الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَرْفُ الفَاءِ
305 -
الشهاب فتيان بن علي بن فتيان، الأسديُّ الحنفيُّ الدمشقيُّ، المعروفُ بالشاغوريِّ: كان فاضلًا شاعرًا، خدم الملوك، ومدحهم، وعلَّم أولادهم، ومن شعره:
عَلَامَ تَحَرُّكِي وَالحَظُّ سَاكِنْ
…
وَمَا نبُّهْتُ فِي طَلَب وَلَكِنْ
أَرَى نَذْلًا تُقَدِّمُهُ المَسَاوي
…
عَلَى حُرٍّ تُؤَخِّرُهُ المَحَاسِنْ
توفي سنة اثنتين وخمس مئة (1).
306 -
أبو العباس الفضل بن يحيى بن خالد بن بَرْمك، البرمكيُّ: أكثُرهم كرمًا، مع كرم البرامكة وسَعَة جودهم، وكان أكرمَ من أخيه جعفر، وقلَّده الرشيد عملَ خراسان، ثم إن الرشيد لما قتل جعفرًا، قبض على أبيه يحيى، وأخيه الفضل المذكور، وحُبسا، ثم أرسل الرشيد
(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (4/ 26)، وفيه:"توفي سنة خمس عشرة وست مئة". وفيه: "الحريمي" بدلًا من "الحنفي".
مسرورًا الخادمَ، فأخرج الفضلَ من السجن، وسأله عن أموالهم، فأجاب بجواب لم يُرضِه، فضربه مئتي سوط، وتولى ضربَه الخدمُ، فضربوه أشدَّ الضرب، حتى كادوا أن يتلفوه، وتركوه ومضوا، وكان هناك رجل نصرانيٌّ للعلاج، فطلبوه لمعالجته، فعالجه وبرئ، فاقترض الفضلُ من بعض أصحابه عشرة آلاف درهم، وسَيَّرها له، فردها عليه، فاعتقد أنه قد استقَلَّها، فاقترض عليها عشرة آلاف درهم أخرى، وسيرها له، فأبى أن يأخذها، وقال: ما كنتُ لَاخذَ على رجل من الكرام كدِّي، والله! لو كانت عشرين ألف دينار، ما قبلتُها، فلما بلغ الفضلَ ذلك، قال: والله! إن الذي فعله هذا أبلغُ من الذي فعلناه في جميع أيامنا، وكان قد بلغه أن ذلك المعالج في شدة من الضيق والفاقة.
وقد مدح البرامكَة جميعُ شعراء عصرهم، فمن ذلك: قول مروان ابن أبي حفصة في الفضل المذكور:
عِنْدَ المُلُوكِ مَنَافِعٌ وَمَضَرَّةٌ
…
وَأَرَى البَرَامِكَ لَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ
إِنَّ العُرُوقَ إِذَا اسْتَسرَّ بِهَا النَّدَى
…
أَشِبَ النَّبَاتُ بِهَا وَطَابَ المَزْرَعُ
إِنْ كَانَ شَرٌّ كَانَ غَيْرُهُمُ لَهُ
…
وَالخَيْرُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِمْ أَجْمَعُ
وَإِذَا جَهِلْتَ مِنِ امْرِئٍ أَعْرَاقَهُ
…
وَطِبَاعَهُ فَانْظُرْ إِلَى مَا يَصْنَعُ
وكان الفضل كثير البرِّ بأبيه، وكان أبوه يتأذَّى من استعمال الماء البارد في الشتاء، فيحكى: أنهما كانا في السجن، ولم يكن يقدر على تسخين الماء، فكان الفضل يأخذ الإبريق النحاسيَّ وفيه الماء، فيُلصقه على بطنه زمانًا، عساه تنكسر برودته بحرارة بطنه؛ حتى يستعملَه أبوه بعد ذلك.
