الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحِينِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ تَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
3350 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ قَالَا حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى النَّسَائِيُّ أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ غَيْلَانَ أَبُو مَعْبَدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ:" إذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ ". قِيلَ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " إذَا ظَهَرَ الْإِدْهَانُ فِي خِيَارِكُمْ، وَالْفَاحِشَةُ فِي شِرَارِكُمْ، وَتَحَوَّلَ الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ، وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ ".
⦗ص: 418⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَبَدَأْنَا مِنْهُ بِطَلَبِ مُرَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ فِينَا مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ مَا ذَلِكَ الَّذِي كَانَ ظَهَرَ فِيهِمْ؟ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ هُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى مِنْ صَاحِبِهِ الْخَطِيئَةَ فَيَنْهَاهُ تَعْذِيرًا، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَالَسَهُ وَوَاكَلَهُ وَشَارَبَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى خَطِيئَتِهِ بِالْأَمْسِ، فَلَمَّا رَأَى اللهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُدَ، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى لِسَانِ السَّفِيهِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ عز وجل قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى
⦗ص: 419⦘
قُلُوبِ بَعْضٍ، وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ " فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يَكُونُ أَهْلُهُ مَلْعُونِينَ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، الَّذِي يَكُونُ لَا مَعْنَى لِأَمْرِهِمْ بِمَعْرُوفٍ وَلَا لِنَهْيِهِمْ عَنْ مُنْكَرٍ، ثُمَّ ثَنَّيْنَا بِالْإِدْهَانِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا هُوَ فَوَجَدْنَا الْإِدْهَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّلَيُّنُ لِمَنْ لَا يَنْبَغِي التَّلَيُّنُ لَهُ، كَذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ. قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] أَيْ: تَلِينُ لَهُمْ فَيَلِينُونَ لَكَ. فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ إِدْهَانِ الْأَشْرَارِ الْخِيَارَ هُوَ التَّلَيُّنُ لَهُمْ ; لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى. ثُمَّ ثَلَّثْنَا بِطَلَبِ مُرَادِهِ صلى الله عليه وسلم بِتَحْوِيلِ الْمُلْكِ فِي الصِّغَارِ مَا هُوَ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، الْمُلْكَ الَّذِي إلَى أَهْلِهِ أُمُورُ الْإِسْلَامِ، مِنْ إقَامَةِ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَجِهَادِ الْعَدُوِّ، وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي إلَى الْأَئِمَّةِ، وَالَّتِي تَرْجِعُ الْعَامَّةُ فِيهَا إلَى مَا عَلَيْهِ أَئِمَّتُهُمْ فِيهَا، فَيَكُونُونَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مُقْتَدِينَ، وَلِآثَارِهِمْ فِيهِ مُتَّبِعِينَ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا الْقِيَامُ بِهِ مِنَ الْكِبَارِ مَوْجُودٌ ، وَمِنَ الصِّغَارِ مَعْدُومٌ. ثُمَّ رَبَّعْنَا بِطَلَبِ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " وَالْفِقْهُ فِي أَرَاذِلِكُمْ " فَكَانَ وَجْهُهُ
⦗ص: 420⦘
عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنَّ الْفِقْهَ الَّذِي أَرَادَهُ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ هُوَ الْفِقْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ.
3351 -
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا ".
⦗ص: 421⦘
3352 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ.
3353 -
وَكَمَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِقًا لِذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ: فَأَعْلَمَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ خِيَارَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا ، وَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ هُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ بِالْأَنْسَابِ، فَإِذَا فَقِهُوا فِي الْإِسْلَامِ كَانُوا خِيَارَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَفْقَهُوا فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ ، وَكَانَ مَنْ
⦗ص: 422⦘
فَقِهَ سِوَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ مِنَ النَّسَبِ مَا لَهُمْ، يَعْلُونَ بِذَلِكَ وَيَكُونُونَ بِذَلِكَ لَاحِقِينَ بِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَزِمَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِهِ سِوَاهُمْ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ رِفْعَةٌ لَهُمْ إلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ ، وَإِلَى مَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ ، وَكَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَضِيلَةٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْآخَرِينَ ; لِأَنَّ الَّذِي شَرُفَ بِهِ الْآخَرُونَ لَمْ يَكُنْ بِاكْتِسَابٍ لَهُمْ إيَّاهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ نِعْمَةً مِنَ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَالَّذِي كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ فَكَانَ بِاكْتِسَابِهِمْ إيَّاهُ، وَبِطَلَبِهِمْ لَهُ، وَبِنَصِيبِهِمْ فِيهِ ، وَمِثْلُ هَذَا فَلَا خَفَاءَ بِالْمُرَادِ بِهِ عَلَى سَامِعِهِ ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.