الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَرْفُ العَيَنِ المُهْمَلَة
183 -
أبو بكر عاصم بن أبي النجود: مولى بني جُذيمة، كان أحدَ القراء السبعة، والمشار إليه في القراءات.
توفي سنة سبع وعشرين ومئة بالكوفة.
* * *
184 -
أبو بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس، الأشعريُّ: وكان أبوه صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم عليه من اليمن في الأشعريين، فأسلموا، وأبو بردة كان قاضيًا على الكوفة، وليها بعد القاضي شريح، وله مكارم ومآثر مشهورة.
وسمي أبا بردة؛ لأن أبا شيخ بن الغرق كساه عند فطامه بردتين، وكان رضيعًا على يده، وغدَا به على أبيه، فكناه: أبا بردة، فذهب اسمه.
توفي سنة أربع ومئة، وقيل: ست، أو سبع ومئة، ومات هو والشعبي في جمعة واحدة.
* * *
185 -
أبو عمرو (1) عامرُ بن شَراحيل بن عبد، الشعبيُّ: كوفيٌّ تابعيٌّ جليلُ القدر، وافر العلم، يقال: إنه أدرك خمس مئة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد لأربعِ سنين بقين من خلافة عمر رضي الله عنه، وكان نحيلًا نحيفًا.
وقيل: كانت ولادته لستِّ سنين خلت من خلافة عثمان.
وقيل: سنة عشرين من الهجرة.
وتوفي بالكوفة سنة أربع ومئة، وقيل: ثلاث، وقيل: سبع ومئة فجأة، ونسبته بالشعبي نسبة إلى شَعْب: وهو بطن من همذان، وكان كثيرًا ما يتمثل بقول مسكين الدارمي:
لَيْسَتِ الأَحْلَامُ فِي حَالِ الرِّضَا
…
إِنَّمَا الأَحْلَامُ فِي وَقْتِ الغَضَبْ
* * *
186 -
أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح المروزيُّ: مولى بني حنظلة، كان قد جمع بين العلم والزهد، تفقَّه على سُفيان الثوري، ومالك بن أنس، وروى عنه "الموطأ"، وكان كثير الانقطاع، محبًا للخلوة، شديد التورع، وكذلك كان أبواه، وكان له شعر، فمنه:
(1) في الأصل: "عمر".
قَدْ يَفْتَحُ المَرْءُ حَانُوتًا لِمَتْجَرِهِ
…
وَقَدْ فَتَحْتَ لَكَ الحَانُوتَ بِالدِّينِ
بَيْنَ الأَسَاطِينِ حَانُوتٌ بِلَا غَلَقٍ
…
يَبْتَاعُ بِالدِّيْنِ أَمْوَالَ المَسَاكِينِ
صَيَّرْتَ دِينَكَ شَاهِينًا تَصِيدُ بِهِ
…
وَلَيْسَ يَصْلُحُ أَصْحَابُ الشَّوَاهِينِ
ولد سنة ثماني عشرة ومئة، وكان قد توجَّه في بعض الغزوات إلى هيت، فتوفي بها في رمضان، سنة إحدى، وقيل: سنة اثنتين وثمانين ومئة.
* * *
187 -
أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث، الفقيهُ المالكيُّ المصريُّ: كان أعلمَ أصحاب مالِكٍ، وأفضَتْ إليه رئاسة الطائفة المالكية بعد أشهبَ، وروى عن مالك "الموطأ" سماعًا، وكان من ذوي الأموال، ويقال: إنه دفع للإمام الشافعي رضي الله عنه عند قدومه إلى مصر ألفَ دينار من ماله.
ولد سنة خمسين ومئة، وتوفي في شهر رمضان، سنة أربع عشرة ومئتين بمصر، وقبره إلى جانب قبر الشافعي.
* * *
188 -
أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة، الحضرميُّ المصريُّ: كان مكثرًا من الحديث والأخبار والرواية، ولاه أبو جعفر المنصور القضاء بمصر في مستهل سنة خمس وخمسين ومئة، وهو أول قاضٍ ولي بمصر من قبل الخليفة، وأجرى عليه في كل شهر ثلاثين دينارًا، وكان ولاة البلد قبل ذلك يقضون، ويولون القضاء.
توفي بمصر في منتصف ربيع الأول، سنة أربع وسبعين (1) ومئة، وعمره إحدى وثمانون سنة.
* * *
189 -
أبو سعيد عبد الله بن كثير، أحدُ القراء السبعة، المكيُّ الداريُّ، - والدار: بطن من لَخْم، منهم تميمٌ، وقيل: إنما نُسب إلى دارين؛ لأنه كان عطارًا، وهو موضع الطيب، وهذا هو الصحيح - وكان قاضي الجماعة بمكة، وهو من الطبقة الثانية من التابعين.
ولد بمكة سنة خمس وأربعين، ومات بها سنة عشرين ومئة.
وراوياه: محمد بن عبد الرحمن المكي المخزومي الملقب: قُنْبَل، توفي سنة إحدى وتسعين ومئتين، وله ست وتسعون سنة، والآخر أحمدُ
(1) في الأصل: "وتسعين"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(3/ 39)، و"تاريخ الإسلام"(11/ 225).
ابن محمد بن عبد الله بن القاسم البزي الفارسي (1)، توفي سنة خمسين (2) ومئتين.
* * *
190 -
أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله، الفقيهُ الشافعيُّ المعروف بالقَفَّال، المروزيُّ: كان وحيدَ عصره، وله في مذهب الشافعي من الآثار ما ليس لغيره، وكان اشتغاله بالعلم على كبر بعد ما أفنى شبيبته في عمل الأقفال، ولذلك قيل له: القفَّال.
توفي في سنة سبعَ عشرة وأربع مئة، وهو ابن تسعين سنة، ودفن بسجستان، وقبره بها يزار.
* * *
191 -
أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد، الجوينيُّ: الفقيهُ الشافعيُّ، والدُ إمام الحرمين، كان إمامًا جليلًا مهابًا، لا يجري بين يديه إلا الجِدُّ، وصنف "التفسير الكبير"، وفي الفقه، وغير ذلك.
توفي سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة في ذي القعدة.
* * *
192 -
أبو زيد عبد الله بن عمر بن عيسى، الدبوسيُّ الفقيهُ الحنفيُّ:
(1) في الأصل: "الوارعي"، والصواب المثبت.
(2)
في "وفيات الأعيان"(3/ 42): "سنة سبعين ومئتين".
كان من كبار أصحاب أبي حنيفة، ممن يضرب به المثل، وهو أول من وضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود، وروي: أنه ناظر بعض الفقهاء، فكان كلما ألزمه أبو زيد، يبتسم ويضحك، فأنشد أبو زيد:
مَا لِي إِذَا أَلْزَمْتُهُ حُجَّةً
…
قَابَلَنِي بِالضِّحْكِ وَالقَهْقَهَهْ
إِنْ كَانَ ضِحْكُ المَرْءِ مِنْ فِقْهِهِ
…
فَالدُّبُّ فِي الصَّحْرَاءِ مَا أَفْقَهَهْ
وله تصانيف كثيرة، توفي سنة ثلاثين وأربع مئة، ودبوسة المنسوب إليها: مدينة بين بخارى وسمرقند.
* * *
193 -
أبو محمد عبد الله بن القاسم بن المظفر، الشهرزوريُّ، المنعوت بالمرتضى: كان مشهورًا بالفضل والدين، وكان مليح الوعظ، مع الرشاقة والتجنيس، اشتغل ببغداد، ثم رجع إلى الموصل، وتولى بها القضاء، وله شعر رائق، منه:
يَا قَلْبُ إِلَامَ لَا يُفِيدُ النُّصْحُ
…
دَعْ مَزْحَكَ كَمْ جَنَى عَلَيْكَ المَزْحُ
مَا جَارِحَةٌ مِنْكَ عَدَاهَا جُرْحُ
…
مَا تَشْعُرُ بِالخُمَارِ حَتَّى تَصْحُو
توفي في ربيع الأول، سنة إحدى عشرة وخمس مئة بالموصل.
* * *
194 -
أبو محمد عبد الله بن أبي السريِّ التميميِّ محمد بن هبة الله ابن مطهر بن أبي عصرون، الحديثيُّ الموصليُّ: الفقيه الشافعي، كان من أعيان الفقهاء وفضلاء عصره، وممن سار ذكره، وانتشر أمره، وله المصنفات النافعة، وتقدم عند نور الدين صاحبِ الشام، وبنى له المدارس بحلب وحماة وحمص وبعلبك، وغيرِها، وتولى القضاء بسنجار، ونصيبين، وحران، وغيرِ ذلك.
وفي سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة عاد إلى دمشق، وتولى القضاء بها، ثم عمي في أواخر عمره قبل موته بعشر سنين، وابنه محيي الدين محمد ينوب عنه، وهو باقٍ على القضاء، ومن شعره:
أُؤَمِّلُ وَصْلًا مِنْ حَبِيبٍ وَإِنَّنَي
…
عَلَى ثِقَةٍ عَمَّا قَلِيلٍ أُفَارِقُهْ
تَجَارَى بِنَا خَيْلُ الحِمَامِ كَأَنَّمَا
…
يُسَابِقُنِي نَحْوَ الرَّدَى وَأُسَابِقُهْ
فَيَا لَيْتَنَا مِتْنَا مَعًا ثُمَّ لَمْ يَذُقْ
…
مَرَارَةَ فَقْدِي لَا وَلَا أَنَا ذَائِقُهْ
ولد يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول، سنة اثنتين
وتسعين وأربع مئة بالموصل، وتوفي في حادي عشري من رمضان، سنة خمس وثمانين وخمس مئة بدمشق، ودفن بمدرسته التي أنشأها داخل البلد، وهي معروفة به.
* * *
195 -
أبو الفرج عبد الله بن أسعد بن علي، المعروفُ بابن الدَّهان، الموصليُّ، ويعرف بالحمصيِّ، الفقيهُ الشافعيُّ: كان فقيهًا فاضلًا، أديبًا شاعرًا، وهو من أهل الموصل، ثم تقلبت به الأحوال حتى تولى التدريس بحمص، وأقام بها، فلهذا ينسب إليها.
ومن شعره السائر:
يُضْحِي يُجَانِبُنِي مُجَانَبَةَ العِدَا
…
وَيَبِيتُ وَهْوَ إِلَى الصَّبَاحِ نَدِيمِي
وَيَمُرُّ بِي يَخْشَى الرَّقِيبَ فَلَفْظُهُ
…
شَتْمٌ وَغُنْجُ لِحَاظِهِ تَسْلِيمُ
توفي بحمص في شعبان، سنة اثنتين وثمانين وخمس مئة.
* * *
196 -
أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم ابن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور، العباسيُّ الهاشميُّ: كان أديبًا بليغًا شاعرًا، مخالطًا للعلماء والأدباء، معدودًا من جملتهم إلى أن
جرت له الكائنة: اتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد ووجوه الكُتَّاب، فخلعوا المقتدر يوم السبت، لعشرٍ بقين من ربيع الأول، سنة ست وتسعين ومئتين، وبايعوا عبد الله المذكور، ولقّبوه: المرتضي بالله. وقيل: الغالب، وقيل: الراضي، فأقام يومًا وليلة، ثم إن أصحاب المقتدر تراجعوا، وحاربوا أعوان ابن المعتز، وشتتوهم، وأعادوا المقتدر إلى دَسْتِه، واختفى ابن المعتز، فأخذه المقتدر، وسلَّمه إلى مؤنس الخازن، فقتله، وسلَّمه إلى أهله ملفوفًا في كساء، ودفن في خرابة بإزاء داره.
وله تصانيف وأشعار رائقة، ومن ظريف شعره قوله:
وَمُهَفْهَفٍ يَسْعَى عَلَى النُّدَمَاءِ
…
بَعَقِيقَةٍ فِي دُرَّةٍ بَيْضَاءِ
وَالبَدُرُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ كَدِرْهَمٍ
…
مُلْقًى عَلَى يَاقُوتَةٍ زَرْقَاءِ
كَمْ لَيْلَةٍ قَدْ سَرَّنِي بِمَبيتِهِ
…
عِنْدِي بِلا خَوْفٍ مِنَ الرُّقَبَاءِ
وَمُهَفْهَفٍ عَقَدَ الشَّرَابُ لِسَانَهُ
…
فَحَدِيثُهُ بِالرَّمْزِ وَالإِيمَاءِ
حَرَّكْتُهُ بِيَدِي وَقُلْتُ لَهُ انُتَبِهْ
…
يَا فَرْحَةَ الخُلَطَاءِ وَالنُّدَمَاءِ
فَأَجَابَنِي وَالسُّكْرُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ
…
بِتَلَجْلُجٍ كَتَلَجْلُجِ الفَأْفَاءِ
إِنِّي لأَفْهَمُ مَا تَقُولُ وَإِنَّمَا
…
غَلَبَتْ عَلَيَّ سُلَافَةُ الصَّهْبَاءِ
دَعْنِي أَفِيقُ مِنَ المُدَامِ إِلَى غَدٍ
…
وَاحْكُمْ عَلَيَّ بِمَا تَشَا مَوْلَائِي
وكان شديدَ السمرة، مسنون الوجه، يخضب بالسواد -، رحمه الله، وعفا عنه -.
* * *
197 -
أبو محمد عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسن بن إبراهيم ابن طَباطَبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب، الحجازيُّ الأصل، المصريُّ الدار والوفاة: كان طاهرًا كريمًا فاضلًا، وكان له رباع وضياع، ونعمة ظاهرة، وكان بدهليزه رجل يكسر اللوز كل يوم من أول النهار إلى آخره برسم الحلوى التي ينفذها لأهل مصر من كافور الأخشيدي إلى مَنْ دونه، ويطلق للرجل المذكور دينارين في كل شهر أجرة تكسير اللوز.
وكان حسن المذهب، ولد سنة ستٍّ وثمانين ومئتين، وتوفي في رجب، سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة، ودفن بقرافة مصر، وقبره معروف بإجابة الدعاء.
* * *
198 -
أبو العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب، الخزاعيُّ: كان سيدًا نبيلًا، عالي الهمة شهمًا، وكان المأمون كثير الاعتماد عليه، وكان واليًا على الدِّينَور، ثم أمره بالخروج إلى خراسان لمّا أحدثَ الخوارجُ في أعمال نيسابور الفسادَ، فتوجه، وحارب الخوارج، وقدم نيسابور في رجب، سنة خمس عشرة ومئتين.
وكان عبد الله ظريفًا، وله شعر مليح، فمن شعره:
تَتَّقِي سُخْطَنَا الأُسُودُ وَنَخْشَى
…
سَخَطَ الخِشْفِ حِينَ يُبْدِي الصُّدُودَا
نَمْلِكُ العَبِيدَ ثُمَّ تَمْلِكُنَا البِيضُ
…
المَصُوناَتُ أَعْيُنًا وَخُدُودَا
فَتَرَانَا يَوْمَ الكَرِيهَةِ أَحْرَا
…
رَاً وَفِي السِّلْمِ لِلغَوَانِي عَبِيدَا
وكان عبد الله قد تولى الشّام والديار المصرية، والبطيخ العبدلاوي الموجود بمصر منسوب إلى عبد الله المذكور، وقد نُسب إليه؛ لأنه كان يستطيبه، وهو أول من زرعه هناك.
وتوفي في ربيع الأول سنة ثماني وعشرين ومئتين بمرو.
* * *
199 -
عبد الله بن خُليد، مولى جعفر بن سليمان، أصله من الري،
يُفَخِّم الكلام ويُعربه، وكان كاتبَ عبد الله بن طاهر المذكور، وشاعره، ومنقطعًا إليه.