ولد الفضل لسبعٍ بقين من ذي الحجة، سنة سبع وأربعين ومئة، وقيل: سنة ثمان وأربعين، وتوفي بالسجن سنة ثلاث وتسعين ومئة في المحرم، غداة جمعة بالرقة، وقيل: في شهر رمضان، سنة اثنتين وتسعين ومئة، ولما بلغ الرشيدَ موتُه، قال: أمري قريب من أمره، وكذا كان؛ فإن وفاته سنة ثلاث وتسعين ومئة، ليلة السبت، لثلاثٍ خلون من جمادى الآخرة، وكان قريبه في الولادة - أيضًا -.
307 -
أبو العباس الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن عبد الله ابن أبي فروة - واسمه كيسان - مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه: ولما آل الأمر إلى هارون الرشيد، واستوزر البرامكة، كان الفضل يروم التشبه بهم، ومعارضَتَهم، ولم يكن له من المقدرة ما يدرك بها اللحاقَ بهم، وكان في نفسه منهم شحناء وحسدٌ، وإذا أراد الله هلاكَ قوم، وزوالَ نعمتهم،
جعل لذلك أسبابًا، فمن أسباب زوال نعمة البرامكة: تقصيرهم بالفضل ابن الربيع، وسعي الفضل بهم، لما تمكن بالمجالسة من الرشيد، أوغرَ قلبه عليهم، ومالأه (1) إلى ذلك هو وكاتبهُم إسماعيل بن صبح حتى كان ما كان.
ويحكى: أن الفضل دخل يومًا على يحيى بن خالد البرمكي، وقد جلس لقضاء حوائج الناس، وبين يديه جعفر يوقع في القصص، فعرض الفضلُ عليه عشرَ رقاع، فتعلَّل يحيى في كل رقعة بعلة، ولم يوقع في شيء منها البتةَ، فجمع الفضل عليه الرقاع، وقال: ارجعْنَ خائبات خاسئات، ثم خرج وهو يقول:
عَسَى وَعَسَى يَثْنِي الزَّمَانُ عِنَانَهُ
…
بِتَصْرِيفِ حَالٍ وَالزَّمَانُ عَثُورُ
فَتُقْضَى لُبَانَاتٌ وَتُشْفَى حَسَائِفُ
…
وَتَحْدُثُ مِنْ بَعْدِ الأُمُورِ أُمُورُ
فسمعه يحيى وهو ينشد ذلك، فقال: عزمتُ عليك يا أبا العباس إلا رجعتَ، فرجع، فوقع له في جميع الرقاع، ثم ما كان إلا قليل حتى نكبوا على يده، وتولى بعدَهم وزارة الرشيد، وفي ذلك يقول أبو نواس، وقيل أبو حرزة:
(1) في الأصل: "وميله".
مَا رَعَى الدَّهْرُ آلَ بَرْمَكَ لَمَّا
…
أَنْ رَمَاهُمْ مَلْكُهُمْ بِأَمْرٍ فَظِيعِ
إِنَّ دَهْرًا لَمْ يَرْعَ عَهْدًا لِيَحْيَى
…
غَيْرُ رَاعٍ ذِمَامَ آلِ الرَّبِيعِ
ومات الرشيد، والفضلُ مستمرٌّ على الوزارة، فقرر الأمور للأمين محمد بن الرشيد، ولم يلتفت للمأمون وهو بخراسان، ثم لما قويت شوكة المأمون، استتر في رجب سنة ست وتسعين ومئة، ثم ظهر لما ادعى إبراهيمُ بنُ المهدي الخلافهَ ببغداد، فلما اختلَّ حاله، استرَ الفضل ابن الربيع ثانيًا، وشرح ذلك يطول.
ثم إن طاهر بن الحسين سأل المأمون الرضا عنه، فأدخله عليه، إلا أنه لم يزل بطالًا إلى أن مات، ولم يكن له في دولهَ المأمون حظ، وتوفي الفضل بن الربيع في سنة ثمان ومئتين.
