الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى شَكٍّ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ، ثُمَّ يَجْلِسُونَ وَيَأْتِي هُوَ بِرَكْعَةٍ قَضَاءً بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ.
ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ قِيلَ: يَسْجُدُ بِهِمْ قَبْلَ رَكْعَةِ الْقَضَاءِ.
ابْنُ رُشْدٍ: سُجُودُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُوسَى.
وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ: يَسْجُدُ إثْرَ تَمَامِ صَلَاةِ الْأَوَّلِ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَلِكُلِّ قَوْلٍ وَجْهٌ.
ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا كَانَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّ رَكْعَةً مِنْ الْأُولَيَيْنِ قَدْ بَطَلَتْ لِلسَّجْدَةِ الَّتِي أَسْقَطَ الْإِمَامُ وَصَارَ الْمُسْتَخْلَفُ إنَّمَا اُسْتُخْلِفَ عَلَى ثَانِيَةِ الْإِمَامِ وَقَدْ قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَقَامَ فِيهَا فَدَخَلَهُ النَّقْصُ عَيْنًا وَقَدْ صَارَتْ الرَّابِعَةُ ثَالِثَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَابِعَةِ الْإِمَامِ، وَهِيَ رَكْعَةُ الْبِنَاءِ فَلِذَلِكَ قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا، ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةِ الْقَضَاءِ لِنَفْسِهِ.
سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ مُوقِنِينَ بِالسَّلَامَةِ قَعَدُوا وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ وَقَضَى الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ.
قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ الْأَوَّلُ حَتَّى قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتَاهُ فَقَالَ بَقِيَتْ عَلَيَّ سَجْدَةٌ، فَصَلَاةُ الْمُسْتَخْلَفِ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ وَلَكِنْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ وَتَرَكَ السُّورَةَ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ، وَيَسْجُدُ مَعَهُ الْقَوْمُ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى شَكٍّ أَتَوْا بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَسَلَّمُوا ثُمَّ سَجَدُوا لِلسَّهْوِ خَوْفًا أَنْ لَا يَكُونَ بَقِيَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ فَتَصِيرَ هَذِهِ رَكْعَةً زَائِدَةً.
[بَاب فِي صَلَاة السَّفَر]
فَصْلٌ
ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ التَّاسِعُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَشْرُوعٌ
أَبُو عُمَرَ عَنْ الْمَذْهَبِ: سُنَّةٌ.
وَرَوَى أَشْهَبُ: فَرْضٌ.
الْمَازِرِيُّ: وَمَالَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْبَغْدَادِيِّينَ.
الْأَبْهَرِيُّ: مُسْتَحَبٌّ.
الْبَاجِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: مُبَاحٌ (غَيْرِ عَاصٍ بِهِ وَلَاهٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ خَرَجَ يُرِيدُ الصَّيْدَ عَلَى مَسِيرَةِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ قَصَرَ الصَّلَاةَ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْشَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ خَرَجَ مُتَلَذِّذًا فَلَمْ أَرَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ.
ابْنُ شَعْبَانَ: وَإِنْ
قَصَرَ الْمُتَلَذِّذُ لِلصَّيْدِ لَمْ يُعِدْ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ مُبَاحٌ وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الصَّيْدَ لِلَّهْوِ.
ابْنُ بَشِيرٍ: لَمْ يُجِبْ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ حُكْمِ السُّعَاةِ فِي الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَدَّوْنَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ، وَفِي صَرْفِهَا فَرَآهُ سَفَرًا مَنْهِيًّا عَنْهُ.
وَلَعَلَّ سُكُوتَهُ عَنْ الْجَوَابِ مُحَاذَرَةٌ مِنْ وُلَاةِ وَقْتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ خَرَجَ بَاغِيًا، أَوْ قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ، أَوْ طَالِبًا لِلْإِثْمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِضَرُورَةٍ.
ابْنُ يُونُسَ: قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ إلَّا قَوْلَهُ: " وَلَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ " وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ أَكْلَهَا لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا كَانَ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ: أَحَدُهُمَا النُّزُوعُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مَنْ أَلْغَى فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَالْآخَرُ إيحَاءُ النَّفْسِ يَتَنَاوَلُ مَا يَرُدُّ رَمَقَهُ، فَأَمَرْنَاهُ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا.
فَإِنْ فَعَلَهُمَا فَهُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا لَمْ نَأْمُرْهُ بِتَرْكِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْآخَرَ.
وَهَذَا كَمَنْ أُمِرَ بِتَرْكِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَانْقَطَعَ عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: لَا تَتْرُكْ هَذَا حَتَّى تَتْرُكَ الْآخَرَ بَلْ يُقَالُ لَهُ أَنْتَ مَمْدُوحٌ عَلَى مَا تَرَكْتَ، وَأَنْتَ مَذْمُومٌ عَلَى مَا أَقَمْتَ عَلَيْهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: لِأَنَّ مَنَاطَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ الضَّرُورَةُ لَا السَّفَرُ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: السَّفَرُ الْمُبَاحُ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ فِيهِ
بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ.
وَأَمَّا السَّفَرُ الْحَرَامُ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ.
(أَرْبَعَةَ بُرُدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: سَبَبُ الْقَصْرِ سَفَرٌ مَعْزُومٌ عَلَى طُولِهِ جَزْمًا فَالطَّوِيلُ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ فَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَالْفَرْسَخُ عَشْرُ غَلَوَاتٍ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ
مِيلًا، وَالْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ: أَبُو عُمَرَ: الْأَصَحُّ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.
ابْنُ رُشْدٍ: الْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ وَهِيَ أَلْفُ بَاعٍ. قِيلَ: بِبَاعِ الْفَرَسِ، وَقِيلَ: بِبَاعِ الْجَمَلِ، الْمُحْكَمُ وَالصِّحَاحُ: الْمِيلُ أَمَدُ الْبَصَرِ، الْقَرَافِيُّ: الذِّرَاعُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ، بَطْنُ إحْدَاهُمَا لِظَهْرِ الْأُخْرَى، وَكُلُّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الذِّرَاعَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَرْفِقِ إلَى طَرَفِ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى.
الصِّحَاحُ: الْغَلْوَةُ الْغَايَةُ مِقْدَارُ رَمْيَةٍ، وَالْبَاعُ قَدْرُ مَدِّ الْيَدَيْنِ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ حَتَّى تَكُونَ مَسَافَةُ سَفَرِهِ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ.
ابْنُ يُونُسَ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَصَرَ الصَّلَاةَ إلَى ذَاتِ النُّصُبِ وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ» .
وَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْصُرُ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ، وَمِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْصَرُ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ الْيَوْمِ التَّامِّ.
وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ فَقِيلَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا، وَقِيلَ: خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ فَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ الثَّمَانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ مِيلًا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ، وَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَفِي إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ قَوْلَانِ، فَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ.
(وَلَوْ بِبَحْرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ حُكْمَ الْبَحْرِ حُكْمُ الْبَرِّ.
قَالَ مَالِكٌ: يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ إنْ نَوَى سَفَرَ يَوْمٍ تَامٍّ.
ابْنُ رُشْدٍ قَالَ مَالِكٌ: هَذَا لِأَنَّ الْأَمْيَالَ لَا تُعْرَفُ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا لَيْسَ
بِخِلَافٍ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مَعَ السَّوَاحِلِ بِحَيْثُ يُمَيِّزُ مِقْدَارَهُ بِالْأَمْيَالِ فَهُوَ كَالْبَرِّ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ فِيهِ الْأَمْيَالُ فَكَمَا قَالَ مَالِكٌ، اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ قَبْلَ هَذَا.