وصل يومًا إلى باب عبد الله المذكور، فحجب من الدخول، فقال:
سَأَتْرُكُ هَذَا البَابَ مَا دَامَ إِذْنُهُ
…
عَلَى مَا تَرَى حَتَّى يَخِفَّ قَلِيلًا
إِذَا لَمْ أَجِدْ يَوْمًا إِلَى الإِذْنِ سُلَّمًا
…
وَجَدْتُ إِلَى تَرْكِ اللِّقَاءِ سَبِيلًا
فبلغ ذلك عبد الله، فأنكره، وأمر بدخوله.
وقبَّل يومًا كفَّ عبد الله بن طاهر، فاستخشنَ مسَّ شاربه، فقال: شوكُ القنفذِ لا يؤلم كفَّ الأسد، فأعجبه كلامه، وأمر له بجائزة سنية.
توفي سنة أربعين ومئتين.
* * *
200 -
أبو محمد عبد الله بن محمد بن صارة، البكريُّ الأندلسيُّ: الشاعر المشهور، كان شاعرًا ماهرًا، ناظمًا ناثرًا، ومن شعره:
وَمُعَذَّرٍ رَاقَتْ حَوَاشِي صُدْغِهِ
…
فَقُلُوبُنَا وَجْدًا عَلَيْهِ رِقَاقُ
لَمْ يَكْسُ عَارِضَهُ السَّوَادُ وَإِنَّمَا
…
نَفَضَتْ عَلَيْهِ سَوَادَهَا الأَحْدَاقُ
توفي بالأندلس سنة سبع عشرة وخمس مئة.
* * *
201 -
أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن عبد الله، المعروف بابن الخشَّاب، البغداديُّ الحنبليُّ: العالم المشهور في الأدب والنحو، والتفسير والحديث، وحفظ الكتاب العزيز بالقراءات، وكان متضلعًا من العلوم، وله شعر حسن، منه في الشمعة:
صَفْرَاءُ مِنْ غَيْرِ سَقَامٍ بِهَا
…
كَيْفَ وَكَانَتْ أُمُّهَا الشَّافِيَهْ
عَاِرَيةٌ بَاطِنُهَا مُكْتَسٍ
…
فَاعْجَبْ بِهَا عَارِيةً كَاسِيَهْ
وله لغز في الكتاب، وهو:
وَذِي أَوْجُهٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ بَائِحٍ
…
بِسِرٍّ وَذُو الوَجْهَيْنِ للسِّرِّ مُظْهِرُ
يُنَاجِيكَ بِالأَسْرَارِ أَسْرَارُ وَجْهِهِ
…
فَتَسْمَعُهَا بِالعَيْنِ مَا دُمْتَ تَنْظُرُ
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة، وتوفي عشية الجمعة، ثالث شهر رمضان، سنة سبع وستين وخمس مئة ببغداد.
* * *
202 -
أبو الرداد عبد الله بن عبد السّلام بن عبيد الله بن الرداد، المؤذنُ البصريُّ، صاحبُ المقياس بمصر: كان رجلًا صالحًا، وتولى مقياس النيل بجزيرة مصر، والنظر في أمره، وما يتعلق به في سنة ست وأربعين ومئتين، واستمرت الولاية في أمر ذلك لولده إلى الآن.
توفي سنة تسع وسبعين ومئتين.
* * *
203 -
أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، الأوزاعيُّ: إمام أهل الشام، لم يكن بها أعلم منه، قيل: إنه أجاب في سبعين ألف مسألة، وكان سكن بيروت، روى عنه الثوري، وأخذ عنه عبد الله بن المبارك، وجماعة، ولد ببعلبك سنة ثمان وستين للهجرة، وقيل: ثلاث وتسعين، ومنشؤه بالبقاع، وكان فوق الربعة، خفيف اللحية، به سمرة، توفي بمدينة بيروت في صفر، سنة سبع وخمسين ومئة، وقبره في قرية على باب بيروت يقال لها: حشوش، وأهلها مسلمون، مدفون في قبلة مسجدها، وأهلُ القرية لا يعرفونه، بل يقولون: ها هنا رجل صالح ينزل عليه النور، ولا يعرفه إلا الخواص من الناس.
* * *
204 -
أبو سليمان عبد الرحمن بن أحمد بن عطية، العنسيُّ (1)
(1) في الأصل: "العبسي".
الدارانيُّ: الزاهد المشهور، أحد رجال الطريقة.
ومن كلامه: من أحسنَ في نهاره، كُفي في ليله، ومن أحسن في ليله، كفي نهاره، ومن صدق في ترك شهوته، أذهبها الله من قلبه، والله تعالى أكرمُ من أن يعذب قلبًا بشهوة تُركت له.
توفي سنة خمس عشرة ومئتين.
والداراني: نسبة إلى داريّا، وهي قرية بغوطة دمشق.
* * *
205 -
أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران، الفورانيُّ المروزيُّ، الفقيهُ الشافعيُّ: كان مقدَّم الفقهاء الشافعية بمرو، وهو أصولي فروعي، وطبَّق الأرض بالتلامذة، توفي في شهر رمضان، سنة إحدى وستين وأربع مئة بمدينة مرو، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة رحمه الله.
* * *
206 -
أبو سعد عبد الرحمن بن محمد، واسمه مأمون بن علي، وقيل: إبراهيم، المعروف بالمتولي، الفقيهُ الشافعيُّ النيسابوريُّ: كان جامعًا بين العلم والدين وحسن السيرة، تولى التدريس بالنظامية ببغداد بعد وفاة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ثم عزل عنها في بقية سنة ست وسبعين وأربع مئة، وأعيد أبو نصر بن الصباغ صاحب "الشامل"، ثم عُزِلَ وأعيد أبو سعيد، واستمر عليها إلى حين وفاته.
ولد بنيسابور سنة ست، وقيل: سبع وعشرين وأربع مئة، وتوفي ليلة الجمعة، ثامن عشر شوال، سنة ثمان وتسعين وأربع مئة ببغداد.
* * *
207 -
أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله، الدمشقيُّ، الملقبُ فخر الدين، المعروف بابن عساكر: الفقيه الشافعيُّ، إمام وقته في علمه ودينه، درَّس بالقدس زمانًا، ودمشق، وهو ابن أخي الحافظ أبي القاسم علي بن عساكر صاحب "تاريخ دمشق".
ولد سنة خمس وخمس مئة.
* * *
208 -
أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد بن عبيد الله بن الجوزيِّ، القرشيُّ: منسوب إلى أبي بكر الصديق، التيميُّ البكر [يُّ] البغدادي، الفقيهُ الحنبلي، الواعظ، الملقب: جمال الدين، الحافظ علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنف فيه فنونًا عديدة وتفسيرًا وتاريخًا، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا، حتى قيل: إنه جُمعت الكراريس التي كتبها، وحُسبت مدة عمره، وقسمت الكراريس على المدة، فكان ما خص كلَّ يوم تسع كراريس، وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله العقل، وجمعت براية الأقلام التي كتب بها حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل منها شيء كثير، فأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته، ففعل، فكفت، وفضل منها.
وله أشعار لطيفة، ومن شعره:
عَذِيرِيَ مِنْ فِتْيَةٍ بِالغَرَامِ
…
قُلُوبُهُمُ بِالجَفَا قُلَّبُ
يَرَوْنَ العَجِيبَ كَلَامَ الغَرِيبِ
…
وقولُ القريب (1) فَلَا يُعْجِبُ
وَعُذْرُهُمُ عِنْدَ تَوْبِيخِهِمْ
…
مُغَنِّيَةُ الحَيِّ لَا تُطْرِبُ
وله في مجالس الوعظ أجوبة نادرة.
فمن أحسن ما يحكى عنه: أنه وقع النزاع ببغداد بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، فرضي الكل بما يجيب به الشيخ أبو الفرج، فأقاما شخصًا يسأله عن ذلك، وهو على الكرسي، فلما سأله، قال: أفضلُهما من كانت ابنتُه تحته.
ونزل في الحال حتى لا يراجَع في ذلك.
فقالت السنيّة: هو أبو بكر، وقالت الشيعة: هو علي، وهذا من لطائف الأجوبة، ولو حصل هذا بعد التأني وإمعان النظر، كان في غاية الحسن، فضلًا عن البديهة.
ومحاسنه يطول شرحها.
ولد تقريبًا سنة ثمان أو عشر وخمس مئة، وتوفي ليلة الجمعة، ثالث عشر رمضان، سنة سبع وتسعين وخمس مئة.
وكان ولده محيي الدين أبو محمد يوسف محتسبَ بغداد.
(1) في الأصل: "وطرد الغريب"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(3/ 141).
وكان يتردد في الرسائل إلى الملوك، ثم صار أستاذ دار الخلافة، وتوفي في وقعة التتر قتيلًا سنة ست وخمسين وست مئة ببغداد، وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلي الواعظُ المشهور حنفيَّ المذهب، صنف تاريخًا في أربعين مجلدًا أسماه:"مِرآة الزمان".
توفي بدمشق بمنزله بجبل قاسيون في الحادي والعشرين من ذي الحجة، سنة أربع وخمسين وست مئة.
والجوزي: نسبة جده، وهو مكان ببغداد يسمى: مشرعة الجوز بالجانب الغربي.
* * *
209 -
أبو القاسم عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمد عبد الله بن الخطيب، الخثعميُّ السهيليُّ: الإمام المشهور، صاحب كتاب "الروض الأُنف" في شرح سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وله "التعريف والإعلام"، و"نتائج الفِكَر"، و"مسألة رؤية الله في المنام ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم "، و"مسألة السر في عَور الدجال"، وغير ذلك.
وقال ابن دِحية: أنشدني، وقال: إنه ما استعمل إنشادَها أحدٌ، وسألَ الله بها في حاجة، إلا أعطاه إيّاها، وهي:
يَا مَنْ يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ. إلى آخرها.
وهي مشهورة، وأشعاره كثيرة.
توفي بحضرة مراكش، يوم الخميس، السادس والعشرين من
شعبان، سنة إحدى وثمانين وخمس مئة وقت الظهر، وكان مكفوفًا.
* * *
210 -
أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم، وقيل: عثمان، الخراسانيُّ القائمُ بالدعوة العباسية: كان أديبًا لبيبًا، تولى خراسان، وقال المأمون: أَجَلُّ ملوك الأرض ثلاثة، وهم الذين قاموا بنقل الدُّول: الإسكندر، وأزدشير، وأبو مسلم الخراساني.
وكان أسمر، جميلًا، نقي البشرة، حسن اللحية، طويل الشعر، طويل الظهر، قصير الساق والفخذ، خافض الصوت، فصيحًا بالعربية والفارسية، حلو المنطق، لم يُر ضاحكًا ولا مازحًا إلا في وقته، تأتيه الفتوحات العظام، فلا يظهر عليه أثر السرور، وتنزل به الحوادث القادحة، فلا يُرى مكتئبًا، ولا يأتي النساء في السنة إلا مرة واحدة، ويقول: الجماع جنون، ويكفي الإنسانَ أن يُجن في السنة مرة.
ولد في سنة مئة للهجرة في خلافة عمر بن عبد العزيز، ونهض بالدعوة وهو ابن ثماني عشرة سنة، ولما ظهر بخراسان، كان أول ظهوره بمرو يوم الجمعة، لتسعٍ بقين من شهر رمضان، سنة تسع وعشرين ومئة، وكان السفاح كثير التعظيم لأبي مسلم؛ لما صنعه ودبَّره في نصرة الدولة العباسية.
ثم لما مات السفاح في ذي الحجة، سنة ست وثلاثين ومئة، وتولى أخوه أبو جعفر المنصور، وكانت صدرت من أبي مسلم أسباب
وقضايا غيَّرت قلبَ المنصور عليه، فعزم على قتله، وبقي حائرًا بين الاستبداد وأمر الاستشارة، فاستشار في أمره مسلمَ بنَ قتيبة، فقال:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، فقال: حسبك يا ابن قتيبة، لقد أودعتها أذنًا واعية.
وكان أبو مسلم قد حج، فلما عاد، نزل إلى الحيرة التي عند الكوفة، فلم يزل المنصور يخدعه بالرسائل حتى أحضره إليه، ثم جلس المنصور، ودخل عليه أبو مسلم، فسلَّم، فرد عليه السلام، وأجلسه وحادثه، ثم عاتبه، وقال له: فعلتَ وفعلتَ.
ومن جملة ما عاتبه: ألست الكاتبَ إليَّ تبدأ بنفسك قبلي تخطب عمتي آسية.
وأخذ أبو مسلم يده بيده يعرُكها ويقبِّلها، ويعتذر إليه، فقال له المنصور، وهو آخر كلامه: قتلني الله إن لم أقتلك، ثم صفق بإحدى يديه على الأخرى، فخرج إليه جماعة رتبهم المنصور وراء السرير الذي خلفه، وخبطوه بسيوفهم وقتلوه، وكان قتله يوم الخميس لخمس بقين من شعبان، وقيل: للثلاثين، ولعله سنة سبع وثلاثين ومئة، وكان ذلك برومية، وهي: بلدة بالقرب من بغداد على دجلة من الجانب الغربي، ثم أنشد المنصور:
فَأَلْقَتَ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى
…
كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالإِيَابِ المُسَافِرُ
ثم أقبل المنصور على مَنْ حضره، وأبو مسلم طريحٌ بين يديه، وقال:
زَعَمْتَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُقْتَضَى
…
فَاسْتَوْفِ بِالكَيْلِ أَبَا مُجْرِمِ
اشْرَبْ بِكَأْسٍ كُنْتَ تَسْقِي بِهَا
…
أَمَرَّ فِي الحَلْقِ مِنَ العَلْقَمِ
وقد اختلف الناس في نسب أبي مسلم: فقيل: من العرب، وقيل: من العجم، وقيل: من الأكراد.
وكان أبو مسلم في دولته قد قتل خلقًا لا يُحصون كثرة، وكان عدة من عرف من أعيان مَنْ قتله ستَّ مئة ألف، سوى من لم يعرف، وسوى من قتل في الحروب.
* * *
211 -
الخطيب أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نبُاتة، الجذاميُّ (1) الفارقيُّ، صاحبُ الخطب المشهورة: كان إمامًا في علوم الأدب، ورُزق السعادة في خطبته التي وقع الإجماع على أنه ما عُمل مثلها، وهو من أهل ميَّافارقين.
(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 156)، وفيه:"الحذاقي".
ولد سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة، وتوفي سنة أربع وسبعين وثلاث مئة.
ورئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: دُفع إلى ورقة فيها سطران بالأحمر، وهما:
قَدْ كَانَ أَمْنٌ لَكَ مِنْ قَبْلِ ذَا
…
وَاليَوْمَ أَضْحَى لَكَ أَمْنَانِ
وَالصَّفْحُ لَا يَحْسُنُ عَنْ مُحْسِنٍ
…
وَإِنَّمَا يَحْسُنُ عَنْ جَانِي
ونبُاتة: - بضم النون وفتح الباء والتاء المثناة -.
* * *
212 -
أبو علي عبد الرحيم ابن القاضي الأشرف بهاء الدين أبي المجد علي ابن القاضي السعيد أبي محمد، الحسن [بن] الحسين بن المفرج، اللخميُّ، العسقلانيُّ المولد، المصريُّ الدار، المعروفُ بالقاضي الفاضل، الملقب: محيي الدين (1): وزير السلطان صلاح الدين، تمكن منه غاية التمكن، وبرز في صناعة الإنشاء، ففاق المتقدمين، ولما مات صلاح الدين، ترقَّت منزلته بعد وفاته عند ولده الملك العزيز في المكانة والرفعة، ولما توفي العزيز، وقام ولده المنصور
(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 158)، وفيه:"مجير الدين".
