الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَزِمَتْ مَنْ لَمْ يُصَلِّهَا، أَوْ صَلَّاهَا وَهِيَ مِمَّا تُعَادُ (وَبِبَيْتِهِ يُتِمُّهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَحْرَمَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فَلَا يَقْطَعُ وَلْيَتَمَادَ.
ابْنُ يُونُسَ: إذْ لَيْسَ بِصَلَاتَيْنِ مَعًا وَقَدْ قَالَ - سُبْحَانَهُ -: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] .
[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ]
ابْنُ شَاسٍ: الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ (وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَاءٍ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا) الْمَازِرِيُّ: الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى مُؤْتَمًّا بِكَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِكُفْرِهِ كَالْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَلَمْ يُعْذَرْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلٍ فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَتَرَدَّدَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الزِّنْدِيقِ (أَوْ امْرَأَةً) الْمَازِرِيُّ: لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ مَنْ صَلَّى وَرَاءَهَا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ.
قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ (أَوْ خُنْثَى) سَحْنُونَ: يُعِيدُ أَبَدًا مَنْ صَلَّى خَلْفَ خُنْثَى مَحْكُومٍ لَهُ بِحُكْمِ النِّسَاءِ وَلَوْ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الرِّجَالِ لَمْ يُعِدْ.
ابْنُ عَرَفَةَ: فَالْمُشْكِلُ مُشْكِلٌ.
قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: كَالْمَرْأَةِ وَلِذَا لَمْ يَرِثْ فِي الْوَلَاءِ شَيْئًا (أَوْ مَجْنُونًا) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَؤُمُّ الْمَعْتُوهُ.
سَحْنُونَ: وَيُعِيدُ مَأْمُومُهُ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الْمَجْنُونِ حِينَ إفَاقَتِهِ وَيُطْلَبُ عِلْمُهُ بِمَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ.
(أَوْ فَاسِقًا بِجَارِحَةٍ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْجَمَاعَةُ مَعْنَى الدِّينِ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَطْرُقُ الْخَلَلُ إلَيْهَا بِفَسَادِ الْأَئِمَّةِ فَأَمَّا عَامَّةُ النَّاسِ فَلَا يُمَكَّنُوا مِنْ التَّخَلُّفِ عَنْهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي إمَامِهِمْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَرْضِيٍّ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ مِثْلُهُمْ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْأَفْضَلَ الْأَفْضَلُ، وَإِذَا كَانَ إمَامُك مِثْلَك وَتَقُولُ لَا أُصَلِّي خَلْفَهُ فَلَا تُصَلِّ أَنْتَ إذَنْ فَإِنَّ مَا يَقْدَحُ صَلَاتَك يَقْدَحُ فِي صَلَاتِهِ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُهُ تَصِحُّ بِهِ صَلَاتُك، وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْيَوْمَ لِلْإِمَامَةِ الْأَعْدَلُ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا.
وَقَالَ
ابْنُ بَشِيرٍ: الْخِلَافُ فِي إمَامَةِ الْفَاسِقِ خِلَافٌ فِي حَالٍ؛.
فَإِنْ كَانَ مِنْ التَّهَاوُنِ وَالْجُرْأَةِ بِأَنْ يَتْرُكَ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ كَالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا اضْطَرَّهُ هَوًى غَالِبٌ إلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ مَعَ بَرَاءَتِهِ مِنْ التَّهَاوُنِ وَالْجُرْأَةِ صَحَّتْ إمَامَتُهُ وَهَذَا يُعْلَمُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: أَرَى أَنْ تُجْزِئَ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ فِسْقُهُ بِمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ كَالزِّنَا وَالْغَضَبِ، وَكَثِيرًا مَا يُرَى مِنْ هَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ التَّحَفُّظُ فِي أُمُورِ صَلَوَاتِهِمْ، وَنَحْوُ هَذَا لِأَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ الْقَبَّابُ: أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ الْفَاسِقُ لِلشَّفَاعَةِ وَالْإِمَامَةِ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَتَحَفَّظُ عَلَى أُمُورِ الصَّلَاةِ.
قَالَ: وَهَذَا هُوَ مُرْتَضَى التُّونُسِيِّ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنِ يُونُسَ انْتَهَى.
وَنَصُّ ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ أَنْ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَلَيْسَ بِأَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُبْتَدِعِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ السَّكْرَانُ وَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَعَادَ.
ابْنُ حَبِيبٍ: أَبَدًا.
وَكَذَا يُعِيدُ أَبَدًا مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةَ أَوْ قَاضِيَهُ، أَوْ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الصَّلَاةِ مَعَهُ دَاعٍ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَتِهِمْ وَسَبَبٌ إلَى الْفِتَنِ، وَقَدْ صَلَّى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ.
وَمَنْ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ فَحَسَنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَكْرَانًا فِي حَالِ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ الْقَبَّابُ: فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ مَا يُشْعِرُ بِجَوَازِ إمَامَةِ شَارِبِ الْخَمْرِ إذَا لَمْ يَسْكَرْ وَكَانَتْ ثِيَابُهُ طَاهِرَةً وَغَسَلَ فَاهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَا فِي الْجَوْفِ وَرُبَّمَا أَعْطَى كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَالَ سَنَدٌ: لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَفْعُ النَّجَاسَةِ صَارَ كَمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ آثِمٌ مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَقَيَّأَ؟ خِلَافٌ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ الْقَبَّابُ: الَّذِي يَنْزِلُ بِالنَّاسِ كَثِيرًا إمَامَةُ الْفَاسِقِ بِغَيْرِ هَذَا مِمَّنْ يَغْتَابُ النَّاسَ وَرُبَّمَا أَخَذَ مُرَتَّبًا مِنْ جِبَايَةِ الْمَخَازِنِ وَمَنْ يُعْطِي لِزَوْجَتِهِ الدَّرَاهِمَ لِتَذْهَبَ بِهَا إلَى
الْحَمَّامِ.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ كَانَ إمَامًا لِظَالِمٍ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ.
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ:، قِيلَ: لِعَطَاءٍ أَخٌ لِي صَاحِبُ سُلْطَانٍ يَكْتُبُ مَا يَدْخُلُ وَمَا يَخْرُجُ أَمِينٌ عَلَى ذَلِكَ إنْ تَرَكَ قَلَمَهُ صَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ: الرَّأْسُ مَنْ؟ قُلْت: خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَوَمَا تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] انْتَهَى.
اُنْظُرْ قَوْلَ الْقَبَّابِ مِمَّنْ يَغْتَابُ النَّاسَ سَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ، وَانْظُرْ قَوْلَهُ فِي دُخُولِ الْمَرْأَةِ الْحَمَّامَ.
قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ الْحَمَّامَ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ.
وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ إنَّمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِلنِّسَاءِ حَمَّامٌ مُفْرَدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُكْمَ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِرُؤْيَةِ الْجَسَدِ كَحُكْمِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ النَّعِيمِ الْمَشْرُوعِ الْإِرْفَاهُ بِتَنْظِيفِ الْبَدَنِ مِنْ الْأَقْذَارِ زَائِدٌ عَلَى طَهَارَتِهِ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِالْأَدْهَانِ وَالْحَمَّامِ، وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهِ مُفْرَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَعَ أَهْلِهِ، وَإِنْ دَخَلَهُ مَعَ النَّاسِ فَلْيَسْتَتِرْ بِصَفِيقٍ مِنْ الْأُزُرِ وَيَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْ مَظَانِّ الِانْتِهَاكِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَمَّامُ دَارٌ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْمُنْكَرُ وَدُخُولُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَقْرَبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، فَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا؟ قُلْنَا: الْحَمَّامُ مَوْضِعُ تَدَاوٍ وَتَطَهُّرٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ فَإِنَّ الْمُنْكَرَ قَدْ غَلَبَ فِيهِ بِكَشْفِ الْعَوْرَاتِ، وَبِظَاهِرِ الْمُنْكَرَاتِ، فَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ الْمَرْءُ دَخَلَهُ وَدَفَعَ الْمُنْكَرَ عَنْ بَصَرِهِ وَسَمْعِهِ مَا أَمْكَنَهُ وَالْمُنْكَرُ الْيَوْمَ فِي الْبُلْدَانِ فَالْحَمَّامُ كَالْبَلَدِ عُمُومًا وَكَالنَّهْرِ خُصُوصًا.
وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ دُخُولُ الْحَمَّامِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَنْكَرَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْكَارِ كَرِهَ بِقَلْبِهِ فَيَكُونُ مَأْجُورًا عَلَى كَرَاهَتِهِ وَيَحْفَظُ بَصَرَهُ عَنْ الْعَوْرَاتِ مَا اسْتَطَاعَ.
وَفِي الْإِحْيَاءِ: لَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ. دَخَلَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - حَمَّامَاتِ الشَّامِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه: الْحَمَّامُ مِنْ النَّعِيمِ الَّذِي أَحْدَثُوهُ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنهما: نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُطَهِّرُ الْبَدَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: بَعْضُهُمْ تَعَرَّضَ لِآفَتِهِ وَبَعْضُهُمْ لِفَائِدَتِهِ وَلَا بَأْسَ بِطَلَبِ فَائِدَتِهِ عِنْدَ الِاحْتِرَازِ مِنْ آفَتِهِ.
وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ عَلَى تَرْجَمَةِ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ: الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ عَلَى شَرَائِعِهِ وَسُنَنِهِ بَرًّا كَانَ، أَوْ فَاجِرًا أَوْ مُبْتَدِعًا مَا لَمْ تُخْرِجْ بِدْعَتُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ.
وَفِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ الْفَاضِلَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
وَفِي عَارِضَتِهِ عَلَى حَدِيثِ الْجَرِيدَتَيْنِ: الذُّنُوبُ عَلَى قِسْمَيْنِ صَغِيرَةٍ لَا أَصْغَرَ مِنْهَا - وَهِيَ النَّظَرُ - وَكَبِيرَةٍ لَا أَكْبَرَ مِنْهَا - وَهِيَ الْكُفْرُ -، وَمَا بَيْنَهُمَا مُخْتَلِفٌ حُكْمُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: جِنَايَةُ الْبَصَرِ تُكَفِّرُهُ الطَّاعَاتُ وَقَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُكَفَّرًا بِالْوُضُوءِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ» وَقَدْ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ذَلِكَ فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَشْبَهَ
بِاللَّمَمِ مِمَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
هَلْ نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ مِنْ اللَّمَمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32](أَوْ مَأْمُومًا) مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ: ثُمَّ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَنْ قَامَ يَقْضِي رَكْعَةً فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فَائْتَمَّ بِهِ آخَرُ فَاتَتْهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ فَتَبْطُلُ صَلَاةُ هَذَا الْمُؤْتَمِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: مَنْ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ فَذًّا فَقَضَى بِإِمَامٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي إمَامٍ يُصَلِّي بِقَوْمٍ فِي السَّفَرِ فَرَأَى أَمَامَهُ جَمَاعَةً تُصَلِّي بِإِمَامٍ فَجَهِلَ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِمْ: أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُومًا وَأَعَادَ مَنْ
وَرَاءَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا إمَامَ لَهُمْ.
قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ لَقِيت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
(أَوْ مُحْدِثًا إنْ تَعَمَّدَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ وَلَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ تَذَكَّرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَخْلَفَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى فَرَغَ فَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ هُوَ وَحْدَهُ، وَإِنْ صَلَّى بِهِمْ ذَاكِرًا لِلْجَنَابَةِ فَصَلَاتُهُمْ كُلُّهُمْ فَاسِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ فَتَمَادَى بِهِمْ جَاهِلًا أَوْ مُسْتَحْيِيًا فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ (أَوْ عَلِمَ مُؤْتَمُّهُ) قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ إمَامٍ
دَخَلَ عَلَيْهِ مَا يُنْقِضُ صَلَاتَهُ فَتَمَادَى بِهِمْ فَصَلَاتُهُمْ مُنْتَقِضَةٌ وَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ مَتَى عَلِمُوا.
وَمَنْ عَلِمَ بِجَنَابَةٍ مِمَّنْ خَلْفَهُ وَالْإِمَامُ نَاسٍ لِجَنَابَتِهِ فَتَمَادَى مَعَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ.
سَمِعَ يَحْيَى ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَطَاقَ مَنْ رَأَى فِي ثَوْبِ إمَامِهِ نَجَاسَةً أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهَا فَعَلَ.
وَإِنْ لَمْ يُطِقْ وَصَلَّى مَعَهُ أَعَادَ أَبَدًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ فَالْإِعَادَةُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ الْوَقْتِ وَهَذَا صَلَّى عَالِمًا بِنَجَاسَةِ ثَوْبِ إمَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَ.
ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " إنْ أَطَاقَ أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهَا فَعَلَ " يُرِيدُ فَيَخْرُجُ الْإِمَامُ وَيَسْتَخْلِفُ وَيَتَمَادَى هُوَ مَعَ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَى صَلَاتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمِلَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ عَمَلًا بَعْدَ أَنْ رَأَى النَّجَاسَةَ قَبْلَ أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهَا فَيَكُونَ قَدْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقْطَعَ وَيَبْتَدِئَ.
وَإِنَّمَا قَالَ: " وَإِنْ لَمْ يُعِدْ إلَّا فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَ " أَيْ لِقَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ لَيْسَتْ بِمُرْتَبِطَةٍ بِصَلَاةِ إمَامِهِمْ مَعَ مَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ.
فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ عَامِدًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ مَسَحَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ.
وَذَهَبَ ابْنُ الْمُعَدَّلِ إلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ قَائِلًا: لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَعَمَّدَا فَصَلَّى أَحَدُهُمَا فِي الْوَقْتِ بِثَوْبٍ نَجِسٍ وَهُوَ ذَاكِرٌ قَادِرٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَآخَرُ أَخَّرَ الصَّلَاةَ، وَهُوَ ذَاكِرٌ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَصَلَّاهَا بِثَوْبٍ طَاهِرٍ مَا اسْتَوَتْ حَالَتُهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَا قَرُبَتْ انْتَهَى.
وَيَظْهَرُ مِنْ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُمَا سَلَّمَا هَذَا الْمَأْخَذَ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ لِأَبِي عِمْرَانَ اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَثَوْبِ مُرْضِعَةٍ " اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لِمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِ إمَامِهِ نَجَاسَةً أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ وَيُخْبِرَهُ مُتَكَلِّمًا وَلَا تَبْطُلَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الْآتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُكَلِّمَهُ وَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ عَلَى أَصْلِهِ فِي إجَازَةِ الْكَلَامِ مِمَّا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ مِنْ إصْلَاحٍ لِصَلَاةٍ عَلَى حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصُّفُوفَ إلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الصَّفِّ وَلَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي رُجُوعِهِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ سَحْنُونٍ: وَقِيلَ: إنْ قَدَرَ أَنْ يُفْهِمَ الْإِمَامَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ أَنَّ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً بِأَنْ يَتْلُوَ آيَةَ الْمُدَّثِّرِ، أَوْ آيَةَ الْوُضُوءِ فَعَلَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.
(وَبِعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ عَرَضَ لِإِمَامٍ مَا مَنَعَهُ الْقِيَامَ فَلْيَسْتَخْلِفْ مَنْ يُصَلِّي بِالْقَوْمِ وَيَرْجِعْ هُوَ إلَى الصَّفِّ فَيُصَلِّ بِصَلَاةِ
الْمُسْتَخْلَفِ (أَوْ عِلْمٍ) عِيَاضٌ: مِنْ صِفَاتِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ كَوْنُهُ عَالِمًا فَقِيهًا بِمَا يَلْزَمُهُ فِي صَلَاتِهِ.
الْقَبَّابُ: مِثْلُ هَذَا لِلْمَازِرِيِّ فَإِنَّهُ عَدَّ فِي مَوَانِعِ الْإِمَامَةِ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَفِقْهٍ.
وَلَا يَرُدُّهُ بِالْفِقْهِ هُنَا مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ السَّهْوِ فَإِنَّ صَلَاةَ مَنْ جَهِلَ أَحْكَامَ السَّهْوِ صَحِيحَةٌ إذَا سَلِمَتْ مِمَّا يُفْسِدُهَا، وَإِنَّمَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ مِنْ السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ.
وَلِابْنِ أَبِي يَحْيَى: مَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَمْيِيزَ الْفَرَائِضِ مِنْ غَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ يُوفِي بِالصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَامِلَةً بِجَمِيعِ فَرَائِضِهَا وَفَضَائِلِهَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ سِوَى بِفِعْلِ مَا رَأَوْا (إلَّا كَالْقَاعِدِ بِمِثْلِهِ فَجَائِزٌ) ابْنُ رُشْدٍ: يَؤُمُّ الْجَالِسُ لِعُذْرٍ مِثْلَهُ اتِّفَاقًا.
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ
يَسْتَطِيعُوا فِي السَّفِينَةِ أَنْ يَقُومُوا صَلَّوْا قُعُودًا، وَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كَمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْمَرْضَى.
الْمَازِرِيُّ: فَإِنْ صَحَّ بَعْضُ الْمُؤْتَمِّينَ فَقَالَ سَحْنُونَ: يَخْرُجُ مِنْ الِائْتِمَامِ وَيُتِمُّ وَحْدَهُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا يَخْرُجُ.
وَسَيَأْتِي لِسَحْنُونٍ جَوَازُ إمَامَةِ الْأُمِّيِّ بِالْأُمِّيِّ. وَلِابْنِ اللَّبَّادِ جَوَازُ إمَامَةِ اللَّحَّانِ بِمِثْلِهِ.
(أَوْ بِأُمِّيٍّ إنْ وُجِدَ قَارِئٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ صَلَّى مَنْ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ خَلْفَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ أَعَادَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ أَبَدًا.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى إمَامٌ بِقَوْمٍ فَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ وَأَعَادُوا أَبَدًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَاَلَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيُعِيدُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَقَدْ وَجَدَ قَارِئًا يَأْتَمُّ بِهِ فَتَرَكَهُ؛ يُرِيدُ فَإِذَا بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ.
قَالَ سَحْنُونَ: فَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ أُمِّيُّونَ مِثْلُهُ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ.
وَهَذَا إنْ لَمْ يَجِدُوا مَنْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَقْرَأُ وَخَافُوا ذَهَابَ الْوَقْتِ، فَأَمَّا إذَا وَجَدُوا فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ.
قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَإِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ هَذَا الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ أَتَى مَنْ يُحْسِنُهَا فَلَا يَقْطَعُ لِدُخُولِهِ فِيهَا بِمَا يَجُوزُ لَهُ.
انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: حَمَلَ الْقَابِسِيُّ قَوْلُهُ خَلْفَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ عَلَى اللَّحَّانِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْأُمِّيِّ.
اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَهَلْ بِلَاحِنٍ ".
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: دَلِيلُنَا أَنَّ الْقَارِئَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِالْأُمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَأَعْظَمُ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَبَّةً وَلَا يَنُوبُ الْفِعْلُ الْمُسْتَحَبُّ عَنْ الْوَاجِبِ.
وَقَدْ اضْطَرَبَ الْمَذْهَبُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْأُمِّيِّ أَنْ يَطْلُبَ قَارِئًا يُصَلِّي وَرَاءَهُ؟ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَقَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ» الْحَدِيثَ فَلَوْ كَانَ الِائْتِمَامُ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِهِ.
(أَوْ قَارِئًا بِكَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ رَجُلٍ يَقْرَأُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلْيَخْرُجْ وَيَتْرُكْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ صَلَّى بِرَجُلٍ يَقْرَأُ.
بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلْيَخْرُجْ وَيَتْرُكْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ أَعَادَ أَبَدًا.
ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمُصْحَفِ عُثْمَانَ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ.
ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ضَبْطُ الْأَمْرِ عَلَى سَبْعِ قُرَّاءٍ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَا تَلْتَفِتُوا
إلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ السُّورَةُ الْوَاحِدَةُ بِحَرْفِ قَارِئٍ وَاحِدٍ بَلْ يَقْرَأُ بِأَيِّ حَرْفٍ أَرَادَ، وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ لِنَفْسِي أَكْثَرَ الْحُرُوفِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى قالون إلَّا الْهَمْزَ إلَّا فِيمَا يُسْقِطُ الْمَعْنَى، وَلَا أَكْسِرُ بَاءَ " الْبُيُوتِ " وَلَا عَيْنَ " عُيُونٍ " وَلَا مِيمَ " مِتّ " وَمَا كُنْت لِأَمُدَّ مَدَّ حَمْزَةَ، وَلَا أَقِفُ عَلَى السَّاكِنِ وَقْفَتَهُ، وَلَا أُقِرُّ بِالْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ لِأَبِي عَمْرٍو، وَلَا أَمُدُّ مِيمَ ابْنِ كَثِيرٍ، وَلَا أَضُمُّ هَاءَ " عَلَيْهِمْ " وَأَقْوَى الْقِرَاءَةِ سَنَدًا قِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ.
(أَوْ عَبْدٍ فِي جُمُعَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ الْعَبْدُ فِي حَضَرٍ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَلَا فِي جُمُعَةٍ، أَوْ عِيدٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَمَّهُمْ فِي جُمُعَةٍ، أَوْ عِيدٍ أَعَادُوا؛ إذْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَلَا عِيدَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ الْعَبْدُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَيَؤُمَّ فِي الْفَرَائِضِ فِي سَفَرٍ إذَا كَانَ أَقْرَأَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَّخَذَ إمَامًا رَاتِبًا.
(أَوْ صَبِيٍّ فِي فَرْضٍ) .
ابْنُ عَرَفَةَ: وَشَرْطُ الْإِمَامِ بُلُوغُهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَعَادَ أَبَدًا.
(وَبِغَيْرِهِ تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ الصَّبِيُّ فِي نَافِلَةٍ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَؤُمُّ الصَّبِيُّ فِي النَّافِلَةِ.
انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي التَّلْقِينِ وَفِي التَّفْرِيعِ أَنَّ الصَّبِيَّ تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي النَّافِلَةِ.
