي مَرَّ بِمَظْلُومٍ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا. فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ عز وجل وَنِعْمَتِهِ اسْتِوَاءُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ ، وَانْتِفَاءُ التَّضَادِّ عَنْهُ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.