بالمُلك بتدبير عمه الأفضل نور الدين، كان على حاله، ولم يزل كذلك إلى أن وصل الملك العادل، فعند دخوله القاهرة توفي القاضي الفاضل في ليلة الأربعاء، سابع عشر ربيع الآخر، سنة ست وتسعين وخمس مئة بالقاهرة فجأة، ودفن بتربته بسفح المقطم في القرافة الصغرى، وبنى بالقاهرة مدرسة بدرب ملوخية.
وكان ولده بهاء الدين الأشرف أبو العباس أحمد كبيرَ المنزلة عند الملوك، ولد في المحرم، سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة بالقاهرة، وتوفي بها في ليلة الاثنين، سابع جمادى الآخرة، سنة ثلاث وأربعين وست مئة، ودفن إلى جانب قبر أبيه.
* * *
213 -
أبو عمرو، ويقال: أبو عمر عبدُ الملك بن عمير بن سويد ابن حارثةُ اللخميُّ الكوفيُّ القرشيُّ (1): كان قاضيًا على الكوفة بعد الشعبي، وهو من مشاهير التابعين، رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وروى عن جابر بن عبد الله، توفي سنة ست وثلاثين ومئة في ذي الحجة، وهو ابن مئة سنة وثلاث سنين.
* * *
(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 164)، وفيه:"فرسي، وقال: أكثر الناس يصحفونه بالقرشي".
214 -
السيد عبد القادر بن محيي الدين أبو محمد بن أبي صالح، عبد الله بن جنكي دوست، الجيليُّ، ثم البغداديُّ، المشهور بالكيلاني، الحنبليُّ الزاهدُ: شيخ العصر، وقدوة العارفين، وسلطان المشايخ، وسيد أهل الطريقة، صاحب المقامات والكرامات والعلوم والمعارف والأحوال المشهورة، وهو سيد شريف من نسل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره.
ولد سنة سبعين، أو إحدى وسبعين وأربع مئة بكيلان، وكان إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، له كتاب "الغُنية لطالبي طريق الحق"، وكتاب "فتوح الغيب".
توفي ليلة السبت، ثامن ربيع الآخر، سنة إحدى وستين وخمس مئة بعد المغرب، وله تسعون سنة، ودفن من وقته بمدرسته بباب الأزج ببغداد رضي الله عنه.
* * *
215 -
أبو المعالي عبد الملك ابن الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي يعقوب، يوسف بن عبد الله الجويني: الفقيهُ الشافعيُّ الملقب: ضياء الدين، المعروف بإمام الحرمين، أعلمُ المتأخرين من أصحاب الشافعي على الإطلاق، سار إلى بغداد، ثم إلى الحجاز، وجاور بمكة المشرفة أربع سنين يدرِّس ويفتي، ويجمع طرق المذهب، ولهذا قيل له: إمام الحرمين، ثم عاد إلى نيسابور.
وصنف في كل فن.
ولد في ثامن شهر المحرم، سنة تسع عشرة وأربع مئة، ولما مرض، حمل إلى قرية من أعمال نيسابور، يقال لها: يستقان، موصوفة باعتدال الهواء، وخفة الماء، فمات بها ليلة الأربعاء وقت العشاء الآخرة، الخامس والعشرين من ربيع الآخر، سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، ونقل إلى نيسابور تلك الليلة، ودفن من الغد في دارهم، ثم نقل بعد سنتين إلى مقبرة الحسين، فدفن بجنب أبيه - رحمه الله تعالى -.
ومما رُثي به:
قُلُوبُ العَالَمِينَ عَلَى المَغَالِي
…
وَأَيَّامُ الوَرَى شِبْهُ اللَّيَالِي
أَيُثْمِرُ غُصْنُ أَهْلِ العِلْمِ يَوْمًا
…
وَقَدْ مَاتَ الإِمَامُ أَبُو المَعَالِي
وكان تلامذته يومئذٍ قريبًا من أربع مئة واحد، فكسروا محابرهم وأقلامهم، وأقاموا على ذلك حولًا كاملًا.
* * *
216 -
أبو سعيد عبدُ الملك بن قُرَيب بن عبد الملك بن صالح (1) ابن مظهر المعروف بالأصمعي، الباهليُّ: وإنما قيل له: الباهلي؛ لأنه كان صاحب لغة ونحو، وإمامًا في الأخبار والنوادر، وهو من أهل
(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 170)، وفيه:"عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مظهر".
البصرة، وقدم بغداد في أيام الرشيد.
وحُكي عنه أنه قال: رأيت بعض الأعراب يفلي ثيابه، فيقتل البراغيث، ويدع القمل، فقلت: يا أعرابي! لم تفعل هكذا؟ فقال: أقتل الفرسان، ثم أعطِف على الرجّالة.
ولد سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وعشرين ومئة، وتوفي في صفر سنة ست عشرة، وقيل: أربع عشرة، وقيل: سبع عشرة ومئتين بالبصرة، وقيل: بمرو، وله من التصانيف كتب كثيرة جدًا.
* * *
217 -
أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، الثعالبيُّ النيسابوريُّ: راعي لمعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، وإمام المصنفين بحكم قرانه، له من التآليف "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر"، وشيء كثير من المصنفات.
ولد سنة خمسين وثلاث مئة، وتوفي سنة تسع وعشرين وأربع مئة.
ونسبته بالثعالبي إلى خياطة جلود الثعالب وعملها؛ لأنه كان فَرَّاء.
* * *
218 -
أبو محمد عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب، الكلبيُّ، الملقب: ديكُ الجِنِّ: الشاعر المشهور، أصله من أهل سَلَمْية، ومولده بحمص، وهو من شعراء الدولة العباسية.
ولد سنة إحدى وستين ومئة، وعاش بضعًا وسبعين سنة، وتوفي أيام المتوكل سنة خمس، أو ست وثلاثين ومئتين، وكان له جارية يهواها اسمها دنيا، فاتهمها بغلامه وصيف، فقتلها، وندم على ذلك، وأكثر من التغزل فيها، فمن ذلك قوله:
بِأَبِي نَبَذْتُكِ بِالعَرَاءِ المُقْفِرِ
…
وَسَتَرْتُ وَجْهَكِ بِالتُّرَابِ الأَعْفَرِ
بِأَبِي نَبَذْتُكِ بَعْدَ صَوْنٍ لِلْبِلَى
…
وَرَجَعْتُ عَنْكِ صَبَرْتُ أَمْ لَمْ أَصْبِرِ
لَوْ كُنْتُ أَقْدِرُ أَنْ أَرَى أَثَرَ البِلَى
…
لَتَرَكْتُ وَجْهَكِ ضَاحِيًا لَمْ يُقْبَرِ
وقال عنه ابن العفيف عند بلوغه ذلك: هذا الذي يقال له: الجنون فنون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، مما فعل هذا المجنون الذي فعل بالأحباب ما لا يفعل بالكلاب.
وأخباره ونوادره كثيرة.
* * *
219 -
أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة ابن الحجاج بن مطر، التميميُّ السعديُّ: كان شاعرًا مجيدًا، طاف البلاد، ومدح الملوك، وله ديوان كبير، ولد سنة سبع وعشرين وثلاث مئة،
وتوفي يوم الأحد بعد طلوع الشمس، ثالث شوال، سنة خمس وأربع مئة ببغداد، ودفن في مقبرة الخيزران من الجانب الشرقي، ومن قوله:
وَمَنْ لَمْ يَمُتْ بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ
…
تَنَوَّعَتِ الأَسْبَابُ وَالدَّاءُ وَاحِدُ
* * *
220 -
أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، الفقيهُ الشافعيُّ: من رؤوس الأفاضل مذهبًا وأصولًا وخلافًا، نقل عنه: أنه قال: لو احترقت كتب الشافعي، لأمليتها من خاطري.
ولد في ذي الحجة، سنة خمس عشرة وأربع مئة، وقتله الملاحدة في جامع آمل يوم الجمعة، في حادي عشر المحرم، سنة اثنتين وخمس مئة بسبب التعصب في الدين رحمه الله.
* * *
221 -
أبو الفرج عبد الواحد بن نصر بن محمد، المخزوميُّ، الشاعرُ المعروفُ بالببغاء: من أهل نصيبين، له رسائل ونظم، ومن شعره:
وَمُهَفْهَفٍ لَمَّا اكْتَسَتْ وَجَنَاتُهُ
…
خِلَعَ المَلَاحَةِ طُرِّزَتْ بِعِذَارِهِ
لَمَّا انتُصَرْتُ عَلَى أَلِيمِ جَفَائِهِ
…
بِالقَلْبِ كَانَ القَلْبُ مِنْ أَنْصَارِهِ
كَمُلَتْ مَحَاسِنُ وَجْهِهِ فَكَأنَّمَا اقْـ
…
ـتَبَسَ الهِلَالُ النُّورَ مِنْ أَنْوَارِهِ
توفي يوم السبت، سلخ شعبان، سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة، ولُقب بالببغاء؛ لحسن فصاحته، وقيل: للُثغة في لسانه.
* * *
222 -
أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة ابن محمد، القشيريُّ، الفقيهُ الشافعيُّ: كان علامة في الفقه والتفسير والحديث، والأصول والأدب والشعر، والكتابة، وعلم التصوف، جمع بين الحقيقة والشريعة، أصله من ناحية أُستوا، [من] العرب الذين قدموا خراسان، صنف "التفسير الكبير"، و"الرسالة" في رجال الطريقة.
ومن شعره:
سَقَى اللهُ وَقْتًا كُنْتُ أَخْلُو بِوَجْهِكُمْ
…
وَثَغْرُ الهَوَى فِي رَوْضَةِ الأُنْسِ
ضَاحِكُ أَقَمْنَا زَمَانًا وَالعُيُونُ قَرِيرَةٌ
…
وَأَصْبَحَتُ يَوْمًا وَالْجُفُونُ سَوَافِكُ
ولد في ربيع الأول، سنة ست وسبعين وثلاث مئة، وتوفي صبيحة يوم الأحد قبل طلوع الشمس، سادس عشر ربيع الآخر، سنة خمس وستين وأربع مئة بمدينة نيسابور، ودفن بالمدرسة بجانب شيخه ابن الدَّقاق.
وكان ولده أبو نصر عبد الرحيم إمامًا كبيرًا، توفي ضحوة نهار الجمعة، سنة أربع عشرة وخمس مئة بنيسابور، ودفن بالمشهد المعروف بقُم، وتنسب إليه هذه الأبيات:
القَلْبُ نَحْوَكَ نَازِعُ
…
وَالدَّهْرُ فِيكَ مُنَازِعُ
جَرَتِ القَضِيَّةُ بِالنَّوَى
…
مَا للِقَضِيَّةِ وَازِعُ
وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّنَي
…
لِفِرَاقِ وَجْهِكَ جَازِعُ
وتوفي شيخه الدقاق أبو علي الحسين النيسابوري إمام وقته سنة اثنتي عشرة وأربع مئة.
والقشيري: نسبة إلى قشير بن كعب، وهي قبيلة كبيرة.
* * *
223 -
تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن أبي بكر: محمد بن
[أبي] المظفر (1) المنصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن جعفر ابن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع، التميميُّ السمعانيُّ، الفقيه الشافعيُّ، الحافظ، الملقَّب: قوام الدين: رحل في طلب العلم والحديث إلى شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها، ولقي العلماء، وأخذ عنهم، وكان عدة شيوخه تزيد على أربعة آلاف شيخ، وكان إمامًا جليلًا.
ولد في ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، سنة سبع وثلاثين وخمس مئة بنيسابور، وتوفي بمرو سنة أربع عشرة وست مئة (2).
* * *
224 -
أبو محمد عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس، الأزديُّ الصِّقِلِّيُّ، الشاعر المشهور.
فمن معانيه البديعة قوله من قصيدة أولها:
قُمْ هَاتِهَا مِنْ كَفِّ ذَاتِ الوِشَاحِ
…
فَقَدْ نَعَى اللَّيْلَ بَشِيرُ الصَّبَاحِ
(1) في الأصل: "بن المظفر بن المنصور"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(3/ 209).
(2)
في "وفيات الأعيان"(3/ 210) وغيره: "ولد الإثنين الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمس مئة، وتوفي غرة ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمس مئة".
بَاكِرْ إِلَى اللَذَّاتِ وَارْكَبْ لَهَا
…
سَوَابِقَ اللَّهْوِ ذَوَاتِ المزَاحِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَرْشُفَ شَمْسُ الضُّحَى
…
رِيقَ الغَوَانِي مِنْ ثُغُورِ الأَقَاحِ
توفي في رمضان سنة سبع وعشرين وخمس مئة، وكان قد عمي، وفي أبياته ما يدل على أنه بلغ الثمانين.
* * *
225 -
أبو طالب عبد الجبار بن محمد بن علي بن محمد، المعافريُّ: كان إمامًا في اللغة وفنون الأدب، ودخل الديار المصرية سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، وهو حسن الخط على طريق المغاربة، وله مكتوب على ظهر كتاب "الذيل في اللغة" بيتان، وهما:
أُقْسِمُ بِاللهِ عَلَى كُلِّ مَنْ
…
أَبْصَرَ خَطِّي حَيْثُمَا أَبْصَرَهْ
أَنْ يَدْعُوَ الرَّحْمَنَ لِي مُخْلِصًا
…
بِالعَفْوِ وَالغُفْرَانِ وَالمَغْفِرَهْ
والمعافرة: قبيلة كبيرة نسبة إلى المعافر بن يعفر، غالبهم بمصر.
* * *
226 -
أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد ابن جعفر، المعروف بابن الصباغ، الفقيهُ الشّافعيُّ: كان فقيه العراقيين في وقته، وكان حجة صالحًا، ومن مصنفاته في الفقه "الشامل"، وهو صحيح النقل، ثابت الأدلة، وله غير ذلك من الكتب المفيدة.
ولي التدريس بالنظامية ببغداد أول ما فتحت، ثم عزل بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وكانت ولايته لها عشرين يومًا، ولما توفي أبو إسحاق، أعيد إليها أبو نصر المذكور.
وبدئ بعمارتها في ذي الحجة، سنة سبع وخمسين وأربع مئة، وفتحت يوم السبت، عاشر ذي القعدة، سنة تسع وخمسين.
ولد سنة أربع مئة ببغداد، وكُفَّ بصره في آخر عمره، وتوفي في جمادى الأولى، سنة سبع وسبعين وأربع مئة ببغداد.
* * *
227 -
القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد ابن الحسين بن هارون بن مالك بن طوق صاحب الرحبة: كان فقيهًا مالكيًا أديبًا شاعرًا.
صنف في مذهبه كتبًا كثيرة، وشرح "الرسالة"، وتولى القضاء ببادرايا وباكسايا، وخرج إلى مصر في آخر عمره، فمات بها، ومن شعره:
مَتَى تَصِلُ العِطَاشُ إِلَى ارْتِوَاءٍ
…
إِذَا اسْتَقَتِ البِحَارُ مِنْ الرَّكَايَا
وَهَلْ تُنْبِي الأَصَاغِرُ عَنْ مُرَادٍ
…
وَقَدْ جَلَسَ الأَكَابِرُ فِي الزَّوَايَا
إِذَا اسْتَوَتِ الأَسَافِلُ وَالأَعَالِي
…
فَقَدْ طَابَتْ مُنَادَمَةُ المَنَايَا
ولي القضاء بمدينة أسعرد، وكان مولده نهار الخميس، السابع من شوال، [سنة اثنتين وستين وثلاث مئة ببغداد، وتوفي] سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، وكانت وفاته بمصر، ودفن بالقرافة بالقرب من تربة الإمام الشافعي، ومن شعره:
بَغْدَادُ دَارٌ لِأَهْلِ المَالِ طَيِّبَةٌ
…
وَلِلمَفَالِيسِ دَارُ الضَّنْكِ وَالضِيقِ
ظَلَلْتُ حَيْرَانَ أَمْشِي فِي أَزِقَّتِهَا
…
كَأَنَّنِي مُصْحَفٌ فِي يَدِ زِنْدِيقِ
* * *
228 -
عبد الحميد بن يحيى بن سعد، مولى بني عامر: الكاتبُ البليغ المشهور، وبه يضرب المثل في البلاغة، وهو من أهل الشام، وكان أولًا معلم صبية يتنقل في البلدان، وهو أول من أطال الرسائل، واستعمل
التحميدات في فصول الكتب.