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: أَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فَلَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَلَا تَصِحُّ.
وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ: تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ.
وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَتَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ، وَقِيلَ تَصِحُّ وَتَجُوزُ.
(وَهَلْ بِلَاحِنٍ مُطْلَقًا، أَوْ فِي الْفَاتِحَةِ وَبِغَيْرِ مُمَيِّزٍ بَيْنَ ضَادٍ وَظَاءٍ خِلَافٌ) قَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَلْحَنُ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ فَلْيُعِدْ إلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ حَالُهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ هُوَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ الضَّادَ مِنْ الظَّاءِ، وَإِنْ لَحَنَ فِيمَا عَدَا أُمَّ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَابْنِ اللَّبَّادِ وَابْنِ شَبْلُونَ أَنَّهُ تُجْزِئُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ.
وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا تُجْزِئُ وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ كَمَنْ تَرَكَ قِرَاءَةَ السُّورَةِ عَمْدًا.
انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ
فِي الْمُدَوَّنَةِ " وَكِتَابِ " ابْنِ الْمَوَّازِ: " لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ " لَا يَحْفَظُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَعْرِفُهُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ اللَّحَّانِ لَا تَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَنْ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ تَأْوِيلًا عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ.
وَقَالَ: إنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا.
ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي النَّظَرِ.
قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ خَلْفَ اللَّحَّانِ إنْ كَانَ لَحْنُهُ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَكَسْرِ كَافِ " إيَّاكَ " وَضَمِّ تَاءِ " أَنْعَمْتَ " وَيَجُوزُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى كَكَسْرِ دَالِ " الْحَمْدُ " وَرَفْعِ هَاءِ " لِلَّهِ ".
وَقِيلَ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَتْ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا.
ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ لَا يَقْصِدُ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّحْنُ بَلْ يَعْتَقِدُ بِقِرَاءَتِهِ مَا يَعْتَقِدُ بِهَا مَنْ لَا يَلْحَنُ فِيهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ.
وَمِنْ الْحُجَّةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِالْمَوَالِي وَهُمْ يَقْرَءُونَ. وَيَلْحَنُونَ فَقَالَ: نِعْمَ مَا قَرَأْتُمْ. وَمَرَّ بِالْعَرَبِ وَهُمْ يَقْرَءُونَ وَلَا يَلْحَنُونَ فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَ» .
اللَّخْمِيِّ: الْأَحْسَنُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ اللَّحَّانِ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ، فَإِنْ أَمَّ لَمْ يُعِدْ مَأْمُومُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ لَحْنُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا وَلَمْ يَقْصِدْ مُوجَبَ اللَّحْنِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَسْلَمُ مِنْ اللَّحْنِ لَأَجْزَأَهُ.
وَعَرَّفَ ابْنُ خَلِّكَانَ بِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ صَاحِبِ اللُّغَةِ قَالَ: أَخَذَ عَنْ ثَعْلَبٍ وَابْنِ السِّكِّيتِ.
قَالَ: وَكَانَ يُخَطِّئُ الْأَصْمَعِيَّ وَأَبَا عُبَيْدَة قَالَ: وَكَانَ يُجِيزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَضْعَ الضَّادِ مَكَانَ الظَّاءِ وَالْعَكْسَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْإِحْرَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَحُكْمُ الدُّعَاءِ بِهَا.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ طَلَّقَ بِالْعَجَمِيَّةِ لَزِمَهُ.
(وَأَعَادَ بِوَقْتٍ فِي كَحَرُورِيٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَيْقَنْت أَنَّ الْإِمَامَ قَدَرِيٌّ أَوْ حَرُورِيٌّ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا تُصَلِّ خَلْفَهُمْ وَلَا الْجُمُعَةَ، فَإِنْ اتَّقَيْتَهُ وَخِفْتَهُ فَصَلِّهَا مَعَهُ وَأَعِدْهَا ظُهْرًا.
وَوَقَفَ مَالِكٌ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ.
ابْنُ يُونُسَ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " أَعِدْهَا ظُهْرًا " مَعَ وَقْفِهِ فِي إعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى تُقَاةً صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ، وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَنْ يُعِيدَ لَا تُجْزِئُهُ الْأُولَى، وَأَمَّا الَّذِي وَقَفَ
فِيهِ مَالِكٌ فَقَدْ قَصَدَ الِائْتِمَامَ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا فَرْضُهُ وَلَا يُعِيدُ فَالصَّوَابُ أَنْ تُجْزِئَهُ.
(وَكُرِهَ أَقْطَعُ وَأَشَلُّ) الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ: جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ.
الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّهُ عُضْوٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَجَازَتْ الْإِمَامَةُ، فَعَدَّهُ كَالْعَمَى.
وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّمَا الْعُيُوبُ فِي الْأَدْيَانِ لَا فِي الْأَبْدَانِ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَكَرِهَ
ابْنُ وَهْبٍ إمَامَةَ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ انْتَهَى.
اُنْظُرْ اخْتِصَارَ خَلِيلٍ عَلَى قَوْلِ ابْنُ وَهْبٍ فَهُوَ مُشْغِلٌ.
(وَأَعْرَابِيٌّ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَقْرَأَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ الْأَعْرَابِيُّ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَأَهُمْ.
ابْنُ حَبِيبٍ: لِجَهْلِهِ بِالسُّنَنِ وَغَيْرِهِ: لِنَقْصِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ وَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ.
الشَّيْخُ: إنْ أَمَّ أَجْزَأَهُمْ كَمُتَيَمِّمٍ بِمُتَوَضِّئِينَ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَلَمْ يَكْرَهْهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ.
(وَذُو سَلَسٍ وَقُرُوحٍ لِصَحِيحٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: اُخْتُلِفَ إذَا سَقَطَ الْوُضُوءُ يَعْنِي مِنْ الْخَارِجِ عَلَى غَيْرِ الْعَادَةِ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ، أَوْ سُقُوطُ ذَلِكَ بِجَعْلِ الْخَارِجِ كَالْعَدَمِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَعَلَيْهِ يُخْتَلَفُ، هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْإِمَامَةُ بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ كَانَتْ تَنْفَصِلُ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهَا كَمَنْ بِهِ قُرُوحٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ.
هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْإِمَامَةُ أَوْ لَا وَقَدْ كَانَ عُمَرُ إمَامًا وَأُخْبِرَ أَنَّهُ يَجِدُ ذَلِكَ وَلَا يَنْصَرِفُ.
ابْنُ يُونُسَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ مَعَ غَسْلِ الْفَرْجِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إنِّي لَأَجِدُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى فَخِذِي يَتَحَدَّرُ كَتَحَدُّرِ اللُّؤْلُؤِ فَمَا أَنْصَرِفُ حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَنْكِحًا فِي آخِرِ عُمُرِهِ.
انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ.
عَنْ سَحْنُونٍ: تَرْكُ إمَامَتِهِ أَحْسَنُ إلَّا لِذِي صَلَاحٍ.
(وَإِمَامَةُ مَنْ يُكْرَهُ) عِيَاضٌ: مِنْ الصِّفَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى
الصَّلَاةِ أَجْرًا وَقَدْ كَرِهَتْهُ جَمَاعَتُهُ، أَوْ مَنْ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فِيهِمْ.
ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ عَلِمَ تَسْلِيمَ مَنْ حَضَرَ أَحَقِّيَّةَ إمَامَتِهِ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُمْ، وَإِنْ خَافَ كَرَاهِيَةَ بَعْضِهِمْ اسْتَأْذَنَهُمْ، وَإِنْ كَرِهَهُ أَكْثَرُ جَمَاعَةٍ، أَوْ أَفْضَلُهُمْ وَجَبَ تَأَخُّرُهُ وَأَقَلُّهُمْ اُسْتُحِبَّ، وَحَالُ مَنْ وَرَدَ عَلَى جَمَاعَتِهِ لَغْوٌ.
اُنْظُرْ طُرَرَ ابْنِ عَاتٍ قَبْلَ تَرْجَمَةٍ وَثِيقَةٍ بِإِجَارَةِ الْأَبِ ابْنَهُ.
(وَتَرَتُّبُ خَصِيٍّ) الْمَازِرِيُّ: نَقْصُ الْخِلْقَةِ إنْ كَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مُقَرِّبًا مِنْ الْأُنُوثَةِ كَالْخِصَاءِ فَكَرِهَ مَالِكٌ إمَامَتَهُ فِي الْفَرَائِضِ إمَامَةً رَاتِبَةً.
(وَمَأْبُونٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: نَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ كَرَاهَةَ إمَامَةِ الْمَأْبُونِ لَا أَعْرِفُهُ وَهُوَ أَرْذَلُ الْفَاسِقِينَ.
ابْنُ شَاسٍ: قِيلَ تَجُوزُ إمَامَةُ الْمَأْبُونِ رَاتِبًا إذَا كَانَ صَالِحَ الْحَالِ فِي نَفْسِهِ.
(وَأَغْلَفَ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَؤُمُّ أَغْلَفُ.
سَحْنُونَ: وَلَا يُعِيدُ مَأْمُومُهُ.
(وَوَلَدِ زِنًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ وَلَدُ الزِّنَا إمَامًا رَاتِبًا.
أَبُو عُمَرَ: خَوْفَ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْقَوْلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَكَمَالٍ يُنَافَسُ وَيُحْسَدُ عَلَيْهَا (وَمَجْهُولِ حَالٍ) ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ وَأَصْبَغَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَمَّ بِمَجْهُولٍ إلَّا رَاتِبًا.
ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَتْ تَوْلِيَةُ الْمَسَاجِدِ لِذِي هَوًى لَا يُقَدَّمُ فِيهَا بِمُوجَبِ التَّرْجِيحِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يُؤْتَمَّ بِرَاتِبٍ إلَّا بَعْدَ الْكَشْفِ عَنْهُ وَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ مَنْ أَدْرَكْتُهُ.
(وَعَبْدٍ بِفَرْضٍ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعَبْدٍ فِي جُمُعَةٍ ".
(وَصَلَاةٍ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصُّفُوفِ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ إذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ.
ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي لَا بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً بِالْعُمُدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ تَقَطُّعِ الصُّفُوفِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ، وَكَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ الصَّلَاةَ بَيْنَ السَّوَارِي يُرِيدُ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا.
ابْنُ عَرَفَةَ: مَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا تُكْرَهُ.
(أَوْ أَمَامَ الْإِمَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي دُورٍ مَحْجُورَةٍ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إذَا رَأَوْا عَمَلَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ مِنْ كُوًى لَهَا، أَوْ مَقَاصِيرَ، أَوْ سَمِعُوا تَكْبِيرَةً فَيُكَبِّرُوا وَيَرْكَعُوا بِرُكُوعِهِ وَيَسْجُدُوا بِسُجُودِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَدْ صَلَّى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حُجَرِهِنَّ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَتْ الدُّورُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ كَرِهْتُ ذَلِكَ فَإِنْ صَلَّوْا فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ.
(وَاقْتِدَاءُ مَنْ بِأَسْفَلِ السَّفِينَةِ بِمَنْ بِأَعْلَاهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالنَّاسُ فَوْقَ سَقْفِهَا فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ إمَامُهُمْ قُدَّامَهُمْ وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ فَوْقَ السَّقْفِ وَالنَّاسُ أَسْفَلَ وَلَكِنْ يُصَلِّي الَّذِينَ فَوْقَ السَّقْفِ بِإِمَامٍ وَاَلَّذِينَ أَسْفَلَ بِإِمَامٍ.
ابْنُ يُونُسَ قِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَسْفَلِينَ رُبَّمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُمْ مُرَاعَاةُ أَفْعَالِ الْإِمَامِ وَرُبَّمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ فَيَخْتَلِطُ عَلَيْهِمْ أَمْرُ صَلَاتِهِمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ كَالدُّكَّانِ يَكُونُ فِيهَا مَعَ الْإِمَامِ قَوْمٌ وَأَسْفَلَ مِنْهُ قَوْمٌ فَافْتَرَقَا.
(كَأَبِي قُبَيْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَقُعَيْقِعَانَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مُرَاعَاةَ فِعْلِهِ فِي الصَّلَاةِ.
(وَصَلَاةُ رَجُلٍ بَيْنَ نِسَاءٍ وَبِالْعَكْسِ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ تُصَلِّي فِي صَفٍّ مِنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ. عَنْ يَمِينِهَا رَجُلٌ وَعَنْ يَسَارِهَا رَجُلٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي قَوْمٍ لَمْ يَجِدُوا سَعَةً فِي
صُفُوفِ الرِّجَالِ مِنْ كَثْرَةِ النِّسَاءِ فَصَلَّوْا وَرَاءَ النِّسَاءِ: إنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ سَمَاعَ عِيسَى.
(وَإِمَامَةٌ بِمَسْجِدٍ بِلَا رِدَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ رِدَاءٍ إلَّا إمَامًا فِي السَّفَرِ وَفِي دَارِهِ، أَوْ بِمَوْضِعٍ اجْتَمَعُوا فِيهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى عَاتِقِهِ عِمَامَةً إذَا كَانَ مُسَافِرًا، أَوْ فِي دَارِهِ، اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَالرِّدَاءِ ".
(وَتَنَفُّلُهُ بِمِحْرَابِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَنَفَّلُ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعِهِ وَلْيَقُمْ عَنْهُ بِخِلَافِ الْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ فَلَهُمَا ذَلِكَ.
قَالَ: وَإِذَا سَلَّمَ إمَامٌ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ أَوْ مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ فَلْيَقُمْ وَلَا يَقْعُدْ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي سَفَرٍ، أَوْ فِي فِنَائِهِ فَإِنْ شَاءَ تَنَحَّى، أَوْ أَقَامَ.
ابْنُ بَشِيرٍ: قِيلَ: فِي عِلَّةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ فَضِيلَةٍ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا بِمَرْتَبَةِ الْإِمَامَةِ فَإِذَا انْقَضَتْ صَارَ كَالْمَعْزُولِ عَنْهَا، وَعَلَى هَذَا يَزُولُ عَنْ مَوْضِعِهِ بِلَا بُدٍّ.
وَقِيلَ: لِيَرَاهُ مَنْ لَا يَسْمَعُ تَسْلِيمَهُ فَيَعْلَمَ انْقِضَاءَ الصَّلَاةِ.
فَعَلَى هَذَا إنْ قَامَ وَتَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِحَيْثُ يُبْصَرُ أَجْزَأَ.
قَالَ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ لُبٍّ: فَذَكَرَ هَذَا عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ أَعْنِي أَنَّ انْحِرَافَ الْإِمَامِ عَنْ صَوْبِ الْقِبْلَةِ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ مَنْ يَدْخُلُ
الْمَسْجِدَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الِانْحِرَافُ إذَا كَانَ إمَامًا فِي فِنَائِهِ، أَوْ فِي سَفَرٍ.