(ذَهَابًا) ابْنُ عَرَفَةَ: لَا يَعْتَبِرُ فِي طُولِهِ رُجُوعَهُ.
اللَّخْمِيِّ: الْمُرَاعَى فِي السَّفَرِ السَّيْرُ وَلَا يُضَافُ إلَيْهِ الرُّجُوعُ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ خَرَجَ يَدُورُ فِي الْقُرَى وَفِي دَوَرَانِهِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ قَصَرَ.
اللَّخْمِيِّ: يُرِيدُ لَا يُحْتَسَبُ فِي ذَلِكَ مَنْ
كَانَ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ، انْتَهَى.
ابْنُ عَرَفَةَ: جَعَلَ سَنَدٌ هَذَا خِلَافًا وَقَالَ: الدَّائِرُ كَالْمُسْتَقِيمِ (قُصِدَتْ دُفْعَةً) تَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ سَفَرٌ مَعْزُومٌ عَلَى طُولِهِ جَزْمًا.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ آبِقٍ أَوْ حَاجَةٍ فَقِيلَ لَهُ هَا هِيَ بَيْنَ يَدَيْك عَلَى بَرِيدٍ فَمَشَى كَذَلِكَ أَيَّامًا لَا يَدْرِي غَايَةَ سَفَرِهِ فَلْيُتِمَّ فِي سَيْرِهِ وَيَقْصُرْ فِي رُجُوعِهِ إذَا كَانَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ فَأَكْثَرَ.
ابْنُ يُونُسَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ لَمَّا بَلَغَ هَذَا الَّذِي خَرَجَ فِي طَلَبِ آبِقٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَقِيلَ: إنَّ حَاجَتَك فِي مَوْضِعِ كَذَا عَلَى بَرِيدَيْنِ بَيْنَ يَدَيْك، أَوْ عَنْ يَمِينِك، أَوْ عَنْ شِمَالِك فَقَالَ: أَنَا أَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، ثُمَّ أَتَمَادَى مِنْهُ إلَى دَارِي عَلَى كُلِّ حَالٍ وَجَدْته وَلَمْ أَجِدْهُ.
فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُخْبِرَ أَنَّ الْعَبْدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ مَسِيرٌ إلَى رُجُوعٍ.
وَظَهَرَ لِي وَلِغَيْرِي مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقْصُرُ مِنْ رَأْسِ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَقَالَ أَنَا آخُذُ فِي رُجُوعِي مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي ذُكِرَ لِي أَنَّ الْعَبْدَ فِيهِ فَهُوَ كَالرَّاجِعِ.
وَكَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، أَوْ غَرَّ بِي الطَّرِيقُ، أَوْ لِحَاجَةٍ غَيْرِ الْآبِقِ فَهُوَ كَمُبْتَدِئٍ سَفَرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.
وَكَاَلَّذِي يُرِيدُ سَفَرًا إلَى جِهَةِ قِبْلَةِ بَلَدِهِ فَذُكِرَ لَهُ حَاجَةٌ عَلَى بَرِيدَيْنِ فِي دُبُرِ بَلَدِهِ فَقَالَ: أَخْرُجُ لِهَذِهِ فِي دُبُرِ بَلَدِي ثُمَّ أَرْجِعُ عَلَى طَرِيقِي وَلَا أَدْخُلُ مَدِينَتِي، ثُمَّ أَتَمَادَى إلَى تَمَامِ سَفَرِي أَنَّهُ يَقْصُرُ مِنْ حِينِ يَبْرُزُ عَنْ قَرْيَتِهِ، فَكَذَلِكَ الَّذِي بَلَغَ رَأْسَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَقَالَ: أَبْلُغُ مَوْضِعَ كَذَا ثُمَّ أَتَمَادَى مِنْهُ إلَى دَارِي لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
ابْنُ عَرَفَةَ: هَذِهِ مُصَادَرَةٌ وَيَرُدُّهُ رِوَايَةُ الشَّيْخِ مَنْ سَارَ بَرِيدَيْنِ فَرَجَعَ إلَى طَرِيقٍ أَقْصَرَ وَمَمَرُّهُ عَلَى مَنْزِلِهِ وَلَمْ يُرِدْ النُّزُولَ بِهِ أَثِمَ فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يُجَاوِرَهُ انْتَهَى.
اُنْظُرْ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " وَمَمَرُّهُ عَلَى مَنْزِلِهِ " فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ: " أَرْجِعُ عَلَى طَرِيقِي وَلَا أَدْخُلُ مَدِينَتِي " وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ ظَهَرَ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ مَيْلٌ لِقَوْلِ سَنَدٍ: " الدَّائِرُ كَالْمُسْتَقِيمِ " فَلِمَ لَا يُعَدُّ هَذَا دَائِرًا؟ وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا عَادِلٌ عَنْ قَصِيرٍ ".
(إنْ عَدَّى الْبَلَدِيُّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَرَادَ سَفَرًا فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ حَتَّى لَا يُحَاذِيَهُ، أَوْ يُوَاجِهَهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَكَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ
ثُمَّ يَقْصُرَ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ بَرَزَ مَكِّيٌّ لِذِي طُوًى مُسَافِرًا أَتَمَّ حَتَّى يَسِيرَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَكَّةَ.
ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ سَافَرَ مَنْ بِمِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ لَا بِنَاءَ حَوْلَهُ وَلَا بَسَاتِينَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقْصُرُ بِمُفَارَقَةِ السُّورِ.
وَإِنْ كَانَ حَوْلَ الْمِصْرِ بِنَاءَاتٌ مَعْمُورَةٌ وَبَسَاتِينُ فَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِ وَكَانَتْ فِي حُكْمِهِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا.
وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِهِ وَكَانَتْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا قَصَرَ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَحَلُ عَنْهُ قَرْيَةً لَا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَلَا بِنَاءَاتٍ مُتَّصِلَةً بِهَا وَلَا بَسَاتِينَ قَصَرَ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ بِلَا خِلَافٍ.
وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: مَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا مِنْ قُرْطُبَةَ فَوَصَلَ إلَى البرتال، أَوْ إلَى مِينَةَ، أَوْ إلَى عَيْنِ شُهْدَة قَصَرَ وَلَا يُرَاعِي أَنْ يَكُونَ الْبَسَاتِينُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ بِقَرْيَةِ الْجُمُعَةِ) أَبُو عُمَرَ: قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ - وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ - أَنَّهُ لَا
يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ الْبُيُوتَ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي مُوَطَّئِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْقَرْيَةُ مِمَّا تُجَمَّعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَلَا يَقْصُرُ الْخَارِجُ عَنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ انْتَهَى.
عَلَى نَصِّهِ وَسِيَاقِهِ.
وَاَلَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُتِمُّ الْمُسَافِرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ قَرْيَتِهِ فَيَقْصُرَ.
ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَنْقَطِعُ عَنْ بُيُوتِهَا انْقِطَاعًا بَيِّنًا وَرَوَى الْأَخَوَانِ بِمُجَاوَزَةِ ذَاتِ الْجُمُعَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ انْتَهَى.
فَانْظُرْ أَنْتَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: " وَتُؤُوِّلَتْ ".
(وَالْعَمُودِيُّ حِلَّتَهُ) .
ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ السَّفَرُ مِنْ بُيُوتِ الْعَمُودِ فَإِذَا فَارَقَ الْحُلَلَ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا قَصَرَ بِلَا خِلَافٍ.
الصِّحَاحُ: يُقَالُ هُوَ فِي حُلَّةِ صِدْقٍ أَيْ مَحَلِّ صِدْقٍ، وَالْمَحَلَّةُ مَنْزِلُ الْقَوْمِ (وَانْفَصَلَ غَيْرُهُمَا) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَحَلُ عَنْهُ
قَرْيَةً لَا تُقَامُ بِهَا الْجُمُعَةُ وَلَا بِنَاءَاتٌ مُتَّصِلَةً بِهَا قَصَرَ إذَا جَاوَزَ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ.
(قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ) هَذَا مَقَامُ سَنٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ هُنَاكَ (وَقْتِيَّةٍ، أَوْ فَائِتَةٍ فِيهِ) .
ابْنُ شَاسٍ: مَحَلُّ الْقَصْرِ كُلُّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ مُؤَدَّاةٍ فِي السَّفَرِ، أَوْ مُقْتَضِيَةٍ لِفَوَاتِهَا فِيهِ.
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةَ سَفَرٍ فَذَكَرَهَا بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِهَا فِي حَضَرٍ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
وَانْظُرْ لَوْ ذَكَرَ سَفَرِيَّةً وَهُوَ فِي الْحَضَرِ صَلَّاهَا حَضَرِيَّةً عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَعَ الشَّكِّ فِي الْقَصْرِ ".
وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ قَدْ ذَهَبَ وَقْتُهَا فِي سَفَرٍ صَلَّى أَرْبَعًا كَمَا كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ نُوتِيًّا بِأَهْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَقَصْرُ النَّوَاتِيَّةِ، وَإِنْ
كَانَ مَعَهُمْ الْأَهْلُ وَالْوَلَدُ (إلَى مَحَلِّ الْبَدْءِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَاضِي وَرِوَايَةُ الْأَخَوَيْنِ مَبْدَأُ الْقَصْرِ مُنْتَهَاهُ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ.
(لَا أَقَلَّ إلَّا كَمَكِّيٍّ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ) .
ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَقْصُرُ كُلُّ حَاجٍّ حَتَّى الْمَكِّيِّ إلَّا الْمَنْوِيَّ وَالْعُرْفِيَّ بِمَحَلِّهِمَا.
الْبَاجِيُّ: إنَّ عَمَلَ الْحَاجِّ لَا يَتِمُّ
إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَعَ لُزُومِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ وَالرُّجُوعَ لَهَا لَازِمٌ (فَلَفِّقْ) وَلِذَا لَا يَقْصُرُ عَرَفِيٌّ بَعْدَ وُقُوفِهِ وَتَوَجُّهِهِ لِمِنًى وَمَكَّةَ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لِعَرَفَةَ لِوَطَنِهِ فَلَا يَصِحُّ.
ابْنُ رُشْدٍ: قَصْرُ الْمَكِّيِّ لِلسُّنَّةِ وَلَا يَتَعَدَّى بِالسُّنَّةِ مَحَلَّهَا إذَا لَمْ تُوَافِقْ الْأُصُولَ.
(وَلَا رَاجِعٌ لِدُونِهَا وَلَوْ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ) فِيهَا لِمَالِكٍ: مَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَسَارَ مَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فِي حَاجَةٍ فَلْيُتِمَّ فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يَبْرُزَ ثَانِيَةً.
ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ هَذَا لِأَنَّهُ سَفَرٌ غَيْرُ الْخُرُوجِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ.
وَلَوْ جَازَ هَذَا لَقَصَرَ مَنْ خَرَجَ إلَى مَسَافَةِ بَرِيدَيْنِ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ سَاعَتِهِ وَهَذَا أَبْيَنُ يَعْنِي مِنْ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَقْصُرُ (وَلَا عَادِلٌ عَنْ قَصِيرٍ بِلَا عُذْرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ كَانَ عَدَلَ، عَنْ غَيْرِ طَوِيلٍ لِأَمْنٍ، أَوْ يُسْرٍ، أَوْ حَاجَةٍ.
الْمَازِرِيُّ: لَا بُدَّ مِنْهَا قَصَرَ وَإِلَّا فَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا التَّرَخُّصَ
تَخَرَّجَ قَصْرُهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَسْحِ لَابِسِ الْخُفِّ لِلتَّرَخُّصِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَقْصِدَ أَقْوَى مِنْ الْوَسِيلَةِ وَتَخْرِيجِهِ.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: عَلَى قَصْدِ صَيْدِ اللَّهْوِ وَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَرُدُّهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ السَّبَبِيَّةِ كَالصِّحَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَسَبَبُ الْقَصْرِ سَفَرٌ مَطْلُوبٌ وَالسَّفَرُ لِلْقَصْرِ خِلَافُهُ انْتَهَى.
وَانْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةَ الْكَافِرِ يُسَافِرُ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ فَيُسْلِمُ، وَهُوَ فَذٌّ قَدْ قَطَعَ نِصْفَ الْمَسَافَةِ، نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هُنَا عَنْ السُّلَيْمَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ.
قَالَ اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ الْبُلُوغُ قَالَ: وَفِي طُهْرِ الْحَائِضِ نَظَرٌ.
وَانْظُرْ مِنْ نَحْوِ هَذَا نَازِلَةً اخْتَلَفَ فِيهَا شُيُوخُ وَقْتِنَا وَهِيَ قَوْمٌ سَفْرٌ مُقْصِرُونَ رَأَوْا هِلَالَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُمْ عَلَى بَرِيدَيْنِ فِي رُجُوعِهِمْ إلَى بَلَدِهِمْ.
فَظَهَرَ لِي أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ يَجُوزُ الْقَصْرُ يَجُوزُ الْفِطْرُ وَبِالْوَجْهِ الَّذِي يَقْصُرُونَ عَتَمَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَجِبْ إلَّا وَقَدْ بَقِيَ لِبَلَدِهِمْ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ يُصْبِحُونَ مُفْطِرِينَ.
(وَلَا هَائِمٌ) ابْنُ شَاسٍ: الْهَائِمُ لَا يَقْصُرُ.
(وَطَالِبُ رَعْيٍ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ قَبْلَهُ) .
ابْنُ عَرَفَةَ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُتِمُّ الْحَاجُّ لِنُفُوذِ بَيْعِ مَا مَعَهُ.
وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَكَذَلِكَ الرُّعَاةُ يَتْبَعُونَ الْكَلَأَ.
ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يَقْصُرُ طَالِبُ الْآبِقِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ دُونَهُ فَكَذَلِكَ الْهَائِمُ.
(وَلَا مُنْفَصِلٌ يَنْتَظِرُ رُفْقَةً إلَّا أَنْ يَجْزِمَ بِالسَّيْرِ دُونَهَا) .
ابْنُ عَرَفَةَ: فِيمَنْ بَرَزَ عَازِمًا فَأَقَامَ قَبْلَ مَسَافَتِهِ يَنْتَظِرُ لَاحِقًا طُرُقٌ.
اللَّخْمِيِّ: انْتِظَارُهُ مَنْ لَا يُسَافِرُ دُونَهُ إنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ، وَإِلَّا قَصَرَ.
ابْنُ بَشِيرٍ: وَإِنْ جَزَمَ بِوَقْفِ سَفَرِهِ عَلَى لَاحِقِهِ أَتَمَّ وَبِعَكْسِهِ قَصَرَ انْتَهَى.
اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةً تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى وَهِيَ الْمُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ يَرْكَبُ السَّفِينَةَ فِي مَرْسَى بَلَدِهِ وَيَبْقَى بِهَا يَنْتَظِرُ الرِّيحَ، اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَإِنْ بِرِيحٍ "(وَقَطَعَهُ دُخُولُ بَلَدِهِ) عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَقْطَعُهُ مُرُورُهُ بِوَطَنِهِ، أَوْ مَا فِي حُكْمِ وَطَنِهِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ إذَا مَرَّ
الْمُسَافِرُ بِقَرْيَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ وَلَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً أَتَمَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا غَيْرُ عَبِيدِهِ وَبَقَرِهِ وَجَوَارِيهِ وَلَا أَهْلَ لَهُ بِهَا وَلَا وَلَدَ قَصَرَ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ كَانَ لَهُ بِهَا أُمُّ وَلَدٍ، أَوْ سُرِّيَّةٌ يَسْكُنُ إلَيْهَا.
وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَسْكَنَهُ وَلَكِنَّهُ نَكَحَ بِهَا فَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَبْنِيَ بِأَهْلِهِ، وَيَلْزَمُهُ السُّكْنَى.
(وَإِنْ بِرِيحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ رَدَّتْهُ رِيحٌ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَلْيُتِمَّ مَا حَبَسَهُ الرِّيحُ حَتَّى يَظْعَنَ ثَانِيَةً.
قَالَ سَحْنُونَ: وَهَذَا إنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ إلَّا قَصَرَ فِيهِ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.
ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ إلَّا إنْ كَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَكَانَ يُتِمُّ فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِ فَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ اخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْطَنَ مَكَّةَ ثُمَّ رَفَضَ سُكْنَاهَا وَرَجَعَ يَنْوِي السَّفَرَ (إلَّا مُتَوَطِّنَ كَمَكَّةَ رَفَضَ سُكْنَاهَا وَرَجَعَ نَاوِيًا لِسَفَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَوْطَنَهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِيَعْتَمِرَ مِنْ الْجُحْفَةِ وَيَعُودَ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ بِهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَخْرُجَ مِنْهَا فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ فِي يَوْمَيْهِ لِأَنَّ مَكَّةَ كَانَتْ لَهُ مَوْطِنًا.
ثُمَّ قَالَ: يَقْصُرُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ.
ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ قَوْلِهِمْ يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْطَنَهَا وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ بِهَا صَارَ لَهَا حُكْمُ الْوَطَنِ فَكَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِ: " يَقْصُرُ " لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَطَنِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا أَتَمَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا نَوَى مِنْ الْإِقَامَةِ، وَأَمَّا وَطَنُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ إلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَكَانَ مَا لَا يَتِمُّ فِيهِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَضْعَفَ مِمَّا يَتِمُّ فِيهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ انْتَهَى.
رَاجِعْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّ فِيهِ زِيَادَةً (وَقَطَعَهُ دُخُولُ وَطَنِهِ) هَذَا
تَكْرَارٌ.
(أَوْ مَكَانِ زَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا) تَقَدَّمَ نَصُّ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ (فَقَطْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ غَيْرُ عَبِيدِهِ وَبَقَرِهِ قَصَرَ (وَإِنْ بِرِيحٍ غَالِبَةٍ) هَذَا تَكْرَارٌ.
(وَنِيَّةُ دُخُولِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الْمَسَافَةُ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا خَرَجَ، وَفِي طَرِيقِهِ قَرْيَةٌ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَنَوَى دُخُولَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَى أَبْرُدٍ أَرْبَعَةٍ قَصَرَ، وَإِلَّا أَتَمَّ ثُمَّ يَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَ فِي بَقِيَّةِ سَفَرِهِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ قَصَرَ، وَإِلَّا أَتَمَّ، فَإِذَا رَجَعَ وَلَمْ يَنْوِ دُخُولَهَا قَصَرَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ.
قَالَ: فَإِنْ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ دُخُولَهَا فَلْيَنْظُرْ بَقِيَّةَ سَفَرِهِ مِنْ حِينَئِذٍ، فَإِنْ كَانَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ قَصَرَ إذَا ظَعَنَ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ لَا قَبْلَ الظَّعْنِ مِنْهُ.
ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّ السَّاعَةَ يَصِيرُ مُسَافِرًا وَكَأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ وَطَنِهِ انْتَهَى.
اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ فَإِنَّ فِيهِ زِيَادَةً، وَانْظُرْ أَيْضًا هُنَا إذَا نَوَى أَنْ يَسِيرَ يَوْمًا وَيُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ سَحْنُونَ: إنَّهُ يَقْصُرُ فِي مَسِيرِهِ وَيُتِمُّ فِي مُقَامِهِ.
وَكَذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ خَرَجَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثِينَ مِيلًا أَوْ عِشْرِينَ، ثُمَّ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَنَّهُ يَقْصُرُ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ مَسِيرِهِ وَيُتِمُّ فِي مُقَامِهِ.
وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ خِلَافَهُ
وَأَنَّهُ يُرَاعِي مَسَافَتَهُ إلَى مَوْضِعٍ نَوَى فِيهِ الْإِقَامَةَ وَجَعَلَهُ كَوَطَنِهِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ مَوْضِعَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ أَتَمَّ وَلَمْ يَقْصُرْ.
ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ سَحْنُونٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى فِي أَوَّلِ سَفَرِهِ أَنْ يَسِيرَ كَذَلِكَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ يَجْزِيهِ التَّبْيِيتُ لِأَوَّلِ لَيْلَةٍ وَلَا يَضُرُّهُ تَخَلُّلُ الْفِطْرِ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّوْمِ الْمُتَّصِلِ، فَكَذَلِكَ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ السَّفَرِ الْمُتَّصِلِ وَلَا يَضُرُّهُ تَخْلِيلُ الْإِقَامَةِ وَلَيْسَ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ كَدُخُولِهِ وَطَنًا لَهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَتَهُ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ وَطَنِهِ.
(وَنِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا أَجْمَعَ الْمُسَافِرُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ عَلَى مُقَامِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَصَامَ حَتَّى يَظْعَنَ مِنْ مَكَانِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: يُلْغِي يَوْمَ دُخُولِهِ وَلَا يَحْسِبُهُ.
ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْعَدَدِ وَالْإِيمَانِ، وَالْقِيَاسُ، الْبِنَاءُ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُلْغِيَ بَعْضَ الْيَوْمِ وَيَبْدَأَ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا دَخَلَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَنَوَى إقَامَةَ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ انْتَهَى.
وَنَصُّ الرِّسَالَةِ: وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ (وَلَوْ بِخِلَالِهِ) .
ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَقْطَعُهُ بِنِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِي خِلَالِهِ عَلَى الْأَصَحِّ.
اُنْظُرْ إنْ كَانَ عَنَى أَنَّهُ يُتِمُّ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِي نِيَّتِهِ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِيَكُونَ قَدْ اخْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ خِلَافًا لِمُرْتَضَى ابْنِ يُونُسَ وَقَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ (إلَّا الْعَسْكَرَ بِدَارِ الْحَرْبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا أَقَامَ الْعَسْكَرُ بِدَارِ الْحَرْبِ قَصَرَ، وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ دَارُ الْحَرْبِ كَغَيْرِهَا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَقْصُرُ إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إذْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِلْكَ الثِّقَةِ حَتَّى يُجَاوِزَ الضُّرُوبَ وَيَصِيرَ بِمَحَلِّهِ آمِنًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَتَمَّ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِصْرٍ وَلَا قَرْيَةٍ.