وكان كاتبَ مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الجعدي آخر ملوك بني أمية.
ومن كلامه: خير الكلام ما كان لفظه فحلًا ومعناه بِكرًا.
وكان كثيرًا ما ينشد:
إِذَا خَرَجَ الكُتَّابُ كَانَتْ دُوِيُّهُمْ
…
قِسِيًّا وَأَقْلَامُ الدُّوِيِّ لَهَا نَبْلَا
ولما قتل مروان، استخفى بالجزيرة، فغمز عليه، فأخذ، ودفعه أبو العباس السّفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن صاحب شرطته، فكان يحمي له طستًا بالنار، ويضعه على رأسه حتى مات.
وقيل: إنما قُتل مع مروان، وكان قتلُ مروان يوم الاثنين، ثالث عشر ذي الحجة، سنة اثنتين وثلاثين ومئة بقرية بوصير من أعمال الفيوم بالديار المصرية.
* * *
229 -
أبو عمرو (1) عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى، البصريُّ الكرديُّ الشهرزوريُّ المعروف بابن الصلاح، الملقب: تقي الدين، الفقيه الشافعيُّ: أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث، والفقه
(1) في الأصل: "عمر".
وأسماء الرجال، وله مشاركة في فنون عديدة، وفتاويه مسددة، سافر إلى خراسان، ثم رجع إلى الشام، وتولى التدريس بالمدرسة الصلاحية بالقدس الشريف، ثم انتقل إلى دمشق، وتولى تدريس المدرسة الرواحية، وكان من العلم والدين على قدم عظيم، وله مصنفات، وجمع أصحابه فتاويه في مجلد.
ولد سنة سبع وسبعين وخمس مئة، وتوفي يوم الأربعاء وقت الصبح، وصُلي عليه بعد الظهر، وهو الخامس والعشرون من شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وأربعين وست مئة بدمشق، ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر.
وتوفي والده في ذي القعدة، سنة ثماني عشرة وست مئة بحلب، ودفن بباب الأربعين، وكان مولده سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.
* * *
230 -
أبو الفتح عثمان بن جِنِّي، الموصليُّ النحويُّ المشهورُ: كان إمامًا في علم العربية والأدب، وكان أبوه جني مملوكًا روميًا لسليمان ابن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي، وكان أعور، وإلى ذلك أشار بقوله:
صُدُودُكَ عَنِّي وَلَا ذَنْبَ لِي
…
يَدُلُّ عَلَى نِيَّةٍ فَاسِدَهْ
فَقَدْ وَحَيَاتِكَ مِمَّا بَكَيْتُ
…
خَشِيتُ عَلَى عَيْنِيَ الوَاحِدَهْ
وَلَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ لَا أَرَاكَ
…
لَمَا كَانَ فِي تَرْكِهَا فَائِدَهْ
ولابن جني المصنفاتُ المفيدة: منها "اللمع"، و"شرح ديوان المتنبي"، وسماه "النشر"، وغير ذلك.
ولد في الثلاثين والثلاث مئة بالموصل، وتوفي يوم الجمعة، لليلتين بقيتا من صفر، سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة ببغداد - رحمه الله تعالى -.
* * *
231 -
أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، المصريُّ (1) الفقيهُ المالكيُّ، المعروفُ بابن الحاجب، الملقب: جمال الدين: كان والده حاجبًا [للأمير عز الدين](2) موسك الصلاحي، وكان كرديًا، واشتغل ولده بالقاهرة في القرآن، والفقه على مذهب مالك، والعربية، وبرع في علومه، ثم انتقل إلى دمشق، وتبحر في الفنون، وصنف "المختصر" المتداول بين الناس، وغيره، ثم عاد إلى القاهرة، ثم انتقل إلى الإسكندرية، وتوفي بها في ضحى نهار الخميس، سادس عشري شوال، سنة أربعين وست مئة (3)، ودفن خارج باب البحر.
وكان مولده في أواخر سنة سبعين وخمس مئة.
* * *
(1) في الأصل: "البصري".
(2)
في الأصل: "لابن"، والمثبت من "وفيات الأعيان"(3/ 248).
(3)
انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (3/ 250)، وفيه:"سنة ست وأربعين وست مئة".
232 -
الشيخ عدي بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مروان ابن الحسن بن مروان، الهكاريُّ مسكنًا: العبد الصالح المشهور، الذي تنسب إليه الطائفة العدوية، سار ذكره في الآفاق، وتبعه خلق كثير، ولد بقرية يقال لها: بيت فار من أعمال بعلبك، والبيت الذي ولد فيه يزار إلى الآن، وتوفي سنة سبع، وقيل: خمس وخمسين وخمس مئة في بلدة الهكارية، ودفن بزاويته، وعاش تسعين سنة.
* * *
233 -
أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، القرشيُّ الأسديُّ: أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وأبوه الزبير أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، والزبير ابن صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأم عروة أسماءُ بنت أبي بكر الصديق، وهي ذات النطاقين، وإحدى عجائز الجنة، وعروة شقيقُ عبد الله بن الزبير، بخلاف أخيهما مصعب؛ فإنه لم يكن من أمهما.
وكان عالمًا صالحًا، وأصابته الأكلة في رجله وهو بالشام، فقُطعت رجله عند الوليد، وهو مشغول عنه بمن يحدثه، فلم يتحرك، ولم يشعر الوليد أنها قطعت حتى كُويت، فوجد رائحة الكي، ولم يترك وِرْدَه تلك الليلة، وعاش بعد قطع رجله ثمان سنين، وهو الذي حفر بئر عروة بالمدينة، وهي منسوبة إليه، وليس بالمدينة بئر أعذب منها.
ولد سنة اثنتين، وقيل: ست وعشرين، وتوفي سنة ثلاث، وقيل: أربع وتسعين بقرية يقال لها: فُرع - بضم الفاء - ناحية الربذة، بينها وبين
المدينة أربعة أميال، وهي ذات نخيل ومياه، ودفن هناك رضي الله عنه.
* * *
234 -
أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله، مولى عبد الله بن عباس: أصله من البربر من أهل المغرب، وكان لحصين بن الحر العنبري، فوهبه لابن عباس حين ولي البصرة لعلي (1) بن أبي طالب، واجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن والسنن، وهو أحد فقهاء مكة وتابعيها.
روي أن ابن عباس قال له: انطلق فأفت الناس.
وقيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحدًا أعلمَ منك؟ قال: عكرمة.
ومات مولاه ابن عباس وعكرمةُ على الرق، ولم يعتقه، فباعه ولده علي بن عبد الله بن عباس من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فاستقاله، فأقاله، وأعتقه، وتوفي سنة سبع ومئة، وعمره ثمانون سنة.
* * *
235 -
أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروفُ بزين العابدين، ويقال له: علي الأصغر: وليس للحسين عقبٌ إلا من ولد زين العابدين هذا، وهو أحد الأئمة الاثني عشر، ومن سادات التابعين.
ولد في شهور سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وتوفي سنة أربع وتسعين
(1) في الأصل: "عن علي".
للهجرة بالمدينة الشريفة، ودفن بالبقيع في قبر عمه الحسن بن علي بن أبي طالب في القبة التي فيها قبر العباس رضي الله عنهم.
* * *
236 -
أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن زين العابدين المذكور: وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان المأمون قد زوجه ابنته أم حبيب سنة اثنتين ومئتين، وجعله ولي عهده، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، وكانت ولادة (1) علي المذكور يوم الجمعة، في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومئة بالمدينة، وقيل: بل ولد سابع شوال، وقيل: ثامنه، وقيل: سادسه، سنة إحدى وخمسين ومئة (2)، وتوفي سنة ثلاث ومئتين بمدينة طوس، وصلى عليه المأمون، ودفنه ملاصق قبر أبيه الرشيد.
* * *
237 -
القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، الفقيهُ الشافعيُّ: كان فقيهًا أديبًا شاعرًا، وهو القائل:
يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا
…
رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
(1) في الأصل: "وكان ولاية"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(3/ 270).
(2)
في الأصل: "إحدى ومئتين"، والصواب ما أثبت كما في "وفيات الأعيان"(3/ 270).
وله:
مَا لِي وَمَا لَكَ يَا فِرَاقُ
…
أَبَدًا رَحيلٌ وَانْطِلَاقُ
يَا بِئْسَ مَوْتِي بَعْدَهُمْ
…
وَكَذَا يَكُونُ الاشْتِيَاقُ
توفي في سلخ صفر، سنة ست وستين وثلاث مئة بنيسابور، وعمره ست وسبعون سنة، وكان حسن السيرة في قضائه، وكانت وفاته بالري، وهو قاضي القضاة، وقيل: في سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، وحُمل تابوته إلى جرجان من خراسان، ودفن بها، وهي مدينة عظيمة.
* * *
238 -
أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب، البصريُّ المعروفُ بالماورديِّ، الشافعيُّ: كان من وجوه الفقهاء الشافعية، ومن كبارهم، حافظًا للمذهب، وله:"الحاوي" الذي لم يطالعه أحد إلا شهد له بالتبحر والمعرفة التامة بالمذهب، وفوض إليه القضاء ببلدان كثيرة، واستوطن بغداد، وله شعر حسن.
وقال لما خرج من بغداد راجعًا إلى البصرة:
أَقَمْنَا كَارِهِينَ لَهَا فَلَمَّا
…
أَلِفْنَاهَا خَرَجْنَا كَارِهِينَا
وَمَا حُبُّ البِلَادِ بِنَا وَلَكِنْ
…
أَمَرُّ العَيْشِ فُرْقَةُ مَنْ هَوِينَا
خَرَجْتُ أَقَرَّ مَا كَانَتْ لِعَيْنِي
…
وَخَلَّفْتُ الفُؤَادَ بِهَا رَهِينَا
وإنما قال ذلك؛ لأنه من أهل البصرة، فشق عليه فراقها.
توفي يوم الثلاثاء، سلخ ربيع الأول، سنة خمسين وأربع مئة، وعمره ست وثمانون سنة.
والماوردي: نسبة إلى بيع الماورد.
* * *
239 -
أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر (1) إسحاق بن بلال بن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإليه تنسب الطائفة الأشعرية.
ولد سنة سبعين ومئتين بالبصرة، وتوفي سنة نيف وثلاثين وثلاث مئة، وقيل: سنة أربع وعشرين وثلاث مئة، وقيل: سنة ثلاثين، ودفن بين الكرخ وباب البصرة، وكان أولًا معتزليًا، ثم تاب من القول بالعزل وخلق القرآن وردَّ على المعتزلة، وضبط له من التصانيف خمسة وخمسون مصنفًا.
* * *
(1) في الأصل زيادة: "بن".
240 -
أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبريُّ، الملقب: عماد الدين، المعروف بالكياالهراسي، الفقيهُ الشافعيُّ: كان من أهل طبرستان، وخرج إلى نيسابور، وكان حسن الوجه، جهوري الصوت، فصيح العبارة، ثم خرج من نيسابور إلى العراق، وتولى النظامية ببغداد إلى أن توفي، وتولى القضاء.
وسئل عن يزيد بن معاوية، فأفتى بفسقه، وأفتى أبو حامد الغزالي بخلاف ذلك، وبعدم جواز لعن يزيد، وباستحباب الترحم عليه، وبفسق من لعنه.
وكانت ولادة الكيا في ذي القعدة، سنة خمسين وأربع مئة، وتوفي يوم الخميس وقت العصر مستهل المحرم، سنة أربع وخمس مئة ببغداد، ودفن بتربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ولما دفن، وقف قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني على قبره، وقال:
عَقُمَ النِّسَاءُ فَلَا يَلِدْنَ شَبِيهَهُ
…
إِنَّ النِّسَاءَ بِمِثْلِهِ لَعَقِيمُ
والكيا بالعجمية: الكبير القدر، المقدم بين الناس - رحمه الله تعالى -.
* * *
241 -
أبو الحسن (1) علي بن الأنجب أبي المكارم المفضل بن
(1) في الأصل: "المحاسن"، والتصويب من "وفيات الأعيان"(3/ 290).
علي بن أبي الغيث، المقدسيُّ الأصل، الإسكندرانيُّ المولد، المالكيُّ المذهب: كان فقيهًا فاضلًا، من أكابر الحفاظ في الحديث والعلوم. صحب السِّلَفي، والمنذري، وبهما انتفع، وأنشد للمنذري:
ثَلَاثُ بَاءَاتٍ بُلِينَا بِهَا
…
البَقُّ وَالبُرْغُوثُ وَالبَرْغَشُ
ثَلَاثَةٌ أَوْحَشُ مَا فِي الوَرَى
…
وَلَسْتُ أَدْرِي أَيُّهَا أَوْحَشُ
وكان ينوب في الحكم بثغر الإسكندرية، ودرَّس بالمدرسة المعروفة به هناك، ثم انتقل إلى القاهرة، ودرس بها إلى حين وفاته، وتوفي في مستهل شعبان، سنة إحدى عشرة وست مئة، عن سبعة وستين سنة.
* * *
242 -
أبو الحسن علي بن محمد بن سالم التغلبي، الفقيهُ الأصولي، الملقب: سيف الدين، الآمديُّ: كان في أول اشتغاله حنبليًا، واشتغل في ذلك مدة، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، ثم انتقل إلى الشام من بغداد، ثم انتقل إلى الديار المصرية، وتولى الإعادة بالمدرسة المجاورة لضريح الشافعي، وتصدر بالجامع الظاهري، ولما اشتهر فضله، حسده جماعة من الفقهاء، وتعصبوا عليه، ونسبوه إلى فساد العقيدة، والتعطيل، ومذهب الفلاسفة والحكماء (1)، وكتبوا محضرًا
(1) جاء على هامش الأصل مغاير: "وسمعت ممن سمع من علماء الروم أنهم نسبوه إلى تلك العقيدة، لعل ذلك كان شعبة من شعب ذلك الحسد".
يتضمن ذلك، ووضعوا خطوطهم بما يُستباح به الدم، ثم حُمل المحضر إلى رجل فيه عقل ومعرفة ليكتب فيه مثلَهم، فقال:
حَسَدُوا الفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ
…
فَالقَوْمُ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ
كَضَرَائِرِ الحَسْنَا يَقُلْنَ لِوَجْهِهَا
…
حَسَدًا وَبُؤْسًا إِنَّهُ لَدَمِيمُ
وكتب فلان بن فلان.
ولما رأى سيف الدين تعصبهم، ترك البلاد، وخرج مستخفيًا إلى الشام، واستوطن حماة، ثم انتقل إلى دمشق، [ودرس] بالعزيزية، ثم عُزل عنها لسبب اتهم به، وأقام بطالًا في بيته، وتوفي على ذلك في رابع صفر، سنة إحدى وثلاثين وست مئة، وله تصانيف مفيدة تزيد عن عشرين مصنفًا.
* * *
243 -
أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن فيروز، الأسديُّ بالولاء، الكوفيُّ المعروفُ بالكسائي، أحدُ القراء السبعة: كان إمامًا في النحو واللغة والقرآن، ولم يكن له في الشعر يد، توفي سنة تسع وثمانين ومئة بالري، وكان قد خرج إليها صحبة هارون الرشيد، وكان الرشيد يقول: دفنت الفقه والعربية بالري، - رحمه الله تعالى -.
