الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَرْفُ الكَافِ
323 -
أبو المسك كافور بن عبد الله الأخشيدي: كان عبدًا لبعض أهل مصر، اشتراه أبو بكر محمد بن طُغج الأخشيدي في سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة بمصر من محمود بن وهب بن عباس، وترقى (1) وهو عنده، وجعله أتابكَ ولديه، وبلغت خزانته كلَّ يوم ثلاثةَ عشرَ ألفًا، ولما توفي الأخشيدي، تولى مملكة مصر والشام ولدُه الأكبر أبو القاسم، وقام له كافور بتدبير دولته أحسنَ قيام إلى أن توفي يوم السبت، لثمانٍ، وقيل: سبعٍ من ذي القعدة، سنة تسع وأربعين وثلاث مئة، وحُمل إلى القدس، ودفن عند أبيه، وكانت ولادته بدمشق يوم الخميس، لتسعٍ خلون من ذي الحجة، سنة تسع عشرة وثلاث مئة. وتولى بعده أخوه أبو الحسن علي، وملك الرومُ في أيامه حلب، والمصيصة، وطرسوس، فاستمر كافور على نيابته إلى أن توفي عليٌّ المذكور لإحدى عشرةَ ليلة خلت من المحرم، سنة خمس وخمسين، وكانت ولادته يوم الثلاثاء، لأربع خلون من صفر، سنة ست وعشرين وثلاث مئة بمصر.
(1) في الأصل: "وتوفى".
ثم استقل كافور بالمملكة من هذا التاريخ، وأشير عليه بإقامة الدعوة لولد أبي الحسن علي، فاحتج بصغر سنه، وركب المطارد، وأظهر خِلَعًا جاءته من العراق، وكتابا بتكنيته، وركب بالخِلَع يوم الثلاثاء، لعشرٍ خلون من صفر، سنة خمس وخمسين وثلاث مئة، وكان يرغب في أهل الخير، ويعظِّمهم، وكان أسود شديد السواد بصاصًا، واشتراه الأخشيد بثمانية عشر دينارًا.
ومدحه المتنبي بأحسن المدائح، فمن ذلك قوله في أول قصيدة أنشدها له في جمادى الآخرة، سنة ست وأربعين وثلاث مئة، وقد وصف الخيل، ثم قال:
قَوَاصِدُ كَافُورٍ تَوَارِكُ غَيْرِهِ
…
وَمَنْ قَصَدَ البَحْرَ اسْتَقَلَّ السَّوَاقِيَا
فَجَاءَتْ بِهِ إِنْسَانَ عَيْنِ زَمَانِهِ
…
وَخَلَّتْ بَيَاضًا خَلْفَهَا وَأَمَاقِيَا
ولقد أحسن في هذا غاية الإحسان.
ثم حصل بينهما وحشة، فهجاه، ثم فارق مصر، ومن جملة هجائه قصيدة دالية في آخرها هذان البيتان:
مَنْ عَلَّمَ الأَسْوَدَ المَخْصِيَّ مَكْرُمَةً
…
أَقَوْمُهُ البِيضُ أَمْ آبَاؤُهُ الصِّيدُ
وَذَاكَ أَنَّ الفُحُولَ البِيضَ عَاجِزَةٌ
…
عَنِ الجَمِيلِ فَكَيْفَ الخِصْيَةُ السُّودُ
ولم يزل كافور مستقلًا بالأمر إلى أن توفي يوم الثلاثاء، لعشر بقين من جمادى الأولى، سنة ست وخمسين وثلاث مئة بمصر، ودفن بالقرافة الصغرى، وقبره مشهور هناك، ولم تطل مدته في الاستقلال، وكانت بلاد الشام في مملكته مع مصر، ويُدعى له على المنابر بمكة المشرفة، والحجاز، وغير ذلك، وكان تقدير عمره خمسًا وستين سنة، وكانت أيامه شديدة، وقيل: إنه توفي سنة سبع وخمسين وثلاث مئة، وكانت ولايته على حكم موته في التاريخ الثاني سنتين وثلاثة شهور - تقريبًا -.
ولما توفي تقرر الحال بولد أبي الحسن علي بن الأخشيد، وخُطب لأبي الفوارس أحمد بن علي بن الأخشيد يوم الجمعة، لسبعٍ بقين من جمادى الأولى، سنة سبع وخمسين وثلاث مئة.
