الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ نَزَلَتْ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [
الأنفال: 68]
3309 -
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، يَعْنِي فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرُ، مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةُ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى الله عز وجل أَنْ يَهْدِيَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ "، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيَّ اللهِ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ، نَسِيبٍ لِعُمَرَ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ، وَصَنَادِيدُهَا، وَقَادَتُهَا. فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ:
⦗ص: 360⦘
يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنَ الْفِدَاءِ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ "، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا، وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 68] . فَأَحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ ".
⦗ص: 361⦘
فَقَالَ قَائِلٌ: لَيْسَ فِيمَا رُوِّيتُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا شَيْئًا ، وَإِنَّمَا فِيهِ مَشُورَةُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ لَا غَيْرَ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَانُوا أَخَذُوا شَيْئًا مِنَ الْغَنَائِمِ قَبْلَ إنْزَالِ اللهِ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ.
3310 -
كَمَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:" لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ تَعَجَّلَ النَّاسُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابُوا مِنَ الْغَنَائِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ، كَانَ النَّبِيُّ، يَعْنِي مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، إذَا غَنِمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمَعُوا غَنَائِمَهُمْ، فَتَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ تَأْكُلُهَا ". فَأَنْزَلَ اللهُ:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] ".
⦗ص: 362⦘
3311 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ
3312 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:" لَمْ تَحِلَّ الْغَنِيمَةُ لِأَحَدٍ أَسْوَدِ الرَّأْسِ قَبْلَنَا، كَانَتِ الْغَنِيمَةُ تَنْزِلُ النَّارُ فَتَأْكُلُهَا، فَنَزَلَتْ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] " قَالَ: " سَبَقَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ ".
⦗ص: 363⦘
فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي كَانَ مِنَ اللهِ عز وجل فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ لِأَخْذِهِمْ مَا أَخَذُوا مِنَ الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمْ، لَا مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَذَا عِنْدَنَا أَشْبَهُ بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ الَّذِي فِيهَا هُوَ قَوْلُهُ عز وجل:{لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] . فَأَثْبَتَ أَخْذًا مُتَقَدِّمًا، فَعَلَيْهِ كَانَ الْوَعِيدُ، لَا عَلَى مَا سِوَاهُ مِمَّا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِّينَا. وَفِي هَذَا مَعْنًى يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ ، وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَالْحَذَرُ مِنَ اللهِ فِي التَّقَدُّمِ لِأَمْرِهِ ; لِأَنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَوْ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" مَا يُدْرِيكَ أَنْ يَكُونَ اللهُ عز وجل اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ". فَإِذَا جَازَ مَعَ هَذِهِ الرُّتْبَةِ أَنْ يَلْحَقَهُمُ الْوَعِيدُ كَانَ لِمَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ هُوَ دُونَ رُتْبَتِهِمْ أَلْحَقَ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ عز وجل: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] ، فَإِنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ السَّابِقِ مَا هُوَ؟ فَرُوِيَ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَمِيعًا قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
⦗ص: 364⦘
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] قَالَ: " سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ عز وجل الرَّحْمَةُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِالْمَعْصِيَةِ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا وَجْهٌ مِمَّا قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ
مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] قَالَ: " إنَّ اللهَ عز وجل كَانَ مُطْعِمَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْغَنَائِمَ ، وَإِنَّهُمْ أَخَذُوا الْفِدَاءَ مِنَ الْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ، فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَعَابَهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَحَلَّهُ لَهُمْ، وَجَعَلَهُ غَنِيمَةً "
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] الْآيَةَ، قَالَ: " إنَّ اللهَ عز وجل كَانَ مُطْعِمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْغَنِيمَةَ، فَفَعَلُوا الَّذِي فَعَلُوا
⦗ص: 365⦘
قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهُمُ الْغَنِيمَةُ ". حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: " سَبَقَ أَنْ أَحَلَّ الْغَنَائِمَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ". قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: " سَبَقَ مِنَ اللهِ عز وجل أَنْ لَا يُعَذِّبَ قَوْمًا إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِهِ إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِيهَا ". وَقَدْ قِيلَ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ
مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] قَالَ: " الْمَغْفِرَةُ لِأَهْلِ بَدْرٍ ". وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ لِمَا تُؤَوَّلُ مَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهَا مِمَّا ذَكَرْنَا ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.