(أَوْ الْعِلْمِ بِهَا عَادَةً) ابْنُ الْحَاجِبِ: يَقْطَعُ الْقَصْرَ نِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ قَالَ: وَمُرُورُهُ بِوَطَنِهِ كَنِيَّةِ إقَامَتِهِ، وَالْعِلْمُ بِهَا بِالْعَادَةِ مِثْلُهُمَا، وَإِلَّا قَصَرَ أَبَدًا وَلَوْ مُنْتَهَى سَفَرِهِ.
وَمِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يُتِمُّ الْأَسِيرُ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَّا أَنْ يُسَافِرَ فَيَقْصُرَ.
سَحْنُونَ: وَيَسْأَلُ الَّذِينَ سَافَرُوا بِهِ وَيَقْبَلُ قَوْلَ جَمَاعَتِهِمْ أَنَّ مَسَافَةَ سَفَرِهِمْ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ.
(لَا الْإِقَامَةُ) الْبَاجِيُّ: مَنْ أَقَامَ بِمَنْزِلٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يَنْوِي كُلَّ يَوْمٍ الِانْتِقَالَ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ مَانِعٌ وَلَا يَدْرِي مَتَى يَنْتَقِلُ، فَإِنَّ هَذَا يَقْصُرُ أَبَدًا مَا لَمْ يُجْمِعْ مُكْثًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مُنْتَظِرُ حَاجَةٍ أَوْ بُرْءٍ، أَوْ مَحْبُوسُ رِيحٍ (وَإِنْ بِآخِرِ سَفَرِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِلَّا قَصَرَ أَبَدًا وَلَوْ مُنْتَهَى سَفَرِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ.
قَالَ اللَّخْمِيِّ: مَنْ قَدِمَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ لِبَيْعِ تِجَارَةٍ مَعَهُ وَهُوَ عَلَى شَكٍّ فِي مُدَّةِ إقَامَتِهِ بِالْبَلَدِ الَّذِي قَدِمَهُ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ فِيمَا مَعَهُ هَلْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَإِنَّهُ يُتِمُّ؛ لِأَنَّ غَايَةَ سَفَرِهِ قَدْ بَلَغَهُ وَانْقَضَى
وَالرُّجُوعُ إحْدَاثُ سَفَرٍ ثَانٍ.
قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَفْرُغُ مِنْهَا فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ فَيَقْصُرُ، وَإِنْ شَكَّ أَتَمَّ.
(وَإِنْ نَوَاهَا بِصَلَاةٍ شَفَعَ وَلَمْ تَجْزِ حَضَرِيَّةً وَلَا سَفَرِيَّةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَةً، ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ شَفَعَهَا وَسَلَّمَ وَكَانَتْ لَهُ نَافِلَةً وَابْتَدَأَ صَلَاةَ مُقِيمٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ إمَامًا قَدَّمَ غَيْرَهُ وَخَرَجَ وَأَنْشَأَ هُوَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ (وَبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ لَمْ أَرَ الْإِعَادَةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةً وَأَحَبُّ إلَى أَنْ يُعِيدَ.
وَفِي التَّفْرِيعِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا فِي وَقْتٍ وَلَا بَعْدَهُ، وَقَدْ قِيلَ: يُعِيدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُقِيمٌ اسْتِحْبَابًا.
ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ بِالْعَصْرِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَبَعْدَ رَكْعَةٍ نَوَى الْإِقَامَةَ إنْ كَانَ رَكَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَيَّرَهَا نَافِلَةً وَابْتَدَأَ صَلَاةَ مُقِيمٍ، وَإِنْ ابْتَدَأَهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَضُرَّهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ (وَإِنْ اقْتَدَى مُقِيمٌ بِهِ فَكُلٌّ عَلَى سُنَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ صَلَّى مُقِيمٌ خَلْفَ مُسَافِرٍ فَلْيُتِمَّ الْمُقِيمُ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ.
(وَكُرِهَ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى أَنَّ نَقِيضَ الْمُسْتَحَبِّ مَكْرُوهٌ (كَعَكْسِهِ وَتَأَكَّدَ) .
الْبَاجِيُّ: إذَا اجْتَمَعَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُسَافِرِينَ أَحَدُهُمْ وَالْمُقِيمِينَ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ أَمَّ الْجَمِيعَ أَحَدُهُمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُمْ مُسَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَغَيَّرُ صَلَاةُ مَنْ وَرَاءَهُ.
وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَرَاءَ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ فِي إتْمَامِهِ تَغْيِيرَ صَلَاتِهِ إلَّا لِمَعَانٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ فَلَا يُعِيدُ.
ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ فَضِيلَةَ السُّنَّةِ فِي الْقَصْرِ آكَدُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ.
وَاسْتَخَفَّ مَالِكٌ لِلْقَوْمِ السَّفْرِ أَنْ يُقَدِّمُوا مُقِيمًا يُتِمُّ بِهِمْ إذَا كَانَ ذَا سِنٍّ وَفَضْلٍ لِمَا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مِنْ الرَّغْبَةِ أَوْ صَاحِبَ مَنْزِلٍ لِمَا فِي تَرْكِ ائْتِمَامِهِ بِهِمْ مِنْ بَخْسِهِ حَقَّهُ؛ إذْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ.
ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: " إنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَصْرِ " لِأَنَّ كِلَيْهِمَا سُنَّةٌ وَتَزِيدُ الْجَمَاعَةُ بِتَفْضِيلِ الْأَجْرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ انْتَهَى.
وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ رحمه الله -
يُرَشِّحُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَافِرِينَ فِي زَمَانِنَا وَيَقُولُ: الْأَفْضَلُ لَهُمْ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَحَرَّوْا الصَّلَاةَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا فِي أَسْفَارِهِمْ مَعَ الْجَمَاعَةِ (وَتَبِعَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ خَلْفَ الْمُقِيمِ اتَّبَعَهُ وَأَتَمَّ مَعَهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا أَدْرَكَ - يَعْنِي الْمُسَافِرَ - رَكْعَةً وَاحِدَةً مِنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ.
انْتَهَى نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ.
وَانْظُرْ إنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُصَلِّيهَا قَصْرًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ ذَلِكَ صَلَاةَ سَفَرٍ انْتَهَى.
اُنْظُرْ عَكْسَ هَذَا مَنْ أَحْرَمَ فِي الْجُمُعَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إثْرَ دَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ يَظُنُّ أَنَّهَا الْأُولَى فَبَانَ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ.
رَوَى مُحَمَّدٌ: يَبْنِي عَلَى إحْرَامِهِ أَرْبَعًا وَاسْتُحِبَّ بِأَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ، وَلَا إشْكَالَ إنْ أَدْرَكَ الْجُلُوسَ أَنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَحْرَمَ.
