الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِمَّا نُحِيطُ بِهِ عِلْمًا أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُرَادِ بِقَوْلِ اللهِ عز وجل:{مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [
الأحزاب: 4]
3371 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، وَرَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْقَطَّانُ، جَمِيعًا قَالَا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ عز وجل: {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]، مَا عَنَى بِذَلِكَ؟ فَقَالَ:" كَانَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يُصَلِّي، فَخَطَرَ خَطْرَةً، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ: أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ، قَلْبًا مَعَكُمْ ، وَقَلْبًا مَعَهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] ".
⦗ص: 446⦘
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إنْزَالَ اللهِ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم رَدًّا عَلَى الْمُنَافِقِينَ مَا كَانُوا قَالُوهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَنَفَى الله عز وجل ذَلِكَ عَنْهُ ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَعَنِ الْحَسَنِ فِي تَأْوِيلِهَا خِلَافُ هَذَا التَّأْوِيلِ.
3372 -
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ:{مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ: إنَّ فِي جَوْفِي قَلْبَيْنِ، أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَبَ "
3373 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: " كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو قَلْبَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]
3374 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:" كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ: أَمَرَتْنِي نَفْسِي بِكَذَا، وَأَمَرَتْنِي نَفْسِي بِكَذَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهَا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ دَخَلَ فِي الْمُسْنَدِ بِرَدِّ رُوَاتِهِ إيَّاهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] الْآيَةَ
3375 -
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْقِذٍ جَمِيعًا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ إلَى الْيَمَنِ فَكُنْتُ فِيهِمْ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: " أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ، فَيَأْتِي السَّهْمُ بِرِمَايَةٍ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] "
3376 -
وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَهُمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتِي السَّهْمُ بِرِمَايَةٍ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} [النساء: 97] إلَى آخِرِ الْآيَةِ "
3377 -
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا، وَكَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ، بَعْضُهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: قَدْ كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ وَأُكْرِهُوا، فَاسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] إلَى آخِرِ الْآيَةِ ". فَقَالَ قَائِلٌ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل الَّذِي وَصَلَهُ بِمَا تَلَوْتَهُ عَلَيْنَا مِنْ
⦗ص: 451⦘
قَوْلِهِ عز وجل فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 99] . وَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذُنُوبٌ فَيُعْفَى لَهُمْ عَنْهَا ، وَالْعَفْوُ فَإِنَّمَا يَكُونُ عَنْ مُسْتَحَقِّي الْعُقُوبَاتِ بِذُنُوبِهِمْ ، وَهَؤُلَاءِ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ فِيمَا ذُكِرُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَسْتَحِقُّونَ الْعُقُوبَاتِ عَلَيْهَا. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ الْعَفْوَ عَفْوَانِ: فَعَفْوٌ مِنْهُمَا هُوَ الْعَفْوُ الَّذِي ذُكِرَ، وَعَفْوٌ مِنْهُمَا هُوَ رَفْعُ الْعِبَادَةِ فِيمَا يُرْفَعُ فِيهِ فَيُعَادُ لَا عِبَادَةَ فِيهِ، يَجِبُ بِالْقِيَامِ بِهَا الثَّوَابُ، وَيَسْتَحِقُّ بِالتَّرْكِ لَهَا الْعِقَابَ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ". لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ شَيْئًا قَدْ كَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَعَفَا لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، وَلَكِنَّهُ عَلَى التَّرْكِ لَهُمْ إيَّاهُمْ بِلَا حَقٍّ عَلَيْهِمْ فِيهِمْ، وَلَا عِبَادَةٍ تَعَبَّدُوا بِهَا فِيهِمْ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ:" كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَدَعُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا، فَلَمَّا بَعَثَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَمَا حَرَّمَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا أَحَلَّ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ ". فَكَانَ مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: " وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ " لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ الْعَفْوَ عَنْ عُقُوبَاتِ ذُنُوبٍ كَانَتْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ بِهِ تَرْكَ مَا عُفِيَ لَهُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِلَا عِبَادَةٍ تَعَبَّدَهُمْ بِهَا يُوجِبُ إتْيَانُهُمْ بِهَا لَهُمُ الثَّوَابَ، وَيُوجِبُ تَرْكُهُمُ الْإِتْيَانَ بِهَا عَلَيْهِمُ الْعِقَابَ.