* * *
244 -
أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، البغداديُّ الدارقطنيُّ الحافظُ المشهور: كان عالمًا حافظًا، فقيهًا على مذهب الإمام الشافعي، وشهد يومًا عند القاضي ابن معروف، ثم ندم في سنة ست وسبعين وثلاث مئة، وقال:[كان] يقبل قولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بانفرادي، وصار لا يقبل قولي على نقلي إلا مع آخر! وصنف "السنن"، و"المختلف والمؤتلف"، وغيرهم.
وخرج من بغداد إلى مصر، وحصل له خير ورزق واسع.
ولد في ذي القعدة، سنة ست وثلاث مئة، وتوفي يوم الأحد، لثمانٍ خلون من ذي القعدة، وقيل: ذي الحجة، سنة خمس وثمانين وثلاث مئة ببغداد، ودفن قريبًا من معروف الكرخي في مقبرة باب الدير.
والدارقطني: نسبة إلى دار القطن ببغداد، وكانت محلة كبيرة.
* * *
245 -
أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل، المعروفُ بالأخفش الأصغر، النحويُّ: كان عالمًا ثقة، وهو غير الأخفش الأكبر، والأخفش الأوسط.
وكان الأخفش الأكبر أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد من أهل هَجَر من مواليهم، وكان نحويًا لغويًا.
والأوسط هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة، صاحب سيبويه.
وكان وفاته في ذي القعدة، وقيل: في شعبان، سنة خمس عشرة،
أو ست عشرة وثلاث مئة فجأة ببغداد.
والأخفش: هو صغير العين.
وكان الأخفش كثيرًا ما ينشد، ويملي على الناس:
هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنيِّ غَيْرُ جَائِيكَا
…
وَإِنَّنِي غَيْرُ مَاشٍ فِي نَوَاحِيكَا
واللهِ لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا بِزِينَتِهَا
…
وَادٍ بِكَفِّكَ لَمْ أَحْلُلْ بِوَادِيكَا
وَلَوْ مَلَكْتَ رِقَابَ النَّاسِ كُلِّهِمُ
…
شَرْقًا وَغَرْبًا لَمَا جِئْنَا نُهَنِّيكَا
* * *
246 -
أبو الحسن علي بن أحمد بن علي الواحدي: صاحبُ التفاسير المشهورة، وكان أستاذ عصره في النحو والتفسير، وصنف فيه "البسيط"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، ومنه أخذ الغزالي أسماء كتبه الثلاثة، وتوفي عن مرض طويل في جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين وأربع مئة بمدينة نيسابور.
* * *
247 -
أبو القاسم الحافظ علي بن محمد بن الحسين بن هبة الله أبي الحسن (1)، المعروفُ بابن عساكر، الدمشقيُّ، الملقب ثقة الدين: كان محدث الشام، ومن أعيان الشافعية، رحل إلى بغداد، وخراسان،
(1) في "وفيات الأعيان" وغيره: "علي بن أبي محمد، الحسن بن هبة الله أبي الحسن بن عبد الله".
ونيسابور، وهراة، وأصبهان، والجبال، وصنف التصانيف، و"التاريخ الكبير الدمشقي" في ثمانين مجلدة، أتى فيه بالعجائب، وله شعر حسن، منه - وقد التزم الزاي قبل اللام -:
تَوَلَّى شَبَابِي كَأَنْ لَمْ يَكُن
…
وَجَاءَ المَشِيبُ كَأَنْ لَمْ يَزَلْ
كَأَنيِّ بِنَفْسِي عَلَى غِرَّةٍ
…
وَخَطْبُ المَنُونِ بِهَا قَدْ نَزَلْ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي ممَنْ أَكُونُ
…
وَمَا قَدَّرَ اللهُ لِي فِي الأَزَلْ
ولد في أول المحرم، سنة تسع وتسعين وأربع مئة، وتوفي ليلة الاثنين، الحادي عشر من شهر رجب، سنة إحدى وسبعين وخمس مئة بدمشق، وحضر الصلاةَ عليه السلطان صلاح الدين، ودفن عند والده بباب الصغير - رحمه الله تعالى -.
* * *
248 -
أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد الهمداني، المصريُّ السخاويُّ المقرئ النحويُّ، الملقب: علم الدين: اشتغل بالقاهرة على الشاطبي، ثم انتقل إلى دمشق، وتقدم بها على علماء فنه، وله خطب وأشعار، توفي بدمشق، ليلة الأحد، ثاني عشر جمادى الآخرة، سنة ثلاث وأربعين وست مئة، عن تسعين سنة.
ولما حضرته الوفاة، أنشد لنفسه:
قَالُوا غَدًا تَأْتِي دِيَارَ الحِمَى
…
وَيَنْزِلُ الرَّكْبُ بِمَغْنَاهُمُ
وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُطِيعًا لَهُمْ
…
أَصْبَحَ مَسْرُورًا بِلُقْيَاهُمُ
قُلْتُ فَلِي ذَنْبٌ فَمَا حِيلَتِي
…
بِأَيِّ وَجْهٍ أَتَلَقَّاهُمُ
قَالُوا أَلَيْسَ العَفْوُ مِنْ شَأْنِهِمْ
…
لَا سِيَّمَا عَمَّنْ تَرَجَّاهُمُ
* * *
249 -
أبو الحسن علي بن هلال، المعروفُ بابن البواب، الكاتبُ المشهور: لم يوجد في المتقدمين ولا المتأخرين من كتب مثله، ولا قارَبَه، وكان أبوه بوابًا، فلهذا نسب إليه، وكان شيخه في الكتابة ابن أسد الكاتب، وتوفي في ثاني جمادى الأولى، سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة ببغداد، ودفن بجوار الإمام أحمد.
وأول من [خَطَّ] بالعربي: إسماعيل عليه السلام، وقيل: مرامر ابن مرة من أهل الأنبار، ومنه انتشرت الكتابة في الناس، وجميع كتابات الأمم من سكان الشرق والغرب اثنا عشر كتابة: العربية، والحميرية، واليونانية، والفارسية، والسريانية، والعبرانية، والرومية، والقبطية، والبربرية، والأندلسية، والهندية، والصينية.
فخمسٌ منها بطل استعمالها، واضمحلت، وذهب من يعرفها، وهي: الحميرية، واليونانية، والقبطية، والبربرية، والأندلسية.
وثلاث قد بقي استعمالها في بلادها، وعدم من يعرفها في بلاد الإسلام، وهي: الرومية، والهندية، والصينية.
وحصلت أربع، وهي: العربية، والفارسية، والسريانية، والعبرانية.
* * *
250 -
أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، المعروف بابن الرومي، مولى عبيد الله بن جعفر بن المنصور، الشاعرُ المشهور: صاحب النظم العجيب، والتوليد الغريب، فمن ذلك قوله:
وَإِذَا امْرُؤٌ مَدَحَ امْرَأً لِنَوَالِهِ
…
وَأَطَالَ فِيهِ فَقَدْ أَرَادَ هِجَاءَهُ
لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ بُعْدَ المُسْتَقَى
…
عِنْدَ الوُرُودِ لَمَا أَطَالَ رِشَاءَهُ
ولد في رجب، سنة إحدى وعشرين ومئتين ببغداد، وتوفي في ثاني جمادى الأولى، سنة ثلاث وثمانين ومئتين.
وكان سبب موته: أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبد الله وزيرَ الإمام المعتضد كان يخاف من هجوه، وفَلتات لسانه بالفحش، فدسَّ عليه ابنَ فراس، فأطعمه خشتنانكه مسمومة وهو في مجلسه، فلما أكلها أحسَّ بالسم فقام، فقال له الوزير: إلى أين تذهب؟ قال: إلى الموضع الذي بعثتني إليه، فقال: سلِّم على والدي، فقال له: ما طريقي على النار، وخرج من مجلسه، وأتى منزله، فكان الطبيب يتردد إليه، ويعالجه بالأدوية النافعة للسم، فزعم أنه غلط عليه في بعض العقاقير.
* * *
251 -
أبو القاسم علي بن إسحاق بن خلف، البغداديُّ، المعروفُ بالزاهي: الشاعرُ المشهور، توفي في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة ببغداد، ودفن بمقابر قريش، ومن شعره:
وَلَمْ أَخْلَعْ عِذَارِي فِيكَ إِلَّا
…
لِمَا عَايَنْتُ مِنْ حُسْنِ العِذَارِ
وَكَمْ أَبْصَرْتُ مِنْ حَسَنٍ وَلَكِنْ
…
عَلَيْكَ لِشِقْوَتِي وَقَعَ اخْتِيَارِي
والزاهي: نسبة إلى قرية من قرى نيسابور، ونسب إليها جماعة.
252 -
أبو الفتح علي بن محمد الكاتب البُسْتي: الشاعر المشهور، صاحبُ الطريقة الأنيقة في تجنيس الأنيس البديع التأسيس؛ فمن ألفاظه البديعة قوله: من أصلح فاسدَه، أرغم حاسدَه، من أطاع غضبه، أضاع أدبَه، عاداتُ السادات سادات العادات.
ومن شعره:
إِذَا تَحَدَّثْتَ فِي قَوْمٍ لِتُؤْنِسَهُمْ
…
بِمَا تُحَدِّثُ مِنْ مَاض وَمِنْ آتِ
فَلَا تَعُدْ لِحَدِيثٍ إِنَّ طَبْعَهُمُ
…
مُوَكَّلٌ بِمُعَادَاةِ المُعَادَاتِ
وتوفي سنة أربع مئة ببخارى - رحمه الله تعالى -.
253 -
أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب، الباخرزيُّ، الشاعر المشهور: كان أوحد عصره في فضله وذهنه، كان في شبابه مشتغلًا بالفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، ثم شرع في فن الكتابة، ورأى من الدهر العجائب سفرًا وحضرًا، وغلب أدبه على فقهه، فاشتهر به، وله ديوان شعر، فمن معانيه الغريبة قوله:
وَإِنِّي لأَشْكُو لَسْعَ أَصْدَاغِكَ الَّتِي
…
عَقَارِبُهَا فِي وَجْنتَيْكَ تَحُومُ
وَأَبْكِي لِدُرِّ الثَّغْرِ مِنْكَ وَلِي أَبٌ
…
فَكَيْفَ يُدِيمُ الضِحْكَ وَهْوَ يَتِيمُ
وقوله من جملة أبيات:
يَا فَالِقَ الصُّبْحِ مِنْ لأْلَاءِ غُرَّتهِ
…
وَجَاعِلَ اللَّيْلِ مِنْ أَصْدَاغِهِ سَكَنَا
بِصُورَةِ الوَثَنِ اسْتَعْبَدْتَنِي وَبِهَا
…
فتنْتَنِي وَقَدِيمًا هِجْتَ لِي شَجَنَا
لا غَرْوَ أَنْ أَحْرَقَتْ نَارُ الهَوَى كَبِدِي
…
فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى مَنْ يَعْبُدُ الوَثَنَا
وقتل الباخرزي بباخرز في ذي القعدة، سنة سبع وستين وأربع مئة، وذهب دمُه هدرًا.
وباخرز: ناحية من نواحي نيسابور، تشتمل على قرى ومزارع، خرج منها جماعة من الفضلاء وغيرهم.
254 -
جمال الملك أبو القاسم علي بن أفلح العبسي: الشاعرُ المشهور، مدح الخلفاء فمَنْ دونَهم، ولقي الرؤساء، وله ديوان جيد،
فمنه يخاطب محبوبه:
يَا جَاهِلًا قَدْرَ المَحَبَّةِ سَاءَنِي
…
مَا ضَاعَ مِنْ كَلَفِي وَمِنْ تَبْريحِي
سِيَّانِ عِنْدَكَ مُغْرَمٌ بِكَ هَائِمٌ
…
وَخَليُّ قَلْبٍ فِيكَ غَيْر قَرِيحِ
لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ طَبْعَكَ هَكَذَا
…
لَمْ أَعْصِ يَوْمَ نُصِحْتُ فِيكَ نَصِيحي
مَا كَانَ فِي عَزْمِي السُّوُّ وَإِنَّمَا
…
ألْزَمْتَنِيهِ بِكَثْرَةِ التَّقْبِيحِ
توفي يوم الخميس، ثاني شعبان، سنة خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع وثلاثين وخمس مئة، وعمره أربع وستون سنة، وأربعة عشر يومًا، ببغداد، ودفن بالجانب الغربي بمقابر قريش رحمه الله.
255 -
أبو الحسن علي بن رستم بن هردوز، المعروفُ بابن الساعاتي، الملقَّب: بهاء الدين: الشاعر المشهور، له ديوان جيد، وديوان آخر لطيف سماه:"مقطعات النيل"، ومن شعره:
وَلَقَدْ نزَلْتُ بِرَوْضَةٍ حَرْبِيَّةٍ
…
رَتَعَتْ نَوَاظِرُنَا بِهَا وَالأَنْفُسُ
فَظَلَلْتُ أَعْجَبُ حَيْثُ يَحْلِفُ صَاحِبِي
…
وَالمِسْكُ مِنْ نَفَحَاتِهَا يَتَنَفَّسُ
مَا الْجَوُّ إِلَّا عَنْبَرٌ وَالدَّوْحُ إِلَّا
…
جَوْهَرٌ وَالرَّوْضُ إِلَّا سُنْدُسُ
سَفَرَتْ شَقَائِقُهَا فَهَمُّ الأُقْحُوَا
…
نُ بِلَثْمِهَا وَرَنَا إِلَيْهِ النَّرْجِسُ
فَكَأَنَّ ذَا ثَغْرٌ وَذَا خَدٌّ يُحَا
…
وِلُهُ وَذَا أَبَدًا عُيُونٌ تَحْرُسُ
توفي في الثالث والعشرين من شهر رمضان، سنة أربع وست مئة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، وعمرُه إحدى وخمسون سنة، وستة أشهر، واثنا عشر يومًا، ولد بدمشق.
256 -
أبو الفضائل علي بن أبي المظفر يوسف (1) بن أحمد بن عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن جعفر، الآمديُّ الأصل، الواسطيُّ الدار والمولد، وهو من بيت معروف بواسط بالصلاح والرواية والعدالة، قدم بغداد، وأقام بها مدة متفقهًا على مذهب الشافعي، وتولى القضاء بواسط في أواخر صفر، سنة أربع وست مئة، وله معرفة بالحساب،
(1) في الأصل: "بن يوسف".
وأشعار رائقة، فمن ذلك قوله:
وَاهًا لَهُ ذَكَرَ الحِمَى فَتأَوَّهَا
…
وَدَعَا لَهُ دَاعِي الصِّبَا فَتَوَلَّهَا
هَاجَتْ بَلَابِلَهُ البَلَابِلُ فَانْثَنَتْ
…
أَشْجَانُهُ تُنْبِي عَنِ الحكم النُّهَى
فَشَكَا جَوًى وَبَكَى أَسًى وَتَنبَّهَ الْـ
…
ـوَجْدُ القَدِيمُ وَلَمْ يَزَلْ مُتَنَبِهَا
قَالُوا وَهَى جلدًا وَلَوْ عَلِقَ الهَوَى
…
بِيَلَمْلَمٍ يَوْمًا تَأَوَّهَ أَوْ وَهَى
يَا عُتْبُ لا عَتْبٌ عَلَيْكِ فَسَامِحِي
…
وَصِلِي فَقَدْ بَلَغَ السَّقَامُ المُنْتَهَى
عَلِمَتْ بِأَنَّ الجِزْعَ مَيْلُ غُصونِهِ
…
لَمَّا خَطَرْتِ عَلَيْهِ فِي حُلَلِ البَهَا
وَمَنَحْتِ غُنْجَ اللَّحْظِ غِزْلَانَ النَّقَا
…
فَلِذَاكَ أَحْسَنُ مَا يُرَى عَيْنُ المَهَا
لَوْلَا دَلَالُكِ لَمْ أَبِتْ مُتَقَسِّمَ الْـ
…
ـعَزَمَاتِ مَسْلُوبَ الرُّقَادِ مُنَبَّهَا
لِي أَرْبَعٌ شُهَدَاءُ فِي حِفْظِ الوَلَا
…
دَمْعٌ وَحُزْنٌ مُفْرِطٌ ويدلها
وَبَلابِلٌ تَعْتَادُتِي لَوْ أَنَّهَا
…
يَوْمًا غَدَتْ مِثْلِي لأصْبَحَ كَالسُّهَا
لَامَ العَذُولُ عَلَى هَوَاكِ وَمَا ارْعَوَى
…
وَنهَاهُ عَنْكِ اللَّائِمُونَ وَمَا انتهَى
قَالُوا اشْتَهَاكِ وَقَدْ رَآكِ مَلِيحَةً
…
عَجَبًا وَأيُّ مَلِيحَةٍ لَا تُشْتَهَى
أَنَا أَعْشَقُ العُشَّاقَ فِيكِ فَلَا أَرَى
…
مِثْلِي وَلَا لَكِ فِي المَلَاحَةِ مُشْبِهَا
وله غيرها أشعار رقيقة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، عن تسعين سنة، بواسط.