وَانْظُرْ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ أَيْضًا فَبَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ذَكَرَ أَنَّهُ أَسْقَطَ مِنْهَا سَجْدَةً فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ بِلَا إشْكَالٍ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا تَمَّتْ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَالْجُمُعَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِمَامٍ فَلْيَبْنِ عَلَى هَذِهِ الرَّكْعَةِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَتَتِمَّ لَهُ ظُهْرًا كَمَنْ جَاءَ يَوْمَ الْخَمِيسِ يَظُنُّهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَضُرُّهُ إحْرَامُهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: يُتِمُّهَا جُمُعَةً (وَلَمْ يُعِدْ) تَقَدَّمَ نَقْلُ الْبَاجِيِّ: فَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ لَمْ يُعِدْ خِلَافَ مَا فِي الْجَلَّابِ.
(وَإِنْ أَتَمَّ مُسَافِرٌ نَوَى إتْمَامًا، وَإِنْ سَهْوًا سَجَدَ وَالْأَصَحُّ إعَادَتُهُ) الَّذِي لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَحْرَمَ عَلَى
التَّمَامِ عَمْدًا أَوْ نَاسِيًا أَنَّهُ فِي سَفَرٍ، أَوْ جَهْلًا أَوْ مُتَأَوِّلًا أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ سَفَرِيَّةً، فَإِنْ حَضَرَ فِيهِ أَعَادَهَا أَرْبَعًا.
وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نَاسِي سَفَرِهِ عَنْ الِاكْتِفَاءِ بِسُجُودِ السَّهْوِ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ لَكَانَ عَلَيْهِ فِي عَمْدِهِ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا.
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَتَيْنِ.
ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ رَجَعَ فِي الْوَقْتِ إلَى نِيَّتِهِ أَعَادَ أَرْبَعًا مُحَمَّدٌ: الْوَقْتُ فِي ذَلِكَ النَّهَارُ كُلُّهُ.
وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: الْوَقْتُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ.
(كَمَأْمُومِهِ) قَالَ سَحْنُونَ مُفَسِّرًا لِقَوْلِ مَالِكٍ: إنْ أَحْرَمَ نَاسِيًا لِسَفَرِهِ، أَوْ لِإِقْصَارِهِ؟ ، أَوْ مُتَأَوِّلًا، وَخَلْفَهُ مُقِيمُونَ وَمُسَافِرُونَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ هُوَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي الْوَقْتِ وَيُعِيدُ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ أَبَدًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ سَبَّحُوا بِهِ حِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَرَجَعَ إلَيْهِمْ وَسَلَّمَ بِالْمُسَافِرِينَ وَأَتَمَّ الْمُقِيمُونَ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةَ أَبَدًا؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى أَوَّلِ نِيَّتِهِ.
(بِوَقْتٍ وَالْأَرْجَحُ الضَّرُورِيُّ) ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ الْإِبْيَانِيِّ وَمَا رَأَيْت لَهُ تَرْجِيحًا (إنْ اتَّبَعَهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ سَحْنُونٍ يُعِيدُ هُوَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْهُ يُعِيدُ أَبَدًا.
(كَأَنْ قَصَرَ عَمْدًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا افْتَتَحَ الْمُسَافِرُ عَلَى الْإِتْمَامِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لَمْ تَجْزِهِ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى أَوَّلِ نِيَّتِهِ.
(وَالسَّاهِي كَأَحْكَامِ السَّهْوِ) هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيمَنْ أَحْرَمَ عَلَى الْإِتْمَامِ وَقَصَرَ سَهْوًا قَالَ: وَهُوَ عَلَى أَحْكَامِ السَّهْوِ.
فَإِنْ جَبَرَهَا فَكَمُتِمٍّ وَكَأَنْ أَتَمَّ وَمَأْمُومُهُ بَعْدَ نِيَّةِ قَصْرٍ عَمْدًا.
ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَحْرَمَ مُسَافِرٌ خَلْفَهُ مُسَافِرُونَ بِنِيَّةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَتَمَّ عَامِدًا وَجَلَسَ مَنْ خَلْفَهُ وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةَ بِإِفْسَادِهِ إيَّاهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ.
ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَا أَيْضًا إنْ اتَّبَعُوهُ انْتَهَى.
اُنْظُرْ هَلْ يُفْهَمُ هَذَا كُلُّهُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ (وَسَهْوًا أَوْ جَهْلًا فَفِي الْوَقْتِ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا: مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ.
وَتَقَدَّمَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَسَحْنُونٍ سَوَاءٌ أَتَمَّ سَاهِيًا، أَوْ
جَاهِلًا.
(وَسَبَّحَ مَأْمُومُهُ وَلَا يَتَّبِعُهُ وَسَلَّمَ الْمُسَافِرُ بِسَلَامِهِ) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بِالْمُسَافِرِينَ فَقَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَسَبَّحُوا فَتَمَادَى وَجَهِلَ فَلَا يَتَّبِعُوهُ وَيَقْعُدُوا وَيَتَشَهَّدُوا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمُوا بِسَلَامِهِ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ (وَأَتَمَّ غَيْرُهُ بَعْدَهُ أَفْذَاذًا) صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِهَذَا أَعْنِي إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ عَلَى قَصْرٍ وَخَلْفَهُ مُقِيمُونَ فَأَتَمَّ سَهْوًا أَنَّهُمْ يَجْلِسُونَ وَيُتِمُّونَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَفْذَاذًا (وَأَعَادَ فَقَطْ فِي الْوَقْتِ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَأَتَمَّ غَيْرُهُ ".
(وَإِنْ ظَنَّهُمْ سَفَرًا فَظَهَرَ خِلَافُهُ أَعَادَ أَبَدًا إنْ كَانَ مُسَافِرًا) قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ دَخَلَ مَعَ قَوْمٍ يَظُنُّهُمْ سَفَرًا فَإِذَا هُمْ مُقِيمُونَ قَالَ: يُعِيدُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ سَحْنُونَ: وَذَلِكَ إذَا كَانَ هَذَا الدَّاخِلُ مُسَافِرًا.
ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ سَحْنُونٍ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا لَأَتَمَّ صَلَاتَهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ وُجُودُ الْقَوْمِ عَلَى خِلَافِ مَا حَسِبَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، لِأَنَّ الْإِتْمَامَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَا تَأْثِيرَ لِمُخَالَفَةِ نِيَّتِهِ لِنِيَّةِ إمَامِهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُ مَالِكٍ يُعِيدُ أَحَبُّ إلَيَّ يُرِيدُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، أَوْ سَلَّمَ مَعَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى.
(كَعَكْسِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مَعَ الْقَوْمِ وَهُوَ يَظُنُّهُمْ حَضَرِيِّينَ فَأَلْفَاهُمْ مُسَافِرِينَ سَلَّمُوا مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَلِمَالِكٍ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ، وَهَذَا خِلَافُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَخِلَافُ مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ.
(وَفِي تَرْكِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ تَرَدُّدٌ) اللَّخْمِيِّ: يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ
يَتَمَادَى إلَى الْأَرْبَعِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ.
الْمَازِرِيُّ: هَذَا عَلَى عَدَمِ لُزُومِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ.
اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ لَمْ يَنْوِ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ ".
وَنُدِبَ تَعْجِيلُ الْأَوْبَةِ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وِجْهَتِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ» الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ بَلَغَ مِنْهَا مُرَادَهُ وَمَا يَكْفِيهِ.
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّعْجِيلِ التَّعْجِيلَ غَيْرَ الْيَسِيرِ مِنْ تَرْكِ التَّلَوُّمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ التَّعْجِيلَ فِي السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى قِيَامِهِ بِأَمْرِهِمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِمَّا يُبِيحُ التَّعْجِيلَ فِي السَّفَرِ.