⦗ص: 452⦘
فَمِثْلُ ذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ، عَفْوُهُ عز وجل الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا بِقَوْلِهِ:{فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 99] . وَقَوْلُهُ: {عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 99] ، هُوَ عَلَى إيجَابِهِ الْعَفْوَ مِنْهُ لَهُمْ، إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الْمَقَامِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ حِيلَةٌ فِي التَّحَوُّلِ عَنْهُ ، وَفِي الِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى ضِدِّهِ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَحْمُودَةِ، فَرَفَعَ اللهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَتَعَبَّدْهُمْ فِيهِ بِمَا تَعَبَّدَ بِهِ مَنْ سِوَاهُمْ فِيهِ، مِنْ قَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم:" أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا ". وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا. وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي وَعِيدٍ غَلِيظٍ، فَرَفَعَ اللهُ مِثْلَهُ عَنِ الْمُقِيمِينَ فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ بِلَا اسْتِطَاعَةٍ مِنْهُمُ الْهَرَبَ عَنْهَا وَالتَّحَوُّلَ مِنْهَا إلَى الْأَمْكِنَةِ الْمَحْمُودَةِ، وَرَفَعَ عَنْهُمُ التَّعَبُّدَ فِي ذَلِكَ بِهَذَا ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ فِي ذَلِكَ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِيهِ مِنْ قِرَاءَاتِهِمْ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} [سبأ: 15] هَلْ هُوَ مِمَّا يَدْخُلُهُ الْإِعْرَابُ فَيَكُونُ كَمَا قَرَأَهُ مَنْ قَرَأَهُ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ} [سبأ: 15] أَوْ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ دُخُولِ الْإِعْرَابِ إيَّاهُ، فَيَكُونُ كَمَا قَرَأَهُ مَنْ قَرَأَهُ:(لَقَدْ كَانَ لِسَبَأَ فِي مَسْكِنِهِمْ)
3378 -
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَبَأَ مَا هُوَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " هُوَ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَ قَبَائِلَ، فَسَكَنَ الْيَمَنَ سِتَّةٌ وَالشَّامَ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ: فَمَذْحِجُ، وَكِنْدَةُ، وَالْأَزْدُ، وَالْأَشْعَرُونَ، وَأَنْمَارُ،
⦗ص: 454⦘
وَحِمْيَرُ، عَرَبًا كُلَّهَا، وَأَمَّا الشَّامِيُّونَ: فَلَخْمُ، وَجُذَامُ، وَعَامِلَةُ، وَغَسَّانُ "
3379 -
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ هِشَامٍ الْخَزَّازُ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ النَّخَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَفْرَةَ النَّخَعِيُّ، هَكَذَا هِيَ فِي كِتَابِي، وَهَكَذَا حَفِظْتُهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: هُوَ أَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ، هَكَذَا حُدِّثَنَاهُ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ يَقُولُونَ الْغُطَيْفِيُّ، وَهُوَ حَيٌّ مِنْ مُرَادٍ، قَالَ: " أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ
⦗ص: 455⦘
مِنْهُمْ؟ قَالَ: " بَلَى "، ثُمَّ بَدَا لِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا بَلْ أَهْلُ سَبَأَ؛ فَهُمْ أَعَزُّ وَأَشَدُّ قُوَّةً، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَذِنَ لِي فِي قِتَالِ سَبَأَ، وَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ أَنْزَلَ اللهُ عز وجل فِي سَبَأَ مَا أَنْزَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا فَعَلَ الْغَطَفَانِيُّ؟ " فَأَرْسَلَ إلَى مَنْزِلِي، فَوَجَدَنِي قَدْ سِرْتُ، فَرَدَّنِي، فَلَمَّا أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ قَالَ:" ادْعُ الْقَوْمَ، فَمَنْ أَجَابَكَ مِنْهُمْ فَاقْبَلْ، وَمَنْ لَمْ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِ حَتَّى تُحْدِثَ إلَيَّ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا سَبَأُ؟ أَأَرْضٌ هِيَ أَوِ امْرَأَةٌ؟ قَالَ:" لَيْسَتْ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَّا سِتَّةٌ فَتَيَامَنُوا ، وَأَمَّا أَرْبَعَةٌ فَتَشَاءَمُوا ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا فَلَخْمٌ، وَجُذَامُ، وَغَسَّانُ، وَعَامِلَةُ. وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا فَالْأَزْدُ، وَكِنْدَةُ، وَحِمْيَرُ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ، وَأَنْمَارٌ، وَمَذْحِجٌ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا أَنْمَارٌ؟ قَالَ:" هُمُ الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ ".