257 -
عماد الدولة أبو الحسن علي بن بُويه الديلمي، صاحبُ بلاد فارس، كان أبوه صيادًا، وليست له معيشة إلا من صيد السمك، وكان له إخوة هو أكبرهم: ركن الدولة، ومعز الدولة وغيرهما، وكان عماد الدولة سبب سعادتهم، وانتشارِ صيتهم، فاستولى على البلاد، وملكوا العراقين، والأهواز، وفارس، وساسوا أمور الرعية، وملك
عمادُ الدولة في أول ملكه شيراز، ثم تمكن حاله، واستقرت قواعده، وتوفي في جمادى الأولى، سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة بشيراز، ودفن بدار المملكة، وأقام ستة عشر [سنة] في الملك.
258 -
أبو حسن علي بن منقذ بن نصر، الملقب: سديد الملك صاحبُ قلعة شَيْزَر: وهو أول من ملكها من بني منقذ، وكان شجاعًا، غضب على مملوكه، فقال:
أَسْطُو عَلَيْهِ وَقَلْبِي لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ
…
كَفَّيَّ غَلَّهُمَا غَيْظًا إِلَى عُنُقِي
وَأَسْتَعِيرُ إِذَا عَاتَبْتُةُ حَنَقًا
…
وَأَيْنَ ذُلُّ الهَوَى مِنْ عِزَّةِ الحَنَقِ
وكان موصوفًا بقوة الفطنة.
وحكى: أن تاج الملوك محمود بن صالح صاحب حلب تقدم إلى كاتبه أبي نصر محمد بن الحسين أن يكتب إلى سديد الملك كتابا يتشوقه ويستعطفه، ويستدعيه إليه، وفهم الكاتب أنه يقصد له شرًا، وكان صديقًا له، فكتب الكتاب كما أمر إلى أن بلغ: إن شاء الله تعالى، وشدَّد النونَ وفتحَها، فلما وصل الكتاب إليه، قرأه، وأجاب عنه بما اقتضاه الحال، وكتب في جملة الكتاب: أنا الخادم المقر بالإنعام، وكسر الهمزة من: أنا، وشدد النون، فلما وصل الكتاب إلى محمود، وقف عليه الكاتب،
وسُرَّ بما فيه، وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى:{إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص: 20].
فأجاب سديد الملك: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا} [المائدة: 24]، فكانت هذه معدودة من تيقظه وفهمه، وتوفي سنة خمس وسبعين وأربع مئة.
259 -
الفقيه أبو محمد عمارة بن أبي الحسن بن ريدان (1)، الحكميُّ اليمنيُّ، الملقبُ: نجم الدين، الشاعرُ المشهور: من تهامة باليمن من مدينة يقال لها: مرطان، وبها مولده، رحل إلى زبيد، وحج سنة تسع وأربعين وخمس مئة، وسيره قاسم بن هاشم بن فليتة صاحبُ مكة رسولًا إلى الديار المصرية، فدخلها سنة خمس وخمسين وخمس مئة، وصاحبها يومئذٍ الفائزُ بن الظافر، والوزير الصالح بن رُزيك، وأنشد في تلك الدفعة قصيدته الميمية التي يقول فيها:
الحَمْدُ لِلِعيسِ بَعْدَ العَزْمِ وَالهِمَمِ
…
حَمْدًا يَقُومُ بِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ نِعَمِ
لَا أَجْحَدُ الحَقَّ عِنْدِي لِلرِّكَابِ يَدٌ
…
تَمَنَّتِ اللُّجْمُ فِيَها رُتْبَةَ الخُطُمِ
(1) في الأصل: "زيد".
ومنها:
سَرَيْتُ مِنْ كَعْبَةِ البَطْحَاءِ وَالحَرَمِ
…
وَفْدًا إِلَى كَعْبَةِ المَعْرُوفِ وَالكَرَمِ
فَهَلْ دَرَى البَيْتُ أَنِّي بَعْدَ فُرْقَتِهِ
…
مَا سِرْتُ مِنْ حَرَمٍ إلَّا [إِلَى] حَرَمِ
وزالت دولة الفاطمية وهو في البلاد، ولمَّا ملك صلاح الدين، مدحه، ومدح جماعة من أهل بيته، ثم إنه شرع في أمور وأسباب من الاتفاق مع جماعة من رؤساء البلد على التعصب مع المصريين، وإعادة دولتهم، فأحسَّ بهم صلاح الدين، وكانوا ثمانية، من جملتهم الفقيه عمارةُ المذكور، فمسكهم، وشنقهم، وذلك في يوم السبت، ثاني شهر رمضان، سنة تسع وستين وخمس مئة بالقاهرة.
ويقال: إن القاضي الفاضل من جملة من أشار على الملك الصالح بقتله، فإنه استشاره في أمره، فقال له: نضربه؟ فقال: الكلب يُضرب، فيزيد نَبْحه، فقال: نحبسه؟ فقال: يطول لسانه، فقال: نقتله؟ قال: الملوك إذا فعلت شيئًا، لم يعارضها أحد، فعلم المقصود، وقتله، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا.
260 -
أبو القاسم عمر بن أبي علي الحسين بن عبد الله بن أحمد، الخرقيُّ الحنبليُّ: كان من أعيان الفقهاء الحنابلة، وصنف في مذهبهم
كتبًا كثيرة، من جملتها:"المختصر"، وكان أودعها بغداد لمَّا عزم على السفر إلى دمشق، فغرِقت في غيبته، وتوفي بدمشق سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة.
261 -
أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله البكري، الملقب: شهاب الدين السهرورديُّ، ونسبه متصل بأبي بكر الصديق: كان فقيهًا شافعي المذهب، شيخًا صالحًا، ولم يكن في آخر عمره مثله، وكان شيخ الشيوخ ببغداد، وله نفس مبارك.
حكى من حضر مجلسه: أنه أنشد يومًا على الكرسي:
لَا تَسْقِنِي وَحْدِي فَمَا عَوَّدْتَنِي
…
أَنِّي أَشِحُّ بِهَا عَلَى جُلَّاسِي
أَنْتَ الكَرِيمُ وَلَا يَلِيقُ تَكَرُّما
…
أَنْ يَعْبُرَ النُّدَمَاءَ دَوْرُ الكَاسِ
وله تآليف حسنة، منها: كتاب "عوارف المعارف".
ومولده بسهرورد في أوائل شعبان، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وست مئة ببغداد، ودفن من الغد بالوردية.
262 -
أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي،
الحَمَويُّ الأصل، المصريُّ المولد والدار والوفاة، المعروف بابن الفارض: المنعوت بالشرف، له ديوان لطيف، وما ألطفَ قوله من جملة قصيدة طويلة يقول فيها:
أَهْلًا بِمَا لَمْ أَكُنْ أَهْلًا لِمَوْقعِهِ
…
قَوْلُ المُبَشِّرِ بَعْدَ اليَأسِ بِالفَرَجِ
لَكَ البِشَارَةُ فَاخْلَعْ مَا عَلَيْكَ فَقَدْ
…
ذُكِرْتَ ثَمَّ عَلَى مَا فِيكَ مِنْ عِوَجِ
وقوله من قصيدة أخرى:
لَمْ أَخْلُ مِنْ حَسَدٍ عَلَيْكَ فَلا تُضِعْ
…
سَهَرِي بِتَشْنِيعِ الخَيَالِ المُرْجِفِ
وَاسْأَلْ نُجُومَ اللَّيْلِ هَلْ زَارَ الكَرَى
…
جَفْنِي؟ وَكَيْفَ يَزُورُ مَنْ لَمْ يُعْرَفِ؟
وَعَلَى تَفَنُّنِ وَاصِفِيهِ لِحُسْنِهِ
…
يَفْنَى الزَّمَانُ وَفِيهِ مَا لَمْ يُوصَفِ
كان رجلًا صالحًا، ترنم يومًا وهو في خلوة ببيت الحريري صاحبِ
المقامات، وهو:
مَنْ هُوَ الَّذِي مَا سَاءَ قَطْ
…
وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
قال: فسمع قائلًا، ولم ير شخصَه:
مُحَمَّدُ الهَادِي الَّذِي
…
عَلَيْهِ جِبْرِيلٌ هَبَطْ
ولد في الرابع من ذي القعدة، سنة ست وسبعين وخمس مئة بالقاهرة، توفي بها يوم الثلاثاء، ثالث جمادى الأولى، سنة اثنتين وثلاثين وست مئة، ودفن من الغد بسفح المقطَّم.
وللناس في نظمه كلام كثير، وأهل العلم يؤولون كلامه بتأويل حسن، وتعصَّب عليه فرقة يسيرة تكلموا فيه بما لا يليق، ونسبوه إلى الزندقة، وكان منهم أصحاب مناصب، ومن هو متعين، فانتقم الله منهم، وخرجت وظائفهم، ولزموا بيوتهم نادمين، وأخرج بعضهم من القاهرة، وكان عينًا بها، وهو برهان الدين البقاعي، نفاه السلطان إلى دمشق، وتخلفن بها إلى أن مات.
ورئي مكتوبًا بضريح الشيخ عمر بالقرافة [
…
]:
إنَّ البُقَاعِي بِمَا قَدْ قَالَهُ مُطَالَبُ
…
لَا تَحْسَبُوهُ سَالِمًا فَقَلْبُهُ يُعاقَبُ
[
…
] هذا القلب.
والفارض - بفتح الفاء، وبعد الألف راء مكسورة، وبعدها صاد معجمة -: نسبة إلى كتابه "فروض النساء على الرجال".
263 -
أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، الملقب: سيبويه: مولى بني الحارث بن كعب، وكان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو، ولم يصنع فيه مثل كتابه، وحاله مذكور، وفضله مشكور، خرج من بغداد بسبب تعصب وقع عليه في مسألة، والصواب معه، وقصد بلاد فارس، فتوفي بقرية من قرى شيراز يقال لها: البيضاء في سنة ثمانين ومئة، وعمره نيف وأربعون سنة.
وسيبويه: لقب فارسي، معناه بالعربية: رائحة التفاح، وقيل: سمي سيبويه؛ لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان، وكان في غاية الجمال.
264 -
أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين، التميميُّ المازني البصريُّ: كان أعلم الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر، وهو في النحو في الطبقة الرابعة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولد سنة سبعين، وقيل: خمس وستين للهجرة، وتوفي سنة أربع، وقيل: تسع وخمسين ومئة بالكوفة.
265 -
أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب، الكنانيُّ الليثيُّ، المعروفُ بالجاحظ، البصريُّ: العالم المشهور، صاحب التصانيف في كل فن، له مقالة في أصول الدين، وإليه تنسب الطائفة الجاحظية من
المعتزلة، وإنما قيل له: الجاحظ؛ لأن عينيه كانتا جاحظتين، والجحوظ: النتوء، وكان قد أصابه الفالج في آخر عمره، فكان يطلي نصفه الأيمن بالصندل والكافور؛ لشدة حرارته، والنصف الأيسر لو قُرض بالمقاريض، ما أحسَّ من خَدَره وشدة برده.
توفي في المحرم، سنة خمس وخمسين ومئتين بالبصرة، وقد نيِّف على التسعين سنة.
266 -
القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض، اليَحْصُبِيُّ السَّبْتِيُّ: إمام وقته في الحديث وعلومه، والنحو واللغة، وكلام العرب وأنسابهم، وله التصانيف المفيدة، منها: كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم "، وغيره من الكتب الجليلة، دخل الأندلس، وأخذ بقرطبة عن جماعة، ثم ولي قضاء غرناطة، وله شعر حسن، فمنه في خامات زرع بينها شقائق النعمانِ هبت عليه ريح:
انْظُرْ إِلَى الزَّرْعِ وَخَامَاتِه
…
يَحْكِي وَقَدْ مَاسَتْ أَمَامَ الرِّيَاحْ
كَتِيبَة خَضْرَاءَ مَهْزُومَةً
…
شَقَائِقُ النُّعْمَانِ فِيهَا الجِرَاحْ
الخامة: القصبة الرطبة من الزرع.
ومدحه أبو الحسن بن هارون المالقيُّ الفقيه الشاعر، فقال:
ظَلَمُوا عِيَاضًا وَهْوَ كَائِنُ بَيْنَهُمْ
…
وَالظُّلْمُ بَيْنَ العَالَمِينَ قَدِيمُ
جَعَلُوا مَكَانَ الرَّاءِ عَيْنًا فِي اسْمِهِ
…
كَيْ يَكْتُمُوهُ وَإِنَّهُ مَعْلُومُ
لَوْلَاهُ مَا فَاحَتْ أَبَاطِحُ سَبْتَةٍ
…
وَالرَّوْضُ حَوْلَ قِبَابِهَا مَعْدُومُ
روى عن مشايخ يقاريون المئة، ولد بمدينة سبتة في نصف شعبان، سنة يست وسبعين وأربع مئة، وتوفي بمراكش يوم الجمعة، سابع جمادى الآخرة، سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
267 -
أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن المراكشي ابن أبي زيد ابن إسحاق، وقيل: اسمه عبد الله بن بلال بن عبد الرحمن بن إسحاق النغزاويُّ القيروانيُّ المالكيُّ: والنغزاوي مولى لنغزاوة: قبيلة من قبائل إفريقية، وهو صاحب "الرسالة" في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وغيرها.
ولد رضي الله عنه في سنة ثمان عشرة وثلاث مئة، ومات في سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة، وعمره سبعون سنة، وفضائله كثيرة، وكان حافظًا لمذهب مالك، حتى قيل فيه: مالك الصغير - رحمة الله عليه -.
268 -
أبو الفضل عيسى بن سنجر بن بهرام الإربليُّ، المعروفُ بالحاجريِّ، الملقب: حسام الدين: وهو جندي، وله ديوان شعر تغلب عليه الرِّقة، فمن شعره:
مَا زَالَ يَحْلِفُ لِي بِكُلِّ آيَةِ
…
أَنْ لَا يَزَالُ مَدَى الزَّمَانِ مُصَاحِبِي
لَمَّا جَفَا نَزَلَ العِذَارُ بِخَدِّهِ
…
فَتَعَجَّبُوا لِسَوَادِ وَجْهِ الكَاذِبِ
وقال وهو في السجن لواقعة كانت سببًا في ذلك:
أَحْبابَنَا أَيُّ دَاعٍ بِالبِعَادِ دَعَا
…
وَأَيُّ خَطْبٍ دَهَانَا مِنْهُ تَفْرِيقُ
لَا كَانَ دَهْرٌ رَمَانَا بِالفِرَاقِ فَقَدْ
…
أَضْحَى لَهُ فِي صَمِيمِ القَلْبِ تَمْزِيقُ
كَانَتْ تَضِيقُ بِيَ الدُّنْيَا لِغَيْبَتِكُمْ
…
فَكَيْفَ سِجْنٌ وَمِنْ عَادَاتِهِ الضِيقُ
ثم بعد ذلك خرج من الاعتقال، واتصل بخدمة الملك المعظم صاحب إربل، وتقدم عنده.