(وَالدُّخُولُ ضُحًى) ابْنُ شَاسٍ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ صَدْرَ النَّهَارِ، وَلَا يَأْتِيَ أَهْلَهُ طُرُوقًا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
ابْنُ شَاسٍ: النَّظَرُ الثَّانِي فِي الْجَمْعِ، وَأَسْبَابُهُ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ السَّفَرُ (وَرُخِّصَ لَهُ جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ جَمْعِ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ.
رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ ارْتَحَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْعِشَاءَيْنِ الْجَمْعَ عِنْدَ الرَّحِيلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: هُمَا كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.
الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَيْسَ بِوَقْتٍ مُعْتَادٍ لِلرَّحِيلِ.
ابْنُ عَلَاقٍ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْجَمْعَ
إنَّمَا رُخِّصَ لِلرَّاكِبِ دُونَ الرَّاجِلِ رِفْقًا بِهِ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ (بِبَرٍّ) نَقَلَ فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فِي الْبَرِّ انْتَهَى.
اُنْظُرْ إذَا كَانَ الرَّاجِلُ لَا يَجْمَعُ فَلِمَ كَانَ يَنُصُّ عَلَى هَذَا فَانْظُرْ فِيهِ (وَإِنْ قَصُرَ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَلَوْ لَمْ يَجِدَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ حَتَّى يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ وَيَخَافَ فَوَاتَ أَمْرٍ.
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنِّي لَأَكْرَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ أَخَفُّ عِنْدِي لِلنِّسَاءِ.
ابْنُ رُشْدٍ: كَرَاهَةُ مَالِكٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَخَفَّفَهُ فِي الْمَرْأَةِ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ عَلَيْهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ حَاجَتِهَا إلَى الِاسْتِتَارِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أُجِيزَ لِلرَّجُلِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ.
وَفِي الْمُوَطَّأِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: فِيهِ جَوَازُ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ.
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ إذْ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ مَاكِثٌ فِي خِبَائِهِ وَفُسْطَاطِهِ يَخْرُجُ فَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى خِبَائِهِ» فَفِيهِ أَقْوَى حُجَّةٍ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ شَرَطَ جِدَّ السَّيْرِ (بِلَا كُرْهٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُكْرَهُ الْجَمْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَفِيهَا تَرْكُ الْجِدِّ لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ مُهِمٍّ) تَقَدَّمَ النَّقْلُ بِهَذَا (بِمَنْهَلٍ زَالَتْ بِهِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) تُسَمَّى الْمَنَازِلُ الَّتِي فِي الْمَفَاوِزِ عَلَى طَرِيقِ السَّفَرِ مَنَاهِلَ.
ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ زَالَتْ بِمَنْهَلِهِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ جَمَعَ بِهِ.
أَبُو عُمَرَ: ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ: يَجْمَعُ مَتَى أَحَبَّ إمَّا فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ فِي وَقْتِ الْآخِرَةِ، أَوْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ.
ثُمَّ رَشَّحَ هَذَا إلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قِيلَ: هَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ، أَلَا تَرَى النَّاسَ بِعَرَفَةَ؟ فَهَذَا سَالِمٌ قَدْ نَزَعَ بِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ لِمَنْ أَلْهَمَهُ اللَّهُ رُشْدَهُ وَلَمْ تَمِلْ بِهِ الْعَصَبِيَّةُ إلَى الْمُعَانَدَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمْعَ لِلْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ وَتَوْسِعَةٌ فَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ مُرَاعَاةِ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلِ الْعَصْرِ لَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ ضِيقًا وَأَكْثَرَ حَرَجًا مِنْ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ.
(وَقَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ ارْتِحَالُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَنُزُولُهُ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَدَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا (وَبَعْدَهُ خُيِّرَ فِيهَا) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ كَانَ ارْتِحَالُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَانَ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ الِاصْفِرَارِ أَدَّى الصَّلَاتَيْنِ حِينَ ارْتِحَالِهِ.
هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ الثَّانِيَةَ وَهُوَ أَوْلَى.
ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: " قَالُوا مُخَيَّرٌ " - يُرِيدُ فِي تَأْخِيرِ الثَّانِيَةِ - لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ (وَإِنْ زَالَتْ رَاكِبًا أَخَّرَهُمَا إنْ نَوَى الِاصْفِرَارَ) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ رَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فَقَالَ اللَّخْمِيِّ: جَائِزٌ تَأْخِيرُهُ جُمُعَةً قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَجْمَعُهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا فَلَوْ جَمَعَ عِنْدَ الزَّوَالِ فَرَوَى عَلِيٌّ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ (أَوْ قَبْلَهُ)
ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ رَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَوَى النُّزُولَ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَجَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ نُزُولِهِ (وَإِلَّا فَفِي وَقْتَيْهِمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ رَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ جَمَعَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا (كَمَنْ لَا يَضْبِطُ نُزُولَهُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْسِيمِ ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي الْمُسَافِرِ إذَا كَانَ لَهُ وَقْتٌ يَرْتَحِلُ فِيهِ لَا يَنْزِلُ بَعْدَهُ إلَى وَقْتٍ ثَانٍ يَنْزِلُ نُزُولًا كُلِّيًّا.
قَالَ: وَإِنْ تَسَاوَتْ أَوْقَاتُ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِتَأْخِيرِ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَتَعْجِيلِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِيُدْرِكَ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ لِلصَّلَاتَيْنِ (وَكَالْمَبْطُونِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْجَمْعُ لِلْمَرِيضِ أَرْفَقَ بِهِ لِشِدَّةِ مَرَضٍ، أَوْ بَطْنٍ مُتَخَرِّقٍ مِنْ غَيْرِ مَخَافَةٍ عَلَى عَقْلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَسَطِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجْمَعُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ.
ابْنُ يُونُسَ: هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ فَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ قَبْلَ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ إلَى ذَلِكَ (وَلِلصَّحِيحِ فِعْلُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ حَتَّى يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ وَيَخَافَ فَوَاتَ أَمْرٍ فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ آخِرَ وَقْتِهَا وَالْعَصْرَ أَوَّلَ وَقْتِهَا.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لِلْمُسَافِرِ الْجَمْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اخْتِيَارًا وَلِلْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ.
اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ أَشْهَبَ حَسَنٌ؛ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ لِآخِرِ وَقْتِهَا اخْتِيَارًا جَائِزٌ.
(وَهَلْ الْعِشَاءَانِ كَذَلِكَ؟ تَأْوِيلَانِ) تَقَدَّمَ قَبْلَ قَوْلِهِ: " بِبَرٍّ ".
(وَقَدَّمَ خَائِفُ الْإِغْمَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا خَافَ الْمَرِيضُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ عِنْدَ الْغُرُوبِ (وَالنَّافِضِ) الْبَاجِيُّ: خَوْفُ مَا يَمْنَعُهُ الثَّانِيَةَ إنْ أَخَّرَهَا إلَى وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَبِهِ حُمَّى فِي وَقْتِهَا كَخَوْفِ إغْمَائِهِ.
(وَالْمَيْدِ) رَوَى عَلِيٌّ: لِمُرِيدِ طُلُوعِ الْبَحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَخَافُ عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْعَصْرِ لِعِلْمِهِ مَيْدَهُ جَمْعُهُ بَيْنَهُمَا بِالْبَرِّ قَائِمًا.