قَالَ: وَمَا زَالَ هَذَا الِانْحِرَافُ مَعْمُولًا بِهِ يَنْحَرِفُ الْإِمَامُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
وَفِي الرِّسَالَةِ: إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيَنْصَرِفْ.
قَالَ الْجُزُولِيُّ: مَعْنَى هَذَا الِانْصِرَافِ تَغْيِيرُ هَيْئَتِهِ.
قَالَ ابْنُ لُبٍّ: وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى النَّدْبِ.
ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ قَالَ: وَهَذَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدْ اسْتَحَبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَثْبُتَ فِي مَوْضِعِهِ سَاعَةً.
وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ: بَابُ مُكْثِ الْإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَذَكَرَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ. قَالَ: وَفَعَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا» .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِكَيْ يُبْعِدَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَضَى الصَّلَاةَ انْفَتَلَ سَرِيعًا إمَّا أَنْ يَقُومَ، وَإِمَّا أَنْ يَنْحَرِفَ» .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: شَرِّقْ أَوْ غَرِّبْ وَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ بَعْدَ السَّلَامِ لِعِبَارَةِ رُؤْيَا أَوْ غَيْرِهَا» .
قَالَ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ: فَعَلَ ذَلِكَ عِوَضًا مِنْ قِيَامِهِ فِي مُصَلَّاهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ إنَّمَا هُوَ لِيَعْرِفَ النَّاسُ بِفَرَاغِ الصَّلَاةِ.
(وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْمَعُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَلِكُلِّ مَنْ جَاءَ أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ.
ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا لَمْ يُجْمَعْ فِي مَسْجِدٍ مَرَّتَيْنِ لِمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ الشَّحْنَاءِ وَلِئَلَّا يَتَطَرَّقَ أَهْلُ الْبِدَعِ فَيَجْعَلُونَ مَنْ يَؤُمُّ بِهِمْ.
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ يُجْمَعُ فِيهِ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَلَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ لَا مَا يُجْمَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُجْمَعُ.
وَسَمِعَ أَشْهَبُ: لَا يُجْمَعُ فِي السَّفِينَةِ مَرَّتَيْنِ.
ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِإِجَازَتِهَا صَلَاةَ مَنْ فَوْقَهَا بِإِمَامٍ، وَمَنْ تَحْتَهَا بِإِمَامٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ.
وَلِابْنِ الْعَرَبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -: {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] قَالَ: يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا جَمَاعَةً وَاحِدَةً فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَأَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا شَمْلَهُمْ فِي الطَّاعَةِ.
وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَكْبَرَ وَالْغَرَضَ الْأَظْهَرَ مِنْ وَضْعِ الْجَمَاعَةِ تَأْلِيفُ الْكَلِمَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَقْدُ الذِّمَامِ وَالْحُرْمَةِ بِفِعْلِ الدِّيَانَةِ حَتَّى يَقَعَ الْأُنْسُ بِالْمُخَاطَبَةِ وَتُصَفَّى الْقُلُوبُ مِنْ وَضَرِ الْأَحْقَادِ وَالْحَسَادَةِ، وَلِهَذَا مَعْنَى تَفَطُّنِ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا تُعَادُ جَمَاعَةٌ بَعْدَ الرَّاتِبِ خِلَافًا لِسَائِرِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ تَشْتِيتًا لِلْكَلِمَةِ وَإِبْطَالًا لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ فَيَقَعُ الْخِلَافُ وَيَبْطُلُ النِّظَامُ، وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَهَكَذَا شَأْنُهُ مَعَهُمْ وَهُوَ أَثْبَتُ قَدَمًا مِنْهُمْ فِي الْحِكْمَةِ وَأَعْلَمُ بِمَقَاطِعِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ أَذِنَ.
ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ عَلَّلْنَا الْمَنْعَ بِأَنَّهُ حِمَايَةٌ مِنْ الْأَذَى لِلْأَئِمَّةِ فَيَجُوزُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا (وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ إنْ جَمَعَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا جَمَعَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ وَلَمْ يَحْضُرْ الْإِمَامُ فَلَهُ إذَا جَاءَ أَنْ يَجْمَعَ.
وَفِي الِاسْتِذْكَارِ فِي حَدِيثِ إدْرَاكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ فِيهِ: إذَا خِيفَ فَوْتُ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُخْتَارِ لَمْ يُنْتَظَرْ الْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ فَاضِلًا جِدًّا (وَخَرَجُوا إلَّا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَيُصَلُّونَ بِهَا أَفْذَاذًا إنْ دَخَلُوهَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَذْهَبُ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَا غَيْرِهَا، وَإِلْزَامُ اللَّخْمِيِّ عَلَيْهِ إعَادَةَ جَامِعٍ فِي غَيْرِهَا فَذًّا فِيهَا يُرَدُّ بِأَنَّ جَمَاعَتَهَا أَفْضَلُ مِنْ فَذِّهَا.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ: إنْ وَجَدَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ أَهْلُهُ فَإِنْ طَمِعَ بِإِدْرَاكِ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِهِ خَرَجَ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ فَيَجْمَعُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَا يَخْرُجُوا مِنْهُ وَلْيُصَلُّوا فِيهِ أَفْذَاذًا وَهُوَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ، وَفِي غَيْرِهِ جَمَاعَةً.
(وَقَتْلُ كَبُرْغُوثٍ بِمَسْجِدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ قَتْلَ الْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ فِي صَلَاةٍ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَقَتْلُ الْبُرْغُوثِ أَخَفُّ عِنْدَهُ.
اللَّخْمِيِّ: وَيَقْتُلُ بِهِ الْعَقْرَبَ وَالْفَأْرَةَ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَصَابَ قَمْلَةً فَلَا يُلْقِيهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَقْتُلُهَا فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَلْيَصُرَّهَا فِي ثَوْبِهِ (وَفِيهَا يَجُوزُ طَرْحُهَا خَارِجَهُ وَاسْتَشْكَلَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطْرَحَ الْقَمْلَةَ إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ.
ابْنُ بَشِيرٍ: طَرْحُ الْبُرْغُوثِ حَيًّا فِي الْمَسْجِدِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّبُ وَيَعِيشُ فِي التُّرَابِ بِخِلَافِ الْقَمْلَةِ فَلَا تُطْرَحُ؛ إذْ فِي إلْقَائِهَا تَعْذِيبٌ لَهَا.
وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ جَوَازِ طَرْحِهَا فَقَدْ يَكُونُ لِظَنِّ دَوَامِ حَيَاتِهَا، أَوْ يَكُونُ هَذَا حُكْمًا لَهَا
بِأَنَّهَا لَا تُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ.
(وَجَازَ اقْتِدَاءٌ بِأَعْمَى) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْأَعْمَى إمَامًا رَاتِبًا.
(وَمُخَالِفٍ فِي الْفُرُوعِ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ غَيْرَهُ ".
وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ الظَّنِّيَّةِ.
قَالَ عِيَاضٌ: إنَّ أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيَّ قَدَّمَ عَبْدَ الْحَقِّ الصَّقَلِّيَّ صَلَّى بِهِ. وَقَالَ لَهُ: الْبَعْضُ يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ يُعَرِّضُ لَهُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ إذْ كَانَ أَبُو الْمَعَالِي شَافِعِيًّا.
وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْأَبْهَرِيَّ كَانَ إمَامًا فِيهِ وَقْتَهُ سُئِلَ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ بِبَغْدَادَ فَامْتَنَعَ وَأَشَارَ بِالرَّازِيِّ فَامْتَنَعَ أَيْضًا وَأَشَارَ بِالْأَبْهَرِيِّ فَلَمَّا امْتَنَعَا مَعًا فِي غَيْرِهِمَا قَالَ: وَكَانَ الرَّازِيّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ لِي سَحْنُونَ: ابْتَلَيْتنِي فَوَاَللَّهِ لَأَبْتَلِيَنَّكَ فَوَلَّانِي الْقَضَاءَ قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَانُ عِرَاقِيَّ الْمَذْهَبِ (وَأَلْكَنَ) ابْنُ رُشْدٍ: الْأَلْكَنُ الَّذِي لَا تَتَبَيَّنُ قِرَاءَتُهُ، وَالْأَلْثَغُ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى لَهُ النُّطْقُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ ائْتَمَّ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الِائْتِمَامُ بِهِمْ مَكْرُوهًا إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ لَا يَرْضَى سِوَاهُمْ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْأَلْثَغُ الَّذِي يَلْفِظُ بِالرَّاءِ غَيْنًا خَفِيفَةً أَنَّ إمَامَتَهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إحَالَةٌ مَعْنًى، وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانٌ فِي أَدَاءِ الْحُرُوفِ.
(وَمَحْدُودٍ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَؤُمَّ مَحْدُودٌ صَلَحَتْ حَالُهُ.
وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَؤُمُّ قَاتِلُ عَمْدٍ، وَإِنْ تَابَ.
اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ فَاسِقًا بِجَارِحَةٍ ".
وَقَدْ جَعَلَ اللَّخْمِيِّ الْقَتْلَ مِنْ مِثْلِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ فَصَحَّحَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْقَاتِلِ.
(وَعِنِّينٍ) عِيسَى وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الْعِنِّينِ.
(وَمَجْذُومٍ إلَّا أَنْ يَشْتَدَّ فَلْيُنَحَّ) ابْنُ رُشْدٍ: إمَامَةُ الْمَجْذُومِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ إلَّا إنْ تَفَاحَشَ جُذَامُهُ وَعُلِمَ مِنْ جِيرَانِهِ أَنَّهُمْ يَتَأَذَّوْنَ بِهِ فِي مَخَالِطِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْإِمَامَةِ.
اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ جُذَامٍ ".
(وَصَبِيٍّ بِمِثْلِهِ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ خِفَّةَ إمَامَةِ الصَّبِيِّ بِمِثْلِهِ فِي الْمُكَاتَبِ
(وَعَدَمُ إلْصَاقِ
مَنْ عَلَى يَمِينِ إمَامٍ، أَوْ يَسَارِهِ بِمَنْ حَذْوَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَامَتْ الصُّفُوفُ قَامَ حَيْثُ شَاءَ خَلْفَ الْإِمَامِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، وَتَعَجَّبَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَامَ يَمْشِي حَتَّى يَقِفَ حَذْوَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ طَائِفَةً عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ حَذْوَهُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَقِفَ طَائِفَةٌ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ فِي الصَّفِّ وَلَا تَلْصَقُ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ.
ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ كَصَفٍّ بُنِيَ عَلَيْهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: تَعَقَّبَهُ التُّونُسِيُّ بِأَنَّهُ تَقْطِيعٌ وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَيُكْرَهُ ابْتِدَاءً، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ تُقْطَعَ الصُّفُوفُ وَنَهَى عَنْهُ.
(وَصَلَاةُ مُنْفَرِدٍ خَلْفَ صَفٍّ وَلَا يَجْذِبُ أَحَدًا وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُمَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ كَذَلِكَ - وَهُوَ الشَّأْنُ - وَلَا يَجْذِبَ إلَيْهِ أَحَدًا فَإِنْ جَذَبَهُ أَحَدٌ لِيُقِيمَهُ مَعَهُ فَلَا يَتَّبِعُهُ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ الَّذِي يَفْعَلُهُ وَمِنْ الَّذِي جَبَذَهُ.
ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَتَرَكَ فُرْجَةً بِالصَّفِّ أَسَاءَ.
قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ وَهْبٍ: وَيُعِيدُ أَبَدًا.
وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.
(وَإِسْرَاعٌ لَهَا بِلَا خَبَبٍ) سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِإِسْرَاعِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ إذَا أُقِيمَتْ مَا لَمْ يَسْعَ، أَوْ يَخُبَّ أَوْ بِتَحْرِيكِ فَرَسِهِ لِيُدْرِكَ.
ابْنُ رُشْدٍ: مَا لَمْ يُخْرِجْهُ إسْرَاعُهُ عَنْ السَّكِينَةِ.
(وَقَتْلُ عَقْرَبٍ أَوْ فَأْرٍ بِمَسْجِدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ: تُقْتَلُ الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ بِالْمَسْجِدِ.
(وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ بِهِ لَا يَعْبَثُ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ) ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُجَنَّبُ الصَّبِيُّ الْمَسْجِدَ إذَا
كَانَ يَعْبَثُ، أَوْ لَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ انْتَهَى.
وَانْظُرْ أَيْضًا الْمَجْنُونَ نَصَّ اللَّخْمِيِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ يُجَنَّبُ أَيْضًا الْمَسْجِدَ.
(وَبَصْقٌ بِهِ إنْ حُصِّبَ، أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ اُضْطُرَّ الْإِنْسَانُ إلَى الْبُصَاقِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ.
فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْصُقَ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَبْصُقَ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ دَلَكَهُ؛ لِأَنَّ تَدْلِيكَهُ لَا يُذْهِبُ أَثَرَهُ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبْصُقَ تَحْتَ الْحَصِيرِ لَا عَلَى ظَهْرِهِ وَلَا فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ رَجُلٌ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلٌ فِي الصَّلَاةِ بَصَقَ أَمَامَهُ وَدَفَنَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْنِهِ فَلَا يَبْصُقُ فِي الْمَسْجِدِ
بِحَالٍ كَانَ مَعَ النَّاسِ أَوْ وَحْدَهُ.
(ثُمَّ قَدَمِهِ، ثُمَّ يَسَارِهِ ثُمَّ يَمِينِهِ، ثُمَّ أَمَامَهُ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مُحَصَّبًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ دَفْنُهُ فَلَا يَبْصُقُ أَمَامَهُ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلْيَبْصُقْ تَحْتَ قَدَمِهِ وَأَمَامَهُ أَوْ يَمِينِهِ، أَوْ شِمَالِهِ وَيَدْفِنُهُ.
عِيَاضٌ: الْمُخْتَارُ يَسَارُهُ وَتَحْتَ قَدَمِهِ فَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ وَتَعَسَّرَ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَمِينِهِ، ثُمَّ أَمَامَهُ وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهَا:" وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ رَجُلٌ بَصَقَ أَمَامَهُ وَدَفَنَهُ " انْتَهَى.
وَانْظُرْ أَيْضًا مَا يَجِبُ أَنْ يَتَجَنَّبَ مِنْهُ الْمَسْجِدَ أَنْ يُتَّخَذَ طَرِيقًا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ: إلَّا فِي وَقْتٍ مَا.
اللَّخْمِيِّ: وَلَا يَجُوزُ حَدَثُ الرِّيحِ بِهِ وَقَدْ نَصُّوا أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُجَنِّبَ الْمَسْجِدَ عَنْ إمَاطَةِ الْأَذَى بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا فَلَا يُقَلِّمُ ظُفُرَهُ وَلَا يَتَمَضْمَضُ وَلَا يَسْتَاكُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ.
