الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّفَرِ الْخَثْعَمِيِّينَ الَّذِينَ كَانَ بَعَثَ إلَيْهِمْ خَالِدًا، وَمِنْ قَتْلِهِ إيَّاهُمْ بَعْدَ اعْتِصَامِهِمْ بِالسُّجُودِ
3233 -
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ:" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إلَى أُنَاسٍ مِنْ خَثْعَمَ، فَاعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَقَتَلَهُمْ، فَوَدَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنِصْفِ الدِّيَةِ، ثُمَّ قَالَ: " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا ". فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ ارْتَفَعَ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَا كَانَ مِنْهُ فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ عَلَى سُجُودِهِمْ، وَوُجُوبِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ بِذَلِكَ.
⦗ص: 275⦘
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ: أَنَّ السُّجُودَ غَيْرُ مَوْقُوفٍ بِهِ عَلَى حَقِيقَةِ مَنْ يَكُونُ مِنْهُ مِمَّنْ لَمْ يُعْلَمْ إسْلَامُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلَّهِ عز وجل فَيَكُونُ إسْلَامًا لِفَاعِلِهِ ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى التَّعْظِيمِ لِلرَّئِيسِ فَلَا يَكُونُ إسْلَامًا لِفَاعِلِهِ، بَلْ يَكُونُ مَقْتًا لَهُ وَلِلْمَفْعُولِ لَهُ إنْ رَضِيَهُ مِنْ فَاعِلِهِ، فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ كَمَا ذَكَرْنَا وَمُحْتَمِلًا مَا وَصَفْنَا، دَخَلَ ذَلِكَ مِنْ خَالِدٍ فِيمَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ فِيهِ حُجَّةٌ فِي قَتْلِهِ مَنْ قَدْ يَكُونُ لَهُ قَتْلُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ الِاسْتِثْبَاتُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمَ إرَادَةَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ بِسُجُودِهِمْ مَا هُوَ، هَلْ هُوَ الْإِسْلَامُ أَوْ غَيْرُهُ؟ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَدَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا وَدَاهُمْ بِهِ، تَطَوُّعًا مِنْهُ بِذَلِكَ، وَتَفَضُّلًا مِنْهُ بِهِ، وَجَزَاءً مِنْهُ لِغَيْرِهِمْ إلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:" إنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا "، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ جَمِيعًا يَقُولُونَ فِي هَذَا الْحَرْفِ: لَا تَرَاءَى
⦗ص: 276⦘
نَارَاهُمَا، وَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْكُنَ بِلَادَ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ مَعَهُمْ بِقَدْرِ مَا يَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَارَ صَاحِبِهِ ، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: دَارِي تَنْظُرُ إلَى دَارِ فُلَانٍ، وَدُورُنَا تُنَاظِرُ. وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا " يُرِيدُ نَارَ الْحَرْبِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ} [المائدة: 64] فَنَارُهُمَا مُخْتَلِفَتَانِ، هَذِهِ تَدْعُو إلَى اللهِ، وَهَذِهِ تَدْعُو إلَى الشَّيْطَانِ، فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَاكِنًا مَعَ أَهْلِ الْأُخْرَى فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.