ابْنُ بَشِيرٍ: مَنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ إنْ رَكِبَ الْبَحْرَ حَتَّى تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فِي أَوْقَاتِهَا فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ رُكُوبُهُ وَلَا إلَى حَجٍّ، أَوْ جِهَادٍ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ بِإِخْلَالِ فَرْضٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالِانْتِقَالِ عَنْهُ إلَى بَدَلٍ كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي قَائِمًا فَهَذَا إنْ وَجَدَ مَنْدُوحَةً فَلَا يَرْكَبُهُ، وَإِلَّا فَيُخْتَلَفُ فِيهِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرُّخَصِ.
فَمَنْ أَقَاسَ أَجَازَ رُكُوبَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَى طَهَارَةِ التُّرَابِ فِي الْقِفَارِ إنْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مُجَرَّدُ طَلَبِ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يَقِسْ مَنَعَ رُكُوبَهُ إنْ كَانَ يُؤَدِّيهِ إلَى الْإِخْلَالِ بِفَرْضٍ مِنْ الْفُرُوضِ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ يَسْلَمُ
مِنْ الْمَيْدِ أَمْ لَا؟ فَقَالُوا: يُكْرَهُ وَلَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ.
. (وَإِنْ سَلِمَ أَوْ قَدَّمَ وَلَمْ يَرْتَحِلْ، أَوْ ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَزَلَ عِنْدَهُ فَجَمَعَ أَعَادَ الثَّانِيَةَ فِي الْوَقْتِ) أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا جَمَعَ لِخَوْفِ ذَهَابِ عَقْلِهِ فَسَلِمَ فَنَصَّ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ.
وَفِي الرِّسَالَةِ: جَمْعُهُ تَخْفِيفٌ.
قَالَ الْجُزُولِيُّ: بَلْ هُوَ تَثْقِيلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَلِمَ أَعَادَ انْتَهَى.
فَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: " بِالْوَقْتِ ".
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَنْ جَمَعَ لِجِدِّ سَيْرٍ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَانِهِ فَقَالَ
ابْنُ كِنَانَةَ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُعَارِضُ هَذَا إعَادَةَ مَنْ جَمَعَ خَوْفَ فَوَاتِ عَقْلِهِ، وَيُوَافِقُ نَصَّ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ: لَا يُعِيدُ مُصَلٍّ جَالِسًا لِعُذْرٍ زَالَ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى فَانْظُرْ أَيْضًا أَنْتَ هَذَا.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ عَلِيٍّ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِنْ زَالَتْ رَاكِبًا ".
(وَفِي جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ جَمْعِ الْعِشَاءَيْنِ بِمَسْجِدٍ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي جَوَازِهِ رَاجِحًا، أَوْ مَرْجُوحًا طَرِيقَانِ: الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ مَعَ الْأَكْثَرِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ وَحْدَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يَطْمَئِنُّ إلَى الْجَمْعِ وَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا جَمَاعَةٌ مُطْمَئِنَّةُ النُّفُوسِ بِالسُّنَّةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَكِعُّ عَنْهُ إلَّا أَهْلُ الْجَفَاءِ وَالْبَدَاوَةِ (فَقَطْ) اللَّخْمِيِّ: وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا كَانَ الطِّينُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ يَنْصَرِفُونَ إلَى أَشْغَالِهِمْ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُمْ بِخِلَافِ اللَّيْلِ فَكَانَ مَشْيُهُمْ لِصَلَاتِهِمْ، وَهَذَا أَوْلَى فِيمَنْ أَرَادَ تَقَدُّمَ الْعَصْرِ إلَى الظُّهْرِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَمْعُ أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ (بِكُلِّ مَسْجِدٍ لِمَطَرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجْمَعُ أَهْلُ الْحَضَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الْمَطَرِ.
الْجُزُولِيُّ: قِيلَ الْجَمْعُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ خَاصَّةً فَيُبْنَى عَلَى هَذَا: أَهْلُ الْعَمُودِ الَّذِينَ لَا مَسْجِدَ لَهُمْ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُصَلِّي فِي بَيْتِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ.
وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: يُعِيدُ الَّذِينَ جَمَعُوا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ (أَوْ طِينٍ مَعَ ظُلْمَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قَالَ مَالِكٌ: يَجْمَعُونَ أَيْضًا إذَا كَانَ طِينٌ وَظُلْمَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ (لَا لِطِينٍ) ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَةُ الْجَمْعِ فِي الطِّينِ وَالْوَحْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ وَلَا ظُلْمَةٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ ظُلْمَةٍ) الْجُزُولِيُّ: لَا يَجْمَعُ لِلرِّيحِ وَحْدَهُ وَلَا لِلظُّلْمَةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ شِدَّةُ الرِّيحِ مَعَ الظُّلْمَةِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُ: يَجُوزُ الْجَمْعُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ.
قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالظُّلْمَةِ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ لَا ظُلْمَةُ السَّحَابِ.
يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْجَمْعِ لِلثَّلْجِ لِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ.
(أُذِّنَ لِلْمَغْرِبِ كَالْعَادَةِ وَأُخِّرَ قَلِيلًا، ثُمَّ
صُلِّيَا وِلَاءً إلَّا قَدْرَ أَذَانٍ مُنْخَفِضٍ بِمَسْجِدٍ، وَإِقَامَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: سُنَّةُ الْجَمْعِ أَنْ يُنَادِيَ لِلْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ يُؤَخِّرَ شَيْئًا ثُمَّ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُؤَذِّنَ لِلْعِشَاءِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فِي مُقَدَّمِهِ.
ابْنُ حَبِيبٍ: أَذَانًا لَيْسَ بِالْعَالِي، ثُمَّ يُقِيمُ فَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ.
فَسَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِنِصْفِ الْوَقْتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْغُرُوبِ.
ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ.
ابْنُ يُونُسَ: وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ.
ابْنُ بَشِيرٍ: قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ قَلِيلًا؛ إذْ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا عَنْ وَقْتَيْهِمَا (وَلَا تَنَقُّلَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ وَلَا بَعْدَهُمَا) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ مَنْعُ التَّنَفُّلِ بَيْنَ جَمْعِهِمَا وَسَمِعَهُ أَشْهَبُ، وَرَوَى الْعُتْبِيُّ مَنْعَ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْجَمْعِ بِالْمَسْجِدِ، وَانْظُرْ نَصَّ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ إنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يَعُودَ.
(وَجَازَ لِمُنْفَرِدٍ بِالْمَغْرِبِ يَجِدُهُمْ بِالْعِشَاءِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ فَوَجَدَهُمْ فِي الْعِشَاءِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ خِلَافًا لِلتَّفْرِيعِ.
(وَلِمُعْتَكِفٍ بِالْمَسْجِدِ) سَمِعَ الْقَرِينَانِ: يَجْمَعُ جَارُ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ قَرُبَ، أَبُو عِمْرَانَ: وَالْغَرِيبُ يَبِيتُ بِهِ.
يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: وَالْمُعْتَكِفُ انْتَهَى.
وَانْظُرْ إنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ إمَامَ الْمَسْجِدِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يَجْمَعُ مَعَهُمْ مَأْمُومًا (كَأَنْ انْقَطَعَ الْمَطَرُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ ارْتَفَعَ الْمَطَرُ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَجْمَعُونَ لِعَدَمِ أَمْنِهِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إنْ أَمِنَ فَلَا.
(لَا إنْ فَرَغُوا فَيُؤَخِّرُ لِلشَّفَقِ إلَّا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