وَقِيلَ: يُغَطِّيهِ وَيَتْرُكُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدُخُولِ مَسْجِدٍ ".
(وَخُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ لِعِيدٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَشَابَّةٍ لِمَسْجِدٍ) ابْنُ رُشْدٍ: النِّسَاءُ الْمُتَجَالَّاتُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ خُرُوجِهِنَّ إلَى الْمَسَاجِدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ الشَّوَابُّ فَلَا يَخْرُجْنَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدَيْنِ وَلَا إلَى الْمَسَاجِدِ إلَّا فِي الْفَرْضِ، وَلَا الْجَنَائِزِ إلَّا فِي جَنَائِزِ أَهْلِهِنَّ وَقَرَابَتِهِنَّ.
هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى الرِّوَايَةِ
عَنْ مَالِكٍ وَعَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَمْنَعَ النِّسَاءَ الشَّوَابَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا يُمْنَعْنَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ الْفَائِقَةُ فِي الشَّبَابِ وَالنَّجَابَةِ فَالِاخْتِيَارُ لَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا انْتَهَى.
وَاَلَّذِي لِابْنِ يُونُسَ، قِيلَ: لِمَالِكٍ: مَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ هَلْ يُرْسِلُهَا إلَى السُّوقِ فِي حَوَائِجِهِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَالْحُرَّةُ أَيْضًا قَدْ تَخْرُجُ فِي حَوَائِجِهَا قَدْ كَانَتْ أَسْمَاءُ تَقُودُ فَرَسَ الزُّبَيْرِ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ حَامِلٌ (وَلَا يُقْضَى عَلَى زَوْجِهَا بِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ مُزَيْنٍ فِي الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ إذَا اسْتَأْذَنَتْ مِنْ زَوْجِهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ لَمْ يُقْضَ لَهَا عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهَا وَيُمْسِكَهَا، لَيْسَ بِخِلَافٍ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُمْنَعُ النِّسَاءُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ، أَمَّا الشَّابَّةُ فَلَا تَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْفَرْضِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا.
(وَاقْتِدَاءُ ذَوِي سُفُنٍ بِإِمَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: السُّفُنُ الْمُتَقَارِبَةُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي أَحَدِهَا، وَصَلَّى النَّاسُ بِصَلَاتِهِ أَجْزَأَتْهُمْ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إذَا سَمِعُوا تَكْبِيرَهُ وَرَأَوْا أَفْعَالَهُ انْتَهَى.
اُنْظُرْ إنْ فَرَّقَتْهُمْ الرِّيحُ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ.
ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ.
(وَفَصْلُ مَأْمُومٍ بِنَهْرٍ صَغِيرٍ، أَوْ طَرِيقٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّهْرِ الصَّغِيرِ أَوْ الطَّرِيقِ تَكُونُ بَيْنَ
الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ.
(وَعُلُوُّ مَأْمُومٍ وَلَوْ بِسَطْحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، وَالْإِمَامُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ كَرِهَهُ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ.
(لَا عَكْسُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِقَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ أَسْفَلَ
مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعْجِبُنِي.
(وَبَطَلَتْ بِقَصْدِ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ بِهِ الْكِبْرَ إلَّا بِكَشِبْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى شَيْءٍ أَرْفَعَ مِمَّا يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ، مِثْلُ الدُّكَّانِ يَكُونُ فِي الْمِحْرَابِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ فَعَلَ أَعَادُوا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ.
إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دُكَّانًا يَسِيرَ الِارْتِفَاعِ، مِثْلُ مَا كَانَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ فَتُجْزِيهِمْ الصَّلَاةُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِثْلُ الشِّبْرِ وَعَظْمِ الذِّرَاعِ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ هَذَا؛ لِأَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ فَعَلُوهُ عَلَى وَجْهِ الْكِبْرِ وَالْجَبْرِيَّةِ فَرَأَى هَذَا مِنْ الْعَبَثِ وَمِمَّا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ انْتَهَى.
وَانْظُرْ إذَا صَلَّى كَذَلِكَ الْمُقْتَدِي أَعْنِي عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ قَصْدًا إلَى التَّكَبُّرِ عَنْ مُسَاوَاةِ الْإِمَامِ.
قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: صَلَاتُهُ أَيْضًا بَاطِلَةٌ.
وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ ضَيِّقًا قَالَ فَضْلٌ: دَلِيلُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ: " لِأَنَّهُمْ يَعْبَثُونَ " أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاسِعٍ فَأَمَّا إذَا ضَاقَ الْمَوْضِعُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاتِهِ نَاسٌ
أَسْفَلَ مِنْهُ وَقَالَهُ سَحْنُونَ.
(وَهَلْ يَجُوزُ إنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ طَائِفَةٌ كَغَيْرِهِمْ؟ تَرَدُّدٌ) ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ قَوْمٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَصَلَاةُ الْجَمِيعِ تَامَّةٌ.
ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ قَصَدَ الْمُرْتَفِعُونَ مَعَ
الْإِمَامِ بِذَلِكَ التَّكَبُّرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا ذَلِكَ فَفِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ.
(وَمُسَمِّعٌ وَاقْتِدَاءٌ بِهِ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَذِكْرٌ قَصَدَ بِهِ التَّفْهِيمَ " تَرْشِيحُ ابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي عِمْرَانَ الْجَوَازَ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: إنَّ لَهُ أَجْرَ التَّنْبِيهِ.
وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله يَقُولُ: إذَا جَرَى النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ لَهُ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ وَكَانَ لِلْإِنْسَانِ مُخْتَارٌ غَيْرُهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مُخْتَارِهِ فَيُدْخِلَ عَلَيْهِمْ شَغَبًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَحَيْرَةً فِي دِينِهِمْ؛ إذْ مِنْ شَرْطِ التَّغْيِيرِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، اهـ.
اُنْظُرْ قَوْلَ عِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ قَالَ مَا نَصُّهُ: لَا يَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَإِنَّمَا يُغَيِّرُ مَا اُجْتُمِعَ عَلَى إحْدَاثِهِ، وَإِنْكَارِهِ.
وَرَشَّحَ هَذَا أَيْضًا مُحْيِي الدِّينِ الشَّافِعِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ فَقَالَ: أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إنْكَارَ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصَّ الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ، وَنَحْوُ هَذَا فِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ لِلْقَرَافِيِّ، وَنَحْوُهُ فِي قَوَاعِدِ عِزِّ الدِّينِ.
قَالَ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنُ لُبٍّ: لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي كَرَاهِيَةٍ لَا فِي تَحْرِيمٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَرُبَّمَا يَئُولُ الْإِنْكَارُ إلَى أَمْرٍ يَحْرُمُ انْتَهَى.
وَقَدْ نَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ فِي نَوَازِلِهِ كَلَامَ ابْنِ لُبٍّ مَعْزُوًّا لِبَعْضِ الشُّيُوخِ وَرَشَّحَهُ.
وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسَمِّعٌ، وَالْجَمَاعَةُ كَثِيرَةٌ قَدْ نَصَّ عِيَاضٌ أَنَّ مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ " وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " لِيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ وَرَاءَهُ
قَالَ: وَمِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامِ أَيْضًا أَنْ يَجْزِمَ تَحْرِيمَهُ وَتَسْلِيمَهُ وَلَا يُمَطِّطَهُمَا لِئَلَّا يُسَابِقَهُ بِهِمَا مَنْ وَرَاءَهُ