* * *
324 -
أبو صخر كُثَيِّرُ بن عبد الرحمن بن أبي جمعة، الأسودُ، الخزاعيُّ: أحد عشاق العرب المشهورين، وكان رافضيًا شديدَ التعصب لآل أبي طالب، ومن شعره:
قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ
…
وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مَعَنًّى غَرِيمُهَا
وهو صاحبُ عَزَّة بنتِ جميل بن حفص، كان مغرمًا بها، وله معها حكايات ونوادر مشهورة.
وكان كُثيِّر بمصر، وعزة بالمدينة، فاشتاق إليها، وسافر نحوها، فلقيها في الطريق وهي متوجِّهة إلى مصر، وجرى بينهما كلام، ثم انفصلت عنه وقدمت مصر، فعاد كُثير إلى مصر، فوافاها والناس منصرفون من جنازتها، فأتى قبرَها، وأناخ راحلته، وسكت ساعة، ثم رحل وهو ينشد أبياتًا، منها:
أَقُولُ وَنِضْوِي وَاقِفٌ عِنْدَ قَبْرِهَا
…
عَلَيْكِ سَلَامُ اللهِ وَالعَيْنُ تَسْفَحُ
وَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي مِنْ فِرَاقِكِ حَيَّةً
…
فَأَنْتِ لَعَمْرِي اليَوْمَ أَنْأَى وَأَنْزَحُ
وتوفي كُثيِّر في سنة خمس ومئة، وكان موت عكرمةَ مولى ابن عباس وكُثيِّر في يوم واحد بالمدينة، فقال الناس: مات أفقهُ الناس، وأشعر الناس.
وكُثَيِّر: تصغير كَثِير، وإنما صُغِّر؛ لأنه كان حقيرًا شديدَ القِصَر، وكان إذا دخل على عبد الملك بن مروان، يقول له: طأطِ رأسك لئلَّا يؤذيك السّقف، يمازحه بذلك، وكان يلقب: زب الذباب، وكان طوله قريبًا من الثلاثة أشبار.
* * *
325 -
مظفر الدين أبو سعيد كوكبوري بن زين الدين علي كوجك ابن بكتكين بن محمد: الملقب: الملك المعظم، صاحب إربل، رزق أولادًا كثيرة، وكوجك: لفظ أعجمي، ومعناه بالعربي: صغيرٌ؛ أي: صغير القد، وأصله من التركمان، وملكَ إربل وبلادًا كثيرة بعد وفاة أخيه زين الدين يوسف في شوال، سنس ست وثمانين وخمس مئة، وعمِّر طويلًا، يقال: إنه جاوز مئة سنة، وعمي في آخر عمره، وكان له في فعل الخيرات غرائبُ لم يُسمع بمثلها، ولم يكن شيء في الدنيا أحبَّ إليه من الصدقة، وله بمكة المشرفة - حرسها الله تعالى - آثار جميلة، وبعضها باقٍ إلى الآن، وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات ليلة الوقوف، وكرم عليه جملة كثيرة، وعمل بالجبل مصاح للماء، فإن الحجاج كانوا يتضرَّرون من عدم الماء هناك، وبنى له - أيضًا - تربة هناك.
وأما احتفاله بعمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الوصف يقصر عن الإحاطة به؛ لما كان ينفقه فيه من الأموال الجليلة.
وكان شجاعا، كثير التواضع، حسن العقيدة، سالم البطانة، شديد الميل إلى السنَّة والجماعة.
وتوفي وقت الظهر يوم الأربعاء، ثامن عشري رمضان، سنة ثلاثين وست مئة، ودفن بداره، ثم حمل بوصية منه إلى مكة المشرفة ليدفن في القبة التي أعدت له تحت الجبل في ذيله، فاتفق أن الحاج رجع تلك السنة من لِيْنَهْ، ولم يصل إلى مكة، فردوه، ودفنوه بالكوفة بالقرب من المشهد.
وكُوكُبوري: - بضم الكافين، وبعدهما باء، ثم واو ساكنة بعدها راء -، وهو اسم تركي معناه بالعربي: ذئب أزرق.
ولِيْنَهْ - بكسر اللام، وسكون الياء المثناة من تحتها، وفتح النون، وبعدها هاء ساكنة -: منزلة في طريق الحجاز من جهة العراق، وكان الركب في تلك السنة قد رجع منها؛ لعدم الماء، وقاسَوْا مشقة عظيمة.
* * *