واتفق أنه خرج يومًا من بيته قبل الظهر، فوثب عليه شخص، وضربه بسكين، فأخرج حشوته، وتوفي من يومه، في نهار الخميس،
ثاني شوال سنة اثنتين وثلاثين وست مئة، وعمره خمسون سنة.
والحاجري: نسبة إلى بليدة يقال لها: الحاجر بالحجاز، لم يبق منها غير الرسوم، ولم يكن منها وإنما لكونها استعملها في شعره كثيرًا، ومن ذلك:
لَوْ كُنْتُ كُفِيتُ مِنْ هَوَاكَ البَيْنَا
…
مَا بَاتَ يُحَاكِي دَمْعُ عَيْنِي عَيْنَا
لَوْلَاكَ لَمَا ذَكَرْتُ نَجْدًا بِفَمِي
…
مِنْ أَيْنَ أَنَا وَحَاجِرٌ مِنْ أَيْنَا
* * *
269 -
قاضي القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني، الحمَويُّ الأصل، الشاميُّ المولد: ولد بقاعة العادلية الكبرى في المحرم، سنة أربع وتسعين ولست مئة، وشيوخه سماعًا وإجازة يزيدون على الألف وثلاث مئة شيخ.
ولي قضاء مصر مدة طويلة، وجعل الناصر إليه تعيين قضاة الشام، وجمع بين رئاسة الدين والدنيا، وأفتى وصنف، وعزل نفسه في آخر عمره بعد ما ولي القضاء تسعًا وعشرين سنة.
وتوفي بمكة المشرفة في جمادى الآخرة، سنة سبع وستين وسبع
مئة، ودفن إلى جانب الفضيل بن عياض، والقشيري، وكان يقول: أشتهي أن أموت وأنا معزول، وأن تكونَ وفاتي بأحد الحرمين، فأعطاه الله ما تمناه.
وله مصنفات عديدة مشهورة - رحمه الله تعالى -.
270 -
أبو محمد عبد الله الملقب: بهاء الدين بن عبد الرحمن بن عقيل العقيليُّ الطالبيُّ، الحلبيُّ ثم المصريُّ: رئيس العلماء، وصدر الشافعية بالديار المصرية، لزم أبا حيان اثنتي عشرة سنة في النحو، حتى قال عنه: ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل، وفرَّق على الفقهاء مدةَ ولايته القضاء - مع قصرها - نحو مئة وستين ألف درهم، فيكون ذلك زيادة على ثلاثة آلاف دينار، وكان القضاة قبله أمروا أن لا يكتب شاهدٌ وصيةً إلا بإذن القاضي، فأبطل ذلك، وقال: قد يموت الرجل بينما يحصل الإذن، وكانت ولايته القضاء بمصر مدة، ثم عزل، ثم عاد إليه، وشرح "الألفية"، و"التسهيل"، وكان عنده حشمة زائدة، توفي في ربيع الأول، سنة تسع وستين وسبع مئة، ودفن بقرب تربة الشافعي عن سبعين سنة.
271 -
قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام الأنصاريُّ
السبكيُّ: ولد سنة سبع وعشرين وسبع مئة، سمع بالقاهرة من خلق كثير، ثم قدم مع والده دمشق، وقرأ على العلماء، وكان له يد طولى في النظم والنثر، ذا بلاغة، وصنف تصانيف عديدة مع صغر سنه، وانتشرت في حياته وبعد موته، وانتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب بالشام، وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله، وجرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله، وأُوذي فصبر، وسجن فثبت، ثم عاد إلى مرتبته، وعفا وصَفَحَ عمن قام عليه.
وكان سيدًا جوادًا كريمًا، توفي في ذي الحجة، سنة إحدى وسبعين وسبع مئة، وقد جاوز الأربعين، ودفن بتربته بالصالحية.
272 -
أبو محمد عبد الرحيم بن الحسين بن علي بن عمر القرشيُّ الأسنوي المصريُّ: منقح الألفاظ، محقق المعاني، صاحب التصانيف النافعة المشهورة، أفتى وصنف، وصار أحد أعيان مشايخ القاهرة المشار إليهم، وكان لين الجانب، كثير الإحسان إلى الطلبة.
قال الشيخ ولي الدين أبو زرعة بن العراقي: أفرد له والدي ترجمة سمعناها عليه، وحكى عنه فيها كشفًا ظاهرًا، وفيه يقول من أبيات:
أَبْدَتْ مُهِمَّاتُهُ إِذْ ذَاكَ رُتْبَتَه
…
إِنَّ المُهِمَّاتِ فِيه يُعْرَفُ الرَّجُلُ
وله تصانيف مشهورة، توفي في جمادى الأولى، سنة اثنتين
وسبعين وسبع مئة.
ومدحه تلميذه الشيخ كمال الدين الدميري بأبيات وضعها بخطه على "الكوكب" للأسنوي، ومنها:
يَا كَوْكَبًا مِنْهُ بَدْرُ التَّمِّ خَجْلَانُ
…
قَامَتْ لِتَمْهِيدِ عُذْرِي فِيكَ أَرْكَانُ
وَيَا غَزَالًا سَبَى قَلْبِي بِنَاظِرِهِ
…
مَا الصَّبُّ مِنْهُ مُعَاذٌ وَهْوَ فتَّانُ
يَا نُورَ عَيْنِي وَيَا أُنْسِي وَيَا شُغُلِي
…
دَعْنِي أَبُوحُ فَمَا فِي الحُبِّ كِتْمَانُ
يَا بَانَةً أَثْمَرَتْ بِالزَّهْرِ طَالِعَةً
…
وَمَا الكَوَاكِبُ مِمَّا تَحْمِلُ البَانُ
وهي طويلة.
273 -
نور الدين علي بن محمد بن محمد بن محمد، التاجرُ الكارميُّ، العسقلانيُّ الأصل، المصريُّ المشهورُ بابن حجر: والد الإمام الحافظ قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر، حفظ "الحاوي الصغير"، واشتغل على العلماء، وله نظم كثير، وأخبر ولدُه الحافظُ: أن من نظمه بمكة المشرفة، ولم يسمعه من لفظه، بل وجده بخطه بعد موته في
قصائده المكيات لنفسه:
يَا رَبِّ أَعْضَاءُ السُّجُودِ عَتَقْتَهَا
…
مِنْ فَضْلِكَ الوَافِي وَأنْتَ الوَاقِي
وَالعِتْقُ يَسْرِي فِي الغِنَى يَا ذَا الغِنَى
…
فَامْنُنْ عَلَى الفَانِي بِعِتْقِ البَاقِي
ثم قال: ومن سمع هذين البيتين، شهد للوالد أنه متضلع من علم الفقه والحديث والأدب، وأنه في طبقة بدر الدين بن الصاحب. توفي في رجب سنة سبع وسبعين وسبع مئة.
274 -
سراج الدين أبو حفص عمر، الزيلعيُّ المقدسيُّ الشافعيُّ: أحد علماء القدس الأخيار، توفي في رجب سنة ثمان وسبعين وسبع مئة، بالقدس الشريف، ودفن بالقلندرية بماملا.
275 -
الشيخ العلاء الملقب: علاء الدين علي بن أحمد بن محمد السِّيراميُّ الحنفيُّ: قدم من البلاد الشرقية إلى حلب، فلما بنى الملك الظاهر برقوق مدرسته بالقاهرة، طلبه من حلب، وولاه تدريسها، ومشيخة الصوفية، واستمر على ذلك إلى أن توفي، وكان متقنًا للعلوم، خصوصًا المعاني والبيان، توفي في جمادى الأولى، سنة تسعين وسبع
مئة عن نيف وسبعين سنة، ودفن بالقرب من تربة يونس الدوادار بالترب بالقاهرة.
276 -
الشيخ أبو يزيد البسطاميُّ: كان من أولياء الله تعالى العارفين، وله أحوال ظاهرة، توفي بالقدس الشريف سنة أربع وتسعين وسبع مئة، ودفن بماملا عند شيخه الشيخ علي العشقي المتوفَّى سنة إحدى وستين وسبع مئة.
277 -
الشيخ أبو حفص عمر بن نجم بن يعقوب، البغدادي ثم المقدسي، المعروف بالمجرد: ولد ببغداد سنة اثنتي عشرة وسبع مئة، وسمع "البخاري" بدمشق سنة ست وعشرين وسبع مئة، وأقام ببلد الخليل عليه السلام، وبنى به زاوية في غاية الحسن بناء ومنظرًا، وبنى أماكن بأعلاها، ورتب فيها من يتعلم القرآن، وأجرى لهم معاليم، وإذا قرأ القرآن عنده أحد، يخيره بين الإقامة عنده بشرط أن يشتغل في العلم، ويعطيه كتابًا، أو يذهب إلى بلده، ولا يدع أحدًا يقعد عنده بطَّالًا.
وكان شيخًا طويلًا، يلبس على رأسه قبعة بلا عمامة، توفي في ذي الحجة، سنة خمس وتسعين وسبع مئة، ودفن بزاويته بالخليل رحمه الله، وعفا عنه -.
278 -
الشيخ عيسى بن عبد الرحمن، الخيّر الصالح، الشهيرُ بالغوري المجذوب، توفي بالقدس الشريف، سنة سبع وتسعين وسبعمائة بالمسجد الأقصى، عند جامع المالكية، خلف المصطبة، وكان صلحاء بيت المقدس يقولون: إنه كان خفيرها، ولما مات، قطعوا عباءته قِطعًا صغارًا، وحملوها في عمائمهم، وممن كان يعتقد فيه قاضي القضاة سعد الدين الديري - نفع الله به -.
279 -
أبو الحسن علي بن شرف الدين عيسى الشهير بابن الرصاص، الحنفيُّ: الشيخ العالم الكبير، شيخ القدس وعالمها، درَّس وأفتى، وتولى القضاء بصفد، وتوفي سنة ثلاث وثمان مئة.
280 -
كريم الدين أبو المكار عبد الكريم ابن الشيخ زين الدين داود بن أبي الوفا، البدريُّ الشافعيُّ: إمام المسجد الأقصى الشريف، كان من أهل الفضل، ومن شيوخ القراءة، وأخذ الحديث عن جماعة من المعتبرين، وكان معيدًا بالمدرسة الصلاحية، وباشر الإمامة بالمسجد الأقصى أربعين سنة، من سنة خمس وخمسين وثمان مئة، وكان - رحمه الله تعالى - سخيًا، ويتلقى الواردين، ويطعمهم، وكان يؤدي القراءة بالمحراب على الأوضاع، وله همة، ومروءة، وعنده تواضع وتودُّد للناس، توفي عشية يوم السبت، وصُلي عليه بعد الظهر من يوم
الأحد سابع جمادى الأولى، سنة خمس وتسعين وثمان مئة، ودفن بماملا ظاهر القدس الشريف، وكان يومًا مشهودًا، شهده الخاص والعام من العلماء والقضاة وناظر الحرمين، وغيرهم - رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
281 -
الشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي ابن أحمد، الأنصاريُّ الخزرجيُّ، المرسيُّ الأصل المصريُّ، المعروفُ بابن الملقِّن، وهو زوج أمه: الشيخ العالم، صاحب التصانيف المشهورة المفيدة.
ولد في المحرم سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة، قدم دمشق سنة سبعين، وعاد إلى مصر، وناب في القضاء مدة، ثم استقر في قضاء القضاة، وكانت غالب مصنفاته التي أذهب عمره في تحصيلها قد احترقت بالنار، فكان ممن حضر إليه مسليًا عنه مما حلَّ به من التشويش الحافظُ ابنُ حجر، وأنشده:
لَا يُزْعِجَنَّكَ يَا سِرَاجَ الدِّينِ إِنْ
…
لَعِبَتْ بِكُتْبِكَ أَلْسُنُ النِّيرَانِ
لِلْحَقِّ قَدْ قَرَّبْتَهَا فَتُقُبِّلَتْ
…
وَالنَّارُ مُسْرِعَةٌ إِلَى القُرْبَانِ
ويقال: إنه ظهر بعقله خَللٌ بعد ذلك، توفي في ربيع الأول، سنة أربع وثمان مئة، ودفن بمقبرة الصوفية.
282 -
الشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير بن صالح، العسقلانيُّ الأصل، المصريُّ البلقيني، الشافعيُّ: المجتهد المحقق المدقق، الجامع بين أشتات العلوم، شيخ الإسلام، والعلم الفرد في وقته، المستغني عن الألقاب والأعلام، ذو الفضائل التي لا تسام، والمآثر والمحامد الجسام.
مولده في شعبان، سنة أربع وعشرين وسبع مئة ببلده، فاق الأقران، وتميز على أبناء الزمان، وصار معظَّمًا عند الأكابر، وعوَّل الناس في الإفتاء عليه، وله مصنفات في أنواع العلوم، وتولى قضاء الشام سنة تسع وستين وسبع مئة مدةً يسيرة، ثم استعفى، وصار في آخر عمره عينَ الوجود، وبركة كل موجود.
وكان تقيُّ الدين الأسديُّ الشهير بابن قاضي شُهبة كثيرًا ما يقول: لو رآه النووي والرافعي، لاستفادا منه أحمالًا من الفوائد.
توفي إلى رحمة الله تعالى في يوم الجمعة، عاشر ذي القعدة، سنة خمس وثمان مئة.
283 -
أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر ابن إبراهيم المصريُّ، المعروف بالعراقي: شيخ المحدثين، وحافظ الديار المصرية.
ولد في جمادى الأولى، سنة خمس وعشرين وسبع مئة، رحل إلى
الشام، وصنف، ونظم "الألفية في الحديث"، وشرحها شرحين: كبير، وصغير، وهو المشهور، وله مصنفات غير ذلك.
ولي قضاء المدينة في رمضان سنة ثمان وثمانين، ثم استعفى، ورجع إلى مصر، وأخذ عنه الحفاظ، منهم: ولده ولي الدين، وغيره، وولي بالقاهرة مشيخة الحديث بعدة مواضع.
وكان شافعي المذهب، حسن الوجه والشيبة، توفي في شعبان، سنة ست وثمان مئة، عن نيف وثمانين سنة.
284 -
شرف الدين عيسى بن حجاج السعديُّ، المصرىُّ الحنبليُّ، المعروفُ بعويس العالية: الأديب الفاضل، كان عالية في لعب الشطرنج، ويلعب به استدبارًا، وكان فاضلًا في النحو واللغة، وله النظم الرائق، وله قصيدة بديعة في مدخ النبي صلى الله عليه وسلم مطلعها:
سَلْ مَا حَوَى القَلْبُ مِنَ العِبَرِ
…
فَكُلَّمَا خَطَرَتْ أَمْسى عَلَى خَطَرِ
وله أشياء كثيرة.
ولد سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة، وتوفي في أوائل المحرم، سنة سبع وثمان مئة.
285 -
الأمير علاء الدين علي بن نائب الصبيبة ناصر الدين محمد: ولي قلعة الصبيبة بعد والده، وولي الحجوبية بالشام غير مرة، وتوفي في المحرم سنة تسع وثمان مئة بالقبيبات، ثم نقل إلى القدس بعد مدة، ودفن بمدرسته التي أنشأها بالقدس الشريف على المسجد الأقصى بالصف الشمالي، حين كان نائبًا بالقدس الشريف.