⦗ص: 456⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَمَّا تَأَمَّلْنَا ذَلِكَ وَجَدْنَا فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ: " لَا، بَلْ أَهْلُ سَبَإٍ "، فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَبَإٍ أَرْضٌ فِيهَا الْمُنْتَسِبُونَ إلَى سَبَإٍ. وَوَجَدْنَا مَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ فِي كِتَابِهِ فِي حِكَايَتِهِ عَنِ الْهُدْهُدِ فِي قَوْلِهِ لِسُلَيْمَانَ صلى الله عليه وسلم:{وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22]{إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} [النمل: 23] . فَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا قَدْ وَكَّدَ أَنَّهُمْ سُكَّانُ أَرْضٍ تُدْعَى سَبَأً ، وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ سَبَأً كَمَا سُمِّيَتِ الْقَبَائِلُ فِي الْبُلْدَانِ فَقِيلَ هَمْدَانُ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي نَزَلَتْهَا هَمْدَانُ ، وَقِيلَ مُرَادٌ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي نَزَلَتْهَا مُرَادٌ ، وَقِيلَ حِمْيَرُ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي نَزَلَتْهَا حِمْيَرُ، فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ سَبَأٌ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي نَزَلَهَا مَنْ يَرْجِعُ بِنَسَبِهِ إلَى سَبَإٍ، فَإِنْ كَانَ الِاسْمُ لِلْأَرْضِ وَجَبَ أَنْ لَا يُجْرَى وَإِنْ كَانَ لِسُكَّانِهَا ; لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِأَنْسَابِهِمْ إلَى سَبَإٍ الرَّجُلِ الَّذِي وَلَدَهُمْ، فَهُمْ قَبِيلَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْرَى، فَعَادَ الِاخْتِيَارُ إلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا:(لَقَدْ كَانَ لِسَبَأَ)، لَا إلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} [سبأ: 15] . ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ قَرَأَهَا بِإِجْرَاءِ الْإِعْرَابِ فِيهَا وَمَنْ قَرَأَهَا بِتَرْكِ إجْرَاءِ الْإِعْرَابِ فِيهَا مَنْ هُمْ. فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ
⦗ص: 457⦘
هِشَامٍ قَالَ: " قَرَأَ الْأَعْمَشُ: {مِنْ سَبَإٍ} [النمل: 22] بِخَفْضِ سَبَإٍ وَتَنْوِينِهِ، وَعَاصِمٌ كَمِثْلٍ، وَحَمْزَةُ كَمِثْلٍ، وَنَافِعٌ كَمِثْلٍ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ كَمِثْلٍ " وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَفَّافُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ:{مِنْ سَبَإٍ} [النمل: 22] كَمِثْلٍ، وَيَجْعَلُهُ رَجُلًا، قَالَ: وَابْنُ كَثِيرٍ يَقْرَأُ: (مِنْ سَبَأَ) بِنَصْبٍ، وَأَبُو عَمْرٍو كَمِثْلٍ " وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَفَّافُ، عَنْ إسْمَاعِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ كَمِثْلٍ، وَيَجْعَلُهَا أَرْضًا " وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَفَّافُ، يَعْنِي عَنْ هَارُونَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ لَا يَصْرِفُهُ كَمِثْلٍ. وَوَجَدْنَا وَلَّادًا النَّحْوِيَّ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَصَادِرِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ:(لَقَدْ كَانَ لِسَبَأَ فِي مَسَاكِنِهِمْ) . فَمَنْ نَوَّنَ جَعَلَهُ أَبًا لِلْقَبِيلَةِ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ جَعَلَهَا أَرْضًا.
⦗ص: 458⦘
وَوَجَدْنَا الْفَرَّاءَ قَدْ ذَكَرَ عَنِ الرُّؤَاسِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ: كَيْفَ لَمْ تَجُرَّ سَبَأَ؟ قَالَ: لَسْتُ أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ ذَهَبَ مَذْهَبًا إذْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ. وَذَكَرَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا سَمَّتْ بِالِاسْمِ الْمَجْهُولِ تَرَكُوا إجْرَاءَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ ذَهَبَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَا قَدْ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا قَدْ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَفَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْغَطَفَانِيُّ، فَأَمَّا الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا فِي الْقِرَاءَةِ فِي هَذَا فَهُوَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَمَنْ وَافَقَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مُوَافَقَتَهُ إيَّاهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ عَادَ إلَى أَنْ صَارَ قَبِيلَةً، كَمَا قِيلَ ثَمُودُ وَهُوَ رَجُلٌ فَلَمْ يُجَرَّ، وَرُدَّ إلَى الْقَبِيلَةِ، فَمِثْلُ ذَلِكَ سَبَأٌ لَمَّا رُدَّ إلَى الْقَبِيلَةِ كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي انْتِفَاءِ الْجَرِّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ يَذْهَبُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَهُ لَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْهُ ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