308 -
الفضل بن سهل أبو العباس السرخسي أخو الحسن بن سهل: أسلم على يد المأمون في سنة تسعين ومئة، فوزَرَ للمأمون، واستولى عليه، حتى ضايقه في جارية أراد شراءها، وكانت فيه فضائل، فكان يلقب بذي الرئاستين؛ لأنه تقلد الوزارة والسيف، وكان مِنْ أخْبَرِ الناس بعلم النجوم، وأكثرهم إصابة في أحكامه، ولما ثقل أمره على
المأمون دسَّ عليه خادمه غالب المسعودي الأسود بسرخس، ومعه جماعة، وقتله مُغافصة يوم الجمعة، ثاني شعبان، سنة اثنتين ومئتين، وعمره ثمان وأربعون سنة، ومات والد الفضل سهل سنة اثنتين - أيضًا - بعد قتل ولده بقليل.
309 -
أبو العباس الفضل بن مروان، وزيرُ المعتصم:[و] هو الذي أخذ له البيعةَ ببغداد، وكان المعتصم يومئذٍ ببلاد الروم، وفوض إليه الوزارة يوم دخوله بغداد، وهو [يوم] السبت، مستهل رمضان، سنة ثماني عشرة ومئتين، وخلع عليه، وردَّ أمورَه كلَّها إليه، فتغلب عليه بطول خدمته، وتربيته إياه، واستقل بالأمور، وكذلك فعل في أواخر ولاية المأمون، وكان نصراني الأصل، قليل المعرفة بالعلم، حسن المعرفة بخدمة الخلفاء، وكان قد حبس يومًا لقضاء أشغال الناس، ورفعت إليه قصص العامة، فرأى في جملتها ورقةً مكتوب فيها:
تَفَرْعَنْتَ يَا فَضْلُ بْنَ مَرْوَانَ فَاعْتَبِرْ
…
فَقَبْلَكَ كَانَ الفَضْلُ وَالفَضْلُ والفَضْلُ
ثَلَاثَةُ أَمْلَاكٍ غَدَوْا لِسَبِيلِهِمْ
…
أَبَادَتْهُمُ الأَقْيَادُ وَالحَبْسُ وَالقَتْلُ
وَإِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ فِي النَّاسِ ظَالِمًا
…
سَتُودِي كَمَا أَوْدَى الثَّلاثَةُ مِنْ قَبْلُ
وأما الثلاثة الذين تقدموا، وهم: الفضل بن يحيى البرمكي، والفضل بن الربيع، والفضل بن سهل، فلما وقف على هذه الأبيات، استدعاه، واعتذر إليه، وقضى حاجته.
ثم إن المعتصم تغيَّر عليه، وقَبَض عليه في رجب، سنة إحدى وعشرين ومئتين، ولما قبض عليه، قال: عصى الله في طاعتي، فسلَّطني عليه.
ثم خدم بعد ذلك جماعة من الخلفاء، ثم توفي في ربيع الآخر، سنة خمسين ومئتين، وعمره ثمانون سنة، وأخذ المعتصم من داره لما نكبه ألفَ ألفِ دينار، وأخذ أثاثًا وآنية بألف ألف دينار.
310 -
الفُضيل بن عياض بن مسعود بن بشر، التميميُّ، الطالقانيُّ الأصل، الزاهدُ المشهورُ: أحد رجال الطريقة، كان في أول أمره شاطرًا، يقطع الطريق بين أَبِيْوَرد وسَرَخْس، وكان سبب توبته: أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها، سمع تاليًا يتلو:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16].
فقال: يا رب! قدْ آن.
ثم صار من كبار السادات.
ومن كلام الفضيل: إذا أحب الله تعالى عبدًا، أكثر غَمَّه، وإذا أبغض عبدًا، أوسعَ عليه معيشته أو دنياه.
ومناقبه كثيرة، قدم مكة، وجاور بها إلى أن مات في المحرم، سنة سبع وثمانين ومئة، ومولده بأَبِيْوَرْد، وهو منسوب إلى طالقان من خراسان.