286 -
أبو حفص عمر بن كمال الدين إبراهيم بن الصاحب ناصر الدين بن العديم: قاضي القضاة الحنفي بحلب، كان عالي الهمّة من رجال الدنيا، ثم ولي قضاء مصر في رجب سنة خمس وثمان مئة، وولي مشيخة الشيخونية ونظرها.
ولد سنة إحدى وستين وسبع مئة بحلب، وكان بعينه عور، وتوفي في جمادى الآخرة، سنة إحدى عشرة وثمان مئة.
287 -
الشيخ عبد الله بن عبد الله بن مصطفى، الروميُّ، المشهورُ بالدالي (1): كان رجلًا صالحًا، لأهل بيت المقدس فيه اعتقاد عظيم، واشتهر أمره، ولما حج، مات بطريق مكة المشرفة في سنة إحدى عشرة وثمان مئة، وكان الأمير حسن الكشكلي ناظر الحرمين بنى له تربة بباب
(1) في الأصل: "بالذاكر".
الرحمة ليدفن فيها معه، فلما مات بطريق مكة، أوصى حسن أن يدفن عند الشيخ أبي عبد الله القرشي بماملا.
288 -
قاضي القضاة بمصر جلال الدين أبو الفضل (1) عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيُّ الشافعيُّ المصريُّ: ولد في رمضان، سنة ثلاث وستين وسبع مئة، اشتغل على والده وغيرِه، ولي قضاء العسكر، ثم عزل، واستمر مفتي دار العدل، ثم ولي القضاء بالديار المصرية في جمادى الآخرة، سنة أربع وثمان مئة، فباشر نحو سنة وأربعة أشهر، ثم عزل بابن الصالحي، ثم أعيد ثانيًا وثالثًا ورابعًا، وعزل بابن الأخنائي، ثم أعيد خامسًا، وعزل بالهروي، ثم أعيد سادسًا، واستمر إلى أن توفي، ومباشرته القضاء ثماني عشرة سنة، توفي بمصر بعد ما رجع من دمشق سنة أربع وعشرين وثمان مئة.
289 -
شرف الدين عيسى بن غانم قاضي القدس: شكا عليه أهل القدس مرارًا، وتوفي في شوال، سنة سبع وتسعين وسبع مئة شبه الفجأة، وجاء بعد موته كتاب السلطان بالكبس عليه وإهانته، فستره الله تعالى بالموت.
(1) في الأصل: "أبو هريرة".
290 -
عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام، السلميُّ الدمشقيُّ الشافعيُّ: تفقه، وبلغ رتبة الاجتهاد مع الزهد، حتى ظهر حاله في المكاشفات، وأفتى بإبطال بيعة الظاهر بيبرس وسلطنته، فحضر إليه ليلًا، فلما أحس به، أطفأ المصباح، وغلَّق الأبواب، فأحضر الشموع، ودخل عليه، وسأله عن أمره، فأجابه بأمور، منها: أنه باقٍ في الرق، فاشترى نفسه من منصوب عن بيت المال حتى عتق، وعقد له ثانيًا، وكان قد رفع أولاد الفرنج على السروج، فأحضرهم الشيخ، وعرض عليهم الإسلام، فامتنعوا، فضرب رقابهم، وكانوا ثلاثة، وكان السلطان حذره من فساد يحصل على [الإ] سكندرية وغيرها، فأجاب بأني أتولى الدفع بعون الله تعالى، فعن قليل حوصرت الثغور بسبب ذلك، فأرسل الشيخ عز الدين قاصدًا من جماعته إلى [الإ] سكندرية، ورمى بها ورقة في البحر قيل: سواد المراكب، فشتتهم الله تعالى، ولم يصل منهم أحد.
ولقِّب بسلطان العلماء، وكان حسن المحاضرة بالنوادر والأشعار، يحضر السماع، ويرقص، وتوفي في جمادى الآخرة، سنة ست وستين وست مئة.
291 -
شيخ الإسلام علاء الدين بن سليمان، المرداويُّ الحنبليُّ: عالم الحنابلة بدمشق، مصحح مذهب الإمام أحمد ومنقحه، قدم إلى دمشق وهو شاب في سنة سبع أو ثمان وثلاثين وثمان مئة، وأقام بمدرسة الشيخ أبي عمر بالصالحية، واشتغل بالعلم، فانتهت إليه رئاسة هذا
المذهب الشريف، وفضل على الشيخ تقي الدين أبي بكر بن قُندس البعليِّ شيخِ الحنابلة في وقته، وباشر نيابة القضاء عن بني مفلح في أيام قاضي القضاة علاء الدين علي بن مفلح، وفي أيام قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن مفلح.
وصنف مصنفات كثيرة مفيدة، أعظمها:"الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" جعله على "المقنع"، وهو من كتب الإسلام، و"التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع"، و"التحرير في الأصول"، وغير ذلك من الكتب المفيدة.
وانتفع الناس بمصنفاته في حياته وبعد وفاته، وتنزه عن مباشرة القضاء في آخر عمره، وصار قوله في كتبه حجة في المذهب، والمعول على قوله في الفتوى والأحكام في جميع المملكة، وهو الذي أجاز قاضي القضاة بدر الدين السعدي الحنبلي قاضي قضاة الديار المصرية بالإفتاء حين قدومه القاهرة في أيام قاضي القضاة عز الدين الحنبلي، وتوفي إلى رحمة الله تعالى في يوم الجمعة، سادس شهر جمادى الأولى، سنة خمس وثمانين وثمان مئة بمنزله بالصالحية، ودفن بسفح قاسيون رحمه الله، وعفا عنه -.
292 -
القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن مفلح، الحنبليُّ: باشر قضاء حلب، ثم تولى قضاء الشام، وكتابةَ السرِّ بها، ثم عزل، ثم تولى حلب مرارًا، ثم عزل، واستقر مكانه قاضي القضاة جمال الدين
التادفي، واستمر القاضي علاء الدين معزولًا إلى أن توفي في سنة إحدى وثمانين وثمان مئة بحلب، وكان من أهل العلم، وموصوفًا بالسخاء، إلا أنه لم يكن له حظ من الدنيا - رحمه الله تعالى، وعفا عنه -.
293 -
الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن شهاب الدين الشيشيني الحنبليُّ: خليفة الحكم العزيز بالديار المصرية، باشر في أيام قاضي القضاة بدر الدين البغدادي الحنبلي، وقاضي القضاة عز الدين الحنبلي، وتوفي في أيامه، في شهور سنة سبعين وثمان مئة، وكان من أهل العلم، وكتابته على الفتوى جيدة.
294 -
شيخ الإسلام سراج الدين عمر العبَّادي، الشافعيُّ: مفتي الديار المصرية، كان فقيه الملك العزيز يوسف في أيام والده الملك الأشرف برسباي، وانتهت إليه رئاسة الفتوى بالديار المصرية، وهو شيخ قاضي القضاة الشيخ زكريا، وتولى نظر ديوان الأحباس إلى حين وفاته.
توفي في يوم الخميس، تاسع عشر ربيع الأول، سنة خمس وثمانين وثمان مئة بالقاهرة.
295 -
الشيخ أبو الحسن علي بن محمد، البلبيسيُّ المخزوميُّ
الشافعيُّ: خليفة الحكم العزيز بالديار المصرية، والحاكم بالأعمال الشرقية وما أضيف إلى ذلك من الوظائف الدينية، والولايات الحكمية.
كان من أهل العلم، وباشر نيابة الحكم بالقاهرة نحو أربعين سنة، وكان عفيفًا، لا يتناول على الأحكام الشرعية شيئًا، وكان يصدع بالحق، ولا يخاف في الله لومة لائم، وتوفي في شهر رمضان، سنة ثمان وثمانين وثمان مئة، وصُلي عليه بالجامع الأزهر.
296 -
قاضي القضاة محيي الدين عبد القادر بن تقي، المالكيُّ الدميريُّ: كان من أهل العلم، باشر نيابة الحكم بالديار المصرية مدة طويلة، وكان موصوفًا بالعفة في مباشرته، فلما عزل قاضي القضاة برهان الدين اللقَّاني - المتقدم ذكرُه في حرف الهمزة في مستهل رجب، سنة ست وثمانين وثمان مئة - استقر قاضي القضاة محيي الدين المشار إليه عوضَه في يوم الاثنين، تاسع رجب المذكور، باشر القضاء، ونفذ أمره، وحصل له عارض في آخر عمره كالخلط المصرع، وكان يعرض له في المجالس والمحافل، حتى في مجلس السلطان، كل ذلك والسلطان يعضده، ويمتنع من عزله، إلى أن توفي في أوائل سنة ست وتسعين وثمان مئة.
وكان قاضي القضاة برهان الدين اللقاني حصل له توعك، فأجمع الناس أن لا يستقر في الوظيفة غيره، فتوفي بعده بمدة يسيرة نحو الشهر، والوظيفة مستمرة الشغور، فاستقر بها أخوه لأبيه قاضي القضاة تقي الدين
عبد الغني بن تقي المالكي في أوائل سنة ست وتسعين وثمان مئة.
297 -
قاضي القضاة تاج الدين ابن قاضي القضاة شيخ الإسلام سعد الديري الحنفيُّ - المتقدم ذكر والده في حرف السين -: انتهت إليه رئاسة القدس الشريف، وتولى قضاء الحنفية بالقدس في سنة إحدى وخمسين وثمان مئة عوضًا عن قاضي القضاة شمس الدين بن خير الدين خليل الحنفي - المتقدم ذكر والده في حرف الخاء -، واستمر القاضي شمس الدين بن خير الدين معزولًا إلى أن توفي في جمادى الأولى، سنة خمس وخمسين وثمان مئة.
ونفذت كلمة القاضي تاج الدين المشار إليه، وعظم أمره باعتبار وجود والده، واستمر إلى سنة ست وستين وثمان مئة، فتنزه عن القضاء، وتوجه إلى القاهرة، وفوض إليه والده مشيخة المؤيدية، واستقر ولده قاضي القضاة ناصر الدين هبة الله في قضاء القدس الشريف، فلما توفي والده قاضي القضاة سعد الدين في سنة سبع وستين وثمان مئة، نزل عن المؤيدية في سنة ثمان وسبعين وثمان مئة، وشرع يتردد من القاهرة إلى القدس الشريف ذهابًا وإيابًا، إلى أن نفد جميع ما معه من المال، فحضر إلى القدس الشريف في سنة اثنتين وتسعين وثمان مئة، ونزل بقصره الذي أنشأه عند خان الملك الظاهر بيبرس، وأقام به مدة يسيرة، ثم قصد التوجه إلى القاهرة، فوصل إلى غزة، فأدركته الوفاة بها في يوم
الجمعة، سادس شهر شعبان، سنة اثنتين وتسعين وثمان مئة بالجامع الجاولي، ودفن بتربة هناك بجوار الجامع، وقد بلغ من العمر نحو مئة سنة - رحمه الله تعالى -.
298 -
القاضي أمين الدين عبد الرحمن الديريُّ: أخو قاضي القضاة سعد الدين المتقدم ذكره، ولي نظر الحرمين الشريفين بالقدس، والخليل عليه السلام في أيام الملك الظاهر جقمق، وعزل منه، ثم عاد إليه، وعلت كلمته، ونفذ أمره، وتوفي في شهر شوال سنة خمس وخمسين وثمان مئة، وهو والد شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن الديري الحنفي أحد علماء الديار المصرية رحمه الله.
299 -
قاضي القضاة جمال الدين بن عبد الله ابن شيخ الإسلام شمس الدين محمد الديري الحنفي ابن أخ قاضي القضاة سعد الدين الديري المتقدم ذكره: ولي قضاء الحنفية بالقدس الشريف في سنة سبع وستين وثمان مئة، ووقع التشاجر بينه وبين قاضي القضاة ناصر الدين هبة الله ابن القاضي تاج الدين المتقدم ذكره، وشرع كل منهما يسعى على الآخر، ويأخذ عنه، إلى أن ثبت أمر القاضي جمال الدين، واستقر في المنصب، واستمر به إلى أن عزل في سنة خمس وسبعين وثمان مئة، ولعله في شعبان منها، ثم استقر في الوظيفة قاضي القضاة خير الدين بن
عمران - الآتي ذكُره في حرف الميم - في شهر صفر، سنة ست وسبعين وثمان مئة، واستمر نحو سنتين.
ثم توجه القاضي جمال الدين إلى القاهرة في ذي الحجة، سنة سبع وسبعين وثمان مئة، وتولى القضاء في شهر صفر سنة ثمان وسبعين وثمان مئة، وعاد إلى القدس، فلما وصل الرملة، حصل له توعُّك، فدخل القدس في يوم الخميس، وألبس التشريف، وركب وهو منزعج من التوعك، فلما دخل منزله، اشتد به الألم، ولم يقدَّر أنه حكم بحكم، ولا جلس في مجلس الحكم، واستمر أربعة عشر يومًا، وتوفي صبيحة يوم الأربعاء، ثاني عشر ربيع الآخر، سنة ثمان وسبعين وثمان مئة، وقد بلغ من العمر نحو أربع وسبعين سنة، ودفن بماملا إلى جانب والده، وقبر والده إلى جانب الشيخ شهاب الدين أحمد بن أرسلان من جهة القبلة رحمه الله، وعفا عنه -.
300 -
قاضي القضاة نور الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن البدرشي، البحريُّ المالكيُّ المصريُّ: كان من أهل العلم، وله معرفة تامة بالعربية، وعلم الحساب والفرائض، وباشر نيابة الحكم بالقاهرة مدة يسيرة، ثم تولى قضاء المالكية بالقدس الشريف، ودخل إليها في أوائل المحرم، سنة ست وسبعين وثمان مئة، واستمر بها إلى حين وفاته، ولما توفي القاضي جمال الدين الديري المذكور قبلَه، حصر ضبط تركته، ثم توعك بعض الأيام، وتوفي صبيحة يوم السبت، ثاني جمادى الأولى،
سنة ثمان وسبعين وثمان مئة، بعد وفاة القاضي جمال الدين المذكور بعشرة أيام، ودفن بباب الرحمة - رحمه الله تعالى، وعفا عنه -.
301 -
الشيخ عز الدين علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم ابن عبد الواحد الشيبانيُّ، المعروفُ بابن الأثير، الجزريُّ: ولد بجزيرة ابن عمر في رابع جمادى الأولى، سنة خمس وخمسين وخمس مئة، ونشأ بها، ثم سار إلى الموصل، وقدم بغداد مرارًا، ثم رحل إلى الشام والقدس، وكان إمامًا عالمًا، وصنف كتاب "الكامل في التاريخ"، ابتدأ فيه من أول الزمان إلى سنة ثمان وعشرين وست مئة، وله غيره من المصنفات، توفي بالموصل في شعبان، سنة ثلاثين وست مئة رحمه الله، وعفا عنه -.
302 -
قاضي القضاة، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد، الهاشميُّ المالكيُّ، الشهير بابن المزوار: تقدمت له ولاية القضاء بالقدس في سنة خمس وستين وثمان مئة، ثم عزل عنه، فلما توفي القاضي نور الدين البدرشي المذكور قبله، تولى عوضًا عنه، وكتب توقيعه في مستهل شوال سنة ثمان وسبعين وثمان مئة، ولم يدخل إلى القدس إلا في المحرم سنة ثمانين وثمان مئة، واستمر إلى جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين وثمان مئة، ثم توجه إلى القاهرة، وأقام بها، وهو مستمر على
الولاية إلى أن توفي في يوم الأحد، تاسع عشري جمادى الأولى، سنة خمس وثمانين وثمان مئة، وصُلي عليه بجامع المارديني.
وكان عفيفًا في قضائه، لا يتناول غير معلومه المرتب على المسجد الأقصى، وهو في كل يوم عشرة دراهم فضة رحمه الله، وعفا عنه -.