311 -
أبو شجاع فناخسرو الملقب: عضد الدولة بن ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه، الديلميُّ: تسلم مملكة فارس بعد عمه معزِّ الدولة، ولم يبلغ أحد في أقاربه ما بلغه عضد الدولة من سعة الملك، والاستيلاء على الملوك وممالكهم، وهو أول من خوطب بالملك في الإسلام، وأول من خُطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة، وكان من جملة ألقابه: تاج الملة، وكان فاضلًا، محبًا للفضلاء، مشاركًا في عدة فنون.
وكتب أبو منصور أفتكين التركي متولي دمشقَ كتابًا إلى عضد الدولة مضمونُه: أن الشّام قد صفا في يدي، وزال عنه حكم صاحب مصر، فإن قَوَّيتني بالأموال والعُدد، حاربت القوم.
فكتب عضد الدولة جوابه هذه الكلمات، وهي متشابهة في الخط لا تقرأ إلا بعد الشكل والنقط:
غَرَّكَ عِزُّكَ، فَصَارَ قُصَارَ ذَلِكَ ذُلُّكَ، فَاخْشَ فاحِشَ فِعلك، فَعلَّك بِهَذَا تَهْدا.
ولقد أبدع فيها كلَّ الإبداع.
وكان أفتكين مولى معز الدولة بن بويه، فتغلب على دمشق، وخرج على العزيز العُبيدي صاحبِ مصر، والتقى جيشاهما، وانكسر أفتكين وهرب، فقطع عليه الطريق دغفل الجراح البدري، وحمله إلى العزيز وفي عنقه حبلٌ، فأطلقه، وأحسن إليه، وأقام يسيرًا، ومات سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة.
ولما احتضر عضد الدولة، لم يكن لسانه ينطق إلا بتلاوة:{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28 - 29].
وعالش بعدها قليلًا، ومات بعلّة الصرع، في يوم الاثنين، ثامن شوال، سنة اثنتين وسبعين وثمان مئة ببغداد، ودفن بدار الملك، ثم نقل إلى الكوفة، ودفن بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعمره سبع وأربعون سنة، وأحدَ عشرَ شهرًا، وثلاثة أيام.
والبيمارستانُ العضدي ببغداد منسوب إليه.
وهو الذي أظهر قبرَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالكوفة، وبنى عليه المشهد، وأوصى بدفنه فيه.
وللناس فيه اختلاف كثير، حتى قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة الثقفي، وإن عليًا رضي الله عنه لا يعرف قبره، وأصح ما قيل فيه: إنه مدفون بقصر الإمارة بالكوفة، والله أعلم.
312 -
مجد الدين فضل الله بن فخر الدين عبد الرحمن بن
مكانس، المصريُّ: عني بالأدب، وله نظم حسن، وكتب بديوان الإنشاء بالقاهرة، ولم يكن مسعودًا في أمر دنياه.
دخل رجل على والده الفخر وهو عنده، وصف له عبدًا حبشيًا في غاية الحسن، فتطلع والده لشرائه، وكان على رأسه مملوك في غاية الحسن، فأنشأ يقول:
يَا مَنْ تَعَشَّقَ عَبْدًا بِالسَّمَاعِ بِهِ
…
وَعِنْدَهُ أَبْيَضٌ كَالبَدْرِ فِي الحَمَلِ
خُذْ مَا رَأَيْتَ وَدع شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ
…
فِي طَلْعَةِ البَدْرِ مَا يُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ
* * *
313 -
أمير العرب فضل بن عيسى بن رملة بن جماز، أميرُ آل علي: ولي الإمرة بعد أخيه حادث خمسة وثلاثين سنة، وأخوه حادث ورث الإمرة بعد أبيه سنتين، ولما جاء الظاهر برقوق الكرك، رحل هو وعربه معه، وصار له بذلك عنده وَجاهة، وقبض عليه نوروز، وحبسه بقلعة دمشق، ثم إنه اتهم بمكاتبة المؤيد شيخ، فقتله في ذي القعدة، سنة ست عشرة وثمان مئة.